الفصل الثالث
العاشر من مايو 2014
يبدو أنَّ غريس أحسنت الصنع عندما روجت لمطعم والديها للعميلين روبرت وتشونغ،فقد ترددا عليه في اليوم السابق أكثر من مرة وهذا اليوم جاءا مبكراً جداً مما أسعد المالكين فمن أين سيعثران على زبونين نهمين مثلهما خاصة العميل تشونغ..هذا بلا شك سيدر عليهما بالمال الكثير،لذا طلبت الوالدة من إبنتها آلينور معاملتهما معاملة خاصة وتلبية إحتياجاتهما كافة
"أهلاً بكما مجدداً ماذا تطلبان؟"
بإبتسامة عفوية كشفت عن أسنانها الناصعة البياض وبصوت لطيف،رحبت ذات الشعر الأسود القصير بالعميلين وبادلها تشونغ بإبتسامة أثارتها وجعلتها تسرحُ بمخيلتها متساءلة عن جنسيته..أهو كوري أم ياباني أم صيني ياترى؟!!
وشبهته بممثل كوري نسيت إسمه..لم تفضل يوماً الدراما الكورية وتشكو دائماً من أسماءهم الطويلة الصعبة الحفظ وبرومانسيتهم الزائفة التي لا تعترف بها،ومنذ أسبوع مضى شاهدت مع غريس لأول مرة دراما كورية حزينة مات فيها البطل وأقسمت أن تمتنع عن مشاهدة كل ما يمت للكوريين بصلة.
"ياآنسة أحب أن أشكركم على ما تقدمونه من طعام شهي"
أخرجها من مخيلتها صوت ولهجة إنكليزية مميزة صدرت من فم تشونغ وأجابته شبه محرجة
"أعتذر..شكراً للإطراء سيدي..سنعمل بجد لإرضائكم"
"أنتم تستحقون الأفضل "
دونت ما أملى عليها من أطباق ثم إنتقلت لزميله الذي كان في معزل عنهما متعمق التفكير في البحث عن وسيلة تساعدهما في إيجاد صاحبهما متجاهلاً نداءاتها المتكررة فطلب عوضاً عنه زميله ثم توجهت إلى المطبخ تبث لوالدتها ما استنتجت عن زبونيهما الغريبين كما أوحى لها منظرهما ولباسهما الأسود
"ماذا تقصدين بالغريبين ؟"
سألت والدتها وهي تعجن العجينة بيديها العاريتين
"الآسيوي وصاحب الوجه المتجهم لا يبدوان عاديين"
"وماذا في ذلك فكل من يأتي هنا غرباء..تعالي وساعديني ونادي على أختك"
"غريس إستقالت أنسيتي،ثم لو أنها كانت هنا ورأت ذاك الآسيوي للازمته طيلة اليوم..آه كم أشتاق إليها"
"كفي عن الثرثرة وساعديني هيا "وبختها والدتها وشرعت في تنفيذ الأوامر.
"من أين نبدء تشونغ..تشوش فكري "
خاطب روبرت زميله متحيراً فأجاب الأخير وهو يمضغ الطعام
"ظننتك ستخرج بفكرة عبقرية وأنا أشاهدك تسرح بعيداً ساعة مجيئنا"
"فكرت في سؤال عائلته عن مكانه..ربما يساعدوننا"
صرح روبرت وأنتظر إجابة زميله..
"لاعائلة لديه"أجابه وهو يمسح فمه بالمنديل
"كيف..ماذا حدث لهم؟"
"معرفتي بالعميل ثيو سطحية بعض الشئ لسنا مقربين بما فيه الكفاية لمعرفة حياته الشخصية لذا كل ما بحوزتي أن عائلته قد توفيت إبتداءً من الأب والأم إلى أخيه الذي توفي بحادث مروري"
"آه..كيف هو العميل ثيو ..أعني بحكم معرفتك السطحية به"
"إنه شخص صالح،إجتماعي،ودود مع الجميع وذكي أغلب القضايا المستعصية حُلت على يديه وبما أن قضيتنا مستعصية فهو مناسب تماماً لها"
دُهش روبرت من كم المديح بشخص أثار غيرته قليلاً فهو لم يصل بعد لدرجة تمكنه من التغلب عليه..عقدَ ذراعيه وأتكأ على كرسيه وبدا عليه اليأس
"نسبة إيجاده صفر بالمئة على هذا الوضع"
"مالذي يجعلك تقول هذا؟"تساءل زميله مقطب الجبين
"هذا بديهي فلايريد لأحد إيجاده لهذا السبب اختفى دون ترك خيط يدل على مكان تواجده..مؤكد أننا لن نجده..ماذا لو سافر أنا أضع جميع الاحتمالات نصب أعيننا كي لايضيع جهدنا هباءً "
"إسمع أيها العميل روبرت ولينا هذه المهمة وسننفذها ولن نعود إلا وثيو معنا..أركن الإحتمالات جانباً لو كان تحت الأرض فسآتي به "
"حسناً كيف سنبدء إذاً؟"
"سنذهب الى دائرة الهاتف ونبحث في السجلات عن إسمه ورقمه إن لم نعثر على شئ فسنتجه للمستشفيات وجميع المؤسسات حتى المطارات للكشف ما إن قد غادر البلد"
"هذا سيستغرق وقتاً طويلاً"علق روبرت معارضاً
"لامجال للتمهل..كلما تماهلنا كلما زاد عدد الضحايا..إن كانت لديك فكرة أكثر منطقية من فكرتي فهاتها وإلا فألزم الصمت"
قالها بلهجة حادة جعلت من روبرت يذعن له فوراً
"حسناً..دعنا نقوم بها"
"سنقوم بمهمتنا سراً إتصل بي الرئيس الليلة الماضية وطلب مني القيام بها بمنتهى السرية"
"سراً !!"هتف روبرت بصوت خفيض مستغرباً ثم أضاف
"أشعر بشعور غريب بأن ثيو ليس بشخص عادي وإلا لماذا على المهمة أن تتم سراً"
"لا أدري..هيا أكمل طعامك ولنباشر العمل"
في أجواء أخرى حيث صف من الخدم يحملون أطباقاً متنوعة من الأطعمة ومن بينهم خادمة حسناء راحت عيناها تجول بحثاً عن أميرها الوسيم حتى أستقرت عيناها عليه..غمزت له وبادلها المثل ..إقتربت منه تتغنج بمشيتها وبإبتسامة سحرت قلبه سحبها إليه..
ركع ووضع في أصبعها خاتماً ماسياً وتمتم بكلمات أخجلتها..
وما كانت تلك الكلمات سوى
"يا آنسة أفيقي"
"نعم..أقبل..أقبل"رددت الفتاة غير واعية
"تقبلين ماذا ؟!!!!"
أفاقها الصوت الرجولي المندهش وطرفت بعينيها ببطئ شديد..ثم تثائبت ملئ فمها دون أن تلقي بالاً للرجلين الغريبين المنتصبين فوقها
"هل نمتي جيداً يا آنسة؟"
أفزعها ذات الصوت وتداركت نفسها
"ما...ما...أين أنا ؟"تمتمت وهي تتفحص المكان بريبة شديدة وفزعت أكثر حين إنحنى عليها صاحب الصوت الذي ميزت شكله بوضوح..شاب في بداية ثلاثينياته..تغطي عينيه نظارات طبية بإطار أخضر ذو سحنة شاحبة تنبأ بالتعب والإنهاك جعلتها تشفق عليه أكثر من وضعها المقلق.أمالت برأسها للخلف مرتبكة حين رفع يده اليمنى تجاهها وفكرة غبية طفت على السطح..هل سيصفعني..لكن لمَ؟!.
"كم إصبعاً ترين؟"طالعته ببلاهة وهدأ قلبها قليلاً..لمَ سيصفعها وهما غريبين عن بعضيهما ولم ترتكب سوءً يالها من أفكار غير عقلانية تلك التي تعشش في دماغها..أفكاراً لطالما جعلت المقربين منها ينبذونها لسفاهتها عدا أختها آلينور التي تشاركها خيالاتها وإنفراديتها المميزة عن الجميع
"رجلين وسيمين"قالت وهي تقلب نظرها بينه وبين الرجل الآخر الذي ميزت عليه إمارات الغرور وهو يطالعها بأنفة عاقد اليدين
"أقصد خمس أصابع"صححت ثم قالت مشمئزة وهي تقرص أنفها
"من أنتما وماهذا المكان المقرف!"
ومضت في ذهنها ذكرى الليلة الماضية..شئ ما مخيف فوق رأسه رأس دب حقيقي مفتوح الفاه تبرز منه أنياباً حادة طويلة..ووجهه ملطخ بالدم لا يظهر منه شئ عدا عينين جاحظتين أرهبتها،يرتدي ملابس رثة من جلد الحيوانات وملتف حول خاصرته حزام جلدي معلق فيه سكاكين أشبه بهندي أحمر يعيش في الأدغال!.
وهي تستعيد هذه الذكرى سرت رعشة قوية في بدنها وقامت من مجلسها مضطربة خائفة وهي تتمتم بينها وبين نفسها
"ماذا يكون ذلك الشئ..علي أن أغادر في الحال"
"تغادرين !!"
أتاها صوت آخر وحولت إنتباهها ناحيته..طويل أصهب..أكثر وسامة وصحة من الرجل الآخر..تلئلئت عيناها إعجاباً للوهلة الأولى لكن لما رمقها بطرف عينه كأنه مستنكف منها،أعادت النظر في إعجابها وأجابته بجفاء
"نعم يبدو أنني أخطأت في العنوان..أعتذر وشكراً لكما على إنقاذي إن كنتما أنتما من أنقذاني"
أخذت تبحث عن حقيبتها وقد فكرت أن تلجأ إلى الشرطة إن حاولا صدها فوجدتها قرب الباب الخشبي المؤدي إلى الخارج.لم تكد يداها تمتد لتلامس حقيبتها حتى أحست بأنفاس حارة تلفح رقبتها وتُدغدغها..إستدارت ببطئ مرعوبة وواجهت نظرات الأصهب الملتهمة لتجمح مخيلتها.سيخنقني هذا الأحمر بالتأكيد.
"من يدخل هذا البيت لن يخرج منه أبداً"أحست بنبرة تهديد غامضة وجمح خيالها مرة أخرى إلى حيث سيغتصبانها ويرميانها في الشارع قتيلة!.
"أنت تخيفها ديلان..إبتعد عنها"
سحبه صاحب النظارات الطبية واستنتجت من تصرفاته حكمة وتواضع على غرار الأحمر الشرس كما لقبته.أشار إليها بالجلوس
"إستريحي رجاءً..أنتي في العنوان الصحيح ..آنستي"
أكد لها وطرفت عدة مرات بعدم فهم وتطلعت إلى المكان بإشمئزاز..كان المنزل في فوضى حيث الآرائك غير مرتبة وبضعة طاولات موضوعة هنا وهناك تعيق التحرك ورائحة كريهة بمزيج من الرطوبة والعفن وكأنها رائحة شئ ميت تعبق بالجو.وإن كان هذا يدل على شئ فأنما يدل على قذارة ساكنيه وتكاسلهم.
تقلص أنفها وقالت حالمة
"أهذا المكان الذي سأعمل فيه؟..أين السيارات ..أين الخدم ..أين الثريات..أين الأمير؟"
"يبدو أنكِ أكثرتي من مشاهدة المسلسلات..ثريات قالت!"
علق ديلان ثم جلس يضع قدماً فوق الأخرى وظل يتفرسها بكبرياء واضح.لا شئ مميز فيها على الإطلاق..وجه عادي..شعر أسود معقود بظفيرة طويلة تصل أسفل ظهرها وملابس رخيصة من الجينز الأسود الردئ وقميص أزرق طويل فضفاض قصير الأكمام..ليست بشعة وحسب بل تفتقر إلى الذوق..وفوق هذا كله متعجرفة وسليطة لسان.حدثه قلبه إن إقتحام هذه الفتاة حياتهم سيؤدي بهم إلى كارثة حتمية!لذا ليقطع الشك باليقين خاطب صاحب النظارات
"تأكد من إسمها كريستوف أخشى أن تكون فتاة أخرى..لا نريد أن إقحام أنفسنا في المتاعب..كما أنها ليست من النوع الذي كنا نتوقعه"
المتاعب !!لمَ سيقعون في المتاعب بسببها !!..تجاهلت إهانته المتقصدة وراحت تفكر.هذا الكم من الالغاز المحيرة المرسومة على محياهم والوضع الذي وصفته بالمقرف أشعرها بالصداع وندمت على مجيئها وقررت تصحيح الوضع..هذا مكان لا يلائمني وليس مافكرت به..أسرت لنفسها ..
"إسمك غريس صحيح؟"سألها كريستوف
"نعم"أكدت
"إذاً أنتِ هي الخادمة"
"سيد كريستوف أعذرني ولكني أخطأت حقاً في العنوان مالك المنزل لايدعى كريستوف لذا..."
"لمَ تصرين على أن العنوان خاطئ..أم إنه ليس كما في مخيلتك ..سيارات و ثريات!"
قاطعها ديلان ليفهم من كلامها وتصرفاتها نوع الفتاة التي هي عليها..كم يكره هذا النوع بشدة ولا يحتمل البقاء معهن ولو لثانية بحكم تجربته السابقة مع النساء وقد كان من المعارضين لفكرة الإستعانة بخادمة ولايزال فكيف سيتعايش معها؟.
"لم تخطئي آنسة غريس..وصدقتي لست مالك المنزل أنا صديق المالك وأنا طبيب وأدعى كريستوف أو كريس أو كيفما تودين وهذا صديقه الآخر وشريكه في السكن ديلان..أما سيد غابرييل فهو ..."
"ها قد جاء سيد غابرييل"
أشارَ إليه ديلان وخطفت على ثغره إبتسامة جانبية لم تفسر معناها..تجاهلتها ورفعت رأسها ناحية سيدها الجديد
"هاا..أهكذا يبدو السيد غابرييل ..إنه يشبه رجل كهف أرى نفسي وكأني في مسلسل حقاً..ما هذا الذي يحدث لي..أتمنى أن أستيقظ من هذا الحلم السخيف"
فكرت بمرارة وهي تحدق بالرجل الذي جلس قبالتها وراحت عيناها تتسكعان حول وجهه الشاحب الذي يكسوه لحية تنتهي عند صدغيه وشاربين كثيفين وعينان سوداوان ذابلتان تحيطهما هالات سوداء..شعرت إزاءه بالنفور ولو أنها تفقه ما يعانيه لرثته فقد كان رجل الكهف هذا أنيقاً نظيفاً لايسمح حتى لذبابة بالحوم حول منزله..لكن كل شئ تغير..مايعانيه جعله يكتشف كم كانت حياته السابقة التي شكا منها وتذمر هي -الجنة-وماهي عليه الآن- الجحيم الأبدي-.
"لم يتبعك أحد صحيح؟"
سؤال ليس بجديد عليها،فقد سألها أكثر من مرة بإلحاح شديد
"كلا..ومن سيتبعني حين يرى هذه القذارة وليس كأنه قصر فخم "
قالت الأخيرة بفتور لم يسمعه أحد
"آنسة غريس لقد إتفقنا على الأجر مقدماً وسأزيده إن عملتي بجد..كما ترين أنا بحاجة إلى المساعدة وسأضع كامل ثقتي فيكِ..آسف إن كان الوضع مخالف لما تخيلته لكن هذا هو الواقع وأنتي تبدين بحاجة إلى المال"
"لا بأس ..إعتمد علي ..لن أخذلك سيد غابرييل سأجعل المنزل يشع كالشمس "
"إتفقنا إذاً"
"إتفقنا"
"كريستوف أرشدها لغرفتها رجاءً..ستبدئين العمل غداً فأنتي بحاجة إلى الراحة"
"كلا..أنا بخير"
"علي أن أعتني بصحة خادمتي بما إنها ستعتني بي"
"شكراً لك"
قالتها ثم إفتعلت إبتسامة خبيثة على شفتيها الورديتين،هاهي قد وجدت حلاً لأزمتها وستنفذها فمن المستحيل المكوث مع هؤلاء الثلاثة الغرباء الغامضيين وما حدث تواً ماهو إلا تمثيلاً مدروس والغاية تكمن داخلها.
"أعتذر على إخافتك بالأمس..كنت أصطاد "
"إنه أنت..ذاك الشئ!!"أشارت إليه حائرة
"نعم..أرتديهم كي أخيف الغرباء عندما أصطاد"
"أنت غريب..هذا الأمر جنوني"
"لا تقلقي..أنا شخص عادي ولست المرسوم في ذهنك لن يمسك أحد بأذى أعدك"
أومأت وتابعت طريقها مع الطبيب وفكرتها تنبض في ذهنها متحمسة للإنفجار.
"هل أنت جاد بشأنها ثيو..تبدو لي فتاة خطيرة ثم ما هذا الإسم المستعار الطويل ألم تجد أقصر منه"
علق ديلان ساخراً ليجيبه صديقه
"إنه مجرد إسم مؤقت ل.."
"لدواعي أمنية"أكمل ديلان وأنفرجت عنه إبتسامة مرحة سرعان ما تلاشت حين فكر بوجود فتاة بينهم..سيكون الأمر مزعجاً وتمنى أن تسير الأمور على خير مايرام.
"لقد تعبت ياصديقي..أشعر بأني ضعيف..لاقدرة لي على مجاراة الوضع..أحتاج لمن يساعدني..أحتاج قوتي لأجل شئ واحد فقط ..خلال هذه الفترة سأستعيد صحتي وأبدء من جديد"
تحدث ثيو بجدية ليعلن صديقه عما يخشاه
"ماذا لو إكتشَفت شيئاً..ماذا ستفعل حينها؟"
"سأعمل على أن لا تكتشف شئ..أنها مجرد فتاة تريد كسب قوت يومها"
"أراك مطمئناً بهذا الشأن"
"إنها لا تعلم حقيقتي..كما أنها ستعمل لفترة قصيرة"
"وستأتي بأخرى"
"كلا..سأسافر عندما أُنهي كل شئ..تعقدت الأمور أكثر مما تصورت..علي أن أسرع"
"أنصحك بالزواج ستعينك زوجتك وتزيح عنك هذا الحمل"
"لو أردت الزواج لتزوجت..أفضل ألعيش هكذا على أن أتزوج وأنجب أطفالاً وأتحمل مسؤوليتهم وكأنك لا تعرفني"
"تتحدث كأنك مرتاح البال..أنت مسؤول عن كل شئ ثيو ..ما تمر به أسوء من حصولك على زوجة وأطفال"
قطع حديثهم نزول الطبيب الذي إستأذن منهما يريد الذهاب لكنه تراجع متحمساً لما تفوه به ثيو وآثر البقاء
"إنتظرا حدث الليلة"
الساعة التاسعة ليلاً..تفقدَ حارس الأمن كاميرات المراقبة الخاصة بالمشرحة التابعة لوحدة مكافحة الجرائم وأثار ريبته شخص غريب يرتدي زياً أسود ويعتمر قبعة لم يميز نوعها غطت وجهه يخرج من إحدى الغرف يتلصص هنا وهناك وأستعجل في الإتصال برئيس الوحدة وماهي إلا ساعة ونصف حتى وصل مع نفر قليل من رجاله.قرب الصورة على الشخص بغية إكتشاف هويته لكنه فشل فسأل الحارس
"في أي ساعة ألتقطت الكاميرا هذا الشخص؟"
"حوالي الساعة الثامنة سيدي"
ركزَ الرئيس نظره مطولاً على الشاشة وأعرب عن رأيه
"أياً يكن هذا الشخص ربما له صلة بالقاتل..وإلا لم يكن ليدخل غرفة ضحايا الشيطان"
ثم وجه أوامره لمن معه"راقبوا المكان جيداً ولا تغفلوا عن شئ أو تثيروا الريبة..إن شك هذا الشخص بإكتشافنا له فلن يعود مجدداً..وأنت"
أشار للحارس"لا تبعد ناظريك عن شاشات المراقبة وأخبرني إن لمحت شيئاً غريباً..كوب من القهوة سيساعدك..وأنا سأذهب لأكتشف ماذا كان يفعل بالجثث وما إن إختفت أحداهن"
وهو يسير مع فريقه فكر بالذي هرب دون إعلامه بوسيلة يتواصل فيها معه
"ماكان عليك أن تهرب..كان عليك مواجهتهم ..سأعيدك مهما كلف الأمر"
إنتظرت غريس قدوم الليل بفارغ الصبر وطيلة وقت مجيئها لهذا المنزل الغريب لم تفارق غرفتها وبالمقابل لم يطلب أحد منها الخروج أو الطبخ وظلت تقتات على ما خزنته في حقيبتها من رقائق البطاطا لسد جوعها.والآن مع حلول الليل وتحديداً الساعة الحادية عشرة ستنفذ مهمتها السرية.تسللت بخفة تجر حقيبتها خلفها ولم تصادف ما أعاق مسيرتها إلا ذاك الهدوء المخيف الذي طوق المكان فجأة متيحاً لها سبيلاً للفرار..إنهم نائمون هذا جيد ..فكرت ثم فتحت الباب وغادرت بذات الهدوء..
"كنت تعرف أنها ستهرب؟"
سألَ الطبيب ثيو مندهشاً وكانوا يراقبونها من المطبخ بصمت متقن.خرجَ ثيو من المطبخ وجلس على الآريكة الملطخة ببقايا طعام وفعل صديقاه المثل
"أنا ذكي..ستعود..فقط عدا للعشرة"أجاب بغرور
أشرعا بالعد حتى وصلا للرقم عشرة وبالفعل بشرهما صرير الباب وهو يفتح بعودتها.أطلت عليهم بفستانها وقد تلطخ بالطين وشعرها المبعثر بمنظرٍ مثير للضحك.توجهت ناحيتهم وجثت أمام ثيو متوسلة والدموع ملئ عينيها
"أرجوك سيدي..إعفيني..دعني أذهب لمنزلي وصدقني لن أخبر أحداً عنك سواء كنت مجرماً أو..أو هارباً لن أخبر احد فقط..فقط دعني أعود"
"إنهضي لا أحب أن يُتوسل إلي"
إمتثلت لأمره وواصل يخفي إبتسامة متمردة
"غريس أنا شخص مريض ومتعب وبحاجة إلى الراحة لهذا إستعنت بك..ألا تريدين فعل الخير للآخرين؟..عندما يمرض أباك أو أمك أو أي فرد من عائلتك ألا تساعديهم؟"
"بلى"
"إذاً ساعديني..إتفقنا أن تبقي هنا لفترة قصيرة إلى أن.."
"تتخلى عني"أكملت عنه وبدا عليها أنها بدأت تستوعب وقلبها لان ناحيته
"كما إنني لست بمجرم كما تتصورين..أنا هارب"
نكزه ديلان بخاصرته وتجاهله ثيو مواصلاً ماينوي عليه
"هربتُ من عائلتي لأنهم حاولوا إجباري على الزواج من إبنة عمي وأنا لا أحبها..إنها أرملة ولديها أربع أولاد أنا بالكاد أهتم بنفسي فكيف بي أهتم بهم..لذا هربت وهم الآن يبحثون عني في كل مكان.."
رمقها محاولاً إكتشاف مدى تأثير كذبه عليها وكانت تجلس بصمت. ..تنهد
"على كل لن أجبرك بإمكانك المغادرة صباح الغد وسأبحث عن غيرك"
"كلا"هتفت ثم صمتت هنيهة تفكر بمستقبلها إن عادت لمنزلها ..سيشمت بها والديها ويضحكان عليها لعدم تحقيق ماأقسمت على تحقيقه،علاوة على ذلك..أين ستذهب ووالدتها غضبت منها ومنعتها من دخول المنزل!ستوافق الآن ليس شفقة به وإنما لمصلحتها بعد كل شئ
"حسناً موافقة..سأعمل لمدة إسبوعين بعدها سأشد رحالي"
"لم نتفق على إسبوعين..إبقي لمدة شهر وسأضاعف أجرك وإن بقيتي أكثر حتى أتخلى عنك كما تقولين سأضاعف المبلغ أكثر"
هزت رأسها موافقة
"مالذي حدث لكِ وأنتِ تهربين؟هل سقطتي في بركة أم أخافتك الأشباح التي تسكن الغابة..منظرك يثير قرفي"
نظرت إليه شزراً وترفعت عن الرد..سخريته لن تمر مرور الكرام وبما أنها متعبة فقررت الصعود لغرفتها وقلبها يحمل ضغينة تجاه الأحمر ووعيد بإيقافه عند حده.
"عجيبة هذه الفتاة..ستعمل هنا وبأجر فلمَ تتصرف على هذا النحو..كم أكره هذا الجيل الفاسد"
شكا ديلان بينما أجابه ثيو وهو يرتقي السلم
"إنهن مرهفات الأحاسيس..يجب أن تتم معاملتهن برقة حتى تحصل منهن على ماتريد..تصبحان على خير"
ثم ودع ديلان الطبيب وأغلق الباب خلفه ليتجه هو الآخر لغرفته ويغرق في أفكاره الخاصة.بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة فلديهم الليل بطوله للإسترخاء والشخير والأحلام يتبعه صباح ملئ بالأحداث المستمرة الصاخبة لكن هل لهذه المرأة الأربعينية السمراء التي دخلت الحافلة وجلست في أقصاها صباح ينتظرها؟.
كان مظهرها يوحي بالتعب والخمول واليأس ويبدو كما لو أنها على وشك أن يغشى عليها.لقد قاومت الصداع والخدر الذي إنتابها طيلة سيرها لمحطة الحافلة والآن عبثاً تحاول.أرخت رأسها ووضعت السماعات في أذنيها بأصابع مرتجفة وأبحرت في عالم آخر..لم يكن يتواجد معها سوى ثلاث فتيات مراهقات إثنتين نائمتين نوماً عميقاً والأخرى تدردش عبر هاتفها..أنهين دروسهن الخصوصية لهذا المساء ورحن يتسكعن لوقت متأخر من الليل بالإضافة إلى السائق ذو الأصول الباكستانية الذي كان يسترق السمع لحديث الفتاة الطويل الممتع..فجأة توقفت الحافلة بمنتصف الطريق وأصدرت صريراً مزعجاً.أخذ مصباحاً يدوياً وخرجَ ليرى المشكلة.
كانت عجلتين قد ثُقبتا ويتعين عليه إستبدالهما لكن العملية صعبة تحت جنح الظلام لذا طلب من الفتاة التي كانت تدردش بأن تساعده على توجيه الإنارة حيث يدلها وتقبلت الموضوع على مضض أما الفتاتين فكانتا تشخران بصوت قوي مزعج.عُولجت المشكلة بأن إستبدل العجلتين وسبقته الفتاة إلى الدخول.أراد إخبار زوجته بأنه سيتأخر الليلة فأخرج هاتفه المحمول ليتصل بها وإذا به يُفزع على صراخ جماعي أصم أُذنيه..هرع الى الداخل وأستفسر من الفتاة عما أصرخها فأشارت إلى الأرض..تسمر في مكانه إثر المشهد المروع..المرأة الأربعينية ممدة على الأرض وقد حُزت رقبتها وكلمة الشيطان مكتوبة على إحدى النوافذ.
يتبع
آرائكم..نقدكم
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro