الفصل الثاني.
٠٢| قدم بلا خُف.
بعد مرور ستة أعوام
(الشمال - مدينة العشب الدموي - قلعة كارسين)
-" أليس على الأميرة فيوريلا أن تكون هنا؟ " سألت صوفيا بتعابير قلقة بعد أن داهمت غرفة الحكيمة ولم تجد فتاتها الصغيرة.
إنتفضت الحكيمة من مكانها حيث أخفضت رأسها وهي تجيب سيدة قلعة كارسين: " ليدي صوفيا، اللورد ليُون قد استدعاها في منتصف الدرس " تنهدت المخاطبة كيف يفكر زوجها في مقاطعة دروس الأميرة الصغرى.
-" يمكنك العودة لعملك " نطقت صوفيا وهي تخرج موصده الباب خلفها وعادت تتحرك في رواق القلعة تجر خلفها ذيل فستانها بجوار الحارس الذي يحكم قبضته على مقبض سيفهُ متأهب لأي مصير قد يواجهه.
دون سؤال أي من الخدم هي تدرك إلى أين أخذ اللورد ليون الأميرة الصغرى وكم كانت تمقت معرفتها بهذا الأمر، ملامحها المتعكرة انطمست بالدهشة مع تلك الشهقة عندما وصلت لساحة القتال تبصر الواقفين في المنتصف.
ابنتها التي لم تتعد الست سنوات ترتدي درع يلائم جسدها الصغير ببراعة، لابد أن اللورد هو من طلب بصنعه لها. يقابلها والدها ليُون هو الأخر يرتدي درعه و بيدٍ يحمل سيف بينما الأخرى درع مستدير الغرضان مصنوعان من الخشب.
أخذ يطرق بالسيف على الدرع وهو يهتف: " هيا يا ابنة عائلة بيُورلُود! أريني مهاراتك! أريني أن دم أسلافنا يجري في أوردتك! " صاحت فتاته بصرخة متحمسة لربما يجدها البعض لطيفة لصغر سنها وهي تتقدم نحوه بسيفها توجه له العديد من الضربات التي يتصدى لها بدرعه.
-" يا إلهي هذا الرجل " صوتٌ هامس خرج من صوفيا وهي تخفض جبينها على يدها في خيبة أمل، لكنها سرعان ما زفرت الهواء وعادت ترفع حدقتاها مجددًا لمشاهدة القتال ترى كيف تُقاتل إبنتها كما لو كانت فارسٌ قزم هي بالتأكيد تفتقر للمهارات، ولكن كما يبدو مما تراه قد علمها ليُون الكثير في الأشهر الفائتة.
بسمة صغيرة نُحتت على شفتاها أثناء مراقبتها فكرت لو كانت قدمت لزوجها طفل مكان طفلة لربما عاش أفضل لحظات حياته وهو يربيه، بهتت ملامحها حالما إسترجعت ما حدث يوم ولادة التوأم هي لازالت تتذكر ابنها الذي انتُشل من حياتها قبل تبصره عيناها حتى.
في هفوةٍ منها سالت دمعة على خدها فبادر الحارس جوارها بالسؤال: " أهناك خطبٌ ما سيدتي؟ " هي حركت رأسها يمينًا ويسارًا تُنكر ما يدور ببالها بينما تمسح ما صبغ وجنتها من دموع لازلت تنظر لمن بساحة القتال.
قد حمل اللورد ابنته وهما الاثنان يرفعان سيوفهما للأعلى مع أصوات القهقهات العالي هي لحظتها غادرت قبل أن يلاحظها أحد متجهةُ لحديقة القصر الخلفية.
- " جيد جدًا يا زهرة القصر" صدر ذلك الصوت الذي جذب إنتباه ليون وفيوريلا، هناك حيث يقترب لوكاس بيُورلود الأخ الوحيد للورد قلعة كارسين.
قبَّل جبين فيوريلا وهو يربت على رأسها مبعثرًا خصلاتها الحمراء القصيرة، إبتسمت بتوسع أثر ذلك لتسأل: " أحقًا أبليت حسنًا يا عمي؟ " حدقتيها الطفولية البراقة تكشف عن مدى تطلُعها لإجابته.
-" أتمزحين؟ أنا أشجع فرسان مدينة العشب الدموي أهابك يا أميرة " مع ضحكة صغيرة هو نقر على أنفها لتضحك هي الأخرى مع قولها: " إذًا أبي إنه وقت الطعام! " اللورد فقط تبسم لم يستطع الرد من شدة طفولية فتاته وأنزلها أرضًا لتبدأ بالركض خارج الساحة متناسية الدرع الذي لازالت ترتديه يليها خادمتها والحارس الحامي لها يهرولون خلفها.
-" ربيتَ ثلاث فتيات جميعهن أزهرن على النعومة والرقة... " وقبل أن يُتمم لوكاس جملته لاحظ إنزعاج تعابير ليُون الذي لا زال ينظر نحو الأرض التي خطت عليها إبنته منذ لحظات، بلل شفتيه مكملًا: " إلا هذه الفتاة أراها مميزةٌ عنهن حتى في سنها الصغير "
إرتفعت إحدى زوايا فم لوكاس بينما ليون هو كان شريد ذهنه ليس لديه تفضيلات بين الفتاة والصبي، ففي ولادة فتاته الأولى كيارا قد قام بتوزيع النقود الذهبية على كل من يسكن مدينة العشب الدامي وأقام إحتفال متواصل لمدة ثلاث أيام ومن بعدها بات ذلك تقليد في العائلة هو إكرام الشعب بعد ولادة أي مولود.
جميع من يسكن قلعة كارسين يستطيع الشهادة على شدة حنان و حُب اللورد ليُون لفتياته، لكنه لم يسلم من الاحاديث السامة حولهم.
إن حدث له أي مكروه من سيحميهم؟ ربما هذا كان من دواعي تمنيه لصبي لا لأجل أن يصبح وريثه أو يحمل اسم العائلة بل ليدافع عن أثمن ما يملكه اللورد، زوجته و بناته.
لذا ذِكر ولادة فتى حوله يُعكر مزاجه بسبب رهبته من قذارة العالم التي لعلها تدنس حياة فتياته.
.
في الجانب الأخر من القلعة تجلس على الكرسي الخشبي بينما تتأمل الزهور من حولها التي ألقت الشمس عليها وهجًا دافئًا حتى قاطعها صوت ابنتها: " ماذا هناك أمي؟ الخادمة قالت أنكِ تريدين التحدث معي قبل تناول الطعام " بسمة صغيرة إعتلت شفاه الليدي صوفيا التي سألت: " أين كنتِ طوال هذا الوقت صغيرتي؟ "
-" لقد كنت... مع الحكيمة! " نطقت بعد تشوش أفكارها لثواني لكن بالنظر لتعابير والدتها أيقنت بأنه قد تم إكتشاف أين كانت بالفعل.
-" أنسيتِ التجرد من درع المبارزة " تيبست ملامح فيو وأنزلت بصرها للأسفل قليلًا تنظر لما أشارت إليه، بدت خجلة من فعلتها فرفعت والدتها حاجبيها أثناء التحدث: "لقد فاتك درسك مع الحكيمة مرة أخرى، أليس كذلك؟ "
أومأت فيوريلا بقلة حيلة، وكانت أصابعها تعبث بطرف قميصها الظاهر من أسفل الدرع واعترفت قائلة: "كنت أتدرب على القتال بالسيف بدلاً من ذلك" تنهدت والدتها وكان تعابيرها مزيجًا من الانزعاج والقلق: "عزيزتي، أنتِ تعلمين حيال استيائي عند تخطي دروسك بهذه الطريقة، عليكِ أن تأخذي تعليمك على محمل الجد"
نظرت الصغيرة إلى والدتها بأعين متوسلة عند جلوسها بجوارها: "لكن أمي، التدرب على المبارزة أكثر متعة من الجلوس مع الحكيمة. وأنا جيدة جدًا في القتال بالسيف، يقول عمي ذلك أيضًا "
خففت صوفيا من شدة نبرتها أثر كلمات ابنتها، لكنها ظلت جدية: "أعلم أنك تستمتعين بالقتال بالسيف، لكنك بحاجة إلى تعليم شامل. دروسك مع الحكيمة لا تقل أهمية عن تدريبك بالسيف، إن لم يكن أكثر"
عبست الأميرة، ومن الواضح أنها لم تكن سعيدة برد كهذا. لذا أمسكت والدتها بكفها الصغير تربت عليه: " يا وردتي، أنا لا أمنعك من حضور التدريب بالسيف، ولكن الحياة تحتوي على ما هو أكثر من مجرد القتال. أريد منكِ فقط الموازنة بينهم والالتزام لتصبحي أميرة مثالية تبارز بسيفها وحكمتها "
لم تقاوم فيوريلا لعلمها أن والدتها على حق فزفرت الهواء ثم نطقت: " أعدك بألا أفوت أي درس قادم " والدتها فقط نظرت لها بكل حنان قبل أن تسحبها نحو حضنها مقبلةً شعرها: " بالتأكيد تعلمين كم أحبك يا أميرتي "
أومأت فيوريلا تبادل والدتها بقبلة على خدها ثم غادرت ركضًا ولم تمر لحظات حتى أتت الكبرى لوالدتها كيَّارا، التي عند حُسنها يعجز اللسان عن التعبير وإن المبالغة في وصفه ليس له عذر. شابةُ جميلة تجسد الرشاقة والأناقة الملكية، كل حركة من حركاتها تتسم بالإتزان والوقار، ومع ذلك كان هناك لمحة من المرح في سلوكها، وشعور بروح شقية كامنة تحت مظهرها الخارجي الهادئ.
لها وجه يشبه التمثال المثالي بملامح رقيقة ومتناسقة كان شعرها أحمرًا ناريًا يتدفق على ظهرها كالحمم البركانية دلالةً على دمائها المنتمية لعائلة بيُورلُود أيضًا عينيها ذات اللون الرمادي الشاحب محاطة برموش داكنة تمنحها مظهرًا غامضًا، يكاد يكون من عالم آخر.
من تعابيرها تنبأت صوفيا بإنزعاج ابنتها لذا بادرت بالسؤال سريعًا: " ماذا يعكر مزاجك كيَّارا؟ " كانت عاقدةً أصابعها ببعض تفكر جيدًا بما ستقول ثم رمقت الحراس العديدين المتمركزين في جميع أنحاء الحديقة لتدنو من أمها أكثر.
كان صوتها يشوبه تلميح من الاستياء: "أمي، لا أستطيع تحمل هذا بعد الآن. منذ زيادة عدد الحراس في كل مكان أذهب إليه يتبعني الكثير منهم وكأنني طفلة، بجوار أن الغالبية يحملون نظرات مريبة على أوجههم" وقد فهمت صوفيا ما ترمي له ابنتها في جملتها الأخيرة فيا له من محظوظ من يستطيع إلقاء نظرة على أميرة الشمال الفاتنة.
إستقامت الأم لحظتها لتضع يداها على كتفي كيارا مطمئنةً إياها: "عزيزتي، أنا أتفهم إحباطك لكن الفرسان هنا لحمايتك. دائمًا ما توجد أخطار كامنة في الظل، وخاصة لشخص من مكانتك وأهميتك لا يمكننا المخاطرة بسلامتك" هذا كان سبب من العديد أهمهم هو من بعد محاولة إغتيال فيوريلا وهي رضيعة لم تعد صوفيا تثق بأحد.
زفرت الأميرة لا تزال مضطربة فسحبت ابنتها نحو حضنها تربت على رأسها قبل أن تهمس بأذنها: " الخنجر بحوزتك لكِ كل الحق بإستخدامه، فارسٍ كان أم لا أي شخص يلحق الأذى بأحدى أميراتي مصيره الموت "
تذكرت كيَّارا حينها مظهر والدتها المدنس بالدماء ذلك اليوم بعد نحرها لأحد القرمزيين الذي حاول طعن فيوريلا الرضيعة وهي في مهدها، إنها تقتدي بوالدتها في كل الأمور لكنها لا تعلم إن كانت قد تصل في حياتها لمرحلةٍ مشابهة لها أن تقتل إنسان... هذا يخيفها.
وما أخرجها من غفلة ذهنها بما حولها هو مداعبة والدتها لوجنتها وهي تنطق بإبتسامة: " هيا كفاكِ عبوسًا يا بهجتي، أتودين تناول بعض الحلويات سويًا؟ " أومأت كيارا فشابكت صوفيا ذراعيهما لتغادران الحديقة.
.
(الجنوب - مدينة فيريا - قلعة سيلين)
أمام النافذة الضخمة الخاصة بالغرفة كانت ليدي سيرينا تحدق بثوب السماء السماوي المزين بقطعٍ بيضاء زغبيه مظهرٌ بسيط لكن مبهر لها ففي ماضيها هي ظنت بأنها لن تشهد جمال ما يقابل الأرض يومًا، قاطع شرودها سؤال الذي يحدق بإنعكاسه باحثًا عن شيء على جلده: " هذا غريب الحكيم قد قال بأن القرمزيين لديهم علامات مميزة على جسدهم، لمَ لا أستطيع إيجادها ؟ "
إلتحمت حواجب سيرينا في إستغراب عند سماعها لكلماته قائله: " لمَ تود إيجادها على جسدك عزيزي؟ " كانت قد تنبأت بإجابته بالفعل قبل أن تخرج من فاهه.
-" ألستُ منهم؟ " هذا الحوار قد دار بينهم مراتٍ عديدة فتنهدت بعجز، حينها إلتفت كاسبر إلى أمه وعيناه مملوءتان بعدم اليقين: " أعرف ما يقوله الناس عني.. أنني شبحٌ غريب ولا أنتمي لهنا، ولكن ماذا لو كان هذا صحيحًا؟ "
إستقامت والدته لحظتها من مجلسها واتكأت على ركبتيها أرضًا أمامه باسطةً كلتا يداها بلطف على كتفيّه، وكان تعبيرها مليئًا بالحنان: "شهابي، أعلم أنه من الصعب سماع هذه الأشياء، لكن عليك أن تتذكر من تكون، أنت تنتمي إلى سلسلة طويلة من الأشخاص الأقوياء والشجعان الذين تحملوا الكثير، عائلة راندون يا كاسبر. لا تدع كلمات الآخرين تحدد هويتك"
كان مبصرًا الأرض لكنها لمحت الدموع المتشبثة برموش صغيرها وما أوجع فؤادها أكثر ما أردفه وهو يتحسس إحدى خصلها الهاربة: " ألم تستطيعين حتى منحي لون شعرك الذهبي الجميل يا أمي؟ " رمقته بأسى ولم يكن على حاله لوحده، بل كليهما إن علم عما مرت به لم يكن ليصفه بالجميل حتى.
تماسكت حاكمة قلعة سيلين مبتلعةً ما بجوفها ثم أمسكت بكفه الصغير تردف: "استمع لي لا يهم كيف مظهرك، ما يهم هو ما ستصبح عليه، أرى فيك أميرٌ فطينٌ و رزين له كل الحق في أن يكون هنا ويدلي بآرائه جوار والده الحاكم، أنت وأخيك ورثته. لا تدع أي شخص يجعلك تشعر وكأنك لا تنتمي، لأنك تنتمي"
بخفه سحبت القميص من الأرض لتساعده في إدخال رأسه وذراعيه كي يرتديه مجددًا لازال ينظر إلى الأسفل مدركًا كل كلمة نطقته أمه، يعلم أنها تحاول المساعدة، لكن الشكوك وعدم الأمان بشأن هيئته لا يزالان يلتهمانه ببطء.
-" سأغادر الأن يا أمي " أعرب الفتى الصغير بصوت هادئ وهو يسحب أوراقه وريشته فأومأت والدته تعي بأنهُ لم يقتنع كليًا بكلماتها لكنها تعلم بأنها تحتاج لصبر الوفير حتى ينضج ويفقه كلماتها.
يسير بخطوات متباعدة في صدد الوصول سريعًا لوجهته ما كان بذهنه في غرفة والدته تغير وبات شخصٌ واحد يحتله، شقيقه رالف.
لا يود مقابلته في أروقة القلعة مصادفةً حتى، إن تعليقاته اللاذعة المريرة تؤذي الصغير بشدة هو لديه ما يكفيه ليفكر حياله، ولكن إضافة لكلمات أخيه هذا قد ينتهي به بالجنون.
فقط القليل من الخطوات هذا ما يجول بباله حتى رأى ظل الذي يذعُر لرؤيته، إلتصق ظهره بالجدار جواره يبصر الأرض وهو يحتضن أوراقه يسمع صوت حذاء أخيه الذي يقترب.
لقد توقف الصوت عنده فبات الهلع يتملكه، شعر بكفٍ يتوسد رأسه مداعبًا خصلاته الفضية لينتفض فؤاده أثر ذلك.
-" أوه أخي الصغير هنا " قال رالف ونبضات الصغير تتسارع لم تمر ثواني حتى تم رفع ذقنه بخشونة من قِبل الأكبر ناطقًا: " عندما أتحدث معك أريد رؤية عيناك أو بالأحرى عينك السماوية فقط، إقتلع هذه الحمراء من مكانها أو إغرس سكينًا بها، إنها مقززة "
كاسبر رفع كفه الفارغ وغطى عينه ذات اللون الكرزي يومئ لأخيه بكل تهذيب فإبتعدت يد رالف عنه: " جيد " ثم تركه وشأنه راحلًا عنه وهذا أثار ريبة شقيقه الأصغر الذي كان ينتظر إهانة أكثر بُغضًا.
أكمل كاسبر طريقه حتى وصل لهدفه حُجرة عمته هو طرق الباب ليسمع من بالداخل تسمح لهُ بالولوج، دخل حينها ليبصر من تصنع لهُ أرض الأحلام بكلماتها.
-" العمة ريكا " نطق مغلقًا الباب خلفه لتبتسم المعنية عندما علمت بدخوله قابعة على كرسي أمام مدفأةٌ عملاقة، هو إتخذ الوسادة على الأرض جوارها مجلسًا لهُ واضعًا أوراقه أرضًا لتردف بينما تُعدل من عصابة عينيها: " كاسبر أتيت مُبكرًا اليوم "
-" الحكيم خرج لمدينة فيريا اليوم، ووالدي مشغول بأمور البلاط لذا قررت أن أتي إليكِ عمتي.. هذا إن سمحتِ بالطبع " فسر كاسبر سبب تواجده لتهز رأسها مُتفهمة فالفتى متعته الدائمة هي في التعلم والإلمام بتاريخ المملكة ووجود شخص كعمته، إنها بمثابة كنزٌ له.
فقد كانت عمياء، لكن ذاكرتها كانت لا تصدق بالنسبة لكاسبر محفورٌ بذهنها كل تفاصيل ماضي مملكتهم وكل الصغائر هي تعلمها دون أن تبصرها هذا يثير إهتمام الصغير بشدة.
بدأت عمته بصوتها الشجي: "مملكتنا لها تاريخ غني وأسرارٌ وافرة كما تعلم" رفعت يدها لتتقدم سريعًا الخادمة جوارها تقدم لها كوب العصير فأكملت: " بالتأكيد لم تنسى إتفاقنا، قصة واحدة لكل يوم. إذًا ماذا يجول بخاطرك لليوم"
- " لحظة " نطق ذاهبًا ليحضر الحبر من مكانه المعتاد جوار مدفئة عمته ليعود وهو ينطق: " أظن بأنني أريد معرفة ولادة أول طفل قرمزي "
إرتفعت إحدى زوايا شفاه عمته في بسمه جانبية لمعرفتها مسبقًا بأن القصة التي سيريدها الطفل ذو الشعر الفضي ستكون قطعًا لها علاقة بالقرمزيين، إنهُ مولع بهم بشدة.
إرتشفت القليل من عصيرها لتبدأ بينما كاسبر إستعد بريشته: " إذًا يا كاسبر دعنا نحلق بعيدًا هذه المرة لشمال، لمكان حيث لم يتوقف الثلج عن الهطول، دائمًا هناك طبقة سميكة منه، ناصع البياض كصفحة من أوراقك الفارغة لكن منازلهم هم يحبون اللون الأحمر بهوس فكلها من تدرجاته و ينظفون أسقفهم من الثلج بإستمرار وهذا غريب فإن نظرت للمدينة من الأعلى كالثلج المنسال عليه الدماء، إنها ربما أرض جميلة فكما تعلم لم أستطع رؤيتها، أرضًا مليئة بالوديان الجليدية والجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج ، وكانت الرياح تهمس عبر الأشجار بصوت بارد وحزين إنها على النقيض من ساندستورم الصحراوية هنا في الجنوب يا إلهي تبًا لذلك المكان، أيًا يكن لقد كانت تلك البقعة الشمالية هذه قاسية ولا ترحم أيضًا لمن لا يستطيع تدبر أموره في الصقيع كما قد تم تسميتها، مع رياح باردة وليالي طويلة مظلمة... " كان صوت عمته كاللحن الهادئ، ينقله إلى قطعة الأرض التي تريد بينما هو يرسم ما يتخيله جوارها.
- " أختان إحادهما متزوجة وقد فاض بها الحمل حدَّه بينما الأخرى فهي عذراء وقد تفرغت لمساعدة الكبرى، منزلهما قد كان بمنتصف المدينة وإذ بأخباره تنتشر كالنار في الهشيم. الزوج كان حدادٌ بسيطٌ لطيف لربما قضى أغلب حياته يذيب المعادن ويصنع بها أسلحة لم يعلم بأنهُ سيكون أحد مستعملينها يومًا، ستقول ربما إلتحق بالحرس الملكي أو ما شابه لكن لا. في يوم وهو عائد لمنزله بين رمي الكلمات الطيبة على جيرانه هو وجد شقيقة زوجته تعود بدلوٍ مملوء بالماء حينها علم بأن الولادة اليوم! يمشي ذهابًا وإيابًا وهو يعصر قبعته بين قبضته في قلق، ينتظر ولادة طفله الأول وكان متحمسًا ومرعوبًا في نفس الوقت
عقل مليئًا بدوامة من الأفكار والعواطف، كل منها يتدحرج فوق الآخر في جنون. هل ستتم الولادة بسلاسة؟ هل سيكون الطفل بصحة جيدة؟ هل سيكون أبًا جيدًا؟ كان المستقبل غير مؤكد. الشقيقة خرجت ببهجة بعد ساعات وبعد إخباره بأن الصبي ينتظره قالت "الحكيمة طلبت بعض الأعشاب سأذهب لإحضارها" الرجل دخل منزله ولم يُستقبل بنفس الفرحة بل أوجهٌ كرباء من الحكيمة ومساعدتها بمنزله و بكاء الرضيع بين ذراع إحداهما" وبينما كانت تحكي العمة كان كاسبر يتخيل نفسه يقف هناك في ذلك الكوخ، ويشهد الأحداث التي تصفها يحاول أن يجعلها مشابهة لولادته لكنها بعيدة كل البُعد.
-" لم يخطو خطوة نحو طفله حتى بل نُطق الخبر بوجهه " الطفل.. الطفل لديه الصفات القرمزية عليك إتباع قواعد الجد " جادل الحكيمة وهذا خالف مبادئه بشده بل صرخ عليها، أحدٌ من المارين على منزله يقول بأنه استمع لزوج وهو يدوي بصوته "هل فقدتِ صوابك أيتها العجوز ؟!" إشتد النزاع وتدخل أهالي المدينة والكُل كان يؤيد قرار الحكيمة حتى أنهم عزموا على أن ينفذوه بأنفسهم. نعود لشقيقة التي عادت بالأعشاب وجهها امتلئ بالإستفهامات من الإزدحام على مدخل المنزل. وقفت الأخت الصغرى عند باب الكوخ وأطلقت تلك الصرخة المُرتاعه التي يقال بأنها تكاد تمزق طبلة أذنك، شعرت بثقل قلبها في صدرها لم تستطع أن تصدق المشهد أمامها... أختها التي قد أنجبت طفلها لتو عُنقها تم نحره وهي في سريرها وجسد زوجها ملقى بجوارها جُثةٌ هو الأخر بالنصل الذي إخترق صدره.
كان لديها إحساس عميق من الإنكار وهم يخبروها بأنه أتمم قواعد الجد لولادة طفل قرمزي ثم إنتحر. لقد ظلت بجوار الجثتين ليلتين بين يديها خنجر تمنع من يريد تحريكهما. إن معظم السكان الأن لا يمكنهم نسيان تلك الصرخة المُفجعة لشقيقة الصغرى بل بعضهم يقسمون بأنهم يسمعونها عند صعود الجبال المحيطة بمدينة الصقيع " إنتهت من عصيرها مع إنهائها القصة و قد كان كاسبر يستمع باهتمام مفتونًا تمامًا بسرد عمته. شعر بإحساس من الرهبة والتعجب، قد كان لديها طريقة في إعادة الماضي إلى الحياة، وجعله يبدو حقيقيًا وملموسًا بطريقة لم يختبرها من قبل.
-" تعلم يا كاسبر أنه أول صبي تم إرساله لجزيرة المنسيين" هي نطقت بعد أن تم أخذ كوب العصير من يدها ومدت كفها لكاسبر الذي ناولها أوراقه.
-" كيف عاش هناك بمفرده عمتي ؟ " إستفسر متناسيًا الاتفاق بينهم لتردف عمته وهي تستقيم من مكانها: " هذه قصة أخرى ليوم أخر " هذه إجابتها وهي تتحسس ما رسمه الصغير.
يراقبها بصمت لم يكن يعلم لماذا تكرر هذا الفعل كل مرة، قد تبادر لذهنه في إحدى المرات أن لديها عيون مستوره في كفها ربما أو أنها ترى رسمته بقدرة سحرية لكن لا يوجد أي براهين لصحة شكوكه.
لم تكن رسماته فنيه أو مبهرة بل خرابيش غير مفهومة إلا له، فلايزال طفل في السابعة لكنها دقيقة لأوصاف قصة عمته.
-" أراك فالمستقبل أمهر رسام أيها الأمير " نطقت فجأة ليرمش كاسبر خارجًا من شروده وهو يبتسم بخجل من مدح عمته لذا إرتفع من مكانه قائلًا وهو يلتقط أوراقه مجددًا: "أشكرك عمتي"
.
(الشمال - مدينة العشب الدموي - قلعة كارسين)
الشمس تغيب فصُبغت السماء بمساحات برتقالية وتخللت سلاسل الشمس الأخيرة أروقة القلعة التي تركض بها الأميرة الصغيرة في مرح تنشر البهجة بضحكاتها وهي تتوارى خلف الأعمدة من خادمتها المراهقة ستيلا التي تحمل حذائيها تقنعها بل تترجاها أن ترتديهم مجددًا: " رجاءً يا أميرة، ستتأذين "
-" هيا ستيلا، أنتِ تقتلين المتعة " بصوتٍ متذمر نطقت الفتاة وهي تكمل سعيها بينما بصرها يلاحق مكان ستيلا خلفها فلم تكن تنتبه إلى المكان الذي كانت تتجه إليه، وعندما استدارت عند الزاوية اصطدمت بكتفها فجأة بشخص ما.
تعثر الصبي إلى الخلف لينسكب المتبقي من الماء العكر بالدلو الذي يحمله أرضًا، أخفضت فيوريلا حدقتاها لمن اعترض طريقها شعرٌ مجعد أسود أطرافه تتدلى على عينيه وكانت ملابسه البسيطة ثم قطعة القماش بين أصابعه والدلو الذي تدحرج على الأرض علامات تدل على سبب تواجده في مكانٍ كهذا.
كانت على وشك فرد ذراعها لمساعدته لكن الفتى نهض وفرك مرفقه حيث خدشته الأرضية الحجرية رأت الأميرة وميضًا من الانزعاج في عينيه، وأدركت أن كلمات غاضبة قد تغادر فمه.
عوضًا عن ذلك هو قال بينما يعود ليحمل الدلو:" انتبهي لطريقك من فضلك، القلعة ليست مجهزة للهو الأطفال" نظرت له بدهشة من نبرته وكلماته كأنه لم يكن مقارب لها في السن، بل هو يشابهها طولًا أيضًا.
شعرت الأميرة ببعض الوخز بسببه؛ غير معتاده على التوبيخ من غريب. لقد أرادت الإعتذار منه، لكنها سرعان ما دفعت هذا الشعور جانبًا ورفعت ذقنها بتحدٍ وردت: " مجرد حادث بسيط، لم أرك قادمًا "
أدار عينيه: "حسنًا، ربما لو لم يكن هناك حيوان بري يركض حافيًا في كل مكان، لكان لاحظ الأشخاص في طريقه " قال وكان صوته مُشبع بالوقاحة، لحظتها فُغر فاه الواقفتان أمامه لتضع ستيلا كفها على فمها لم تكن بمنصب يُمكِنها من إطلاق الأوامر على بقية الخدم بينما فيوريلا تغلي غضبًا.
- " بمن تنعت بالحيوان البري؟! " لم تترك له أي فرصة لرد أو حتى لتدخل خادمتها ستيلا لقد قلل من إحترامها هو يستحق ما ستفعله به ليس لفظيًا بل جسديًا هنا تخللت أناملها خصلاته المجعدة وأخذت تسحبها بكل قوتها.
أصدر أنين متألم ليترك ما بين يديه مقابلًا فعلها بنفسه وأخذ يجذب شعرها الأحمر القصير لتتألم الأخرى، لحظتها وقع حذائي الأميرة أرضًا وتعدت ستيلا مكانتها واتجهت لهما تحاول حسم النزاع: " أنت تتعدى على الأميرة! توقف الأن!"
لكن كلا قبضتيهما كانت متينة، الإثنان يعزمان على استئصال شعر الأخر فأردفت ستيلا مجددًا بيأس: "كفى يا سمو الأميرة، أرجوكِ " أصواتهم ترتفع كل دقيقة.
-" إيدن! " صاح القادم فإرتعد الطفلان أخيرًا قد حُلت أصابعهم عن بعض والأكثر رُعبًا كان الفتى تاركًا الأميرة بعجل وهو يخفض بصره راكعًا على ركبتيه ليردف بينما ينظر لحذاء القادم بأعين متوسعة: " لورد لوكاس.. "
-" أبدأت تفتعل المشاكل وبالكاد مر يومان على إحضارك لهنا؟ " صاحب الخُصل النارية لم يأبه لإجابه من الطفل بل نظر للأميرة ذات الشعر المبعثر: " وأنتِ أين ذهبت أخلاقك الملكية؟ "
لم تجد كلمات لقولها هي مخطئة كما الحال مع إيدن فأكمل لوكاس بحزم موجهًا كلماته لفيوريلا: "إلى غرفتك، عقابك سيكون مع والدك " عبست ملامحها تحسَّ بالعديد من المشاعر في انٍ واحد، الخجل من فعلتها والغضب لذا قامت بالجري بعيدًا إمتثالًا للأمر خلفها خادمتها.
.
(الجنوب - مدينة فيريا - قلعة سيلين)
مستلقي على سريره يحدق بالسقف المعتم لازال يُفكر بما حكته لهُ عمته، إن كان قرمزي هل كان سيكبر بدون والدين أو خصيصًا بدون والدته.. هذا يرعبه، إنها نور حياته الوحيد كما هي تصفه بالشهاب فهو يراها مجرته.
تقلب على جانبه لا يجد سبيل لنوم فإعتدل جالسًا ثم نظر لنعله قبل أن يقف على الأرضية الباردة بدونه هو شعر بأنه يجب أن يكون حافي القدمين لسببٍ يجهله.
القلعة هادئة، كُل ما يسمعه هو تصادم دروع الفرسان ببعضها عند حركتهم وهم يتأكدون من كون المكان أمن ، كان كاسبر ضئيل الحجم ليلحظه أحدهم وهو يجول في أروقة القلعة حتى وصل لطريق المؤدي للبيت الزجاجي المزدحم بشتى أنواع النباتات.
كيف لم يسبق لهُ رؤيته من قبل ربما لأنه دائمًا ما يذهب للحديقة الأمامية مع والدته عوضًا عن الخلفية. سار الصبي الصغير في الحديقة المضاءة بالقمر، غارقًا في أفكاره، كان منغمسًا في محادثة مع نفسه في ذهنه وعندما إقترب من مدخل البيت الزجاجي عندها لاحظ شخص يفترش الأرض أمام شجرة كانت بالمنتصف.
وبينما كانت عيناه تتكيفان مع نور المصباح المتدلي من السقف الذي بالكاد يضيء المكان، نظر إلى الفتاة التي كانت تجلس ساكنة بين الأعشاب، وحدقتاها مثبتتان عليه في نظرة صامتة لا تتزعزع.
اقترب كاسبر أكثر، شعر بإحساس من عدم الارتياح يغمره. كان هناك شيء غريب وغير عادي عنها، والهدوء حولها مزعج لمَ لم تسأله عمن يكون أو تصرخ عليه حتى.
خطواته كانت حذرة، حتى وقف على بعد أقدام قليلة منها. ظلت عيناها مثبتتين عليه، وتعبير وجهها غير قابل للقراءة في الظلام هي أمالت رأسها قليلًا في استغراب فشعر بالتوتر والحيرة، غير متأكد مما يجب فعله بعد ذلك.
وأخيرًا، استجمع شجاعته ليتحدث: "من أنتِ؟" سأل، وكان صوته همسًا بالكاد يُسمع في هواء الليل.
أشارت لفمها ثم هزت رأسها يمينًا ويسارًا فعقد كاسبر حاجبيه لكن لم تمر ثواني حتى نطق بنبرة سؤال: " لا يمكنكِ التحدث؟ " فأومأت ذات الشعر البني.
مميزة كعمته، هذا ما يبحث عنه كاسبر في أشخاص يمكنهم مجالسته ويستطيعون تفهم كرهه العميق لنفسه.
استمر في التدقيق بها، وفضوله يسيطر عليه هي تكبره عمرًا بالتأكيد. اتخذ خطوة صغيرة للأمام، محاولاً إلقاء نظرة أقرب عليها.
لم تتحرك الفتاة، لكنه كان ليقسم أنها كانت تراقبه الآن باهتمام أكبر، وكأنها تحاول رؤية تفاصيل وجهه حتى ظهرت تعابيرها المندهشة وأخذت تحرك يدها في حركاتٍ لم يستطع استيعابها كاسبر.
من بين تلك الحركات هي أشارت عليه ثم لشعرها وعينيها مع إبتسامة صغيرة. ود لو إستطاع فهمها لكنه سيتثقف حيال حركاتها فهذا ما يتقنه تعلم كل ما هو جديد.
بينما الفتاة، ماريجين سرورها كان بسبب أنها تعرفه إنهُ كاسبر الذي يتحدث عنه الأمير الأكبر بالأصح من يمقته بشده، لكنها تعلم إن تحدث رالف عنك بالسوء فالبتأكيد أنت مناقض لكل ما يقوله.
كانت تود مقابلته منذ زمن بسبب صفاته الاستثنائة بعيدًا عن وصف رالف لهُ بالمسخ لكن بمخيتلها شبهته بالملاك الوديع وهذا ما تراه بعينيها الأن الفتى يبدو كورقة شجر مرتجفة كيف لأخيه أن ينعته بكل تلك الكلمات إذًا.
ربتت على الأرض أمامها ففهم الصغير ليذهب جالسًا على كعبيه، رفعت سبابتها تشير لعينه الحمراء فرفع كاسبر كفه يغطيها بسرعة وهو يقول بصوتٍ مذعور: " أنا أسف.. أسف إن أخافتك عيني أن- " قاطعته بإبعاد يده عن وجهه وهي تهز رأسها كطمأنينه لهُ.
لقد أدهشها اللون غير المعتاد ولم تستطع أن تحوِّل نظرها عنه فلم يسبق لها أن رأت شيئًا فريدًا لهذا الحد، وقد أذهلها بطريقة لم تستطع تفسيرها تمامًا فرفعت يدها نحو رأسها وفردت أصابعها كإنفجار وهي تبتسم.
- " أهذا يعني علي تفجيرها ؟ " ببراءةٍ نطق فأرادت ماريجين الضحك بكل قوتها من سذاجته حيال تعابيرها لذا أومأت بالرفض سريعًا بإبتسامة عريضة من الأذن للأخرى كم لها لم تتواصل مع شخص أخر عدى والدها ورالف عندما أرادت القيام بحركةٍ ما قد يفهمها كاسبر هي توقفت فجأة.
فقط عندما سمعت صوت الحذاء الذي دهس الأرض شحبت ملامحها وبدأت أطرافها بالإرتجاف، من شدة بُعد الخطوة بالكاد قد سمعها كاسبر المُستغرب من تغيرها المفاجئ لكن بالنسبة لذات الخصل البنية هذا الصوت محفور في ذهنها كالوشم، إرتفعت على قدميها تمسك بذراع من أمامها حيث جرته لخلف الشجيرات الجانبية.
هي رفعت إصبعها المرتعش لتلصقه بشفتيها المزمومة بينما تجلسه على الأرض برفق كان سريع الفهم ووضع كفه على فمه يومئ برأسه: " لن أُصدر صوت " كاسبر همس لحظتها فعادت ماريجين لمكانها أمام الشجرة تجلس على وسادتها الصغيرة، صدرها يعلوا ويهبط مع طغيان الأحمر على خديها بسبب تسارع أنفاسها كل ما بذهنها ماذا إن علم بتواجد الصغير.
توترها يزداد كل لحظة مع إقتراب خطواته بينما كاسبر كانت علامات الاستفهام تدور حول عقله عمن سيأتي ليجعل ماريجين خائفة هكذا، بهدوء هو إستقام قليلًا ليصبح على ركبتيه ولحظتها رأى أخيه، رالف.
- " مِير.. " نطق رالف مع تلك البسمة الماكرة المُعتادة للجالسة، ببطء رفعت حدقتيها لهُ تقابله بعيونها ذات طبع عيون الغزال النقية هو قد شبهها به سابقًا. لاحظت عدم وجود الوسادة معه إبتلعت ما بجوفها بسكون حتى تحدث مجددًا أثناء إنحناءه نحوها: " هذا غريب... "
تحسس خدها برقة مما أدى لنفور رأسها مسافة بسيطة عن يده، منذ متى كانت لمسته مرحب بها على أي حال ولكنه عقد حاجبيه قائلًا: " خدودٌ متشربة بالأحمر و أنفاس مضطربة، حياء غير معتاد عزيزتي ماريجين "
أفكارها تشوشت حين نُطق اسمها، هو لا يقوله إلا إن كان مستاء بشدة أو غاضب هذه المرة من النظر له هي لا تستطيع تفسير حالته وما زاد تعجبها عندما عاد فاردًا ظهره يمد ذراعه نحوها باسطًا أنامله نحوها منتظرًا أن تسلمه يدها وبالفعل قامت بذلك لتنتصب من مكانها.
عدلت من تكسرات فستانها البسيط مقارنةً بملابس الأمير أمامها، هو أطبق أصابعه على يدها جيدًا بينما بالأخرى رفع اصبعه الذي توجه لفكها يمرره عليه حتى غير مساره على عنقها نزولًا للوادي بين ترقوتيها إختل انتظام أنفاسها وأصدرت تلك الشهقة عندما أدركت إلى أين سيؤدي الطريق الذي يسلكه على جلدها.
توقف عما يفعله وأصدر تلك القهقهة الصغيرة ناطقًا بنبرة ساخرة: " ماذا؟ أتظنين أنني على وشك القيام بفعل شنيع مع... " إقترب برأسه منها يدنو بشفتيه نحو أذنها مُكملًا بهمس: " فتاة من طبقة في أسفل القاع مثلك "
لم ينتظر أي تعبير منها بل عاد ينظر لعينيها التي باتت بجفون محفوفه بالدموع فإبتسم، لا تقوى على فعل شيء حتى الإنتقام من خلال الرد لا يمكنها ذلك بل فكرت في كيف أن رالف لا يستطيع فرض سلطته المحدودة كأمير إلا عليها.
إن كان يبغضها لهذه الدرجة لمَ لا يكف عن القدوم لها كل يوم؟ ودت لو تستطيع قول هذه الجملة له لمرة واحدة على الأقل.
شعرت بيده على خصرها والأخرى لازالت متمسكة بيدها جيدًا بينما كفيها المرتعشة هي لم تجد سوى كتفيه لتمسك به بينما يتمايل معها بتأني، أهذا ما يسمى رقص؟ لم تتعلمه قط فقط تحاول مجاراته بكل ارتباك وخوف من الخطأ.
أسند خده على خدها الرطب موصدًا جفنيه بينما يهمس: " والدي، اللورد إيدجار قد رفض وجودي بالبلاط اليوم كعقاب، أنا لا أعلم كيف تمالكت أعصابي لحظتها ولكنني فكرتُ بكِ " صمت لوهلة ثم أكمل: " أنتِ دائمًا من تجعلين ذهني المُنفعل يرتخي " كلماتٌ غير مألوف مُرادها منها فمنذ ثواني كان ينتقص منها إنها عاجزة عن فهمه وفجأة تذكرت الفتى الصغير الذي يراقب فبمقلتها فقط إتجهت للمكان الذي يتوارى خلفه لتزدرد ريقها.
لازال كاسبر على ركبتيه يشاهد شقيقه بمزيج من الفضول والقلق وهو يدور بها حول الحديقة بينما يرقصان على الصمت، تعثرت الفتاة كثيرًا ولم يتوقف رالف أبدًا.
لم يتمكن الأصغر من فهم سبب وجود أخيه الأكبر مع الفتاة، بعيدًا عن الرقص معها كانت بلا صوت، وعلم بأنها ذات الفتاة التي يطلق عليها نفس الألقاب التي يرميها عليه " أنت نسخة من غريبة الأطوار التي فالبيت الزجاجي " هذه الجملة التي تذكرها كاسبر.
أحس صاحب الشعر الأبيض بألم من الحزن، لم يستطع إلا أن يشعر بالأسف على الفتاة، حيث أدرك كيف هي مجبورة على الانصياع لمعاملة شقيقه القاسية مثله.
كان يعرف طبيعة أخيه الأكبر القسوة والحقد اللذان يكمنان تحت مظهره الجذاب، لقد حيره كيف يمكن لأي شخص أن يتسامح مع وجوده حوله، ناهيك عن أن يحبه.
عليه الرحيل و إلا من الواضح أنه سيتسبب بمشاكل لصديقته الجديدة فتسلل الأمير الصغير ببطء خلف الشجيرات وقلبه ينبض بقوة في صدره أثناء تحركه بحذر لقد شكر نفسه كثيرًا لكونه حافي الأقدام هذا يُيَسر خطواته بلا صوت.
كانت كل عضلة في جسده متوترة وهو يحاول تجنب الدوس على أي من الأغصان المنثورة على الأرضية، لا يعلم حقًا كيف خرج من ذلك البيت الزجاجي دون أن يلحظه شقيقه.
أو هذا ما كان يظنه.
.
(الشمال - مدينة العشب الدموي - قلعة كارسين)
ملمس العشب على قدميها العارية لم يكن طبيعيًا بل لزج ولا تعلم لماذا كانت حافية الأقدام، في غمضة عين وجدت نفسها في منتصف مقبرة، محاطة بشواهد القبور الذي يحمل أحدهم اسم عائلتها "فوريست" كانت ترى ذلك بكل وضوح رغم الظلام الحالك حولها. فجأة إخترق هدوء الهواء صخب صراخ رضيعٍ صغير.
شعرت بضيق في صدرها وهي تتبع مصدر البكاء كلما تقترب تجد شواهد القبور تغرق داخل الوحل وشيءٍ فشيء تصبح ضبابية والهواء يُسلب من رئتيها إذ فجأةً أضحى صوت الرضيع صوت فتاة صغيرة تصرخ صرخة مألوفة..
انها ابنتها الصغيرة فيوريلا باتت تركض نحو الصوت بقلب تتسارع نبضاته رُعبًا وعيناها أُجهدت من المحاولة لرؤية خلال الضباب حولها، إستمر المحيط في التحول والتغير كما لو أن المكان يتبارى معها ويحاول منعها من العثور على فتاتها إلا أنها تتقدم للأمام في محاولة يائسة لتجدها.
حاولت الصراخ باسم ابنتها لكن صوتها إنتٌزع منها هو الأخر، السماء الحالكة أخذت تمطر فنظرت ليداها تجد قطرات دماء عوضًا عن الماء ليزيد ذلك من جزعها لكنها لم تيأس من المضي نحو الصوت.
أخيرًا رأت شخصًا من بعيد، هيئة صغيرة تحدق بها. عندما إقتربت إتضحت تفاصيل وجهه أكثر، عينان ذات ألوان لم تراها مسبقًا في حياتها وملابس رثة ثم شعر فوضوي إبتل بالدماء المتساقطة عليه.
توقفت الدماء عن الهطول ورئتيها عن التنفس فضمت يديها نحو عنقها إنها تختنق، حينها أشار الفتى بعيدًا وإتبعته بعيناها نحو ما يرشدها إليه لحظتها رأت ابنتها..
فيوريلا، صغيرتها بفستانٍ أبيض براق وخصلاتها الحمراء تلمع بشدة وإذ بحدقتيها حمراء ليست رمادية وكل ما جذب إنتباهها هو ما تحمله ابنتها بين ذراعيها طفلٌ مغمس بالدماء بأطرافٍ متيبسة.
سقطت صوفيا على الأرض تنازع للبقاء لحظتها إمتدت ذراعي فيوريلا الحاملة لطفل ناطقة: " إنهُ ميت يا أمي " ومن بعد تلك الكلمات إرتفع من خلفها خفاش بعيون ذهبية يطير نحو التي على الأرض.
إستيقظت صوفيا في هلع جسدها بالكامل متعرق ويرتعش، يداها إتجهت نحو رقبتها لتجد نفسها عادت تلتقط أنفاسها لقد كان مجرد حُلم أو كابوس بتعبيرٍ أصح.. لكن لحاكمة قلعة سيلين وجهة نظر مختلفة تمامًا.
♦♠♦
يتبع..
٨\٩\٢٠٢٤م
٥\٣\١٤٤٦هـ
♦♠♦
بعض الملاحظات: أحب أنوه بس أن كل عائلة حاكمة في عالم المخلب الدامي لها صفات مميزة (فيما معناه أنه لو أحد من عامة الشعب قارئ لتاريخ و شافهم بيعرف أي عائلة ينتمون لها) وطبعًا لكثرة العوائل أنا بذكر بس الي إلى الأن تم ذكرهم فالفصلين ومع التقدم فالفصول بنبه كل ما تنوصف مميزات أي عائلة جديدة كمان
عائلة بيُورلُود: شعر أحمر ناري، عيون رمادية
عائلة راندون: شعر فحمي حالك، عيون سماوية
طبعًا بعيدًا عن الي يكونوا متزوجين من عوائل أخرى، فمثلًا صوفيا: شعر أحمر غامق وعيون سوداء لأنها من عائلة فوريست
سيرينا: شعر أشقر وعيون سوداء عائلة ستورم (العيون ممكن أسود/سماوي )
صور لبعض الشخصيات:
•كاسبر الأمير الصغير:
كتكوت قلبي صاحب أجمل عيون 🤏🏻
• ليدي صوفيا فوريست :
•ليدي سيرينا ستورم :
- لمزيد من الصور فالانستا (كيارا / فيوريلا الصغيرة)
ألقاكم فالفصل الثالث قريبًا!
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro