١٢
لقد مضت ثلاثة أيام، فير لاحظ أن إليزا تنجنبه، حتى أنها لا تعطيه الدروس بحجة أنهم لن يكتبوا اختبار إلا بعد أسبوعين، خصوصاً اليوم شاهد زجاجة حليب الشوكلاطة على طاولته، لقد جلبه لأجلها لكنها أرجعته في غيابه وبدأ الأمر يغضبه.
جلس في مكانه ورغم أن الحصة بدأت حمل هاتفه من تحت الطاولة وكتب لها "هل كل شيء على ما يرام؟"
خلال هذا الوقت كانت هي في الحمام تتهرب من الحصة المملة، ضغطت على رسالته وكتبت "لدي ظروف" زمت شفتيها ثم حذفت كل كلامها وغادرت الدردشة إلى تطبيق آخر تتابع فيه الدعابات ومقاطع قطط لطيفة، يجب أن تفكر في ردّ جيد أولاً.
كانت جالسة على المرحاض كأنه كنبة مريحة وتعبث بهاتفها، الأمر لم يعد مسلي بعد دقائق لذا خرجت وقررت العودة للفصل لكن شاهدت شابان يدخلان الحمام ويقفان أمام المخرج، عقدت حاجبيها وقالت "هذا حمام للبنات"
"من أخبركِ أننا تائهان" قال أحدهما بلؤم، أمرهما مريب، لم تشأ أن تتدخل وحاولت أن تتخطاهما لكن أحدهما وقف في طريقها وقال بتبسم "لدينا رسالة من كيليان"
بدأ الخوف يظهر عليها، الفوبيا زادت الأمر سوء والآن فكها السفلي يرتجف، شدت قبضتها على صاعق الكهرباء بينما حملت هاتفها باليد الأخرى محاولة الاِتصال بمن يساعدها لكنه استل منها الهاتف على حين غرة ورماه أرضاً فقالت بغضب "ابتعدا عن طريقي!"
تلفظ الفتى بسخرية "اه لقد أخفتني، ماذا ستفعلين مثلا، أنتِ لا تملكين أظافر طويلة حتى"
صديقه تابع "أجل، يقول كيليان أنكِ فتحت أبواب الجحيم على نفسك"
كانا يتبادلان الكلام كأنهما كانا يتدربان عليه عن ظهر قلب لأجل مسرحية "أجل، هو سيعطيك فرصة إغلاقها مجدداً، عندما تسحبين الشكوى من الشرطة"
"ولكن في الحال"
ابتسمت بسخرية لتتفوه "أهذا كل ما يقدر عليه؟ أتساءل أليس لديكما حياة تقلقان بشأنها بدل أن تكونا كلاب حراسته"
الفتى صك على أسنانه ومدّ يده محاولاً إمساكها ما جعل إليزا تضع الصاعق على ذراعه وتصعقه بلا رحمة ليرتفع صوت صراخه، صديقه حاول مساعدته وإبعاده لكنه كان غبي ولمسه بيديه العاريتين لتتوصّل إليه الكهرباء أيضاً ويصنعان سيمفونية صراخ.
بعدما أنزلت الصاعق عنهما سقطا أرضاً وهنا لاذت بالفرار بكل سرعتها لكن قدمها ماتزال ملتوية وأثناء ركضها المترنح شاهدت فير يمشي في الممرات بخطوات مستعجلة وبغضب فارتمت إليه متمسكة بقميصه وقالت بخوف "ساعدني إنهما يطارداني!"
سمع هو صوت خطوات سريعة على الأرضية وشاهد شخصان يركضان نحوهما في الممر لتمسك إليزا ذراعه وتسحبه "يجب أن نهرب!"
طقطق فير بلسانه ليستطرد بإحباط "لماذا تصرّون على إخراج السفاح الذي في داخلي" أنهى جملته ليخرج سكين من جيبه ويفتح شفرتها ما جعل إليزا تبتعد خطوتين عنه بذعر وتتلفظ "هل جننت!"
"ماذا؟ كل شخص لديه سلاحه السري، إذهبي أنتِ، أعرف ما علي فعله"
الشابان توقفا على بعد منهما عندما شاهدا السكين، كانا يتهامسان ويراقبان فير وهو يفتح ذراعيه لهما ويصيح "تعالا لحضني، بابا لن يؤذيكما"
في ذلك الوقت كانت إليزا تركض بترنح إلى غرفة المدير محاولة حل هذه المشكلة دون سفك دماء لكنها سبق وأذت قدمها بقوة بسبب الركض ما جعلها تقفز على قدم واحدة وهذا بطأها كثيراً.
فير كان يعرف فعلا ما يفعله فقد هربا ولم يضطر على تحريك إصبع له لأن وجهه معروف في المدينة القديمة، كان يدخل السجن ويخرج كثيراً بفضل أخيه لذا الجميع يهابونه.
عاد يبحث عن إليزا ووجدها تقفز على قدم واحدة وتتمسك بالجدران، أسرع إليها وقال "انتظري! ما كان هذا!"
تحدثت باِمتعاض "ألا يجب أن تسألني إن كنت بخير"
ابتسم بسخرية "أعرف أنكِ لستِ بخير لذا حاولت اختصار الأمر عليك والدخول في صلب الموضوع"
"ماذا فعلت لهما"
"لا شيء لقد هربا، من يكونان!"
كانت تلهث بإرهاق لتجلس أرضاً في مكانها وتتحقق من قدمها، كانت ترغب بالبكاء وبقوة بسبب ذلك الألم الذي عاد مجدداً وستضطر على أن تعلق وقت أطول مع الكاحل المصاب، فير جلس القرفصاء وقال باِنزعاج "لماذا تتجاهلين أسئلتي"
لم تكن بحالة تسمح لها بالكلام "دعني وشأني أنا لست بحالة جيدة أبداً"
"أليس من المفترض أن تشكريني"
"شكراً لك ولكن دعني ألتقط أنفاسي! أحتاج هاتفي، يجب أن يعرف أبي بهذا"
بدأ الغضب يرتسم على ملامحه وتلفظ "ولكن ألا ترينني أمامك! أخبريني من هؤلاء!"
"إجلب لي هاتفي لقد تركته في الحمام!"
"ليس قبل أن تخبريني!"
ابتلعت ريقها بينما تنظر في عينيه الحادة وبتردد نطقت "أنا أتعرض للتهديد"
"حقاً لم أكن لأعرف هذا أبداً! توقفي عن العبث وقولي الحقيقة"
في النهاية سيعرف بنفسه لو بحث ولن تستفيد شيء من إخفاء الأمر عنه أكثر بعد، إنها عالقة معه الآن "أحد زملائي من المدرسة القديمة طلب مني المال ورفضت وعندها بدأ يزعجني لذا غرّمته ماليا وهو الآن يحاول أن ينتقم"
نظر حوله بينما يقول "هل تريدين الذهاب للشرطة؟ أستطيع أن أشهد معك"
"هل ستخبرهم أنك رفعت سكين عليهم؟"
"لا سوف نخبئ بعض الحقائق"
حركت رأسها بالنفي "لست أدري أنا أخاف أن أكذب على الشرطة... كما أني... أحمل صاعق كهرباء وكل هذه الأشياء ممنوعة في أرض المدرسة"
"إذاً سنحلها على الطريقة القديمة" تمتم بخفوت لكنها سمعته بعض الشيء وسألت بتفاجؤ "ماذا تقصد؟"
"لا شيء، تعالي سأساعدك على النهوض" مدّ يديه لكنها قالت بنفور "ارتَح، أستطيع الوقوف بنفسي"
استطرد بتجهم "ألا تلاحظين أنكِ لئيمة معي، كنت على وشك صنع جريمة لأجلك... أعني لقد صنعت جريمة من قبل لأجلك... لماذا أرجعتِ الزجاجة ولم تردي على رسالتي"
حاولت تبرير الأمر بينما تنهض "فير أرجوك أنظر إلى حالتي! أنا أتألم ومرتعبة وأنت تسألني عن كل هذه الأشياء، سأخبرك بكل ما تريد لكن دعني أرجع البيت بسلام فقط"
نهض وكان يحدق فيها بنظرة ساخطة ليحرك شفاهه "سأجلب هاتفك" غادر بسرعة لتزفر هي أنفاسها وتتمتم "لماذا يلحقني المعتوهين أينما أذهب"
حصلت هي على هاتفها واتصلت بأهلها ثم أرجعوها للبيت وتم توبيخها لأنها ضغطت على إصابتها لكنها لم تخبرهم ما حدث لأنهم سيصرون عليها أن تحكي للشرطة وهذا سيجعلها مُدانة وفير أيضاً.
كانت تغلق هاتفها طوال اليوم فقط بسببه، ليست لديها القدرة على مواجهته بعد لكنها لم تحتمل الملل وعندما فتحت هاتفها وجدت أنه لم يرسل أي شيء لتزفر أنفاسها براحة، رغم أن الأمر غريب قليلاً فهو ثرثار في العادة.
"إليزا قططك ستموت من الجوع!" سمعت صياح أمها من الطابق السفلي لتقفز من مكانها بسرعة فقد نست وجودهم اليوم ولم تطعمهم.
جلست في الحديقة ووضعت لهم الأطباق، كانت تلمسهم بشرود عندما سمعت صوت نباح وهربت القطط مجدداً، لقد حفظت هذا السيناريو عن ظهر قلب، يبدو أنه لم يراسلها لأنه سيحضر بنفسه أمامها.
كلب فير الضخم دخل حديقتها وبدأ يطارد القطط، بينما هو يحاول اللحاق به ودخل الحديقة أيضاً وهو يلهث ويسند ذراعيه على ركبتيه ليأخذ أنفاسه.
إليزا لم تحتمل هذا الوضع أكثر بعد وأخرجت صاعق الكهرباء لتتحدث من بين أسنانها "كم مرة علي أن أقول، لا تقتحم ملكيتي"
رفع فير يديه كما لو أنها تشير مسدس عليه "لقد ركض إلى هنا فجأة!"
"ولماذا قد يركض فجأة! لماذا تجعله يمشي أمام بيتي"
قال باِنزعاج "لأن حريتي الشخصية والشارع ليس من ممتلكاتك"
"غادر قبل أن أصعقك يا فير!"
"تحلّي ببعض الأخلاق قليلاً، أنتِ لا تتوقفين عن طردي"
"لأنك تعتبر مقتحم!" قالت من بين أسنانها.
"ولكني صديقك!"
"حتى الأصدقاء يطرقون الباب!"
"أنا سأرحل، أنتِ لئيمة جداً، أين هو كلبي باغز!"
استدار بغضب ووجد أن القطة والكلب توافقا وهما الآن يجلسان بهدوء سوياً بينما الهررة الصغيرة تلعب مع بعضها من حول الكلب.
فير أشار إليهم وقال بشماتة "أنظري أخبرتك أنه يحب القطط"
زفرت إليزا أنفاسها باِستسلام "ماذا تريد مني يا فير"
ابتلع ريقه ووضع يد خلف رقبته قائلاً "أحتاج المساعدة... لقد نسيت المفتاح داخل البيت وأنا الآن عالق في الخارج"
فتحت فمها بصدمة "كان يمكنك قول هذا مباشرة!"
"أنتِ لم تتركي لي مجال للكلام"
"سأخبر أبي، هو يستطيع فتح الباب بكل تأكيد"
رفع حاجبيه "ألا تعرفين أنه يكرهني، سوف يقتلني إذا رآني هنا"
"لا تقلق لقد أوضحت موقفنا له، إن أبي رجل طيب ولا يحمل سكاكين مثل بعض الناس"
أجاب بخبث "لكنه يحمل صاعق كهرباء مثل بعض الناس صحيح"
رمقته بنظرة سامة قبل أن تدخل البيت وتحضر والدها، الأب خرج من هناك برفقة بعض المعدات ونظرته لا تختلف عن إليزا، فير حاول أن يكون مهذب ومد يده "مرحباً سيدي"
صافحه الآخر بصمت وشدّ على يده كتهديد "أين هو البيت؟"
"يمكنك أن تلحق بي"
إليزا لوحت لهما بشماتة "استمتعا"
فير قال بصدمة "ماذا! لن تأتِ؟"
حركت كتفيها برفض "ولماذا علي أن آتي"
والد إليزا قال بينما الشرار يلمع في عينيه "لا تقلق الأمر لا يأخذ مني إلا عشر دقائق"
فير ابتلع ريقه ليهمس "حسناً سيدي…"………
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro