الفصل السابع
20 من مايو 2014
في الصباح الباكر،ولجت إلى غرفة المريض وأستوت جالسة على الكرسي الخشبي قرب السرير.واضعة بحضنها صينية فيها حساء الدجاج وكأس ماء..حدقت بوجه الأمير النائم وتعاطفت مع حالته وحزنت لأجله.تساءلت عن حجم معاناة الأخوين وما أخبرها إياه ثيو بالأمس يؤكد إن ماعاناه ليس بهين أبداً.أخبرها إن شقيقه غارث كان في غيبوبة و قد أُصيب الجزء السفلي منه بالشلل كما إن الطبيب كريستوف المشرف على علاجه وضعه أمام حقيقة مؤلمة أخرى وهي أن دماغه قد تضرر أيضاً ونسبة إسترجاعه للذاكرة ضئيلة.
نجاته بحد ذاتها كانت معجزة.أعترف لها أيضاً عن سبب هروبه و إنعزاله عن العالم المرهون بقتل حبيبة غارث على يد الشيطان في يوم حادثته الشنيعة وتعاظمت المصائب فوق بعضها حين أوصمت الشرطة التهمة بغارث مستندين على دليل عثروا عليه في جسد الضحية يخصه.وما أكد جريمته شهادة حبيبها الذي أفصح للشرطة عن خصام حبيبته مع غارث وقد قتلها إنتقاماً لخيانتها له.شهادته دحضها ثيو بإعلانه عن وجود شقيقه في المشفى ليلة مقتلها فكيف به يرتكب جريمة وهو في وضع مزري معلق مابين الحياة والموت؟!
رفض بضعة محققين آنذاك تصديقه وأصروا على موقفهم آخذين بما عندهم من دلائل.تصرفهم دل على خسة و نذالة كما وصفهم بأنهم أتفقوا ضده كونه حجر عثرة في طريقهم،ولم تفهم غريس مغزى كلامه.حل وحيد لاح في الافق وهو تزوير شهادة وفاة لغارث بمساعدة صديقه الطبيب،وخطته ما كان لها أن ترى النور لولا تأزم الأمور،وهكذا قطع صلاته بالعالم وأختبأ مكرساً حياته لكشف الحقيقة وتبرئة شقيقه العزيز من تبقى من عائلته وقد أقسم لوالديه قبل رحيلهما بالإعتناء به.
همست بإسمه وعيناها مثبتتان على صدره الذي يعلو ويهبط بسرعة أخافتها
"سيد غارث..هل أنت بخير؟حان وقت الطعام
..هل أنت مستيقظ ؟"
إستجاب لمصدر الهمس بحركة بطيئة من رأسه..
"أعددت حساء السمك إنه لذيذ جداً ..هلا سمحت لي بإطعامك؟"
خاطبته بإبتسامة عريضة كما تخاطب طفلاً مريضاً إمتنع عن الطعام.حاول المريض حمل نفسه على الجلوس ففشل.وضعت الصينية جانباً ومدت له يد العون وشرعت بإطعامه.الموقف بمجمله أشعرها بالأسف و بغصة لم تستطع كبتها..تصورت نفسها مكانه ..تعاني و لا أحد قربها يساعدها ويسكن ألمها.مواقف مثل هذه تجعلك تعيد النظر في كل الأخطاء التي أقترفتها..هدر صحتك على أشياء ليست بذات منفعة دون التفكير بالعواقب الناجمة عن تهوراتك وإنفعالاتك وحين تأتيك السقط تعض أناملك من الندم..
إنهمرت دموعها بقوة..ظنت أنها في منأى عن الماضي لكن ها هو ذا يتكرر بشخص آخر..لو فقط تعود الايام وتصحح الخطأ!.
"ت..ت..تبكين!!"
لأول مرة ينطق ..و لأول مرة يراه ثيو بحالة جيدة وحبس دموعه في عينيه..إندفع إلى الداخل بخطى واسعة وركع قربه يحتضن يده و الأخير يصوب إليه نظرات مستفسرة..نظرات شرهة لمعرفة من هؤلاء وأين هو في هذا العالم.حرك شفتيه بنية التكلم فأمسك عن الكلام لغير إستطاعته وأجاب ثيو عن سؤال لم يقدر غارث على طرحه
"أنت أخي وأسمك هو غارث وأنا ثيو"ثم أشار لغريس ونبرة متهدجة لم تخف عنها
"وهذه غريس صديقة..أنت في المنزل لا تقلق ونحن نعتني بك..
كيف تشعر؟"
"ألم ..ي..فتك بي..أشعر ب..بالفراغ ..رأسي ..لا لا أذكر من أنا ولا أنتم..لس..اني ث..قيل .."
"لا تقلق و لا تتكلم سأعتني بك جيداً جميعنا سنعتني بك إرتح ستعود كما كنت متأكد"
واهم هو إن ظن أن كل شئ سيعود كما كان لا يعي حقيقة إن ماكان لن يكون من جديد.
كان يمدد ساقيه على سطح مكتبه وينفث الدخان في لحظة تأمل حين إندفع بضعة رجال بزي أسود موحد بطريقة هجومية مكتبه.كان متأكداً من قدومهم عاجلاً أم آجلاً لا سيما إن الأمور باتت تخرج عن إطارها المسموح به إنهم مفوضين من الجهات العليا ومجيئهم لايبشر بخير حتماً كما فكر
"أيها الرئيس أمستعد للتخلي عن منصبك؟"
سأل رجل متوسط الوزن في عقده الرابع الرئيس الذي شد جسده وجلس بإستقامة على كرسيه
"و لماذا أستقيل؟"سأل بثبات
"وردتنا معلومات بأنك تبحث عن المجرم ثيو أتنفي هذا؟"
"ثيو ليس بمجرم"فقد ثباته وصاح مدافعاً بينما إسترسل الرجل بصوته الخشن المزعج
"يتستر على أخيه..ويزور موته وفوق هذا كله يسرق ملفات جنائية ذات أهمية كبرى وتعتبره بريئاً! أوَ تحسبنا جهلة؟"
"يتستر على أخيه!ألم يمت في تلك الحادثة؟!!"توسعت عيناه دهشة مما سمعه..كيف فاته خبراً مثل هذا وهو الذي يعد نفسه مقرباً من عميله المفضل..هل لا يثق به ثيو إلى هذه الدرجة من التكتم؟
"هه..صدمتني ردة فعلك..ظننتك ستكون أول العارفين"علق الرجل برنة لا تخلو من سخرية وتابع موضحاً
"إكتشفنا بعد مدة قيامه بإخراج شهادة وفاة مزورة لأخيه ثم ولى هارباً..وفشلت مساعينا في تعقب أثره..رجلك يجيد الاختباء حقاً وهذا ما يميز المجرمين"
لم يعقب الرئيس وكظم غيضه حتى إنتهاء المهزلة..
"لقد إستقال زميلك رئيس الفرع الثاني..ظن أننا لن نكتشف أمر الملفات المسروقة ..إن هذه تعتبر جريمة ..تواطئك مع مجرم"أكد الرجل بنية واضحة فهمها الرئيس فقام من مجلسه يدافع عن نفسه
"لم تُسرق ملفات مكتبنا ولست متواطئاً معه إنما أحاول العثور عليه لأجل إبطال التهم المسنودة عليه وعلى أخيه"
"أراك متأكداً من برائتهم؟!"
"متأكد وأراهن بمنصبي لا بل بحياتي كلها بأن شخصاً ما دبر لهما مكيدة للإطاحة بهما وبالأخص العميل ثيو..أنت تعلم مقصدي وتعلم جيداً من المستفيد من هذا كله..حين عجزتم عن معرفة هوية الشيطان وحين بات أمركم مفضوحاً إتخذتم من مصيبة ثيو مفتاح نجاتكم ألست محقاً؟!..حري بكم القبض على المجرم الحقيقي لا إسناد تهم باطلة لأشخاص أبرياء"
"أنت تتفوه بكلام خطير وتعرف ما لايجب معرفته.."
قاطعه وقد إشتد غضبه
"أنا لست بجاهل ربما أخفيتم الحقيقة ولكننا إكتشفناها سوية وأنت تعلم من أقصد وحين يتسرب كلامي هذا فأمركم سينتهي"
تعرق من أمامه..من كان يظن إلمامه بكل الأمور من حوله وأنه يملك شيئاً ضدهم ..ربما إستطاعوا التغطية على أفعالهم على حساب ثيو وشقيقه أو هذا ما يعتقدونه لكنهم لن يستطيعوا التخلص من هذا الرجل المصمم على إنقاذ فرد من فريقه ولكي يردوا الأذى قبل وقوعه ويودي بهم إلى وادي لا مفر منه قرر هذا الشخص مجاراة الرئيس وإلاستفادة منه في آن واحد.
"دعنا نعقد إتفاقاً"
جلس الرئيس مرتاحاً وقد تأكد من نصره
"هذا جيد دعنا نتفق"
"فلنتعاون على إيجاد العميل ثيو وعندما نعثر عليه سنجبره على تسلمينا الملفات وسنمحو قضيته كما لو إن شيئاً لم يحدث"
"وماذا عن التهمة الموجهة لأخيه؟"
"نحن لا نعلم من هو القاتل الحقيقي بعد..لكن الدلائل تشير إلى غارث"
"حباً بالله..كان غارث يعاني في المستشفى من إصابته الشنيعة ..حسب قولك انه لم يمت هل تصدق بأنه قتل الفتاة..لقد تأكدتم من شهادة الإطباء..وتدرك جيداً من خلف مقتلها أليس كلامي صحيحاً؟"
بهت وجه الرجل،تغيرٌ لاحظه الرئيس نبأ على صدق كلامه
وبما إنه بالفعل يعرف كل شئ فلا ضرورة من إخفاء الحقيقة أكثر فأعترف الرجل وهو يحاول الحفاظ على مصداقيته
"تأكدنا من شهادة ثيو والآخرين كما تأكدنا من إن القاتل ليس غارث وإنما شخص آخر لا نعرف عنه تلاعب بالادلة ووجهها لغارث"
"إلا إنكم تغاضيتم عن فعل الصواب والصقتم التهمة لبريء كرس حياته للعدالة ومساعدة المضلومين لصالحكم"
"أنت لا تفهم ..قضية الشيطان ليست هينة ..أمضينا مايقارب الخمس سنوات ونحن نحقق بشأنها حتى أعتقدنا بأنه شيطان حقيقي..كيف لآدمي أن لايترك أثراً في مكان الجريمة ..أمر لا يعقل ولا يصدق وصل الحال بنا لخسارة مناصبنا لعدم تمكنا من فك هذا اللغز وحين..."
"وحين قُتلت حبيبة غارث وألقيت بالتهمة عليه وعلم ثيو بأنكم أغلقتم القضية طوال هذه السنوات وطلب منكم إعادة فتح الملفات والتحقيق مجدداً رفضتم فهددكم"
"نعم هددنا لإنه علم بإننا كذبنا بشأن الامر الحكومي بإغلاق القضية "
"والآن ماذا ستفعلون ؟"
"إن تعاون معنا على كشف القاتل الحقيقي سنعفو عنه هذا كل شئ ..سننشر صورته حتى يسهل إيجاده"
خرج تاركاً الرئيس في دوامة من الشكوك والمخاوف ولايدري هل فعلته هذه ستنقذ ثيو حقاً أم إنها ستنقلب ضدهم ويحصدون ما لايحمد عقباه.
"ألاوغاد يعرفون من القاتل الحقيقي ولكنهم لا يجرأون على فضحه لأنه حبل نجاتهم..يحسبونني جاهلاً غبياً لأصدق ترهاتهم..
إنهم يخططون لزج ثيو بالسجن للأبد ..سأعثر عليك لتواجههم لابد من كشف الحقيقة ودحر هؤلاء الفسدة"
"سيدي ..الرئيس يعرف كل شئ ..عقدت معه إتفاقاً بأن نتعاون في إيجاد ثيو والعفو عنه عند تسلمينا الملفات"
إتصل الرجل بعد خروجه من المكتب بسيده فجاءه صوته الغاضب من الجهة الأخرى
"أيها الأحمق كيف تتصرف وحدك من قال بأنني سأسمح بالعفو عنه"
"سيدي أرجوك إهدأ..إستمعت للجزء الاول فقط"
إرتبك خائفاً،فسيده مسؤول حكومي مخضرم بالدولة وأي خطأ يقترفه هذا العبد فسيعود عليه بالخطر ويقلعه من مكانه فوراً
"أنا لاتهمني تلك الملفات اللعينة بقدر مايهمني أمر أبني وأنا ..إن قدم ذاك المدعو ثيو إفادته ودلائله للقضاء بأن إبني هو القاتل فسأتدمر وعائلتي ..لاتنسى بأني قد رشحت نفسي للإنتخابات إن تسرب هذا الخبر فسأخسر كل شئ اتفهم"
صرخ الرجل القصير الأشيب بأذن العميل حتى كادت أذناه أن
تصما فقال مرتجفا
ً
"إهدأ سيدي أرجوك وإستمع إلي..سنعثر على ثيو أينما كان وسأتأكد من زجه بالسجن فنحن نمتلك دلائل كثيرة ضده منها إن أخاه هو الشيطان وقد تستر عليه وعاونه بالاضافة للتزوير وسرقة الملفاة كلها دلائل أكيدة وكافية لزجه بالسجن المؤبد"
"سمعت بأنه محقق بارع وذكي لن يجعل الامر يمر بسهولة مؤكد بإنه سيجد طريقة ليخلص نفسه.."
مرت فترة صمت ثم تابع بعد تفكير عميق
"أقتله"
"ماذاااا!!!..سيدي هذا.."
"إن وجدتموه إقتلوه وإلا ستفقد رأسك أفهمت"
"حاضر سيدي"
أرخى ربطة عنقه ومسح جبينه الذي يقطر عرقاً.لقد أدخل نفسه في لعبة لايدري أسيخرج منها رابحاً أم خاسراً وحري به تنفيذ المهام بلا تردد وإلا نفذ سيده وعيده.
بعد ساعات قليلة،كان العميل الأصلع يستمع لقصة ثيو بصمت وما إن إنتهت القصة لاحت على وجهه علامات البلاهة والحيرة فلاحظ ديلان إن صديقهما لم يستوعب شيئاً مماقاله ثيو فهو طوال هذه المدة يمد العميل بالمعلومات اللازمة لتساعده على حل القضية وعلاقته به بقيت طي الكتمان حتى عن رئيسه جرب ديلان دوره
"سيد كليرك واضح جداً من العلامات على وجهك بأنك لم تفهم شيئاً صحيح؟"
حك رأسه وراح يقلب القصة في ذهنه لفهمها أكثر فعجز وقال مستسلما
ً
"آسف..المسألة معقدة وأنا بطيئ الفهم قليلاً"
"إذاً دعني أبسط لك المسألة "
رفع جسده ببطئ من على الكنبة حيث كان مستلقي وثيو واقف أمام النافدة يشرح قصته ويتذكر أحداثها كأنها تحدث الآن ..جلس محدقاً به وبدأ يشرح كأستاذ يحاول تبسيط مسألة رياضية ما لتلميذه
"حبيب حبيبة غارث السابقة عميل سري كما إنه إبن مسؤول حكومي قتل حبيبته لسبب مجهول وليخفي جريمته قام بإستعارة إسم الشيطان من حامله الحقيقي"
"تعني بإنه قتل تحت إسم الشيطان؟"قاطعه الاصلع مذهولاً
"نعم..بما إن الشيطان قاتل مشهور فأستعمل إسمه ليبرأ نفسه لنعد للمهم..إكتشف ثيو بأنه هو القاتل كما إن أبن المسؤول لندعوه أكس إكتشف بأن غارث حبيب حبيبته هو ذات الشخص الذي جاء وتشاجر معهم والذي يصدف بنفس الوقت إنه أخ ثيو وأكتشف أيضا بإن ثيو يعرف بأنه القاتل فقرر إنقاذ نفسه أكثر وإزاحة ثيو من طريقه فجاء بدليل بطريقة ما يثبت إن غارث هو الشيطان الحقيقي ذابح النساء وهكذا لينجو إستفاد من قضية الشيطان الحقيقي ومن غارث ودمج القصتين معاً لصالحه..ولأن بعض المحققين كانوا يائسين من هذه القضية دعموا أكس والدليل وغرسوا التهمة بغارث وثيو ..وكلها دلائل مزيفة ألقيت عليهم..
أفهمت الآن"
"نعم..فهمت شكراً للتوضيح وأفهم أيضاً إن هذا المسؤول قد دفع رشى لبعض المحققين ليسندوا القضية ويوجهوا التهمة لثيو للتخلص منه"
"نعم هذا ماحدث بالضبط لبعضهم لتشويه الوسط الجنائي وليس الكل فهناك شرفاء ونزيهين ..وقد زاد الطين بلة تصرف ثيو المتهور بسرقة الملفات"
"المكتب العام علم بأمر الملفات وأرسلوا مفوضين للبحث عنك وعلى رأسهم ذاك العميل الذي يعمل لصالح المسؤول..أول مافعلوه كان التوجه للرئيس أظنهم قد عقدوا إتفاقاً يقضي بألعثور عليك وتبرئتك من التهم "
ضحك ثيو وإستدار إليهم
"براءتي ..يمزحون أكيد ..قل لي ماذا عن رئيس مكتب الفرع الثاني ماذا حل به؟"
"أقالوه من منصبه لعدم الإبلاغ عن إختفاء الملفات"
"لقد هددته بفضح أمره لأنه كان المسؤول الأول عن القضية ولم يحصل على أذن رسمي من الحكومة لإغلاقها إنه بذلك يحرض على القتل ويعاون الشيطان ..جميعهم وقفوا ضدي إستفادوا من محنتي لصالحهم جعلوا أخي هو الشيطان الحقيقي ..حتى لا أكشف إن إبن المسؤول هو القاتل وحتى لا أكشف عن فساد أولئك الخونة بإغلاق قضايا مهمة إتخذوا مني طوق نجاة يعصمهم من الأذى حتى الشرفاء منهم لم يسعوا لتبرئتي"
"إنهم لا يدركون الحقيقة ولو أنهم علموا لسارعوا بمساعدتك ..صورك الآن إنتشرت في كل مكان على إنك تخفي القاتل وتساعده في تنفيذ جرائمه..أكنت تدري بأن المسؤول جند إتباعه للعثور عليك "
"نعم على الارجح إنه يتوقع مني تسليمه الدليل الذي يثبت جرم إبنه "
"أتملك الدليل طوال هذه المدة ..كان بإمكانك إستخدامه لتبرئة نفسك"قال كليرك مستاءً من فعلة ثيو
"كنت في أزمة ..بين أخي المريض وبين كشف الحقيقة ..ذاك المسؤول لن يدعني وشأني هذا مافكرت به..كلهم إنقلبوا ضدي لأنني هددتهم بفضح أعمالهم السيئة فقررت الهروب حتى مجئ اللحظة المناسبة لكشفهم "
"تصرفك كان أنانياً سيد ثيو ..قتلت نساء كثيرات كان بإمكانك فضحه لاشك بإن أبن الوزير هو الشيطان الحقيقي"
"أعترف بأنني أناني لكنك أيضاً مخطأ..تعال معي"
نادى على غريس التي كانت تتجادل مع أختها عبر الهاتف في المطبخ فأغلقت الخط وجاءت مسرعة
"نعم"
تحول نظرها للرجل الأصلع المخيف بدا لها كمصارع نظراً للعضلات البارزة وأنفرجت عنها إبتسامة مذهولة فسألت بكل عفوية
"هل هو مصارع ..جسده ملئ بالعضلات..ياللروعة"
إبتسم كليرك لها وحياها فقد كان صوتها مسموعاً فشعرت بالإحراج ولوحت له ..أما ديلان فخزها بنظراته المتوعدة بينما ثيو طلب منها البقاء في المنزل ريثما يعودون من مهمة عاجلة.فور خروجهم ركضت لغرفة غارث تطمأن عليه ووجدته نائماً فخرجت تتبعهم.قدوم هذا الرجل الغريب أشعل فضولها و بصورة عامة كل هذا الغموض المحوط بأهالي هذا البيت فتح لها غريزتها وأعاد لها تخيلاتها فلمَ لا تستغل هذا الوضع الخرافي الذي حلمت به كما لو إنها في مسلسل بوليسي وتعيش اللحظة وتتخذ دور الجاسوسة.
المكان الذي أختفى فيه الرجال الثلاث ليس ببعيد.إنه مخبأ سري تحت الأرض يقع خلف المنزل أستعمل في أيام الحروب كوسيلة للهروب من الأعداء..راقبتهم وهم ينزلون للإسفل فترددت قليلاً..
إجتهدت في تفكير عميق ونبذت المخاطر الناجمة عن فعلتها المتهورة كل ماتريده عيش لحظات مثل هذه فقط لتسكت تلك الاصوات المزعجة في ذهنها تحثها على المغامرة.
نزلت للأسفل بخطا حذرة..أرهبها هذا المكان كما لو أنه يستعمل للتعذيب ..راقبت عن كثب من خلال فتحة الباب مايحدث في داخل هذه الغرفة الصغيرة التي إتخذها ثيو ملجئاً للتفكير والتحليل في قضيته الخطرة.رأت صورة كثيرة منتشرة على الجدران لفتيات مختلفات السن منحورات العنق وصبورة بيضاء كبيرة يقف أمامها ثيو ويشرح إستنتاجاته
"الشيطان الحقيقي لاتزال هويته مجهولة"
"أتعني إن أبن المسؤول ليس هو الشيطان ؟!"
سأل كليرك متحيراً
"نعم وستسأل كيف عرفت ..إليكَ هذا "
أخذ عدة صور من على الجدار وضمنها الفتاة حبيبة غارث السابقة ..رتبها على طاولة مستطيلة الشكل وأقترب كليرك منها
"أنظر لطريقة الذبح ..وأنظر لكلمة الشيطان المكتوبة على حائط هذه الضحية والكلمات الأخرى وقل ماهو الإختلاف "
دقق كليرك النظر في الصور فوجد شيئاً
"الأحرف المكتوبة هنا مائلة وملطخة أيضاً "أشار لصورة حبيية غارث السابقة
"بينما هنا نجد الاحرف متساوية ومكتوبة بدقة عالية نفس الكتابة التي في هذه الصور "أشار لبقية الصور
"أصبت.. مهما كان القاتل المقلد فقد إطلع على قضية الشيطان ولم يستطع تقليده بالتمام ..أيضاً طريقة ذبحه مختلفة بإستخدام أداة مختلفة"
"وماهي ؟"
"موسى الحلاقة..إلي بها ديلان"
توجه ديلان لنضد صغير أخرج منه كيس بلاستيكي بداخله موسى الحلاقة وتلقفه ثيو ..فأنفعل كليرك
"من أين حصلت عليه ؟! وهل هي الاداة التي يستخدمها الشيطان الحقيقي ؟!"
"كلا صديقي الشيطان الحقيقي بارع لايترك خلفه ولو شعرة كما إني أعتقد بأنه يستخدم سكيناً من نوع خاص ..أما هذه الموسى فهي تعود للفتاة لقد كانت من ضمن أشيائها الخاصة وجدتها ورأيت عليها قطرة دم فعلمت بأنها إستعملت لذبحها وعندما أرسلتها للفحص أخبروني بعثروهم على بصمة أصبع ..عندما ذبح الفتاة أخفاها من بين أشيائها مع مسح الاثار عليها تصرف غبي"
"غبي حقاً ولكن كيف إكتشفت إن البصمات تعود إليه؟"
"لقد كان معي حين حققت في القضية وكنت معه حين إعترف على أخي ..رأيت علامات الكذب على وجهه وفي صوته أيضاً ..ليس هذا فقط بل وجدت عقب سيجارة على سرير الفتاة ..وشاهدته كيف يدخن ويطالع الفتاة بنظرات سادية كأنه يشتهي مزيداً من الدم ..بلا أي ندم على جريمته كل هذه التصرفات جعلتني أشك به خاصة عندما أريته الموسى ..تبعثرت كلماته وتركني غاضباً..في لحظة غضبه سرقت من جيبه علبة سجائره وأرسلتها للمختبر لمعاينة البصمة مع البصمة على الموسى والنتيجة كانت تطابق"
"أنت ذكي بحق ثيو ..إذاً ماذا عن الشيطان الحقيقي"
"من خلال الملفات التي درستها تبين لي إنه يقتل في السنة ثماني نساء ..قتل لحد الآن خمسة"
"بل سبعة عثرنا على ضحية اخرى اليوم"
"كلا ..حبيبة أخي مستثناة لأنها لم تقتل على يديه "
"إذاً يكون المجموع ستة مع الفتاة التي عثرنا عليها وحبيبة أخاك مستثناة ..إن كان ماقلته صحيح بأنه يقتل ثماني نساء في السنة فسيقتل خلال الايام القادمة ليكمل الرقم"
"نعم..هذا الرقم كما الكلمة لها تاريخ عنده لهذا يستعملهما"
شعر ديلان بإنهم مراقبون فطلب منهما السكوت ليتأكد من شكه ..مشى ببطئ متجهاً للباب ..فتحه ولا أحد يتنصت عليهم..غريب!. عندما أحست بعيني ديلان تراقبان الباب ركضت بسرعة خاطفة للمنزل..لهثت كثيراً والخوف تملكها ..لم تسيطر على نفسها فأتجهت لغرفتها توضب ملابسها
"سأغادر هذا المكان ..لا أريد لمصيري أن يكون مثل هؤلاء النساء ..بما إنه يحقق بقضية خطرة مثل هذه فلابد ان يكتشفه ذاك الشيطان ويصب غضبه علي ..يستحسن بي المغادرة"
ألقت نظرة على غارث وتأسفت له وجلست في الصالة تنتظر قدومهم لتأخذ أجرها من ثيو..العميل كليرك غادر ودخل الاثنان المنزل ليجداها تنتظر وحقيبة ملابسها بقربها
"ماذا هناك غريس؟"سألها ثيو
"سأغادر ..إنه الوداع"كان في نبرتها بعض الاسف فقد إعتادت المكان والاجواء المميزة هنا
"آه..حسناً لن أضغط عليكِ شكراً جزيلاً لك إنتظري لأعطيكِ أجرك"قال متفهماً مع إنه لايرغب برحيلها يحتاجها أكثر من السابق ..يشك كثيراً في إن الأمور ستأخذ منحى آخر وإنهم سيجدوه في النهاية لكنه وضع خطة في حال قتل بتسليمه الادلة لصديقيه ديلان وكليرك ..إنهما من سيكشفا الحقيقة حتى لو يعني ذلك موتهما هذا ما أقسما به ..لكن كليرك أقسم على حماية صديقه مهما كلف الثمن.
"هل كنتي تتجسسين علينا ؟"سالها ديلان متشككاً
إنتظر ردها لكنها أحجمت عن الكلام ..سأل مجدداً وأجابت محاولة عدم إضهار علامة تدل على كذبها
"كلا..كنت هنا أقوم ببعض الأمور"
"انهم يبحثون عن ثيو"
"أعلم"
"لقد تضخمت المشكلة أي بلاغ عنه سيؤدي به إلى التهلكة تذكري هذا"
"أنا إمرأة عند كلمتها لا تقلق لن أتفوه بكلمة"
سلمها ثيو أجرها وفي قلبه كلمات كثيرة يود لو يُسمعها إياها .
24 مايو 2014
بعد أربعة أيام ..
حزمت غريس وأختها أمتعتهما للسفر خارج البلاد للسياحة فقد وجدت غريس حلماً آخر لتحقيقه ورددت أمام والديها بعزم
"أنا أملك الإرادة والعزيمة سأحقق كل ما أطمح به..بدأت بشئ بسيط وسأنتهي بشئ عظيم "
أخذت الحياة على محمل الجد وتقربت من أهلها كثيراً خلال هذه الأيام القصار نضجت بشكل غير متوقع من أهلها وأشادوا بها وبتصرفاتها آملين خيراً.وقت الغروب،لقيت العميلين تشونغ وروبرت قرب متجر لبيع الخردوات حيث أرسلها والدها للسؤال عن الأسعار
"يالها من مصادفة ماذا تفعلان هنا؟"
"نأخذ أذن صاحب المتجر بتعليق هذه الصور على جدران متجره"أجاب تشونغ
"صور من ؟"
"هذه"أراها صورة فألتمعت عيناها وأزدردت بلعومها فقالت على سبيل إخفاء أضطرابها
"حظاً موفقاً في العثور عليه"
"هل تعرفينه غريس ؟!"
سأل روبرت بعد ملاحظته توترها فهزت كتفيها لامبالية لسؤاله ودخلت المتجر قائلة
"أراكما في المطعم "
"إنها تعرفه "قال روبرت وعيناه لاتزالان تراقبانها
"كيف هل أنت متأكد؟"
"فور رؤيتها لصورته إلتمعت عيناها وتساقطت قطرات من العرق على صدغيها ناهيك عن إضطرابها..دعنا نراقبها إحساسي لا يخطأ"
في الليلة المرتقبة للسفر سيغادران المطار بحلول الرابعة فجراً وقد تجهزتا للرحلة كثيراً وشعور الغبطة لم يفارقهما ..أخذت أخت غريس سلة القمامة لتفريغها في الحاوية فهي أصرت كثيراً على مساعدة والديها حتى آخر لحظة أما غريس فأنهت غسل الصحون وتذمرت
"سنسافر غداً الآ يجب علينا أن نرتاح"
"هذا عقاب لكما لأنكما ستتركانا"
أجابت الأم
"لما أنتي هكذا أمي شديدة"
دخل الأب المطبخ وعلق مإزره على الحائط
"هيا لنعد إلى المنزل لقد غادر الزبائن ولنحتفل بكما"
"حسناً أنت أب رائع "
إحتضنت والدها وسبقتهما تبحث عن أختها..ساقتها قدماها للخارج حيث أخبرها والدها أنها ترمي النفايات ولم تجدها ..لفت نظرها السلة الملقاة على الأرض قرب الحاوية التي كانت موضوعة جوار زقاق ضيق..تلفتت هنا وهناك ماذا يحدث؟ ..ومن بين أرجلها
سالت دماء ..إنحنت تتأكد من ماهيته ..إرتعبت فرائصها ..إستدارت خلفها تدخل ذاك الزقاق وبنور هاتفها أضاءت المكان وصراخها ملئ أركان الجو .
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro