لا كرامَة في الحُبّ| الأخير
خلال لحظَة ظننتُ أنّي بميّتَة وسألحَق سوجين لا محالة إلاّ أنَّ الحَياة أرادت لي فرصَة ثانيَة، لم تكن سوى لحظَات بينِي وبين نفسي أطفو إلى قاع المسبَح حَتّى اجتذب جسدِي للأعلَى، من جهَة أخرَى وحينمَا التأمَتُ والمِياه في عناق المَوت حاولَ مينغِي المُغادرة كما لو لم يكن المُذنب فيمَا يحدُث.
آماله المُرتفِعة قدُ كُسرت كحال شموخِ ذاتِه إذ تمّ مُحاصـرته من قبل رجال الشّرطة الذّين وُلدوا من كُلّ حدب وصوب كجيش كاسِح، زامن اخراجِي من المسبَح جرَّه قبل أن يَتخطّانِي أنا التّي كُنت أستندُ بجسدِي الضّعيف والمُبتّل على بيكهيون نفثَ قهقهة ساخِرة مُستفزّة نابسًا بـ: «ستندمين.»
كمّشتُ جفناي مطلقة أنفاسًا متقطِعة أعوّض بها ما فقدته من حياة بين أوداجِي إلاّ أنّي كنت أضعف من أن أقف على قدماي أكثر من هذا وما شعرتُ بنفسي الاّ واستسلمتُ للظّلام.
خلال اليومين المواليين قامت الشّرطَة بإيقاف مينغي وفتح محضر تحقيق معه، كان التّعامل معه صعبًا ومُتلفا للأعصَاب كونَه ذو رأي لا يتغيّر وغرورٍ باذخ لايناسب موقفَه إلاَّ أنَّ الأدلّة المُوجّهَة نحوَه قد حاصَرته في الزّاوِية خصوصًا بعد سماع والده بأمرالجريمَة التِّي افتعلها وتأثر يمعتِه بسبب طيش ابنه.
اليوم ها أنا ذِي أقف في غرفة الجلسات بالمحكمة كونِي الشّاهد الوحيد ضدّ فعلته النّكرَاء، حضر كلّ من أهل المجرم وأهل سوجين بينمَا مينغي فقد كان يقف خلف القُضبان مقابلاً لمحلّ جلوسي، كنت أطالع الجميع ببرود بينمَا بيكهيون فقد كان يرتدي رداءه الخاص بمَا أنّه المدعِي العام والمسؤول عن هذه القضيّة، كان يقف قبالة القاضِي يسرد مُجريات القضيّة بطريقة عمليّة وثقة عمياء إلى أن حان دور استماعهم إلى شهادَتي لذا استقمت عن مقعدي ثمّ باشرت الحديث بعدمَا قدّم لي بيكهيون إيماءة خفيفة ألاّ أقلق.
«مرحبًا أدعى ييه شوهوا وأنا زميلة كيم سوجين وصديقتها المُقرّبة.»
قلت بصوت هادىء ثمّ طالعت والدتها التّي ما توقفت عن البكاء والنّظر نحوي بعينين حزينتين، تنهدّت ثمّ باشرت حديثي مرّة أخرى قائلة:
«كانت دومًا تخبرني بما يحدث معها خلال أيّامها لذا حدث وأن اعلمتني أنها على علاقة مع مينغي، حاولتُ كثيرا جعلها تبتعد عنه كونه ليس بالشّخص الجيّد لها لطنّها أصرّت على موقفها بحجّة أنّهما يتواعدان، ذات يوم وبعد شهر من مواعدتهما السريّة أتت خائفة تزف خبر حملِها وهذا ما كنت أخشى وقوعه، في يوم الحادِثة قررا الإلتقاء والتحدّث حول الأمر وقد رافقتها إلى هناك، كنت أراقبهما عن بعد طوال فترة نقاشِهما الذّي تحوّل إلى شجار فيما بعد كنت سأتدخل لكنّي تراجعت عندما رأيته ينهال عليها بالطّعنات إلى أن غدت جثّة هامدة، لم أستطع تمالك خوفي وما الذّي أفعله لذا هربت.»
أنهيت سرد ما حدث ليلتها لأجلس، أومىء القاضي ثمّ أعطى الإشارة لبيكهيون كي يتحدّث.
«كما سمعنا قبل قليل المشتبه به قد أقدم على افتعال جريمة شنعاء ليخفي آثار عبثه، أضف إلى هذا فقد حاول قبل يومين قتل الشاهدة ييه شوهوا بعد أن كانت تحت مراقبته طوال هذه الفترة مهددا إيّاها بالقتل إن هي ما عدلت عن تغيير أقوالها، أفعال مثل هذه تستحق عقوبة قاسية كي يغدو عبرة لكلّ من فكر في افتعال جرائم مثل هذه، سيادة القاضي وكطلب نهائي فعقوبته يجب ألاّ تغادر مجال الإعدام أو السّجن المُؤبد.»
تعالت الهتافات بين الحضور لحظة إطلاق بيكهيون لحكمه النّهائي إلى أن ضرب القاضي بمطرقته ويعمّ الصّمت، انتظره الجمع بفارغ الصّبر قبل أن يطلق حكمه ضدّ من كان يقف خلف القضبان بملامح لا تُفسّر.
«حكمت المحكمة على المتّهم كيم مينغي بالسّجن المُؤبد لمحاولة قتل وقتل بسبق الإصرار والترصد، رفعت الجلسة.»
هنا نظرتُ حيث كان مينغي يقف لأجد ملامحه قد تغيّرت من البائسة إلى الفارغة كونه علم أنّه سيمضي ما تبقى له في هذه الحياة بين قضبان السِّجن.
شعرتُ بالسَّعادة لأنَّ القضيَّة حلَّت دون المزيدِ من الخسائر، وبالامتِنان للمحقِّق بيون الَّذي ما تخلَّى عنِّي في ضائقتي المأساويَّة وكان مُخلصًا للوعد الَّذي قطعه عليَّ لحمايَتي. قرَّرت أنِّي سأشكره اللَّيلة بإعداد عشاءٍ شهيٍّ له، قد أسمَح لمشاعِري بوضعِ لمستها الخاصَّة شعلات على شمعدانٍ رومانسيّ لمحتُه ذاتَ يومٍ في أحد أدراج المَطبخ.
حينما ارتَحلت عن منصَّة الشُّهود أخيرًا تسنَّت لي رؤيتُه واقفًا على أهبةٍ للانصِراف يعتمِر الغُرور لأنَّه أضفى على رصيد نجاحاته نجاحًا آخر. دَنوت منه بلهفة، وكأنَّ المسافَة الهيِّنة بيننا تضاعَفت شعرت أنِّي تأخَّرت في بلوغِه، ورغمَ اللُّبس الَّذي عكَّر سحنته ما توانيت في التشبُّث بعنقه كما نشدت.
«شكرًا لك، لا أعلم ما الَّذي كان سيحلُّ بي لولاك.»
بعد أمدٍ من السُّكون سيَّر كفَّه على قفا عُنقري العارية مذ أنَّ خصلاتي مصفَّفة على شاكلة ذيل حصان.
«ذلك واجِبي.»
لم يرُق لي ردُّه العمليّ، كما لو أنَّه حرص على تجريده من العاطِفة. ما لبِث وأن خلعني عنه وبسطَ ذراعَه نحوَ المخرج بنُبل.
«فلنذهب.»
أطعت أمره الجافّ، فكنَّا آخر روحين تهجران قاعدة المحكمة الموحشة هذه، وتمنَّيت ألَّا يكتب لي القدر موعدًا آخر بين جُدرانها، الأيَّام الماضيَة استنزفت طاقتي، وشعرت أنِّي قد كبرت في العمر بعشرِ سنوات دُكَّت في أربعة أشهُر، المُصيبة القادِمة ستُشيِّعني إلى ضريحِ الموت لا محالَة.
ظننت أنَّه سيطرح عليّ بعض الأسئلة كـ: ما هو شعورك بمعرفة أنَّ قاتل سوجين سيتعفَّن في غياهب السِّجن ولن يبصر للأمل بصيصًا لما تبقَّى من حياتِه، لكنَّه صام عن الكلام كما لو أنَّه يدَّخره لأمور أهم ومجرَّد التَّفكير في أنِّي أدنى أولويَّاته يحرق شغافي. ما هي إلا ربع ساعةٍ حتَّى ارتكنَّا أمام عمارته، واتَّجهنا إلى الطّابق الذي يكتنف شقَّته في المصعد، لماذا لا يتعطَّل كما يحدث في الدّراما ويمنحني عُذرًا مقنعًا لمُعانقته ثانيةً؟
كان منسوب توتُّري يرتفع كلَّما اقتربنا من منزله لسببٍ أجهله، وعدستايَ معلَّقتان على ظهره كأنَّها لحظةِ وداع رغمَ أنَّ الفاصل بيننا رتيب لا يزيد عن المتر، وها نحنُ ذا نتخطَّى العتبة، مثل اليوم الأول والَّذي يبدو وأنَّه كان بالأمس، غير أنَّ المكان منظَّم يخلِّد لمستي، كيف سيمكنه العيش من دوني. كنت أبتسم مثل البلهاء ولم أدرك أنَّه توقَّف عن السَّير في غرفة الجُلوس إلى أن اصطدمت بصدره. تناءيت عنه بينما أفرك جبيني بدراميَّة، غافلةً عن نظراته الفتَّاكة.
«فلتشرعي في توظيب أغراضك لأنَّك ستعودين إلى منزلك، لقد اتّصلت بجدّتك هذا الصَّباح وأخبرتها أنَّك في مأمنٍ الآن.»
سقطت يدي بجوار فخِذي، ونضبت الألوان في وجهي، أدركت الآن سبب الصّمت المُدقع الَّذي ابتلاني به طوال اليوم، ذلك لأنَّه وفَّر كلماته ليبلغني بأنَّه سيبعدني عنه.
ادَّعيت الضَّحك كي لا يلمَح الأسى المتراكم في مآقيّ.
«لماذا أنتَ في عجلةٍ من أمرك؟ هل تودُّ التخلُّص منِّي بشدّة.»
لم يتكبَّد عناء الكذب حتَّى، وبكلِّ ما يختزنه من جمودٍ صرَّح:
«لقد اعتدت العيش بمُفردي.»
أعتقت زفرة دهشة حبستها بين أضلعي طويلًا، ورسمتُ ابتسامةَ قهرٍ اغتالَتها أنصال عينيه في ريعانِ شبابها، كانَت تؤكِّد لي أنَّه لن يتراجع عن قراره ولن يعيد النَّظر فيه.
«النِّفاق مسموح به في مِثل هذه المَواقف، حتَّى وإن كنت مصرًّا على رحيلي فلا ضَرورة للالتِزام الجديَّة في لحظاتنا الأخيرة، فقد قضينا وقتًا كافيًا لنتصرَّف بارتياحٍ أمام بعضنا البعض، أخبرني أنَّك اعتدت على وجودي في الأرجاء، وسيعصى عليكَ مُصالحة الوحدة في غيابي، أخبرني أنَّك تتمنَّى لو أبقى معَك، أو أنَّك ممتنٌّ لمعرفتي!»
عجيبٌ كيف صمَدت ملامحه في وجهِ أمواجي دونَ أن أخلِّف فيها أيّ انكسار، نسيت أنَّه رجلٌ مستقيم كالزَّمن ما لأحدٍ القدرة على تعويجِه مهما انتَحب.
«أيعقل أنَّك لا تشعر بأيِّ شيء تجاهي؟ ولو قليلًا من الودّ؟»
ضغَط على حوافِ عينيه بإصبعيه، قبلَ أن يفحّ بأخفضِ نغمةٍ يمتلكها.
«وهل عليَّ أن أشعر بشيءٍ تجاه كلِّ من يلتجِئ إليّ؟»
جحَظت عينايَ على إثر مساواته لي والجميع، كان يتحدَّث كأنِّي لا أعني له شيئًا، غيرَ مكترثٍ لحالة فُؤادي المُتدهورة. سرعانَ ما فتَح جفنيه، كاشفًا عن بُندقيَّتين مميتَتين، كانتا في الماضي لؤلؤتين لطالَما خطفتا أنفاسي.
«لا تسيئي تفسير كرمي كلُّ ما في الأمرِ أنَّك كنت عملًا وقد انتَهى الآن.»
استَغرقتُ في ترميمِ مُهجتي بضعة ثوانٍ وربَّما دقائِق، حتَّى أرحل بما تبقَّى لي من كرامَة، وقبلَ أن أخطو نحوَ الغُرفة الدَّافئة الَّتي احتضنتني لأشهر، هتفت بانكِسار.
«سحقًا لك بيكهيون، ستعيشُ وحيدًا طوال حياتك.»
يقال إن أحبّك شخص بحق سيعاد لَمِ شملكَ به يومًا ما لكنّي ما صدّقتُ هذا الهراء بتاتًا، هاهي ذي الصّفحة الأخيرة تطوَى من عدّة ثلاثة أشهر وما تغيّر شيء بحالِي لازلت أفكر به، رغامة جرح مهجتي ونزيف فؤادِي الأليم إلاّ أنّي ما استطعتُ صرفه عن تفكيري وأيّامِي، إنّي أتناسَى فقط ولستُ أبذل جهدًا يذكر في نسيانه وملامِحه، حتّى وإن كان اخر لقاء بيننا غير حمِيد وله ذكرى سيّئة على نفسِي لكن القلب يظّل موبوءًا، كذلك أنا لازلت وسأبقَى بما أكنّه له موبوءة القلب والقالب، ولستُ أظن أنّ نسيان رجلٍ مثله سيكون سهلاً.
خلال هذه الفترة عادت حيَاتي إلى مجراهَا السّابِق، مملّة، روتينيّة لكن وحيدَة، فصديقتِي المُقرّبة قد وافتها المنية بسبب وحش انتهى به المطاف مسجونًا، والرّجل الذّي ظننتُه ملجئي قد تخلّى عنِي بقسوة دون أن يرف له جفن، خلال الفترة الاخيرة حصلت بيني وبين عمّتي بعض المشاكل وقد هددّتني أنها لن تقوم بمساعدتي في دفع مستحقات الجامعة كونها سنتي الأخيرة في الثّانوية لذا قررت البحث عن عمل يساعدنِي في جمع الجزء الأكبر من مستحقاتي وقد وحدت واحدًا بعد بحثٍ طويل.
صرت أعمل كسائقَة لدى مؤسسة خاصّة للسائقين الذّين يقومون بنقل زبائنهم حيثما أرادُوا، واليوم تحتم علي نقل زبونة من مكان إلى آخر، صبري الضّيق قد بدأ ينفذ عندمَا أعلمتني أنّ وجهتنا القادمة هي الملهى الليلي لكنّي بحاجة إلى هذه الوظيفة لذا قدتُ بإكراه كونِي شعرت بأن النّحس يضمر بي من بعيد وهناك خطب سيحدث خلال اللحظات القادمَة.
في بداية الأمر أصرّت علي الدّخول معها لكنّي رفضت، أكره هذه الأماكن ولستُ مستعدّة أن يتم اعتقالي كونِي قاصر ولا يحق لي التواجد هنا من المقام الأوّل، لكنّها هددت باشتكائها لمديري لذا اتبعتها خوفًا على سُمعتي، كانت المكان مكتضًا والكثير من المشاهد والمناظر المخلّة قد التقطتها عيناي، رائحة النبيذ والسّجائر تعبق المكان بينما السّاحة فمكتضّة بالأجساد الرّاقصة بجنون، شعرت أنّي بوكر المجون والفسق وقد كنت على وشكِ التقيء لما أراه أمامِي.
تقدّمت تلك الغبيّة نحو طاولة بها أصدقاءها وما اكترثت لي كنت اشعر بعدم الرّاحة لكميّة الاعين المُوجّهة نحوي ناهيك عن الأيدي التّي ظلّت ترمى حيث جسدي كلّما عبرت وتعنقت أكثر بهذا المكان المثير للإشمئزاز، ظللنا نحو نصف ساعة إلى أن عمّت الفوضى بشكل مفتجىء وارتفعت الأصوات والهتافَات المفزوعة من حولنَا هنا أيقنت أنّي سأقع بورطة كبيرة كون الشّرطة داهمت المكان، حاولت الهرب قبل أن يمسكني أحد لكنّي ما استطعت وسرعان ما أمسك أحد الشرطيين بتلاليب قميصي ثمّ قام بجري إلى الخارج بقوّة غير آبه لمحاولاتي في شرح موقفي نابسا بـ: «برري موقفك بمركز الشّرطة يا فتاة.»
-
مضت الأيّام وتوارت لياليهَا ببطىء أثقل كاهلِي، ثلاثة أشهر قد طوَت عدَّتها مذ غادرت شوهوا، رحلت ليرحل معهَا بريقُها، عاهدتُ ألاّ أضعف، ألاّ أكون لقمة سهلة لمصيدة المشاعر، لكنّي وقعت وخلال الفراق أيقنت أنّ لتلك الصّغيرة ركنًا مميّزًا بأيسَري، كُنت أجلس فوق الأرِيكة بغرفة الجلُوس وقدح المشروب بيدي.
أنظرُ بالأرجاء ببرود، قدماي ماعادت تطىء هذا المنزل إلاّ لتغيير ثيابي ثمّ أغادِر، كل ركن بهذا المكان يذكرنِي بها، أرى خيالَها بين أرجاءه، صوتهَا وتذمراتها دومًا ما يرن بين مسامعِي ليظلم فؤادي ويزداد ثقلا عن ثقل، عملتُ على صرفهَا بعيدًا عنّي قبل أن أفقد السّيطرة على أيسري ويزداد تعلّقي بها.
قررت بتر أوصَال الأمل قبل أن تقوَى ويغدو قطعها مُستحيلاً لازالت يافعَة كزهرةٍ شمّاء لها حياتها والدّرب طويل قبالتَها ليس من العادِل أن تقع أسيرة مع رجلٍ سبق وخاض مع الحب نزاعات وكتب عنه دواوين وعناوين لكنَّها رُدمت متّى ما غادرت مُسببة هذه الفتنَة وتركت خلفها رجلاً أجوف الفؤاد فاقدٍ للشّعُور، عملتُ على بثّ سمومِي بين أوصالِها كي تكرهنِي ولا تبقَى لي ذكرى في مستقبلِها، إلاّ أنّ تألّمها من تألّمِي وضنكها من ضنكِي، كلماتُها الأخيرَة أردت آخرة بذرة نورٍ بدواخلِي كونها محقّة لأنّي سأبقى وحِيدًا لا رفيق يؤنسنِي ظلمتي.
لازلتُ جريحَ المُهجة داميَ الرّوح وما كان سببي سوى طعنة من خنجر الفقد، لازالت حواسِي تهمِس بتراتيل حب قديمٍ وقف أمامه القدَر، لكنّي مُتخبّط مافهمتُ سبيلي من هذه المتاهة بعد، مشّوش الفكر دربِي غمرَه ضبابٌ كثيف ما قدرتُ الإبصار من خلالِه، قلبي هوَى حورَاء حفيدة النّجوم وعقلِي أبى تقبّل انتفاضَة أيسرِي ولازال يُصارع لفُتاتِ ما تبقَى من حكاية مرّ عليهَا الزّمن وولَّى.
بتُّ أشكُّ فيما إذا كانَ التِحاقي بأكاديميَّة الشُّرطَة خيارًا خاطِئًا مُنذ البِدايَة، فما أكسبني مِن أوسِمَة لا يُضاهي ما قبَضه مِنِّي كضريبَة، بسبب عملي خسِرتُ زوجَتي في الماضِي القصيّ واعتَزلتُ الشُّعور، والآن ضيَّعتُ عليَّ قصَّة حُبٍّ فرَضت نفسَها بينَ أبياتِي رغمًا عنِّي، أراهِن أنّ ذِكراي فيها قد ذُبلت، إذ قتَّرت في سقيها طواعيَة.
كُنت منكبًّا على دراسَة ملفِّ القضيَّة المُتعلَّقة بجريمة قتل، حينَما هبَّ تشانيول مِثلَ العاصِفة على مكتَبي المُلتحمِ بعدَّة مِن أمثالِه، لم يتريَّث ليلتقِط أنفاسَه، بَل مجَّ الكلِم على عجل، كأنَّ ما ألمَّ به لا يحتمِل التَّأجيل.
«لن تُصدِّق ما رأيتُه في القِسم مُنذ لحَظات، يا إلــهي.»
أخفَضتُ الوَرقة عن وجهِي، كي يصِله وفدُ جفنايَ المُتوعِّد بالموتِ دونَ استِثناء.
«تحدَّث دونَ فواصِل دراميَّة لإثارَة التَّشويق بداخِلي، فأنا لا أحبُّه.»
ندمتُ على الطَّلبِ الَّذي صِغته في قالبٍ مِن التَّهديد إذ صرَخ بصوتٍ مُرتفع.
«إنَّها شوهوا.»
جفَّ الزَّمن مِن جُبِّي فما اغتَرفتُ سِوى الفراغ، سماعُ اسمِها عقِب غيابٍ طويل عاثَ الفوضى في حواسِي، وما عُدت قادِرًا على سماعِ صوتِ دقَّاتِي، كأنَّ قلبي خرس إلى الأبَد. ما لبِثت وأن تحرَّرتُ مِن براثِن الشَّوق ورمَقتُ زميلي الَّذي يهوى المُزاح بشكّ، نهرتُه في السَّابِق كثيرًا حتَّى أمسكَ عن ذِكرها أمامِي ولو بنيَّة الهَزل.
«أقسم لك أنِّي جادّ هذِه المرَّة، رأيتُها موقوفَة في القِسم تخضَع للاستِجواب مِن قِبل هيوك، أنتَ تعلَم أنَّ زُمرةً مِن رِجالنا داهموا ملهًا هذِه اللَّيلة، هُناك قُبضَ عليها برفقةِ مجموعةٍ مِن الشَّباب، ويشتَبهون بأنَّها مُتورِّطةٌ في حِيازَة المُخدِّرات.»
لم أستَطِع تصديقَ ما ورَد أُذنايَ للتوّ، أنَّى لشبيهَة البَجع الَّتي لا تطوفُ سِوى البُحيرات الطَّاهِرة أن تُلقَط في مكانٍ قذر؟
حينَما التَمست الجِديَّة في ادِّعائِه رميتُ الأوراقَ على سطحِ المَكتب وهرَعتُ إلى القِسم الكامِن في مُقدِّمة المَبنى دونَ تردُّد، نسيتُ كُلَّ الكلامِ الجارِح الَّذي رجمتُها بِه، والازورار الَّذي سجَّى ملامِحي، في لحَظاتٍ حريٌّ ألَّا تحمِل سِوى باقاتٍ مِن التَّعاطُف، دُست حُبَّا الجليَّ لي بوَضاعَة ثقيلَة، أنا الرَّجُل الَّذي يرصُد المُجرمين على بعد افتِراء، لن يُخطِئ في تمييزِ الحبِّ وُهو راكِبٌ على ذاتِ العبَّارة اللّحظيَّة الَّتي استقلَّها!
شارَفتُ على الجَناحِ المُكتظِّ بأعوانِ الأمن، وبعثرتُ نظراتِي بينَ الأثاث إلى أن حطَطت على مكتَب هيوك، كانَ جالِسًا خلفَ حاسوبِه، يلقُف بينَ يديه دَفتر مُلاحظاتِه، وقُبالَته تقبَع نجمَة دُجاي، ترتَدي بذلةً سَوداء أكبَر مِن عُمرِها، وشعرُها هامدٌ على ظهرِها مضمومًا بربطَة، كُلَّما ازددتُ مِن مضجَعها قُربًا اتَّضحت نغَماتُها الحُلوة.
«أخبرتُك أنِّي بريئَة، لا علاقَة تربِطُني بتلك الجماعَة، كُلُّ ما في الأمرِ أنِّي أعملُ سائِقة بديلة، أصرَّت السيِّدة على اصطِحابِي إلى الدَّاخِل، ولم أرِد المُخاطَرة بأجرَتي.»
كانت تتحدَّث بسأم، ومِن الواضِح أنَّها رتَّلت على مسامِعه العُذرَ ذاتَه مِرارًا وتكرارًا.
«لقد ثَبتت براءَتك مِن موضوع المُخدِّرات، ولكنَّك ما تزالين مُدانةً بدُخول ملهًى رغمَ أنَّك خارِج السنّ القانونيّن، سيتوجَّب علينا الاتِّصالُ بوليّ أمرِك للوصولِ إلى حلّ.»
حطَّت رأسَها على الحَطب بإحباط، حينذاكَ أقحَمتُ أنفي في حياتِها للمرَّة الثَّانِية، ولسببٍ ما أشعُر أنِّي لن أستطيعَ التملُّص مِنها قريبًا.
«أنا الوصيّ عليها.»
كانَ بصري مُسلَّطًا على شوهوا الَّتي نظرت إليّ مُقطِّبة حاجبيها، وما إن رأتني حتَّى فضَّت بينَهُما بدهشَة، في حينِ نبسَ الشُرطيُّ المُكلَّف باستِجوابِها.
«المُحقِّق بيون!»
لم أُعره أيَّ انتِباه، فقد حصَدت حُقولي مِن سنابِله بأكملِها، وطَحنت العَقائِد الطَّالِحة الَّتي تمسَّكتُ بِها لوقتٍ طويل، مُنذ أن هدَّ الفُراق ثِقتي بالهَوى، ما سبَق وأن فكَّرت في منح الحياة فُرصةً أُخرى، خِشيَة أن تُخرِّبني أكثَر بدَل أن تُصلِحني، كُنت جبانًا لأخاطِر بنفسِي لكِنِّي ما عُدت أمانِع الانتِحار مِن حافَّة الأمان لأحصُل عليها. لفحتُ سواحِلها بنسماتِ مُقلتيّ، فتأجَّجت أمواجُها بحنين، ما فاهَت به أمامي.
اضطررتُ إلى التنحِّي عن مَرآها، خِشيَة أن يبزُغ الهُيام في عيناي، وبتهكُّم استَفهمت.
«هل يروقُك التَّواجُد في قسم الشُّرطَة؟ أم أنَّك اشتَقتِ إليّ بهذِه السُّرعَة؟»
تمَضمض فمُها بالرَّبكَة قبلَ أن تُفلِح في السَّيطرة على اتِّزانِها، وتنفي بكبرياء.
«مَن اشتاقَ لمن؟ ألستَ مَن عثَر عليّ؟»
«تِقنيّا، أنتِ في مقرِّ عَملي.»
خانتها الثِّقَة فانثَنت عُنقها وصبَّت بنظراتِها على يديها المُتشابِكتين فوقَ المكتب. همَّشتُ علاقتنا لبُرهَة، وتولَّيتُ مُخاطَبة هيوك لتحريرِها مِن الوَرطَة الَّتي التفَّت حولَ كاحِليها، حتَّى المَشاكِل فُتنت بِها وباتَت تأبى مُفارقَتها. تمَّت إجراءات إطلاقِ سراحِها بسَلاسَة، دونَ أن تُلطِّخ سجلَّها العدليّ بشفاعةٍ مِنِّي، وأدبَرنا إلى الشَّارِع في صمت. كانَ التوتُّر واضِحًا عليها، خطّته لُغةُ جسدِها على صفحاتِها ببلاغَة، حينَما هبَطنا الدَّرج إلى الباحَة الأماميَّة حيثُ اصطفَّت سيَّاراتُ الشُّرطَة، كنَّت خُطواتُنا، وانعَطفت نحوِي مُنحنية بأدب.
«شُكرًا على مُساعَدتك لي مُجدَّدًا.»
في اللَّحظة الحاسِمَة شُلَّ جسَدي، وما أديتُ نحوَها أيَّ نُسك، بل اكتَفيتُ بمُشاهدتِها وهِي تُعطيني بظهرِها مِثل السَّابِق، كُنت واثِقًا أنِّي لن أحظَى بفُرصةٍ أخرى لمُصالحتِها، لذلِك فككتُ أغلالَ الوَجل حولِي، وثَنيتُ ذِراعي اليُمنى حولَ عُنقِها مِن دُبر مُتنعِّمًا بالدِّفء المُنبعِث مِن ملابِسها، تطلَّب البَوح مِنِّي دقائِق مهدورَة، وذخيرةً مِن الأنفاس.
«بنيتِ لكِ بحياتي نُزلًا دونَ رُخصَة، فهل تودِّين الإقامَة فيه مِن الآن فصاعِدًا؟»
كما لو أنَّها ترقَّبت عرضًا كهَذا بفارِغ الصَّبر وَثبت المُوافقَة مِن سويداء قلبِها.
«أجل.»
جهَّزتُ نفسِي لانتِفاضة لوم مُنتهاها دموعٌ مُراقَة مِن عينيها، وصُراخ يأسٍ نابِع مِن فمي، لكنَّها أذهلتني، وجعلتني أشكُّ في أنَّ ما نعيشُه الآن كابوسٌ متنكِّر بثوبِ حلم.
«بهذِه السُّرعَة؟»
أعتقتُها مِن وثاقِي سامِحًا لها بمُواجَهتي، وتحتَ ضِياء العَمود الكهربائيّ، أدركت أنَّها أطغى من أيِّ وهجٍ كونيّ، تغزوهَا رقعٌ من الورودِ الغاويةِ كلَّها بذرها الخَجل.
«بصَراحَة، عِندما كُنت جالِسة في القِسم ورغمَ أن يُراوِدني الخوف تمنَّيت لو تمرَّ بالصُّدفَة وتعثُر عليّ، أو أن ينقُل إليكَ أحدهم نبأ تواجُدي هُناك فتهبَّ إلى نجدَتي، عسى أن أتفاجأ بتغييرِك لرأيِك، أنا عديمة الكرامة، أليسَ كذلِك؟»
«لا كرامَة في الحب.»
أهدت صدري لكمة خفيفَة جعلت من ابتسامتِي الخفيفة تزداد وسعًا، يقال الفرصة لا تأتِي إلاّ مرَّة واحدة لذا سأحرص على اغتنَامها جيّدًا.
<النّهاية.>
ثنائي الشيطان آر هير 😎💃💃💃
وهيك خلصت قصتنا الصغننة 😭😭 ان شاء الله تكون عجبتكم، آراءكم تسعدنا ❤
رح اشتاق للمحقق الفوضوي 😭
شيراز 🎤🎤
ياهلا بالغلاوات الحلوين كيفني وانا اتغزل فيكم وهذا شيء نادر الحدوث فضل يوم ونودع 2020 سنة الكفاح والجهاد😂 وش تتوقعون يحدث في 2021!
كامي *هجوم الديناصورات والزومبيز*
المهم من دون ما اوصيكم قدموا الحب للقصة والا اقتلكم باي.👁👄👁
دمتم في رعاية الله وحفظه ❄
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro