CH≈ fourteen
"اؤمن بأني سأتخطاكِ.. عندما لايتبقى
وقت طويل لنهاية اليوم..عندما أعتدنا أن نتمنى ونضحك..كل شيء يذكرني بك..
الرياح باردة مثل حافة قلبك..
عندما أفتح النافذة..
أنت تهب!"
..........
كانت الطرقات الصادرة من الباب
قوية إلى الحد الذي أفزع جيمين تماماً.
"إيرلا!" هدر متعجباً فور أن فتح
الباب وظهرت الآخرى بشعر أشعت بعض
الشيء بفضل الرياح.. والركض الذي ركضته
حتى تصل إليه.
"آوه.. جيمين!" حيتهُ بإبتسامة متوترة
ليرفع إحدى حاجبيه بحيرة قبل أن
يقول بتساؤل "هل.. كُل شيء على ما يُرام؟"
"بالطبع بالطبع.. أنا فقط أردت أخد
أغراضي-"
"لمِاذا قد تأخذين أغراضكِ؟" سأل بإندفاع
وهو يسحب الباب أكثر مفسحاً لها المجال
للدخول.
".. عائلتي عادت جيمين" ردت بتوجس
من القلق الذي أنبثق من عينيه "مما يعني
أنني سوف أعود للمنزل.."
"بهذه السرعة" أنتحب قائلاً "على
الأقل أبقي هذه الليلة" بإنزعاج أضاف وهو
يحدق ملياً في وجهها.
"آوه.. آمم.. حسناً لابأس"
"جيد.. والأن ماذا نفعل؟" سألها بإبتسامة
عريضة وعينان عاودت النبض بلعانهما
المُعتاد مما دفعها هي أيضاً للإسترخاء
ومبادلته الإبتسام قبل أن ترفع كتفيها
بعدم معرفة كَرد على سؤاله.
"أعتقد بأن مشاهدة فلم يبدو ممتعاً!"
أقترح وهو يجرها من معصمها بلطف..
وإيرلا لم تستطع إلا أن تلاحظ الطريقة
التي تحركت بها أصابع يدهُ لتلامس جلدها
برقة وخفة.
جيمين كان مبتسماً و راضياً بشكل كليّ..
حتى وأن كانت فكرة بقاءها لليلة واحدة
وأخيرة تعني المزيد من الأفكار البائسة
والأرق والألم.. ولكن الأن هو يحتاج لمساعدة جونغكوك وتايهيونغ.. على الأقل هو سيجعل
من هذه الليلة ذكرى بينهما قد تُلين من قلبها
نحوه.. من يعلم!
......
كان جيمين يتجول في غرفته يُحدق
بتركيز في القائمة التي بين يديه وهو
يدون بإهتمام بالغ الأمور التي سيقوم بفعلها.
أبتسم بعرضة حينما تأكد من قراءة القائمة
مجدداً ليدير رأسه الى ساعة الحائط والتي
أشارت إلى الرابعة والنصف صباحاً.
سرعان ما ركض واضعاً الورقة على المنضدة
بعناية أسفل هاتفه قبل أن ينحني ملتقطاً
بنطاله والمنشفة التي على سطح سريره
ليذهب إلى الحمام بعجل وهو يدعو
بداخله أن يسير كُل شيء على ما يرام
وكما خطط له.
مرت عشر دقائق فقط ليقف على عتبه
غرفته مغلقاً الباب خلفه وهو مستعد تماماً
لِما سيقوم به الأن وفي هذا الوقت المتأخر.
تحرك بخطوات ثابته نحو الغرفة الجانبية
لخاصته ليأخد نفساً عميقاً قبل أن يضع يده
على المقبض ويديرهُ بهدوء.
قوس عيناه ببطء حينما قابله الظلام
والرياح الخفيفة التي تهُب من النافذة..
دخل بخفه وهو يحرك بؤبؤ عيناه بسرعة
حتى أعتاد على هذا الظلام الدامس ليجد هدفهُ
الذي خطط لأجلها كل هذا.
تقدم بخطوات ثابته ليقترب
من سرير التي كانت نائمة بسلام تام وهي
تحتضن الوسادة بين ذراعيها بطريقة لطيفة.
أبتسم جيمين لرؤيتها بهذه الطريقة
ثم أخد وقتهُ بتأملها قليلاً قبل أن يهمس
بخفوت وهو يمد أصابع يديه للعبث بخصلات
شعرها الأمامية "متى سأصبح مقرباً اليكِ
كهذه الوسادة.. أميرتي!"
أبتسم بعرضة أكبر وهو ينحني بجدعه
ليطبع قبله صغيرة على جبينها ثم أخفض
من وجهه إلى الأسفل قليلاً مغلقاً عيناه
لتستقبله أنفاسها المنتظمة.
لقد كان عذاب كليّ له ولكن ما العمل..
على الأقل هذه الطريقة الوحيدة التي
يستطيع بها كتم حسرته وشوقه.
أصدر تأوه مخنوق قبل أن يتنحنح
ويهمس "إيرلا.. إيري.. أستيقظيّ!"
أصدرت صوت خافتٍ وهي تتحرك ببطء
ليهمس مجدداً وهو يتحسس وجنتها
"إيرلا.. هيا أنهضي الأن!"
"أتركني وشأني" غمغمت بصوت مكتوم
وهي تدفع يدهُ بعيداً عن وجهها مِما جعل
من جيمين يعبس بإنزعاج لعدم إستجابتها
وهي تُدير جسدها عنه إلى الجهة الآخرى.
ولكن جيمين العنيد أقترب نحوها
وبإصرار أكبر شرع يهزها من كتفها مع
تكرار أسمها لعدة مرات.
"لأجل الله ماذا بك!" تذمرت إيرلا ببكاء
وهي تركل الغطاء والوسادة التي بين ذراعيها
نحوه إلا أن جيمين إلتقطها بسهولة
وبإبتسامة بليدة مدّ يدهُ إليها هامساً "أنهضي..
لدينا شيء نقوم به"
"أي شيء هذا الأن" ألتفت بتذمر للنظر إلى
الساعة الجانبية لها قبل أن تشهق مستديره
نحوه "لم تشرق الشمس حتى!!"
"هذا هو المغزى والأن أنهضي فحسب" تمتم
بعجل وهو يضع الوسادة جانباً وينحني
لسحبها من ذراعيها "سأخبركِ فيما بعد..
لن تندميّ، أعدكِ!"
زفرت بثقل وهي تنهض بكسل لتُحدق
لبرهه بوجهه المبتسم بعرضه قبل أن تفرك
عيناها ببطء لتعاود التحديق به ثم بساعة
الحائط الأمامية لتهمس بيأس "أنت.. لم تؤقظني
لأجل مشاهدة فلم صحيح؟"
قهقه يهز رأسهُ مردفاً "أخبرتكِ بأنكِ
ستعرفين كل شيء فيما بعد والأن أغسلي
هذا الوجه الجميل و أرتدي ملابس دافئة وأتبعيني
إلى الأسفل!"
أوشكت إيرلا على الأعتراض إلا أنهُ
سبقها قائلاً بترجي "من فضلكِ! أستمعي إلي
هذه المرة فقط ولا تتأخري ارجوكِ
لم يتبقى الكثير من الوقت.. هيا سأنتظركِ
في السيارة!"
تنهدت بيأس مرة آخرى وهي
تتحرك بإستسلام وخمول نحو الخزانة
لتلتقط بعض الأشياء الدافئة كما طلب
جيمين منها.
........
أسندت ظهرها على مقعد السيارة تزفر
بخفوت قبل أن تدمدم "ماذا الأن جيمين.. أنها
حتى لم تُشرق بعد!"
تقوست عينا جيمين بإبتسامة
وهو يؤما برأسه "أرى هذا~"
حدجتهُ بنظرة غاضبة "وطالما أنك ترى
ذلك لِماذا أنا هُنا؟"
رد جيمين بهدوء وهو يضغط
على زر الشتغيل "ولِما لا؟ لا شيء يمنعنا
من خوض تجربة صغيرة!"
قلبت إيرلا عيناها بضجر وكأنها لا تتوقع
أن تحصل على السبب الرئيسي لوجودها
مما دفعها لأن تندس أكثر ضد المقعد
وتشد من معطفها حول جسدها قبل أن
تعانق نفسها وترخي برأسها إلى الخلف.
ضيق جيمين عينيه وهو يلقي نظرة
خاطفة بينها وبين الطريق الخالي بالفعل
ليهسهس "أنتِ لن.. بربك إيرلا! هل إيقظتكِ
لتعاودي النوم هنا؟"
"لاتبدأ حتى.. صدقني أنت لا تُريد
رؤية غضبي عندما أستيقظ!" زجرتهُ وهي
تغلق من عيناها عناداً به، ليتذمر جيمين
وهو يكرر جملتها بشكل متواصل محاولاً
إستفزازها ولكنها لم تفعل.. حيث أخذت نفساً
طويلاً تصبر بها نفسها عليه وهي تشيح
بوجهها ناحية النافذة لتراقب بنصف عينان
الظلام الذي يكاد ينقشع عن السماء.
وكذا بتجاهلها إياه دفعه لأن يُكمل
قيادة السيارة بسلاسة وصمت وعبوس طفيف..
مع ذلك لم يتوقف عن توزيع نظراته
بينها وبين الطريق أمامه مع كل ثانية
كما لو أنهُ يترقب منها أي حركة غريبة..
ولكن حتى يكون أكثر صدقاً مع نفسه هو كان
يتأملها أكثر من إهتمامه بالقيادة..
يتأملها بعينان يلتمع الشوق بهما، يتأملها
ولكأن هذه اللحظة التي يعيش بها قد تكون
لحظة وداع لا يراها بها مرة آخرى.
جيمين بقي على هذه الحالة حتى أخيراً
وصل إلى مُفترق الطريق ليوقف السيارة
في المكان المُحدد وهو يسترق النظر إلى
ساعة معصمه.
"لنذهب الأن!" قال بنبرة خافتة
لتنظر إليه إيرلا من فورها مدمدمه
"لما توقفت هُنا؟"
نظر جيمين إليها بذات النظرات
"لِمت لا تنزلين فقط؟"
زمت شفاهها بحنق وهي تضرب عتلة
الباب قبل أن تدفعهُ بقوة لتغادر مكانها
ليتبعها جيمين بإبتسامة عريضة مستمتعة
بغضبها الحلو.
أسرع من خطواته حتى يواكب خطواتها الطائرة
وهو ينظر إليها من الخلف كيف تنفخ
وتشتم بهمس حاد دون أن ترى أي شيء أمامها
مِما أوشك بها للتعثر ولكنهُ لحق سريعاً
ليشابك أصابعهما معاً مردفاً بحزم "لا إعتراض
في هذا اليوم!"
"ماذا تظن نفسك فاعلاً؟" هتفت بإستنكار
وهي تتوقف مع محاولة سحب يدها، ولكنهُ
هز رأسه بهدوء مصدراً فرقعة صغيرة
من فمه وهو يشد من ضغطه على أصابعها
قبل أن يعاود جرها إلى المكان المقصود
متجاهلاً الضجيج الذي تصدره.
قوست إيرلا حاجبيها بإنزعاج وهي
تنصاع أخيراً لعناده "هل فقدت عقلك
في هذا الصباح؟"
أردف بهدوء "لأكون صادقاً أنا أفقد نفسي
حينما أصبح معكِ!"
".. آه.. أنظروا إلى طريقة حديثه" أجابت
متلعثمه وهي تشيح بصرها عنه تتصنع عدم الإهتمام في حين أنها وللحظة شعرت بالعجز
من إيجاد رد مناسب لِما قاله.
العجز.. هذه هي الحقيقة التي تتعثر بها
مع كل ثانية تمر عليها برفقة جيمين..
حادة ومنفعله صحيح، تصرخ به وتواجهه
وتعانده في أبسط شيء، يزعجها بثقته الكبيرة وأبتسامته التي لا تنزاح عن فمه وبنظراته
التي تُرهبها.. على الرغم من أنها هي من أتت
بقدميها إليه عوضاً عن البقاء في منزل عائلتها..
ولكن يبقى السؤال هو لماذا؟
لماذا تفعل هذا حتى بالرغم من عدم تقبلها
للطريقة التي يعيش بها حياته، على الرغم
من التمرد والعنفوان الذي تشعر به ما أن تطأ
قدميه مساحتها.. لماذا تشعر بالهيجان في
مشاعرها لماذا في كل مرة تركض وتعود.. إليه..
لقد فكرت طويلاً وملياً بالأمر ليلة البارحة..
فكرت وفكرت حتى وجدت سبب ربما ليس
كافياً ولكنهُ منطقي بعض الشيء
بالنسبة لها..
لماذا تفعل ذلك..!
لأنها تنسى نفسها بقربة، تنسى كل شيء
يخصها.. النقاش والشجار معه يذهب بها إلى
أماكن لم تخطر على بالها قط..
الأحاسيس التي تذغدغ حنايا قلبها المتألم
تغدو كما لو أنها تندمل بجانبه.. لا تدري
ما السبب الحقيقي خلف ذلك أو حتى
ما تفعل حيال هذا الأمر ولكنها حرفياً
لا تعلم أي شيء حينما يتعلق الأمر
بتواجدها قربه.
إيرلا لطالما رتبت نظام حياتها على التنفس
والنوم وتناول الطعام، هي حتى حرمت
نفسها من التفكير.. أجبرت عقلها على نسيان
كل حرف من أسم حبها الأول، أجبرت نفسها
على التأقلم في حياتها الجديدة
دون أي تذمر.. مارسة القمع بشكل مكثف.
بالرغم من أنها على درايه تامة بأن هذه
الطريقة لن تسبب لها سوى الألم و مرارة الفقد..
إلا أنها أفضل بكثير من التفكير به بجنون
كإحدى عاداتها السيئة مذ تعرفت عليه.
"إذن مارأيكِ!.. هل تستطيعين؟"
أخرجها صوت جيمين عن شرودها
لترمش بتساؤل وهي تحدق به ببلاهه
في إنتظار أن يعيد ما كان يتحدث به سابقاً..
"واه هل كنتُ للتو أتحدث مع نفسي؟"
شخر ساخراً وهو يتفرس في ملامحها
التي أحمرت بإحراج لتدمدم بعبوس
"فقط أعد ما قلتهُ سابقاً"
تنفس جيمين بقوة ليقول وهو
يشير بإصبعه مكرراً "لقد سألت أن كان
بإمكانك السير كل هذه المسافة!"
تتبعت إيرلا أصبعه تنظر إلى حيث
يشير لتزم شفاهها هامسه بإنبهار "حباً بالله
جيمين ماهذا المكان.. لماذا نحن هنا؟"
زفر بضجر وهو يشد من يدها التي نسيت
تماماً أنها ما تزال محاصرة معهُ "أجيبي اولاً..
هل تستطيعين؟"
ردت بحنق "ما الذي يهمك في هذا، ماذا
ستفعل أن لم أستطع؟"
أبتسم بمكر "حينها سأتصرف أنا"
قلبت عيناها بملل وهي تتنهد بقوة
ليصر جيمين مجدداً متجاهلاً الطريقة
النزقة التي تتصرف بها "أنتظر جوابكِ!"
حلقت إيرلا ببصرها إلى المكان الذي
أشار إليه سابقاً لتقوس حاجبيها بعدم رضا
وهي تقيس المسافة الطويلة التي تصل
إلى الأعلى وبعدها طرق فرعيه
ملتويه.. ومظلمة.
حدق جيمين بها بتمعن وبملامحها المكشره
التي تدل على الرفض التام ليبتسم
بمرح وهو يغمغم إلى نفسه بكونه اليوم
الموعود وأنها فرصتهُ الوحيدة لفعل ما يحبهُ
قلبه مع صاحبة قلبه الشرسة الحلوة.
أبتسم بعرضة أكبر وهو يفلت قبضته
عن يدها فيما ألتف بجسده ليُصبح
خلفها.
حدقت إيرلا به بإستغراب وهي تقول
"لِما تنظر كالمجنون؟ ماذا هنـ..ااااه ..تباً..
جيمين ماذا تفعل؟"
نظر جيمين إلى وجهها القريب جداً
إليه فيما أصبح جسدها يسترخي ضد صدره
ليردف بسلاسه "ليس بشيء أفعله للمرة الأولى..
لقد سرت بكِ ليلة كاملة بين ذراعيّ هكذا
أسفل المطر"
"أنزلني أيها الأحمق.. أنا لم أطلب هذا منك!"
زجرتهُ بخشونه وهي تتحرك بإندفاع
بين ذراعيه ولكن جيمين هز رأسه مهمهاً
وهو يقول بمكر "بلى فعلتِ"
"أنا حتى لم أجب بعد!" جادلتهُ بإستنكار.
"ولكنني أفهمك جيداً.. لذا توقفِ عن المقاومة
كقطه شرسة و دعينا نصعد بسرعة قبل
أن ينفذ الوقت منا" أشار ببصره نحو الأعلى
وهو يتحرك بالفعل قبل أن يضيف غامزٌ
"صدقيني أن حدث عكس ما أريد لن تتخلصي
مني مطلقاً.. لكِ حرية التخيل!"
من فورها أستكانت إيرلا بين ذراعيه
بهدوء وشعوراً بعدم الرضا يتآكل بجوفها..
بل ربما إحراج من كونها قريبة منه إلى هذا
الحد الذي يجعلها تستنشق رائحة عطره
عوضاً عن الهواء الطبيعي.. ربما قد يكون فعل
ذلك مسبقاً ولكن آنذاك لم تكن معه..
لم تكن تدري حتى ما يحدث من حولها.
"أحكمي الأمساك بي" طلب بإبتسامة
عريضة لتعبس بعدم فهم "لماذا؟"
"للضرورة أحكام و شروط لذا أن حدث
و وقعتِ عن ذراعيّ لا تلومينني باكية!"
حذرها بنبرة حلوة لتضيق من عيناها بتساؤل حائر"ولما قد أقع أساساً؟"
هز جيمين كتفاه وهو يتمتم
"لأننا سنركض"
بعدها مباشرة أنطلق راكضاً إلى الأمام
لتشهق إيرلا بدهشه أجبرتها على عقد
ذ
راعيها حول عنقه وهي تسدل من
رموشها بقوة وخوف من تخبط الرياح على
بشرتها والتي تدل على سرعته المجنونة.
بعد ركض دام لعدة دقائق توقف جيمين
بصعوبة وهو يتنفس بقوة من فمه
ليسمح بدخول الهواء إلى رئتيه التي
أوشكت على الأنفجار، بينما إيرلا لم تكن
بحال أفضل حيث أن قلبها لم يتوقف عن
التخبط بداخلها مما دفعها لأن تكتم أنفاسها
في كل آن و حين هلعاً من فكرة سقوطهما
معاً من هذا الأرتفاع.. ومن كم ضلع قد يذهب
وأي ألم قد يشعران به والاسوأ أن لم يعثر
عليهم أحد.
"خذي نفساً عميقاً" همس جيمين بنبرة
منخفضة وهو يرخي ذراعيه من حولها لتفتح
عيناها ببطء وتوجس حتى أتضحت لها
الصورة كاملة لتضرب كتفه بخفه وهي
تهمس "أنزلني "
اؤما جيمين دون أي أعتراض وهو يفلت
جسدها بلطف حتى وقفت على قدميها
تُبحلق برهبه بالمنظر الذي أمامها.
جيمين بدوره بقي ينظر إليها بإبتسامة
صغيرة وهو ما يزال يلتقط أنفاسه منحني الظهر، يتأمل منظرها بشغف تام وقلبه يهدر
بقوة أضعاف القوة التي كان ينبض بها سابقاً.
كل شيء بها يسبب له الضعف..
مظهرها يخطف أنفاسه بدءٍ من رأسها
حتى أخمص قدميها.. هي الأستثنائية
الوحيدة التي أستطاعت الأستحواذ عليه
وفعل به ما لم يقدر عليه أحد قبلها.
عدل من وضعية جسده قبل أن يخطو
مقترباً ناحيتها فيما تحدثت فجأة بتوتر
واضح وهي تتراجع إلى الخلف "الن يحدث
شيء سيء لنا؟"
قوس جيمين حاجبيه بغرابة "شيء سيء!"
اؤمات هامسه "أن يقع هذا مثلاً!""
توقف جيمين بجانبها بإستغراب
"لن يحدث هذا إيرلا.. أنهُ قوي جداً"
نظرت نحوه بإنزعاج مُباغت "وما أدراك أنت؟"
"... هل من الممكن أن تكوني.."
قاطعتهُ بسرعة وهي تشيح بصرها
عنه بإرتباك "أكون ما أكون.. لا شيء بي"
هز رأسه متفهماً ليردف بنعومة
"ليس وكأنهُ أمر سيء إيرلا! "
"ماذا تقصد؟"
أشار جيمين إلى الأمام وهو يتأبط ذراعها
اليمنى "أنا ايضاً أخشى المرتفعات..
صدقيني"
"هل تفعل؟" سألتهُ بشك ليؤما بإبتسامة
مجيباً "كثيراً.. لكن في بعض الأوقات يجب
علينا التخلص ظن هذه المخاوف ومقاومتها
أليس كذلك؟ خصوصاً أن كان هُنالك منظر
يستحق لأجله فعل كل شي-"
"بالطبع كلا! هذا سخف.. ماذا أن كان قديم
جداً و وقع ذلك السور إلى الأسفل؟ حينها
سوف نسقط في المنحذر وأكسر عنقي-"
قاطعها جيمين ضاحكاً بصوت عال
"حباً بالله لا تفكري بهذه الطريقة
السيئة وأنظري إلى الأمام وحسب"
أشاحت بمضض برأسها إلى حيث يشير إليها
وهي ما تزال على حالها تتذمر بقلق وخوف
من أن تقع و يحدث مافكرت به حقاً..
ولكنها توقفت بتشنج في أرضها عندما وقعت
عيناها على الأسفل لتصرخ بهلع
"سحقاً أقسم بأنني سأقع"
تشبتت بذراع جيمين بقوة وهي تتوسل
"أنزلني من هنا~ أرجوك أريد العودة إلى الأسفل..
لا أستطيع لا أستطيع.. يا إلهي.. أشعر بالدوار..
كلا الغثيان.. أنني أشعر به.."
بقيت تتذمر وتتحدث بهلع
فيما قوس جيمين حاجبيه بإنزعاج
لأن أول شيء خطط له يبدو وأنهُ لن
يحدث كما أراد، وهو لا يُريد أن يفسد الأمر
الذي ظل يفكر به طويلاً حتى أنه لم يأخد
كفايته من النوم، ولكن في نفس الوقت
لا يُريد رؤيتها بهذا المظهر.. تبدو خائفة
ومرتعبة بشكل جديّ.. هو لم يعلم بأنها تخشى المرتفعات لهذه الدرجة.
رفع رأسه إلى السماء والتي تخللتها
العديد من السحب الرمادية والتي تشير إلى
أنقشاع هذا الظلام المحيط بهما.. ليُخفض نظره
إلى من ما تزال متشبته به بقوة
وهي تُغلق من عيناها.
"حسناً.. إيرلا.. أنظري إلي.. سوف أعيدكِ
على الفور أن لم تحبي هذا ولكن قبل ذلك
لنحاول لمرة واحدة فحسب" هدر بصوت لطيف
وهو يبعدها عنه قليلاً حتى نجح ليقبض
على كلتا يديها مردفاً "فقط لمرة واحدة..
لن يحدث لكِ أي شيء.. ثقي بيّ!"
عندما لم يتلقى رد منها حسم الأمر بمفرده
بأن أبعدها إلى الجانب قليلاً حتى أصبحت
خلفه ليقف هو أمام السور كحاجز يمنعها
من رؤية الأسفل، أدار رأسه ناحيتها ليأخذ بذراعيها
ثم لف بهما خصره وقربها منه أكثر حتى
تخطى ذقنها أعلى كتفه.
أبتسم أخيراً برضا عندما لم يسمع أي أعتراض
أو تذمر منها ليرخي بنفسه على السور تماماً
وهو ما يزال يعانق ذراعيها التي تُحيط خصرهُ
بشدة تتمسك به هلعاً لا رغبةٌ كما
يفسرها عقلهُ.
أما بالنسبة لإيرلا فهي لم تجد أي قدرة
على الرد أو حتى الرفض لسببين، أولهما
أنهُ كان سريع الحركة والفعل والأهم أنهُ
جنبها تماماً رؤية الإنحذار الشاهق للأسفل..
صحيح أن الألتصاق به وأستنشاق رائحته بتلك الطريقة أفقدها عدة نبضات من قلبها—..
على كلاً السبب الثاني كان المنظر الذي
أنشقت به السماء حاملة معها ولادة قرص
الشمس الذي أنبلج من خلف الأفق البعيدة
ناشراً خيوطهُ الذهبية على المدى البديع للسماء لتتناثر جميع تدرجات الألوان من البنفسجي
حتى الأزرق الفاتح يليها البرتقالي والوردي
إلى أن تجمعت الغيوم بشكل كثيف لتظهر
أخيراً الشمس منتصفه المكان بطريقة
مذهله.
أتسعت عينا إيرلا بإنبهار وهي تُبحلق
بالمنظر الذي أمامها تقريباً بأنفاس
مسلوبة تماماً..
قرصتها البرودة لتحيط نفسها أقرب إلى
جسد جيمين دون أن تشعر فعلياً بما تفعل،
الأمر كان أقرب للحظة سحرية أشعرتها
بلذة غريبة، هدوء أستكان لهُ جسدها
وأنصاع لتلك الأصوات الخافتة التي تصدرها
الطبيعة من حولها..
حركت عيناها الى السماء التي أصبحت بحرية
اللون إلى جانب من السحب التي تجمعت
حول الشمس لتظهر تارة وتختفي
تارة آخرى..
الهواء يضرب جسدها من جميع الأتجاهات،
هواء مشبع بنسمات باردة و رائحة منعشة
أشعرتها بالحنين إلى الأيام الماضية،
إلى أشياء لا تعلم حقيقة ماهي ولكنها بقيت
حبيسة الذاكرة.. إلى تلك اللحظات البعيدة
والأمنيات المدفونة في قاع داخلها..
منذ أن كانت صغيرة وكل مُناها كان
رؤية شروق الشمس البديع عن قرب
والأن حيث تقف هي على هذه القمة
المرتفعة تشعر وكأنها تستطيع
لمس تلك الشعلة الصفراء الكروية
بحركة من أصبعها.. يمكنها لمس
أول تحقق أمنياتها.. لمس السعادة التي
تفجرت في عروقها والأحاسيس التي
أنتشرت بكثرة أنستها كُل شيء.. كل.. شيء.
أبتسم جيمين بخفه وهو يستشعر
الطريقة التي تجمد بها جسدها ضد ظهره
و أرتخاء ذراعيها حوله.. شعور الرضا الذي
غلف داخله بالدفء بن يكتمل بالنسبة
إليه حتى يرى أنعكاس بهجتها على ملامحها
لذا ببطء ولا مُبالة لما قد تكون عليه
ردة فعلها أستدار بين ذراعيها ليُصبح مقابلاً لها..
وجهاً لوجه معها.. وكفيّ يديه دون شعور
أستقرت على خصرها.. ليبقى الأثنان بهذا
الصمت محتضنان بعضهما البعض..
ولكن جيمين..
لم يكن صامتاً ومتجمداً بقدرها.. إطلاقاً..
لم يكن كذلك.. إذ أن اللحظة التي وقعت
عيناه على صفحة وجهها حتى ألتهبت
جمرة الندم بداخله لقراره الأحمق
برؤيتها بذاك القرب.. لقد ظلم نفسه
عندما شاهد وبأم عينيه اللمعان العجيب
لإنعكاس الضوء على عدستيّ عيناها..
التدرج المُهيب للأخضر والفضي الذي
برقت به حدقتيها لتخلب لبهُ تماماً..
إيرلا كانت تُضيء.. تتألق بلمعان الشمس
وبهبوب تلك النسمات اللطيفة الباردة،
لقد كانت جميلة بشكل جعلهُ عاجزاً
عن فتح فمه.. وأشد العجز عن نسيان هذا
المظهر طوال حياته.. جيمين كان يُريدها
أن تشعر بالسعادة لهذا المنظر.. أن تبتهج..
ولكنهُ لم يُدرك وقوعه في فخ المشاعر هذا..
في فخ روحه الحلوة التي أرادت تحقيق
غاية من يُحب.. في رسم البسمة على
ثغرها الجميل.. في مشاهدة هذا الأنبهار
الذي يسبح في خضرة عيناها الفاتنتين..
في طمس اللحظات السيئة التي عايشتها
لمُجرد أنها وقعت في الحبّ.. ولكن الأن..
وبعد فوات الآوان أكتشف جيمين أن هذه
اللحظة سوف تترك ذكرى سـَ يُخلدها
قلبهُ حتى النهاية كانت قريبة أم بعيدة..
هو متأكد بأنهُ لن ينسى هذا الوجه مهما حدث.
أبتسم بخفه مع نفسه قبل أن يشيح بصرهُ
على مضض وكرهٌ عن ملامحها ليعاود
التحديق في الأفق البعيدة الساكنة.
......
أسند جيمين وجنته بكف يده وهو يتفرس
النظر غي ملامح إيرلا والتي بدورها كانت شاردة تمضغ الطعام بهدوء مُبهم.
حرك بؤبؤ عيناه بتمهل يتأمل وجهها الذي يُحب.. ملامح فارغة.. عينان كستهُما البُرودة..
وشفاه تتحرك دون صوت يُسمع تبتلع
ما تدفعه إلى فمها بلقيمات صغيرة..
كأن لا نفس ولا مزاج لها.. لقد كانت في
حال أفضل عندما غادرا تلك القمة في
وقت سابق.. لقد بدت سعيدة ومرتاحة
لرؤية الشروق من ذاك القُرب.
"تبدين غريبة.. أعتقد بأنكِ كُنتِ بخير
قبل حين من الأن!" نطق مستفهماً
وهو يميل برأسه حتى يتطلع بها.
توقفت إيرلا عن مضغ ما في فمها لترفع
عيناها نحوه تبادلهُ النظرات بطريقة
بدت أكثر برودة.. على عكس نظراته
المشتعلة.
سرعان ما غيرت مسار بصرها إلى الجهة
الآخرى من عيناه التي أوشكت على
صنع ثقب في وجهها لتقول "من أي ناحية؟"
تمتم جيمين بهدوء "أشراقكِ المزعج..
يبدو كما لو أنهُ بهت فجأة!"
"أي أشراق بي؟" سألتهُ مستعلمه
بتفاجئُ طفيف.
"آه.. بشأن هذا.. أعني روحكِ المندفعة..
وأنفعالاتكِ الغريبة.. وصراخكِ الدائم..
كل ذاك أعتبرهُ جزء من سحر أشراقكِ، عزيزتي"
أشار بإبتسامة لعوبة وهو يعاود إرخاء
وجنته كل كف يده لتسقط خُصيلات
صغيرة من شعره على جبينه.
قوست إيرلا حاجبيها بإنزعاج من الطريقة
التي وجدت عقلها يأخدها بعيداً متأثراً
بكلماته ومظهره.. لتُشيح من بصرها عنه
مجدداً وهي تمد يدها بتوتر نحو كأس الماء
البلوري لتدفعه مرة واحدة نحو حلقها الجاف.
"ألا تُريدين العودة؟" سأل فجأة وهو يعدل
من وضعية جلوسه ليُحدق بها بشكل جديّ..
بعض الشيء.
هزت إيرلا رأسها بنفي حينما فهمت مقصده
وهي تعيد وضع الكأس في مكانه فيما
تطلعت تدريجياً نحو زجاج النافدة تُبحلق
بِالمنظر الخارجي للمطعم.
حدقت بلهفه في أمواج البحر التي تتدافع
بقوة نحو الأمام لترتطم على بضعه
من الصخور الشامخة في المقدمة مما خلف
ذلك الصوت المميز.. الصوت الذي يقول عنه
البعض بأنهُ ضجيج مزعج لا غير..
في حين أنها تراه مسكناً للآلآم..
تراه ساحراً عجيباً يأخدها من نفسها ليرسلها
للفضاء تُحلق كـَ روح لا غاية لها سوى أن
تسبح وتسبح وتسبح في الفراغ الشاسع..
أن تتراطم الرياح على صفحة وجهها..
أن تجعلها تغادر أرض الواقع وتنسى كُل الحقائق..
أن تُحلق بعيداً حيث اللاشيء..
لكن الأن.. بالرغم من وجود هذه الأصوات
المفضلة لها إضافة إلى اللمسة الجميلة
الموسيقية التابعه للمطعم هناك شيء
أخر غير البحر والطبيعة الساحرة
يشغل تفكيرها.
ببطء أعادت نظرها إلى جيمين الذي بدأ
أيضاً مأخوذاً بالتحديق إلى الخارج متجاهلاً
إنهاء طعامه.
دون شعور منها أخذت تتأمل ملامح وجهه
والتي لأول مرة تُحدق بها بهذا الأهتمام
الغريب.
في وقت سابق كانت أستنتاجاتها عنه
بأنها بأن حينما تُحدق به عن بعد أو قرب
دون معرفة حقيقة له سوف تجد تلك
الهاله التي تحيط به.. تشعر كما لو أنهُ
شخص مختلف عن الجميع.. شخص محمي..
أو ربما يُخفي نفسه عن الظهور بشكل دائم.
إيرلا لا تعلم لِما فكرت به من هذه الناحية..
لا تعلم لِما بنظره واحده من عيناه
التي تطوف بعيداً الأن تشعر كما لو
أنها تشعل نيران غريبة بداخلها.
جيمين.. كان الفتى الذي دوماً ما تتجنب
حتى الوقوف أمامه، جيمين الذي كانت تمقت
التحدث إليه، جيمين من تكره حقيقة
أنهُ الفتى المُنحرف الذي تتحدث
عنه المدرسة بأكملها..
هي لن تنكر أن بعض من تصرفاته تكاد
تحرقها من الغيض.. ومع ذلك لن تنكر
مطلقاً أن شخصيتة والطريقة التي يسير بها
واثقاً ضاحكاً كانت جميلة جداً.. ومؤثرة—..
قطع سلسلة أفكارها صوت جيمين
وهو يقهق بلطف قائلاً "لم كن أعلم
بأنكِ من هذه النوعية!"
نظرت إليه بعدم فهم وحاجب مرفوع
ليستطرد متابعاً "الذين يحبون أستراق
النظرات خلسه"
أحمر وجه إيرلا بإحراج وهي تشيح
بصرها عنه تشتم نفسها بخفوت فيما
ضحك جيمين أكثر وهو يمد ذراعه فوق
المائدة على حين غره ملتقطاً يديها
الباردتين بين قبضته بقصد نشر بعض
من الدفء.
تحدث بنبرة خافتة وهو يدلك
على يديها برفق "والأن.. بشكل جديّ
لماذا تبدين شاردة؟"
الخفقات المتتالية والعنيفة التي أنفجرت
بها دقات قلبها كانت مُفاجئة ومربكة
للحد الذي جعلها تنزع يدها بسرعة عنه
وهي تحاول تصنع الأنزعاج من لمساته
"لمَ أنت آله لمس آوه؟ جدياً.. أنت تفقدني
صوابي"
أجاب بصراحة "أحب أزعاجكِ..
لقد أخبرتكِ بالفعل أن روحكِ المنفعلة
هي سر أشراقكِ.." توقف قليلاً يضيق
من عينيه عليها "بكن رؤيتكِ بهذا الشكل..
لا أدري ربما تُزعجني جداً.. لذا أنا أحاول بلطف معرفة سبب تقلبكِ الغريب.. هل تِعانين
من ثنائي القطب؟" سأل عابساً بطريقة
مضحكة لتشخر إيرلا ساخرة وهي تقلب عيناها
نحو طبقها الذي ما يزال على حاله ممتلئ.
مر صمت طفيف بينهما قبل أن تهمس
دون أن تشعر بأسمه بنبرة دفعتهُ ليُحدق
بها بعينان لمعت بغرابة حبست على
أثرها أنفاسها..
قبل أن تضغط بقوة أكبر على باطن
خدها بأسنانها حتى شعرت بالألم ومن
أسفل الطاولة وعلى حضنها كانت تفرك
يديها معاً بتوتر شديد.
دمدم جيمين بإصرار "ماذا هناك إيرلا؟"
هزت رأسها بعجل وهي تبتلع ريقها
بإرتباك واضح لعيناه "لا شيء.. أنسى هذا!"
قوس حاجبيه بحيره
"أنسى ماذا؟ لم تتحدثِ بعد!"
ضيقت عيناها بإنزعاج وهي تهتف
"أخبرتك أن تنسى فقط لِما
لا تستمع إلي!"
قلب جيمين عيناه بضجر لتحولها
السريع وهو يرد بإستسلام "حسناً لا تغضبِ..،
على أيه حال.. متى أخر مرة
هاتفتي والدتكِ بها؟"
"لما تسأل؟"
"فقط مجرد سؤال!"
"لم أفعل.. لقد كنت برفقتهم البارحة بعد!"
"إذن.. الم تسأل عن مكان تواجدكِ مجدداً؟ "
نفت بعدم أهتمام "لا يهم أن كنت بخير
وبصحة جيدة.. هذا ما تُخبرني به دوماً"
ضحك جيمين للتعابير الحانقة التي
علت ملامحها فيما أستطردت هي مردفة
بإنزعاج أكبر على الرغم من شعورها
بالراحة لسرعته في تغيير مجرى
الحديث "لو لم يكن هذا العجوز على قيد
الحياة لأستطعت العيش براحة"
بإستغراب سأل "هل تريدين من جدكِ الموت؟"
قوست حاجبيها ببراءه "الموت راحة لمن
هم في عمره.. ولكني لم أقصد هذا بالطبع!"
"أنتِ حقاً شيء ما" قهقه ملوحاً بأصبعه
في الهواء لتهز من كتفيها بعدم إكتراث.
".. إذن هل أنتِ بخير وبصحة برفقتي؟"
أردف بتساؤل خافت ويدهُ تعبث بطرف
الطبق "أعني.. هل تشعرين بالراحة—"
"صحيح بأني لا أستلطفك
ولكن منزلك لطيف!" قاطعتهُ على مضض
دون رغبة منها للعودة إلى نفس الدائرة.
أبتسم جيمين بخفه وهو يمد يده ليضرب
على رأسها بلطف "واه تجيدين
مدحي بشكل جيد!"
"سأحرص على فعل هذا دوماً" هسهست
بحنق وهي تدفع يده عن جبينها قبل
أن ترتب من خصلات شعرها مضيفه
"سأذهب لغسل يداي"
"حسناً.. وأنا سأغلق الحساب"
اؤمات إيرلا وهي تنهض مسرعة عن
مقعدها وتتجه صوب دورة المياة في
حين أن تابعها جيمين بنظراته بإبتسامة
عريضة وهو يلوح بيده إلى النادل.
"ليبقى الباقي!" تمتم جيمين بخفة
وهو يقف يلتقط الأشياء من على المائدة..
إلا أنه توقف فور أن أضاءت شاشة هاتف
إيرلا برقم يحفظهُ جيداً..
أكفهرت ملامح وجهه وأضمحلت إبتسامته
لينظر إلى الهاتف لبرهه طويلة وذراع
تعلقت في المنتصف.. وقف بصمت يتصارع
مع أفكاره بين هل يُجيب ليعلم الآخر مع
من تتسكع أو هل يترك الأمر لها كما لو
أنه لا يعلم شيء..
جيمين شعر بالضبط كأنهُ أحمق تم خداعه..
لا يدري أي قبضة حقيرة هذه التي أستولت
على قلبه لتعتصره بهذا القدر من القوة
والألم إلا أنهُ يكاد يتذوقها..
يستطعم مذاقها جيداً.. ربما شعوره بالخيانة
أو الغدر.. أو حقيقة أنه تمت معاملته
كأحمق لا يفقه شيء—..
"ماذا دهاك؟" عبست إيرلا بتساؤل عند
عودتها و رؤيته واقفاً بتلك الطريقة الغريبة.
أنتفض جيمين من أفكاره ليُحدق بها
لبرهه قبل أن يهز من رأسه وهو يشير لهاتفها
"مكالمة مفقودة!" قال بنبرة هادئة
ومع إبتسامة صغيرة أجبرها على تسلق فمه
حرك ذراعه مضيفاً "سأنتظركِ في الخارج—"
"لا داعي لذلك" نفت إيرلا وهي تستشعر
الغرابة التي أصبح بها قبل أن تلتقط
هاتفها بخفة وتحشره في جيب بنطالها
قائلة "لنذهب!"
"ألن تنظري؟" أستفسر بهدوء وهو يسير
بقربها إلى المخرج.
"أن كان مهماً سيعاود الإتصال!"
ردت بلا مُباله وهي تدفع الباب "والأن هل
أنتهت أفعالك الغامضة أم أنك سوف تسحبنيّ
إلى مكان آخر!"
هز كتفيه بخفه "أن كنتِ متفرغة
فما يزال لدي الكثير!"
"أنت تقريباً جررتني من على الفراش دون
سؤالي—"
"لن نذهب إلى مكان مخيف.. أعدكِ!"
قاطعها جيمين بإبتسامة لطيفة.
"أتمنى ذلك!" مرمرت بشك، ليهز من رأسه
قبل أن يسبقها بعدة خطوات ليفتح لها
باب السيارة وما أن أغلقه حتى فعل المثل
لنفسه وأنطلق إلى وجهته الآخرى.. بحماس أقل.
.........
نظر جونغكوك بإستغراب إلى تايهيونغ
الذي يقف أمامه يحمل بين يديه العديد
من المشتريات وآخرى بقيت بجانبه على
الأرض ليُميل من رأسه إلى الجانب قليلاً
وهو يقول "ماذا تفعل هنا؟"
أبتسم تايهيونغ بعرضه وهو يشير إلى
ما بحوزته "أتسوق~"
"واضح جداً أنك تفعل ولكن سؤالي لماذا تفعل؟"
أقترب نحو أغراض تايهيونغ يُحدق بإحدى
الأكياس التي فُتحت ليخرج محتواها.. جلس
القرفصاء وهو يلتقط الشيء الذي أمامه
يُبحلق به بحيره.
نظر تايهيونغ بإنزعاج إليه ليقول
"خذ بعض الأغراض من يدي..
ياه هل تتجاهلني؟"
حك جونغكوك رأسه بخفه قائلاً بتساؤل
"لمن هذه؟"
عبس تايهيونغ وهو يأخذها من بين يديه
"لا يخصك!"
تربع جونغكوك على الأرض ليتمتم
بصوت طفولي "لماذا لا تحبني!!"
قوس تايهيونغ حاجبيه بإستغراب
"أنا لم أقل هذا!"
تصنع الحزن "ولكنك تعاملني بطريقة سيئة..
تصرخ بوجهي دائماً.. لست مثل جيمين..
أنه لطيف جداً معي"
رد بإنزعاج
"هذا لأنك تتصرف معه بلطف شديد"
"معك ايضاً ولكنك لئيم..أنت حقاً تكرهني"
زفر تايهيونغ بضجر
"لا تبدأ هذا.. وتوقف عن العبوس"
نظر جونغكوك إليه بطرف عينه
"إذن ستخبرني؟"
اؤما تايهيونغ بقله حيله قائلاً "لقد طلب
مني جيمين جلب هذه الأشياء له، لم يُخبرني
بسبب مباشر فقط أرسل إلي برساله نصيه
مكتوب عليها كل شيء يُريده!"
فرك جونغكوك أرنبة أنفه بحيره
"وفعل هذا معي أيضاً.. ما الذي يخطط إليه
هذه المرة؟"
"لا أعلم.. المهم بأنني أشعر بالتعب وذراعاي
تؤلمانني—.."
"إذن لنأخذها لمنزله"
"هل تملك المفتاح؟"
اؤما جونغكوك بإبتسامة عريضة
"على الدوام معي، منزل جيمين منزلي الأخر~"
شخر تايهيونغ بسخرية
"لا أعلم كيف يتحمل جيمين رؤيتك
طوال اليوم!"
نظر إليه بحنق "لأنه يحبني"
"آمم.. واضح، ليس وكأنك تظل تنتحب
طوال الوقت حتى يأخذك معهُ إينما يذهب!"
نهض جونغكوك بإنزعاج عن الأرض
وهو ينفض ملابسه "بالمناسبة أنا ايضاً لا أحبك"
أشار إليه قبل أن يهرول مبتعداً عنه.
نظر تايهيونغ إلى الأغراض التي تبعثرت
على الأرض ليقوس حاجبيه بإنزعاج
وهو يصرخ "تباً لك جونغكوك!"
........
أشار جيمين إلى أحدى المحلات التجارية
ليتطلع إلى إيرلا والتي كانت تسير بجانبه
بملل يعلو ملامح وجهها.. أبتسم
وهو ينقر بأصبعه كتفها "أنا أتحدث معكِ!"
همهمت بضجر
"أعلم ولكني أتجاهلك!"
ضحك جيمين بإستغراب
"ولماذا تفعلين هذا؟"
"لأننا نسير منذ ساعتين تقريباً في
هذا المركز الكبير دون هدف محدد"
لوحت بذراعيها بعصبية ليعقد جيمين
حاجبيه بحيرة "وما شأن هذا بتجاهلي؟"
"لأنك تستمر بتجاهلي أيضاً" نفخت
بضيق وهي تسبقهُ بخطوات كبيرة مهسهسه
"أغرب عن وجهي وحسب!"
أبتسم جيمين بمكر مردفاً "أن لم تعودي
إلى هنا حالاً سأفعل شيء سيء حقاً.."
توقفت خطواتها بتردد لتستدير بنصف
جسدها نحوه مدمدمه "هل تهددني الأن؟"
اؤما جيمين وهو يتقدم إليها "أجل أفعل!"
"يالك من وقح.. هل تعتقد بأنني أخاف
منك مثلاً!"
رفع جيمين كتفاه بلا مُباله " أستطيع
حملكِ هُنا أمام الجميع وأسير بكِ إلى
جميع المحلات.. آنذاك يمُكننا معرفة
أن كنتِ تفعلين ذلك!"
أتسعت عيناها بدهشة "لن تجرؤ "
قوس جيمين عيناه بإبتسامة خبيثة
"أنتِ تعلمين بأني جاد تماماً.. لكن أن أردتِ
التجربة—" فتح ذراعيه على وسعه وهو
يشير إلى أن تقترب منه.
ضغطت إيرلا بشفتيها معاً بحنق وهي
تهسهس "أنت تجعلني أمقتك"
"ليس وكأنكِ واقعه بحبي!" ضحك مغيظاً إياها.
كشرت بوجهها وهي تضم ذراعيها نحو
صدرها "من قد يقع في حبك...
أنت مزعج جداً"
"من يعلم ربما تفعلين!" تمتم بنبرة
منخفضة وهو يقترب نحوها لتنظر إليه
بتساؤل "ماذا قلت؟"
"لا شيء.. لا تهتمي!" لوح بيده بإبتسامة
ظريفة لتؤما إيرلا على مضض وهي تنظر
حولها بإرتباك.. لقد سمعتهُ جيداً.. لقد قال
ربما تفعلين.. ولكن هل هي حقاً كذلك؟
هل من السهل أن تنسى يونغي وتدفعهُ
جانباً لتحب شخص آخر—..
أحمر وجهها بخجل وهي تتخيل نفسها واقعه
في الحب مجدداً.. واقعه بحب شخص أحبها اولاً..
شخص يُبادلها ذات المشاعر التي تدغدغ
حنايا قلبها.. شخص يحاول أسعادها
بأي طريقه ممكنه.. شخص يستمر في بذل
كل طاقته حتى يجعلها تبتسم طوال الوقت..
شخص يجعل أعماقها ممتلئه بمشاعر لذيذة..
عوضاً عن خوض صراع وحكاية حب فاشلة
مع الطرف الآخر—..
على حين غرة منها وفيما كانت في خضم
صراعها مع أفكارها شعرت بتحرك جيمين
السريع إليها وهو يضع ذراعه على كتفها
يجذبها نحوه عندما أوشكت على الأصتدام
بفتاة ما.
قوست حاجبيها بإستنكار عندما هتفت
الآخرى بفضاضه "ألا ترين أمامكِ؟"
"مجرد خطأ يحدث.. لا داعي للمبالغة!"
أسرع جيمين بالإجابة عوضاً عنها حينما
أتضح الغضب على ملامحها.. فيما رفعت
الفتاة رأسها بخفه لتُحدق في إيرلا بترفع
قبل أن تحول نظرها إلى حيث يقف هو
لتتسع عيناها بقوة قائلة "بارك جيمين..
صحيح؟ آوه.. أجل أنهُ أنت!"
ضيق جيمين عيناه بتساؤل وهو يشير
بأصبعه ضد صدره "هل تعرفينني؟"
صرخت بحماس "أيها الوسيم هل نسيتني
بهذه السرعة؟"
هز جيمين رأسه بغباء
"عفواً.. ولكنني لا أتذكركِ!"
قفزت الفتاة نحوه وهي توقع مشترياتها
على الأرض دون أهتمام لتعانقه بقوة هاتفه
"أنا جارتك التي كانت تساعدك دوماً في الهروب"
شعر جيمين بالإختناق من ذراعيها التي
حول عنقه ليقول بصوت ضجر "فهمت
فهمت يا جارتي والأن توقفِ عن خنقي"
عبست الفتاة وهي تبتعد إلى الخلف
قليلاً قائلة "لِما تبدو مستاء لرؤيتي؟"
عبس جيمين هو الأخر
"هذه تعابير الموت أثر الإختناق لا الأستياء..
ثم أنا لا أحب هذه الطريقة في الأحتضان"
أضاف أخر كلمة بإحراج وهو يدفعها عنه.
"لايهم.." أشارت بعدم إهتمام
"الأهم الأن بأنني التقيت بك بعد كل هذا الوقت..
واه ياللمصادفة!"
اؤما جيمين بمجاملة وهو يحرك بصره
نحو إيرلا التي كانت قد أبتعدت عنه
مسبقاً ليجدها تقف بجسد مائل وإحدى
كتفيها تستند على الحائط تُحدق به
بنظرات ساخرة.
قوس جيمين حاجبيه بإنزعاج وهو
يبادلها النظرات فيما تجاهل بشكل تام
الفتاة التي تثرثر بجانبه عن مدى
أشتياقها له وللأيام الماضية.
أعادته للواقع حينما لكمت كتفه بمزاح
مستطردهُ "ما الذي تتناوله يا رجل حتى
تصبح هكذا.. يُسعدني القول بأن هذا التغيير
مثير للجدل.. أنت تلمع تقريباً.. بل تُضيء—"
"فهمت فهمت.. يكفي إلى هذا الحد"
قاطعها بإبتسامة متوترة وهو يأخذ
خطوة إلى الخلف مبتعداً عنها إلا
أنها كانت أسرع عندما تشبتث به من كتفيه
لتقترب منه أكثر بنية واضحة لجيمين
والذي دون شعور صفع كف يده على فمها
حتى قبل أن تضعه على وجنته.
أرتفع صوت شهقة عالية من حيث تقف
إيرلا والتي كانت مذهولة من تصرفة ذاك..
ولكن حتى تكون صادقة ردة فعله بريئة
وظريفة إلى الحد الذي أشعرها بالسعادة..
نوعاً ما.. كلا ربما ليست السعادة حرفياً
وإنما أثلج صدرها.. لماذا لأن ذلك ما
تستحقهُ الفتيات أمثالها.
"عذراً.. أنزلقت يدي!" هسهس جيمين
بعجل وهو يبتعد عن الفتاة والتي لازالت
ثابته مكانها تُبحلق به بصدمة
جحظت لها عيناها.. فيما توجه الآخر
نحو إيرلا بخطوات كبيرة متلهفه أصابتها
بالتوتر لتحاول الأبتعاد قليلاً إلى الخلف
إلا أن ذراع جيمين التي التفت حول
خصرها بقوة منعتها من التحرك خطوة آخرى.
".. هل أنت.. بطريقة ما.. أصبحت—"
قاطعها مبتسماً وهو يُميل برأسه ضد
خاصة إيرلا "تمتلكين عقل بطيء..
ألا يوجد مبارك لكما؟"
نظرت الفتاة إليه بإمتعاض وبملامح ملتويه
بغيرة واضحة حركت يدها في الهواء
تتصنع عدم الإهتمام بقولها
"بالطبع .. مبارك لكما"
أنحنت تلتقط مشترياتها عن الأرض
بعصبية ملحوظة قبل أن تضيف "لأكون
صادقة لم أعتقد بأن شخص مثلك قد يقع في
الحب يوماً.. ولكن يبدو بأنني اسأت تقديرك!"
أبتسم جيمين بعرضة وهو ينظر إلى
إيرلا قائلاً بصوت خانقتهُ عاطفته
"لم أعتقد هذا ايضاً ولكن ما العمل..
لقد أوقعت قلبي في حبها"
أحمرت إيرلا بدهشة من سلاسته في
قول هذا لتوكزه دون شعور وبقوة على
خاصرته فيما كزت الفتاة على أسنانها
بإبتسامة مجبره وهي تهز رأسها..
بينما أستمر جيمين بمشاهدتها
بإستمتاع وهو يبتسم.. وشعوراً
بالإنتصار ينتشر بداخله.
"على أيه حال.. سعدتُ بلقائك جيمين..
إلى اللقاء!"
همهم جيمين بهز رأسه وهو يلوح من
خلف ظهر إيرلا "الوداع "
"أيها اللئيم لقد قالت إلى اللقاء وسعدت بلقائك!" قهقهت إيرلا وهي تدفع ذراعهُ عنها
في محاولة للإبتعاد إلا أن جيمين سحبها
مرة آخرى نحوه وهو يقوس عينيه بإبتسامة
حلوة "سمعت ذلك، ولكنني لا أحب الكذب
فأنا لم أسعد بلقائها أو حتى أريد رؤيتها مجدداً"
كشرت بوجهها
"تبدو مخيفاً بصراحتك هذه!"
"أفضل من أن أجعلها تتمسك بأمل زائف"
رد وهو يهز كتفيه بعدم إهتمام لتحدجه
لعدة ثوان قبل أن تقول بتساؤل "ما قصة
الهروب تلك؟"
عبس جيمين بوجهه وهو يفلت ذراعيه
من حول خصرها يدسهم في جيبي بنطاله
ليتحرك مبتعداً "قصة طويلة وممله
سأحرص على روايتها لكِ في وقت أخر"
ضيقت عيناها بإستغراب وهي تسير
بجانبه "لِما ليس الأن؟ لا شيء لنفعله
على أيه حال!"
أخرج جيمين أحدى ذراعيه من جيبه
لينظر إلى ساعة معصمه وهو يرد
"ليس الأن.. بل لدينا أشياء يجب أن نقوم بها"
"مثل ماذا؟" تساءلت بفضول.
أبتسم قائلاً
"ستعلمين ولكن لاحقاً.."
"توقف عن تلاعبك هذا وأخبرني"
طالبتهُ بنبرة منزعجة لينفي جيمين
بهز رأسه مدمدماً "سر.. أنهُ سر.. والأن كفيّ
عن التذمر كالأطفال ولنذهب لتناول الغذاء!"
.......
بطريقة ما.. خلال كل ذلك الوقت أمضياه
برفقه بعض.. جيمين لم يقرر أو حتى
يُفكر ولو لثانية بالقيام بالخطوة المُسماه
بالإعتراف المُباشر.. جيمين الذي في أعماقه
يعلم بأن لو علمت الآخرى مقدار ما يكنهُ
لها من حب لربما لن تصدقه.
ولكن السبب الرئيسي الذي يمنعهُ هو
إدراكه بأن قلب إيرلا ما يزال متعلق بيونغي..
يعلم بأنها ما تزال تُفكر به من فينه إلى
آخرى هذا أن لم يكن طوال الوقت..
يعلم بأنها تحتفظ ببضع صور له في هاتفها
والتي شاهدها بأم تُزين شاشته..و لاسيما
بعد أتصاله ذاك المفاجئ وهما في المطعم..
آنذاك.. لقد شعر وكان سكين قد غُرس
بأعماقه شعر كما لو أن العالم بأكمله يدور به..
كما لو أن جميع الأيادي تحاول خنقه..
لقد كان أحمق حينما بدأ يُصدق بأنها قد
تخلت عن حب يونغي ودونتهُ في أحدى
الصفحات و رمت به تحت عنوان الماضي
أزاء ما يقدمةُ لها من دعم بكل ما يملك من قوة
حتى تنساه وتتخطاه.. ولكن ياللأسف كيف
صفعتهُ الحقيقة حتى يستفيق بأبشع طرقها.
مسبقاً عندما فكر بأن محاولة في الأبتعاد
عن إيرلا رويداً رويداً قد يقل معها مقدار
الحب الذي في أعماقه لها.. ربما بهذه
الطريقة قد يعاود التجول مع أصدقاءه دون
خوف أو قلق من أن يختطف الآخرى أي أحد فيهم.. ربما هكذا يستطيع التحدث مع يونغي مجدداً..
يونغي الذي يحبه و يحترمه بشدة.
ليس وكأنه لا يتحدث معه مطلقاً..
كلا هو يفعل هذا من حين إلى آخر..
ولكن خلال كل ذاك الوقت جيمين ما يزال
يخشى أن يرى تلك اللمعه التي حدث و ان
رأها مسبقاً حينما ذهب هو وإيرلا إلى
المدرسة برفقه بعضهما البعض.. يخشى
أن يرى بداية علاقة الإثنان.. ودِهما..
حبهما.. تعلقهما.. يخشى أن يقع في هذه
الحفرة يخشى من الوقوع أعمق.. وأعمق..
وأن يخرج خاسر متألم مجروح..
جيمين لم يسبق لهُ وأن تعلق بشخص
ما بهذه الطريقة أبداً.. لماذا؟
لأن إيرلا وحدها من أستطاعت الأستيلاء
على جميع حواسه حتى بات يشعر بالفوضى..
أستطاعت جذب أنتباهه اليها..
أستطاعت سحر عيناه بإبتسامتها الحلوه..
أستطاعت جعل قلبه يضطرب بشدة ما ان تبدأ
في عناده أو مشاجرته—..
قد يكون الأمر تافهاً في نظر البعض لكن
هي حقاً أستطاعت فعل العديد من الأشياء
فقط لكونها هيَ.. الفتاة التي كان يظن بأنهُ
يستمتع في مضايقتها وجعلها تستاء وتغضب..
ولكن الحقيقة هي أن سبب أستمتاعه كان
بسبب أنها قد سرقت قلبهُ منه تماماً..
تنهد بقوة ليجذب أنتباه إيرلا التي
كانت تُبحلق بالبحر الذي أصبحا على مقربه
منه نظراً لألحاحه الشديد في ذهابهما إليه..
"بماذا تفكر بارك جيمين؟" سألتهُ بنبرة
صغيرة وهي توكز طرف ذراعه.
أدار جيمين رأسه إليها ليُحدق بها بإحتدام
كما لو أنهُ للتو ينتبه لوجودها بقربه..
وهذا لوحده كان كفيل بجعلها تتخبط
بإرتباك ولقلبها أن ينبض بتوتر مجدداً
و دون أن تعلم السبب لذلك—..
"بكِ.."
أتسعت عيناها بذهول فيما الضربة
السابقة القوية لقلبها أصبحت نبضات
متتالية وبسرعة تخابط الرياح حولهما..
لاسيما تلك النبرة الرتيبة التي تحدث
بها والتي دفعت بالدماء نحو وجنتيها
لتشيح بوجهها إلى الجهة المعاكسه لهُ
فيما أبتسم جيمين وهو يردف بهمس
خافت ولكأنهُ يخشى أن يسمعهُ شخص غيرها
"في كل مرة أريد بها التحدث طويلاً وعن كل شيء يحتجز داخلي أجد الوقت غير مناسب له تماماً.. لطالما وددت لو أن بإستطاعتي أحتجازكِ في مكان بعيد جداً.. حقيقي بعيد عن أعين
الجميع بعيد.. بعيد عن الواقع والماضي..
بعيد عن كل شيء لأصنع حياة خاصة بنا..
أنا وأنتِ فقط.."
"..جيمين—.."
قاطعها بهز رأسه وهو يُفرج عن نفس
مهزوز قبل أن يستدير بجسده ليقف أمامها
"أتعلمين بأنني بتُ أشعر بما تشعرين به..
بتُ أعلم كم هو صعب ومؤلم.. لكن مع هذا
أنا أقف أمامكِ..أرى أبتسامتكِ.. عيناكِ
و وجهك المشرق.. أستمتع بأغاظتكِ واللعب
بأعصابكِ.. نعيش في المنزل نفسه
يجمعنا سقف واحد.. بالرغم من أنه
ما يزال صعب حتى بعد حصولي على كل
هذه الأشياء إلا أنني لم أظهر ولو جزء من
ضعفي أو حتى أن أستسلم.. أنتِ حتى
لا تعلمين كم أكافح من أجل الحصول على
قلبكِ الذي يسكنهُ شخص أخر.. أكافح
حتى أجذب أنتباهكِ، أكافح بشدة حتى
أحصل على أهتمامكِ.. وحقيقة أنني لم
أحصل على أي شيء من هذا أجد نفسي
أسعى بجهد أشد حتى أحصل على ما أريد..
أتعلمين لماذا؟ لأنهُ ليس من السهل أن يتخلى
المرء عن حبه الأول مهما كانت صعوبته..
لن يأتي اليكِ كل ما تُريدينه.. اؤمن بشدة
في إن كنت تُريد الحصول على شيء ما يجب
عليك أن تخسر ضعف ما تملكه.. في بعض
الأحيان قد يخسر المرء كبريائهُ ويكسر
غروره حتى يتشبت بما يُريد.. أنهُ فقط—..."
"بهذه الطريقة أنت تُجبرني على
أن أتشبت بمن أحب!" قاطعتهُ بهدوء
يناقض ضجيج هذه اللحظة التي أنتظرها
جيمين بشدة والتي لم تتوقعها إيرلا مطلقاً..
تأمل جيمين ملامحها بصمت عاجز
عن الرد.. لا يُصدق أنهُ فعل كل ما فعلهُ
وقال ما قالهُ وهي لا زالت عالقة
في ذات الدائرة..
ضغط على جفنيه مغلقاً أياهما وهو
يشعر بقشعريرة تسير على طول جسده،
لا يعلم هل هي بسبب نبضات قلبه التي
تعتصرهُ بألم أم بسبب جديتها بخصوص يونغي..
خرج صوته ضعيف على غير العادة..
كشخص صارع عقله وقلبه بشدة ليُخرج
هذه الإجابة من فمه المُرتعش ".. هل هذا كُل
ما يهمكِ من حديثيّ..؟ أن تتشبتِ به وحسب..!"
"ليس من السهل أن يتخلص المرء من حبه الأول —.."
"أنا لم أخبركِ بهذا حتى تلقينهُ في وجهي!"
هسهس يقاطعها بغضب مفاجئ لتُحدق به
مسلوبة الأنفاس مضطربة القلب.
سرعان ما شعر جيمين بالعجز عن
مجاراتها في الحديث كما عجز لسانه عن
التفوه بأي حرف وعجزت عيناه عن رؤية
تلك الدموع التي أحمرت بها عيناها..
لثانية فقط هاجمه شعور بالذنب
لقوله كل هذه التراهات..شعر بسخافة
ما تحدث به في يوم كهذا.. شعر بمدى ضعفه وحماقته.. شعر وكأنهُ طفل أخرق ما يزال
يتعلم ماهو الحب.. ومتى يجب عليه
الأعتراف به.
أغلق عيناه بقوة وهو يرفع كلتا يديه
ليلامس خصلات شعره التي تبعثرت على جبينه
بفعل الرياح.. في حين أن بقيت إيرلا صامته
منذهله مِن إعترافه المُباغت.. لم يخطر
لها مطلقاً بأن تكون الشخص الذي تحدث
عنهُ ذلك اليوم.. لم تكن لتُفكر حتى
أو تفقه أن تصرفاته تلك تنم عن محبته لها..
تنم عن عاطفة حارقة مكبوتة..
تنم عن مشاعر جادة أحرقت قلبها..
كم كانت حمقاء غافلة عن أبسط تصرف منه..
كم كانت غبية حتى لا تُدرك كل ما قام
به لأجلها.. ولِكم تحمل هو فعل كل ذلك
في حين أنها لم تكف عن ترتيل أسم يونغي
على مسامعه طوال الوقت.. وحتى هذه اللحظة..
هذه اللحظة التي قرر بها التحدث..
هذه اللحظة التي لا زال أسم يونغي
عالق على طرف شفاهها... هذه
اللحظة التي من المُفترض أن تُشهد
على حدث غير هذا الذي يحدث..
أن ترفض.. أو تُجيب.. لا أن تزيد من تشبتها
بمن لا يُعير قلبها وحبها ذرة إهتمام..
على عكس الذي يقف أمامها.. على عكس
جيمين تماماً—..
أخرجها عن أفكارها إهتزاز هاتفها في
جيبها الخلفي لتلقي نظرة خاطفة نحو
جيمين الذي ما يزال صامتاً باهتاً يقف
على الجانب بملامح كئيبة.. أبتلعت
ريقها وهي تمد يدها لتلتقطه بسرعة
لترى أهمية المحتوى الذي وصلها..
"يُمكنك الذهاب.. لم يعد للأمر أي أهمية!"
تمتم جيمين بصوت أجش وهو يستدير
أخيراً للتحديق في منتصف عيناها
والتي كانت مُعلقة لفترة في شاشة هاتفها..
"أنا.." نظرت إليه بإرتباك وهي تضم
الهاتف نحو صدرها "أنها.. والدتي.. أنها..
بحاجتيّ.."
"فقط.. أذهبِ.." لوح بيدهُ في الهواء قبل
أن يُعيد دسها في جيب بنطاله ليسقط
نظراتهُ على الرمال أسفل قدميه حتى لا ترى
الضياع الذي يسبح داخلهما.. في حين أن
بقيت إيرلا بساقين مهتزة بين التحرك
والثبات في مكانها.. لا تدري أي شيء
أفضل لها.. اللحاق بمن تُريد..أو التخفيف
لمن كسرتهُ لعدة مرات دون أن تعرف
حقيقة أمره..
ذات الحكاية القديمة لصراع القلب
والعقل والذي يخرج منهُ القلب دوماً
منتصراً ليجثو العقل منهزماً خائب الآمال..
".. أنا.. سأعود.. فقط.. أنتظرني.."
وهكذا وجدت إيرلا نفسها تتحرك
بعجل تُسابق بخطواتها الرياح وهي
تلقي بكلماتها تلك غير مدركه للألم
الذي ضاعفتهُ في قلب جيمين المسكين..
جيمين الذي لم يرتكب أي ذنب سوى أنهُ
أحب من لا تجدها الحياة تُليق به..
جيمين الذي خسر على مدار الأوقات الماضية
ولازال حتى هذه اللحظة فريسة سهلة
للخسارة والفقد.. جيمين الذي يُدرك
جيداً أن سبب تعثرها بين الرمال
هو أن يونغي من يحتاجها لا والدتها..
جيمين الذي أضرمت النار بجسده
و رحلت عنه غير مُبالية بالجهد المبذول
لأجلها منذ الصباح ولا حتى بحقيقة
أنهُ قد أعترف بحبه للتو.. كشف نفسهُ لها..
عرى مشاعرهُ لأجلها.. لكسبها.. جيمين الذي..
سمح لعاطفته أن تنهش قلبهُ دون رحمه.
......
◀هل سبق و وقعتم في الحب
بالطريقة التي فعل بها جيمين؟▶
▶❤❤◀
◀يُرجى تجاوز وجود أي اخطاء إملائية▶
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro