الفصل الثاني
التاسع من مايو 2014
حولَ مبنى كبير إنتشرَ عملاء الاف بي آي والشرطة المحلية وبالتحديد في الطابق الثالث شقة رقم مئة وثمانية-غرفة الضحية- ثلاث أفراد من قسم التحقيق الجنائي وعلى رأسهم رئيس الفريق وعميلين فيدراليين بإلاضافة للطبيب الشرعي ومساعده تواجدوا هناك للقيام بالإجراءات اللازمة
"إنه هو مجدداً ..كم عدد الضحايا حتى الآن؟"
سألَ الرئيسُ الخمسيني صاحب البشرة السوداء أحد أعضاء فريقه ودمه يغلي فأجابه أحدهم
"إنها خامس ضحية وكما ترى قُتلن بنفس الطريقة على سريرهن"
"هل هناك دليل على حدوث عملية إغتصاب؟"
وجه سؤاله للطبيب الشرعي الذي يصغره بعقد كامل فأجابه وهو يأخذ عينة من شعر الضحية
"لا توجد أية علامة تدل على حدوث إعتداء جنسي سنرسل ما حصلنا عليه من عينات إلى المختبر ونخضعها لفحص شامل على أمل أن نجد شيئاً و نسبة حدوث هذا ضئيل جداً ً"
زفر الرئيس بإستياء وخيبة مشيراً إلى محاولاتهم اليائسة في إيجاد قرينة تدلهم على الجاني،إذ رغم جهودهم المبذولة إلا إنهم دائماً ما يصلوا إلى نهاية مغلقة تزعزع إيمانهم ويأخذ الإحباط واليأس محله دواخلهم.
"إذا لم يكن مغتصب فماذا يكون فليخبرني أحدكم حباً بالله؟!!"
صاح غاضباً على الموجودين فتلقى رداً من أحد أعضاء فريقه وهو يشير إلى ما خلف الرئيس
"إلتفت خلفك سيدي وستجد الإجابة"
إستدار حيث توجهت أصابع الرجل وأستقرت عيناه على جدار كُتبت عليه عبارة واضحة للعيان بخط دموي كبير
"الشيطان "
"كتبها بدم المسكينة..اللعنة عليك من أنت أيها الشرير ؟!"
ثم ألقى نظرة خاطفة على المنحور عنقها وعبس وجهه وعاد يمطرهم بالأسئلة
"هل إتصلتم به؟هل عثرتم عليه ؟"
"كلا..هاتفه مغلق منذ حوالي شهر ويصعب علينا تعقب مكانه حتى إنه إنتقل من منزله"
قال أحدهم
"ذلك الأحمق كيف يتركنا ونحن بأمس الحاجة إليه "
"لا تلمه سيدي ففقدانه لأخيه سبب له نكسة "
إقتربَ شابٌ في نهاية عشرينياته..طويل القامة..ضعيف البنية..أسود الشعر..حسن الوجه بشامة صغيرة أسفل عينه اليمنى و كان يصغي بإهتمام لحديثهم فقرر مشاركتهم الحديث..
"ماذا تعني بفقدانه أخيه..سيدي ؟"
"توفي أخيه إثر حادث شاحنة على الطريق السريع"
"آه..المسكين..هل هو بارع لهذه الدرجة..تعلمون أنا جديد في قسمكم ولا أعرف الكثير عن الزملاء"
"ثيو..إنه من أبرع العملاء وأذكاهم ..حقق نجاحاً كبيراً لقسمنا والآن سمعتنا بالحضيض"
أخذَ الرئيس يدخن بسرعة والأفكار تتصارع في رأسه،فمنذ إختفاء العميل ثيو والمكتب يعاني كثيراً ولوضع حد للجرائم التي تحدث لابد من الاستعانة بشخص كفوء ذو خبرة كشخصه فأستقر الرئيس على فكرة لا بد من تنفيذها في الحال وإلا تفاقم الوضع وخرج عن عن السيطرة..أشار بسيجارته على العميل المنقول حديثاً
"أنت ما أسمك ؟"
"روبرت سيدي"
"روبرت لديك مهمة عاجلة وهي إيجاد العميل ثيو بأسرع وقت ممكن"
"أنا !!"
"نعم أنت ستكون هذه مهمتك الخاصة..هل لديك مشكلة"
"كلا..لكن ماذا إن لم أجده ؟"
"عندها ستنقرض النساء وأنت لا تريد هذا أليس كذلك؟"
"كلا ..سأنفذ المهمة"
"إسمح لي سيدي أن أشارك في هذه المهمة فروبرت مستجد ولا يعرفه كما أعرفه ولا أظنه يملك قدرة الإقناع التي أملكها وإثنين أفضل من واحد"
تدخل العميل الصيني القصير الأربعيني وأنتظر الإجابة في حين إحتجَ روبرت على تطفله معلناً عن قدرته في إيجاده وإنّ طلب زميله وتدخله في مهمته ماهو إلا إهانة له ولكفاءته..أنهى رئيسهما الخلاف بقراره الحاسم
"ستعملان سوية..روبرت هذه فرصتك لتتعلم على طرق مكتبنا في تقصي الحقائق وإيجاد الأشخاص إستفد من العميل تشونغ..إنه بارعٌ في عمله..وشئ آخر إستعملا كل الوسائل لإيجاده لا تعودا إلا وهو بصحبتكما "
"حاضر سيدي "
هتف العميل تشونغ بينما زميله الجديد كان يرمقه غير مرتاح لوجود عائق فهو من محبي العمل الإنفرادي ولا مناص على ما يبدوا من هذا المشكلة.أعطى الرئيس أوامره بنقل الجثة للمشرحة وأجراء الفحوصات الأساسية على أمل إيجاد ما ينفعهم في قضية الشيطان التي قضّت مضاجعهم وبثت الرعب في أوصال النساء وباتت الواحدة منهن لا تسيرُ في الشارع إلا ومعها ما يحميها منه ولكن لا إحتماء منه ولا مهرب فالنساءُ مايشتهي وما يضمأ أليه ولن يكتفي بقطرة دم واحدة!.
في مكان ما بعيداً عن رائحة الدم وفي أجواء عائلية صاخبة أعلنت الفتاة العشرينية الرشيقة صاحبة البشرة الحنطية الحسناء إنشقاقها عن عمل العائلة المتوارث في المطعم بحجة تحقيق حلمها مما أثار غضب الوالدة وإستهجانها
"هل تعتبرين عمل الخدمة في المنازل حلم؟!!هل أنتِ مجنونة..الناس تحلم بالشهرة أو السفر وأنتِ تقولين خادمة !!!"
رفعت يدها تحتج على كلام والدتها
"ومالفرق بين كوني خادمة ونادلة ها..فأنا أخدم في كلتا الحالتين وقد سئمت..العملُ في المنازل شئ آخر "
شبكت يداها أسفل ذقنها وسرحت بمخيلتها وراحت تقول بنبرة حالمة
"دخول منازل الأثرياء ومعرفة نمط عيشهم وأساليبهم وقصصهم هو حلمي الوحيد..وتخيلي يا أماه أقع بحب وريث العائلة الوحيد وأوقعه في شباكي وأصبح سيدة المنزل ويعلو شأني كما في المسلسلات .."
ضربتها على رأسها لتقطع عليها تخيلاتها وأحلامها ساقمة
"حلمك تافه مثلك وسخيف..أنتي خيالية أكثر من اللازم تدخلين منازل الأثرياء على طمع إذاً أيتها الوقحة الطماعة..من أين ورثتي هذه الصفة يا فتاة هاا..يبدو إن المسلسلات نخرت عقلك البليد كالسوسة كلا وألف كلا لن أسمح لك "
"وكأني سأستمع إليكِ..أنا بالفعل وجدتُ عملاً في منزل صاحبه ثري سترين ما ستفعله إبنتك سآتي لك بصهر غني وأتمنى أن يكون لديه أخ يناسب إبنتكِ الأخرى وبهذا أضرب رجلين بحجر واحد هاهاها "
تدخلت أختها الكبيرة التي تحمل شبهاً كبيراً بالصغرى كأنهما توأمتين بإستثناء ما تحمله من برود في الأفعال والتصرفات على خلاف غريس المشتعلة حماساً على طول اليوم..
"إحتفظي بالرجلين لنفسك لو أردتُ رجلاً لأصطدتُ أحد الشبان الأثرياء أيام الجامعة كانوا كثر في أيامي "
"هذا لأنكِ غبية أختاه لو كنت مكانك لربطت الحبل حول عنقه وسحبته للمنزل معي وأرغمته على الزواج بي لكنك لاتفقهين شيئاً مع إحترامي"
"الا تخجلين يافتاة ..أنا أختك الكبرى "
"ماهذا الجيل المنحرف..إسمعي إليكِ قراري "
قالت الأم لتنهي الخصام
"أدخلي الجامعة وهناك سأسمحُ لك بإصطياد من يعجبك من الشبان الأثرياء كما تقولين وأتركي عنك فكرة الخدمة في المنازل "
"كلا أنا فاشلة في الدراسة يكفي إني رسبت سنتين في سنتي الأخيرة من الثانوية"
"لكن هذا لا يعني بأنك فاشلة في الدراسة "
"بل فاشلة أنا أعلم بنفسي منكِ يا أماه لا أطيق الدراسة حتى إني أعجب من نفسي كيف وصلت للثانوية؟"
"بمعجزة "
قالت أختها ساخرة
"على كل حال هذا قراري الأخير ولن يثنيني أحد منكم عنه..أنهيت ما عندي"
قامت متجهة لغرفتها
"إلى أين ؟..غريس لا تتجاهليني"
صاحت الوالدة
"لأجهز ملابسي سأغادر قبل غروب الشمس "
"ووالدكِ ماذا سأقول له "
"لا تقلقي تدبرت أمر والدي وأقتنع بالفكرة "
"تقصدين الخدمة !!؟"
"لا ..لأصطاد له صهر ثري "
"يا إلهي..هل هو حيوان ما لتصطاديه .. إنها حقاً إبنة أبيها وأنا أقول من أين ورثت هذه الصفات"
"أتركيها أمي صدقيني مصيرها العودة حين يشتد بها الحال هناك "
قالت الأخت وهي تتبع غريس لغرفتها..أغلقت الباب خلفها وجلست على حافة السرير تراقب أختها الصغرى وهي توضب ملابسها
"أنتي جادة ..حسبتك تمزحين مع والدتي "
"منذ متى وأنا أمزح..سأخلصها مني فهي لا تحب رؤية وجهي.. عندما أصمم على فعل شئ لايردعني منه أحد حتى نفسي "
"بإصطياد رجل"
وقهقهت متعجبة لأحلام أختها الوردية
"ليس محبة به وإنما لأجل النقود بالطبع لأعيش بسعادة"
"السعادة ليست بالمال يا غريس وإنما مع من تعيشيها ..مع أهلك..مع أصدقائك ..مع زوجك وأطفالك..معي أنا لم نقضي وقتاً ممتعاً منذ سنوات"
"لاوقت لدي للإستمتاع ..المال الذي أجنيه من والديّ لا يكفيني ولا يشعرني بالسعادة"
"مهما إنفقتي من مال لشراء الملابس والحاجات التي تفرحك لكنها لا تضاهي ماذكرته تواً..مالفائدة في إمتلاكك زوجاً غنياً وأنتي لا تشعرين بالسعادة "
"إلينور..عزيزتي أنا لا أقتنع بهذا الكلام ..نحن مختلفتان لكل منا رأيه خاص..ماأعتبره أنا مناسباً وصحيحاً يُعتبر شئ آخر عند الآخرين..أنا أعتبر المال سعادتي الشخصية بينما أنتي تعتبرينه شئ آخر"
"لا فائدة ترجى من الكلام معك"
تنهدت آلينور
"أظن من سأعمل لديهم ذوو شأن..تصوري إن صاحب المنزل أرسلني لعنوان خاطئ ليتأكد من مصداقيتي"
"وكيف هذا؟ هل قابلتهم؟"
جلست غريس قرب حقيبتها السوداء الكبيرة وأسترسلت في الكلام
"كلا لم أقابلهم وإنما تراسلنا عن طريق الإنترنت سألني عدة أسئلة أحسست وكأني أخضع لإستجواب وما أثارني طلبه اللحوح :إياكِ وأن تخبري أحد عن عنواني..تعالي بمفردك وإياكِ إحضار شخص ما معك وتأكدي أن لا أحد خلفك مما جعلني أصل لإستنتاج "
"وماهو؟!!!"
"ثري "
"حقاً..ماذا لو كان مجرماً ولايريد لأحد إكتشاف مكانه أنتي ترمين نفسك في النار"
"دعينا لا نستبق الأمور "
"غريس بشأن أمي..إنها تحبكِ لكنكِ لا تدركين هذا"
"نعم هذا واضح.."
إستخفت بما قالته أختها وقالت
"هيا ساعديني"
وقبل الشروق إنطلقت بها السيارة نحو حلمها مودعة والدها وأختها بينما والدتها سخطت عليها ورددت كلماتها بعصبية وهي تراقب إبنتها تغادر المنزل
"لاتعودي إن ضاق بك الحال أفهمتي..لن أسمح لك بالعودة أنتي وأحلامك السخيفة.."
تجاهلت كلماتها ووقفت على الرصيف تنتظر أن يقلها أحد وعلى بعد مسافة قريبة كانا العميلان تشونغ وروبرت يبحثان عن مطعم جيد لتناول الطعام،وعندما لمحاها قررا سؤالها علها ترشدهما لمطعم جيد.إقترحت عليهما تذوق الطعام في مطعم عائلتها وراحت تسرد لهما الأطباق الشهية التي يعدها والدها ووالدتها ووصفت لهما المكان وتركاها شاكرين.
تحت ظلمة سماء خالية من نور..سحبت حقيبتها خلفها سالكة درب مظلم إمتنع السائق عبوره معتذراً بحجة ضعف بصره وكلماته التحذيرية ترن بأذنيها
"خذي حذرك إبنتي ..إنتشرت في الآونة الأخيرة شائعة مفادها أن شيطان ما ينحر النساء "
هزأت من هكذا إشاعة ورفعت عظلاتها مغترة بنفسها
"أنا شجاعة ..لاأخشى شيئاً تعلمت بضع حركات قتالية أدافع بها عن نفسي"
وصلت لهدفها ونفسها مقطوع تلعن وتسب السائق الذي تركها في هذا الحال،وأنتصبت قدماها أمام منزل حجري كبير أشبه بمنازل العصور الوسطى لتصيح مدهوشة متحمسة لما هي على وشك تجربته
"واااااااا...هل أنا في مسلسل تاريخي ..إنه منزل قديم..سألتقط له صورة "
مدت يدها في حقيبة يدها الخضراء الصغيرة المتدلية أسفل خاصرتها وأخرجت منها هاتفها وقالت من بين أسنانها وهي تنظر للكاميرا الأمامية
"سيلفي "
"ماذا تفعلين عندك ؟"
إستدارت لمصدر الصوت ..شهقت ..لتتلاشى شجاعتها ويغمى عليها!.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro