الفصل الثاني و العشرون
مرحبا قرائي الغاليين
استمتعوا
*
نحن لسنا سوى أوراق تعلقنا بأغصان الأشجار
أوراق نست أن الربيع لا يدوم ولا حتى زهوه
و الأغصان سوف تتخلى عنا في يوم
لست امرأة طيبة القلب كما أني لست تلك المرأة الفاضلة فقد تعودت بيع و شراء الأجساد كما فُعل بي يوما
أدرك جيدا أنني واحدة من الأشخاص الذي يرفضون الاعتراف بسوئهم لكنني بذات الوقت أنتظر أن تحل علي اللعنة
كل آثم حلت عليه اللعنة و آخرهم بارك الذي فجع بابنه الذي رحل عنه فجأة و لم يمنحه الوقت حتى ليستوعب ما الذي يحدث معه
لست أتهمه وحده بالاثم فكل منا آثم على طريقته ، هو على الأقل تلقى عقابه بسرعة فماذا عنا نحن ؟
شيء واحد أنا متيقة منه و هو أنه كلما طال الوقت كلما كان العقاب شديد
قلبي آلمني من أجل ابنه بالرغم من أنني لم أره من قبل ، ذهبت للمقبرة و وقفت بعيدا فرأيت كم كان منهارا غير قادر على تقبل ما وقع له ... في تلك اللحظة أدركت أنه لا يحتاج سوى حضن واحد يمده بالأمان و السلام الذين فقدهما بفقدان ابنه ، بل أراهن أنه فقدهما عندما غدر بميوك
لن أنسى نظرته النادمة ولا حتى اعترافه بحبه لها ، لقد كان في لحظات يصعب الكذب بها ، اتصلت بميوك و أخبرتها و أنا أدري تماما أنها لن تتركه في محنته هذه ، أنها سوف تفتح حضنها له
حبهما غريب للغاية و من البداية كل منهما كان في حاجة الآخر بشدة
كانا خائنين و هذه حقيقة لا يمكن انكارها ، إنه أمر سيء ارتبط بأسمى المشاعر و أنقاها و هاهو القدر كان كفيلا بحمله من قالبه المحرّم و وضعه في قالب آخر
مرّ أكثر من شهر على موت ابن تشانيول و كلما اتصلت بميوك و أخبرتها أنني أريد زيارتها تخبرني أنه ليس الوقت مناسب فحبيبها لم يكتفي من حداده على ابنه ، و هنا انتشرت الكثير من الاشاعات مفادها أن تشانيول و زوجته قد انفصلا
حملت فنجان القهوة الذي وضعته ييجي أمامي و انصرفت ، قربته مني حينها سمعت جرس الباب فوضعته و استقمت و عندما خرجت من غرفة المعيشة كانت ييجي تتجه نحو الباب فرفعت كفي أمنعها
" لا بأس سوف أفتح أنا فعودي لعملك "
أومأت مبتسمة لتعود و أنا تقدمت أكثر نحو الباب ثم فتحته فتوسعت عينيّ باستغراب ثم سرعان ما عكرت حاجبيّ
" أي فضيلة فعلتها بحياتي حتى أحضى بزيارة من مستشار رئيس دولتنا شخصيا "
رمقني بنظرات منزعجة ثم دفعني ليتقدم نحو الداخل مجيبا
" نحن بيننا معرفة قديمة فلا تتحدث بهذه الطريقة لأنني لن أفهمها سوى أنها استخفاف "
تركت الباب يقفل و تبعته ، إنه يعرف منزلي جيدا فكثيرا ما زارني مع كانغ ، أقصد فخامة الرئيس عندما احتاجت صفقاتهم مكانا أكثر أمانا من أروقة الحانة
جلست على المقعد مقابلة لمكان جلوسه
" هل تريد شرب شيء ؟ "
" لست هنا من أجل الضيافة سونا "
" اذا ما الذي أتى بك شخصيا لمكان مثل بيتي ... ؟ "
فرد بصوت بارد
" بارك "
" و ما دخلي أنا ببارك ؟ "
" نحن نعلم أنه على علاقة مع صديقتك ميوك ... زوجة تشو سونغ هون السابقة "
ارتبكت و اعتدلت في جلستي متسائلة
" هذا الكلام ليس من فراغ "
فابتسم يومئ
" أحسنت سونا ... لا تزالين فطنة "
" تحدث الآن ما الذي تريدونه منها ؟ "
" ليس منها ... لحمايتها ليس عليك سوى توصيل هذه الرسالة له "
أخرج ظرفا أبيضا متوسط الحجم من جيب سترته الداخلي ليضعه أمامي على الطاولة
" و أخبريه أننا لن نخضع لتهديداته بدون أن نفعل شيء ... نحن سوف نلحقه بابنه و بكل سهولة "
نقر عليه بأصابعه ثم استقام ليغادر لكن عندما بلغ الباب هو توقف و نبس من جديد
" يستحسن أن يصله اليوم "
غادر و أنا قربت كفي من الظرف و حملته و كل الخوف الذي أصابني كان خوف على ميوك ، هي لا تستحق بعد كل الذي عانته أن تتألم من جديد
استقمت متوجهة نحو غرفتي ، وضعت الظرف بحقيبتي ثم حملت معطفي و غادرت المنزل ، على تشانيول أن يحافظ على ميوك هذه المرة
*
الدموع تجف لكن الألم لا يختفي
ترسم الابتسامات على ملامحنا و حتى الضحكات لكن الفراغ الموجود في القلب لن يكون عامرا
سمحت لي ميوك ، المرأة التي أدركت أنني وقعت في الحب فقط عندما أحببتها ، هي سمحت لي البقاء جانبها و كثيرا ما مسحت على قلبي و هذبت بعضا من آلامه ، جلست و اياي تستمع لحديثي عن داي ثم شاركتني البكاء عليه
لقد علمتني ما معنى الحب ، علمتني أن العطاء في الحب أهم بكثير من الأخذ
وضعت فنجان القهوة عندما هي أقفلت الباب و غادرت المنزل ، بوجودي معها اكتشفت الكثير من الأمور التي لم أنتبه يوما لوجودها بها
أنا من قبل كنت فقط أرى بها صورة المرأة الجميلة ، صورة المرأة التي ترضي رجولتي
لكن اليوم أرى بها صورة المرأة البسيطة و الحنونة ، أرى بها المرأة التي تضم جروحي
في الوقت الذي مرّ علينا و نحن معا هنا لم نكن صديقين يفعلان ما لا يجب على الأصدقاء فعله
كنا فقط شخصين يواسيان بعضهما ، كنا صديقين نقدم لبعضنا فقط ما يتوجب على الأصدقاء فعله
حتى أنني و منذ أيام كثيرة اتخذ غرفة المعيشة و على الأريكة أمام المدفأة مكانا أنام به و عندما يجافيني النوم تشاركني ميوك الجلوس و الفضفضة
خرجت من شرودي لأستقيم عن الطاولة ثم حملت فنجاني و سرت به نحو حوض المطبخ و هناك غسلته لأضعه بمكانه ، اقتربت من الباب لآخذ سترتي و أرتديها فوق ثيابي السوداء
خرجت من البيت و اتجهت نحو غرفة المعدات الصغيرة و من داخلها أخذت الفأس الخاص بتقطيع الخشب
و هذا أكثر ما أفعل هنا ، أقطع الخشب فتخرج صرخاتي و دموعي على شكل جهد أنهك من بذله في آخر اليوم ، كثير من السيدات الكبيرات في العمر و التي يسكنّ في أماكن قريبة باتت تحضرن خشبهن حتى أقطعه لهنّ
و هاهو الوقت ينقضي بينما أعمل و مع كل ضربة على الخشب صورة داي و هو ميت لا تغادرني ، صوته و هو حي لا تتركني ... إن ما حدث لنا يا صغيري صعب للغاية ، الغدر الذي تعرضنا له أنا و أنت لم يكن سهلا و لكن ما يهوّن علي مصابي أنك رحلت ولا زلت متأكد أنني وحدي والدك ، أنني وحدي حبيبك الأول و الأخير
غزت ذاكرتي و فكري كلمات دانبي و هي تخبرني أنني لست والده فضربت الخشب في تلك اللحظة بقوة حتى أفسدته تماما ، شددت على ذراع الفأس بكفي لأرفع رأسي نحو السماء لأغمض عينيّ حينها سمعت صوتا من خلفي
" هل تعجبك الحياة هنا ؟ "
التفت بسرعة فلم تكن سوى سونا ، ترتدي معطفا أبيض و تحمل حقيبتها التي تعلقها على ذراعها و تبتسم بخفوت لي
" سونا ... "
همست باسمها فاقتربت أكثر و فاجأتني عندما ضمتني بخفة و ابتعدت لتقول بصوت آسف
" بالرغم من أنه متأخر لكن أنا أقدم لك تعازي على ما فقدت "
أومأت بحزن و هي واصلت
" فقدان الابن هو أكثر الأمور سوء التي من الممكن أن تحدث للانسان "
" أنت محقة "
الكلام هرب مني و تاه عني فبت لا أحسنه سوى مع ميوك ، إنها وحدها من ستستمع لي و أنا لا أكف الحديث عن داي ، مع غيرها لا يمكنني ذلك حتى لو أحببت أن أفعلها بشدة
تلفتت هي حولها ثم أعادت نحوي نظراتها و تساءلت
" أين ميوك ؟ هل هي بالداخل ؟ "
فنفيت مشيرا نحو الطريق الفرعي الصغير المؤدي للبلدة
" ذهبت للبلدة ... لديها عمل هناك "
و هاهي نظراتها تكون أكثر جدية
" هكذا سوف نتمكن الحديث بحرية أكثر "
قالتها فعكرت حاجبيّ مستغربا
" ما الذي تريدين الحديث فيه ؟ "
ففتحت حقيبتها لتخرج منها ظرفا أبيض و اقتربت أكثر بينما تمد كفها التي تحمله ناحيتي
" أتيت لتوصيل هذا لك ... بعد أن تقرأه سوف نتحدث "
وضعت الفأس بجوار الخشب على الأرض ثم أخذته منها لأفتحه ، أخرجت الورقة التي بقلبه و بدأت أقرأ و مع كلمة شعرت أن النار تشتعل من جديد في صدري ... الحقير كانغ يهددني من جديد و هذه المرة يضع ميوك نصب عينيه
ضممت كفي على الورقة و نبست بغل
" الوغد "
حينها هي نبست بعد أن رأت رد فعلي
" و الآن اسمعني ... من قبل آذيت ميوك و لم يكن في يدي فعل شيء ، هي حتى لم تتهمك و ظلت على حبك و أنا كذلك رأيت كم تحبها لذا انسحب من هذا السجال فأنت لست ندا له ولا أريد أن تتأذى ميوك بسببك "
" و هل تعتقدين أنني قادر على تحمل خسارة أخرى بحياتي ؟ ... هي وحدها من تعينني على الحياة "
رميت الورقة بقوة على الأرض أدوسها مواصلا
" في ظلام همومي أنا لم يتسنى لي التفكير بأي شيء و الآن هو يقول يجب أن أقدم له الملف الذي بيدي "
" أي ملف ؟ "
تساءلت هي و أنا نفيت
" لا أدري أي ملف يتحدث عنه ... تبا لي "
و بشك هي أمسكت كفي و شدت عليها
" هل أنت متأكد أنك لا تدري ما الذي يتحدث عنه ؟ "
حينها سحبت كفي من كفها بعنف و أجبتها
" أجل ... كانغ الآن يحاول تصفية حسابه معي و يمنحني يومين فقط "
" اذا تحدث معه و أخبره أنك لا تمتلك شيئا "
" هذا ما سأفعله "
قلتها و سرت نحو المنزل ، كانغ أبدا ليس بالند السهل و عليّ أن أكون قوي بينما أقف أمامه ، تحديّ له كان مجرد كلمات قلتها حتى أفقده نشوة الفوز لكن الآن تحول ليكون مانعا للراحة و السلام اللذين ترتجيهما روحي
ارتديت ثيابي السوداء التي أتيت بها إلى هنا منذ يوم جنازة داي و عندما خرجت كانت سونا تقف بانتظاري جانب سيارة الأجرى التي أقلتها إلى هنا
اقتربت منها و عندما وقفت هي نبست بتصميم
" سوف أرافقك "
" ألا تثقين بي ؟ "
تساءلت ولا ألومها حقا فأنا فعلت الكثير من الأمور الفظيعة و على مرآى أنظارها لكنها نفت ترد
" بل أخاف عليكما ... "
أومأت بدون أن أعترض و صعدنا معا في سيارة الأجرى لتنطلق بنا مغادرة
نحن عندما نكسر سوف نذعن بدون حتى أن ندرك ذلك و الآن سوف أقف باستسلام أمام كانغ
طالت الطريق أو هذا ما بدى لي لأنني لأول مرة أكون بكامل وعيي و أنا أسلكها ، في كل المرات التي سبقت كنت غائبا في غياهب أفكاري و حزني ، و بعد وقت ليس بالقصير توقفت سيارة الأجرة أمام مبنى الحكومة الرئيسي ففتحت الباب و نزلت و نزلت سونا من الجانب الآخر
توقفت و قبل أن أقفل الباب نفيت مشيرا لها
" ابقي في السيارة فهم لن يسمحوا لك بالدخول "
شدت على كفها و رأيت الغضب بعينيها و بكلامي لم أقصد ذمها أو حتى الانتقاص من شخصها
" ثقي بي فأنا هنا من أجل ميوك "
أومأت مرغمة و عادت لتصعد و أنا أقفلت الباب و تقدمت نحو المدخل ، قدمت هويتي بقرب المدخل و لأنهم كانوا يتوقعون حضوري كان كل شيء جاهز لاستقبالي حتى الحارس كان على دراية بذلك
تم اقتيادي داخل المبنى و سرنا كثيرا في أروقة بدت كثيرة ولا تنتهي حتى وصلت أخيرا لمكتب الرئيس ، رئيس دولة و اختيار أمتنا ... لا أنكر أنني كنت واحد من الذين تلاعبوا بوعي أمتنا لذا أرى نفسي مخطئ و أتمنى لو يمكنني تصحيح خطئي الذي اقترفته و أنا مدرك تماما أنه خطأ
بعد اتصالات و اجراءات فتحت الأبواب بوجهي و أنا تقدمت و عندما فتح باب المكتب الرئيسي رأيت كانغ يقف بجانب سارية العلم بينما يوليني ظهره محدقا خارجا من خلال النافذة
لطالما كان محبا للمظاهر و هاهو يحاول الظهور أنه شخصية رصينة ... من هذا الحكيم الذي سوف يهدد الناس للحصول على مبتغاه ؟
تقدمت أدخل و من خلفي كانت سوف تقفل الأبواب عندما أشار لمستشاره أن يغادر فخرج و هو بنفسه أقفل الباب ، وقفت بدون أن أنبس بشيء و هو التفت أخيرا و تقدم ناحيتي
انتظر أن أقول شيء فلم أفعل و فقط حدقت به و هو وضع كفه على ذراعه و نبس
" حتى الآن لم أتلقى تهنئتك بالرغم من أنني أرسلت الورود لجنازة ابنك "
" هنيئا لك "
ببرود و اقتضاب قلتها و هو ابتسم مظهرا الراحة لكنني مدرك تماما أنه أبدا ليس كذلك و أشار لي نحو المقعد
" هيا تفضل بارك ... نحن كنا أفضل الأصدقاء يوما "
تقدمت و جلست فجلس مقبلا لي و تحدث بعد أن ضم كفيه معا
" الآن الأمور اختلفت "
حينها فقط قاطعته
" كل ما قدمت لقوله سيدي الرئيس أنني لا أمتلك الملف الذي ذكرته في الرسالة "
حينها ضحك ، بل قهقه و أسند نفسه على مقعده ليسند ذراعيه على ذراعي المقعد
" و تنتظر أن أصدقك بارك ؟ ... نحن طبخنا السم سويا يا رجلا فلا أنا أثق بك ولا أنت تثق بي ، ملف قتل المتظاهرين في نيسان 1960 م يجب أن يعود لي ولا تحتفظ به أنت يا بارك "
استغربت كلامه فهذه قضية حاولوا كثيرا اقفالها و كلما ارتفع صوت مطالب بالتحقيق فيها و معرفة المتسبب الأول في المجازر التي وقعت بكامل البلاد وقتها اختفى الصوت ، وقتها تم اعتقالي و عذبت كذلك لأنني طالبت مثل جميع الشباب بحقوقنا ، طالبنا بالتغيير و لم نعلم أن تغيير الأشخاص لا يعني تغيير النظام
" أنا أقول الحقيقة سيدي الرئيس "
قلتها ببساطة و هاهو لا زال يرمقني بنظرات الشك
" ماذا عن مطالبك السابقة ؟ "
" ما عادت مهمة "
" لا يمكن لرجل سكن الطمع قلبه أن يكون قنوعا تقيا فجأة "
" قل ما تريد فلو كان بيدي ما كنت لأبقى صامتا حتى الآن ... ليس طمعا ولا حتى تقوى ، بل لأنها الحقيقة التي ستفتح عيون الأمة و تغير من مصيرها المظلم بين أيديكم "
قلتها و استقمت ، إنه يعرفني أكثر من غيره ، لو كان بيدي ما كنت سوف أخبئه ، كنت استخدمته و أطحت بهم جميعا ، و لو عنى ذلك أنني سأطيح بنفسي ، بل أجردني من ثوب العفة و الصدق أمام الأمة لأنسحب بعدها
قدمت له احترامي مرغما و غادرت ، لقد التزم الهدوء و يبدو أنه صدقني أخيرا كما كان يفعل ، أكثر ما يغضبني في هذه اللحظة أنني من وضعته في ذلك المكان ، مزقت أيام المرأة التي أحب حتى أخيط صورته أمام الأمة
خرجت من مبنى الحكومة و سرت نحو سيارة الأجرى التي كانت لا تزال تتوقف في المكان الذي تركتها فيه ، خرجت سونا و رمقتني بنظرات متسائلة خائفة فأومأت أهمس لها عندما باتت السيارة هي ما تقف بيننا
" لقد سويت الأمر "
" بهذه البساطة ؟ "
" لا ... هذه الأمور أبدا ليست بسيطة "
قلتها و صعدت للسيارة و هي صعدت ثم تساءلت قبل أن ينطلق السائق بنا
" أين ستذهب الآن ؟ "
" سوف أعود لميوك لكن أولا علي أن آخذ حاجياتي و سيارتي "
*
الكثير من الذكريات الجميلة لا تستحق أن تختفي في أدرج النسيان
هناك أشخاص جسدوا النقاء و الجمال في الحياة
و داي كان حاضرا مزهرا و ذكرى مهما حفها الذبول ستبقى دائما جميلة
صورة له كان يحتفظ بها تشانيول في محفظته و التي كثيرا ما حملها و قبلها معبرا عن شوقه له ، هذه الصورة التي دائما ما يعود و يخفيها أنا أخذتها و قررت وضعها في ايطار و وضعها أمامنا حتى نراها في كل وقت
الحزن لا يختفي عندما نخفي صور من نحب
بعد أن أخذت للسيدة لي الأثواب التي كانت لدي و استلمت أجرتي أنا مررت بأستوديو التصوير ، كنت قبلها بعدة أيام أتيت بصورة داي و طلبت منه أن يجعل حجمها أكبر بقليل و يضعها بايطار جميل
انتظرت قليلا حتى أحضرها لي و عندما سلمني الايطار الخشبي المزخرف أنا حملته و رسمت بسمة حزينة بينما أحدق بملامح داي ، وضعت كفي عليها فنزلت مني دمعة رغما عني و صاحب الأستوديو العجوز تساءل
" هل الصورة لابنك ؟ "
فرفعت رأسي و نفيت
" لا ... كم علي الدفع لك مقابلها ؟ "
تساءلت فرد لأدفع له ثم وضعها بكيس ورقي و أنا حملتها و غادرت ، طوال الطريق للمنزل كنت سعيدة ، ستكون أفضل هدية أقدمها له ، حتى لو احتضنها و بكى لكنها تبقى أثمن ما يمكن أن يحضى به
وصلت للبيت فتوقعت أن أراه يقطع الخشب مثلما تعود أن يفعل في الأيام المنصرمة لكن ذلك لم يحدث عندما اقتربت أكثر و لم يكن يوجد له أثر
وقفت بقرب الأخشاب لأرى الفأس على الأرض فهز الخوف قلبي و نفيت ، هو لا يمكن أن يغادر مرة أخرى بذات الطريقة
سارعت للبيت عله يكون هناك لكن عندما فتحت الباب لم يكن هناك أحد ، وضعت الكيس على الأريكة ثم أبعدت معطفي و صعدت للغرفة فوق ، فتحت الخزانة فوجدت الثياب التي كان يرتديها صباحا موجودة لكن ثيابه التي قدم بها قد اختفت
سرعان ما ملأت الدموع عينيّ و دفعت باب الخزانة أقفله هامسة لنفسي
" هو هذه المرة أخبرني أنه يحبني ... "
غادرت المنزل و مثلما تعودت في أوقات كسراتي و خيباتي أنا جلست على الدرج منتظرة قدومه ، رغم تأخره و غياب الشمس مع اشتداد البرد أنا لم أتزحزح من مكاني ... إنه يحبني و لن يبتعد هذه المرة أيضا
هذا ما رددته طوال جلوسي هناك رافضة أن أصدق أنه قد يرحل مرة أخرى ، ضممت ساقيّ لي أكثر ثم خبأت وجهي هناك حينها سمعت صوت محرك يقترب ، سارعت بابعاد ذراعي و استقمت فرأيت سيارته تقترب حتى توقفت قريبا و أضواءها كانت مسلطة عليّ
من جديد امتلأت عينيّ دموعا و نزلت الدرج محاولة الاقتراب و هو الآخر نزل من السيارة و حدق بي بينما يمسك بكفه الباب و تساءل عندما رأى حالي
" هل اعتقدتِ أنني رحلت من جديد ؟ "
توقفت مكاني و لم أستطع اجابته فأقفل هو الباب و اقترب مني ، ضمت كفيه وجنتيّ و نفى
" لو كنت سامحتني فعلا ما كنتِ لتصدقي أنني سوف أرحل من جديد "
لقد لامني و أنا سارعت و خبأت وجهي بصدره أرد على لومه بلوم آخر
" لو كنتُ صدقتُ و استسلمتُ فعلا ما كنت جلست منتظرة عودتك "
ضمتني ذراعيه له أكثر فتمسكت بحضنه و دفئه الذي افتقدته كثيرا في حياتي
" كنت مضطرا للمغادرة بسرعة "
*
جلسنا إلى طاولة الطعام بعد أن جهزت هي العشاء و أنا غيرت ثيابي
كانت تأكل بصمت و أنا استصعبت صمتها فنبست بتساؤل
" ما الذي فعلته اليوم في البلدة ؟ "
حينها رفعت رأسها و رسمت بسمة تجيب
" أحضرت ثوبا جديدا حتى أطرزه ... كذلك أحضرت لك هدية "
مستغربا وضعت شوكتي بصحني و هي أومأت لتستقيم و رأيتها تقترب من الأريكة ، حملت كيسا ورقي متوسط الحجم و عادت لتضعه بقربي على الطاولة
" افتحه "
أومأت لآخذ الكيس و من داخله أخرجت الايطار ، سرعان ما غادرني الاستغراب و عينيّ امتلأت بالدموع عندما رأيت أمامي صورة داي داخل الايطار ، صورة لا تحمل من الألوان شيئا لكن في يوم كانت هذه الملامح هي ما تمد أيامي بألوانها
قربت كفي المرتجفة من ملامحه الصغيرة و هي تساءلت بينما لا تزال تقف بجانبي
" هل أخطأت بفعلتي ؟ "
لكنني بسرعة نفيت و وضعت الايطار على الطاولة و سحبتها أضمها و أسندني عليها ، تمسكت بخصرها بقوة لأجيبها
" أنت لم تخطئِ ... إنه أثمن ما قدم لي في يوم "
" هذا يسعدني "
" لطالما كنتِ واحدة من مصادر سعادتي القليلة و لو رفضت الاعتراف "
" نحن ما كان يجب أن تتخطى علاقتنا حدود الصداقة "
حينها ابتعدت عنها و استقمت لترتفع نظراتها معي و نفيت غير راضي
" نحن لسنا صديقين "
" لا ... لقد اقترفنا الخطأ سابقا و لا يجب أن نعاود الوقوع فيه ، إن تحررت أنا أنت لا تزال زوجا "
حينها وضعت كفي على ثغرها و منعتها من قول المزيد
" هذه المرة ما بيننا لن يؤذي أحدا ، دانبي هجرتني و غادرت و قريبا سوف أحصل على حريتي تماما ، بيننا لا يوجد أي موانع "
رأيت الدموع تشحذ بعينيها و هذا جعلني غير راضي فأبعدت كفي عن ثغرها
" أنا تخليت عن كل شيء ... لا أريد شيء يربطني بالماضي "
" و أنا كنت جزء من هذا الماضي "
" لا أنت لست جزء من الماضي ... أنت حاضري "
قلتها و دنوت نحو شفتيها بعد صيام طويل و عطش مرير ، قبلتها بدون أن يقف الذنب بيننا ولا حتى أن نتهم بعضنا بالخيانة و السوء ... وقتها عندما كنا نعترف بسوئنا أمام بعضنا كنا نتهم بعضنا و نحاول حمل جزء من الذنب
الآن بيني و بينها لا يوجد ذنب ينغص علينا نقاء مشاعرنا
ابتعدت عن شفتيها لكنني أسندت أنفي على وجنتها لتهمس لي بصوت ارتجف
" لست امرأة فاضلة لكنني بت أكره أن أبني سعادتي على تعاسة الآخرين "
" إن بنيت السعادة معي الآن نحن سوف نبنيها على بقايا صروحنا التي انهارت ... سوف نعمرها على حساب تعاستنا و نحاول دفنها بعيدا "
وقفت عاجزة عن الرد ، عاجزة بضعف فعلا ، من جهة حبي الذي يبعثرها و من جهة أخرى ذنب الماضي
" إن الماضي مثل الليل المظلم ... سوف ينجلي لا محالة "
ابتعدت عني ليمسك كفي كفها ثم رفعته أقبله
" عندما أحصل على الطلاق رسميا سوف نتزوج ... سوف نختبئ بعيدا هنا فلا نؤذي أحدا و لن يتمكن أحد من ايذائنا "
قلتها فأومأت أخيرا و عادت تجلس في مكانها ، و أنا جلست بمكاني أيضا و بقربي وضعت ايطار صورة داي و ابتسمت بينما أحدق به
*
بذهابه و عودته شعرت أن الكثير فيه تغير
كنت أعتقد أنه شجرة ضرب جذورها العطش ثم استسلمت للموت لكنه هاهو يخبرني أنه لا زال في أوج شبابه و لن يتخلى عن الحياة التي بدت أنها انتهت
الأيام سرقت مني الكثير ، أوهمتني و صدقت الكذب كثيرا و هذه المرة ما يحدث ليس كذب
عندما تجاوزت ما قام به في حقي ، عندما فضلت عدم الحديث فيه و عدم لومه و فتحت له حضني في جرحه لم يكن لأنني امرأة بدون كرامة تحاول الركض خلف قلبها و مشاعرها
بل لأنني كنت امرأة خُذِلَتْ و خَذَلَتْ ، لأنني كنت مخطئة ما كان يحق لي أن أتهم غيري و ألومهم على أخطائهم في حقي
لم أكن مستعدة لمغادرته بعد لكنني بذات الوقت لم أفكر أنه سيبقى بجانبي طوال العمر ، لم أعتقد أنني أستحق كل هذه المشاعر و السعادة التي تعد رفاهية بالنسبة لامرأة مثلي
وقفت في المطبخ بعد أن نظفت الصحون و هو حمل ايطار صورة داي و جلس على الأريكة ليضعها أمامه على الطاولة المقابلة
التفت أحدق به ثم تنهدت و فتحت الخزانة ، أخرجت منها الصندوق الخشبي لأفتحه بعد أن وضعته على طاولة المطبخ
أخرجت الملف ذو الغلاف الأسود ثم حدقت بتشانيول لكنني تراجعت ، شيء كهذا فقط سوف يؤذيه و هذه المرة سونغ هون سوف يضعه نصب عينيه
أعدته مكانه ثم حملت قطعة مجوهرات و قررت بيعها ، ربما سوف أفكر بفتح مشروع صغير نعيل به أنفسنا فما أجنيه من تطريز الأثواب بات لا يكفينا
أعدت الصندوق لمكانه ثم سرت حتى جلست بقربه ، التفت لي و ابتسم ليضم كتفي بذراعه و قربني منه
" هل يمكنك أن تصحبني غدا إلى العاصمة ؟ "
ابتعد قليلا يحدق بي معكرا حاجبيه
" لماذا ؟ "
" اشتقت لسونا و أريد زيارتها ... "
حينها ابتسم و أومأ
" حسنا ... أنا أيضا أحتاج لزيارة صديقي "
" الدكتور دو ؟ "
" أجل هو "
ابتسمت و بعدها تركته و صعدت غرفتي ، امتنعت عن اخباره بشأن بيع المجوهرات و هو مثلما وعدني التزم ، نحاول أن نطهر علاقتنا بعد أن كانت مدنسة ، الجميع يخطئ و نحن اعترفنا بخطئنا و نحاول تصحيحه
صباح اليوم التالي تجهزنا ثم غادرنا المنزل لنستقل سيارته و طوال الطريق لم تبتعد كفه عن كفي ، رغما عني كنت أرسم تلك الابتسامة حتى وصلنا لمنزل سونا فتوقف و التفت لي
" ألن تنزل معي ؟ "
تساءلت فنفى
" علي أن أذهب فقد أخذت موعدا في عيادة الدكتور دو "
عكرت حاجبيّ مستغربة قبل أن أتساءل بسبب كلماته التي بدت غريبة ، هو صديقه و بالتأكيد سوف يقابله بدون موعد
" و لما أخذت موعدا ؟ "
" لأنني سوف أزوره كشريك لاحدى مرضاه "
لم أفهم في البداية ما عناه ثم سرعان ما عكرت حاجبيّ
" ماذا ؟ "
" سوف نحاول الانجاب ... ربما معا سوف نتمكن من تحقيق هذا الحلم "
امتلأت عينيّ بالدموع ثم نفيت
" أنا ... أنا أجد الأمر مرهق ولا يمكنني الخوض فيه بعد الآن "
" أما أنا فأملي كبير بالقادم ، لنحاول معا فلن نخسر شيئا "
" ماذا اذا فشلنا "
قلتها بقهر و هو رد
" سوف نتحمل ورز الفشل معا ... أرجوك ميوك اسمحي لي أن أعوضك عن جزء من حرمانك "
و ما الذي يمكنني قوله ؟ لا زلت أرغب أن أكون أما ، لا زالت تلك الكلمة تزلزل كياني و في قلبي أشعر بحرقة كبيرة
" هل يجب أن آتي معك ؟ "
لكنه نفى
" أريد مقابلته وحدي أولا "
" لا تخفي عني أي شيء "
" لن أفعل "
قالها ببسمة ليلتفت نحو الطريق أمامه و أنا قربت كفي من مقبض الباب حتى أفتحه و أنزل لكنه فجأة صرخ باسمي و ضمني بقوة يخبئني تحته عندما تحرك من مكانه و اقترب اليّ و لم يطل الأمر حتى سمعت صوت اصطدام قوي و ألم حلّ بجسدي بسبب الزجاج المحطم
نهاية الفصل الثاني و العشرون من
" المعارض - ارتواء "
أتمنى أنكم استمتعتم ولا تتسرعوا في التوقعات و مع هذا أحب رؤيتها
إلى أن نلتي في فصل جديد كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro