الفصل الخامس و العشرون
مرحبا قرائي الأعزاء
استمتعوا بالفصل
*
نتعود على الحزن و الأسى في حياتنا حتى نعتقد أن كل فرحة ليست سوى فخ
بت أشعر بالارتياب من كل مشاعر راحة و سعادة تقبل عليّ
أرسم الابتسامة و أتظاهر أنني أحضى بوقتي السعيد و لكن في داخلي هناك قلق لا ينتهي
هناك خوف و هناك شك لا يتركني بحالي
نزلنا من سيارة الأجرى بعد أن توقفت في الشارع الذي يقع فيه المبنى الذي نقيم به
إنه مبنى من الآجور الأحمر ، ذلك النوع المشهور في أمريكا
حصلنا على شقة ، لم تكن كبيرة جدا و لم تكن صغيرة ، عملنا عليها و جهزناها ببطء حتى باتت دافئة للغاية
انصرفت سيارة الأجرى و تشانيول عاود امساكه بكفي ثم سرنا ندخل ، شقتنا كانت تقع في الدور الثاني من المبنى فصعدنا الدرج حتى وصلنا عندها سحبت كفي و أخرجت المفتاح لكي أفتح الباب و هو من خلفي تحدث
" ضعي حقيبتي هذه في مكتبي ليتما أعود "
استغربت بينما ألتفت له و أخذت منه الحقيبة لأسأله
" إلى أين ستذهب ؟ "
" سوف أشتري بعض البقالة و أعود ... أخذت القائمة صباحا و نسيت احضارها "
" لا داعي لذلك أدخل الآن و سوف تحضرها في وقت لاحق "
" أفضل أن أذهب الآن "
قالها و اقترب يقبل وجنتي ثم غادر و أنا حدقت به حتى اختفى بينما ينزل الدرج ثم دخلت و أقفلت الباب و عندما التفت قابلتني ايطار صورة داي
ابتسمت و اقتربت ألمس ملامحه هامسة
" مرحبا داي ... "
بسمتي تحولت لبسمة أسى ثم تنهدت و واصلت طريقي نحو الداخل ، وضعت حقيبته بغرفة مكتبه الصغيرة ثم أقفلت الباب و توجهت نحو الغرفة ، غيرت ثيابي هناك و جمعت خصلاتي ثم خرجت متوجهة نحو المطبخ المشترك مع غرفة المعيشة
نمتلك تلفزيون صغير و أريكة مقابلة له ، نقضي عليها معضم أوقاتنا و نحن بالمنزل ، نتحدث و نساند بعضنا كلما ما مرّ أحدنا بوقت سيء
شرعت بتجهيز العشاء و بين الفينة و الثانية كنت أحدق بالسماء عبر النافذة الموجودة بالمطبخ ، مر وقت لا بأس به اعتقدت فيه أن تشانيول تأخر فتجولت ما بين المطبخ و غرفة المعيشة بعد أن وضعت العشاء على الطاولة
قلقت عليه ففي النهاية هذه أمريكا و نسمع دائما عن الجرائم في أحيائها و بينما أنا غارقة في قلقي و أفكاري السوداء سمعت صوت الباب يفتح فالتفت ناحيته بسرعة و سرت نحوه
" تشانيول لقد تأخرت "
قلتها و هو ابتسمت بينما يقفل الباب خلفه ، سلمني الكيس الورقي البني ثم وضع مفاتيحه على الطاولة بقرب ايطار صورة داي و داعب هو الآخر ملامحه و ابتسم بينما الأسى بدى في عينيه ناحيته
التفت لي من جديد ثم اقترب يضم كتفي و سرنا نحو الداخل أكثر
" لم أتأخر ، لقد قابلت صديق قديم لي صدفة و جلسنا في مقهى لبعض الوقت "
حدقت بعينيه بعد أن توقفنا و هو حرك رأسه لينبس
" ماذا ؟ ألا تصدقينني ؟ "
" الأمر ليس كذلك و لكن أرى بعينيك هم ... هل يوجد شيء لا أعلمه ؟ "
" أبدا حبيبتي "
قالها و ضمني كلي له حتى وقعت تفاحة من الكيس حينها ابتسمت لأبعده
" غير ثيابك ليتما أسخن الطعام "
" حسنا "
قالها و هذه المرة اقترب و قبل شفتيّ بخفة ثم غادر نحو الغرفة و ما إن أقفل الباب حتى مسحت البسمة عن ملامحي ، هناك شعور سيء يخالجني ، كأن هناك شيء سيء يحاول ابعاده عني
إنه يتفانى بحبي ، يحميني و مشاعري كأنني سوف أكسر في أي لحظة
إنه يلعب جميع الأدوار في حياتي ، جميع تلك الأدوار التي كانت فارغة و خلفت خرابا في روحي و قلبي
يضمني كأنه أبي و يمسح على ظهري و يهون علي خوفي
يقبل وجنتيّ بجنون كأنه ابني الذي يحاول أن يسعدني بضحكته
يمنحني أنفاسه و يبادلني حبي كأن لا عاشق بعده سيكون في قصص الحب
لست نادمة سوى على الجروح التي خلفتها بالقلوب بسبب حبي له لكنني أبدا لست نادمة أنني قدمت له قلبي و ما تبقى من عمري
جلست على الطاولة منتظرة حضوره و هو قدم بعد وقت بينما خصلاته كانت لا تزال ندية بسبب الحمام الذي أخذه
ابتسمت بينما آخذ صحنه و أضع به بعض الحساء و هو جلس و فرك كفيه محدقا بالطعام على الطاولة
" ميوك تدللني بشدة اليوم ... "
" اليوم فقط ؟ "
" دائما فأنت لا تسمحين لنا بتناول الوجبات الأمريكية "
" إنها وجبات غير صحية "
باشرنا تناول الطعام و هو بعد فترة أشار لي
" اذا ترغبين يمكنك كتابة رسالة أخرى لسونا و أنا سوف أرسلها لها غدا "
" حقا ؟ "
قلتها باهتمام بعد أن توقفت فابتسم و أومأ و عاد يتناول طعامه فشعرت ببهجة كبيرة لأواصل هذه المرة أنا أيضا طعامي بشهية أكبر مقررة أن يكون مطلع الرسالة عتاب لها و بعد أن انتهيت استقمت
" حبيبي سوف أحاول كتابة الرسالة "
أومأ مبتسما ليجيب هو الآخر
" خذي وقتك فأنا أيضا يجب أن أنهي بعض العمل "
البهجة سيطرت علي و مررت بجانبه لأتوقف و أقبل وجنته ثم توجهت نحو الغرفة و هناك جلست وسط السرير بعد أن أخذت حامل أوراق عليه أوراق بيضاء و قلم أسود
وضعتها بحضني ثم بمشاعر مشتته شرعت بكتبة رسالتي لها ، أخبرتها عن كل جديد حققته
أخبرتها أنني أخيرا أعيش كما تمنيت لكنني أخاف العقاب المتأخر على ما فعلت
في النهاية أنا لست بالمرأة البريئة ، لا يسعني سوى رؤية الظلام كلما التفت نحو الماضي
*
نحن نكذب و نلف حولنا أغلال هذا الكذب
كذبة سوف تجر كذبة حتى يخرج الأمر عن السيطرة
سعادتي مهددة بسبب الكذب فالبداية من ذلك السر الذي لا زلت أخبئه عن ميوك أنها كانت بالفعل حامل و أجهضت
ربما هي تجاوزت كل ما فعلته لكنها لو علمت أنها خسرت الجنين وقتها رد فعلها سوف يختلف تماما
و من هذا السر الذي يؤرقني كلما كانت بحضني إلى موت سونا
أخاف عليها الكسرة ، لا أريدها حزينة بعد الآن
تنهدت مسندا نفسي على المقعد عندما دخلت الغرفة و أقفلت على نفسها بينما تكتب الرسالة لسونا ، تركت الطعام و استقمت سائرا نحو غرفة مكتبي ، اختليت بنفسي هناك على ضوء خافت أحاول انهاء المقال
أهرب من التفكير بشغل نفسي لكنني كلما رفعت السجارة التي أشعلتها و وضعتها بين شفتيّ لا يمكنني سوى التفكير برد فعلها ، لا يمكنني رؤية سوى دموعها عندما تعلم أن سونا ماتت
في النهاية عليها أن تعلم
تنهدت بعد ما دفعت أنفاس السجارة خارج صدري و وضعتها على جانب الطفاية و عدت أنقر على أزرار الآلة الكاتبة محاولا انهاء المقال حتى أسلمه غدا للمراجعة من طرف رئيس التحرير
عملت لوقت طويل و حاولت اجهاد نفسي و تفكيري حتى أهرب أكثر فأكثر و مع آخر نقرة على أزرار الآلة فتح الباب و أطلت من خلفه ميوك بينما لا زالت تمسك بالمقبض
رفعت نظراتي لها فرسمت بسمة بدت مبتهجة أكثر من بسماتها قبل قليل
" ألا زلت مشغول ؟ "
" انتهيت الآن "
قلتها و التفت بمقعدي و هي تركت الباب لتدخل بينما تسير ببطء حافية القدمين مرتدية ثوب نوم أسود أحب رؤيته عليها كثيرا ، لقد فعلت كل ما أحبه ، مشت اليّ حافية القدمين بينما لا تضع على وجهها أي شيء فقط ملامحها التي أحبها و أرتاح كلما رأيتها
وقفت أمامي فمددت كفي لها ، هيا يا حبيبتي ضعي يدك بيدي و دعينا نحقق أحلامنا ، دعينا نفرح و نعيش السعادة فنحن لا نؤذي أحد هذه المرة بحبنا
نحن لا نسير بطريق الجحيم الذي ليس منه عودة
وضعت كفها بكفي فسحبتها لي و جعلتها تجلس بحضني بعد أن فرقت بين قدميها و كفيها احتضنت وجنتيّ بينما تتفرس ملامحي و على ملامحها الجميلة لا تزال بسمة هادئة مرسومة
" هل تحبني ؟ "
قالتها و هذه المرة استقرت نظراتها بعمق نظراتي و أنا أجبتها بدون تفكير أو بذل أي جهد
" أنني أحارب من أجلكِ ميوك ... كنت كسيرة على يديّ و الآن أبذل كل ما تبقى في أيامي حتى أجبر كسراتك و أرسم البسمة على ملامحك الجميلة "
حينها توسعت بسمتها أكثر و برقت عينيها سعادة لتقربها مني و أسندت جبينها على جبيني
" أما أنا أهديتني لك منذ قبلتني أول مرة و بادلتك ... أنا لك فلا تجعلني أشعر ببرد بعدك "
بكفي ضممت وجهها كله و أبعدتها عني قليلا ، حدقت بوجهها ثم أبعدت كفي أرفعها و مررتها على ملامحها ، أحاول أن أمسح بأناملي و لمستي ذكريات الحزن و الدموع التي بكتها وحيدة مفطورة القلب
كل تلك المآسي التي عاشتها لو يمكنني فقط مسحها من أدراج ذكرياتها
" أريد أن أرى السعادة على وجهكِ "
لقد أمسكت بكفي تلك و أراحت وجنتها على راحة كفي ، أغمضت عينيها لتجيب بهمس
" عندما تقف و تستطيع رؤية نفسك بعينيّ تلك ستكون سعادتي "
فتحت عينيها حينها قربتها مني أكثر ألتقم شفتيها ، أقبلها بدون أن أفكر أن هناك من سيحاول مسح لمساتي من عليها، ليس هناك من سيستطيع ابعاد عطري من على جسدها
شعرت بكفيها على قميصي تحاول فتحه فباتت أنفاسي أشرس من ذي قبل ، إنها امرأة لا يمكنني الاكتفاء منها ، امرأة مهما ارتويت من عذبها سوف أكون عطشا لها
أبعدت عني قميصي بمساعدة مني و أنا عندما ابتعدت عن شفتيها أمنحها أنفاسها لبرهة سحبت من عليها ثوبها أرميه بعيدا ثم حملتها فضمت ساقيها خصري ، ضمت ذراعيها رقبتي و سرت بها نحو غرفتنا
*
قبلت جبينها متنفسا بقوة ثم انسحبت لأتمدد بجانبها و نبست
" الآن يمكنك أن تنفذي ما أخبرتكِ عنه "
سحبت الغطاء لها مع بقائها مستلقية على ظهرها ثم ضمت ركبتيها لصدرها و نبست بعدم راحة
" كم من الوقت علي البقاء هكذا ؟ "
" من ربع ساعة إلى نصف ساعة ... حسب قدرة تحملكِ حبيبتي "
قلتها و اعتدلت في مكاني بينما أسندني على ذراعي التي أسندتها على وسادتي و حدقت بها ، نظرت إلى السقف ثم رسمت بسمة لتلتفت برأسها فقط إليّ
" ما نفعله جنوني ... "
حينها دنوت و قبلت جانب كتفها ثم ربت على خصلات شعرها مجيبا
" ما نفعله حتى نحضى بطفل حبيبتي ... حتى نحقق حلم أمومتك و نسد ثغرة الأبوة لديّ "
ابتسمت بأسى ثم عادت تنظر نحو السقف و أنا فقطت بقيت على وضعيتي تلك محدقا بها بينما أناملي لم تكف عن مسح خطوط الحزن التي رسمها الزمن على وجهها
مر وقت بدت أنها تعبت لكن ما باليد حيلة ، عليها التحمل لذا رأيت أنه من الأنسب لو شغلتها بالكلام لذا نبست بتساؤل
" تبقى أسبوع على عيد ميلادك أليس كذلك ؟ "
قلتها فالتفتت ناحيتي مرة أخرى برأسها فقط ، لم تبدو سعيدة بل وعبست
" لماذا تذكرني ... سوف أبلغ الواحدة و الأربعين ، أصبحت عجوزا فعلا "
" دعك من هذا الكلام الفارغ ... أنظري لنفسك تبدين أصغر مني بكثير يا امرأة "
" لا تحاول خداعي "
" أتعلمين أن مارك يعتقد أنك أصغر مني بأكثر من خمس سنوات ؟ ... "
" و هل أخبرته أنه العكس ؟ "
" لما سأخبره ؟ فليعتقد كما يرغب "
" حبيبي أصدقني القول ألا تشعر بشيء كوني أكبر منك ؟ "
حينها ابتسمت و أقتربت أقبل جبينها
" أشعر أنني محظوظ ، أنني امتلك امرأة تفهمني و تهتم بي ... امرأة حضنها لا يشبه حضن أي امرأة أخرى لأنه وحده من يمكنه استيعابي "
شغلتها بالكلام عن مارك و ليندا و كيف أغيظه عندما يزعجني بتقريبها منه و هي ضحكت كثيرا و أخبرتني أن أدعو ليندا كذلك للعشاء عندما أدعو مارك لذا أنا قررت أنني سوف أدعوهما ليلة ميلادها حتى نحتفل جميعا
مرت نصف ساعة كاملة حينها تنهدت براحة و تركت ساقيها و أنا سحبت الغطاء أكثر و دثرتها به ساحبا اياها الي
" هيا ميوك نامي الآن "
على ذراعي وضعت رأسها و أنا ضممتها لي أكثر فخبأت وجهها برقبتي و بعد قليل من الصمت نبست
" هل تعتقد أن ما نقوم به سوف يأتي بنتائج ؟ "
" سيفعل ميوك أنا متأكد ... حبنا لا بد أن يكون له ثمرة "
" أتمنى هذا حبيبي ، أتمنى "
*
أحيانا أفكر أن كل ما أقوم به لابد و أن يأتي بنتائجه في يوم لكن الزمان و الوقت ليسا في صالحي
سوف أبلغ الواحدة و الأربعين قريبا و هذا يعني أنني أقترب من يأسي
مهما حاول تشانيول اقناعي بعكس ذلك لكنني أدرك ما يدور حولي
غادرت مدرسة اللغة اليوم و هو لم يكن ينتظرني كما تعود ، ابتسمت عندما خرجت و لم أجده ثم التفت لتلك الألمانية و لوحت لها لتعبس و تنصرف بدون أن تبادلني الوداع و البسمة
فقط لو تعلم ما مررنا به و كيف كنا حتى وصلنا لما نحن عليه اليوم ، لو تعلم كمّ القلوب التي كسرت
أنا نفسي لم أعتقد أنني سوف أحصل على حبي ، لم أعتقد أنه في يوم يمكنني امساك كفه و السير معه بدون أن أخاف من نظرات الناس و همساتهم
صحيح أننا هربنا إلى مكان لا يمكن أن يعرفنا به أحد لكن الآن عندما أضمه لا أشعر أبدا بأي ذنب
مررت على متجر البقالة و اشتريت احتياجاتي فاليوم نحن ندعو مارك و ليندا على العشاء و لحفل ميلادي الذي أصر تشانيول أن يقيمه لي ، ليس حفلا كبيرا ولا باذخ ، إنه مجرد كعكة عليها شمعة سوف أطفئها بأنفاسي و نتمنى أمنية معا
إنه الحفل الدافئ الذي تمنيت دائما الحصول عليه
حملت أغراضي و عدت سائرة للمنزل و عندما وصلت صادفت أحد جيراننا يمسك بصندوق ، حاولت المرور لكنه أوقفني متحدثا
" سيدة بارك ... "
توقفت و التفت مبتسمة له فاقترب ناحيتي
" أعتقد أن هذا الطرد وصل لزوجك من كوريا "
" حقا ؟ "
قلتها و تقدمت ألقي عليه نظرة فرأيت اسمه مكتوب عليه بالكورية تحت الكتابة الانجليزية فابتسمت
" إنه فعلا لنا "
" هل أساعدك في ادخاله ؟ "
حينها حدقت بيديّ المشغولة بحمل الأكياس و أجبت بامتنان
" سوف أكون شاكرة لك "
صعدنا الدرج حتى وصلت بقرب باب شقتنا و هو وضع الصندوق ليغادر فوضعت الأكياس و أخرجت المفتاح من حقيبتي و فتحت الباب ، أدخلت الاكياس لأضعها على الطاولة ثم عدت و حملت الصندوق و دفعت الباب بقدمي ليقفل ، وضعت المفاتيح على الطاولة و ابتسمت لصورة داي
أخذت صندوق الطرد لغرفة مكتبه و هناك وضعته بدون أن أفتحه ، إن كان لي فيه شيء سوف أعلم بالتأكيد ، هذا ما فكرت به ثم أقفلت الباب و توجهت نحو الغرفة ، غيرت ثيابي ثم شرعت في تجهيز العشاء
صنعت الكثير من الأطباق الكورية التي يمكن لمكوناتها أن تتوفر هنا و بعدها جهزت طاولة لاستقبال أربعة أشخاص
تفقدت كل شيء ثم تركت الحساء على النار و ذهبت لأخذ حمامي ، أخرجت ثوبا بلون قاني ضيق طوله فوق ركبتيّ بقليل ، سرحت شعري القصير ثم وضعت بعض الزينة ، لم أتكلف كثيرا لكنني ابتسمت عندما حملت أحمر شفاه لونه مشابه للون الثوب
لقد مرّ وقت طويل منذ تبرجت بجرأة هكذا ، ارتديت الثوب و أخرجت حذاء بكعب عالي أسود اللون ، لقد اشتاره لي تشانيول الشهر الفائت حينما قال أننا سوف نحاول الخروج للعشاء
سرت نحو طاولة الزينة و من عليها حملت خاتم زواجي البسيط ، لم يكن يحمل عليه أي جوهرة أو حجر كريم ، فقط محبس بسيط ذهبيّ و هذا بالنسبة لي كان أكثر من كافي
وضعته باصبعي ثم حملت الساعة ذات السوار الأسود المهترئ ، حدقت فيها مطولا و تذكرت تلك الأيام ، بقدر ما كانت سيئة لكن ما شعرت به في تلك الفترة كان حقيقي أكثر من أي وقت رغم الندم
وضعتها على معصمي و ألقيت نظرة على الوقت لأهمس
" سوف يصلون في أي وقت "
و ما إن أنهيت جملتي حتى سمعت بعض الضوضاء في الخارج ثم صوت تشانيول
" تفضلا سوف أخبر ميوك أننا وصلنا "
تقدمت من الباب و عندما فتحت كان تشانيول يقف على عتبته بينما يحمل كيسا ورقي يبدو راقي التصميم ، ابتسم عندما رآني و ما إن هممت بالخروج حتى دفعني نحو الداخل و أقفل الباب خلفه محدقا بي كلي ، نظراته كما عودني لم تخلو من الاعجاب ولا حتى رغبته بي ليقول بعدها بتذمر
" كيف يفترض بي أن أتحلى بالصبر إلى أن يغادرا البغيضين ؟ "
حينها ابتسمت و اقتربت أضم رقبته بذراعي ، ساندة جبيني عليى جبينه أجبت
" من يتحلى بالصبر يكون جزاءه كبير و عظيم للغاية سيد بارك "
حينها غمز لي و ترك الكيس يقع أرضا لتضم كفيه المتملكة خصري
" أفهم من كلامك أن ليلة ساخنة في انتظارنا ؟ "
" اذا تحليت بالصبر و تصرفت بطريقة ودودة مع ضيوفنا "
" لوهلة فكرت بطردهما "
" لهذا أخبرك أن تتصرف معهما بطريقة ودودة "
اقترب و قبل وجنتي فقط ثم تركني مبتعدا و رافعا ذراعيه
" سوف أحاول أن أكون رجلا جيدا "
و أنا اقتربت و ضممت وجنته بكفي مجيبة بطريقة تستفزه
" فتى جيد "
" ميوك سوف أتراجع و أطردهما و أقيدك أنت "
قهقت بمتعة ثم أمسكت بكفه و سحبته لكنه أوقفني و دنى يحمل الكيس
" لحظة ألا تريدين رؤية هديتي ؟ "
أخذت عنه الكيس و وضعته على طاولة الزينة القريبة منا
" أفضل أن أفتحه عندما نكون لوحدنا "
خرجنا إلى غرفة المعيشة أين كانت ليندا الفتاة ذات النظارات السميكة تجلس على الأريكة أما مارك الذي قابلته عدة مرات من قبل كان يقف أمام الموقد و يرفع الغطاء عن الحساء
" مرحبا "
قلتها فالتفتت ليندا التي استقامت بسرعة و اقتربت تمد كفها ناحيتي تحييني
" مرحبا سيدة بارك سعيدة بدعوتك لي "
بادلتها التحية مبتسمة لأجيبها
" أنا أسعد لأنني أسمع الكثير عنك من تشانيول "
" أشعر بالاحراج "
قالتها لترفع ايطار نظاراتها و ابتسمت أما مارك فأخيرا ترك الغطاء و اقترب ، لقد اقترب و أمسك كفي بدون أي مقدمات و قبله
" سيدة بارك الجميلة كل سنة و أنت بخير أتمنى أن تعيشي أكثر من زوجك البغيض "
حينها ترك تشانيول جانبي و اقترب منه ، ابتسم ليضم كتفيه بنوع من القوة و ضغط عليه
" مزاحك ثقيل مارك "
حدقت بهما ليندا ثم رأيته يهمس له فتوسعت عيني مارك و حدق ناحيتها نافيا و نبس بعدها
" سوف أحسن التصرف أعدك "
عبست ليندا فقد كان واضح أن ماقيل بشأنها و هذا تصرف لم يعجبني فاقتربت منها و ضممت ذراعها أسحبها معي
" هيا ليندا معي ... أنا هنا لا أحضى بأي نوع من الصداقات فما رأيك أن تكوني صديقتي ؟ "
" يسعدني هذا سيدة بارك "
" قولي ميوك فحسب "
قلتها بابتسامة ثم تركت ذراعها أشير نحو المقعد
" تفضلي بالجلوس ليتما أحضر الحساء "
و بالفعل جلست لينظما البغيضين ، مارك جلس بقربها مقابلا لمكان جلوس تشانيول ، أحضرت الحساء الذي تركت مكانه فارغا وسط الطاولة ثم جلست في مكاني
" تفضلوا جميعا "
تناولنا عشاءنا وسط مدح لي من طرف مارك و ليندا و تفاخر من تشانيول لكنه لم ينسى أبدا مضايقة مارك و ليندا المسكينة ، بعد العشاء جلسنا بغرفة المعيشة على الأريكة ، كنت أجلس بالوسط على يميني يوجد تشانيول أما على يساري فتجلس ليندا أما مارك فجلس على المقعد المنفرد وصفق لنحدق به جميعا
" و الآن بعد العشاء سوف... "
إلا أن تشانيول قاطعه
" سوف تحمل مؤخرتك و ترحل "
" تشان "
همست بها مؤنبة اياه بينما أضغط على كفه و مارك رد بكل بساطة
" بالتأكيد لن أرحل قبل أن نطفئ الشموع و آكل من الكعكة "
" تلك مناسبة خاصة يا بغيض يجب أن تفهم أنه عليك تركنا لوحدنا "
حينها من قربي شعرت بليندا تقدم لي شيء و عندما التفت كانت علبة صغيرة
" انها هدية صغيرة مني "
أخذتها منها مبتسمة فاستقامت هي بسرعة
" يجب أن أغادر فقد تأخر الوقت "
لابد أنها تحسست من كلام تشانيول لكن مارك أسند نفسه براحة على المقعد ليرد
" أنا لن أغادر حتى ينتهي الاحتفال "
استقمت أنا الأخرى و أجبتها باعتراض
" بالتأكيد أنت لن ترحلي الآن ... تشانيول كان يمزح مع مارك أليس كذلك ؟"
قلتها و ضربت قدمه بخفة ليقلب عينيه بملل
" لم أكن أعنيكِ أنت ليندا "
" هيا اجلسي "
جعلتها تجلس لأضع الهدية على الطاولة و ذهبت إلى المطبخ ، فتحت الثلاجة و أخرجت الكعكة ، وضعتها على الطاولة و مارك توسعت عينيه ثم فرك بطنه لينبس بسعادة
" ليلة ممتعة هذه "
" سوف أحضر الشموع "
قالها تشانيول ليستقيم و أنا تبعته نحو المطبخ ، وقفت بجانبه و همست
" تشانيول ألم نتفق أن تتصرف بود معهما ؟ "
فرد بينما يقفل الخزانة و يحمل الشمعة
" لم أقترب من ليندا "
" حتى مارك "
" ميوك أنت لا تعرفين مارك جيدا ... لا يجب أن يتعود و إلا وجدته كل يوم هنا "
" لن أفتح الباب له لا تقلق "
قلتها ببسمة فحمل شمعة كانت موجودة بأحد الأدراج و عدنا أين كان مارك يحاول أن يأخذ القليل من الكريمة لكن تشانيول سارع و صفع كفه
" أمسك بيدك عندك يا هذا "
" بالمناسبة أنت تذلني كثيرا من أجل قطعة كعك "
فرد الآخر بسخرية بينما يثبت الشمعة و يحاول اشعالها
" قطعة كعك ؟ ... هل تمزح معي ؟ أنظر لكمية الطعام التي أكلتها "
فرد مارك ببسمة
" لقد كان لذيذا و سهل الهضم "
أشعل تشانيول الشمعة ثم جلس بقربي ليشير نحو مارك
" هيا أطفأ النور و ابقى بجانبه حتى تشعله من جديد "
" أنت مستغل "
" هيا حتى تهضم باقي الطعام "
ابتسمت ملتفتة نحو ليندا التي بدت محرجة كثيرا لكن نظراتها دائما ما كانت على مارك ، و الذي كلما شعر بنظراتها رمقها بنوع من البرود و عدم الاستلطاف ، إنها أحسن منه بكثير ، لولا النظارة التي تلبسها كانت الأدوار انقلبت و هو من كان ليركض خلفها
أطفأ مارك الأضواء و من مكانه غنى بصخب أغنية الميلاد ثم أغمضت عينيّ و ضممت كفي ، تمنيت ألا تكون سعادتي مجرد فخ من الزمن ، تمنيت أن تسد الثقوب الحزينة في قلبينا و نحظى بالطفل الذي نرجوه بكثير من الصبر و التفاؤل
أطفأت الشمع و مارك أشعل الأضواء و عاد إلى مكانه ليصفق بصخب ثم أخرج علبة صغيرة من جيبه و قدمها لي
" إنها هديتي ميوك أتمنى أن تعجبك "
" شكرا لك مارك "
أخذتها منها لأضعها بجانب هدية ليندا و تشانيول أخذ السكين حتى يقطع الكعكة لكن مارك هتف فجأة
" بالمناسبة كم بلغ عمرك الليلة ميوك ؟ "
" و ما دخلك أنت ؟ "
قالها تشانيول مشيرا له بالسكين التي تلطخت بالكريمة لكنني أجبته ببسمة
" و احد و أربعون سنة "
هنا خرجت شهقة منه ثم هتف
" ماذا ؟ ... لكن كيف ؟ أمس فقط عندما اطلعت على ملف تشانيول رأيت أنه يبلغ من العمر السابع و الثلاثون "
" هاي مارك "
قالها تشنيول بتهديد لكن الآخر أبدا لم يلتفت له
" هذا يعني أنك أكبر منه ؟ ... كيف يعقل هذا ؟ أول مرة في حياتي أتصادف مع علاقة كهذه تكون المرأة الطرف الأكبر سنا "
حينها تشانيول حمل بكفه بعض الكعك و وضعه بفمه حتى يخرسه ، أدري أن تصرفه بعصبية الآن حتى يحمي مشاعري لكنني لم أنزعج أبدا
" ألا تعلم كيف تخرس لسانك ؟ "
قالها بغضب ثم حمل منديل و أنا ابتسمت و مارك ابتلع ما كان بفمه ليرد
" لكن صدقا تبدين أصغر منه بكثير "
فأجبته
" العمر ليس مشكلة ... هناك حواجز و مشاكل أصعب بكثير من العمر "
" ربما أنت محقة لكن أنا لا يمكنني تخيل نفسي مع امرأة تكبرني سنا و لو كان ذلك بسنة "
حينها رمى تشانيول بالمنديل على وجهه رادا عليه
" حتى تجد من ترضى بك أيها الغبي "
" هناك الكثيرات لكن أنا لا أرغب بأي واحدة "
قالها بتعالي و ليندا استقامت فجأة
" يجب أن أغادر هذه المرة فقد تأخر الوقت "
قالتها و حملت حقيبتها لتسير ناحية الباب و لم تسمح لنا بالاعتراض فتبعتها فورا
" ليندا على الأقل تناولي بعض الكعك "
لكنها نفت بينما تمسك بالباب الذي فتحته
" شكرا لك ميوك ... سوف نجتمع مرة أخرى "
" سوف أتصل بك و نتقابل "
" إلى اللقاء و أتمنى لك عمرا مديدا و سعيد "
" شكرا "
بابتسامة أقفلت الباب خلفها و عدت للداخل حينها كان مارك يأكل بشراهة بينما تشانيول يرمقه بانزعاج ، جلست أنا و أنبته
" مارك لما تعامل ليندا ببرود ؟ "
" لأنها بغيضة و معتوهة "
قالها فامتعضت ملامحي و فضلت عدم الخوض معه أكثر ، يبدو غبيا للغاية و يحتاج للكثير من الصفعات من الحياة حتى يدرك قيمة من حوله
" تشانيول أنا أشعر بالتعب "
قلتها بينما أحدق به و تلك كانت الاشارة لذا هو بسرعة استقام ليقترب من مارك ، سحبه من ثيابه ليجعله يقف و الآخر اعترض
" مابك لما تتصرف بهمجية فجأة ؟ "
" ميوك متعبة و أنا أريد أن أقضي مع زوجتي بعض الأوقات الخاصة "
دفعه نحو الباب ثم ناوله معطفه ، فتح الباب و دفعه من جديد نحو الخارج ثم أقفله بسرعة ليطرق الآخر
" أنا لم أنتهي من تناول قطعتي من الكعك "
اقترب يقف أمامي متجاهلا اياه ثم فتح ذراعيه لي فاسقمت مقتربة منه ، لقد منحني حضنه و أنا تحصنت به ثم سرنا نحو غرفتنا متجاهلين طرق مارك ... في كل فرصة نحن نحاول تجسيد أحلامنا ، في كل مناسبة سوف نحاول الحصول على ذلك الطفل الذي سيداوي الجروح
نهاية الفصل الخامس و العشرون من
" المعارض - ارتواء "
الفصول هادئة و ربما الأحداث سوف تبدو غير عادلة للبعض
أنتظروني في الرواية لم تنتهي بعد
كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro