Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الشيطان2 فصل11

P11
في قلب أحد الأماكن الخطرة،تواجد صديقين يافعين
أحدهما بدين والآخر نحيف في تناقض مضحك يمخران في الوحل بحثاً عن مساكن النمل الناري الأحمر المعروف بلسعته الشديدة للإنسان التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت.من الهوايات الغريبة المشتركة بينهما من بعد لعبة البلياردوا التي وجدا فيها متعة خاصة وخيالاً كما الأفلام..إذ كانا يتصوران نفسيهما وبفعل قوى خارقة من ملكة النمل يتحولان لنملتين صغيرتين ويعيشان حياة النمل المليئة بالصعاب.بغض النظر عن سخافة أفكارهما وآمالهما الكبرى المستحيلة الحدوث التي يضحكان عليها بإستمرار إلا أنها تشكل لهما مهرباً من واقعهما الرتيب وعلى وجه الخصوص الدراسة المنهكة.

في ليلة الأمس إتفقا على مقاطعة المدرسة لبعض الوقت وزيارة الغابة التي قاطعاها لفترة طويلة والإستمتاع معاً.تتبع البدين مسار النمل بعدسته المكبرة إلى حيث يسكن بينما تركه صديقه وانشغل بتصوير المناظر والأشجار..راقب كيف إنسل النمل داخل تلة كبيرة ثم خرج بعد إن وضع حمولة الطعام المختلف الأنواع وسلك طريقاً آخر حتى أختفى بين الحشائش.بحث عنهم الفتى وهو يلهث لمجهوده البدني الكبير فلفت نظره حلقة حديدية كبيرة مطمورة بالطين.نادى صديقه الذي إقترب للموقع بسرعة وأخذهما الفضول فقاما بجرف الطين بقطعة خشبية وجداها قربها لتحدث المفاجئة التي لم يحلما بها.كانت الحلقة عبارة عن مقبض يفتح باباً حديدياً فوق الأرض.حدقا ببعضيهما مذهولين وقررا رفع الباب سوية.ركع صديق البدين ووجدَ سلماً خشبياً يؤدي إلى الأسفل وبكل شجاعة عزم على النزول وإكتشاف نهايته.

"أخشى أن يكون المكان خطراً أرجوك لا تنزل..ربما يكون مخبأً لقاتل"
توسل البدين ليجيبه صديقه الذي جمح بخياله
"لا تقلق لن أفوت فرصة كهذه..ربما اكتشفُ كنزاً "
"أو..أو..ربما قاتل مهووس كما في الأفلام..أرجوك أنا خائف جداً..دعنا نعد أدراجنا لم أعد أرغب بمراقبة النمل..هيا"
"لا..سيكون هذا أفضل سنعين الشرطة كما ساهمنا في إكتشاف الجثة من قبل..إن كنت خائفاً فأنصحك بالإنتظار هنا..سأنزل"

علق كامرته برقبته وتسلق السلم للأسفل بينما جثا البدين يراقب صديقه خائفاً وهو يشق طريقه نحو المجهول المظلم..
"ماذا وجدت؟"صاح والعرق بدأ يتسرب على جبينه
"أشتم رائحة نتنة والمكان مظلم بعض الشئ..سأنيره"
نادى البدين مجدداً بعد صمت صديقه ليأتيه صوته المتقطع المهزوز"ماهذا..اللعنة..يا إلهي..يا إلهي إنها..إنها"
"إنها ماذا..ماذا رأيت..أرجوك أخرج فوراً"أمره البدين
ولم يتلقى إجابة..نادى مراراً وتكراراً حتى قرر النزول بشجاعة لم يعهدها من نفسه..تشبث بأولى الدرجات بصعوبة لتأتيه صرخات محذرة
"ماكس أهرب يا صديقي.. أهرب..أهرب..إبتعد..
لا..لا..أرجوك"وخمد الصوت..

رفع البدين ماكس جسده إلى ألاعلى وتعثر حتى سقط إلى الخلف حائراً مصدوماً..مؤكد أن صديقه لا يمزح..إنها ليست مزحة البتة لو كانت كذلك لميزها! وتغلب الخوف على شجاعته القصيرة وجمع أغراضه وركض كما لو أنه لم يركض من قبل.بعد حين وفي مركز الشرطة القريب من الغابة،أصغى الضابط الخمسيني بإهتمام شديد لإفادة الفتى الذي أخطر الشرطة بالواقعة المؤلمة التي ألمت بصديقه العزيز وبإكتشافهما العظيم لمخبأ قاتل كما صُحت توقعاته،
وكان الضابط بصفته المسؤول الكبير لشرطة مقاطعة(...) قد ذهب شخصياً للموقع وتوغل داخله وقد كان عبارة عن قبو أرضي صغير يشبه زنزانة قميئة وتفحص المكان جيداً مع فريقه حيث عثروا على جثة فتاة معذبة منحور عنقها وعلى الفتى الجديد المخنوق بقلب بارد.كان يتفرج على المنظر البشع وهو يتناول شطيرة النقانق بالمايونيز كأنه في فلم فالرجل متخم من هذه المشاهد حتى صارت شيئاً معتادً عليه طيلة سنواته الثلاثون في الخدمة.ولما أنهى إلتهام شطيرته،وجه أوامره الصارمة لرجاله بعدم مس الدلائل أو الجثث حتى مجئ الجهة المسؤولة عن قضايا إبادة المراهقين التي هزت البلاد حديثاً لإستمرارها الغريب لكن من ستكون الجهة المحظوظة بهذا الإكتشاف؟!سابقاً صدرت أوامر من الجهات العليا بضرورة التعاون مع كافة أجهزة الدولة للإعانة بالقبض على القاتل أو القتلة كما دلت الدلائل وهو مرغم الآن بإتباع القوانين وتبليغ الجميع ومن بينهم صديقه المقرب الذي وعده بأن يكون أول العارفين بالمستجدات لذا إتصل به وطلب منه الحضور قبل أي شخص آخر.

الساعة الحادية عشرة وخمس وأربعون دقيقة صباحاً والشمس شحيحة التوهج حتى تشعر بأنك في فترة الزوال،وما يزيد الجو سوداوية وكآبة الحي الصغير الذي يمتاز بهدوءه الموتر المخيف ومنازله المصفوفة جوار بعضها البعض المشيدة على طراز واحد قديم من الآجر الأحمر إلا منزل واسع فسيح منفرد عن جيرانه  يقبع في آخر الحي.كان من اليسير العثور عليه نظراً  للطبيعة المميزة للبناء.أما عن قاطنيها الساكنين في أماكنهم فكأنهم تماثيل متحجرة أو دمى بلاستيكية كمدينة الدمى الشائعة في الأفلام أو..

"كأن الزمن توقف في هذا المكان!"
علق ثيو وهو يتطلع إلى الوجوه الواجمة وتنسم الهواء  النقي الذي أنعشه ثم أردف مدهوشاً
"عجباً كيف يميز الفرد منزله عن الآخر؟"
"إنها مرقمة..أنظر إلى الألواح المعلقة على الأبواب"
وضح لوثر وهو يشير بيده إلى الأرقام ومط ثيو شفتيه متفهماً
"أعجبني المكان إنه يساعد على التأمل"
"بل على الانتحار..لو بقيت هنا أكثر فسأقتل نفسي قطعاً..جميعهم كبار في السن..هل نحن في مدينة العجائز!"تبرم لوثر ثم مسح ذراعيه مقشعراً وواصل
"يا إلهي بدأ هذا المكان يوترني"
"ولا تنسى أن من سنستجوبها هي إمرأة عجوز"
ذكره ثيو بالحقيقة المرة عمداً وأغتاظ زميله
"اللعنة..أتصورها وهي تلوك في الكلام كالمعزة..إن لم تتحدث جيداً فسأرتكب جريمة بحقها"
قهقه ثيو ثم ربت على كتف زميله"على رسلك لديك إنطباع سئ عن العجائز..وفر أعصابك حتى نلتقيها"

طرق لوثر الباب الأبيض طرقة قوي وخرجت إليهما عجوز قصيرة ذات وجه عبوس مترهل الجلد وشعر رمادي معقود على شكل كعكعة مدورة ترتدي مئزر طبخ أزرق ورمقتهما في تساؤل وريبة.أخرجَ لوثر هويته وقبل أن يعرف عن نفسه وزميله،أشرعت لهما الباب ودخلت بلا أي كلمة تذكر.فهما إشارتها ولبيا الدعوة الغريبة بلا تعليق.ولجا لصالة ذات أثاث بسيط وجلسا قرب بعضهما على أريكة حمراء صلبة تألما منها صامتين.ذكرت رائحة البسكويت التي تعبق في الجو لوثر بطفولته يوم كان يقضي جل عطله في منزل جديه حيث إعتاد على مساعدة جدته في تحضير البسكويت أما ثيو فكان متلهفاً لتذوقه حتى أنه قرر دعوة نفسه إن لم تبادر هي.تأخرت عشر دقائق وعزم لوثر على تذكيرها لربما نسيت وجودهما،ولما تحرك من مكانه خرجت من المطبخ وهي تحمل صحناً يحوي بسكويتاً حاراً وضعته أمامهما،وسارع ثيو لإلتقاط أول قطعة بلا إحراج كطفل نهم وقضم قضمته وتبعثر الفتات على فخذيه.إنتبه إلى وجه زميله وقرأ عليه علامات الإستهجان ثم حول نظره إلى العجوز التي راحت ترقبهما بعينين مترعتين كآبة.

"آسف على قلة أدبي"مسح فمه بالمنديل وإبتسامة عفوية تجمدت على فمه..
"لا داعي من الجيد بأنكما أتيتما لتأكلاه معي"
"آلا يشاركك أحفادك؟"سألها جاداً بعد زوال إبتسامته
"من كانت تشاركني في صنعه وألقضاء عليه دفعة واحدة رحلت "أجابت بطريقة آلية
"رحمها الله..لا بد أن الأمر شاق عليكِ"آزرها
"سيدتي أظنك تملكين فكرة عن سبب تواجدنا هنا فهلا أجبتي على أسئلتنا"وقبل أن يسمح لها بالرد إسترسل

"هل كانت حفيدتك تملك أعداءً أو أشخاصاً حاولوا أذيتها بشكل ما..هل أسرت لكِ يوماً عما يضايقها أويزعجها..أرجو أن تفيدينا بما تملكينه من معلومات"
باشر لوثر طرح أسئلته فيما يخص الضحية الأخيرة في قائمتهم قبل سلوك مهمتهم مسلكاً آخر كعادته

"ليس على حد علمي..جوزفين كانت فتاة صالحة ومثابرة ولكن حياتها إنقلبت بشكل مأساوي بعد إنفصال والديها قبل تسعة أشهر..تأثرت بشدة وأنعزلت عن العالم..كانا والدين سيئين وأنانيين..لم أحسن تربية ولدي..آه..كان الأمر شاقاً علي بأحتضانها..أتعبتني كثيراً"إشتكت بألم

"لا تلقي باللوم على نفسك..نحن نولد أطهار في الحقيقة لكن المجتمع والمتغيرات من حولنا تفرض علينا أطواقاً تحولنا إلى كائن آخر"آزرها ثيو مجدداً
"كيف تأثرت..هل لجأت إلى المخدرات والكحول؟"
واصل لوثر

"وأصحاب السوء كذلك..في بعض الأوقات كانت تترك المنزل وتمرح معهم هنا وهناك وتبيت عندهم والله وحده يعلم ما كانوا يفعلونه وأنا مللت من إسداء النصح والوعظ.تصور عندما أتصل بوالديها فأنهما لا يبديان إهتماماً أو ردة فعل كأنها ليست إبنتهما حتى إنهما جهلا موتها إلا متأخراً.أخفيت الخبر كعقاب لهما وكأنهما قد تأثرا أو شعرا بتأنيب الضمير.."هزت رأسها يائسة وتابعت"وللأجابة على سؤالك أيها السيد فأنا لا أعلم إن كان لها أعداء..أنصحكما أن تقابلا زملاءها في المدرسة ربما يملكون معلومات أكثر مني..في النهاية لم أحسن حتى تربية حفيدتي"

"ماذا عن أقاربكم..أيمكننا معرفة عناوينهم؟"سألها ثيو
"أقرباءنا؟..نعم سأزودكم ببعض العناوين رغم أنهم ليسوا على صلة وثيقة بنا..ولكن تحسباً..نحن لا نعرف ما يخبأه لنا القدر أليس كذلك؟"
"تمام الصحة..سيدتي..هل بإمكاننا رؤية مقتنايتها الشخصية..مثل تفحص هاتفها والبحث عما يمكننا الإستفادة منه"
"بشأن هذا.."توقفت..تحسست ثلمة رقبتها بأصابع متوترة لاحظها ثيو وعلم أن ثمة شئ مريب حيال  حركتها المألوفة التي ربما قد يعتبرها البعض عفوية لكنها سلوك يشير إلى شعور المرء بالخوف أو القلق أو الحزن من شئ ما لذا عمد إلى سؤالها لإثبات توقعاته
"هل تشعرين بالقلق سيدتي؟"
"والخوف أيضاً..خائفة أن يعود ذلك الشخص ويؤذيني أنا لا أعرف ما فعلته جوزفين ويحتمل أنهما على صلة ببعضهما وإلا ما أقتحم المنزل"
"من هو..ولمَ أقتحمه وهل آذاكِ؟"أطلق لوثر أسئلته كالرصاص متحمساً
"في تلك الليلة وأعني بها الليلة التي دمرت حياة حفيدتي أخبرتني بذهابها لمشوار لم تأتي على ذكره ربما تحفظاً منها فقد أخذت تكتم عني الكثير من الأسرار لحظة إنفصال والديها وكالعادة علمت بأنها سترافق أولئك الحمقى في مشاويرهم الدنيئة..ولقلة حيلتي سمحت لها بالذهاب كانت ستذهب حتى لو منعتها لطالما كانت تفعل هذا..شئ ما همس في داخلي وطلب مني الاتصال بها لأطمئن على حالها وفعلت..لم تجبني بل أجابني رنين هاتفها الذي إستمر بالرنين طيلة الوقت الذي كنت أتصل به.كنتُ أمني نفسي بأن لا يكون هاتفها هنا وقد كان كذلك.أخذته من على طاولة المطبخ حيث تركته ووضعته في غرفتها وخلدت إلى النوم لأستيقظ بعد حوالي خمس ساعات وكانت الساعة الرابعة والنصف على صوت صرير باب غرفتها.كان يصدر صريراً مزعجاً ونسيت إستبداله بآخر..إطمأن قلبي بعودتها وعدت لنومي لكني إستيقظت بعد عشر دقائق على ذات الصوت وقلت في سري أين ستذهب من جديد لذا نهضت بتكاسل وتوجهت لغرفتها وصدمت لما رأيته..لم تكن هي..لم تكن حفيدتي بل كان رجلاً بملابس سوداء يرتدي قبعة رياضية ونظارة كبيرة سوداء تغطي عينيه بالكامل..كانت غريبة لم أرى مثلها من قبل ويغطي نصف وجهه السفلي قطعة قماش عسكرية"

"وما كان هدفه من إقتحام الغرفة؟"إستفسر لوثر من بعد إسترسال العجوز في قصتها
"فور رؤيته لي هرب من النافذة وأتصلت بالشرطة ثم تفقدت الغرفة ولم أعثر على هاتفها ولا على المسجل الصوتي الصغير الذي كانت تسجل فيه يومياتها..أليس هذا غريباً؟ ماهي أهميتهما عنده؟"

إجابته تكمن لدى المحققين اللذان راحا يبحلقان في وجه الآخر بطريقة لا يفهمها غيرهما.إنه بلا شك قاتل واحد لكل الضحايا الثلاث أو الأربع بإحتساب القضية السرية لأودين.وإختفاء الهواتف الشخصية للضحايا أقوى دليل.
"كيف كان مظهره الخارجي سيدتي؟"سأل ثيو وراقب حركات يديها بإهتمام وهي تصف الرجل

"كان متوسط القامة..عريض المنكبين مع إنحناءة أمامية..أوحى إلي مظهره في أنه ليس بيافع بل مابين الأربعين أو الخمسين وشئ آخر مميز لاحظته بوضوح شديد كوني دقيقة الملاحظة خاتم حول سبابته اليمين..فيه رأس شيطان..يا إلهي الرحيم ألطف بنا" 

أُضيفت معلومة غريبة جديدة في سجل التحقيقات العقلية لكليهما ثم شكراها على تعاونها بلطف ولم ينسى ثيو أخذ قطع من البسكويت اللذيذ الذي كدسه في جيب بنطاله الأسود
"أتريد واحدة؟"عرض قطعة على زميله وهو في طريقه إلى السيارة وظلت معلقة في الهواء حتى حشاها في فمه وقال وهو يلوي شفتيه إمتعاضاً"أنت الخاسر"
"أنت غريب وتصرفاتك غير متوقعة"
أبدى لوثر إستغرابه وهو يرمقه بنصف عين ليعلق ثيو على كلماته بتأن
"أنت لا تعرفني جيداً سيد لوثر..أنا بداخلي طفل نهم..نهم لكل ما هو لذيذ وغامض"

فور جلوسه على المقعد الأمامي إتصل به كليرك وأخبره أن يؤجلا ما سيقومان به لوقت آخر وأن عليهما العودة لمركز الشرطة بأسرع وقت ممكن للقيام بعمل ضروري ومنعه عن طرح أية أسئلة كأنه هو رئيسه!.

"حصلنا على معلومة من زملاء جوزفين تفيد بأن الضحية كانت ترافق فتاة من خارج المدرسة وتبيت عندها في بعض الليالي،وشاءت المصادفة أن تكون الفتاة حبيبة أحد مروجي المخدرات الخطرين"قال كليرك بعد إن وصل المحققَين للمركز وسأله لوثر مقطب الجبين
"أقمتم بإستجوابها؟"
"كلا المهمة لكما وسأكتفي ومورين بمتابعتكما"
"ولمَ هذا فجأة!"تساءل ثيو في عجب

"لأننا سنردى قتلى فور دخولنا الحي الذي يقطن فيه المروج..لقد تغلغلنا بينهم متنكرين في إحدى المهمات وتم إكتشافنا ورجاؤنا الآن أن لا ترتكبا خطأً فادحاً كما فعلنا"

عقبت مورين وهي تشير إلى مهمتها السابقة مع زميلها كليرك حيث أوشكا فيها على الموت لولا مهارة كليرك في تسديد الضربات عشوائية وإسقاط عدد منهم

"ولكن منظرنا يوحي بأننا من الشرطة..هذا واضح جداً علي"صرح ثيو وهو يشكل دوائر بسبابته اليمين حول وجهه
"ومن قال بأنكما ستذهبان بهذا الشكل..ستتنكران بالطبع"قذفتها مورين في وجههما مباشرة لتثير موجة أعتراض كبيرة من قبل لوثر
"تنكر..أتمزحين؟!"
"سأختار أوسمكما ليكون أنثى حسناء"تجاهلته بخطتها المميزة وهتف لوثر بحدة
"بالتأكيد لن أكون أنا"
"طبعاً لن تكون أنت فأنت لست بوسامة ثيو"

إبتلع الإهانة مكرهاً وصمت مقراً بالحقيقة الموجعة متوعداً أن لا يرميها عرض الحائط ويدعي عدم إهتمامه كلا سيؤجل إنتقامه من زميلته التي منذ التقاها وهي لا تكف عن تجريحه ليوم ليس ببعيد أجله.وافق ثيو  على الفكرة من باب التجربة وشرعوا بها.بعد ساعتين إنفتح باب غرفة اتخذت صالوناً لأبداعات مورين وفريقاً من الخبراء الذين إستعانت بهم مؤقتاً وخرجت منه امرأة حسناء شقراء تتمايل في مشيتها كأنها عارضة أزياء بتنورة طويلة ارجوانية مخرمة الحواشي وقميص أبيض ذو أكمام طويلة إختاره ثيو لإعجابه به طامساً كل معالم الرجولة فيه وظهر خلفها رجلاً تم طلاء جلده باللون الأسود يرتدي قميصاً بمربعات برتقالية مفتوح الازرار وبنطالاً قطنياً أزرق مع تسريحة شعر مموجة وبالكاد تعرف كليرك وديلان على الشخصين خلف القناع وشرع ديلان يلتقط الصور مدهوشاً

"واااو..ستفرح غريس بمظهرك الجديد آنسة ثيو..ثم سأنشرها في مدونتي ستكون مشهوراً"وأتبعها ضحكة شريرة

"لن تتجرأ صدقني ثم مالذي أتى بك إلى هنا؟"هدد ثيو غاضباً وهو يوازن نفسه على الحذاء النسوي ذو الكعب العالي..

"أنا أتصلت به"أجابه كليرك بخبث..إقتربت مورين من ثيو والدهشة لا تفارقها لجهدها الثمين وأكدت أن بعد تقاعدها ستفتتح صالوناً خاصاً بها للسيدات بعد كل هذا الابداع وكثفت من أحمر الشفاه الذي تقبله بصعوبة..لاحظته يذرف الدموع وسألته قلقة"لا تقل لي بأنك تبكي..مالذي دهاك؟"

"ال..العدسات اللاصقة..إنها.. إنها تحرقني..أنتن مسكينات بتحملكن لكل هذه الاوجاع"قالها وهو يطرف بعينيه مما جعل الموجودين ينفجرون بالضحك حتى لوثر الذي شعر ولأول مرة بالألفة والراحة معهم،وأتفقوا على إداء المسرحية مع وجود تعزيزات في حال حدوث مالا يحمد عقباه.

الساعة الرابعة عصراً.إنهما الآن داخل منطقة ملغمة بأي لحظة ستتشظى أجسادهم متناثرة في الهواء وهذا بادي على وجوه الموجودين في الحانة سواء من الرجال أو النساء الشرسين وشعرا بأن أمرهما قد أنتهى لا محالة.إنتحيا ركناً أقصى الحانة يتيح لهما مراقبة الوضع وطلبا شراب الصودا كي يبعدا عنهما الشبهة.وقعت عينا لوثر على الفتاة وقد تعرف عليها خلال صورة أخذتها مورين من أحد التلاميذ وأكدت لهما ملازمة الفتاة للحانة ونبه زميله عليها

"دعني أتولى الأمر"بادر ثيو وهو يدرس الموقف بثبات
"ولمَ لا أكون أنا!"
عارض زميله غير راضي عن إقصاءه
"حسناً هيا قم بها إن أردت أن نردى قتلى الليلة"

فهم لوثر تلميح زميله وأخمد إحتجاجه..هناك اشياء في طبائعنا غير قابلة للتغيير مهما بذلنا من جهد لأنها متجذرة دواخلنا..فأشفق حاله..لو كان يقدر على تغيير أسلوبه في التحقيق لتولى الأمر رغم أنف ثيو البارد الأعصاب كما يراه لكنه يعلم تماماً كيف ستؤول إليه الأمور إن ثار بوجه الفتاة خاصة في موقفهما العصيب تحرك ثيو وحشر في فمه علكة ومشى بخطوات ناعمة كما تدرب.إقترب من الفتاة وكانت هيئتها قوطية بحتة بدءً من وجهها الذي يميزه أنف مثقوب بحلقة دائرية سوداء صغيرة وعظام وجنتين بارزة وعينان غائرتان ملطختان بكحل أسود وشعر داكن غير مسرح منسدل على ظهرها..يستر جسدها النحيل فستان أسود قصير ببنطال يماثله..أهاله منظرها وأشفقه وأبتدء  المسرحية.

تقمص دور المرأة المدمنة بتصرفاتها وكلامها وأقنعتها أنها جاءت إليها خصيصاً لتسلميها بضاعة جديدة من المخدرات لصيتها الرائج كحبيبة أفضل المروجين في المنطقة وأخطرهم ولم ترى الفتاة داع لإستجواب هذه السيدة الجميلة الصادقة بشأن الكنز الجديد الذي بلا شك سيدر عليهم بالمال الوفير كما أنها في الآونة الأخيرة إرتكبت سوءً جعل حبيبها يغضب عليها ويقاطعها..ستكون هذه بادرة للصلح.صدقت الكذبة بسذاجة وانساقت إلى الحمام مع زبونتها لتبادل البضاعة النتنة. 

"ماذا تعرفين عن جوزفين أعرف بأنك صديقتها؟"
دُهشت الفتاة للصوت الرجولي الذي إنبعث من السيدة وسألت حذرة
"هل أنت شرطي متخفي؟"
"لا يهم من أنا أجيبيني بهدوء ستساهمين في القبض على قاتل صديقتك بما تملكينه من معلومات"
"ألن تقبض علي؟صدقني بإشارة مني سأجعلهم يمزقون وجهك الجميل"هددت غاضبة من الخدعة التي خيبت أملها وتحركت لتنفذ كلامها لكنه جذبها من ذراعيها برفق وركز في عينيها
"سأخرج من هنا ولن أعود أبداً أو أمسك أو جماعتك بسوء..أنا رجل عند كلمته فقط صارحيني إتفقنا؟"

أرخت يديها وراحت تفكر لبرهة ثم شعرت بالراحة لما لامست صدقه وشرعت تفضي إليه بما تعرفه عن صديقتها وقالت بأنها حزينة لفراقها فقد كانت بمثابة أختها الصغرى ولا بد من تحقيق العدالة لها.وقالت أيضاً بأن صديقتها كانت مثيرة للشفقة أدمنت الهيروين حد الجنون وكادت تفقد حياتها في إحدى المرات بجرعة إضافية إلا أنها لم تعتبر من التجربة وقررت المضي قدماً حتى جاء اليوم الذي أنتهى فيه كل شئ

"رفض حبيبي تزويدها بجرعة أخرى إن لم تدفع الثمن المتفق عليه فتعللت بعوزها وفقرها وأن جدتها تخبأ النقود عنها.عاندها وطردها لتلجأ إلى طريقة أخرى للحصول على مبتغاها..في الليلة التي سبقت إختفاؤها سألتُها عما تنوي القيام به للحصول على النقود فأخبرتني بعثورها على طريقة ستمكنها من الحصول على المال مجاناً بمساعدة فتى..كما أذكر بأنه طالب تعرفت عليه عن طريق الإنترنت"

"تساعده في ماذا؟"
"لا أعرف..أرشدها أليه شخص إدعى بأنه أجنبي"
"أجنبي!!"

بدءت تتضح الصورة..الأجنبي هو المورد الأساسي الذي كان يزود أودين بالممنوعات بطريقة ما ويحتمل أنه يمارس نشاطاته المشبوهة على الأنترنت وبهذا يتحايل على المراهقين ويقتلهم!.بدءت تتشكل له رؤية واضحة حول ما يجري و إحتمال آخر يقبع في زاوية ما ينتظر قطعه باليقين المطلق فأتصل بالطبيب مورفي

"أظنني أعرف من قتلها..أريد نتائج الحمض النووي للضحيتين مالكوم وجوزفين بأسرع وقت ولا تنسى مقارنة المركبات الكيميائية التي حصلنا عليها من مختبر الضحية مع تلك التي صهرت وجه جوزفين من المحتمل أن تجربة الفتى فشلت وراحت ضحيتها الفتاة"
"نحن نعمل عليها وسأبذل جهدي لأوافيك بالمعلومات أيها المحقق"

شكر الفتاة وأعطاها الأمان ثم خرج ليلتقي بزميله شاعراً بتوجس وخشي أن تخون إتفاقهما ويموت بهيئة لم يتخيلها حتى في أحلامه..الموت بلباس إمرأة..سيكون أضحوكة لدى أعدائه بالتأكيد..جال ببصره يبحث عن زميله ووجده يثرثر مع فتاة..إقترب منهما وهمس بأذنه"فلنغادر حالاً..حصلت على المعلومات"
إختلس نظرة إلى الفتاة وتعرف إليها..إنها ذات الفتاة التي رآها مع لوثر في المدرسة.
"لم تجيبيني بعد رايلي مالذي تفعلينه في هذا المكان الخطر"صر لوثر على أسنانه غاضباً من تصرفاتها اللامبالية وأجابته بوقاحة وكانت قد تعرفت عليه بسهولة أدهشته
"ليس من شأنك..إنه خطر عليك وليس علي كما أرى فأنتما شرطيان"قالت الأخيرة بصوت مسموع فكمم لوثر فمها "أخفضي صوتك أتريدين قتلنا"

أبعدت يده بقوة سمع فيها تخلخل عظامه وشقت وجهها إبتسامة شريرة وهي تحدق إلى الرجال الثلاث القادمين نحوهم"أظهر مهارتك في النجاة سيد لوثر وداعاً"حاصرهما الرجال الثلاثة وتقدم أحدهم يحمل مسدساً وصوبه ناحيتهما وقال بصوت أجش
"لم أركما هنا من قبل..هل أنتما شرطيان؟"
نفيا..من الواضح أن الرجال يشتهون الدماء فقد ألتفوا حولهما وراحوا يشتمونهما ويتلفظون بالسباب ويهرجون..شعرا بالعجز وأوشك لوثر على ضربهم لولا تدخل زميله الذي قرر تولي الوضع.
"دعهما وشأنهما..أنا أعرفهما"إلتفتوا صوب القائل وكانت رايلي التي رثت حالهما وقررت التدخل ففي النهاية لا تزال تدين لمطاردها السابق بعض المساعدة لتخليه عن تتبعها.حبسا أنفاسهما..لا يمكن حزر موقف هذه الفتاة المحير..فتارة تكون معك وتارة تنقلب عليك ومن لها مصلحة معه تلقي له بخدماتها.

"إنهما زبونين مهمين لي أتيا من كندا لأجل شحنة جديدة لا تود معرفة محتواها"إرتجلت وصدقها الرجل بحكم معرفته بها وخاطبها مهدداً مشيراً إلى السيدة والسيد
"لا تأتي بالغرباء إلى هنا مجدداً،وإلا لن يسلم أحد"
"لا تقلق هذه زيارتي الأخيرة إنتهت مهمتي"

بالطبع لم يفهما كلامها الملغز فالخوف دب في جوفيهما من أن يتم إكتشافهما وزفرا براحة.خرج الثلاثة سوية لأبعد نقطة تحول بينهم وبين هؤلاء الوحوش وشكرها لوثر وأطال فيه عدا زميله الذي أخذ يحدجها متحيراً.وقفتها المائلة على لوح التزحلق تماثل وقفة الشخص الغرابي الذي اصطدم به ذاك الصباح.ثم أخذ جولة على سترتها وتجمدت عيناه على زر مفقود يشبه تماماً ذاك الذي عثرت عليه الشرطة مع الضحية جوزفين ثم إن رائحة معقم قوي تصدر منها والتي تصدف أنها ذات الرائحة التي إشتمها على شعر الضحية مالكوم!.فاحت رائحة الشك..كل هذه التفاصيل الصغيرة خرجت من مخبأها وبدءت عملها في الربط والتحليل.خامره شك في أن تكون ذات صلة بما يحدث وكعادته ليؤكد شكوكه لا بد من وضع عين على المشتبه به قبل أن يتملص منهم وباشر إختباره

"تدينين لي بكوب قهوة؟"
وراقب ماسيصدر عنها..سكتت برهة مشيحة بناظريها عنه بعدها أقتضبت إجابتها في"لم أعد أدين لك بشئ"
إعتراف صريح لا إعوجاج فيه بين له خبيئتها وتحول إلى السؤال الثاني"سترتك قديمة بعض الشئ ألن تستبدليها؟..هناك زر مفقود إن لم تلاحظي..أين فقدته؟"إمتقع وجهها وزاغ بصرها لكنها سرعان ما تماسكت وأنتبهت لموقفها"فقدته عند غسل الملابس..سأذهب في طريقي الآن"

كذبتها كشفتها وتأكد من شيئين إما أن تكون القاتل أو أحد أعوانه وسواء كانت كليهما أو أحدهما فهي قطعاً سترشدهم إليه لذا سيحاول جذب الإثنين كما تُجذب الفئرة إلى مصيدتها. أعلمَ لوثر بضرورة وضعها تحت المراقبة المستمرة ورجعا إلى المركز حيث أطلعا الفريق بالمستجدات وأستأنفوا ما تبقى لهم من أعمال غير منتهية بأخذ أقوال عدد من المشتبه بهم من أقارب الضحايا وما شابههم من مروجي ومتعاطي المخدرات.

حل الليل ورجته العاشقة الجديدة ألا يطول فهي لن تنعم بالنوم الليلة كباقي الليالي.أن تحب شخصاً عند اللقاء الأول يعني أن تودع إنتماءك لنفسك،وقد ودعتها عند لقاءه.أحست نفسها مسلوبة عقلاً وروحاً وأن حياتها باتت مقتصرة عليه وأنها تنتمي إليه وحده لا لنفسها رغم لقاءهما القصير.ذاك المحقق غير نظرتها لجميع المحققين الذين رأتهم على شاشة التلفاز..سرقها قلباً وقالباً..جعلها تتوق لرؤيته من جديد وتأمل وجهه،وكم تمنت لو أن بطاقة عمله التي سلمها لزوجة والدها المستقبلية تكون من نصيبها لتتصل به وترهف السمع لصوته الحنون دون الاعلان عن هويتها. أحاسيس لم يسبق لها وأن عايشتها بل لم يسبق لها أن تكلمت مع رجل بمثل هذه الأريحية.لطالما منعها والدها من الإختلاط بالجنس الآخر خوفاً عليها منهم ولأنها أبنته الوحيدة التي يخشى أن تحب رجلاً يبعدها عنه كما أعترف لها بعد وفاة والدتها،وخير وسيلة لتطويقها إدخالها مدرسة داخلية خاصة للبنات ترجى مديرتها أن تبعد عنها كل أذى وتحميها.ردد عليها دائماً طالما أنتي بحمايتي فلن يطالك أحد وخص بها جنسه الخشن..لكن إبنته الآن قد تفتحت روحها وسهام الحب أصابتها فهل سيقمعه؟

"سكارليت صغيرتي..أراكِ هائمة في عالم آخر..مالذي يشغلك؟"أفاقت من شرودها على صوت والدها وأرتبكت هل عليها أيضاً إخباره بحياتها العاطفية؟ولمَ لا لطالما كانت تخبره بكل شاردة وواردة حتى طمست شخصيتها بآرائه وإرشاداته..ربما عليها إخباره فإلى متى سيتحكم بها..

"هناك رجل أُعجبت به..إعجاب من قبلي فقط"
وسكتت كاتمة أنفاسها بترقب
"وهل يستحق كل إهتمامك؟"راقبته وهو يمسح فمه بالمنديل ويضعه على الطاولة ثم رفع عينيه تجاهها بنظرة فهمت معناها
"أظنه رجل لا بأس به"
"ماذا يمتهن؟"
"إنه يعمل داخل المباحث الفيدرالية ويدعى ثيو"
لحظة صمت مرت قرأت فيها نوايا والدها ونكست رأسها يائسة بلا حيلة
"مثير للإهتمام..إليكِ رأيي عزيزتي..إبتعدي عن أولئك النوع من الرجال..الإرتباط هو آخر ما يشغلهم بحكم عملهم..لا أظنه ملائم لكِ ولا أريد أن أربط أبنتي بشخص تحوم حوله المخاطر"هذا جيد لقد حدد نوع الرجال الذين يجدر بها الإبتعاد عنهم مما يعني أنه بدأ يستوعب الحقيقة أن مصير أبنته لرجل آخر وقالت كي تريحه
"أبي وليس كأن ما تفكر به سيحصل لا أظنني سألتقيه مجدداً"
"إبعدي فكرة الزواج من شرطي عن عقلك وأستمعي إلي..أريدك أن تزوري جدتك وتمكثي عندها لبعض الوقت.سأذهب في رحلة عمل ولا أريدك أن تبقي وحدك أخشى أن يؤذيك ذاك الفتى"نجح في تغيير الموضوع وحول إنتباهها إليه..نظرت إليه مستغربة قراره المفاجئ وهتفت بصوت عالي بغير وعي
"مستحيل لن أترك طلابي إنهم في حاجة إلي الآن"
"خذي إجازة وسيتدبرون أمرهم بإيجاد بديل..الأمر عاجل..لا تناقشيني أكثر لقد قضي الأمر"
"وماذا..عن زواجك؟"فرصة رأتها مناسبة لتغيير قراره وعولت عليها لكن مع تقطيبات وجهه وحزمه علمت أن لا أمل.
"سأفكر فيه وأحدد الموعد لا تهتمي أما عن إبنها فسأتعامل معه بطريقتي..سأخرج الآن لممارسة التمارين الرياضية أغلقي الباب جيداً"
"اي تمارين في هذا الوقت من الليل عليك أن تريح جسدك"
"أنا أصح منكِ إقلقي على سلامتك لديك رحلة في الغد كما أتفقنا..لا تعودي إلا حين أعود من السفر"

إنه يتمادى معها ويؤذيها..هذا تملك وتسلط..عرفته الآن لكن بعد فوات الآوان..شعرت بأنها لن تتحرر من رعايته المفرطة لها وأنها ستظل خاضعة خانعة له حتى يأكل الشيب رأسها..شعرت بأن تمردها عليه سيكون بمثابة عقاب على جميله وفضائله وهو الذي كرس حياته لأجلها..لكنه سيتزوج عما قريب فهل سيمارس ذات السلطة عليها؟،وكعادتها رضخت وتحسرت متأملة أن تغير تلك المرأة من طباع والدها وتنعم ببعض الحرية المفقودة.

يصعب أحياناً تقبل موت قريب لنا ويلعب العقل دوره في تزييف الوقائع ويصوره لنا كأنه حي..نخوض معه في حديث شيق..نستذكر معه حلو الأيام ومرها..وقد يصل الأمر إلى القيام برحلة معه كما فعل المحقق.عانى نفسياً وذهنياً من موت صديقه لتحميل روحه وزر موته وأحتفظ بعذابه بعيداً عن الآخرين لأنه يعلم كيف ستكون ردود أفعالهمتجاهه..سيطلبون منه اللجوء إلى طبيب نفسي كحل وسط وهو أمر لا يطيقه ليس وكأنه مجنون رغم أنه قد أقر في بعض المرات بجنونه. بعد رجوعه من انكلترا تفاقم الوضع وعزم أخيراً على التخلص من خيالاته وتقبل الوضع ولجأ إلى القيام بمهمات وأعمال تنسيه آلامه.تأمل الكلمات المكتوبة على شاهدة القبر

"كرستفور آبنر..سنة الولادة"1978..سنة الوفاة2014"

أليس من الغريب أن يكون الموت سبباً في الجمع بين صديقين والتفريق بينهما في ذات الوقت.راح عقل المحقق يستذكر أول لقاء جمعه بصديقه حين كان الموت ينتزع منه روحه ببطئ شديد.كان لا يزال مبتدئاً في أولى سنوات مهنته الخطرة وأُلقي به بين زمرة سجناء فاسدين كجاسوس لتحركاتهم المشبوهة ودفع الثمن باهضاً لما تعرض له سجين وثقب بطنه برصاصة أطلقها من مسدس سرقه من شرطي ولاذ بالفرار،وتدخلت عناية الله به على يد الطبيب كريستفور الذي أنقذه من الموت وصارا منذ ذاك اليوم أعز صديقين بعدها بسنوات عاد الموت على هيئة الشيطان وأنتزع روح الطبيب المسكين مخلفاً جرحاً موجعاً في أعماقه.

"أرقد يا صديقي بسلام"

كان على وشك التحرك من مكانه حين خُيل إليه أنه رأى ظل شخصٍ من بعيد متجمد على قبر ما ولما كانت الإنارة خافتة لم تستطع عيناه تمييزه بوضوح،فتملكه هاجس مظلم يُثار دوماً بفعل الأشياء الغامضة الغريبة ولا شعورياً وجد نفسه مكان الظل بعد زواله نهائياً.فتح مصباح هاتفه المحمول ووجهه نحو الشاهدة وقرأ المكتوب

"روبرت ديفيز 2014/1987"

وقرب الشاهدة زهرة سوداء لم يتبين نوعها بدت جلياً أنها وضعت حديثاً.أتصل فوراً بكليرك الذي كان على وشك النوم
"من دفن روبرت في مقبرة"...."؟"
"والده بالتبني على ما أظن"أجاب كليرك وهو يتثائب
"أجعل بعض أفراد الشرطة تراقب المكان"
"لماذا مالذي سنستفيده؟"
"والده مقعد والشخص الذي رأيته ليس كذلك ربما يكون أحد أصدقاءه"
"أعذرني ولكني بدءت أتشوش..ظننتنا إنتهينا من قضية الشيطان مالذي يجعلك تفكر به الآن؟"
"قادتني قدماي إلى قبره لسبب ما..تعلم كم أثق في الإشارات..سأرسل لك صورة زهرة سوداء أريد معرفة إسمها"
إلتقط الصورة وبعثها لكليرك وبعد خمس دقائق إتصل به الأخير
"توليب سوداء هذا هو اسمها إنها نادرة"
"حسناً شكراً..لا تنسى ما طلبته منك..عليهم مراقبة  قبره بسرية وحذر وأن يقبضوا على أي زائر له سواء كان رجلاً أو امرأة..أو حتى طفلاً"نطق جمله بشئ من الإنفعال الذي أقلق صديقه
"لا تؤذي نفسك يا صاح..لقد مات الشيطان..فلتركز على قضيتنا"
"مات بالنسبة إليكم لكنه بنظري حي تطاردني روحه أينما ذهبت"
"أنت متعب ولا تعي ما تقوله فلتذهب للمنزل وأترك أمر المقبرة إلي"
أشفق حال صديقه ففي الآونة الأخيرة تغير مزاجه كثيراً ولا أحد يعلم سر هذا التغير في تصرفاته ربما لم يلحظه الأخرون لكن كليرك شك في أن يكون خلفه سراً لا يود إطلاعه على أحد وربما يكون سراً خطيراً لا يجرؤ على البوح به،وكي يزيح بعض العبأ عن المحقق سيشاركه فيه ويساعده على تخطي أزمته أياً كانت فهذا ما تقتضيه صداقتهما.
يمر أمام عينيه أشخاصاً تكتنفهم الغرابة والغموض في هذه الأيام وبما إنه يعيش في عالم من الافتراضات والشكوك حيث كل من حوله مشتبه به فعليه الإستفادة من كل ما تقع عليه حواسه في سبيل التوصل إلى الجاني الحقيقي وتحقيق العدالة الأرضية."صرت متأكداً بشأنك..أوشكت لعبتك على الانتهاء"خاطب قبر الشيطان واثقاً وغادر المقبرة.

صناديق من الكرتون منتشرة في غرفة شبه خالية من الأغراض وفي منتصفها شخص أصهب راكع على ركبتيه يخوض مغامرة تنقيبية عن دلائل توصله لمبتغاه
بالتأكيد المهمة التي أُنيطت إليه ليست بالسهلة فهي تتطلب تنقيباً عميقاً في ماضي يمكن أن يكون أسود.في الصباح،عثر خلال مغامرته الأولى مع الصناديق على هاتف محمول عتيق الطراز ولى زمنه ووجد أرقاماً وإن كانت قليلة لكنها أرشدته إلى فكرة الإتصال بأصحابها وسماع ما يفيده وقام بها محتفظاً بقليل من الأمل فربما قد ماتوا أو غيروا شرائحهم لكن لا بد من التجربة.كان منهم من غير رقمه فعلاً ومنهم من لم يبدي إستجابة وآخرين أخبروه أن لا علاقة قوية تربطهم بغارث وأنهم مجرد أشخاص كانوا يستعينون به للقيام ببعض الأعمال كونه يقوم بأعمال حرة ومن ضمن الأرقام رقم ثيو القديم.

وبعد الخيبة الأولى ها هو يعود من جديد مع مغامرة ثانية وجد خلالها ألبوم صور متهالك مغبر..تربع في جلسته..
نفض الغبار عنه وقلب صور من زمن آخر..زمن يحمل بين طياته أرواحاً وذكريات لن تعود..لا يشهد عليها سوى ألبوم إنتظر كثيراً زيارة ساكنيه..صور من طفولة الاخوين.. ووالديهما..إضافة إلى بعض الرجال والنساء من المحتمل أن يكونوا أصدقاء العائلة كما فكر أو أقاربهم القليلين الذين تركوا البلاد لدول أخرى كما علم..ومن بين الصور واحدة تعود لثيو قدر عمره بين الثامنة عشرة تتأبط ذراعه فتاة شقراء حسنة الوجه بنفس عمره تقريباً وكان واضحاً أنهما سعيدين.
تبعاً لمعرفته لم يكن لثيو أختاً وربما تكون حبيبة الصبا ولمَ كثرة التفكير سيعرف الحقيقة لاحقاً من فم صديقه الخبيث الذي أخفى عنه سر الفتاة.ثم وجد أيضاً صورة بدت له حديثة لغارث وهو يرتدي زياً أزرق يقف في محطة تعبئة الوقود وقد بدا على وجهه عدم الأرتياح كأنه أُجبر على إلتقاط الصورة،ومن بين النقاط التي أثارت إستغرابه رجل ظهر خلف غارث في يده سيجارة يقف مستنداً على مقدمة سيارته السوداء من نوع كاديلاك من الجيل الأول ويطالع غارث بنظرة لم يفسر معناها..لم يعلم الرجل بأنه سيظهر في الصورة بلا شك..فكر الأصهب وقرر الإحتفاظ بها هي الأخرى علها تساعده في إكتشاف اللغز المحيط بحياة غارث.

سمع وقع خطوات وقفز خارجاً من الغرفة ليرحب بالقادم
"كيف حالك يا صديقي"
"مرهق جداً"أجاب ثيو وهو يخلع سترته ثم ألقاها بجواره وتمدد على الأريكة الصوفية الناصعة البياض بينما ذهب صديقه ليأتي له بقنينة مياه غازية.
"هل توصلتم إلى شئ؟"سأل ديلان بعد إن ناوله القنينة وشربها دفعة واحدة ثم تنهد وأجاب وهو مغمض العينين"مهما تمادى المجرم في شيطنته ومهما كان عبقرياً فلا بد وان يقع في الحفرة التي يحفرها لنفسه..عندما يسقط في زلته تنتهي عبقريته"
فكر ديلان في كلماته ثم قال متشككاً
"أتعني بأنك كشفته؟"
"ليس بعد لكنه أرتكب حماقة..لأقول الحقيقة هو يرتكب الحماقات منذ البداية..الواحدة بعد الأخرى بلا وعي..أو ربما واعي بما يقوم به ويريد إختباري..لا يعلم بأن الحقيقة هي من تصطادني..كل ما علي فعله أن أمهد لها الطريق"
"كانت لديك عطلة تنتظرك لا ادري لمَ وافقت للقيام بهذه المهمة"
"أنا لا أرد شخصاً يتحداني..حتى لو كان ميتاً..إنه لعبة الشيطان..صنعه للقضاء علي وسأقضي عليه قبل أن يصل إلي"
صفق له صديقه بعدم فهم فذهنه مشغول بشئ آخر وقال مشجعاً"أنت الأفضل ستقضي عليه بلا شك"أومأ له ثيو شاكراً وقال
"حين تكون مصمماً على الهدف لا بد أن تبلغه بأي ثمن"
أخرج ديلان الصور من جيب قميصه الأحمر بشئ من المكر وقال يستدرجه
"صحيح..وبما أنك الأفضل فهلا قلت لي من إلتقط هذه الصورة لغارث؟"إستقام ثيو جالساً وتلقف الصورة من يده وتمعن فيها مستعيناً بشريط الماضي،وبعد صمت ثقيل على ديلان قال"لست أنا ولكنها صورة غريبة..
ملامح أخي ليست بعادية توحي لي بأنه مضطرب وخائف من شئ ما كذلك الرجل خلفه..أياً يكن من إلتقطها أرجح بأنه يمتلك معلومات عن أخي..أظن أن هؤلاء الثلاثة..أخي والرجل الغريب والمصور على صلة ببعضهم..إكتشف هذا"
"حسناً"غمغم بصوت هامس ثم إستخرج جائزته وسلمها لثيو وعيناه تطفحان حماسة وترقب
"من هذه الحسناء"وركز النظر بملامح ثيو وقد تقلبت ألواناً لا يدري أهي نتيجة غضب لحشر أنفه فيما لا يعنيه أم غضبٌ قديم تفجر تجاه الفتاة..أم كلاهما؟!.
أمسك أنفاسه وزم شفتيه مستعداً لتلقي الصدمة..
"تعبت من الكلام..سأخلد إلى النوم"أحس بتهربه من الإجابة ولازمه مصراً ليُختتم حديثهما بأن وجه ثيو نظرة فاجأت ديلان وعقدت لسانه وأدرك أن لا أمل معه ثم قررا إعطاء دماغيهما هدنة والاستسلام للنوم.
يتبع
ملاحظة المقطع الي يتحول في ثيو لأمراة اضفته لاجل اثارة حركة ونكهة للبارت وليس لاجل شئ اخر والعياذ بالله.
الرواية شارفت ع الانتهاء فما هو رايكم بها حتى الان؟

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro