الفصل الثامن
بقلم نهال عبد الواحد
كنتُ سعيدًا أراقصها، كفّي محتضنًا كفّها وذراعي الأخرى محيطة بخصرها -لا أدري كيف تجرّأت! لكنّي فعلتها- لم ألتفت إلى الأغنية أو الموسيقى فقط أنا غارقٌ في لون العسل المتمركز في عينَيها كما فعلت هي بالضّبط فعسليتَيها عانقت خاصّتي.
ما أجمل ابتسامتها!
لقد ذاب قلبي بل ذاب كلّي، لا أريد الوقت أن ينتهي، أراني أتحدّث كثيرًا لكن دون أن أفرج شفتاي مثلها أيضًا.
وفجأة!
تعثّرت وسقطت في مكانٍ مظلم لا أدري من أين أتى! أو كيف جئنا إلى هنا! لكن كفّها لا زال ممسكًا بكفّي ولم أتركها أشدّه بكلّ قوتي وأصيح مناديًّا عليها لكن لا يخرج من جوفي أي صوت، كأن لساني التصق في سقف حنكي فجأة! لكنّي لن أملّ وسأظلّ ممسكًا بها أبدًا ما حييت ولن أتركها تسقط... غير أنّي أرتجف وقلبي هلع لأجلها واحتل الخوف دواخلي فألجمني، ليتني أكمل بكلّ قوتي! ليتني أكمل للنّهاية!
لكن صوت استغاثتها تؤلمني ولا يزيدني إلّا توتّرًا، صوت ندائها باسمي ينخر روحي «فريد!»...
ليتني أستطيع!
وفجأة!
انتفض جالسًا وجسده يتصبّب عرقًا وأنفاسه تتلاحق بشدّة وانتفض مجدّدًا حين رأى زوجته أمامه تنظر إليه متعجّبةً!
فتحدّثت: مالك يا فريد؟ كنت بتحلم بكابوس ولا إيه؟
أومأ برأسه وهو يصب بعض الماء بيده المرتعشة ثمّ يرشفه رشفةً واحدةً بسرعةٍ بعدها عاد بجسده للخلف يلتقط أنفاسه الّتي يحاول تنظيمها لتكون أكثر هدوءًا ماسحًا وجهه لكن ذهنه شاردّا فيما رآه في منامه وقلبه قد انخلع بالفعل... لكنّه لم ينتبه لحديث زوجته الّذي كرّرته مرارًا!
حتى انتفض على صياحها: يا فريد بأه!
فالتفت إليها متسائلًا: في إيه؟
-يا أخي حرام عليك لساني اتبرا من كتر الكلام!
-سوري ما سمعتكيش، لو حاجة مهمة عديها تاني إذا سمحتِ.
فزفرت بضيق وضربت بقدمها أرضًا وقالت منفعلة: في واحد صاحبك عايزك برة ضروري وبيقول إن مراته وقعت من طولها وما بتفوقش.
فردّ مدلّكًا عنقه: ما يروح استقبال أقرب مستشفى، هو مفيش دكتور غيري!
-هو ده حق الجيرة! ده الراجل بيستنجد بيك.
-ومين ده يعني؟!
-ده واحد بيقول إنه عماد.
فأومأ فريد دون أن يعقّب بل استلقى بجسده بتكاسل في فراشه وبعد فترة جحظت عيناه وانتفض فجأة قائلًا: قلتِ مين؟
فزفرت مجدّدًا وصاحت: قلت عماد! أدي آخرة هدة الحيل، حتى هدومك ما غيرتهاش ونمت بيها!
فنهض مسرعًا واتجه إلى الحمام غسل وجهه جيدًا وانتبه للون عيناه الأحمر ثم خرج مسرعًا قلقًا للغاية فوجد عمادً بالفعل جالسًا على إحدى كراسي الانتريه، لكن جلوسًا هادئًا جعله يشكّ في ما سمعه عن نور، اقترب فريد مسرعًا وهو يسأله: في إيه يا عماد؟
فنهض واقفًا وأجابه بتوتّر: أصل المدام وقعت من طولها فلو تنزل تشوف فيها ايه!
حاول فريد أن يجيبه بهدوء وتبلّد بعكس الحريق المسعّر داخله مشيرًا إليه نحو الباب: طب اتفضل.
وتحرّك متعمّدًا التّباطؤ بكلّ ما أوتي من قوة رغمًا عنه حتى وصلوا إلى باب شقته بالطّابق الأسفل وخلفه هيام زوجته الّتي لم يلتفت إليها، بل لم يشعر بوجودها من الأساس، توقّف قليلًا والتفت إلى عماد وقال: طب شوفها كده خالعة رأسها ولا...
فقاطعه عماد: لا بالاسدال ومتغطية.
فأومأ فريد برأسه ودخل الشّقّة خائفًا متذكّرًا صدمتها حين رأته وكيف خافت وهلعت وترجّته أن يرحل ويتركها بنقائها -كما ظنّت فيه-
فحدّث نفسه: كان نفسي ما اجيش وعملت كل ما في وسعي عشان ما اشوفكيش تاني وانساكِ لكن...
ودخل الشّقّة فأشار عماد إلى مكانها فأسرع فريد لاإراديًّا مندفعًا نحوها حتى جثى أرضًا، كانت يداه ترتعشان كثيرًا وقلبه كاد يقفز من حلقه من فرط ضرباته القوية، وأخيرًا تمالك نفسه وأمسك رسغها يقيس النّبض وبالطّبع كان متخافتًا، وقبل أن يشرع بالفحص شعر ببللًا أسفل ساقيه الجاثي فوقهما وبمجرد أن نظر أرضًا تفاجأ بكمّ الدّماء أسفلهما ففزع، حرّكها بهدوء كي يتفقّد مصدر الدّم وقد توقّع ما بها فحملها تلقائيًّا وتحرّك بها دون أن يلتفت لأحد: لازم تتنقل فورًا للمستشفى.
خطا بها وهي بين يدَيه كانت قدماه تقوده فلم ينظر سوى لها ولوجهها وقد اختفت منه ملامح الحياة وسكنه الشّحوب والضّعف، وهاتان العينان اللّتان كثيرًا ما أطال النّظر فيهما ولهًا وعشقًا وقد صارتا متورّمتَين من كثرة البكاء.
صرخ داخله أن ماذا أحدثت بها يا عماد؟ ماذا فعلت بهذه الوردة اليانعة؟ بل لم تعد وردة من الأساس!
وكان حينئذ قد وصل أمام باب سيارته الخلفي ففتحها له عماد فوضعها في المقعد الخلفي ثمّ اعتدل واقفًا وقد التفت لنفسه وملابسه الّتي لُطّخت بدمائها ثمّ نظر إلى كفَّيه وما فيهما من دماءٍ أيضًا وشرد للحظاتٍ في ذلك المنام الّذي رآه منذ قليل... هامسًا داخله سأظلّ ممسكًا بكفّك ولن أتركك تسقطين.
ثمّ راجع نفسه في نفس اللّحظة أن لا لا! قد افترقنا سابقًا ولا سبيل للقائنا الآن وقد أصبح لكلٍّ منّا حياته وشريكه الّذي لن يظلمه معه حتى ولو اضطر كلانا لظلم نفسه.
ثمّ عاد مجدّدًا ولكن...
قاطع شروده تربيتة من عماد على كتفه فانتفض انتفاضة خفيفة حاول جاهدًا أن يبدو طبيعيًّا ملتفتًا له فتحدّث عماد: هي حالتها خطيرة للدّرجة دي عشان تروح مستشفى؟ ما كنت اديتها أي علاج ولا أي حقنة وخلاص!
قبض فريد يده بغضبٍ مكتوم جازًّا على أسنانه ثمّ أجابه: إنت اتفضلت ولجأت لي يبقى سيبني أشوف شغلي، مش مقتنع يبقى اتفضل خد مراتك وروح بيها أي حتة تديها الدوا والحقنة اللي انت عايزهم واطلع أنا أكمل نومي.
فلم يروق لعماد هذا الرّد واكتفى بإيماءته قائلًا: تمام اللي تشوفه.
لم يلتفت فريد إليه من شدّة غضبه منه ماسحًا كفَّيه في ملابسه ثمّ ركب سيارته وركب جواره عماد في حين ركبت هيام بالخلف وانطلق فريد بسيارته حتى وصل إلى المستشفى، وقبّل ترجّله سحب كمامة من العلبة المجاورة له فسحب عماد اثنتين واحدة له والأخرى مرّرها إلى هيام؛ فلن يُسمح لهم الدّخول دونها.
فمجرد وصوله أشار إلى اثنَين من الاستقبال بعمليةٍ كي يحملا المريضة على ناقلة الحمل مع تغطيتها ثمّ تحرّك بمهنيةٍ متحدّثًا إلى الممرضات دون أن يلتفت لعماد ممّا أثار حنقه فقال لهيام بضيق: هو جوزك ماله إيه اللي عوجه علينا كده؟
فأجابته: معلش أصله كان نايم وأنا صحّيته وشكله ما شبعش نوم، غير إن عدوه اللي يتدخل في شغله.
فأومأ زافرًا عاقدّا ذراعَيه أمام صدره مستندًا على الحائط الرّخامي بالممر، فاقتربت هيام جواره وسألته: كأنكم متخانقين!
فالتفت إليها عاقدًا حاجبَيه باستفهام قائلًا: مين؟
-انت ومدامتك.
-وامتى ماكنّاش متخانقين؟ دي ولية نكدية ما بتبطلش نكد وصياح.
-ليه يعني؟
-بطر بعيد عنك، قال ليه وليه مش عايزها تروح لامها!
-طب ما تخليها تروح ايه المشكلة!
-أمّا يجي لي مزاجي؛ أصل أنا راجل في بيتي وعمري ما اجيب ورا أبدًا.
فعقدت ذراعيها على صدرها هي الأخرى ناظرةً أمامها بضيق معقّبة بسخرية: آه!
فانتبها إلى اقتراب فريد نحوهما فسأله عماد: خير! مالها؟
أجاب فريد باقتضاب: إجهاض، وللأسف هتحتاج لعملية... ومش هينفع معاها أي علاج أو حقنة!
قال الأخيرة ساخرًا ولم ينتظر ردّ عماد وتحرّك مكملًا سيره في حين زفر عماد مرّةً أخرى وبعدها خرجت ممرضتان تدفعان سريرًا نقّالًا تستقله نور، فتبعها عماد وهيام وصولًا إلى جوار غرفة الولادة.
فربّتت هيام على ذراعه قائلةً بمواساة: معلش ربنا يعوّض عليك، ربنا يطمنك على مدامتك.
فأومأ برأسه دون أن يعقّب وبعد قليل مرّ فريد مرتديًّا الزّي الطّبي الخاص بالعمليات فانتبه لوجود هيام بتفاجؤ! فسألها بحدّة: إنت ايه اللي جابك هنا؟
فرمقته وأجابت: جرى ايه يا فريد ما أنا جاية معاك في العربية.
فنظر إلى هيئتها من أعلاها لأخمص قدمَيها، حيث ملابسها الضّيقة وخصلات شعرها الخارجة من الوشاح الموجود فوق رأسها، فرمقها بتوعّد وأكمل سيره إلى غرفة الولادة في حين قوّست شفتَيها بحنقٍ فقال عماد: معلش ما تزعليش.
فأجابت بثبات: لا ما تخافش أنا هظبطه في البيت.
فابتسم عماد بإعجاب وقال: وأنا تعجبني الست الجامدة...
فالتفتت إليه بتفاجؤ فأكمل: القوية يعني.
فابتسمت دون أن تعقّب فقال: أشكرك جدًا على تعبك ومجيك معانا.
فأجابت: أنا ما اعرفش مراتك أصلا، أنا جاية أغير جو من حبسة البيت وبس.
فتابع بنفس إعجابه: جامدة جامدة يعني.
فابتسمت مجدّدًا دون أن تعقّب...
Noonazad 💕❤️💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro