حبّة قهوة|01
شهدت أيامًا قاطِبة في صغري، انعدم فيها الأمان وفقدت فيها اشياءًا ثمينة، كانت كالقُنبلة، شتت عالمي الصغير والهادئ. في ذلِك الوقت أشتد الحُزن وسيطر البؤس على معظم بُقاعِ منزلي وحينها رغبتُ بالموت، اشتهيت احتضانه واتمنى أن يحتضِنني الآن. زلزالًا مُحطّمًا دبّ بقدميه علينا، خضع إلى العديد من مراحِل التدّمير وصدم منزلنا بعاصفة نارية حرقت مشاعرنا. سكنت ومات ما في داخلي، ولو انني أعرف كلمة أعمق من كلمة سكنت لقلتها، فإني ما شعرت من قبل بإنطفاء روحي مثلما أشعُر بها الآن.
ولجّ علينا قوم مُسلحين، يرتدون أقنعة سوداء وحول عنقهم توجد سِلسِلة من نوعٍ نادر، في ذلك الوقت ما كان يملك منها غير الغني منّا، من فرط الخوف عليّ وضعتني أمي داخل مكانٍ بعيد وآخر شيء سمعته منها كان شيئًا دافئًا، يُخالط أنفاسها الذعر مِن الفُقدان:
" مهما حصل لا تخرجِ من هذا المكان، حتّى إذ سمعتِنا نصرخ، احبكِ صغيرتي"
ركزت في كلّ كلمة خرجت منها وعقلي كان يُفكر بأخي الكبير، فهو منذُ ذلِك الوقت مُختفيًا ولا يوجد أثرًا واحدًا له. قتلوا أُمي حرقًا أمام عيني ووالدي يحترق شوقًا وألمًا عليها، دوري كان مشمولًا على السكوت والنظر إليهما، ما كان بوسعي فعل شيء سِوى الأنتظار والسعي إلى والداي.
مقتل والدي جاء بعد أُمي بدقائق، حيث فُصِل رأسه عن جسده ومن ثم احرقوا جثتهِ. تألمت كثيرًا وكتمت صرخاتي داخل صدري ومن شدّة الكِتمان عقدت مع الصمت صفقة دامت إلى هذا الوقت، مارست حياتي دون تكلم واعتدت على السكوت حتّى بات جزءًا من حياتي لا يُفارقني.
إلى حدِّ هذا الوقت البعيد لا أعرف السبب الّذي قتلوا فيه والدايّ والشُرطة اغلقت هذهِ القضية منذُ سبعة سنوات.
والآن في وقتنا الحالي، اعيشُ كطفلة لا جناح لها، مُحطمة وهشّة. في عُمري مِن الفتيات لهنّ صداقات متعددة ويتعرفنّ على الكثير مِن الشباب الّذين يتحاربون على المركز الأول في الجمال، في عُمري يكتشفنّ أماكن لا وجود لها ويعيشنّ حلمهمنّ على طريقتنّ.
أنا فتاة ذات السبعة عشر زهرة لا تمتلك سِوى دفتر مذكراتٍ واحد تشكو إليهِ آلامها، وجميع مخلوق في هذا الميتم البائس يحلقون فرحًا. اتعرض للتنمر يوميًا بالرغم مِن رسمة وجهي اللطيفة الّتي تختلف عن الجميع هُنا، الضرب هو الحلّ الّذي يلتجأ إليه الكثير مِن النساءِ.
انشغلتُ في الكتّابة وتكاسلت على النهوض إلى المائدة
ومن فرط كسلي تقدمت إليّ أنثى كبيرة هادئة الملامح:
" ألستِ جائعة؟ "
كلّ حرف كُتِب في الورقة كان مُتعبًا وبه بحّة مُختنقه:
" لست كذلك، أنا مُتعبة "
حاول العديد من الأطباء تفسير حالتي وأكثرهم فشلوا في ذلِك، حاولوا أن يجدوا دواء وأيضًا جاء بالفشل فبقيت على حالتي. قالت مديرة الميتم أنّي سأتوقف عن رؤية الأطبّاء ومن سوف يرعاني في النهاية هو سيتكفل فيّ لذا لم أُجادل في حرف. تركتني العجوز وبقيت وحدي أُراقب الطيور واشاهد السماء، الطقس هادئ ويساعد الشخص على ابتكار نومة جديدة. في تلِك الأثناء سمعت اصواتًا ذكورية، بمثل هكذا وقت مِن السنة تتم زيارة ميتمنا من قبل رجل وسيم يقوم بالتبرع ويرى الأناث، قبل سنتين كنتُ من ضمنهنّ لكنه رفضني، رُيما أتى اليوم لأخذ أُنثى إليه ويتزوجها.
الأنثى الّتي ستشارف على الزواج منه ستكون محظوظة جدًا واتمنى لو كنت بدالها. بعد حين مرّ مجموعة من الشباب بجانب السور الّذي أجلس عليه ومن بينهم ذلِك العجوز الوسيم، لحظات حتى رأيته يطالّع في وجهي، من فرطِ التوتر نسيت كيف انزل مِن السور وتزحلقت قدمي من عليه وسقطت في بركةِ الوحلِ حتّى تدّمر فُستاني اللطيف. رفعت رأسي ابعد الطين عني وصُدمت!
الوسيم متلطّخ أيضًا!
اعتذرت منه بصيّغةِ السكوت والإشارة فشاط غضبًا:
" خرساء وعديمة الفائدة ما نفعكِ؟ "
سماع هذهِ الكلمات منه خمشت قلبي، غالبًا الكلام الّذي تخشى أن يقوله الآخرين، هو الكلام الّذي ينبغي أن يُقال لك. أهمّل البُقعة الّتي تواجد فيها مُغادرًا، بقى ينظر لي حتّى دخوله إلى حُجرة المُديرة، هل سيخبرها عني؟
أيها الموت هل ترغب بي كما ارغب بك؟
هبطت من على السورِ وسيّقت قدمي إلى داخل حُجرة الطعام، ابعد الشبهات عني، ولا زلتُ أتمنَّى المُوت.
حين تكون إنسانًا عفويًا، فقد تقع في مشكلات لم تكن تتوقعها، لأن النقاء الّذي بداخلك لم يتوافق مع التلوث الّذي تعجّ به عقول بعض البشر.
" الخرساء هُنا "
أصغيت إلى صوتِها من خلفي، تبدو من صوتها أنّها قادِمة للمُشاجرة. لَوّحت لها بيدي أن تُغادر ولكنها أصرّت على المُتابعة.
" تطرديني من مّملكتي أيتّها الخادِمة "
تصدّق نفسها عِندما تُثرثر بكونِها الملكة ونحن الخدّم، حملت دفتري وكتبت إليها:
" تَكرهيني! لن تسَقط الكَواكب من السماء،
فأرجوكِ ضعِ قليلًا مِن التُراب في فمكِ وأبتلعيهِ. "
" غبية! "
التجاهل في مثلِ هذه الأوقات قد يكون فنًا ذا قيمة عالية جدًا، والمُمارسة عليه يجعلك تُسيطر على العالم بأسره.
" ميّيون، مُديرة الميتم ترغب برؤيتكِ "
غير معقول! هل حكى لها ما حصل في الحديقة؟
بت أقلق دون معرفة السبب. ترجلت إليها ويدي تحطّ على صدري تُخاطبه بألا يضطرب كثيرًا وأن ما يحصل معه جدًا طبيعي وفوق مستوى الطبيعي حتّى. طرقت الباب مرتين ودخلت.
" تفضلي صغيرتي "
بلعت اللعاب المُتراكم داخل حلقي ومشيت إليها، حينها وجدته جالسًا يُطالع وجهي. كان عصبيًا، باردًا كالموت.
" ألقي التحية عليه، أنه رجلٌ محترم "
يبدو من مظهره مُحترمٌ جدًا عكس ملامحه الخشّنة. لوحت إليه وابتسمت.
" تقول لك مرحبًا "
انزل قدميه مُتكلمًا:
" أدري، فأنا أجيد لغة الصمت "
تكابرت عليه والتفت إلى مُديرتنا وبدأت الحديث معها عن طريق الإشارة.
" ماذا يفعل هُنا؟ ولما نادى عليّ أنا بالضّبط؟ "
" أتى لأخذ أبنة له من ميتمنا، وقرر أن تكون أنتِ "
احمق، لعين، وسافل أيضًا، نيته لم تكن صافية منذُ نظرته الأولى على جسدي.
" وكيف عرف اسمي؟ "
" انا اخبرته عن اسمكِ "
بالله عليكِ، لا أنوي مغادرة الميتم مع رجالٍ متزوجين، كيف سأغادره مع رجل أعزب نيته ميتة!
" لا أريد الرحيل معه. "
" ابنتي هذهِ فرصتكِ إنّه رجل غنّي ولطيف "
" دعيني افكر إذًا "
غادرت الغرفة وجلست داخل غرفتي، فتحت مُذكرتي وبدأت الكتابة، هذهِ المرة أكتُب وانا فارغة من الداخل، لأول مرة مُنذ اربعةِ سنوات، وَ لا أَيّ شُعور بداخلي يدفعنّي للكتابةِ، لست قادرة على تصنيف الامر بالمُحزن او المُفرح، الكُلّ في الفترة الاخيرةِ يوجّه صوبي الكثير من التعليمات كأنني آله مجبرةٌ على التحرك بالشكل الّذي يرغبون به، كيف يُمكن ان اشرح انا لستُ كذلك؟، أشعُر بإنني قوية وفي ذات الوقت لا يُغادرنّي الضعف، لربما اجتزتُ المِحنةَ بِمُفردي، ولِرُبما مازلتُ عالِقً بها بعد، مُنذ مدة وانا لا أجيد الكِتابة، بِداخلي أكوام كبيرةٌ من حُزنِ الأُمهاتِ ومِن أُمنيات الاطفالِ،إن المساحةِ الّتي اضع فيها ما احملُه عنّي وعنهُم لم تعُد تُطيق او تُطيقنّي، اشعُر بقلبي يتثاقل شيئًا فشيئًا مِثل إسفنجةٍ تمتص ماءٌ.
في بعض الأحيان، اسمع صوته يدبّ في اعماق صدري، يستقر فيّ بعدها يبدأ في التخريب. ينحدر الألم في قلبي أولًا وبعدها في باقي الأعضاء، وكأنّه مُصمّم على حرب ضدَّ قلبِي.
فُتحت الباب وظهر من خلفها جسد أنثى صغيرة، هذهِ الأنثى هي سرّ سعادتي في هذا الميتم، كلّ شيء فيها قابل للأكل.
" بكِ شيء؟ "
النظرة الّتي افترشت على عينيها، كانت تعرف أن شيئًا ما حصل من وراء ظهرها لذا لم أكن مضطرة إلى شرح التفاصيل إليها.
" الرجل الّذي يأتي إلى هنا كلّ عام أتى اليوم وفي خاطره أخذ واحد منّا،
والصدفة اللطيفة أنها أنا "
خِلال دقائق من حديثنا تغلغل صوته بين جُدران الغرفةِ ولحقه ظله.
" قد تكون صدفة لطيفة بالنسبة إليكِ، لكنها خُطة مُدبرة بالنسبةِ ليّ.
منذُ سنين وأنا أزور هذا الميتم لأجل رؤيتكِ تكبرين، أنا من كان يطعمكِ ويجلّب لكِ الملابس الثمينة،
أنا من كان يكتب الرسائل لكِ ويستجيب لكلّ أمرًا تطلبيه.
في كلّ سنة كنت أموت شوقًا لرؤيتكِ بجانبي،
لذا أزوره بين فينة وأخرى بحجة أنّي أريد تبني واحدة منكنّ، رغم ذلك كنتِ أبنتي منذ تلك اللحظة، وقتها جعلت كلّ من في الدار يسكت عن قول الحقيقة إلى حين بلوغكِ السن المطلوب. "
سكت وتابع بعد أن أخذ نفسًا.
" صاحبة الدار وافقت على طلبي دون تردد، واظهرت بكِ العديد من العيوب وذكرت بأنّها ستتخلص منكِ سريعًا،
ومنعتها رافضًا، فبقائكِ هُنا سيكون جيدًا لكنها وافقت على شرط، أن يكون موعد رحيلكِ عن الدار في السن السابعة عشر، وقد أتيت في السن المطلوب والموعد المحدد.
واكتشفت أن ابنتي مُتسلقة جيدة وتجيد اللعب على مشاعريّ وتلطيخ ملابسي. "
كلّ هذه السنين كنت أظن أن الميتم وما فيه يعتنون بي، ظننت أنّهم الأسرة الحقيقةِ لي وبوجودهم لن يكن هناك داعٍ لذهابي لإحدى الأسر الراقية، وفي النهاية أجد من كان يعتني بي هو رجل طاعنٌ في السنِ!
" لا اصدق أيّ كلمة منك، لا يمكن أن تفعل هذا بي فهي تحبني كأبنتها، وأنت تبدو مخيفًا جدًا. "
ألقيت نظرة على صديقتي حتّى تُترجم له وفورًا اردف:
" ستصدقين مع مرور الأيام وأن كنتُ مخيفًا، نعم أنا كذلك وصارمًا أيضًا، لكن على من يُخالف القوانين، فهيا دعينا نذهب. "
" من قال أنّي موافقة على الذهاب معك؟
لا أريد ترك الدار حتّى إذ تطّلب الأمر بقائي هُنا كجثة! "
لمح عيني لبرهة ثم غادر قائلًا:
" القوة هي مفتاح الحلول، لذا سنتجه إليها. "
○
😁😁
تجنبوا الأخطاء أن وجدت.
رأيكم بها كبداية؟
وضحت البداية جيدًا وارجو ان تنال اعجابكم ❤
رأيكم في شخصية ميّيون؟
بيكهيون؟
اعضاء الميتم؟
لنا لقاء في بارت آخر 💙
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro