CH≈ Thirteen -2
"عندما يمر الوقت،
هل سأنساك؟.. كل شيء يجد مكانه ويذهب،
وأنت أخدتني كلي وغادرت.. أؤمن بأني سأتخطاك"
.......
حينما وصلت إيرلا إلى حيث العنوان المُرسل
إليها وجدت والدها يتحدث بإبتسامة عريضة
بجانب البوابة وهو يضرب كتف شخص ما.
أقتربت أكثر إلى الجهة الأخرى حتى ترى
بوضوح أكبر هوية من يتحدث معهُ.. وما أن
أستطاعت لمح وجهه حتى وسعت عينيها بشدة.
"جونغين" زمجرت من تحت أنفاسها وهي تُقلب
عينيها بضيق.. هذا الفتى اللعين يذهب
معها إلى نفس المدرسة والذي كذلك حاول كثيراً
أن يتقرب منها والذي مع الأسف يعلم بكل شيء
مما حدث معها مؤخراً، والذي ولسوء الحظ أكتشفت بأنهُ أبن أحد أعمامها.. وهذا لن يكون جيداً البته.
"آوه أبنتي، تعالي إلى هنا" قال والدها فور أن
وقعت عيناها عليها.. وإيرلا بضيق حثت خطواتها نحوه مع محاولتها لتجنب النظر إلى الآخر.
"أشتقت إليكِ كثيراً" قال والدها وهو يحتضنها
بقوة، لتشعر بإرتخاء عضلاتها ودفء حلو في قلبها لتغلق من عينيها وهي تشد على خصر والدها.
"أشتقت إليك أيضاً، أبي" همست ضد عنقه،
ليقهقه والدها مع تحريك جسديهما إلى الجانبين
قبل أن يبتعد مربتاً على وجهها بلطف.
"صحيح أنظري هنا أبن عمكِ جونغين..
أنتما يا رفاق—"
"لابأس أبي، أنا أعرفهُ جيداً" قاطعتهُ إيرلا
بإبتسامة صغيرة وهي تنظر إلى من كان يقف
خلف والدها يُحدق بها بعينان مبتسمه.
"مرحباً مجدداً، إيرلا" تحدث بإبتسامة خفيفه
وهو يمد يده إليها، والتي بدورها حدقت بها لثوانٍ
قبل أن تتجاهله تماماً وهي تُخفض بصرها نحو
ما يرتديه.
"هل هذا هو نوع الملابس التي تفضل
إرتداءها؟ ألا تمتلك أشياء أخرى أكثر
عصرية!" علقت بسخرية.
أبتسم جونغين بخفه وهو يعيد يدهُ التي
بقيت مُعلقة في الهواء إلى مكانها قائلاً
"بل يوجد الكثير يا أبنة العم، ولكن هذه العادات
هنا تُحتم علينا إرتداء هذه الملابس"
نظر إليها كما فعلت سابقاً من رأسه حتى
أخمص قدميها مستطرداً "لا نرتدي القميص
والبنطال هنا، لذا أعتقد بأن شخص ما
سيرتدي ذات ما أرتديه"
"أبي، هذا يحدث ابدا" نبست مشيرة إلى والدها
والذي فقط إبتسم بعرضة في وجهها ثم حرك
كتفيه قبل أن يغادر المكان.
لتلاحظ للتو فحسب أن والدها يرتدي المثل.
عقدت حاجبيها بإنزعاج وهي تهدر بعنف
"لن أرتدي هذه السخافة الكبيرة"
"لا رفض هنا، أنتِ مجبرةٌ على ذلك بالفعل"
ذكرها جونغين بملامح مستمتعه، وإيرلا كادت
بالفعل أن تصرخ به.. إلا أن والدتها التي ظهرت
من العدم تنادي بأسمها جعلها تشد على نفسها
كاتمه غضبها في جوفها.
"أنظرو إلى هذه الجميلة، أمكِ أشتاقت إليك
كثيراً يا إلهي، لا أصدق لقد بدأ وكأن الوقت
لن ينتهي" غمغمت والدتها وهي تعانقها بقوة
وتقبل كل جزء يظهر أمامها..
بينما تحركت إيرلا بين ذراعيها بضيق
وإنزعاج وهي تقول "أمي، كفى لم أعد صغيرة"
"صغيرتي أنا، و الأن الجميع بإنتظاركِ هيا..
لدى جدكِ ضيف مميز، أنها شراكة عمل بين
الكبار لذا يجب أن تنظري بعمق كيف تسير الأمور
هنا، حبيبتي" تحدثت والدتها بسرعة وهي تجذبها من ذراعها نحو الداخل..
إلا أنها توقفت فجأة وهي تمرر بصرها على
طول جسدها مع تقويس فمها لقول شيء إلا أن
إيرلا سبقتها مزمجره "لن أغير ملابسي"
"لكِ ذلك، لا تصرخي.." ردت بإبتسامة متوترة
قبل أن تترك يدها وتشير إليها بأن تتبعها.
وهي ومع تنهيدة ثقيلة سحبت قدميها نحو
المدخل.. ثم خلعت حذاءها وأرتدت ما وضع أمامها
مع أنحناءه صغيرة قبل أن تسير إلى حيث كُل
تلك الأصوات العالية والضاحكة.
ثوانٍ فقط حتى أنتشر صوت الجد في الأرجاء
يُرحب بهم بصوته العميق وهو يبتسم بعرضه.
وإيرلا نظرت إلى وجهه بجمود وهي تتأمل
تلك العلامات الكبيرة والتي تعلو ملامحه..
وجهه لم يسلم من التجاعيد، و وجنتيه بيضاء شاحبه، عيناه غائره لاتظهر جيداً بسبب الجلد
الذي يغطيها، يبدو كبيراً جداً بالعمر حتى
ما يزال قادراً على الوقوف مستخدماً قدميه.
قاطع أفكارها حينما دفعها شخص من الخلف
لتتقدم أكثر، وإيرلا أستدارت بإنزعاج وملامح
حانقة لترى أمام وجهها جونغين يبتسم بعرضه
وهو يشير إليه بحركة سخيفة من يديه.
"لاتدفع أيها البائس!" نبست بحنق وملامح ملتويه.
"الجميع بإنتظاركِ، آنستي!"
تتبعت إيرلا بعدم فهم إلى حيث يشير بأصبعهُ
لتنتبه إلى أن جميع من في الغرفة يُحدقون بها وخصوصاً والدتها التي بدت مرتبكة وهي تفرك
يديها ببعض.
قد يكون أمر محرجاً حدوث هذا بشكل مفاجئ
عند تحديق الجميع بك، تحديداً حينما يكون
هناك أشخاص أخرون غير العائلة إلا أن إيرلا
في الحقيقة لم تهتم أو حتى ترمش، بل وبقيت
واقفة مكانها تُبادلهم النظرات بجمود تام.
"اللعنه، أقتربِِ إلى الجد أيتها الغبية" هسهس
جونغين من خلفها بخشونة وهو يحاول دفعها
مجدداً، إلا أن إيرلا ردت بلا مبالاه وصوت عالِ
بعض الشيء قائلة "أعلم ما يتوجب عليّ فعله"
ما أن أنهت جملتها حتى تقدمت قليلاً إلى الأمام
حيث يجلس الجد بجانبه والديها و أمراة أخرى وبجانبها طفلان صغيران.
إلا أنها توقفت قليلاً قبل أن تصل نحوهم
لتستدير نحو جونغين بإبتسامة كبيرة مستفسزه
وهي تقول "بالمناسبة، الغبي هنا هو أنت"
ثم أكملت سيرها دون أهتمام حينما تناهى إلى
سمعها صوت ضحكة مألوفة.. جداً.
"مشاكسة وعنيدة و وقحة كجدتكِ تماماً" نطق
الجد بصوت حازم ولكن يتخللهُ أرتجاف طفيف
وهو يمد يدهُ إلى إيرلا ليسحبها بعناق سريع.
"ليس من اللائق ذكر الأموات بطريقة سيئة،
جدي!" غمغمت إيرلا بإبتسامة متكلفه سرعان
ما أصبحت متألمة عندما شعر بقرصه والدتها
على جانبها.
بينما أبتسم الجد بخفه وهو يربت على رأسها
قبل أن ينخرط بحديث مع المتواجدين حوله
على عكسها هي، والتي أخفضت من وجهه
وشرعت تمتص شفتيها بضيق تام.
فقط لو لم تستمع إلى جيمين لكانت الأن
بجانبه تعبث معه.
بعد حديث طويل ومضجر لإيرلا نهض الجد
فجأة لينهض الجميع خلفه فيما حدقت بهم من
مكانها على الأرض بإستغراب.. لا تفهم
لماذا نهضوا معاً.
ولكن لم يدم إستغرابها طويلاً إذ أنه وللمرة
الثانية تلقت دفعه خفيفه من خلفها لتهسهس
بغضب "اللعنه عليك توقف عن دفعي"
نظر جونغي إليها قائلاً "يجب عليكِ أتباع
ما يفعلهُ الكبار هنا!"
كشرت بإمتعاض "وما الذي فعلوه؟
لقد نهضوا فقط"
رد جونغين بغباء "إذن أنهضي أيضاً"
وإيرلا زفر بقوة وهي تقف على قدميها مع
تذمرات منخفضة من هذا اليوم الذي يبدو بأنهُ
لن ينتهي بسلام.
شردت بأفكارها قليلاً مع شعور طفيف بالقلق
على جيمين وإن ما كان بخير، هي لاحظت
بالفعل الغرابة التي أصبح عليها مؤخراً، هناك
شيء يشغل تفكيره طوال الوقت.. شيء يدفعهُ
للشرود والصمت والتفكير المُبالغ به.
فيما كانت هي تقف غارقة في أفكارها، كان
الشريك الآخر الذي ذكرتهُ والدتها سابقاً قد
شاركهم الدخول لذات الغرفة.. هي كانت بعيدة
جداً حتى سمعت صوت الجد العالي ينطق
بأسمها..
حسناً ولكونها إيرلا اللامُباليه بكل هذه
الأحداث عمدت على تجاهله كما لو أنها لم
تسمع أي مما يتحدثون به..
ولكن ذلك الصوت الذي أنبثق إلى مسامعها
وتلك النبرة التي ترتجف على أثرها عضلة
قلبها دفعت بها بسرعة كالبرق لرفع رأسها
وتحريك بصرها نحو الأمام حيث يقف الكبار..
ومع ذلك إيرلا لم تستطع رؤية شيء، لذا
بتهور وفضول شديد حثت خطواتها على
التقدم إلى حيث يقفون..
لكن لم يدم فضولها كثيراً حينما تحدث الآخر
مجبراً قدميها على التوقف وهو ينحني
بإحترام مردفاً "مين يونغي.. تشرفت بلقائكم!"
ثم رفع جسده إلى الأعلى ليثبت عيناه على
وجه إيرلا الذي ظهر من خلفهم بعينان أتسعت
بشكل مخيف.
........
"أنها الأغنية المفضلة لدي تاي،
لقد كُنت أحب الأستماع إليها حتى في وقت سعادتي.. ولكن المضحك جداً هو أن الأمر أنتهى بي هكذا
في الحادية عشر وأحدى عشر دقيقة أغرق
بالحزن الذي تعزفهُ أصابعي..أليس مضحكاً؟"
توقف جيمين عن العبث بمفاتيح البيانو
الخاص به ليرفع نظره نحو تايهيونغ الذي كان
يقف أمامهُ مائلاً بجسده يُحدق به بنظرات
ثاقبة وكأنه يُريد أختراق أعماقه.
تايهيونغ والذي آتى إليه فور مُغادرة إيرلا
للمنزل بعد أن أستمع لصوته المُتعب من خلال
الهاتف، هو فقط طرق بابه مع كومه كبيرة
من الأدوية والأطعمة، وبعد أن سمح لهُ بالدخول
هو صرخ بوجهه يتهمهُ بأنهُ يُهمل نفسه
كثيراً وأنهُ بائس حتى الموت..
تايهيونغ لم يتوقف لثانية حتى بل بقي
يصرخ وهو يعد الطعام، يصرخ وهو يُبلل
المنشفة التي وضعها على جبينه لخفض
حرارته التي أرتفعت مجدداًً ويصرخ حتى
وهو يحشر الملعقة في فمه قسراً.
ولكن صُراخه أشتد وتحول إلى حديث جديّ
بعد أن بدأ جيمين بالهلوسه عن إيرلا وعن
رغبته في رؤيتها والذهاب إليها..
لقد سمح لهُ تايهيونغ بالحديث مطولاً
بكلمات غير مفهومة أو واضحة، ربت على كتفه
مراراً ومسح على جبينه وصدره دون أن ينبس
بحرف أو حتى يعترض على أي مما يفعله بحق
نفسه.. هو فقط أعطاه فرصة التحدث..
فرصة التعبير عما يجول في خاطره، فرصة
للإفصاح عما لا يُفصح به بالعادة ويكتفي بدفنه
بداخله.
لقد كان صديق جيد بعد كُل شيء.
أبتسم تايهيونغ في وجهه وهو يعدل من أستقامة
جسده قائلاً "أتعلم جيمين، لوهله فقط فكرت
بأنك قد تغرق حقاً في حزنك قد تفهم بأن هُناك
شيء خاطئ يحدث بينكما وتتوقف عن الدوران
بهذه الحلقة المُفرغة.. ولكن عيناك ما تزال
كما هي تُفصح عن كل ما يجول بداخلك"
أقترب منه وهو يضع يديه على كتفيه حاثاً إياه
على الوقوف والعودة إلى حيث سريره الذي
غادرهُ ما أن أستفاق وتوقف عن الهلوسة.
"أتعلم ما مشكلتنا الحقيقية جيمين..
مهما كان الألم أو الحزن الذي نتعرض له عوضاً
عن التخفيف منه نحن نستمر بتغذيته بأشياء
أشد ألماً وحزناً، أعلم بأنهُ سيء وأعلم بأنك
تتألم بصمت، ولكن أنا لم أعتد على هذا
التصرفات منك.. لا أريد رؤيتك بهذا الضعف..
لا أريدك هكذا جيمين"
أخد نفساً طويلاً من أنفه حينما لم يجب عليه
الأخر بل أكتفى بأخفاض رأسه إلى الأسفل
بذات الصمت.. ولكن هو يعلم أكثر من أي شخص
أخر بأن جيمين يُفكر ملياً بما قالهُ لِتوه.
ضغط تايهيونغ على كتفيه مجدداً بقوة
وهو يسترسل "أنت لم تقم بفعل شيء خاطئ،
لذا لا تبقى صامتاً، لا تفعل هذا بنفسك جيمين..
أثق بأنك ستتخطئ كل شيء لأنك قوي جداً
وتعرف مصلحتك.. أثق بأنك ستفعل الصواب،
فقط لا تقف مكتوف الأيدي هكذا، لا تجبر
نفسك على تحمل ما لا تُريد.. توقف عن الأستماع
إلى هذه الأغاني الحزينة وأذهب للبحث عن
ما يخصك—"
"ألا ترى بأنك واقعي جداً أمام شخص مثلي؟"
قاطعهُ جيمين بإبتسامة خفيفة وهو يهز
رأسه " لا شيء يَخُصني فيها تاي، لقد كُنت أمامها
منذ وقت طويل، فعلت كل شيء لأجلها حتى
أبقى بقربها وأحظى بإهتمامها لي كرجل.."
رفع كفيه في الهواء بإحباط قبل أن يواصل
"لكن يونغي في منتصف عينيها، يونغي هو كل
ما يزال تنتظر أن تحصل عليه، هل تفهمني؟"
" لاتفكر بهذا الأن، أنت فقط يجب عليك أن
لا تضعف أو تيأس، لا تجرح نفسك جيمين
وكن شجاعٍ—"
"لا أجرح نفسي بينما صديقي والذي أشعر
بنظراته يكاد أن—" توقف مع نفس حاد وأسنان
تضغط بقوة على طرف شفاهه "اللعنه تاي..
هل تُدرك حتى ماذا يعني أن يتقرب يونغي منها؟
هل تعلم حتى ماقد يحدث بي أن رأيت الشخص
الذي أحب وصديقي معاً في حين أنهُ من
المفترض أن أكون أنا من يبقى معها؟ هل تعلم
حتى ما يعني كل هذا الألم؟"
لا يعلم ماذا يفعل..
هو بالفعل أقسم مسبقاً على أن إيرلا لن تكون
لغيره ابداً.. لكن الأن هي بعيدة عنه كلياً..
بعيدة عن عيناه، بعيدة جداً عنه بقلبها كذلك.
مهما أستحسنت وجوده بقربها، مهما أستلطفت
تصرفاته برفقتها ولكنهُ سيبقى دائماً مجرد
جيمين..
جيمين الذي ساعدها وأهتم بها..
جيمين والذي لا تشعر بشيء لهُ غير الأمتنان
في مُقابل اللهفة والولع الذي يشعر بهم إتجاهها.
" أنا أدرك جيداً بأنك ستتخطئ هذا الأمر..
فقط تخيل لو أن أياً مما حدث لم يحدث وأن
إيرلا لم تدخل حياتك قط.. تخيل كما لو أنك
مازلت جيمين الذي يخفي حبه عن الجميع
كونه مستحيل أن يحدث.. فقط أمضي بحياتك
كما مضيت سابقاً، أعلم بأنهُ مستحيل أكثر من
كونه صعب ولكن لن يكون أصعب مما تشعر به الأن..
كل شيء يزول مع الأيام فقط أمنح نفسك الفرصة وصدق هذا"
تمتم تايهيونغ بهدوء يقطع أفكاره البائسة
ثم ربت على ظهره بخفه قبل أن يضمه إليه
وهو يردف بصوت طفولي مفاجئ "أشتاق لتلك الأبتسامة القاتلة، أنا أقع لك بسببها جيميني..
أشتاق للحظاتنا السابقة عندما كنت متهور
ولا يهمك أي شيء حتى الرغم من أنك كنت واقع
في الحب.. أنا أفتقدك كثيراً لذا أرجوك
عد إلينا مجدداً حتى أشعر بالحب دوماً"
قهقه جيمين ببطء على عدم إتزان كلماته
وهو يلف من ذراعية حول جسده قبل أن يضع
رأسه على كتف صديقه الأحمق الذي دوماً
ما يتصنع الغباء وهو أكثر من يعرفه من أي
شخص أخر.. وجيمين سيبقى شاكر لهُ
وممتن حتى أخر حياته.
صحيح.. ربما العذاب الذي يخنق نفسه به
هو من صنع يديه.. ربما إيرلا لم تكن مقدرة له
وهو الذي يُحاول بكل ما يستطيع أن يجعلها كذلك..
ربما في المرة القادمة يتوجب عليه
إنتظار الحب الصحيح في الوقت والمكان المناسب
لا أن يركض خلفه بتهور وجنون.
........
"مصادفة جميلة" قال يونغي بهدوء وهو
يسير قرب إيؤلا فيما كانا يتجهان إلى
الحديقة الخلفية حيث أُعدت مائدة الطعام.
في حين أنها هي الآخرى كانت غارقة في
أفكارها مع تأملها لوجه يونغي البشوش
بطريقة تعجبت منها كثيراً..
ففي العادة هو يفضل البقاء بمفرده أو مع
أصدقاءه أما بصمت أو يتحدث قليلاً وبعدها
ينخرط في عالمه الخاص.
لكن الليلة بعيناها بدأ حيوي و وسيم جداً
فهذه المرة الأولى التي تراه يرتدي شيء غير
رسمي.. ملابس أخرى غير الخاصة بالمدرسة المضجرة، ومع تسريحه شعر جديدة مختلفة
عن التي أعتادت على رؤيتها بها.
قميص أبيض يعلوه معطف رمادي شتوي
وبنطال أسود جلدي يظهر ساقيه النحيفتان
بشكل واضح، فيما فرق من شعره الأشقر رافعاً
إياه إلى الأعلى لتتدلى بعض من الخصلات
على جبينه الشاحب.
وإيرلا لم تشعر أنها فقدت القدرة على الوقوف فقط..
بل كما لو أنها فقدت بضع من أنفاسها وضربات
قلبها وأتزان عقلها.. بإختصار هي فقدت نفسها
بأكملها من مظهره الساحر.
"إيرلا، وصلنا!" همس يونغي بخفه عندما
وصلوا إلى حيث الجميع، ولكنها بدت شاردة
تماماً عنه حتى تسمعهُ لذا هو قرر الإنسحاب
وترك بعض المساحة لها بعد أن ربت على كتفها
ببطء يشير صوب المقعد الذي سحبهُ إليها
للجلوس عليه.
حسناً.. مر وقت العشاء ببطء شديد أفقد
إيرلا صوابها.
طوال الوقت والجميع يتحدث بإستمتاع
وأنسجام تام عدا عنها هي.. الجميع يبدو
مسترخياً عداها هي، فقد كانت تشعر بضيق
شديد كما لو أنها تُريد الأنفجار..
وفوق كل ذلك آتى جلوس يونغي بجانبها
ونظراته التي تشعر بها من حين إلى آخر
والتلامس الذي يحدث بشكل مصادف أن أراد أي
واحداً منهما تحريك جسده فوق رأسها لتشعر
بضعف تام ورغبة قوية بالهرب.
لا تعلم لماذا وعلى أي أساس أخترقت تلك
الفكرة رأسها وأحاطت بأفكارها بشكل كليّ
ولكن لبرهه وحسب.. لبرهه فقط أفتقدت
وجود جيمين قربها وإنقاذها الدائم من تواجد
يونغي حولها..
أفتقدت جنونهُ وتصرفاته الطائشة بآخذها
بعيداً عن الجموع أو حتى عندما يتواجد
يونغي وحسب أفتقدت لملمس يديه والتي تعثر
على خاصتها دوماً لجذبها والجري برفقتها حتى يختفيان عن الأنظار..
بطريقة ما.. هذه الليلة وبشكل خاص
أفتقدت إيرلا وجود جيمين والشعور بقربه.
بعد أنتهاء الجميع من تناول الطعام،
أجتمع رجال العائلة والضيوف في غرفة المكتب يتحدثون بأمور العمل..
اما والدة إيرلا وجونغين فقد أنفردتا بغرفة
آخرى تتحدثان عن التسوق والطبخ
وما إلى ذلك..
في حين أن يونغي وإيرلا لم يتحركا من
أماكنهما في الحديقه الخلفيه للمنزل بعد
أن غادر جونغين مع إبتسامة حقيرة على
وجهه.
أما يونغي فـَ بالحديث عن هذه الليلة
والتي قاتل بها مسبقاً والده رافضاً فكرة ذهابهُ
معه بحجه أنهُ يريد الدراسة فقط حتى يزور
جيمين، لقد أراد الذهاب إلى منزله بعد معرفته
بأن إيرلا تسكن معهُ لبعض الوقت..
ولكن الأن هو لم يندم ولو لثانية واحده
مِن تواجده هنا..
يشكر أصرار والده وصوته الذي وبخه يطالبهُ
بتغيير ملابسه خلال ثوانٍ..
في بادئ الأمر، يونغي شعر بصدمة حقيقية
لرؤيتها أمامهُ..
هو لم يتوقع قط أن ينتهي بهما المطاف هكذا..
فـَ مؤخراً كل ما يشغل تفكيره هو تلك
الليلة وبكاء إيرلا، شعورها بأنها قد طُعنت
مِن أقرب صديقة لها..
لقد كانت إيرلا وحسب خلال تلك الأيام
الماضية..
إيرلا وإيرلا وإيرلا حتى بات يشعر بخوف
أكبر مِن أن يُصدق عقله نبضات قلبه التي
تخبره بأن ما يحدث معه هو من صنع القدر
والذي يُريد جمعهما معاً..
مع ذلك.. يونغي يخشى حدوث هذا.
يخشى أن يفقد السيطرة على عقله كما
حدث لقلبه، يخشى أن يتأذى جيمين صديقه،
يخشى أن يجرح قلب إيرلا أكثر، يخشى أن
يفقد نفسه، يخشى أن يكون كل شيء متعلق
بالشفقة وحسب.
تنهد داخلياً وهو ينظر نحو إيرلا والتي
بالمصادفة كانت تنظر إليه كذلك..
ولكن كسرعة البرق غيرت مسار بصرها
بأذنين أقسم يونغي على أنهما حمراون
رغم الأضاءه الخافتة للحديقة..
لذا كل ما كان عليه فعله هو أن يحاول جاهداً
كبح إبتسامة عريضة تكاد تبتلع وجهه.
"أنا.. سأدخل أيضاً.. يجب أن أذهب"
قالت إيرلا فجأة وهي تستدير بسرعة
للمغادرة، إلا أن يونغي أمسك برسغها
بقوة ليوقفها عن ذلك.
"لنتحدث" نبس يونغي بهدوء غير مهتم
لهذا الأتصال المباشر بينهما ولأول مرة
منذ أن التقيا.. إلا أن إيرلا لم تستطع إيقاف
الرجفة التي سيطرت عليها ولا على نبضات
قلبها الذي بات يعصف بشدة ضد صدرها.
"—أعني بما أننا هنا والجميع لديه شيء
يشغله.. لِما لا نتسكع بالجوار؟" عدل من طلبه
وهو يصدر حمحمه خفيفه من حنجرته..
بينما إيرلا بقيت تنظر إليه بعدم أستيعاب
وملامح فارغة تماماً.
هذه الليلة تقودها إلى الجنون بشكل غريب..
بدءٍ من رؤية يونغي وتحدثه إليها و أمساكها
بيدها حتى هذه اللحظة التي يطلب منها
التسكع معه..؟ جدياً!
.........
"إيرلا.."
توقف يونغي عن السير بعد أن تأكد مِن
أنهما أبتعدا كفاية عن المنزل ولا يوجد
شخص خلفهما.. كجونغين الأخرق!
"اوه؟" ردت بهدوء وهي تتوقف كذلك
لتُحدق بعينا يونغي الذي أصبح يقف أمامها.
"هل.. بطريقة ما أبدو غريب الأطوار..
أم مُخيف؟"سأل بغرابة لا تخلو من التردد
الذي يشعر به.. فهو لا يعلم كيف بإستطاعته
أن يبدأ في قول ما يريدُ قوله منذ فترة طويلة.
"ماذا؟" همست بإستغراب، لينظر يونغي إلى
وجهها بإرتباك أكبر وهو يكرر"أعني..
هل أنا شخص يتصرف بطريقة غريبة؟
هل أبدو لا مبالياً حقاً؟"
ظهر التردد جلياً على ملامحها لوهله قبل
أن تنبس بخفوت "لستَ كذلك.."
"إذن ماذا؟" أبتسم يونغي وهو يأخد خطوة
أقرب صوبها لتشتد خفقات قلبها وهي
تردف بتعثر "شـ..شخص طـ..طبيعي"
"تقولين هذا لأنكِ معجبة بيّ
لإنها هي الحقيقة؟"
"أنا—.. هذا.. ماذا؟" تلعثمت إيرلا
بوضوح وهي توسع من عيناها بعرضة..
مذهولة تماملً من صراحته الغريبة.
"أقصد.. هل لأنني شخص طبيعي
وقعتِ بحبي؟" أشار بصوت سلس وهو
يواصل الإقتراب ناحية من لم تستطع النبس
بحرف وبقيت تبحلق به بملامح أقرب إلى الذعر.
"ما الذي جعلكِ تقعين في حبي؟
لماذا من بين الجميع أخترتني أنا..
وفقاً لِما سمعت فَالجميع حاول معكِ ولكنكِ
كنتِ رافضة، لا مبالية أكثر.. في حين أنهُ
لم يكن بيننا أي صله قد تجعلكِ تقعين ليّ—"
توقف يلتقط نفساً مرتجفاً وهو يحدق
ملياً بوجهه إيرلا والتي بقيت على حالها
صامتة مذعورة.
يونغي لا يعرف سبب هذا الإنفجار المُفاجئ
ولكنها قد تكون فرصة جيدة لمعرفة ما أراد
معرفته منذ وقت طويل.. لن يكسب مثل
هذه الشجاعة في كل مرة لذا هو فقط
سيُخرج كل مافي قلبه هذه الليلة.
"منذ وقت طويل وأنا أفكر بكل هذه
التساؤلات لا أعرف لِما أنا؟ لِما بصمت إيرلا؟
لِما لم تخبرينني بذلك وجعلتِ صديقتكِ
تأخد خطوة إلي عوضاً عنكِ! كيف لكِ
أن تثقين بشخص غريب حتى تلقين بين
يديه مشاعر بهذه الروعة؟"
فرقت إيرلا من شفتيها المرتجفه
في مُحاولة لإخراج أي حرف ما ولكنها تشعر
وكأن شيء ثقيل يقف أعلى حلقها لمنعها
عن التحدث..
وطبعاً هذا الشيء أتاح فرصة كبيرة ليونغي
والذي أكمل سلسة تساؤلاتها مردفاً "إلى متى
كنتِ تنوين الأحتفاظ بحبكِ لي كسر؟ هل كان
الأمر صعب جداً حتى تخفيه! لقد قلتِ لتوكِ
بأنني شخص طبيعي، إذن.. لماذا؟
لماذا لم تخبرينني بشيء!"
"يونغـ—" همست بعدم مقاومة وضعف
إلا أن الأخر قاطعها بصوت أجش "ماذا أن كنت
أبادلكِ هذا الحب أيضاً ولكني لم أفصح
عنه؟ ماذا إن كنت أفعل ولكنني أخشى
ردة فعلكِ؟
وإيرلا أستنشقت بقوة وهي تشعر برجفان
قلبها وإهتزاز كل أنش من جسدها والذي تصلب
مِن جراء المسافة الصغيرة التي باتت تفصل
بينهما..
مسافة بحجم أصبع الخنصر..
مسافة كانت كفيله بأخراسها، بأشعالها..
بإرباكها..
فقط مسافة لعينه صغيرة أطاحت بكل
ما لديها من قوة متبقية أو حتى قدرة
على النطق.
يونغي يتصرف بغرابة مُفاجئة..
وهي تُدرك ذلك جيداً.
عقلها بقي يتخبط، ينبض بقوة سببت
لها الألم، العديد من الأفكار والأعتقادات
والأستنتاجات تلتف بداخلها.. كما لو أن كل
جزء منها يُحاول فرض السيطرة بما لديه.
تحرك يونغي البطيء وعيناه الواثقة
التي تُحدق بخاصتها أصابته برجفه قوية..
وحسناً.. هذا ما أرادتهُ منذ مدة طويلة..
أليس كذلك؟
هذا ما تمنت حصوله.. وهذا تماماً ما
سيحصل لها الأن.. ولكن رأسها الذي بدأ
يطرق بشدة ورؤيتها التي باتت أكثر ضبابية
أخافتها كلياً..
مِما دفعها لتغمغم بعدة كلمات من تحت
أنفاسه المتهدجه قائلة "سأعود إلى المنزل..
لـ..لقد تأخر الوقت—.. أنا"
"يبدو بأنني قد أخفتكِ" همس يونغي بهدوء
مقاطعاً إياها وهو يدفع بيديه إلى جيبي بنطاله
ويوقف تهور قدميه عن التحرك أكثر..
"لم أقصد ذلك.. ليس هذا ما أريدهُ
حقاً ولكن.. فقط.." هز رأسه إلى الطريق
أمامهما ثم وبصمت تام ومسافة مريعة بينهما
كانت رحلة العودة إلى منزل جد إيرلا والتي بقيت
على وضعها صامتة وهائمة في عالمها الخاص
مع أصابع يديها التي لم تتوقف عن أعتصار
طرف قميصها.
يديها متعرقة بالفعل ليس وكأن الطقس
حار أو ما شابه، كلا...
هي فقط تحترق داخلياً..
تحرق نفسها بأفكارها، بخيالها الذي نقلها
إلى ذات الأماكن الخطيرة.. أماكن حيث تقبع بها
أحلامها عن من كاد أن يقتلها بقربه
قبل وقت قصير من الأن.
أماكن مدفونه بعقلها الباطني حيث قد
سبق وأحكمت الأغلاق عليها منذ أن أحست
بأن لافائدة من المحاولة في الوقوع في
حبه أكثر..
أماكن رفضت التحليق إليها مجدداً حتى
لا تعاودها تلك المشاعر البائسة..
تلك الأوقات المؤلمة، واللحظات الحزينة.
وحسناً بسبب شرودها التام هيّ لم تُدرك
بأنها قد وصل إلى منزل جدها وبأن والديها
كانا بإنتظارها بالفعل بجانب السيارة..
هيّ حتى لم تشعر حينما دفعها والدها
إلى المقعد الخلفي مع تحججه بكونها متعبة
وأنها ما تزال تحاول التأقلم مع حياتها
الجديدة.
خيالها الوحيد من كان يُسيطر عليها
ويأخدها إلى الأعماق ثم يدفع بها إلى المقدمة
كما لو كانت على قارب صغير في منتصف
البحر.. قارب يطفو ببطء دون وجهٍ محدده
وسط سكون الكون و أرتطام الأمواج.
إيرلا أستمرت على هذا الحال طوال رحلة
العودة إلى المنزل، بقيت شاردة الذهن غائبة
عن الواقع تضغط بجبينها ضد زجاج
النافذة البارد حتى توقف والدها عن القيادة
معلناً عن وصولهم إلى المنزل.
منزلهم الذي غابت عنهُ طويلاً.. والذي
مِن المُفترض أن تكون قد أشتاقت إليه وإلى
الهدوء والراحة التي تنعم بهما بداخله..
ولكن إيرلا لم تفعل.. لم تشعر بالفقدان لأي
شيء آخر عدا عن منزل جيمين والذي ما أن
وضعت قدميها على الأرض حتى أستدارت في
الأتجاه الآخر وأنطلقت راكضة متجاهلة
نداء والدتها المتعجبة.
........
هل قال قبل عدة ساعات بأنهُ يجب
عليه المحاولة و رؤية كيف قد تبدو
حياته مرة آخرى دون وجود إيرلا أو حتى
مرورها على باله؟
جيمين سيكون أحمقاً كفاية إن أعتقد
بأن مجرد قول الوعود والإصرار والتصميم
فعال لدرجة الإيفاء به.. لماذا؟
لأنهُ منذ مغادرة تايهيونغ وهو يتجول في
الطابق العلوي، يتحرك بجنون من باب
غرفته حتى باب الغرفة التي كانت
تشغرها، لقد بقي يدور ويلف ويعود حتى
أستسلمت قدميه وتشنجت ليجلس بضيق
على الأرض يربت عليهما..
لكنهُ لم يطل البقاء حتى كان يقف مجدداً
وهذه المرة يهجم على غرفتها بفتح الباب
بقوة كبيرة أرتد على آثرِها إلى الخلف.
ربما قد يُصعب عليه رؤيتها هذه
الليلة بقدوم عائلتها لكن.. عبير الرائحة
التي هاجمت أنفه والألفة التي شعر بها
بداخل الغرفة كان أكثر من كافياً حتى
يوقف هدير قلبهُ المضطرب والشوق
الذي ينخر عظامه.
آوه.. ألا يعلم أن من فرط حنين المُحب
إن غاب حبيبهُ عنه فأبسط شيء يخصهُ
أو يتعلق به كافياً إلى الحد الذي يجعل من
نبضات قلبه هادئة ومُسالمه في مكانها؟
لقد أصبح يعلم الأن.
لذا هو لم يبقي زاوية إلا وتفحصها،
لم يبقي كتاب ألا وفتحهُ حتى خزانة ملابسها
والتي يمتلك بها تلك الذكرى القريبة البعيدة
التي هاجمتهُ بحلاوتها لتغرس إبتسامة
عريضة على شفتيه التي إزدادت وسعاً عندما
وقع بصرهُ على الإشارة الزرقاء الصغيرة
على التقويم الموضوع أعلى مكتبها.
جيمين سوف يُحاول حتى وإن لم يحصل
على النتائج التي يرجوها.. على الأقل
هو سيبقى يتذكر ويبتسم بقلب ينبض
بهذه الطريقة الحلوة حتى النهاية.
........
◀❤❤▶
- يا رفاق.. التعليق السابق الذي
وضعته عن الرواية بسيط جداً والمقصد
منه أن هُنالك البعض من يُحب قراءة التعليقات
حتى يعرف إن كانت الرواية جيدة أم لا
وأنا بالفعل قد غيرت الكثير بالرواية والأحداث
لذا قد تجدون تناقض واضح لأجل ذلك أفضل
لو أنكم تقرأون البارت وحسب بعيداً عن
صندوق التعليقات.🌼
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro