(أوجاع أُمُّ)
بقلم نهال عبدالواحد
الأُمُّ دائمًا هي الأساس، بل مصدر كل جمالٍ و أمان، فهي أصل التضحية، الفداء، الحنان، الإحتواء، و كما تعرفوا أن أمك ثم أمك ثم أمك... تُرى هل خرج من حيّز المعرفة لحيّز التطبيق؟ أم لازال الكثير يعرف و لا يعي ولا يدرك!
هذه نبع الحنان وتحمّل كل شديد
-------------
عاطفتها تملأ الكون بأسره وتفيض
-------------
تحمل على عاتقيها هموم الجبال وتزيد
--------------
لم تشتكي يومًا أو عن واجبها تحيد
--------------
لم تنتظر شكرًا أو تصفيق ولا تمجيد
--------------
لكن يا ذا اللُّب تَدبّر و قَدّم العرفان الرشيد
---------------
وهذه الأم ليست كغيرها من الأمهات، لن أقول الأجمل؛ فنحن لا نحب أمهاتنا بسبب كونهن الأجمل لكن هن حتمًا الأجمل في عيوننا.
أنجبت من البنين و البنات الكثيرين، ربما إعمالًا بالمثل المصري « إغلبيه بالعيال يغلبك بالمال » .
بالطبع حملت كغيرها وهنًا على وهن، تعاني و تتألم دون أن تشكو لكنها تتحمل، وفي كل حملٍ أوجاع و معاناة مختلفة، حتى لحظة المخاض أيضًا مختلفة فحينًا تكون بالفعل لحظة، وحينًا أخرى تطول و تطول فتستغرق ساعات طويلة و ربما أيام!
وكيف تتحمل تلك اللحظة بكل آلامها و أوجاعها التي تفوق أي وجع في الدنيا؟ حتى ربما لتتمنى الموت أو الخلاص لترتاح من تلك الآلام المبرحة، لتنسى كل شيء لحظة رؤيتها لوليدها و حمله و إرضاعه، و كأنها لم ترى تعب قط!
مهما كان ألمها ومرضها تظل جوار وليدها تأخذ من راحتها، صحتها، عمرها و تعطيه، تفضله عن نفسها في كل شيء؛ فتنفي الجوع حتى يشبع هو، و تنفي الألم والمرض حتى يرتاح هو.
وهكذا كانت مع الجميع
تسهر من أجل هذا، و تكد و تتعب من أجل هذه، تضحي هنا و هناك، تعطي عطاءً لا حدود له، تفقد راحتها و حقوقها شيئًا فشيئًا فقط من أجل أن ينعم الأبناء.
تربي، تغرس الأخلاق و القيم، تعلّم كل واحدٍ منهم ما يناسب مهاراته أو ما هو أقرب، و رغم كل ذلك لم تنتهي عن إنجاب الأبناء لا ذكور و لا إناث! رغم أن لديها الكثير و الكثير.
لديها أمان، صلاح، عفاف، جهاد، صدّيق، إيمان، رجاء، وفاء، أمين، حبيب، رحيم، ولاء، إخلاص، انتصار، فداء، علاء، حرية، علا، حنين، عبير، حنان، هدى، شرف، عز، سلام، وسام، أمل، جلال، شريف، عزيز، صالح،...
فقدت الكثير من أبناءها بسبب أمراض أو حوادث على إختلافها، لكنها تسرع لتنجب من جديد الكثير و الكثير من البنات و البنين.
تمر أعوام وأعوام، لايزال هناك المزيد من البنات و البنين، منهم من فرّحها و أسعدها، منهم من بكّاها و زاد حسرتها.
تمر أعوام و سنين و هي صامدة بطولها وحدها تواجه الصعاب، تعطي المزيد بلا توقف ولا مَنّ رغم كثرة اللصوص، من يطعنوها، يسرقوا كنوزها، حقوق أبناءها، لكنها تقف و تبتسم بهدوء وبلا إكتراث؛ فلها خزائن عطايا و كنوز لا تنتهي، و يتعجب الجميع كيف لازلتي صامدة؟!
كيف لازلتي معطاءة حتى الآن رغم كل ما مررتي به من صدمات و أزمات؟!
فتجيبهم ولاتزال بنفس هدوءها و إبتسامتها: إن تلك الصدمات التي تحكون عنها تقوّي ولا تُضعف، فالذهب لا يكون بلمعانه و صفرته الرائعة إلا بعد أن يُصهر و تُزال منه الشوائب.
تلتفت لأعداءها من يريدوا بها و بأبناءها السوء و أيضًا تبتسم قائلة متهكمة و ساخرة: أمثالكم كالحشرات لا يُكتَرث لكم مهما فعلتم ستعودون بخفي حُنين، بل ستُدهسون به بمنتهى السهولة و البساطة؛ هل رأيت يومًا أحد يكترث إلى النمل الذي يدهسه بأقدامه؟!
لن تخيفوني و لن تهزوني، فلديّ مناعة قوية فلا أيأس أو أضعف أبدًا.
ألا ترون قوتها هذه الأم الأبية القوية، بل تقف و تصمد من جديد كأنها لم تُصاب بسوءٍ يومًا، بل تمد يدها لشقيقاتها و أشقاءها لينهضوا جميعًا مع أبناءهم كلما تعثّروا أو ذلّت أقدامهم؛ فهم في النهاية عائلة واحدة و هي أكبر الأشقاء.
هاهي الأم تحمل هَمَّ الكبير و الصغير، تساعد هذا و تحمل عن هذا، لكن قد ثَقُلَ الحمل و لا تعرف لأين السبيل، فها هو رَجُلها لم يكتفي بإهمالها و التهاون بحقها و الإستخفاف بها بل صار يحمّلها المزيد بدلًا أن يحمل عنها، بل ربما لتدفعه نفسه الأمارة بالسوء ليتشبه باللصوص و يسرق من كنز الأم الدفين.
فتصيح فيه: كفاك أخذًا بغير حق! هذا ليس بحقك لقد أخذت فوق ما يكفيك، هو حق أبنائي.
فيضحك بل يقهقه بإستهزاء: لا بل حقي و لن يمنعني أحد، و أبناءك هؤلاء لا حق لهم عندي فليشربوا من ماء البحر إن شاؤا، بل الأفضل و الأفضل أن يُلقوا بأنفسهم في ماءه لنستريح منهم، لقد أنجبتي الكثير و الكثير، ألم تكفي يومًا عن كثرة الإنجاب يا امرأة؟!
فتصيح فيه: أنا لست امرأة، بل أم و سأظلّ أنجب فأنا ولّادة طوال حياتي بلا سن يأس، كن مطمئنًا فلن يدوم حالك بتلك الطريقة طويلًا.
ليجيبها بإستهزاء: هكذا تقولين دائمًا!
فتبتسم بتهكم: جيد أنك تعلم و تتذكر أني أقولها دائمًا، و قد قُلتها لكثيرٍ غيرك حتى ذهبوا أو رحلوا تمامًا.
ثم ترفع سبابتها في وجهه محذرًا: الأفضل أن تنتبه لنفسك و تقبل التحذير و تنفذه حتى لا تندم يومًا قريبًا.
ثم ترفع وجهها إلى السماء و تقول: يا ربِّ ألا أُرزَق يومًا رجلًا بحق!
لكن هي متأكدة أنه لن يطول أمده فها هو يقيّد نفسه بنفسه، لكن أشد ما يؤلم الأم بحق سوء أبناءها و عقوقهم لها، تجاهلهم، سوء معاملتهم لها و بينهم وبين بعضهم.
فلم يعد هناك حبيب، لا أمين، لا صالح، لا صدّيق، لا رحيم، لا عزيز و لا شريف...
فهذا فقد أمانته، وهذا يبيع نفسه لمن يدفع الثمن، أما هذا فاختلس، و ذاك فاسد، هناك لص متخفي، و هذا وصولي، ذاك أناني يركض خلف مصلحته و يبيع أي شيء وأي عزيز لتحقيقها، أما هذا فعنصري لا يهمه سوى الشخوص بأسماءها، أنسابها و ربما عاداك و أحبك حسب أفكارك، فلسفتك، معتقداتك! فإن كنت تتفق معه صرت حبيبه وإن إختلفت معه فأنت ألد أعداءه.
وهناك من لديه إستعداد لأي تجاوز مهما سقط من أبرياء، و الكثير من تملأهم أمراض القلوب من حقد، غل، بغض، كراهية، عُجب، نفاق و رياء.
فيقابل الأخ أخيه بوجه أبي بكر و قلب أبو لهب، ما أن يلتفت حتى يُسرع بطعنه ثم يركض ليأخذ عزاءه.
و هناك من يشمتون و يفرحون بمصاب غيرهم، و آخرين لا يعرفون تمني الخير و لا الفرحة من أجل الآخرين؛ ما أن يروا أخاهم ناجحًا حتى بحثوا عن عيوبه و خفاياه ليفضحوه بها بدلًا أن يبحثوا عن كيف نجح و وصل لهذا المقام!
هناك من برعوا في تزييف و تبديل كل شيء و تسمية الأشياء بغير مقصدها، فالإنحلال الخلقي صار حرية و أحيانًا أخرى فَنًّا، أما الصادق المحتفظ بأخلاقه وقيمه هو إنسان رجعي و متخلف، ذلك سليط اللسان الوقح يدّعي أنه صريح ولا يعرف التملق و النفاق .
يصدقون أهل الضلال و يكذّبون أهل الصدق!
ومنهم من تطاول على الأم بالكلام و الأفعال، لم يرحموها و لم يقدروا عطاءها الدائم الذي لا ينضب و لا يجف، أحيانًا يتقرّبون منها فتسعد بشدة لكن سرعان ما تدرك أنهم قد تقرّبوا من أجل مصالح وحسابات شخصية.
ومنهم من يبخس بها و يفضل غيرها على أمه، إلا القليل من ظلوا على برهم بأمهم لكنهم بحق قليلون للغاية.
والغريب أن قد أصابهم الصمم مهما نادت لا يجيبون، مهما صرخت لا يسمعون!
هاهي تنادي عليهم: يا أبنائي تجمّعوا و هلمّوا،
يا أبنائي أفتقدكم فقد إشتاقت لكم و لوحدتكم و تجمعكم، لماذا تفرقتم و ذهب كل واحدٍ في طريقٍ معاكس؟!
يا أبنائي ماذا جنيت لأجد منكم كل هذا العقوق و سوء المعاملة؟!
يا أبنائي كدت أهلك من كثرة أوجاعي و شدة آلامي، يا أبنائي إن ذهبت فأين ستذهبون؟!
هل لكم ملاذ غيري؟!
أم ستجدون عطاءً عند غيري؟!
كفاكم هجرًا يا أبنائي و تعالوا نحيا معًا مثلما كنا في بيت واحد الأم و أبناءها.
صارت تخشى عليهم إن زادوا في تفريطهم و إفراطهم أن تدعو عليهم فيزدادوا هلاكًا و سوءًا؛ فكما نعلم أن دعاء الأم مستجاب.
كفاكم!
و عودوا معًا لأمكم!
هل عرفتم من تكون...؟!
تمت 💔
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro