(3)
بقلم نهال عبد الواحد
تسآلت خديجة: هل كان السلطان متزوجًا؟
أومأت الجدة: أجل، وكان محبًا لزوجته، عاشقًا متيّمًا بها.
وبعد مرور أعوام صرتُ لم أعد أطيق العيش في ذلك المكان، فزادت المكائد بي خاصةً وهو يرون جمالي، فطلبتُ لقاء السلطان ذات يوم، وكان أمرهم عندما أود مقابلته يؤذن لي، لكني كنتُ عزيزة النفس ولم أكثر من مقابلاتي له.
دخلتُ يومها الغرفة الملكية الفخمة وانحنيتُ لتحيته: السلام عليك مولاي السلطان العظيم.
أجابني السلطان بلطف: وعليكِ السلام يا رفيقة الفرخ الجريح.
فابتسمتُ متحدثة بلطف: هذا لطف منك مولاي السلطان.
فسألني: هل لكِ من شكوي أو طلب؟
فأجبتُ: العفو مولاي، لكن هو رجاء.
فتابع بود: تفضلي، وسلي ما شئتِ.
ترددتُ قليلًا ثم حسمتُ أمري وقلتُ: أود الرحيل والعودة إلى البوسفور، إلى كوخي الصغير.
فسألني بانزعاجٍ واضح في نبرة صوته: لماذا؟ هل أغضبك أحدهم؟ قولي و سترِي كيف يحل عليهم عقابي.
أجبتُ: العفو يا مولاي، لكن مثلي لم تخلق لحياة القصور، لم أعد أطيق هذه القواعد والقوانين، ولا ذلك الغل والحقد في كل من حولي، أشعر معهم بقرب أجلي، لو تأذن لي مولاي فقد نضجتُ بما يكفي أن أتولى شئون نفسي، أريد العودة لأعيش بين طيف أبواي و رائحة أخي.
فسألني: وإن رفضتُ طلبك!
أجبتُ وقد امتلأني الضيق: فلك السمع والطاعة مولاي.
سكت السلطان قليلًا ثم قال بصوتٍ باسم: إذن كما تريدين لكن سأرسل إليكِ براتبٍ شهري، و سأرسل معكِ من تتولى شؤونك وتشاطرك وحدك، ومن حينٍ لآخر كلما سنحت الفرصة سأرسل للاطمئنان عليكِ.
شعرتُ وقتها بشعور طيرٍ قد نال حريته وطار محلّقًا في القضاء، أجبته بسعادة بالغة و امتنان: شكرًا لك يا مولاي، أطال الله بعمرك وحفظك وحفظ أبناءك!
استأذنتُ متحركة للخلف حتى خرجتُ من حضرته وانطلقت مسرعة، فسيخرج العصفور من قفصه ويعود لحريته من جديد، فتبًّا لأي قفص حتى لو كان من ذهبٍ وكل نفيس.
وبالفعل جمعتُ أشيائي وعدتُ إلى كوخي الصغير بصحبة بعض الجنود و الجارية روزة، فهي الوحيدة من القصر التي نشأت بيننا صداقة.
عدتُ لكوخي وعشتُ بصحبة روزة، صحيح أنه مجرد كوخ بسيط لكن تكمن فيه السعادة الحقيقية، لم تكن روزة تعيش معي كخادمة، فلم أكن أحتاج لذلك، بل كنت أحتاج لونيس يؤنس وحدتي.
عشنا معًا صديقتين متشاركتين في كل شيء، ولازال رسول السلطان يأتي إلينا بالخير الوفير من حينٍ لآخر أطال الله بعمره!
وذات يوم إذ كنتُ أصنع فطائري فطرق طارق، كان شابًّا جميلًا لكن ليس من تلك البلدة كما يبدو عليه، طلب بعض الماء لسقاءه فأعطيته ثم اشتم رائحة ذلك الفطير، فقدمت إليه منه، فأعجب بمذاقه وشكرني وغادر.
أتدرون من ذلك الشاب؟
إنه جدكم عمران!
لقد أُعجب وتُيّم بي وعشقني، وصار يجيئني كل يوم حتى أدمنتُ وجوده وعشقته أنا الأخرى، ثم طلب مني الزواج و وافقتُ وقبل موعد زيجتي بأيامٍ قليلة طرقنا طارق ففتحت، فإذا به...
إنه مولاي السلطان!
لكنه متنكرًا في زي العامة فقد كانت تلك عادته، أن يتنكر و يذهب لتفقّد الرعية وهو الآن جاء ليتفقّد أحوالي بمفاجأة كبيرة لم تخطر لي على بال أو يخطر ببال أحدهم، لقد قالها لكن كنتُ أظنه يقصد إرسال رجاله وليس مجيئه بذاته.
رحبنا به بشدة ودخل، وبالطبع كان مشتاقًا لفطائري الشهية فصنعت الكثير له..
لكن بينما كنا جلوسًا إذ أتى عمران ليتفقّد أحوالي فوجد ذلك الغريب، لقد ارتبكتُ بشدة وكدتُ أفقد وعيي لم أستطع قول الحقيقة وأخشى أن يفارقني حبيبي إذ ظن بي ظن السوء.
رحبتُ بعمران بخوفٍ ظاهر وقدمته أولًا للسلطان قائلة بصوتٍ مرتعش: هذا عمران خطيبي وسنتزوج الخميس المقبل.
أجاب عمران بغيرة وغضب واضحَين: ومن يكون هذا إذن؟
سكتُ ولم أستطع الجواب، وقد أدرك السلطان الأمر فهب واقفًا نازعًا الشال من حول وجهه وقال بصرامة:
أنا السلطان سليمان القانوني ابن السلطان سليم خان الأول سلطان الدولة العثمانية.
اهتز عمران وصارت لا تحمله قدماه لدرجة كاد أن يغشى عليه وبعد مرور بعض الوقت تمالك نفسه وانحنى قائلًا: مولاي السلطان!
لكن التساؤلات تملأ عينيه فأمره السلطان بالجلوس وسرد عليه كل شئ من يوم الفرخ الجريح... وحتى ذلك اليوم.
تفاجأ عمران بما سمع وكأنه بدأ يتراجع في أمر خطبتنا ولا أدري ما علاقة هذا بذاك! لكن السلطان حسم الموقف وأخبره بأنه قادم يوم الخميس المقبل لحضور زواجنا.
غادرنا السلطان وتركنا في حيرة و مفاجأة.
وسرعان ما جاء يوم الخميس تزينتُ وتهيأتُ و أعددنا كل شيء، ولم يكن حفلًا صاخبًا بل كان متواضعًا وهادئًا فليس لدينا الكثير من المدعويين لحضوره.
جاء السلطان وبارك زيجتنا لكن قبل أن يغادر همس قليلًا لعمران ولم أعرف وقتها بما همس له لكني عرفتُ بعد ذلك.
فقد أخبره أن النساء تعشقن حلو الكلام، فإن أردتُ أن يديم حبكما أكثر من جميل القول.
وقد فعل كان جدكم يحبني حبًا جما ويسمعني أطيب الكلام و أحلاه، حتى إنه حفظ إحدى أشعار السلطان التي كان يقولها لزوجته فيقولها لي.
عرش محرابي الوحيد، ثروتي، حبي، وضياء قمري
يا أعز أصدقائي، كاتمة أسراري، وجودي، سلطانتي
وحبي الأول و الوحيد
يا أجمل الجميلات
يا ربيعي، حبي المَرِح، نهاري، قلبي، أوقاتي الضاحكة
يا حديقتي، زهرتي الحلوة، الوحيدة التي لا تحمّلني
همومًا في هذا العالم
يا اسطنبولي، قرماني، و أرض أناضولي
يا بادخشاني، وبغدادي، وخراساني
يا امرأتي ذات الشعر الجميل
وحبي للحاجب المعقوص
حبي للعيون الملآي بالغواية
سأنشد مدائحك دومًا
فأنا المحب ذو القلب الملوع
محبي ذو العيون الملآي بالدموع
حقًا سعيد يا حبيبتي و سلطانتي
أنتِ حياتي، كل العالم يتكلم عن جمال وجهك
وجمال عيونك و السحر الموجود داخلهما
طول عمرنا سنبقي سويًا هذا وعد مني
عشت مع جدكم أعوامًا طويلة، رُزقت بأطفالٍ كثيرين لكن تُوفوا صغارًا ولم تتبقي سوى أمكم وخالكم..... سليمان.
فتسآل عيسى: وماذا عن السلطان جدتي، ماذا حدث له؟
أجابت الجدة: مرض في آخر أيامه، ولقد حزنتُ من أجله كثيرًا رحمة الله عليه......
يوم وفاته أمر بكل فتاويه المكتوبة لتُدفن معه؛ لتكون حجة له عند ربه.
ابتسمت لارا قائلة: حكايتك جميلة حقًا جدتي.
تنهدت الجدة ثم قالت: لقد تأخرتم كثيرًا وعليكم النوم الآن.
فصاحت خديجة: وماذا في الغد يا جدة؟
ابتسمت الجدة مجيبة برفق: سنلعب ونمرح ونفعل الكثير ،طاب مساؤكم يا صغاري.
وذهبوا جميعًا للنوم.
تمت🌷
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro