الشيطان2 الفصل 12
بعد ثلاثة أسابيع
في ليلةٍ مدلهمة،إنطلقت دراجة نارية الى البقعة المحددة لها لتنفيذ العملية و هي تنهب الأرض نهباً كأنها في سباق أسطوري.ترجلَ منها صاحبها و حمل صندوقاً خشبياً كبيراً بصعوبة ووضعه أرضاً.ثم خلع قناعه الأبيض وكشف عن وجه أنثوي خائف مضطرب.
عاينت المكان بحذر شديد ولما تأكدت من أمان الوضع،
حفرت قبراً وأودعت فيه جثة حملها الصندوق فترة طويلة.خلعت قفازيها السميكين بعدئذ و أخرجت من حقيبة ظهرها السوداء عبوة معقمة ورشت بها كلتا يديها للمرة الثانية منذ بدء مهمتها.إنتصبت واقفة و راحت عيناها تتأملان الجثة بتقزز وخاطبت الميت كأنه حي يسمعها بنبرة شامتة تخلو من الاسف تنم عن معرفة سابقة به
"ضحاياك سيسرون كثيراً بموتك أتمنى أن تخلد في الجحيم إلى الابد"
ثم وضعت قناعها الأبيض و تسلقت السور هاربة بلا رجعة.
في صباح اليوم التالي،كان موريس يجول داخل المدرسة فرحاً بإنجازه،فقد نفذ فكرة الآنسة سكارليت و تمكن من بيع الاشرطة المسجلة الخاصة بشقيقه وحقق حلمه و إن كان الآوان قد فات لهذا،يكفي أن موسيقاه سيُستمع إليها و ربما ينتشر صداها لدول أخرى كما أنه استفاد منها بأن درت عليه بالمال الذي يتيح له القيام بتبرعات لبعض الجمعيات الخيرية وهذا هدفه الثاني.لمحَ رايلي في الجوار و تردد في تحيتها فمؤكد أنها ستعامله بجفاء لكنه أسلم نفسه لفطرته وأتجه نحوها حتى إذا صار على مقربة منها،تنحنحَ وترقب ردة فعلها.إستدارت إليه تاركةً باب خزانتها مفتوحاً،وكأن رؤيته تشلها قررت تجاهله والمضي في طريقها.بادرها قبل أن تتحرك بسؤالها عن حالها وما إن كانت بخير بعدما تعرضت إليه سابقاً،فتلقى رداً بارداً باذخاً أشعره بأن وجوده غير مرحب به و كاد أن يتركها هو الآخر لولا ذلك الشئ الذي لفت بصره داخل خزانتها.بدا مألوفاً لديه..دقق النظر..نعم إنها ريشة غيتار أخيه كيف وصلت ها هنا و بيد الفتاة؟!.إندفع نحو الخزانة وصدها عن غلقها ومد يده لإلتقاط الريشة غير عابئ بإستهجانها فعلته المفاجئة و سألها و قد صارت نبرته أقرب إلى العداء منها إلى اللطف
"مالذي تفعله ريشة أخي عندك؟أستطيع تمييزها بوضوح لأنني من أهديتها إياه..تكلمي رايلي"
"لا أعلم عما تتحدث..إن أعجبتك فهي لك"أجابت و هي تشيح بنظاريها عنه عمداً
"لن أقتنع بهذا الكلام و لن أترككِ تغادرين بلا تبرير"
"إبتعد عني و إلا.."
"و إلا ماذا!هل ستضربينني؟إني أحذرك رايلي"رفعَ إصبعه أمامها و قد بدء الغضب يلتهم وجهه رويداً رويداً و واصل بحدة
"أنا لست فتى غبياً تتذاكي عليه..من أين لكِ بالريشة هل كنتِ تعرفين أخي؟..هل أنتي من قتله؟"
"أنا لستُ قاتلة"قالتها همساً و قد بدأ الارتباك يطغى عليها
"إذاً ما تفسير هذا؟"
و فجأة أنقذها من الموقف أولئك الطلبة الذين تدافعوا فيما بينهم مهرولين وقد إرتسمت عليهم علامات الفزع استطاع موريس ملاحظتها بوضوح و تساءل عما يجري.بينما زميلته لم تبدي أدنى إهتمام و شرعت بأغلاق خزانتها مستغلة الفرصة في الابتعاد عن هذا المزعج الذي كان سارحاً يفكر في ما يمكن أن يحدث في هذا الصباح،و قبل أن يتحرك وجه كلامه لها بأن تبقى عندها لكنه لم يحر جواباً فقد ذابت بلمح البصر.
تبعَ الطلاب مقرراً تأجيل إستجواب الفتاة حتى وقت آخر و وصل إلى ساحة الملعب و تحديداً إلى تلك الجموع المتحلقة التي يبدو عليها الذعر و التأثر من مشهد ما أمامها.إستفسر من أحدهم عن الذي يجري و علم أن جثة لطالب مدفونة هنا عثر عليها تواً و توالت الانباء بسرعة في المدرسة أكملها و تبين أن هذا الطالب هو كارلوس الساحق.لم يسر منظره الجميع و طفقوا عائدين منهم من يذمه و منهم من يرثوا حاله و أنه كان يمكن لحياته أن تصبح أفضل لو أنه أحسن التعامل مع غيره.من كان يتصور إن زمن هذا الطاغية قد ولى وبطريقة شنيعة.في النهاية إتفق المدير مع المعلمين بإستدعاء الشرطة لحل هذه القضية الجديدة التي من سوء طالع هذه المدرسة حظيت بها و كأن القاتل له عداء لا مناص منه مع هؤلاء الطلبة المساكين و أمرهم بأن ينفضوا.تحرك موريس هو الآخر و رأى رايلي ترسل نظراتها الموحية بذنب دفينحيث الجثة فأستحوذ عليه خاطر حيره.أيعقل أنها قامت بقتلهما؟شقيقه و كارلوس!.صحيح أنها فتاة جامحة وغريبة الأطوار لكن صفاتها لن تدفعها لإقتراف جرم خطير كهذا و مادافعها بالاساس؟!.
تنبهت لنظراته المصوبة تجاهها و دارت على عقبيها بلا مبالاة فهو لن يفهمها حتى و إن شرحت له لن يفهمها على الاطلاق.و من جهته قرر الافراج عن سرها الذي أحتفظ به طويلاً ظناً منه أنه قد يكون مخطئاً فيما رآه و الآن بعد إتضاح حقيقتها لن يتهاون عن فعل الخير و تقديم المذنب للعدالة لاسيما و أنها متعلقة بطريقة ما بموت شقيقه.حين طال قدوم الشرطة،عزم على ترك الحصص و الذهاب بقدميه لتقديم شهادته و لما أوشك على تنفيذ قراره شاءت الصدفة أن يلتقي بالعميلين ثيو و لوثر عند مخرج المدرسة و قد أتيا خصيصاً لأجل رايلي.لم يوافق لوثر زميله في البداية بتورطها بالقضية إلا عندما كلف ثيو بضعة رجال بمراقبتها و حصلوا على تحركات مشبوهة منها.عند هذه النقطة تباهى ثيو مستشهداً بقول لأرسطو في إنه من خلال الشك سيحصل الانسان على الحقيقة و أصاب هدفه بالفعل ناهيك عن إنه لن يعدم فرصة عظيمة تمكنه من القبض على الجاني كهذه و لو أنه أخذ بمعرفة لوثر السطحية للفتاة و تركها و شأنها فالقضية ستظل راكدة.إنتهز موريس الفرصة و سرد لهما ما رآه في تلك الليلة الغامضة قبل أشهر قليلة.
"كنتُ قد ذهبتُ إلى إحدى المحلات التجارية وفور خروجي منها بعد شراء حاجياتي رأيتها صدفة على دراجة نارية تحمل خلفها صندوق كبير جداً..تبعتها بدوري بدراجتي.."
"و لماذا تبعتها؟"سأله لوثر
"بدافع الفضول"أجابه الفتى
"بدافع الفضول"كرر لوثر ثم أضاف بشك "و هل تتبع زملاءك عادة؟"
"إن لاحظتُ شيئاً غريباً أو كانوا بحاجة إلى مساعدة"
أجاب مجدداً و قد بدأت أسئلة لوثر توتره
"هيا أيها الفتى واصل حكايتك"تدخل ثيو الذي لم يرى داع لمثل هذه الاسئلة وواصل موريس
"رأيتها تدخل ساحة للخرداوات و هناك أفرغت ما في الصندوق"
"ما كان محتواه؟"سأل ثيو
"لا أدري بدت كأنها جثة..رفضتُ تصديق ما رأيت.. خشيت أني كنتُ أتوهم"
"لمَ استغرقت كل هذه المدة لتعترف الآن؟"سأل لوثر منفعلاً للامبالاة التي أظهرها الفتى
"هذه.."قال و هو يخرج الريشة من جيبه
"ريشة غيتار أخي الذي قُتل كانت بحوزتها و هذا ما جعلني أشك بإحتمالية معرفتها به وعندما سألتها نفت ورفضت قول كلمة..أرجوكما أنا لستُ فتى يشي بزملاءه فلا تظنا بي سوءً كلما أرتجيه هو الانتقام لأخي"
"نشكرك على حسن تعاونك و الآن أرشدنا إليها"
ثم وجه كلماته للوثر قائلاً على وجه السرعة
"ألم أخبرك أن الفتاة مشكوك في أمرها و أنت ترفض التصديق"
لم يبدي لوثر إستجابة فماذا يقول وهناك دلائل تدعم صحة شكوك زميله و آثر مواكبة التيار.
كانت تتكلم مع فتاة عندما لاحظت العميلين وافدين نحوها.إنقبض صدرها و سرت رعشة قوية في عمودها الفقري..شكلهما بتاتاً لم ينبأها بالخير و وجود موريس خلفهما لهو دلالة كبرى على نيتهما المظلمة في القبض عليها.تصرفت بحكمة بأن علقت حقيبتها خلف ظهرها و هبت من مقعدها بإتجاه النافذة.و كأنها قرد أخذت تتسلق و تقفز في الانحاء مع لياقتها البدنية التي أدهشت ثيو.
فعل الرجلين مثلها أمام أعين الطلبة المذهولة و راحوا يطاردونها مع موريس الذي إنضم إليهما.أبتعدوا كثيراً عن المدرسة و انتقلوا للشوارع و الازقة حتى تمكن لوثر و موريس من محاصرتها في زقاق ضيق سد عليها كل منفذ للهروب و لحقهما ثيو مقطوع الانفاس.أفلتها موريس وتركها لهما حيث تأبطا ذراعيها بإحكام كيلا تفلت منهما.إستغرب لوثر سكينتها وعدم ابداء أي مقاومة لعلمها أنها لن تنفعها في شئ وأن نهايتها قد حلت أخيراً و أن الوحيد الملام هو نفسها الجشعة.رمت موريس بنظرات غامضة لم يستطع تفسيرها وذهبت مع العميلين طواعية مرفوعة الرأس.
الساعة الثانية من بعد الظهر و في الجامعة وتحديداً
خارج المكتبة العلمية الكبيرة،وقفت فتاة ذات ظفيرة طويلة ترتدي معطفاً طبياً أبيض اللون تنتظر صديقاً لها.
زفرت بنفاد صبر لتأخره وعزمت على دخول المكان لإستئناف مراجعتها فمنعها صوته الآسف وهو يقترب منها
"أعتذر على تأخري طبيبة غريس"
"أخبرتني بأنك لن تأتي إلى جامعتي من بعد الآن فلمَ أراك أمامي؟"بمزيج من الاحتجاج و الغضب،خاطبت ديلان الذي شن بدوره هجومه المضاد على هذا الترحيب الذي لم يتوقعه
"لم آتي لأجلك اليوم"
عقدت ذراعيها حول صدرها وتصنعت عدم الاهتمام "إذاً لمَ إتصلت بي لرؤيتي؟"
"سأشرح لكِ بعد أن نجلس"
انتحيا مكاناً هادئاً قرب شجرة وجلسا أرضاً بعيداً عن الأعين.طوال الايام الماضية التي تلت عطلتها لم يكف عن زيارتها،محدثاً موجة من العداء تجاه صديقها الجديد خصمه في هذه المثلث من الحب غير المتبادل كما أن كثرة تردده على الجامعة جعل سكانها يصدقون بأنه طالب.و ذات يوم و في أوج غضبها-عندما تشاجر ديلان مع صديقها سكوت بمن له الأحقية في توصيلها لمهجع الفتيات-طردته لما سببه لها من إحراج أما سكوت فعلل فعلتها بأنها تحبه و لا ترغب بجرح مشاعره رغم رفضه مرتين من قبلها لكنه واصل الاحتكاك بها و الادعاء بأنها حبيبته.إستفز الموقف ديلان و تمكن العناد من قلبه خاصة بعد أن علم بحقيقة العلاقة التي تجمع غريس بسكوت هذا و كرر زياراته.
و لأجل التخلص منهما قررت إستغلالهما آخذة بنصيحة زميلة لها حين قالت"أنتي محظوظة بهما يا غريس و لو كنت مكانك لرضيت بما يقدمانه لي من خدمات مجانية..سيطري عليهما ككلبين أليفين. وجهيهما أينما تشاءين..أمتصي نقودهما و عندما يصحيان من هذا التنويم سيدركان كم الخسارة التي واجهتهما سيملانك و يتحججان بحجج واهية ليتخلصا من طلباتك و بهذا ستتخلصين منهما إلى الابد"و بالفعل أملت عليهما أوامرها و خدعتهما حتى أفاق سكوت من تنويمها وتنبه لطبيعة الفتاة التي أحبها وجاءها ذات يوم يطلب الانفصال وكأنهما كانا حبيبين بالأصل وأعطته مايريد عن رضا تام.بقي ديلان الذي وعى لعبتها و صارحها بغباءها لأنها أزاحت سكوت من طريقه عوضاً عنه و وعدها أنه لن يأتي لزيارتها الا في أيام العطل عدا هذا اليوم الخاص.
"جئت لأجل هذا"و مد أليها بالصورة..شعرت بتوجس و تطلعت إليه متساءلة قبل أن تتمعن فيها و يصفر وجهها..ليس لأجل غارث بل لأجل الرجل الذي لم تنسى ملامحه يوم رأته يخاطب مورغان في المتجر.
"لمَ هذا الشخص موجود في الصورة؟"وقبل أن يجيب ديلان أردفت و هي تحدق به معاتبة
"ألم نتفق أن ننسى المسألة برمتها لصالح غارث؟"
"المسألة أكبر مما تتصورين يا غريس..تبين أن لغارث ابن"
شهقت مصدومة و طلبت منه تكرار ما قاله،و بعد فترة صمت تمكنت خلالها من إستيعاب الصدمة سألت
"و أين زوجته و طفله؟"
"لم يتزوج بل.."علقت الكلمات في حنجرته ثم أطلقها
"اغتصبها..اغتصب فتا.."
"هذا يكفي"صرخت و هي تنهض من مجلسها وواصلت مستنكرة"غير ممكن..لا أصدق"
"إهدأي و دعينا نعالج الموضوع سوية..رفضت التصديق في البداية لكنها الحقيقة للأسف و لا شك أن الصدمة ستكون أقوى لكلا غارث و ثيو"
و سرد لها ما كان من أمر غارث و جرمه الاثيم.كان ديلان متحمساً كثيراً لمعرفة هوية الرجل في الصورة إذ عندها ستنفك الاحاجي ويعود لممارسة نشاطاته كما السابق لكن سرعان ما يأس و تراجع عندما جدد لقاءه بصديق غارث الذي التقاه سابقاً على أمل سماع ماعنده من حكايا الماضي،فقد أخبره هذا الأخير عن قصته مع أول صورة التقطها بكامرته الجديدة و أراد أن يحصل غارث على هذا الشرف.و حدث إن زاره في محطة البنزين حيث كان يعمل و بدا عليه الوجوم و التوتر لكنه لم يفطن إلى وجود الرجل الغريب إلا عندما عاجله غارث بإستئناف عمله قبل أن يلاحظه مديره ثم رآه بعد أن خطا مغادراً يتبادل الكلام مع الرجل.إذاً هناك علاقة ما تجمع الرجلين و عندما يعثر عليه سيتبين الحقيقة.تردد كثيراً قبل شروعه بتنفيذ خطته التقليدية كوسيلة أخيرة لإيجاده بعد إستنفاد كل أفكاره فهي تحتاج صبراً و وقتاً طويلاً وهو لديه اعمال ينبغي إنجازها.في النهاية تذكر وعده و قصد الاماكن التي عمل بها غارث والتي أخذها من ثيو و قام بسؤال الناس عن هوية الرجل و ما يعرفونه عن غارث و لم يزودوه بشئ ذي قيمة فمعظهم تركوا أشغالهم و منهم من مات والبقية المتبقية لم تجمعهم علاقة قوية بالفتى على حد قولهم.بقي له مكان واحد ليقصده و هو مصنع تدوير النفايات الذي علق أمله عليه لكنه فوجئ حين رأى الرجل في جامعة غريس في زيارته الأخيرة و سر كثيراً إذ لن يتعين عليه زيارة المصنع.
وجاء ديلان هذا اليوم خصيصاً للبحث عن صاحبه وطاف في أركان الجامعة حتى اهتدى لطالب تردد في إطلاعه عن هوية الرجل ظناً منه أنه شرطي وبعد أن طمأنه ديلان وشرح له وضعه،وافق الشاب وعلم ديلان إن من سيقابله يعمل كعامل نظافة وظيفة تستر عليه عمله الحقيقي في إدارة شبكة لتجارة الممنوعات مع مجموعة من الطلبة.أخذ الرجل وقتاً طويلاً في التذكر وأمده بالنهاية عن معلومات قيمة صدمت ديلان.أخبره عن عمله لجوار غارث في حانة حقيرة كعامل نظافة وهي ذات المهنة التي يشغلها الآن كونها تسهل عليه التعامل مع زبائنه وتبعد أعين الشرطة عنه وكيف أن الفتى أعجب بالفتاة التي تعمل معهم كنادلة لكنها كانت على علاقة بشخص آخر فأثر هذا على نفسيته ولم يملك إلا إن قام بمواساته بأن عرض عليه لفافة تحوي مخدراً قوياً و تناولها منه طواعية ليأسه وحزنه.
كانت الفتاة قد جاءته لتخبره بأنه مطلوب من قبل الزبائن ورأتهما يدخنان ويستنشقان مواد غريبة في المخزن،وحين عاد وجد غارث يغتصب الفتاة بوحشية ولم يملك إلا أن منحه مايريد من الوقت وهو يحرس باب المخزن.أنهى فعلته وحمله الرجل إلى منزله في حالة يرثى لها.في اليوم التالي جاء غارث للحانة ليتأكد مما فعله وصارحه بالأمر ونصحه بالاستقالة وإيجاد عمل آخر إن لم يرغب بالمشاكل.توالت الأيام و عادت الفتاة لمقر عملها لتواجه مغتصبها و أخبرته أن يرشدها لغارث وإلا فستزجه في السجن لتواطئه في الجريمة.تهديداتها لم تأتي بنتيجة،فكل الموجودين الذين سألتهم مساعدتها،لا يملكون معلومات عن رجلها الكتوم.
و للصورة نصيب من الحكاية،إذ ذكر لديلان أنه قد زار غارث في محطة البنزين مقر عمله الجديد فهو الوحيد الذي كان يتواصل معه بشأن مستجدات الفتاة وأبلغه عن حمل الفتاة لكنه كان غير مستعد لحياة يفسدها طفل وقطع صلته به منذ تلك السنوات.
"ذكر لي اسم الفتاة..إنها تدعى مورغان أولم تذكري لي إن تلك النادلة في مطعم والديكِ تبحث عن والد طفلها؟"
"نعم كما أنها تحمل الاسم ذاته أويعقل؟!"
"إسمعيني علينا أن نتأكد لأجل الطفل..مستحيل أن يبقى وحيداً في الحياة ووالده على قيد الحياة"
"حسناً دع الأمر لي سأستمع إلى قصتها كاملة ومن طرفها هي لا من طرف هذا الملعون فإني لا أصدقه و إن لم تكن هي كان الله بعون الطفل"
وبينما كانت هذه الاحداث تجري عند غريس وديلان،كان ثيو برفقة زميله كليرك في مطعم صيني شعبي يقدم أطباقاً شهية لا تملها النفس تلبية لدعوته بتناول وجبة خفيفة.و قد أخذ على نفسه بتناول أي شئ يُقدم إليه و إن كان نيئاً.كان الغرض الأساسي لكليرك من هذه الدعوة المفاجئة أن يأخذ و يعطي بالكلام مع ثيو إذ كيف يتأتى له مساعدة صديقه و هو جاهل بما يعتمل في صدر ثيو من أسرار مع إنه لا يتوقع الكثير منه.عليه المحاولة على أية حال.أخذ الكلام بينهما يسير في منعطفات أخرى خيبت أمل كليرك و أوحت له تهرب صديقه المبالغ من أسئلته و آثر الاستسلام أمام العناد الذي لا سابق له و لو أنه يعرف نية صديقه بتجنيبه أصدقاءه و زملاءه الخطر لما ألح على المعرفة.
إتصال من مجهول أربك ثيو،و أجاب بصوت متوتر أخف وطأة من صوت الطرف الانثوي الثاني الكفيل بأن يُشعر المتلقي بحدوث شئ.تذكرها على الفور حين عرفت عن نفسها و وجد نفسه يؤكد لها قدومه إلى قسم الشرطة حيث طلبت منه أن يلتقيها هناك ثم أغلق الخط،و قد تكهن ملياً رغبتها الشديدة بتوليه التحقيق في مسألة مقتل أبنها.
دفعَ كليرك من جهته الفاتورة و تلقى شكراً باذخاً من صديقه و رافقه إلى المركز.كانت المرأة بصحبة خطيبها و أبنته التي كانت تحتضن يدي المرأة و تؤازرها في مصيبتها و هي فتاة كان ثيو قد تبادل معها كلمات قليلة في المدرسة آنذاك..تذكر اسمها بصعوبة..الآنسة سكارليت..هكذا تُلقب..إذاً تجمعها صلة قرابة بهذه المرأة النواحة؟!،فكر.ترجته المرأة بهستيرية و هي تهز يديه بأن يحقق العدالة لأبنها فهو و إن يكن صبياً مشاكساً آذى الكثير من الاشخاص،لا يستحق مثل هذه المعاملة الشنيعة لا سيما و هو وحيدها الذي لم تحسن تربيته كما شرحت له نادمة مفجوعة.و خلال هذه اللحظات الحزينة،تسنى لكليرك الوصول إلى نتيجة لم يستطع كبحها عندما كان ينظر تارة لصديقه و طوراً إلى صاحبة النظارات، فأنبرى يخاطب ثيو بصوت خفيض وهو يجره معه بعيداً
"يارجل هنيئاً لك"
"على ماذا!"أطلت نظرة متساءلة مستغربة من عيني ثيو
"أستطيع أن أرى قلوب الحب الوردية المنبعثة من تلك الفتاة..إنه العشق بعينه"وضح كليرك مقصده و هو يراقص حاجبيه بمرح
"أخشى أن الطعام الصيني قد أثر على دماغك يا صديقي،ركز معي بجريمة القتل التي نناقشها ولا تهذي..أي عشق و قلوب حب وردية..بل أي مراهقة متأخرة أنت بها"علق ساخراً
"تبين لي أنك لست ذكياً بالامور العاطفية"
"ليس قبل أن توضح مقصدك"
"تلك الفتاة معجبة بك هذا إن لم تكن واقعة بحبك..
أنا متأكد إذهب و كلمها..ستخر صريعة إن لم توليها
إنتباهك"
"كفى خيالاً سخيفاً..إنه ليس بالوقت المناسب للخوض بأمور شخصية..سأتحدث إليها ليس لأجل إثبات صدق خيالك و إنما لأجل إستجوابها و أبيها"إبتعد عنه متوجهاً نحو الثلاثة و طلب منهم مرافقته لحجرة الاستجواب بينما أخذ الاصلع يغمغم مع نفسه متمنياً لو يسمعه ثيو
"حسناً سنرى من هو المحق في هذا أيها المحقق الساذج..يبدو لي إنك لست خبيراً كما تدعي و لكن لا تقلق أنا موجود لأعلمك"
بعد إنقضاء نصف ساعة حسبها بدقة،رأى ثيو يتبع الاب و أبنته خارج الغرفة و أخذ يتبادل مع المرأة بضع كلمات جعلتها تجهش باكية ثم ودعهم.سارع إليه يستفسر و كله شغف لمعرفة تأثير تلك الفتاة عليه
"ها ماذا أخبرتك إنفعالاتها؟"
"يؤسفني أن أخيب ظنك فأنفعالاتها أخبرتني أنها معلمة مسكينة عانت من فتى طائش تمنت موته"
زفر كليرك مستسلماً محتجاً قبل أن يقول
"إذاً إنها القاتلة حتماً"
"لا تتعجل بالحكم قاتلنا ذكر و ليس أنثى"دافع ثيو متأكداً بل واثقاً من هويته كأنه يعرفه سلفاً،وهذا ما ألهب فضول كليرك و حماسه،و تمنى لو أنه يملك قدرة على قراءة العقول ليمتص المعلومات التي يزخر بها رأس ثيو.انتبه الى تماديه في الامنيات الخيالية و عقب
"لقد سئمت حقاً..إسمع عليك مواعدتها و نسيان القضية بعض الوقت إنها لفرصة لا تعوض لشاب مثلك"
"و هل تراني شخصاً عادي سيد كليرك؟"
"كلا..بل كائن فضائي برأس يشبه البيضة"
و سكت يلحظ تأثير دعابته عليه فحصل على نظرة عدائية مستهجنة،فمزاجه الآن لا يسمح له بالتعاطي مع دعابات صديقه و لو سمعها في موقف غير هذا لتبادلا الضحك سوية قطعاً.واصل كليرك موضحاً بعد أن شعر بالاحراج
"يا رجل حتى الكائنات الفضائية و الزومبي و مصاصي الدماء يواعدون..يتزوجون و ينجبون ما فرقك عنهم..تزوج و أنجب لنا ولداً يشبك"
"منذ متى كانت لي حياة خاصة فأنا رجل قضى حياته لأجل مساعدة الآخرين و تحديداً الاموات على تلقي العدالة لأجلهم يكفي أن لدي وقت للنوم و تناول الطعام ثم إن حدث و تزوجت و هو أمر غير وارد فسأحرص على أن لا يشبهني إبني كيلا يحظى بحياة شاقة مع أعتى الاشخاص و أشدهم شراً"
"أنت حر لكنك ستندم"
"ندمي الوحيد استماعي إليك يا كليرك لقد ضاع نصف وقتي على سفسطة لا قيمة لها"تلفظ بكلماته الجادة و هو يطرق على ساعته الفضية ثم أطلق تنهيدة عميقة قبل أن يعلن عن قراره
"سأولي مهمة التحقيق الجديدة لشخص آخر"
"لكنها كانت مصرة على أن تتولاها أنت"
"أدرك ذلك لكنني.."شرد يتذكر اتصال سنيك به الليلة الماضية لقد نسي أمره ووعده أن يعاود التحقيق لكنه كان متأكداً أنه لن يتوصل لشئ و حتماً لن يخبر كليرك فقال له وهو يدعي التعب والارهاق
"أشعر بإعياء شديد..أمامنا أياماً عصيبة لا تنسى أن علينا دراسة معطيات القضايا و عرض الملفات في الاجتماع القادم..علينا أن نجتهد"
"لشد ما أتمنى القبض على هذا السفاك أخشى أننا لن نتوصل إلى شئ"قال كليرك يائساً
"كن واثقاً بأننا سنقبض عليه..القاتل بممارسته لأعمال القتل المستمرة كأنه يوجه الينا دعوة رسمية للقبض عليه و عندما تختلط رغبته المجنونة في القتل و الانتقام يصبح من اليسير علينا كشف هويته"سكت..دنا من كتف صديقه و ربت عليه وعيناه تتفحصان صلعة كليرك التي أُعجب ببريقها الشديد،وتساءل كيف سيكون شكله وهو أصلع؟!.وأضاف
"لأن عقله يستنفذ كل طاقته و يقترف الاخطاء كما يفعل صديقنا..لذا لا تيأس أيامه باتت وشيكة"
أومأ كليرك متفهماً و أراد أضافة شئ لكن ثيو فارقه إلى حيث لايدري.
يتبع
رأيكم
اعذروني ع التقصير
وشكراً لانتظاركم.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro