الفصل الاول
لا تلتفت خلفك فربما تُصاب بالشلل وتُسحب معه حيث الظلمة الأبدية .
---------------------------------------------
ولاية كالفورنيا
مدينة لوس آنجلوس
الخامس من أبريل 2014
ركنَ شاحنة النقل الثقيلة الخضراء على جهة، وأدار مرآتها الأمامية لتقابل وجهه الأبيض العريض الوسيم الذي يميزه أنف طويل دقيق وعينين واسعتين بحدقيتيهما العسليتين الموحيتين بشقاوة وغرور لا تخطأهما عين شخص.عبثَ بشعره الأسود ورتبه ثم إبتسم لصورته المنعكسة.غمز لها وألقى لها بقبلة هوائية،ولم يفارق مقعده إلا وقد تأكد من تمام مظهره وأناقته،فهو وبعد إشتياق أرقه سيلتقي بآسرة فؤاده وملاكه الجميل كما أعتاد على تلقيبها.وكونه شابٌ عصري فهو يسير على خطا الموضة الشبابية الدارجة هذه الايام التي تخالف كل ما هو كلاسيكي أنيق وتجعل من المرء كما لو أنه مهرجا أو من مجرة اخرى كتلك الملابس التي تغطي جسده حاليا والتي هي عبارة عن قميص أبيض فضفاض مبقع بدوائر وزخارف حمراء مع سترة جلدية سوداء مخرمة وبنطال جينز يتدلى من جانبيه سلسلتين حديديتين وساعة يد الكترنية من أحدث طراز.فهو يعتقد ويؤكد على ضرورة إلاعتناء بالشكل والهندام لسلب لب الطرف الآخر بل يعتبره أساساً لإنجاح العلاقة.وقد أصاب في إعتقاداته حتى الآن!.
تأمل السماء فور ترجله من الشاحنة..كان فيها شيئاً غير معتاد يبعث في النفس كآبة وحزن غير مرغوبان!..لطالما كان يستبشر بها خيراً حين يراها صافية نقية من أي شائبة لكن هذه المرة منظرها مختلف وهاجس مشؤوم سيطر عليه سرعان ما طرده بتفاؤله وتوجه نحو المطعم حيث قد تواعدا على اللقاء وجلس منتظراً قدوم ملاكه.تخطت الساعة الرابعة عصراً ولا أثر لها في المكان و كان قبلها قد إتصل ثلاث مرات ولم يحر إجابة منها تسكن قلبه الثائر الذي يكره الإنتظار وفسر تأخرها على إنها قد نسيت هاتفها كما في كل مرة تنساه،أو هل يمكن أنها نسيت موعدهما في تناول الطعام سوية وخلطت بين ألايام!!.
لايمكن فهو قد أكد لها قطعاً بأن الموعد يوم الأحد الساعة الرابعة وأنه سيوفي بوعده ولن يخلفه كما في المرة السابقة أم إنها قررت معاقبته على فعلته هذه؟!!إذاً فهو الآن يختبر ما أختبرته حبيبته وضرب كفه سطح الطاولة
"أهذا إنتقامكِ لإخلافي بالوعد كل هذا بسبب تلك الحمولة اللعينة "
قال بغضب كما لو أنه يخاطبها أمامه مما سلط ألانظار ناحيته.
أخرج مفاتيحه وأنطلق إلى شقتها ليعاتبها ويعتذر ويفاجئها أيضاً هذا كان غرضه الأساسي من الموعد وللأسف لم تجري الأمور كما خطط لها وعليه تحمل تبعات أخطائه.دق الجرس عدة مرات وأتاه صوت ميزه على إنه صوت رجل ليُفتح الباب ويتقابلا
"من أنت ؟ دعني أدخل "قال بفضاضة
تمسك الرجل الذي يفوقه ضخامة بالباب وصده عن الدخول مستغرباً أمر هذا الشاب
"السؤال ذاته أطرحه عليك ؟!"
صدر صوت أنثوي من الداخل يسأل من الزائر
"إنه غريب يحاول إقتحام الشقة بلا أخلاق "
أجاب الرجل وهو يحدق به بأنفة
"غريب !!أنا حبيبها يا هذا "تفوه بها آملاً أن يسمح له بالدخول لكنه ردع مرة أخرى بدفعة من يد الرجل وهو يحاول الدخول
"آه أنت هو سائق الشاحنة الفاشل هل جئت تستردها ها "
فاشل!!يبدو كما لو أن أحداً ما حدثه عن هذا السائق الفاشل الذي تشوش فكره بمجرد سماعه هذه الكلمة.هاجمته حالته العصبية ورفضت كرامته هذه الإهانات فلكمه وسقط على عتبة الباب لتأتي الفتاة مسرعة تستعلم عما يجري..إنحنت عليه تتفحصه:
"غارث مالذي فعلته أيها ألاحمق "صاحت غاضبة
"أحمق !إستقبلني بالإهانات ولا أردها له؟..ثم من هذا الشخص؟"
"أتدري ..لهذا السبب إنفصلت عنك.."
"إنفصلتي ..!"قاطعها ليردف غير مستوعب وقع الكلمة
"ماهذا الهراء الذي أسمعه أليس اليوم هو يوم موعدنا لمَ تخلفتي عنه ومن هذا أجيبيني؟!"
أمسك بيدها اليمنى غاضباً فدفعه عنها الرجل وهو يمسح أثر الدم من أنفه
"أنا حبيبها وزوجها المستقبلي أيها اللعين"
"أأنت غبي أم تدعي الغباء ..أخبرتك مسبقاً بأني لا أريد رؤيتك فلمَ أتيت ؟"
زمجرت الشقراء ذات النمش معقودة الذراعين بينما قضى غارث وقتاً كي يستوعب مايجري معه..ثم ضحك كأن مقلباً ما نُصب له
"لاتمزحي معي ..الانفصال ..هيا قولي غيرها ..وكيف ولم تخبرينني سابقاً؟!"
"أرسلت لك رسائل كثيرة منذ حوالي ثلاثة أيام .."
"رسائل!!؟
"نعم..تأكد من هاتفك إن لم تصدقني "
وبالفعل تأكد وكانت كلها رسائل غير مقروءة..لم يقلب هاتفه خلال تلك المدة بسبب عمله المتعب الذي جعله يمتنع حتى عن مراسلة أصدقائه وإن تلقى رسائل أهملها لينقضي الزمن وينساها وحين يصادفه المُرسل ويعاتبه يلقي باللوم على عمله ويتحجج بضيق الوقت،وعندما إتصل عليها ليحدد موعدهما لم يفسح لها مجالاً للرد لإستعجاله
"هل تأكدت الآن ؟"سألته متبرمة
"لكن لماذا ..أبسبب إخلافي للموعد ؟"
"أفق يا غارث"وجهت أصابعها لرأسها بحركة سريعة غاضبة
"لم أحبك يوماً كنتُ أستغلك لمتعتي ومصلحتي الشخصية ولكونك ساذجاً صدقتني ولم تسأل يوماً عن مشاعري تجاهك .."
"كاذبة ..كل هذا الوقت..مستحيل أن لاتقعي بحبي "
قاطعها بإنفعال رافضاً التصديق
"من يحب فاشلاً مثلك..سائق شاحنة لايملك سوى شاحنته و ملابسه الرثة أي فتاة ستقبل به؟..خرجت معك شفقة بك وللإستمتاع مع شخص ساذج مثلك..عد من حيث جئت..ونصيحة مني تجنب الإنفعال فالإفراط به مضر للصحة وغير من تصرفاتك الصبيانية وأخلاقك..لاتحسب المضاهر وحدها قادرة على إنجاح العلاقات"
ثم صفقت الباب في وجهه مع إبتسامة سخرية زينت وجه حبيب الفتاة لاحظها بمرارة.نظريته السابقة تلاشت وفشل في علاقته هل يا ترى أخطأ في تصرفاته وأسلوبه وجعلها تنفر منه؟!لكنه لطالما كان ودوداً معها ويلبي طلباتها المستمرة بلا إحتجاج.فماهو خطأه؟
أم إن سذاجته وعمله أعاقا سير حياته المستقبلية؟.لم يبرح مكانه وأستند على الباب..شعورٌ بالصدمة والخدر الذي تسرب في أوصاله منعاه من التحرك..أي لعنة أصابته الآن وكم من الوقت ستدوم صدمته ووقوفه متشجناً على هذا النحو.تحركت أصابعه لا إرادياً وأخذت إتجاهها لجيب بنطاله الأيمن من الجينز الأزرق وأخرجت علبة حمراء بشكل قلب تحمل داخلها
..مستقبله.. الذي تدمر حالياً ولو كشف لعبتها وتحايلها عليه لما أنفق مرتبه الشهري الذي أدخره لأجل شراء خاتم خطوبة.لكن كما يقال الحب أعمى.
أخيراً فطن لحاله..غادر موقعه،وقاد الشاحنة و كلمات حبيبته إختلطت مع كلمات والده مكونة صوراً زودته بطاقة سلبية و هيجان تمكن منه فاشل ..فاشل...فاشل ..زود من سرعته وسلك طريقاً سريعاً لا يُعرف مخاطره سوى أصحابه.
في مكان آخر حيث العدل والقانون هما رأسا العمل تجمع نفرٌ من العملاء يحتفلون بإتمام القضية وبإنتصار الخير على الشر يتبادلون التهاني والمجاملات،وأحدهم تمكن من إفلات نفسه بالقدرة منهم وتحول لمكتب الرئيس يقدم تحيته ويطلب إجازة قصيرة للراحة.كل ما ضفر به من تملقه، هو يوم واحد للراحة لا أكثر علماً إن لا مهمة جديدة قد وكلت إليه إلا إن حضوره ضروري حتى لو غابت المهمات كما قال له رئيسه،وإن تواجد فعليه أن يستعين بكوب قهوة سادة تنشطه وهو يستمع لقصص زملائه الروتينية المملة وحياتهم الزوجية الرتيبة الأكثر مللاً وهم بتصرفاتهم وكلامهم اللاموزون يعقدونه من فكرة الزواج..لهذا هو لا يزال عازباً رغم أنه دخل الثلاثين منذ فترة.في الأساس فكرة الزواج ليست مدرجة ضمن قراراته المستقبلية لحجم المسؤولية التي سيقع فيها ناهيك عن قلقه في أن يأتي يوماً للعمل و يجتمع مع المتزوجين في دائرة ويولول ويشتكي معهم كأن حياتهم غير قابلة للتجديد والتغيير.فلمَ عليه تعقيد حياته أكثر مما هي معقدة؟.ودع عاملة الإستعلامات الشابة التي شيعته عيناها الخضراوان مبهورة بوسامته حتى تلاشى من أمام ناظريها.وكيف لها أن لا تفكر به وهو الرجل الوحيد في مركز الشرطة الذي يملك وسامة وكارزما تسلب العقل والقلب سوية.
عادَ منهكاً لمنزله الفسيح وعوضاً عن أخذ قسط من الراحة،خلعَ سترته وتناول كومة القمامة الملقاة بلا إهتمام على الأرض والأرائك وراح يمسح ويكنس الأرض متذمراً من تكرار هذا يومياً شاكياً لامبالاة من يعيش معه سائماً من تصرفاتهم الطائشة اللاإحساس لها ولاشعورٌ بالمسؤلية كما هو حال شباب هذا اليوم
"هل سأقضي يوم العطلة بالكنس والطبخ..كم هذا متعب ..لابد من إيجاد حل ..لن أقوم بهذه الأعمال كل يوم وحدي "
تذمر وأستوى جالساً على الارض قرب المنضدة يفكر في كيفية قضاء عطلته..تكرار الفوضى بالدقائق يسلب راحته وعلى هذا المنوال لن ينعم بالراحة والهدوء
"خادمة ..نعم إنها فكرة ممتازة ستريحني من هذه المشكلة "
صعد إلى غرفته وباشر بتنفيذ فكرته بوضع إعلان عن طريق الإنترنت مثبتاً الشروط اللازمة للفوز بهذه الوظيفة.ثم تمدد على السرير وأخذ يبحث في هاتفه عن آخر الاخبار وأستقرت عيناه على نبأٍ عاجل ورد تواً مفاده إنقلاب شاحنة!..وهو يقرأ الخبر تمثلت صورة أخيه في مخيلته وتقلص وجهه وزاوله القلق والخوف والوساوس،وليطمئن إتصل بأخيه ولا من مجيب يهدء حاله.
وصل لمكان الحادث قرب أحد الجسور وجمع غفير من الناس محتشدين يشهدون حدثاً مهولاً ألا وهو إنقلاب شاحنة ضخمة ينبأ حالها الفضيع عن موت محتم لصاحبها.حاولَ عبور الشريط الاصفر الموضوع من قبل الشرطة لمنع المدنيين من الإقتراب وجوبه بالمنع.إحتج الأخير معللاً فعلته بأنه محقق فيدرالي وهناك إحتمال كبير أن أخاه هو صاحب الشاحنة ليأتيه الرفض القاطع مجدداً وحتى يُسمح له فعليه إظهار هويته الدالة على مهنته وكان قد نسيها في المنزل وعليه الآن إيجاد طريقة يكتشف فيها هوية صاحب الحادث.لاطريقة إلا بسؤال أحد المحتشدين وأتاه الرد بأن الشاب نُقل قبل لحظات إلى المستشفى وحالته حرجة جداً ليشق طريقه إلى هناك راجياً أن لا يتحقق ما بذهنه.
في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وداخل مبنى سكني إنبعث صوت تراطم قطرات المياه الغزيرة على أرضية الحمام خارج شقة صغيرة أعطى حركة يكاد يسمعها كل من في الخارج.بعدها توقفت الحركة بشكل نهائي وعاد السكون الذي قطعه هذه المرة صوت نشاز لفتاة بفستان نوم زهري قصير وهي تردد مقاطع أغنية حفظتها حديثاً بعد حمام منعش صاخب.قابلت مرآتها المربعة الشكل وأخذت تسرح شعرها الذهبي الطويل وتفكر بأحداث يومها السعيد بلا ندم أو شفقة تجاه من حطمت فؤاده.إنطفئ النور فجأة وحل الظلام..أرتبكت وأسقطت مشطها ثم تحسست يمينها تبحث عن هاتفها مقررة إكتشاف الخلل في الكهرباء..
"ماذا الآن ..ماخطب الكهرباء معي"
تذمرت ثم تنهدت..آخر مرة تكررت فيها الحالة كانت منذ قرابة شهر وأعلمها عامل الكهرباء أن الخلل في الأسلاك وعمل على تبديلها فما المشكلة هذه المرة؟!.
"أين هاتفي اللعين وضعته بقربي أنا متأكدة "
أنهت جملتها مع رعشة قوية أصابت بدنها من شيئ ما أحسته يتخلل شعرها..فماهو !! لم تُلق بالاً ونهضت فوراً تتخبط في الظلام عازمة على النوم حتى حلول الصباح وحينها ستكتشف الخلل.عاودتها تلك الرعشة وأزدادت قوة أعقبتها صرخة مدوية حين سُحب شعرها من الخلف..إلتفتت خلفها تسأل مرتجفة
"ممم...من أنت "
"أنا الشيطان "
أجابها الصوت الشيطاني الباعث للروع ثم أستمعت جدران الغرفة لآخر صرخة من قاطنتها الشابة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro