حُرقة بعدَ نجاة| ٠٣
حدسُ المُحقِّق الكامن بينَ تلافيف عقلي لا يخيبُ أبدًا وقد نبَّأني أنَّ تلك الصَّغيرة تُضمِر في سريرَتها دفينةً حريٌّ بي أن أعلَم عنها، وما بدت على أهبةٍ للتَّعاون، حاوَلت إخمادَ جانبي المُظلم قبلَ أن يصلِي صورتي بنظرِها، مذ أنَّها ليست في دائرة الاتِّهام لتستحقَّ منِّي معاملةً كالمُجرمين، ذلِك ما حاوَلت تذكيرَه لنفسي ذات الأعصاب المُنفلتة.
خلال الطَّريق إلى المنزل فكَّرت بوسيلةٍ لاستِدراجها إلى البوح، فلو أصرَّت أن تتوكَّل على نفسها لن أستطيعَ مدّ يد العون لها في التَّوقيت المُناسب، كانَت الشقَّة مرتَّبة أكادُ أعود أدراجي كلَّما فتحت البابَ واستَقبلتني بأناقَة لظنِّي بأنِّي أخطأت العنوان، كلَّما أحدثت قليلًا من الفوضى هرعَت ترتِّبها، تفانيها يُشعرني بالحَنين لزَوجتي الرَّاحلة أحيانًا، كذلك توبيخُها لي كَما لو أنِّي طفلٌ في الثَّامنة، اعتَدت على وجودِها بالآونة الأخيرة.
ألقيتُ سترتي على الأريكَة بعشوائيَّة ثمَّ جلست بدوري، أمَّا شوهوا فالتقطتها من مسقطها ورمَقتني بنظراتٍ مؤنِّبة قبل أن تصطَحبها إلى غُرفتي، قرَّرت أن أمنَحها بعضَ الوقت لترتاحَ من إرهاق المَدرسة قبلَ أن أفتتح معها استِجوابًا وديًّا.
جلبت من المَطبخ قارورة ويسكي وقدحًا، ثمَّ أزحت الحائط الزُّجاجيّ المؤدِّي إلى الشُّرفة ووقفتُ هناك أحتسِي الشَّراب، بينما أطالع السَّماء المطرَّزة بالنُّجوم أفكِّر في حاضِري الأجوف، حتَّى تخلَّلت شوهوا خلوتي.
«لماذا تشرب بمفردك؟»
خطفت النَّظر إليها بطرفِ عينيّ، فانتبهت إلى أنَّها غيَّرت ملابسها المدرسيَّة، إلى ملابس نومٍ مريحَة، ورديَّة اللَّون.
«لأنَّك قاصر، بالتَّالي لا أمتلك شريكًا محتملًا لنشربَ سويًّا.»
حدَّقت بكأسي الَّذي يكاد ينضب، قبل أن ينقب صوتُها السَّاخر من وعيي.
«من الجيِّد أنَّك لست مُدمن كحول أو غريب أطوار كأغلبيَّة المُحقِّقين في الدّراما، رغم أنّ مزاجك سيّء.»
بشرودٍ قلت:
«ليس كلّ ما يُعرض على التِّلفاز صحيحًا.»
«عليك مقاضاتُهم بتهمَة تشويه السُّمعَة.»
حدجتُها بنظراتٍ مميتَة، إذ قلَّدت ذات التَّهديد الَّذي ألقيته مرَّة على صاحب الشقَّة المُجاورة لي، لأنَّه أقامَ حفلة صاخبَة، حرمتني من النَّوم طوال اللَّيل.
«ماذا؟»
هتفت تدّعِي البراءة إلاّ أنّي تجَاهلتُها وارتشفتُ القليل من كَأسِي، تقدّمَت هي لتقف بالقرب من محّل وقُوفِي بنظرٍ شاخضٍ للأسفل، تُطالِع المدينَة وأضواء شوارِعها التّي بانت صغيرة كحجم حبَّة القمح، مرّة أخرَى ألاحظُ شرودها، تبدُو غارقَة بأفكارِها وهواجِسهَا.
زممتُ شفتاي أخمن في طريقَة ما تُساعدنِي على استخراج الحدِيث من بين شفتيها، فكرتُ قليلاً سرعان ما ابتسمتُ بجانبيّة، صرفتُ نظرَة جانبيّة نحوهَا قبل أن أنبسَ بهدوء.
«أترين هذا الكأس هنا.»
ثبتت حدقتيها حيثُ كأس المشروب التّي سبق ووضعتُها على حافَة الشّرفة، حركّت رأسها بإيجَاب ثُمّ ناظرتنِي بشيء من السؤال يملىء عينيها، ارتفع طرف شفتي للأعلى بضع انشَات ثُمّ هجرتُ بما يدور بين دهاليز عقلِي متأكدًا أنّي سأصل إلى حيثُ أرغب.
«موقعه على الحافّة حاليًا بدفعة بسيطة من اصبعِي سيهوي، وسينتهِي به الأمر حُطامًا متناثِرًا.»
قُلت بهدوء ونبر عميق بينمَا أطالِع تعابيرها الفارغَة وشفتيها المزمومَتين لكنّي ما توقفت، إن ظنَّت أنّها بصمتِها ستُفلت فهي مُخطِئة، سرعان ما عنَّفت كفيّها تَصّبُ ما يخالجها داخليًا لكنّها ظلَّت صائمة عن الحدِيث هنا قررت انتهاج بعض الخشونة مقابل عنادِها.
«هل تريدين أن تكونِي محلَّ الكأس؟ أترغبين بذلك فعلاً؟»
لم تتخلَّى عن موقفها بل ظلَّت متشبثَة به كأنَّما الحياةُ تتركزُ عليه لكنِّي وقفتُ مقابلاً لها مُشابكًا ذراعاي، أمَّا أنصالي الحادَّة ما توقفت عن سلخِ جلدهَا دون هوادَة.
«أعلم أنّ هناك خطب بكِ، لستُ منجمًا كي أخبرك ماهيته لكنّك تستطعين البوح بما يحصل معك لأنّي لستُ بطلاً خارقًا ذو قدرات تفوق المنطق إن لم تخبريني ما الذّي يحدث معك، هذا إن كنت تريدين البقاء سليمَة وتحت جناح الحماية على الأقّل.»
ظلّت تزُمّ شفتيها إلى أن لاحظتُ بَريق حدقتيهَا الغريب، بدت لي على وشك البُكاء لكنّي لم أزح أنظاري عنها ليس قبل أن تُطلق ما يغمرُ رأسها الصّغير ذاك، كانت على وشك التّجاهُل إلاّ أنّها في نقطَة ما وقعت تحت قبضَة هالتِي المُخيفَة وما تبقى لها سوَى الإدلاء، تنهدَّت بعُمق مبعدة عينيها عنّي ثُمّ قالت خفيضة النّبرة.
«مينغي قد هددني اليوم خلال الدّوام، لا أدري كيف عَلم ذلك لكنَّه على دراية بأنّي ذكرته خلال طرحي شهادتِي، قال إن لم أغيّر أقوالي التّي أدليت بها مؤخرًا سيجعلني ألحق بسوجين عاجلاً أم آجِلاً.»
شككتُ بنسبة صغيرة أنّها تحت ضغط التّهدِيد، ذاك الصّعلوك المُدلل يظّن أنَّه سيمضِي سالمًا خارج هذه اللّعبَة لكِنَّه مُخطىء بشكل تام، لاحظت ارتجاف نبرتِها حينمَا ذكرت اسم صديقتِها الرّاحِلة، بينمَا حدقتيها فقط اظهرتَا حُزنًا عظِيمًا ما ألفته بهمَا سابِقا، كانت تُحاول ابتلاع بكوتِها والتّي غدَت ككتلة شائِكة تُدمِي حلقهَا.
لستُ الشّخص المناسب خلال هذه المواقِف ولا المُتكل عليه للتّخفيف عمَّا يُثقل روح من هو أمامِي، لطَالمَا بكيتُ بصمت، تألمتُ بصمت، عانيتُ ألم الفقدان بصمت، إلى أن فقد فُؤادِي صوتَه وأصبح هادئًا لا سيمفونية له، لستُ أملك فكرة عن المواساة أو عن ماهيتِها، لكنّ دموعهَا المُتمرّدَة سببت وخزًا بأيسرِي وجعلت من جسدِي يتحرّك دون إرادة نفسي، لم أعي كيف جذبتُ ذراعها مقربًا جسدها نحوي إلى أن اختفَت هيئتُها الضّئيلة بين أحضانِي وظلَّت تشهقُ بكوتها بهدوءٍ جعل من آلام دفينَة تُزرع بدواخلي مرَّة أخرى.
تشبَّثت بجنبيّ، كأنِّي بتُّ الجِذع الَّذي يُبقيها على قيدِ الوقوف، واعتَكفت فيَّ إلى أمدٍ طويل تَشكو لي الغُصص الَّتي تحجَّرت بداخِلها بأبجديَّة الدُّموع، يا لجور الحَياة لا تأخُذ بعينِ الاعتِبار حينَما تهمُّ بانتِقاء ضحيَّتِها المُواليَة عُمرَها ولا هَشاشَتها، ولا تُحبِّذ أن يكونَ خصمُها بحجمِها، فالعَدل مُلغًى مُن قاموسِها.
عقِب لحظاتٍ مِن السُّكون سُفلى سماءٍ ساجية، بادَرت بالتَّنائي عنِّي؛ ربَّما خشيت أنِّي لن أرحِّب بإقامتِها لفصلٍ سحيق بينَ أضلُعي، رغمَ أنِّي من دعاها إليّ، وأحاطَ جفناي بصورتِها المأساويَّة، والخراب الَّذي عاثَه الخوفُ في مُقلتيها، بدَت لطيفةً والعبَرات تلمَع مِثل اللَّآلئ في محارَتيها، وقد انتَهكت الحُمرَة أديمَها الأبيَض في كلٍّ مِن أنفِها وخدَّيها، مددت يدِي نحوَها أزيلُ آثارَ العاصِفة عن مُحيَّاها برِفق، فبُهِرت لملمَسِها النَّاعم، وتهيَّأ لي لوهلةٍ أنِّي قد وطأتُ القَمر، ولو نظَرتُ إلى بنانِي لعثَرتُ على غُبارٍ لمّاع عالِقٍ فيهما.
لأوَّلِ مرّة شيَّدنا جِسرًا بصريًّا ربطَ بينَ ألبابِنا، أتاحَ لي العُبور إلى ضفَّتِها وتأمُّلِها عن قُرب حوَّر جميعَ أفكاري البَريئَة، وبانَت لي جميلةً مِثل حورِ الفِردوس، كأنَّها وُلِدت مِن رحِم غيمَة. استَقالت يدي عن الوَظيفَة الَّتي كلَّفتُها بِها، وجالَت على وجنتِها، في حينِ تهاوَت نظراتِي عن الجِسر إلى واديها الَّذي جَرت فيه نُهرٌ مِن الغِواية، لعلَّ المَشروبَ غسَل دِماغي مِن حِبر الوعي، وإلَّا لما احتَذت شَفتايَ بِها تشتَهي الارتِواءَ مِنها، كانَت وثيرةً مِثل الحرير رغَّبتني في الاستِلقاء عليها، ولقم القُبل مِن سلَّتِها حتَّى الأبَد، فلَها مذاقٌ مِثل الكَرز، وما يتَناوُله إلَّا سُلطان.
ما لبِثت وأن ردَّت لي الصَّاع بمِثله رغمَ شحِّ خِبرتِها، تيسَّر لي معرفِة أنِّي أختلِس قُبلاتِها الأولى للتوّ، ظننتُ أنَّها ستَثور لا أن تُوالِيني بخُنوع، كأنَّها تُكنُّ لي دفائِن ما لمحتُها مِن قبل، عقَدتُ ذِراعيّ حولَ خصريها وقيَّدتُها بِها لأفتِك بِها كما ينبَغي.
أجبَرني نفاد المُؤن مِن خزَّانِي على الانسِحاب، وفكِّ الحِصارِ حولَها. كانَ وجهها مُتورِّدًا، وأشكُّ في أنَّ لحَرارة القُبلة دخلًا فيه، على الأرجحِ الحياءُ هُو ما جَلدها، لم تستطِع أن تُطيل النَّظر إلى عينيَّ، لكِنَّها لم تُغادِر كأنَّها تترقَّب خُطوتِي القادِمة بصبر. صفَّفت خصلاتِها الشَّارِدَة خلفَ أذنِها، ثمَّ همستٌ بسَكر.
«فلتَذهبي إلى النَّوم، تأخَّر الوَقت.»
-
ما اختَبرت من قبل مشاعِر طاغيةً كتلك الَّتي نفثها في ثغري، وما اعتقَدت أنِّي قد أرضخ لرجلٍ لاسيما في هذه الظُّروف القاهِرة، التَّوقيت ليسَ مُناسبًا حتَّي أعتنق الحبّ لأولِّ مرَّة ولو أنَّ الأمر بيدي لقاومتُه لكنِّي لم أقتدِر، كأنَّ نفسي انشقَّت عنِّي واتَّخذت القرار بالنِّيابة عنِّي، وكأنِّي بلا كيان آويته فيّ.
انصعت لأمره واتَّجهت إلى الغُرفة الَّتي أقيم فيها، وارتَميت على السَّرير مستسلمةً لحيرتي، نُقطة النِّهاية الَّتي طوت على صفحةٍ حميمَة أثقلت كاهليّ، وتساءلت لماذا ودَّ إرسالي بعيدًا عنه دون أن نفضّ القضيَّة العالقة بينَنا، أم لأنَّها كانت مجرَّد هفوة بسبب المَشروب؟
«فلتَذهبي إلى النَّوم؟ أهذا معقول؟»
رفعت ظهري عن الفراش مُكتفيةً من التَّحديق بالسَّقف، الآن وقد اختليت بنفسي ثارَت أعصابي الَّتي كان يفترض أن تثورَ عليه، وثرثرَت كأنَّ الجدران تصغي إليّ.
«كيفَ له أن يقبِّلني دونَ إذني؟ حتَّى وإن تجاوبت معه فهو البادئ والبادئ أظلم! أستحقُّ منه تفسيرًا على الأقلّ، كي لا أرفع سقف آمالي!»
فزعت حينما سمعت صوتَ خطواته على مقربةٍ من غرفتي، وبجنٍ تواريت تحتَ الغطاء، أتظاهر بالنَّوم كفتاة مطيعَة، رغم أنَّه لم يلِج.
«كدت أموت رُعبًا...»
صباحًا حينَ قُمت بروتينِي المُعتاد وتوجّهت صوب المَطبخ أجهز الفطُور نظرتُ حيث باب غُرفته ثمّ مضيت هناك أتمشّى على رؤوس أصابعِي إلى أن حطّت أذنِي على سطحه، أحاول التقاط صوتٍ نابعٍ من الدّاخِل، لكنّي ما التقطتُ نفسًا، تنهدَّت ثمّ سُقت خُطواتي نحو وجهتِي الرّئيسيّة مباشرة تجهيز الفطور لكلينَا.
تجلَّت هيئته بالأرجاء بعد نصف ساعة، بارد الملامح جامد الحضور مثلمَا كان، ظللتُ جالسَة محلّي قبل أن أجاهره مبعدة عيناي عن خاصّته قبل أن تحط إلى وجهتي.
«لقد صنعت لك حساء الأعشاب البحريّة علّه يُفيدك.»
ظلّ صامتًا ينظر بين الوعاء وبيني لذا أشرت نحو الوعاء أبرر فعلتِي.
«تعلم هو مفيد لإبعاد آثار مابعد الثّمالَة.»
لم يقل شيئا غير صرفه لـ:«شكرًا.» خافتة ماكادت تبلغ مسامعي، زممت شفتاي لبروده وببعض السّوء كونِي أيقنتُ أنّ قُبلة أمس ماكانت سوَى وليدَة غلطَة ثملة من شفتيه، لم أتطلّع منه الكثير لكنِّي شعرت بالإستياء كونَه استغّل قبلتي الأولى واستهلكهَا بسبب ثمالتِه التّافهة، الخطأ خطئي أيضًا كونِي انصعتُ خَلف تخيّلات خاطتَها مشاعري التّافهة، كانت زلَّة قلب سأدفع ثمنهَا غاليًا، كنتُ أغوصُ بين هواجسِي إلى أن أخرجنِي صوتُه الرّتيب من شرودِي معلمًا إيّاي أننا سنغادر كي لا أتأخر على دوامِي.
التوصِيلة للثانويّة كانت صامتة ومُثقلة من قبلنا نحن الإثنين فبقدرِ شرودِي كان غارقًا للعُمق السّحِيق كذلك، كجسدٍ بلا رُوح، لم أرد الحدِيث أو جلب سيرَة أمس مادامه ما أخرج كلمَة تتعلّق بما حدث اللّيلَة الماضية عزمتُ على ردمِها بنهاية رأسِي لأنّي لستُ أهلاً للسّخرية أو لتلقي سياطِ كلامتِه المؤلِمَة، بعد أن حطّت سيّارته أمام مدخل الثّانويَة أبعدت عنّي حزام الأمان ثمّ حملت حقيبتِي وكنت على وشك مغادرة السيّارة دون كلام إلاّ أنّ ذراعِي وقعت رهينَة قبضَته، استدرتُ حيث يجلس بحدقتين متوسعتَين وقد شعرتُ بنبضاتِي تتسابق بين أضلعِي ظنًا منّي أنّه سيفتتح حديثًا يخصّ ما حدث أمس لكنَّه طالعني بجديّة قبل أن يطلق وصاياه.
«انتبهِي إلى نفسك ولا تنسي أن تكونِي فطنة لما يحدث من حولك، لا تتردي في اعلامِي بأي حركَة لفتت انتباهكِ أو مريبَة اتّفقنا؟»
زممتُ شفتاي أحاول التّحكم بتعابيري التّي بدأت تنهار ببطىء لأومِىء له وأفلت قبضته مغادرة على جناح السّرعة فالجو غدى خانقًا رفقتَه، خلال بداية الحصص لم يحدث شيئا مريبًا لذا قررت إتمام يومِي الدّراسي دون شكوك كما أنّ ذاك المجرم ما بان له أثر اليوم وهذا مريح بشكل ما، لكن بعد فترة الإستراحة وخلال الحصص الثّلاث الأخيرة أدركتُ أنّي مراقبة طوال تلك الفترة، كنت كلّما أتنقل من مكان إلى آخرفي المدرسة أشعر بأحد يراقبني أو يتتبعُ خطواتِي، اثر ذلك شعرتُ بالخوف يتسلل دواخلي ببطىء وما وجدت حلاً غير اللّجوء إلى بيكهيون.
عُدت إلى الصّف حيث سندرس آخر حصّة لليوم وقبل أن يلج الأستاذ أخرجتُ هاتفِي ثمّ كتبتُ رسالة سريعة لبيكهيون أخبره بشكوكِي، حافظتُ على برودة اعصابي وفراغ ملامحِي ومثّلتُ كما لم اعلم أنّي تحت رقابة أو ماشابه كي لا يشك أحد أنّي على تواصل مع المحقق وأطمح إلى شيء ما.
انتظَرتُ رسالة واردة من بيكهيون بأعصاب من حدِيد بينمَا أنظاري تتنقل بين الطّلاب في صفي ببرود كعادتِي إلى أن وقعت على مجموعة تجلس في بداية الصف الأمامي، كانوا شابين وفتاتين إحدى الشابّتين تنظُر نحوِي بينما البقيّة يتهامسون عن شيء ما، حاولتُ تجاهل ذلك لأنظر نحو شاشة هاتفِي لأجد رسالة من بيكهيون.
'هل أنت متأكدّة؟'
'أجل وهم أربعة شابين وفتاتين يدرسان معي بذات الصّف.'
تنفستُ بعمق انتظر ردًا من عنده.
'غادري من الصّف حالاً سأصِل للثانويّة خلال عشر دقائق.'
زممت شفتاي قبل أن احمل أغراضي قبل أن يحضر الأستاذ واغادر مسرعة، أخذتُ حقيبة ظهري ثمّ غادرت المؤسسة بسرعة زامن عبوري السّاحة الواسعة وصول سيّارة بيكهيون وظهورهَا على مرمى بصري لأتنفس ببعض من الرّاحة أزيد من وتيرة مشيي نحوه.
اصطَحبني بيكهيون إلى مركزِ الشُّرطَة، دونَ أن يُدليَ بأيِّ حرف طوالَ الطَّريق، كانَ يومِض إلى المِرآة الجانبيَّة من حينٍ إلى آخر، وحينَما التفتُّ ما رأيتُ سوى حفنةً من السيَّارات تتسابقُ باعتياديَّة. قابَلنا أعضاءَ فريقَه، حيث علِمت أنَّهم يفكِّرون في استِدراجِ مينغي للاعتِراف، مُذ أنَّ جميعَ الأدلَّة الَّتي بحوزتهم لا تكفي لنسبِ التُّهمَة إليه، كذلِك أفشى لي بيكهيون أنَّه سمَح لسيَّارة مُريبة باقتِفائنا ليُثبت أنِّي أتعاون معهم.
اكتَفيتُ بالتَّحديق مُتسائلة عن محلِّي مِن الإعراب بصمت، لكِنِّي لم أقضِ في الجهلِ وقتًا طويلًا، إذ اكتَشفت أنَّ القائِد قد سنّ خطَّة عبقريَّة للإيقاعِ بالجانِي، ووضع حدٍّ لهذِه المَهزلة حينما راسَلته لأطلعه عن شكوكي، ورغمَ المَهانَة الكامِنة في لعِب دورِ الطُّعم إلَّا أنِّي رضيتُ به، لستُ مُستعدَّة لمعاقَرة الخوفِ طوال حياتي.
كنت أسيرُ في الرِّواق المكتظِّ بالطُّلاب، عقب انتهاء دوامي المَدرسيّ، متَّجهة إلى المسبح، يفترض أنَّه خالٍ في مثل هذا التَّوقيت، وهو الرُّقعَة المُناسبة لاصطِياده كما قال بيكهيون. الكثير من الأفكار السَّوداويَّة تنخر ذهني، فماذا لو فشِلت الخطَّة ولقيت مصرعي؟ المكان ليسَ مناسبًا لاصطياده فحَسب، بل لإغراق أحدهم حتَّى يلفظ أنفاسه الأخيرة وأنا لا أجيد السِّباحَة حتَّى، ليتني شاركت مخاوِفي مع المحقِّق، لم أرد أن أغدوَ عقبةً في وجه تصميمه.
ذاعَ صوته الشجيُّ في السمَّاعة الدَّقيقة المثبَّتة بأذني، تتستَّر عنها خصلاتي المسبَّلة.
«بما أنَّه أرسل أحدهم ليُلاحقك فلاشكَّ في أنَّ نبأ تعاونك مع الشُّرطة قد وردَه ولن يقف مكتوفَ الأيدي بينَما تتحدَّينه رغم أنَّه هدَّدك، سيُحاول التَّواصل معك، لذلك كوني حذِرة في كلِّ خطوة، نحنُ نراقبُك.»
تمَّ دسُّ عدَّة كاميرات في المسبَح ليلَة أمس دونَ استشارة المدير إذ خشي أن يكونَ متورِّطًا مع مينغي. تظاهَرت بالشَّجاعَة وقلت:
«يُمكنك الاعتِماد عليّ، سنقتصّ من قاتل سوجين.»
تابعت المضيّ بأنفاسٍ مُضمحلَّة، وفؤاد مثقلٍ بالوجَل، أنا مجرَّد فتاة عاديّة تجتنب بصيص المشاكل قبل أن تصبوَ عتبتها، ولا تهوى المغامرات مهما بلغَت من التَّشويق، لا أصدِّق أنِّي أخوض كلَّ هذه الأحداث كأنِّي حبيسة فلم رعب. ازدَرت رمقي قبل أن ألج البوَّابة العريضَة، مدركةً أنِّي بعيدةٌ عن العَيان، عدا رجال الشُّرطَة المُختبئينَ في الحمَّامات، ضاقَت شراييني حينَما سمعتُ صوتَ أزيزٍ ينمُّ عن انضمام أحدهم إليّ لكنِّي جاريت الخطَّة وتظاهرت بالذَّهاب إلى حجرةِ التَّغيير كأنّي أنوي ممارسَة الرِّياضة.
«ييه شوهوا.»
غنَّى مينغي اسمي بلحنٍ ساخر، جمَّد دمائي، وشلَّ حركَتي، ما اجترأت على الالتِفات نحوَه، فكان هو مَن تزحزح وقدِم للوقوف أمامي.
«أيعقل أنَّك تريدين السِّباحة في مثل هذا التَّوقيت؟»
تلعثَمت بشكلٍ بليغ لفرط الذُّعر.
«لأتخلَّص من التوتُّر.»
مالَ نحوي وما تزال يداه في جيبيّ سرواله، ثمَّ أبرزَ شفتيه إلى الأمام كصبيٍّ بريء لا يُشبه الوحش الَّذي هو عليه أبدًا.
«السِّباحة خطيرة.»
صار من العسير عليّ أن أسيطِر على ارتِجافي فانجلى له، هو الَّذي واصل التَّمثيل باحتِرافيَّة، الأصحُّ أنَّه ألقى تهديداته على مسامعي بطريقةٍ مبتكرة.
«من يدري، فقد لا تتمكَّنين من مغادرة الماء لو ولجته الآن، هناك الكثيرُ من العِلل الَّتي يُحتمل أن تصيبك بداخله كأن تُصاب قدمك بالتشنُّج فتُسحبين إلى القاع، أو تنفد أنفاسك بينَما تغوصين في الأعماق، أو يتوقَّف قلبك عن النَّبض بشكلٍ مؤسِف.»
رغمَ أنَّ شفتاي تتلجلجان بلا هوادَة، وقلبي في حالة اضطرابٍ ما شهدت لها مثيلًا سألت.
«هل ستقتلني كما قتَلت سوجين لأنَّها كانت حاملا بطفلك؟»
قشَّر الزِّيف عن وجهه وتقلَّد ابتسامةً مُروِّعة، واثقًا بحُكمه.
«ولم لا؟ ألست مشتاقةً إليها؟»
كلماته المُستهترة أشعلت السُّخط بداخلي فابتلَع جميع مخاوفي، إلى أيِّ قمَّة ارتقى جنونه ليتحدَّث عن صديقتي الَّتي أزهق روحَها كأنَّ ذمَّته بريئة من دمائِها؟
اختَنقت بدُخان احتراقي، وحينما صبا مُقلتيّ أعماني عن هويَّة الماثل قبالة وما هو مقتدرٌ على فعله فحلَّقت يدي من مطارها على فخذي وهبطت على خدِّه، وبفضلِ السُّكون الَّذي يعمُّ الأرجاء دوى هديرها بقوةَّ، كانَت لحظةً وجيزَة غمرتني فيها الشَّجاعة لكنَّها نضبت في اللَّحظة الَّتي تليها، واستَرجعت كلًّا من يدي المُرتعدة، ونظراتِي الدَّامعة، موقنةً أنِّي هالكة لا محالة.
تلمَّس مينغي أديمَه بدهشة بينما يرميني بجمرات جفنيه.
«هل ضربتني للتوّ؟»
تمنَّيت لو أهتف بكلِّ شجاعةٍ بنعم لقد فعلت وأنت تستحقُّ أكثر من صفعةٍ هيِّنة لكنَّ لساني ملجم. وبنبرةٍ مظلمة هسهس، وكلُّ خطوةً دفعها نحوي تراجعت بمثيلتها في هلع.
«أظنُّ أنَّك تتوقينَ للالتحاق بصديقتِك لكنِّي لن أقتلك بسكينةٍ مثلما قتلتها وأنهيت عذابها بسرعة، بل سأقتلك ببطء، لقد جنيت على نفسك شوهوا يا.»
على حين غرَّة زلَّت قدمي بحافَّة المسبح، فجحَظت عينايَ ولوَّحت بذراعيّ عسى أن تعيلانني على التَّوازن مطلقةً صيحَة مفجوعة لتِعداد الأفكار التي غزت رأسي غفلت بالكامل عن الجحيم الَّذي كنت أزحَف إليه.
تداعيت إلى الوراء دون أن تمتدَّ ذراعاه لتحول بيني وبينّ أن أصيرَ جثَّة هامدة تطفو على الماء، خُيِّل لي أنَّ ذلك سيكون مصيري، حينَما صفَق ظهري سطحه، وغرقت في كنفِه.
-
هلاوز خفافيش 😎
كيفنا معكم واحنا نشوه سمعة الحلو مينغي 😂😂
شيراز 🎤🎤🎤
هلا بالحلوين الطيبن الجميلين، خلاص كثير غزل وانا شخص شحيح في الغزل المهمز انتو عارفين وش المطلوب منكم قدموا الدعم والحب والكثير من المحبة لشخصياتنا الخقات وكامي صديق دربي وشريكي في الجرائم وإلا😀
لوفيو أني وايز وباي باي.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro