الشيطان2الفصل السادس
1
إجتمع فريق المحققين داخل المكتب السابق لثيو بعد رحلة إستكشاف دامت حتى الساعة السابعة مساءً وقد انهكوا جميعا؛ فثيو نقب في كل ركن وزاوية آملاً إيجاد قرينة تساعده في القضية المتشعبة ويمكن القول إن جهده قد أتى أُكله، إذ عثر أثناء نبشه وبجهده الخاص الحفرة التي دُفنت فيها الضحية الأخيرة "جوزفين" في مزرعة الرجل العجوز، على زر ملابس كروي الشكل، أسود اللون داخل كتلة طينية قام بوضعها في كيس بلاستيكي وأرسلها بيد العميل كليرك إلى المختبر الخاص حيث ستخضع للفحص ثم عاد أدراجه مع بقية فريقه مكتفياً بنصيبه.
سائماً من تلقي الآراء المكررة البائدة، طرح أخيراً سؤاله بنبرة متشككة
"ألم يخطر لكم أن القاتل يمكن أن يكون شخصاً مضطلعاً بكل فنون القتل؟"
"أتعني أن يكون شخصاً واحداً؟"
سأله المحقق لوثر في المقابل بنية الإستفسار
،فأجاب متلقيه
"نعم..لننظر إلى القضايا من زاوية واحدة وهي إن جميع الضحايا حتى الآن من فئة المراهقين..آلا يعني هذا إن المجرم واحد وأنه مهتم بالذات في هذه الفئة الضعيفة..هل منكم من يوافقني الرأي؟"
أطرق الثلاثة يفكرون بعمق ليدلي بعدها المحقق لوثر برأيه مستبقاً العميل كليرك الذي سمح له عن حسن سلوك بأن يبادر..شكره بإيماءة وباشر بطرح فكرته
"قد تكون على صواب في معتقدك هذا لكني أملك رأيا آخر قد يخيب وقد يصيب..ماذا لو كان عملاً جماعياً محترفاً هدفه الوحيد تطهير المراهقين؟!.."
"أتعني مجموعة قتلة أوغاد يشتركون بنفس الرغبات والميول؟"
سألته العميلة مورين مستفسرة فأجاب بنبرة متشككة كذلك
"لمَ لا..إنه إحتمال فمن المستحيل إنتشار عمليات القتل كالنار في الهشيم ويكون منفذها رجل واحداً"
"إلا إذا كان يمتلك قدرة خارقة من نوع ما..أو مساعد"
علق العميل كليرك وساد الصمت مجدداً..صمت يحمل بين طياته تحدي وآمال كبرى من جانب المحقق لوثر الذي يعتبر العمل مع منافسه سباق لا بد أن يتفوق فيه
"حسناً..سنكتفي لهذا اليوم، وتذكروا سواءً كان رأيي أم رأيكم فسنلقي القبض على القاتل أيا كان جنسه ام انتمائه لا محالة"
شعر المحقق لوثر ان منافسه يميل لرأيه دون اعتبار لأرائهم فقال من جوفه متقززا
"لا أريدك ان تعتد برأيك كثيرا سنتبين صواب الرأيين عند نهاية المهمة"
إستوعبها ثيو فوراً وعقب على كلامه
"يؤسفني إنك تأخذ الأمر بجدية تامة وتوجهه نحو مهمتنا وتعتبرها سباق مهني شخصي مبني على الربح والخسارة.."
سكت لبرهة وتابع منفعلاً
"عليك أن تدرك إن سباقنا الوحيد هو مع القاتل..بينما نحن هنا نتشاطر آرائنا ونضمر الأحقاد دواخلنا..هناك عمليات قتل تجري الآن يقوم بها ذلك الحقير أو أياً يكن عدد القتلة.. أتدري كيف يهزم الشر الخير؟..دعني أخبرك كيف..يهزمه حين تنفرط جموعنا وتتغلغل أفئدتنا بالحقد والغل..لذا بعيدا عن مشاعرك الخاصة تجاهي, تخلى عنها وركز على المهمة وإلا فشلنا فشلاً ذريعاً وتغلب علينا الشر..وإن كنت مصمماً على عدم الانصياع والسير وفق احقادك فليس لك مكان بيننا"
جاءت عبارته الأخيرة في منتهى الصراحة والخشونة فقد سئم التعامل مع شخص لا يراه سوى منافساً وعدواً لدوداً ينبغي سحقه لذا كان عليه فض النزاع قبل تفشيه فيما حبس كل من العميلين كليرك و مورين أنفاسهما وترقبا الآتي مفترضين حدوث مباراة قتالية بين الإثنين نظراً لما قيل.شعر المحقق لوثر بالإحراج؛ فكل ما قيل كان صحيحاً لا غبار عليه وشعر بتناسيه هدفه الأسمى وأنجراره خلف نزواته الدفينة سنيناً عديدة وأكتفى بالصمت حيث اعتبره ثيو كإشارة رفض لمقترحه ثم وزع مهامهم التالية التي نصت على تولي كل من العميلين كليرك ومورين مهمة إستجواب تجار المخدرات ومروجيها بمساعدة وحدة مكافحة المخدرات والبقاء على اتصال مع الوحدات الأخرى المشرفة على قضايا المراهقين الأخرى فيما ستقتصر مهمته و المحقق لوثر على استجواب أهالي الضحايا وأقربائهم وأصدقائهم وكل من له صلة بهم سواء عن قريب أو بعيد ولفتته المتعمدة بإتمام الإستجواب مع زميله ما هي إلا لتوطيد علاقتهما وتعلم العمل المشترك.فهل سيتقبل لوثر هذه اللفتتة الجميلة أم ستعد شياطينه خططاً فاسدة للمستقبل؟.
في وقت لاحق، عاد الجميع إلى منازلهم للراحة بعد يوم عصيب بإستثناء ثيو الذي قرر متابعة قضيته السرية بعيداً عن معرفة زملائه وأتصل بسنيك الذي أعطاه مسبقاً رقماً خاصاً يتواصلان عن طريقه، وطلب منه قطع طريقه سيراً مبتعداً قدر الإمكان عن المركز حتى يأتيه من يعصب عينيه ويقتاده إلى حيث سيبدأ مهمته.لم يلتقي به هذه المرة بل التقى نيابة عنه، مساعده الآسيوي القصير السمين، وأعقبه ذلك لقاءً آخر بالطبيب المشرف على القتيل الذي بدا له كأنه أحد أفراد المجموعة الغريبة المجهولة بطريقة كلامه وأسلوبه المتسلط وظنه طبيباً مزيفاً لكن الأخير لاحظ عدم إهتمام المحقق به وأحس بالإنطباع الذي كونه عنه فقال مؤكداً هويته بأنه طبيب حقيقي مكتفياً بإطلاعه على المهم فيما وجده.خلال التشريح عثر على نسبة مخدر هيروين كبيرة كما وجدت في أجساد الضحايا الآخرين، وعثر أيضاً على حمض نووي لشخص آخر على ظاهر يده اليمنى وقد كان دماً متخثر من فصيلة "+B".
حين رفع الطبيب يد الضحية اليمنى لاحظ ثيو إن جلد منطقة القبضة متشقق كأنه إستعملها في لكم أحدهم وإن كان هذا صحيحاً فمن هو ضحيته؟.توجه إنتباهه فوراً إلى الضحية المدعو "جيس ساندرز"وبالتحديد على أثر قبضة تلقاها قبل موته على عينه اليسرى وكون إستنتاجه في إحتمالية وجود علاقة ما تربطهما وهذا يعود به إلى نفس السؤال..إن كان هذا صحيحاً فكيف يعرفان بعضهما؟ومالدافع خلف تضاربهما؟ومن قتل من؟حيرته كثرة الأسئلة وفورت أعصابه..ثم إهتدى إلى إسنتاج وإحتمالية أخيرة وهي وجود طرف ثالث ساهم في عملية القتل..لقد أمسك طرف الذيل وعليه الآن تأكيد شكوكه واستنتاجاته.
2
عاد إلى منزله منهكاً وسابقته قدماه إلى الغرفة لولا أن استوقفه مشهداً فريداً من نوعه أثار قلقه؛ ليس من عادة ديلان تجاهل عودته دون إثارة صخب وتساؤلات كثيرة حوله.إقترب منه متوجساً خيفة من هيئته الغريبة إذ بدا له كأنه عراف يستحضر روحاً ما.كان الرجل متربعاً في جلسته على أرض الصالة متصلباً بلا أدنى حركة رافعاً رأسه إلى السقف، مغلقاً عيناه، ومقطباً حاجبيه، منظراً أثار فزعه حقاً..هل هو بوعيه أم ماذا؟تساءل ثم إقترب وهمس باسمه مراراً وتكراراً ليتلقى رداً بأن أخفض رأسه ببطئ وفتح عيناه الجاحظتين ليقول معترضاً بحدة
"غريس تمتلك حبيباً"
إرتد ثيو إلى الخلف غاضباً وصرخ فيه
"أفزعتني يارجل ظننتك ميتاً أو ماشابه..تباً لك..أتدري كم الساعة الآن..إنها الثانية عشر..يعني منتصف الليل وأنت رابض هنا بهيئتك الغريبة ثم تقول بأن غريس لديها حبيب وإن يكن"
إنتبه لكلمة حبيب وتلكأ مدهوشاً كأن الإيعاز وصله تواً
"مهلاً..أحقاً ما تقول..هذا رائع"
تلقى نظرات حاقدة ثاقبة من صديقه وتنحنح معتذراً ثم أردف ليزيد الطين بلة
"إنها ليست من نصيبك ..لا يمكنك إجبارها على حبك"
نهض الغاضب من مكانه وأحتج
"لماذا..مالذي فعلته لها ..كيف لها أن لا تحبني
ثم إنها بصقتها في وجهي لو تعلم غير مبالية بمشاعري "
وقد حدث هذا حين عادا من مركز إعادة التأهيل حيث وجدها فرصة مناسبة لتجريب حظه متأملاً خيراً لكنه صعق حين تلقى رفضاً قاطعاً مطعماً بكلمتين أثارتا جنونه وغضبه "لدي حبيب"!.
"هل كانت جدية حين بصقتها كما قلت؟"
سأل ثيو مستفسراً وأجاب صديقه بنبرة أخف من سابقتها
"نعم..كانت جدية لم ارها بمثل هذه الجدية والصراحة من قبل ..لقد آلمت قلبي لا أستطيع التصديق"
"ديلان إنها فتاة حرة بإختياراتها ولا يمكنك أبداً فرض سلطتك عليها..دعها تعيش حياتها وتختار من يميل قلبها إليه..إلا الحب يا ديلان..إن لم يكن بإختيارك وبموافقة الطرفين فأستسلم للنتائج"
علق ديلان ساخطاً"وماأدراك بالحب أنت؟"
أرخى ربطة عنقه السوداء وأجاب باسماً
"لأن لدي من أحبه ويحبني على عكسك"
علق ديلان مجدداً مستهزئاً"أتمازحني ..أنت؟!"
"أجل أنا "
تبدلت ملامح صديقه للدهشة ودنا منه يريد التأكد
"كيف..هل إلتقيتها حين كنت مسافراً ..ولمَ لم تطلعني على هذا النبأ السعيد؟"
أجاب مركزاً على ردة فعله"خبأتها كمفاجأة"
"ومن هي؟"سأل متحمساً ليرقب ثيو وهو يتركه مقترباً من السلم..إلتفت إليه لاوياً شفتيه يسخر من سذاجة صديقه وقال
"أنت تعرفها"ثم هرول لغرفته وهو يقهقه بصوت عالي تاركاً ديلان يفتش في ذاكرته عن إجابة لسؤال صديقه ولما عثر عليه رفس الأريكة ساخطاً هائجاً إذ تذكر رواية بوليسية كان قد أحبها بشدة وأعترف له بهوسه بها أنذاك.ها قد تعرض للخداع مجدداً وعزم على الثأر.ثم تذكر غريس مجدداً و أشتعل وجهه إحمراراً لترتسم إبتسامة ماكرة متوعدة بشئ لا يعرفه أحد سواه.
اليوم التالي..
إحساس مشؤوم جثم على صدره وهو يقف منتظراً الآنسة سكارليت أمام غرفة المعلمين؛فهو لم يرها أو يسمع لها حساً منذ الصباح أيعقل أن الصدمة كانت كبيرة بما يكفي لتجعلها تغيب عن المدرسة!وليتأكد سأل المدير الذي خرج من الغرفة وأخبره إن الآنسة سكارليت أخذت إجازة لهذا اليوم فقط وستباشر في الغد.إذاً إنها مصدومة حقاً وكيف لا تكون والمرأة التي سيتزوجها والدها هي والدة الساحق كارلوس من دمر حياتها بأيام معدودات مذ حصولها على الوظيفة. قررت لحظتها أن لا تناقش والدها في إختياره فهو لم يكن مدركاً لطبيعة إبنها الشاذة لا سيما إنه يحبها فمن هي لتفسد سعادته، ورضخت للواقع متمنية أن لا يصطدم معها مجدداً إحتراماً لعلاقة الوالدين وأكتفت بما قاله والدها لها وهو يحتظنها حين دخل غرفتها للإطمئنان عليها الليلة الماضية
"لا تقلقي أمثاله يُعاقبون في النهاية"
"من سيعاقبه يا أبتي ..لا أحد ..لا أحد على الإطلاق وسيستمر هو وأمثاله في مضايقة الآخرين"
"مسكينة والدته لإنجابها مثل هذا الأبن الوقح.. إنها تعاني بسببه وأنا متأكد بأنه سُيعاقب وسيحظى بنهاية تلائم أعماله الوضيعة..
سترين"
في طريقه إلى صفه لمح الساحق كارلوس من بعيد وهو يرسل إليه نظرات متوعدة قاتلة وشعر بالندم لقبوله التسوية بضغط من أخيه ووالد الآنسة سكارليت منعاً للمشاكل.تجاهله ودخل إلى صفه، ألقى بحقيبته على كرسيه ودنا من رايلي التي كانت تتصفح كتابها وتنحنح مثيراً إنتباهها.رفعت رأسها وقالت بجفاء محاولة التخلص منه بعد أن أحست به
"أتركني وشأني موريس لا مزاج عندي لترهاتك"
"مزاج..تمزحين ..كلما رأيتك تكونين في مزاج سئ..خذي إستراحة قصيرة وخففي من التوتر ليتحسن مزاجك..إنه مضر للصحة"
صفقت كتابها بقوة ونظرت إليه شزراً..ماخطب هذه الفتاة إنها غريبة جداً..همس لنفسه وهو يتلقى نظراتها ثم دخل في صلب الموضوع
"شكراً على مساعدتك بالأمس..رأيتك مختبأة وعرفت أنها أنتِ..أقصد من جاءت بالشرطة"
"أنت دقيق الملاحظة، لم أتوقع أن تراني.." سكتت منبهرة بحدة بصره ثم أردفت بذات اللهجة
"حسناً لقد وفيت بديني لن أساعدك مجدداً"
"لماذا إختبأتي مني؟"
"لكي لا أرى وجهك وأسمع ترهاتك هيا دعني وشأني"
تبسم لها متجنباً الادلاء بتعليق وعاد لكرسيه لتبدأ الحصة.مرت حصتان شعر فيها بالضجر فأخرج هاتفه ليلعب لعبته متجاهلاً إشعار رسالة وردته من شخص ما ثم ما لبث أن خسر اللعبة حين اتصل أخاه الأكبر وتعمد تجاهل إتصاله مواصلاً اللعب ليتصل الأخ مجدداً بإلحاح ولم يستطع إلا أن يرد عليه متذمراً لكن أخاه لم يفسح له مجالاً لقول شئ إذ بادره بأن ألقى على مسامعه صدمة إقتلعته من مكانه. إنتبه صديقه المجاور لتصرفاته وسأل قلقاً
"هل من خطب..لا تبدو بخير"
نطقها بصعوبة والدموع تهطل من عينيه فيما كان الهاتف ينزلق من يده "ق..قتل أخي الأصغر"ثم خرج من صفه يتعثر في طريقه ليلحق بإخوته إلى مركز الشرطة.
يتبع..
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro