١٣
يوم الجمعة في المدرسة، إليزا تنتظر انتهاء الدوام بفارغ الصبر، والأفضل من هذا أنها آخر مرة تأخذ فيها دروس إضافية، اليوم فورما ترجع للبيت سوف تسافر مع والديها إلى مزرعة جدتها لأنها مريضة بشدة، هي تحب جدتها وسوف تحاول إقناع والديها أن تبقى معها لأسبوع.
ڤيولا رئيسة عصابة النميمة لم تعد تلتصق بإليزا بشكل مبالغ به بعد الآن بل صار لديها صديقات جدد وهي تجلس معهن أغلب الوقت، الحظ بدأ يبتسم لإليزا أخيراً.
سرعانما دق الجرس، فير اقتحم فصلها وضرب كفه بطاولتها ليقطع سلسلة أفكارها وصفو مزاجها في نفس الوقت لتتأفف بضجر وتقلب عينيها.
رفع إصبع السبابة بوجهها وقال بتهديد "أنتِ! أنتِ تركتني مع والدكِ في الأمس، تجاهلتي كل رسائلي وتعرفين أن هذا أكثر شيء يغضبني في هذه الحياة!"
"فير، أنا لست زوجتك حتى تطالبني بالرد على رسائلك في الثانية نفسها، بالمناسبة، أنت لم تسألني ماذا حدث بكاحلي، لم تتمنى لي الشفاء حتى لذا لا تدعي البراءة"
شيء فشيء كان إصبعه ينزل وتعابيره تختفي، عاود رفع إصبعه وقال "لم تسألي نفسك يا ترا ماذا حصل لي!"
"أليس هناك شخص غيري تتحدث إليه عن هذه القصة، لديك ألف صديق من هذه المدرسة! لست بمزاج جيد لأسمع ترهاتك"
"هكذا إذاً يا ليز!؟"
"مهلاً ما… كيف تناديني هكذا؟"
"أنا ووالدكِ أصدقاء الآن! وسوف يخبرني قريباً بكل أسرارك وسوف تندمين على تجاهلي، إلى اللقاء" غادر بعدما أعطاها نظرة مليئة بالسخط وهو يدفع الآخرين بأكتافه.
رفعت زاوية شفاهها وتمتمت "ما الذي يحدث!"
بعد ذلك الكلام فير لم يتحدث إليها أبداً وكان يحاول معاملتها بالمثل وألا يردّ عليها، لكنها على عكس ذلك ارتاحت منه، هي ماتزال متأكدة أنه يطور مشاعر نحوها لكنها عالقة أكثر من ذي قبل بعدما تركت والدها يساعده ويبدو أن الأمور هدأت بينهما…
مر الوقت والآن ستحضر آخر حصة إضافية، فير يجلس بعيداً عنها، قبل بدء الحصة كانت أمها ترسل لها صور الأمتعة المكدسة في سيارتهم الصغيرة، إليزا استغربت وكتبت لها "أليست مبالغة بالنسبة لسفر يومين؟"
"لا قررت ووالدك أن نبقى حوالي أسبوعين، جدتك بحالة سيئة وتحتاج من يرعاها"
ابتسمت إليزا بنصر فقد حصلت على أمنياتها، لكن في تلك اللحظة أرسلت لها أمها تعابير حزينة وكتبت "لست أدري كيف سوف تصمد النباتات كل هذه الأيام بدوني، سألت جيراننا واكتشفت أنهم جميعاً مجرد عجائز عنصريين ولم يقبلوا بتولي أمر السقاية في غيابي"
مع هذا القول تذكرت قططها ما جعل فكها يسقط بالأرض، لن تستطيع أخذهم معها وإذا تركتهم وحدهم قد يموتون من الجوع.
ابتلعت ريقها وألقت نظرة على فير، كان جالس بصمت ويتابع لقطات مصارعة قديمة في هاتفه، ابتلعت ريقها مجدداً ونهضت إليه لتجلس لجواره، نظر إليها ببرود ثم أبعد كرسيه عنها.
تأففت وتمتمت "لا أصدق أني أفعل هذا"
كان فير يخرج سماعاته مستعداً لتجاهل صوتها لكنها قالت بخفوت "فير يا صديقي… آسفة لأني تجاهلت رسائلك"
قلب عينيه "لست بمزاج جيد لأسمع ترهاتك"
"أنا أحتاج مساعدتك! الأمر متعلق بالقطط، هل كنت لتسمح لهم أن يموتوا!"
"ماذا تريدين؟" قال بلا مبالاة.
"أريدك أن تضع الطعام للقطط في غيابي، سأسافر لأسبوعين"
رمش عدة مرات بملل "حسناً، لأجل القطط فقط وليس لأجلك"
"سأعطيك مفتاح بوابة الحديقة والطعام الذي عوّدت القطط عليه، سيكون أيضاً لطف منك أن تسقي نباتات أمي كل أربعة أيام في حال لم يهطل المطر"
"حسناً، أكتبي لي كل الملاحظات في رسالة حتى لا أنساها"
"شكراً لك، لن أنسى معروفك طوال عمري"
هو لم يستطع إخفاء ابتسامته أكثر وقال بعدما هربت منه ضحكة رغم عنه "تباً لكِ، صديقة مصلحة، ماذا كنتِ لتفعلي من دوني"
"شكراً جزيلاً سأردها لك يوماً ما!" قالت ثم عادت لمكانها باِستعجال وأعلمت أمها أنها عثرت على من يعتني بالحديقة في غيابهم وأن فير سيفعل كل شيء لكن أمها أرسلت لها رموز تعبيرية في شكل مهرج وكتبت "قررت أنا ووالدك للتو أن تبقي في البيت بينما نحن نغادر البلدة، هل تظنين أننا سنسمح لكِ بالتغيب عن المدرسة لأسبوعين"
إليزا سقط فكها مجدداً بكل صدمة لكن لم يكن هناك وقت لمجادلة أمها فقد دخل المعلم واضطرت على إطفاء هاتفها، الآن تعكر مزاجها وتدمرت كل أحلامها.
لم تستطع التركيز في الدرس، كانت تراسل أمها في كل مرة يدير معلمها ظهره، تحاول إقناعها بالذهاب معهم، لأجل هذه الرحلة بالذات وضعت الفوبيا عائق لبقائها وحدها في البيت لكن أمها لم تقتنع وأرسلت لها رمز تعبيري لسكين.
وبعد رسائل لا تحُصى قررت الأم أن تذهب إليزا برفقتهم ولكن يجب أن ترجع يوم الإثنين، غير هذا لن يسمحوا لها بالمجيء أبداً.
كانت مستاءة جداً من الظلم الذي تتعرض له ولكنها ستذهب معهم على كل حال وتحاول جعل جدتها تقنع والديها أن تبقى لأطول وقت ممكن، بما أنها ليست متأكدة ما إذا كانت سترجع سلّمت مفتاح بوابة الحديقة لفير، حيث لم يودعها ولم يأبه لذهابها أبداً وهذا أسعدها…
***★****★***
بعد قيادة ساعات طويلة وقضاء يومين من الملل في المزرعة، اكتشفت إليزا أنها أخطأت بالمجيء.
الأمر الذي لم تحسب حسابه هو أن مزرعة جدتها مفتقرة للإنترنت، وهذا ما جعلها تقتنع بفكرة أن ترجع للبيت يوم الإثنين، لقد كانت ثلاثة أيام من الملل الشديد دون متابعة أي مسلسلات أو أي شيء. كانت تعتني بالخيول والمنزل وتجلس مع الجدة أغلب الوقت لتسليتها والآن حان وقت الذهاب…
في يوم الإثنين وفي الصباح الباكر ودعت والديها وجدتها حيث كانت إليزا سعيدة بمغادرتها في الخفاء، استقلّت الحافلة ثم القطار ثم الحافلة مجدداً، الطريق طويل ولا يمكن الوصول إلى المدينة مباشرة، وبسبب أنها فتاة مهووسة بمخاوفها لم تستطع النوم طوال الرحلة وهذا جعلها تسقط على الأريكة بتعب بعدما وصلت البيت وغطت في نوم عميق دام حتى غروب الشمس.
كان هاتفها قد عاد للحياة بعدما اتصل بالإنترنت وبدأ يصدر الضوضاء في هذا الوقت بشكل مبالغ به وهذا جعلها تستيقظ، تحركت من مكانها بكسل ونهضت بينما تفرك عينيها ثم حملت هاتفها، هناك آلاف الرسائل غير المقروءة من مجموعة النميمة.
دخلت حتى لا تترك الرسائل تتراكم وكادت تخرج لكنها لاحظت أول رسالة حيث كانت مرسلة منذ نصف ساعة من رقم شخص لا تعرفه وهي من تسببت بكل هذه الردود، كانت صورة لوثيقة ما، ضغطت عليها ووجدت أن هذه هي نفسها وثيقة تخرجها من المصحة وإسمها وكل معلوماتها وأمراضها مكتوبة عليها، هذه الصورة تم التقاطها من غرفتها تماماً.
لم تصدق عينيها وكان لونها قد انخطف، كانت الدموع تنزلق على وجنتيها لتعاود النظر للصورة بمحاولة إنكار الأمر لكن الأمر واضح، شخص ما قام بفضحها أمام كل المدرسة، الجميع في الأسفل كانوا يتحاربون في المحادثة، أشخاص يوبخون الفاعل وأشخاص يعتذرون لإليزا، آخرين يرسلون رموز تعبيرية ضاحكة ومنهم من ظن أنها مزحة وأن الصورة غير حقيقية.
مسحت دمعاتها وكتبت في الردود "فلتعرف أني سأخبر الشرطة، سأحاسبك على اقتحام بيتي ونشر خصوصيتي" شهقت وسالت دموعها مجدداً لتحذف كل كلامها، كانت تتنفس بسرعة وحنجرتها تكاد تحترق من الغضب والخذلان وكل ما تفكر به هو سفك الدماء.
من قد يفعل شيء كهذا، أول شخص خطر ببالها هو كيليان لكنها تذكرت أنها سلمت المفتاح لفير منذ ثلاثة أيام لتصك على أسنانها بقوة، اتصلت به وكانت كل أطرافها ترتجف وتحاول التوقف عن النشيج بلا فائدة لكن هو لم يرد عليها.
لم تتوصل إلى حل آخر واستعملت طريقتها القديمة، تمكنت من معرفة موقعه على الخريطة عن طريق تطبيق تواصل آخر ولم تنتظر لثانية أو تفكر مجدداً فقد كان الغضب يعميها لتخرج وتقود دراجتها بأقصى سرعتها إلى مكانه، كان الظلام قد خيم بينما إليزا تحاول كبح دموعها والوصل إليه.
كان هو في مقرّ بناء فارغ مليء بالشاحنات والأتربة والصخور، يقف وحده أمام بيت ليس له سقف ويمشي ذهاباً وإياباً في الظلام ولا شيء يضيء طريقه غير مصباح هاتفه، إليزا ارتجلت من دراجتها لتسقط أرضاً ما جعل فير ينتبه لوجودها ويوجّه مصباح هاتفه عليها ليستطرد بصدمة بينما يضيق عينيه "إليزا!؟"
كانت هي تمشي بخطوات سريعة وتصك على أسنانها، دفعته بقوة رغم أنه لم يتحرك وزمجرت به "لماذا فعلت هذا!"
عقد حاجبيه ونظر حوله بقلق ليتفوه "ما الذي تتحدثين عنه! يجب أن تغادري هذا ليس الوقت المناسب" كان صوتهما يهدر في المكان لشدة الفراغ والهدوء.
شكلت قبضتها وحاولت لكمه لكنه أمسك ذراعها وصاح "ما الذي تفعلينه! أخبرتكِ أن تغادري!" دفعها بعيداً ليتابع "إضربيني لاحقاً لكن أرجوكِ يجب أن تغادري الآن!"
"لقد وثقت بك أيها الحقير! لماذا فعلت هذا" قالت آخر كلماتها بنحيب وتساقطت دموعها مجدداً، فير انخطف لونه وضاقت حدقتيه عندما شاهد ضوء سيارة قادمة ليدفع بها داخل البيت ويهمس "اختبأي فوراً ولا تصنعي أي صوت"
كانت تحاربه وتضربه وتصرخ وهو يضع يد على فمها محاولاً إسكاتها ويتوسل إليها أن تلتزم الصمت وبينما كانت تصارع فير شاهدت السيارة تتوقف خلفه ويخرج منها شخص، الضوء الأمامي للمركبة كان ساطع جداً ويعميها لكنها استطاعت سماع صوت خرطشة سلاح ما جعلها تتجمد في مكانها وتتمتم بفكها المرتجف "مَن كنت تنتظر هنا يا فير؟"
"خذوهما" سمعت صوت رجولي غريب يهمس بهذا واندفع إليهما رجال ضخام بأقنعة من حيث لا مكان، كانت أيديهم الصلبة تحاول جرّهما للسيارة بينما فير يصيح "أتركوها! هي ليس لها شأن بهذا!"
كانت تصرخ وتقاوم وتحاول ضرب هذا الرجل في الظلام لكنه رشّ عليها مادة غريبة جعلتها تحتنق وتشعر بالنعاس ولم تعد تستطيع دعم نفسها فحملها الشخص فوق كتفه بلا أي صعوبة، كانت عيونها تغلق ببطء وهي ترى فير مغمى عليه ويتم سحبه داخل السيارة، آخر شيء سمعته هو صوت المحرك والعجلات تمشي من فوق الحجارة…
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro