الفصل السابع
بقلم نهال عبد الواحد
هل آمنت يومًا بقدوم لحظة الفيضان؟
لا أعني ذلك الفيضان المتعارف عليه حين تفيض الأنهار، بل فيضان النّفس من شدّة الضّغوط حدّ الاحتراق، ولكلّ شيءٍ نهاية.
كانت نور جالسةً بثوب الصّلاة حيث لم تتتعتع من مكانها منذ صلاة العشاء، لم تسكت عن سؤال ربّها أن يصرف عنها ما تعانيه وقد زاد ذبولها وشحوب لونها وحول عينَيها، لا تدري من قلّة الأكل أم كثرة الهمّ والبكاء!
لم تعد نفسها وتتزيّن ككلّ يومٍ لاستقباله خافيةً شحوبها خلف تقنية مساحيق التّجميل، ودافنةً حزنها بالإكراه خلف ابتسامة مصطنعةً ومجاهدة عظيمة كي تظلّ بنفس الهيئة اللّطيفة.
وفي النّهاية لا تجد إلّا المزيد من التّهكّم والسّخرية والإساءة، وبمجرد سمعت صوت الباب يُفتح نهضت من جلوستها بتثاقل شاعرةً بتعبٍ غريب يزحف إليها لكنّها تجاهلته وتابعت تقدّمها نحوه بخطواتٍ ضعيفة.
وحين رآها عماد وتفقّد حالها لم يبذل أي جهدٍ في السّؤال عن حالها أو سبب هيئتها المذرية، فقط زفر بضيقٍ متمتمًا ببعض الشّتائم...
لكنّها لم تأبه لما سمعته وتقدّمت تحدّثت: حمد لله على سلامتك، ممكن نتكلم شوية!
فقلب عيناه لأعلى عابثًا في خصلات شعره الخلفية وقال: خير!
-طب تعالى اقعد خلينا نتكلّم مع بعض.
-أيوة يعني هتقولي ايه بشكلك اللي يسد النفس ده!
-طب اسأل طيب، ليه دايما بتتوقّع الظّن السّييء؟ مش ممكن أكون تعبانة مثلًا!
قوّس شفتَيه زافرًا وأجاب: هتتعبي من إيه يعني؟ ولا انت بتعملي ايه ف حياتك! ما انت قاعدة ليل نهار أدام التليفزيون أو بتلعبي جيمز، هتعتبري عمايل الغدا مجهود يعني!
-عماد أنا تعبانة وجبت أخري وعايزة أروح لماما لحد ما تحل مشاكلك ونبقى نرجع بيتنا بعد كده.
-ست قليلة الأصل صحيح، هي دي واقفتك جنب جوزك في محنته!
-أقف فين قولّي؟ أنا ما اعرفش عنك أي حاجة ولا بآيت أعرف لك كاتالوج، بتخرج كل يوم وتيجي بليل تاكل وتنام أو تكون واكل برة... دي عيشة! وبعدين تتكلم عن وقفتي جنبك بسخرية!
يا عماد ممكن نعيش على أدنا لكن عايشين مع بعض، بنتعامل مع بعض برفق واحترام، نقعد مع بعض نحكي ونتكلم عني وعنك في أي حاجة، يعني م الآخر معاملة بني آدمين... حاجة بعيدة كل البعد عن حياتنا.
مسح على وجهه بفرغ صبر زافرًا ثمّ قال: والله كنت عارف إنك ناوية على محاضرة من محاضراتك...
فقاطعته منفعلة: بدل ما تتريق وتكرر نفس الكلام ما تتغير ونعيش زي خلق الله.
-وانت ناقصك إيه إن شاء الله؟
-يا أخي افهمني باه! مش كل حاجة الفلوس!
-حاضر هبقى أأكلك حب وأعشيكِ طبطبة.
فصاحت بفرغ صبر: يووه! الخلاصة أنا عايزة أروح لماما لحد ما تشوف هتعمل ايه في مشاكلك، ما دام ما انت مصرّ ما تتكلمش معايا في أي حاجة ولا تشركني يبقى مع نفسك في مشاكلك.
-وأنا مش هوديك عند أمك، وبعدين ما انت بتكلميها كل يوم عايزة إيه تاني؟
فاقتربت منه وصاحت بقهر: تعبت! يا أخي حس بي مرة في حياتك! طب مش حاسس وعرفناها لكن للدرجة دي مش شايفني، إنت اتجوزتني ليه؟ حرام عليك أنا كرهت نفسي وعيشتي كلها!
فردّت بغضبٍ شديد لدرجة أن اسود وجهه: حلو أوي الصوت العالي يا هانم يا محترمة يا متربية، وقال تعبانة تعبانة وعايزة أروح لماما، لا يا روح أمك ده انت عايزة تتربي!
قال الأخيرة ولطمها بقوةٍ على وجهها فتفاجأ بها هوت أرضًا دون حراك، ارتبك قليلًا ثمّ صاح خافيًّا ارتباكه: بطّلي صلبطة! فزّي قومي!
فلم تجيب، فانتفض خائفًا وهبط أرضًا جوارها يتلمّس عنقها متفقّدًا نبضها فلم يجزم بشيءٍ وازدادت حيرته وخالطت خوفه، بدأ يحرّكها ويهزّها ويضربها بخفّةٍ على وجنتَيها... لكن لم تستجيب ولو تململًا، تحرّكت بؤبؤتاه في كلّ اتجاهٍ مفكّرًا في حلٍّ مناسب... فلم يجد حلًّا غيره في الأخير.
Noonazad 💕❣️💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro