الشيطان الجزء الثاني..الفصل الاول
إحذر!هناك أعين شيطانية تتربص بك من كل جانب لاتدري ربما تقودك لحتفك.
1
مركبات كثيرة متنوعة تمرقُ على الشارع العام مسببةً ضوضاء صاخبة مزعجة وأزمة سير خانقة أثارت تذمر المارة وأفقدتهم أعصابهم نتيحة تعطيلهم عن مشاغلهم الهامة، ومن بينهم مراهقين مستعجلين يحاولان تبين مسلك آمن يمكنهما من عبور الجهة المقابلة والوصول لصالة لعب البلياردوا حيث ينتظرهما حدث مهم.ولما لم يجدا سبيلاً، تهورا وشقا طريقهما نحو الأمام حيث حاولت سيارة أجرة دهسهما لولا نباهة شرطي المرور الذي رآهما على الفور ونبه السائق والبقية على الوقوف ريثما يعبران بسلام، إلا أنهما لم يسلما من غضبه وتوبيخه لعدم التزامهما بأشارة المرور ومع تكرارهما اعتذاراتهما ووعدهما الكاذب بأن لا يتهورا مرة أخرى، تملصا منه بسعادة غامرة؛ ليس فقط لأنهما ما يزالان على قيد الحياة ولن يتم سحبهما إلى السجن بل لأنهما بعد لحظات قليلة، سيتحديان لاعبين بالغين كانا قد أقاماه مسبقاً معهما، وبسبب الامتحانات المتتالية التي استهلكت قواهما ومنعت عنهما أي وسيلة للمرح خسراه وضاعت فرصتهما المنتظرة في إثبات جدارتهما لمن استهان بهما واستهزأ.وهذه المرة ستكون مختلفة تماماً عن الأولى حيث سيقومان بتصفية جميع اللاعبين وإرتقاء الصدارة دون أدنى تردد أو شك أو خوف مما سيحدث كما أتفقا وتعاهدا عليه لكن كان لا بد من شئ ما يعكر حماستهما، إذ صادفا أثناء اقترابهما من وجهتهما، كلباً مرقطاً ينهشُ لحماً غريباً ويسحبه هنا وهناك بوحشية مخيفة فانتاب أحدهما الفضول وسارع لمعرفة ماهيته فهو شغوف بكل ما يثير عقله ويأخذه إلى أبعاد مختلفة من هذا الكون الذي لا يكف عن إدهاشه حتى هذه اللحظة، فيما أخذ صديقه البدين المذعور يحذره قاطعاً تأملاته ويذكره بضرورة الوصول مبكراً.تجاهله صديقه واقترب شيئاً فشيئاً محافظاً على مسافة بينه وبين الكلب غير مبالٍ بهديره المفزع وكأنه يهدده من مغبة الاقتراب أكثر والاستحواذ على غنيمته التي تخصه دون
سواه.وهتف مدهوشاً
"إنها..إنها ذراع بشرية!!"
أثارت حفيظته هذه الذراع المشوهة وأجبرته على التحري عن وضعها المثير للحزن والحيرة عكس صديقه البدين الذي أصابته نوبة غثيان شديدة وراح يتقيأ مفرغاً كل ما تناوله هذا الصباح من معدته الممتلئة، ولما انتهى واستعاد أنفاسه، تلفت هنا وهناك بحثاً عن صديقه الذي راح يبتعد عنه لمسافة طويلة ويدخل زقاقاً ضيقاً فلابد من وجود جثة في مكان ما من هنا وإلا كيف حصل الكلب على قطعة اللحم!.
حملَ نفسه بصعوبة وسار على خطاه حتى وجده منتصباً بلا حركة في مواجهة مع حاوية نفايات كبيرة خضراء اللون بشكل قد يتهيأ للبعض أنه يخاطبها، وبينما دنا بحذر منه، أفزعته صرخة صديقه تخبره أن لا يقترب أكثر لكنه لم يمتثل وسبقته خطواته نحو الحاوية حيث جعلته يتلقى لمحة كفيلة بأن أسقطته مغشياً عليه من الرعب.كانت تحتوي لسوء حظه على جثة مقطعة لأوصال لا تكاد العين تميز جنسها.حار الفتى بين مساعدة صديقه واخبار الشرطة وتطلع إلى كومة اللحم بثبات كمن اعتاد رؤية هكذا مناظر ثم اختار القيام بالثانية ومن ثم جاهد كي يخرج صديقه من غيبوبته التي استغرقت حتى مجئ الشرطة والطوارئ بعد نصف ساعة.
بعد أسبوع
كانت دائرة الشرطة الخامسة والأربعون تعاني من نقص شديد في عدد أفرادها نتيجة إستقالة بعضهم لأسباب شخصية ومنهم من يتم طردهم لإهمالهم ومنهم من يُقتل على أيدي العصابات المتناحرة، وعلى هذه الوتيرة السيئة أخذ العدد يتقلص يوماً بعد يوم مما جعل الدائرة تواجه أكبر تحدي ساهم بخلخلة الأمن وترويع المواطنين الآمنين، وهي جرائم القتل العشوائية التي تصاعدت نسبتها مؤخراً و بشكل مبالغ فيه.دائرة صغيرة كهذه أنى لها التعامل مع كل هذا الحشد الهائل من الجثث التي تحط على أعتابها كل يوم، فتحتم على مسؤوليها إرسال عددٍ منها إلى دوائر أخرى ليتم التحقق بشأنها لعدم كفاءة رجالها في هذا المجال الصعب فعملهم الحقيقي يقتصر على توقيف اللصوص والحد من المشاجرات التي تقع عادة وفي بعض الاحيان يشنون حملات ضد تجار المخدرات تنتهي بصورة دموية لكلا الطرفين، والجثث المتبقية يُغلق عليها في الثلاجات حتى يأتي من يطالب بها والوضع ميؤوس منه تماماً وإن استمر على حاله فالبشرية على وشك الإنعدام من الوجود وكان لا بد من تصرف سريع يحد من هذه الويلات والمصائب، فعمد رئيسها على طلب المساعدة من صديقه رئيس الدائرة الأربعون واستجاب لطلبه فوراً.
في حين كانت دوائر الشرطة في حالة انذار، أعلنت إذاعة الأرصاد الجوية في خبر عاجل عن إحتمالية هبوب عاصفة ترابية صباح هذا اليوم الخميس ويجب على المواطنين اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسهم خاصة أولئك الذين يعانون من أزمة ربو خطيرة، فغير السائق وجهته للمنزل بعدما كان قد إتخذ قراراً بزيارة قبر صديق له خشية وقوع العاصفة الآن وتلفح أنفه الحساس، ومع وصوله، ركن سيارته السوداء من نوع لاندروفر في كراج المنزل وترجل منها السائق الشاب الذي يرتدي بذلة رسمية سوداء دون ربطة عنق تخلى عنها لاستعجاله، ومع تأكده من إقفالها جيداً، سار متهادياً في خطواته متجهاً لباب المنزل وما كادت قدماه تطأ عتبته حتى استشعرت أذناه جلبة تحدث في الداخل.بدا جلياً أنها ليست بعادية بل غريبة تنبأ بحدوث خطر ما وتستدعي تصرفاً عاجلاً.سحب مسدسه من جرابه المعلق أسفل خاصرته اليمين ودفقة إدرينالين بدأت تأخذ مفعولها في جسده الرشيق.
توخى الحذر فيما يفتح الباب وتسلل بخفة متقنة للرواق حيث رصدت عيناه الحادة الواثقة فريسته المجهولة الهوية، ها هو ذا الزائر الغريب غير المرغوب به الذي إتخذ من منزل شخص آخر ساحة لممارسة فنون الخبث والأحقاد.كان في مرماه تماماًً، لحظةً لا تفوت وربما لن تؤاتيه فرصة ثانية لمواجهته، سيطلق النار عليه فوراً ويسقطه ويحقق معه في أمر أفعاله عساه يجد مبرراً مقنعاً.باغت زائره المشغول بتكسير التلفاز وأشهر مسدسه ناحيته وقد أحكم قبضته عليه بيديه الإثنتين وصرخ به
"من أنت ومالذي تريده؟"
توقع ردة فعل زائره الطائشة فلص مثله لايفصح عن هويته بمجرد سؤاله عنها ويتخذ عوضاً عنها مسلكاً آخر للاجابة تعفيه عن التفوه بكلمة قد تفضح صوته الذي ربما يكون مألوفاً عند البعض.لذا اندفع راكضاً بسرعة خاطفة نحو نافذة مفتوحة تسلل منها كما فعل أول مرة وفر بجلده وباءت محاولة إطلاق النار عليه بالفشل.لحقه صاحب المنزل خارجاً من الباب آملاً الإمساك به لكنه تأخر، ذلك أن اللص تلاشى كالسراب معلناً لغريمه أنه شخص لايستهان به ولا يمكن إيقافه.عاد للداخل مستاءً مهزوماً لا يتقبل حقيقة أنه أفلت منه وقد كان في قبضته هذه المرة وتمكن من لقاءه شخصياً مع إنه لم يلمح منه سوى قامته الخلفية.
لا مفقودات يمكن الإشارة إليها كما في سابقتها مما يتيح الشك في هوية هذا الشخص بأنه ليس لصاً وهدفه الوحيد إخافة صاحب المنزل وترويعه وأثبت فرضيته، منشور ورقي أسقطه صاحبه متعمداً لحظة هروبه من النافذة يحوي عبارات تهديد وتخويف كدعنا نستمتع الآن حتى موعد خلاصك!.ولكن من هذا الذي يجرؤ على التفوه بكذا كلمات وضيعة؟، ولماذا يريد التخلص من صاحب المنزل؟هل هي عداوة قديمة أم مجرد إستهتار ولعب هدفه إثارة الرعب في النفوس؟.أياً تكن أسبابه فقد قرر التغاضي عن الأمر الآن نظراً لخسراته وانتظار ما ستأتي الأيام به، مؤكداً أن لقاءاً مثيراً سيجمع بينهما كما فكر.
إتخذ من السلم مقراً له يفكر بكمية الجهد الذي سيقدمه في ترتيب هذه الفوضى المنتشرة في كل زاوية.لقد امتص العمل طاقته بحيث لا مجال عنده للراحة والأوضاع تزداد سوءً بعد سوء كأن الأشرار اتفقوا ضدهم وراحوا يتفننون في نشاطاتهم وإبتكار أساليب أكثر عدوانية ودموية فكلما ازداد العالم تطوراً في استخدام التكنولوجيا الحديثة كلما كثر استغلال المجرمون لها بما يتناسب مع أغراضهم الهدامة مما تتيح لهم درء الخطر عن أنفسهم والبقاء بعيداً عن متناول أيدي الشرطة.كم تلقى من نصائح وتحذيرات من قبل المهتمين به تدعوه للتقاعد وايجاد عمل بديل يجعله في مأمن من أعداءه الذين يحومون حوله ينتظرون فرصتهم في القضاء عليه وهذا يعني حتمية موته في أي وقت ولكن فكرة التقاعد وهو بهذا السن أو الاستقالة ما هي إلا فكرة وهمية صعبة البلوغ؛ فهو رجل نذر نفسه لأجل عمله ولن يبيع حلمه وهدفه السامي تحت أي إغراء أو ينهار تحت أحلك الظروف والمواقف واستقر تفكيره على أن يحظى بعطلة يريح بها جسده وعقله المشتت آملاً أن لا يحدث شيئاً سيئاً يحرمه لذة الراحة كما حدث معه من قبل فعقد عزمه على مهاتفة رئيسه في الحال وإبلاغه بقراره المفاجئ
"سيدي..أريد الحصول على بعض الراحة من فضلك"
"ماذا عن قضيتك الجديدة؟"
"أي قضية؟!"بوغت فجأة وكرر مستغرباً ثم واصل بانفعال حاول إخفاءه"أنهيت تواً ثلاث قضايا بصعوبة وأنا الآن متعب ومرهق جداً.يحق لي بعض الراحة"زفر بضيق وتلقى رده ذكره بطبيعة عمله الجديد
"أنت الآن تحري خاص ومطلوب من قبل العديد من المنظمات ومن الطبيعي أن تشعر بالتعب وأيضاً..لم أعد رئيسك بإمكانك الاسترخاء وقتما تشاء لكن ليس الآن..أمام مهمتنا الجديدة..أرجوك"
"آه، صحيح نسيت لوهلة، وما نوع هذه المهمة؟"
"حسناً، رئيس دائرة الشرطة الخامسة والأربعون وهو صديق لي طلب مساعدتي ووافقت على طلبه بلا شروط"
"وافقت بهذه السهولة؟"حاول مرة أخرى اخفاء انفعاله ولم ينجح فقد أصابته هذه المكالمة بمغص معوي وأثارت غضبه
"ولمَ يوكلون عملهم لدائرة أخرى؟!يالهم من متقاعسين..أنا وأنتم مشغولون بما فيه الكفاية كان عليك أن ترفضهم"
"لا تتعجل بحكمك عليهم ثيو إنها دائرة تفتقر لكثير من الخدمات ولا تمتلك أفراداً أكفاء.."
"والمطلوب؟"قاطعه وقد نفد صبره
"لديهم أربعة جثث..ثلاث منها عملية قتل قدم أهلها طلباً لإجراء تحقيق بشأنها والأخيرة عملية إنتحار"
فكر قليلاً ثم أعلن بصدق"لست مهتماً ولن أقوم بها ..قسمك ممتلئ بالعملاء الأذكياء ..فوض إليهم أمرها"
"أنا بالفعل إستلمت جميع القضايا.. ووكلت فريقاً مختصاً يشرف عليها لكننا في حاجة إليك..كما تعلم قطعة الكعكة لا تكتمل بدون زينة كما تعرف"
قالها بطريقة مرحة أزعجت ثيو
"لا أحب الزينة وأرفض ..."
"صدقني لن تندم فالقضايا مثيرة جداً" قاطعه محاولاً إثارته
وسحب موافقته إجباراً
"ماذا تقصد بمثيرة؟"أثارته هذه الكلمة بعض الشئ واستقرت في عقله بينما قال رئيسه بنبرة أكدت مدى سعادته
"تعال وأكتشف بنفسك، أنتظرك الآن إن لم تكن مشغولاً"
فكر هنيهة ثم أعلن بعدم ارتياح
"بل غداً لأنني سأنشغل الآن"
إنصرفت عيناه مجدداً للفوضى أمامه وتنهد بقوة نافضاً عن قلبه كل ما سيعكر مزاجه فعندما يقوم بالاعمال المنزلية، على مزاجه أن يكون رائقاً كي لاينتهي بإحداث خدوش أو كسر للأواني أو إحراق للطعام، على ما يبدو أن هذا الرجل لن يتحرر من لعنة الأعمال المنزلية وقضية إحضار مدبرة منزل حتى لو كانت مؤقتة مرفوضة وغير قابلة للنقاش فبعد سرقة أمواله من قبل مدبرة منزل شابة استعان بها منذ شهر أقسم أن لا يستعين بأحد آخر حتى لو أضطر إلى التنظيف صبحاً ومسياً.
2
كانت مجموعة من طلاب السنة الاخيرة من الثانوية يحيطون بطالبين يقصان عليهم مشهد عثورهما على جثة مقطعة لأوصال في حاوية نفايات، طيلة الأيام التي تلت عثورهما عليها وهما لا يتعبان من سرد القصة ذاتها بل راحا يبالغان في تصويرها كأنها قصة رعب أخافت المستمعين الذين لم يملوا كذلك منها، أما المجاميع الأخرى فمنهم من إتخذ من الصف مسرحاً للرقص وغناء الراب ومن الطالبات من تتناقش مع زميلاتها عن آخر صيحات الموضة ومنهم من يجلس منفرداً ضارباً بكل ما يدور حوله عرض الحائط.ومع إنشغالهم بالمرح تناسوا تلك الواقفة أمامهم، صاحبة النظارات الطبية ذات الشعر القصير الأسود المموج والتنورة الضيقة الزرقاء القصيرة تصل أسفل ركبتيها والسترة البيضاء المزررة بإحكام وكعب حذاءها الأزرق الذي أعطاها علواً هي بحاجة إليه لتتميز عن الطلاب، وما تجاهلهم إياها إلا لظنهم بأنها طالبة جديدة إنتقلت إليهم!.ولكن الحقيقة شئٌ آخر..إنها معلمة الأحياء الجديدة التي حلت محل المعلمة السابقة التي أعلنت تقاعدها.تنحنحت بغية إثارة إنتباههم وأعلنت بصوت أنثوي رقيق وكأنها تُسمع نفسها بأنها المعلمة الجديدة والنتيجة كما هي، لم يكترث بها أحد وكأنها صنم.ولم تجد بد من وضع كتابها على المنصة واعتماد الطريقة المعتادة لجذب الانتباه وهي الطرق على الصبورة بصوت عالي مزعج أتى مفعوله، ثم كتبت بخط كبير جميل اسمها وعرفت عن نفسها بطريقة مهذبة
"أنا الآنسة سكارليت معلمة الأحياء الجديدة رجاءً فلتعودوا أماكنكم ولنبدأ الدرس"
"ماذااا...معلمة جديدة..حسبناك طالبة جديدة"
وأنفجر معظمهم ضاحكين من سخرية زميلهم الجالس على طرف كرسيه بدون أدنى احترام بينما تلقى ردها بطريقة استنتج منها أنها تتحداه
"سأعتبر هذا إطراءاً والآن فلتجلس ولتنصت لما سأقوله"
"دعينا نتواعد وعندها سأنصت إليكِ ياحلوتي"
وضحكوا مجدداً وأمام موجة الهرج والمرج التي تحصل علمت أنّ أيامها القادمة ستكون أسوء أيام حياتها في هذه المدرسة الخارج طلابها عن القانون، ولامت نفسها على إختيارها السئ.كيف ستتحمل هذا النوع من السلوكيات وهي التي تتزعزع بسرعة وتستسلم لأبسط الأشياء والخجل هو من أكبر العناصر السلبية التي تعاني منها وهذه الصفات لا تنفعها في هذه المواقف.الضرورة تحكم والواقع ليس كما تخيلته وحلمت به منذ نعومة أظفارها.إن التعليم مهنة صعبة وكل من يمارسها عليه أن يعيها ويتعامل معها على أساس رصين وبما يتناسب مع الحال لكن عليه أن لايخرج عن الحدود التي تلقي به أسفل سافلين وتنهار مهنته.وكي تتحدى الصعوبات وتثبت هذه المعلمة المبتدئة في مكانها عليها أن تطرح عنها سلبياتها.أن تغير أسلوبها وشخصيتها على نحو يمكنها من ضبط تصرفات طلابها والحفاظ على السمعة الطيبة وإلا أكلوها وهي حية، فردت عليه ساخرة
"إنضج وسأواعدك عندها"
"صدقيني آنسة سكارليت أنا أنضج حتى منكِ"
"اعلم أني سأرسلك إلى اللجنة التأديبية إن لم تحترمني وتجلس مكانك"
هددت وهي تحاول منع لسانها عن التلعثم بطريقة تفضحها وتجعلها أضحوكة.
وبينما استمرت على موقفها، إستوى واقفاً وتقدم نحوها وعيناه تقدحان شرراً حتى توقعت أنه سيضربها أو ما شابه فهذا الطالب الضخم الأكبر من سنه يبدو خطراً يخشاه الجميع كما تكشفه سيماء الطلاب وربما يخاف منه حتى المدرسون بمن فيهم المدير.رابطت في مكانها ولم تتزعزع وحدجته بنظرة تحدي وتوعد بينما قابلها بغمزة وابتسامة ماكرة وجلس في مقعده يتطلع إليها متفحصاً.تنهدت بصمت وشرعت تنادي باسماءهم تتأكد من الحاضرين حتى نطقت آخر اسم
"جيس ساندرز"
كآبة أصابت الجميع وصمت ثقيل خيم على الصف ولاح الخوف في عيون الجميع.قبل لحظات كانوا يرقصون ويغنون ويغتابون معلميهم ويتظاهرون بالشجاعة فما بالهم الآن خائفين حزينين حتى الذي تجرأ وسخر من الآنسة سكارليت وأخافها بدا جباناً مثيراً للشفقة وتساءلت عما جرى لهم ثم كررت الاسم
"مابكم..أين الطالب جيس ساندرز؟"
"إنه ميت..لقد قتل"
أجاب أحد زملاءه مختصراً موقفهم وحزنهم على فراقه لكن هذا لن يوقف الدرس على أي حال وبدأت تشرح لهم ما تضمنته مادتها خافياً عليها ما يجري خلفها من مناوشات أعلنت عن سرعة تبدل حالهم حيث كانت قطعة ورق صغيرة تحلق في الجو وتنتقل من شخص لآخر قذفها مدبر الحيل ساحق المعلمين كما يطلقون عليه الذي استقبل المعلمة الجديدة بعبارات الغزل مثيراً بفعلته حماسهم وترقبهم لما سيفعله بها.كانت قد خلعت نظارتها الطبية أثناء الشرح ووضعتها على المنصة وأخذت تتجول بين الطلاب متعمقة فيما تقوله وعندما رجعت مكانها بحثت عن نظارتها لتكتب بعض الأشياء على الصبورة ولم تجدها.
إن بصرها ضعيف وبدونها لن تتمكن من الكتابة فأين أختفت؟!.كانت قد قررت مسبقاً إجراء عملية تحسين بصر لكنها تتطلب نقوداً كثيرة فقررت تأجيلها حتى تشغل وظيفتها التي تعول عليها في إجراء العملية.إحساس راودها بأن أحدهم يلعب معها وهي ليست على إستعداد لمجاراتهم فصرخت بهم شبه متوترة
"أياً من أخذ نظارتي فليسلمها لي حالاً"
"لماذا تعتقدين أنها بحوزتنا ربما اضعتها في مكان ما"
أجاب الساحق بخبث وتبادل غمزات ذات معنى مع زملاءه وضحكوا حين أخذت تبحث تحتها وتتفحص المنصة وجيوبها.كم شعرت بالإحراج والمهانة، تشوشت الرؤية لديها وصداع هجم على رأسها كاد يفقدها توازنها، رغم هذا الألم، تماسكت وقررت مواصلة الدرس آخذة بنصيحة مديرها، إلا أن جرس المدرسة رن معلناً إنتهاء الحصة الثانية.لزمت مكانها وراقبتهم وهم يخرجون تباعاً ثم اشغلت نفسها بمسح الصبورة لتشعر كما لو أن أحداً ما يقف خلفها فأرتعش جسدها واستدارت لتواجه نظرات الساحق الماجنة إليها.شعرت بالعجز وتمنت لو أن أحدهم يهب لنجدتها.نظرت من خلف كتفه ولمحت وجهاً مألوفاً كان على وشك المغادرة فأستنجدته بعينيها لكنه هرب بجبن
"مالذي تفعله..إبتعد وإلا عاقبتك"
تقدم نحوها أكثر فارتطم ضهرها بحافة الصبورة وتحركت شفتاه الغليظة تسمعها كلماته المتوعدة
"سأسحقك كما سحقت من قبلك..كوني مستعدة أيتها الآنسة الجميلة"
"ا..اعطني نظارتي وأبتعد عني وإلا.."
"افعل ما قالته يا صاح، أنت تعلم عقوبة التعدي على المعلمين صدقني إنه ليس بأمر هين.ضربت معلماً قبل سنوات وكانت النتيجة سيئة..تعرضت للحجز والفصل لمدة شهر أو أكثر.. نسيت المدة بالتحديد مما إدى إلى رسوبي ..أنصحك بالتوقف عما تفعله..نظراً لتجربتي البائسة"
التفت كلاهما لمصدر الصوت.كان فتى وسيماً أسود الشعر..فارع الطول..يرتدي تي شيرت أصفر اللون تبرز منه عظلات صدره المربع وسروال جينز ضيق أسود اللون وحذاء رياضي أبيض، واقفاً قرب الباب يراقب المشهد بعناية.رماه الساحق بنظرات متحدية ثم ابتسم وابتعد عن المعلمة دون الالتفات اليها وتقدم نحو الفتى وتجاوزه مغادراً، لكنه وقف إثر سماعه كلمات متوعدة لم تحرك فيه رعشة
"لا تعاند وسلمها في الحال وإلا سترى شيئاً فظيعاً مني"
وشد على قبضته وفرد صدره متوعداً
"ماذا تكون بالنسبة لها لتدافع عنها..اجبني؟"سأل الساحق مستغرباً أمره
"يطلقون علي بفاعل الخير..إن لم تسمع"
ابتسم الساحق وردد ما قاله باستخفاف ثم سلمه النظارة حين رأى المدير يسير باتجاههما غاضباً ففضل الانسحاب واستدار مبتعداً؛ ليس في مزاج يسمح له بخوض حديث دسم ينتهي بمعاقبته بسبب شئ سخيف يعيقه عن أوقات مرحه أما فاعل الخير فرجع بعدها إلى الصف ليعيد مالديه لصاحبتها لكنها كانت قد خرجت.لذا توجه إلى غرفة المعلمين وانتظرها هناك حتى تنهي حديثها مع المدير حيث كانا مستغرقان في كلام جدي وربما تشكيه طلابها كما فكر.لمحته بسهولة وتعرفت عليه ثم توجهت نحوه بابتسامة متوترة
"تفضلي..هذه لك"
أخذتها منه وأبتسمت له شاكرة ثم قال ناصحاً
"إحذري منه إنه شخص خطر، على المعلمة أن تكون متأهبة لتوجيه الضربات..إنها مدرسة للوحوش..وعليكِ أن تتعلمي كيف تكوني كذلك"
وافقته قائلة "واضح جداً، سآخذ بنصيحتك شكراً لك"
"في أي وقت، وداعاً"
ودعها بابتسامة مرحة طفولية لا تتناسب مع جسده الضخم وسنه الشاب وغادر حيث وجهته التالية.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro