الفصل العاشر
بقلم نهال عبد الواحد
خرج فريد وندى من غرفة الولادة بعد فترة وكانت نور قد ذُهب بها إلى غرفة عادية وبالغرفة عماد وهيام، كان يسير جارًّا ساقَيه مهما حاول التّظاهر بالجَلَد ومهما بدا عاديًّا راسمًا ابتسامته الدّبلوماسية على شفتَيه لكنها لم تعد تصل إلى عينَيه.
مِن المؤلم أن تتظاهر بما ليس في داخلك كي تحافظ على بقاء صورتك القوية الأنيقة! وأن تصافح الجميع بحرارة وأنت تدرك تمامًا أنّك لا تشعر بذلك الكفّ وربما لم ترى مَن أمامك من الأساس!
والأكثر ألمًا أن عليك أن تنحني لذلّ العاصفة كي لا تقتلعك من مكانك، ذلك المكان الّذي تحرص على بقائك فيه دومًا وبصحبة مَن قُدّر لك صحبتهم، فقط عليك أن تظلّ هادئًا مبتسمًا مراعيًّا للجميع.
طرق الباب بهدوء وقد استعاد ملامحه الهادئة ثمّ فتح الباب داخلًا وخلفه ندى وقد ارتدت نظّارتها الطّبية ومعدّلةً حجابها بمجرد دخولها بتوتّرٍ، في حين تحدّث فريد بعملية: الأمور على ما يرام والعملية اتعملت الحمد لله، هي بس هتبات عشان الليل...
ثمّ أشار إلى ندى وأكمل: ودكتورة ندى هي اللي عملت العملية وهتتابع حالتها إن شاء الله.
فردّ عماد: بس أنا جيت لك انت يا فريد!
فأجابه: وأنا كنت مرهق ومش نايم كويس والعملية بسيطة ودكتورة ندى شاطرة وأدّها... المهم إن حالة مدامتك كويسة إلّا حالتها النّفسية اللي محتاجة اعتناء الفترة الجاية.
زفر عماد بضيق وعقّب: حالتها النّفسية! جينا للكلام اللي ما لوش عازة!
فقالت ندى: الحالة النّفسية أمر ضروري جدًا وأي تدهور فيها يؤثر بالسلب على الحالة الصّحية لأي شخص... ممكن توديها لولدتها مثلًا مش مطلوب من حضرتك حاجة كبيرة.
فأجابها عماد: أنا أدرى بأهل بيتي وتصريف أمورهم.
فقالت: يعني حضرتك اللي هتراعيها بنفسك يعني!
فتدخّلت هيام قائلة: أنا جارتها والجيران لبعضيها يا دكتورة.
فجحظت عيناها بإحباط من تأثير لقائها على نور بينما تابع عماد يجيبها: والله ما عارف نودي جمايلك فين يا ست الكل!
فقاطعهما فريد بحدّة: يلا بينا يا مدام... البسي كمامتك عدل قبل ما تطلعي من الأوضة و...
فالتفت إلى عماد الّذي يرتدي معطفه وأكمل: على فين انت؟!
فأجاب: جاي معاك ع السّكة في عربيتك، الحظر بدأ ومش هعرف أروح، أنا سايب عربيتي عند البيت.
فسأله فريد بتعجّب: ومراتك؟
فأجابه مستخفًا: ما هي نايمة أهي! ايه هحرسها!
فالتفت فريد وندى بعضهما إلى بعض فقالت ندى: خلاص يا دكتور أنا هفضل جنبها مفيش مشكلة.
فتنحنح فريد ممسّدًا على شعره ثمّ قال: وأنا هسيب الموبايل مفتوح لو حصل أي طارئ كلّميني على طول!
فأومأت ندى وشجّعته بعينَيها في حين صاح عماد مستحسنًا: أيوة كده! هي الدكتورة اللي تقعد جنبها لكن أنا هعملها ايه!
عدّل فريد كمامته وتحرّك قائلًا بصرامة: يلّا!
وبعد أن غادر ثلاثتهم تمتمت ندى بحزن وهي تجلس جوار النّائمة: لا حول ولا قوة إلّا باللّه.
خرج فريد بخطواتٍ واسعةٍ حتى ركب سيارته فركبت هيام جواره هذه المرّة في حين ركب عماد بالخلف، لم ينبس فريد شفتَيه فكان شديد الغضب والحزن معًا؛ كيف لشخصٍ أن يترك زوجته مهما كانت حالتها ويعود ينام ملء عينه في البيت؟!
ودّ فريد لو يطمئن نفسه ليهدئ من روعه... لكن لم يجد ما يساعده على ذلك، في نفس الوقت الّذي يسعى جاهدًا أن ينسى كلّ شيءٍ فقط كي يعيش دون ألم أو ندم.
وحدّث نفسه: هل ستصير أنتَ والحزن والنّدم فريقًا متكاتفًا متّحدًا؟! هل ستظلّ تاركًا وجهك وعينَيك بين الدّموع غريقًا حتى ولو كان بينك وبين نفسك؟! هل أتأمّل أن أسترد حياتي كما كانت وأكملها كما اخترتُ أم سيتحوّل الأمل الباقى إلى مجرد بريق لحظي وسرعان ما يخفت؟!
لم يكن فريد منتبهًا لأي شيء، لا لطريقه ولا حتى للثرثارَين المجاورَين له! حتمًا كان يقود سيارته بآلية السّائق الذّاتي، بمعنى أنّه قاد سيّارته لاإراديًّا حيث حفظ الطّريق عن ظهر قلب من كثرة السّير فيه يوميًّا.
وصل أمام العقار وترجّل من السّيّارة وترجل الآخران ثمّ تحرك ثلاثتهم إلى داخل العقار ومنه إلى داخل المصعد في صمت.
وصل عماد أولًا إلى شقته وبعده بطابقَين وصل فريد وهيام، دخل شقّته وألقى بجسده على أقرب كرسي متأوّهًا بإرهاق، فوقفت هيام أمامه وسألته باشمئزاز: إنت ازاي تمشي في الشارع بلبس العمليات ده؟!
عقد حاجبَيه ثمّ أجابها: أمشي بلبس العمليات أحسن ما أمشي بلبس غرقان دم.
فردّت عليه بصرامةٍ: آه صحيح بمناسبة الدم، أنا ماليش دعوة بلبسك الغرقان دم ده، لا هغسله ولا همد إيدي فيه، مش ناقص هنضف مكان قرف الناس...
ثمّ رفعت سبّابتها في وجهه وأكملت: وتخش تستحمّى فورًا وتشيل القرف ده من عليك!
أطال النّظر إليها ثمّ سألها: إيه اللي جابك يا هيام؟ جيتي ليه وخدتك الشّهامة؟
أجابته وهي تجلس على أريكة قريبة نازعةً الوشاح الصّوفي حول عنقها: أكيد مش شهامة ولا حاجة، زي ما قلت لك، بغير جو بدل الحبسة اللي أنا فيها دي!
-بشكلك ده! ده منظر تخرجي بيه! ولّا حد يشوفك بيه من أساسه؟
ليجن استرتش وفيست ضيف وقصتك اللي خارجة من الطّرحة ولا ما أنا عارف انت لابسة ولّا مش لابسة! وحاطة اللي حطاه في وشك ولا كأنك رايحة فرح!
-مش كنت بطلّت تتكلم عن لبسي وقفلنا الموضوع ده!
-لا يا هانم! اسمها بطّلتِ تخرجي.
-طب كويس إنك فاكر إني ما خرجتش من زمان!
-هقول ايه! ما انت مش حاسة بحاجة! مش بتشوفي الحالات شكلها إيه ولا النّاس بتموت إزاي من غير ما تتلحق!
نهضت واقفة واقتربت منه عابثةً في شعره بدلال وقالت: بقولك ايه يا فري، ما تفكك من موضوع التطوع ده وكفاية عليك شغلك الأصلي.
-آسف، مش هتخلّى عن واجبي اللي ربنا سخّرني له، وبعدين الإنسان مش محتاج مرض عشان يموت، اللي بيجي ميعاده بيمشي... ويا ريت ما اتكلمش عن لبسك تاني لو عايزاني أفضل أتكلّم بذوق.
فاعتدلت واقفة وصاحت: لبسك لبسك! على فكرة أنا أحسن من ناس كتير غيري! وبعدين يا حبيبي انت واخدني كده بنفس استايلي ده! وعجبتك بنفس استايلي ده! إما كانش ده اللي لفت انتباهك أصلًا، ففكك مني يا فريد وما تركزش معايا أحسن.
فنهض واقفًا وقال محذّرًا: وأنا مش هتكلّم تاني.
-اسمع يا فري أنا ما ينفعش معايا الأسلوب ده، هه! شكلك لسه ما عرفتنيش!
فأومأ متابعًا بندم: فعلًا ما عرفتكيش...
Noonazad 💕❤️💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro