CH≈ fifteen -1.
"آراهن على أنهُ إن أراد قلبك
الوقوع في حُبيّ لفعل حتى وإن أقتصر
لقاءنا يومين."
......
"لماذا أردت رؤيتي؟" سألت بحذر
وهي تنظر إلى من كان يرتشف بهدوء
قهوته.
عينيه كانت شبة مفتوحة
مع كل رشفة من المرارة السوداء التي تغرق
بفمه بإستمتاع ولذة.. ملامحه شاحبة كالعادة
وهادئة خالية من أي تعبير.. خصلات شعره
الأمامية أخفت جبينه حتى حاجبيه..
شفتيه لم تكن ظاهره من الكوب الذي
نسبح بداخله، ملابسه كانت رسمية أكثر
من كونها مسائية نظراً للوقت الذي هما به.
مع كل هذا.. يونغي بدأ جميلاً جداً
بتلك البرودة التي ولكأنها حاوطته كهاله
قوية لحمايته من أي شيء قد يعكر صفو مزاجة..
بدأ جميلاً جداً بتلك الربطة الزرقاء
المُتراخية حول عنقه..
وعلى الرغم من ذلك إيرلا وجدت نفسها
منزعجة من الصمت الذي طال بينهما..
وجدت نفسها مرهقة جداً حتى تستمع لأي
قنبلة صادمة قد يُفجرها يونغي في أي ثانية..
مرهقة مِن ما حدث قبل وصولها إلى هنا..
مرهقة مِن ذلك الإعتراف الصادم..
مرهقة مِن تصرفها الأحمق والطريقة
التي كذبت بها على جيمين في وجهه
دون أن يرف لها جفن.
"يونغي!"
"إيرلا، ألا يمكنكِ البقاء هادئة لبعض الوقت؟"
"سأفعل عندما أعرف لماذا أنا هنا؟"
"لأنني أريد التحدث مثلاً!" هسهس بنبرة
ساخرة بعض الشيء.. لتدفع إيرلا بلسانها
تمررهُ بداخل وجنتها قبل أن تُشتت نظرها
في المحيط الهادئ حولهما بإنارتهِ البرتقاليه
الباهته والتي للحق أضفت سحر خاص
بالمكان بأكمله.
"لماذا كل هذه العجلة؟" سألها بإستغراب فور
أن لاحظ الطريقة التي تهتز بها قدميها أسفل الطاولة"هل كنتِ مشغولة بأمر ما!"
"كلا.. لا شيء.. أنا.. فقط" توقفت
لا تدري لماذا تشعر بهذا التوتر الخانق..
لماذا تشعر وكأنها لا تُريد البقاء أكثر..
وكأنها ليست مهتمة حقاً—
"هل.. تعرفين أي هو جيمين؟" قاطعها بسؤال
آخر وهو ينظر ملياً بين عينيها ولكأنه
يبحث عن شيء ما قبل أن يردف "على كلاً لن
يكون في المنزل الليلة لذا أعتقد بأنكِ
لن تستطيعِ البقاء—"
"لا أحتاج للبقاء لديه.. أمتلك منزل!"
ردت بعنف لا إرادي وهي تتحرك بتوتر
ملحوظ ليرن صمت طفيف بينما كان يونغي
يواصل التحديق بها.. ينظر بعمق كما لو
أنهُ يريد الوصول لروحها..
فيما بقيت إيرلا على حالها، على حافه
التردد تهز قدميها بطريقة أسرع وفي كل
حين وآخر تنظر إليه.. تُريد السؤال..
تُريد فهم مقصده.. أين سيكون؟
لقد كان برفقتها بالفعل قبل وقت من الأن..
لقد وعدها بيوم كامل لهما وحسب
قبل أن تدمرهُ هي بسبب مكالمة يونغي لها.
"...هل تعرف أين من الممكن أن يذهب
جيمين؟" سألتهُ فجأة عندما لم
تعد تحتمل أي فكرة آخرى قد تغمر
عقلها المليء بالأفكار السيئة بالفعل.
"جيمين؟" كرر يونغي بإستغراب
من تساؤلها المُفاجئ ليغمغم "ما خطبكِ
معه؟أصبحتِ تتحدثين عنه كثيراً!"
"لمَ قد أتحدث عنه؟ أنا فقط اسأل بشكل
طبيعي.. كما أن حقيبة ملابسي في منزله..
وأنا أريدها!" بررت بنبرة أقرب لأن تكون
طفولية وهي تشد على أصابع قدميها.
"همم، بسيطه أطلبِ من تايهيونغ
كلمة المرور!" أشار يونغي بخفه
لتشعر إيرلا بالحنق فجأة من الطريقة
الباردة التي يتحدث بها لتهتف بإنفعال
"فقط هل يُمكنك التحدث.. يجب..
لابد من أن أغادر سريعاً!"
"آوه.. حسناً.. فهمت" هز رأسه بخفه
وهو يضع الكوب جانباً فيما طوى ذراعيه
فوق صدره وهو يعود بظهره إلى الخلف
على الكرسي حتى يستطيع النظر جيداً
في وجه من كانت تُحدق به بحيره..
ونفاذ صبر.
"أنا.. في الحقيقة فكرتُ كثيراً..
لا أدري أن كان ما أفعله هو الصواب ولكني..
بطريقة ما قررتُ السير خلف رغبتيّ
لا مشاعري.. وحسناً أنا أريد طلب شيء منك"
أعلن بهدوء وهو يمسح طرف شفته بسبابته
قبل أن يهمس بتوتر طفيف "أريد أن نحاول..
أعني بشأننا.. أنا وأنتِ"
أنا وأنت؟
"يونغي أنا.." ترددت وهي تُبحلق
بوجه من كان يبتسم بخفه، على الرغم من
ملامح التوتر التي تعلو وجهه إلا أنهُ أحسن
الصنع بإخفاءها تماماً.
"يونغي.. عقلي لا يستوعب شيء " نبست
أخيراً وهي ترفع جسدها ببطء بغرض
النهوض "لا أدري.. حقاً لا أعلم..
أنا محبطة جداً هذه الفترة—"
"إيرلا.. أنا لا أنتظر جواب منكِ حالياً"
قاطعها بتآنٌ وهو يقف على قدميه
"يُمكنكِ أخد جل وقتكِ بالتفكير..
أنا أعتقد.. فقط سأنتظركِ!"
بعدها هز رأسه وأستدار يُغادر
المقهى تاركاً إياها خلفهُ بملامح
منزعجة جداً.
في طريق عودتها كانت إيرلا تسير
بتهمل وبطء مُتعمد.. كُل شيء تبخر
من رأسها الذي بقي فارغاً تماماً ما عدا عن
اللحظة التي طلب يونغي منها الخروج..
إيرلا لا تعلم حقاً أي سبب هو ذاك
الذي دفعهُ لفعل ذلك في حين أنهما بالكاد
ينظران إلى بعض.. بالكاد يتحدثان حتى
يصارحها بهذا الشكل طالباً موعداً.
يونغي لم يسأل حتى إن كانت لا تزال
ترغب في فعل هذا.. إن كانت لا تزال
ترغب به هو.. على العكس تماماً لقد
بدأ لها كشخص يُريد نفض الثقل
عن كتفيه حتى يتوقف عن الشعور
بالذنب وحسب، بدأ لها كشخص لا يعلم
ماذا يُريد لاسيما وأنهُ عبرّ بصراحة عن
كونه سوف يسير خلف رغبته لا مشاعره..
هو بنفسه لم يكن مقتنعاً إن كان طلبهُ
صائباً.. إن كان يُريدها حقاً لأنها هي..
إيرلا، من يهتم بها على الأقل لا كمن يُريد
تجاوز آمراً من باب التجربة وحسب.
"إيرلا؟" هدر صوتاً ببحه عميقة أجفلها
كلياً لتقفز من مكانها وهي تُبحلق
بتايهيونغ والذي ظهر فجأة من العدم..!
آوه كلا، أنها تقف تماماً أمام بوابة منزل..
جيمين..
جيمين.. آوه تباً!
"ماذا تفعلين هنا؟ أليس من المُفترض أن تكوني
برفقة جيمين!" سأل تايهيونغ من فوره
كما لو أنهُ يقرأ أفكارها.
"آه.. لقد.. حسناً قلنا الوداع بالفعل!" ردت
بإرتباك وهي تحول نظراتها نحو المنزل
من خلف تايهيونغ والذي بادلها التحديق
ولكن بشك وعقدة كبيرة أحتلت بين حاجبيه.
"..آه.. أنا—"
"هل تركتيه بمُفرده؟" أصر بشكل
مفاجئ لتلتقي بعينيه بوجه متورد لبرهه
قبل أن تطرق رأسها إلى الأرض.. في حين أنهُ
أصدر شخرة عالية وهو يعود إلى الخلف
بعيداً عنها مدمدماً "لا أصدق.. لا يمكن
أن تكونِ فعلتِ هذا حقاً!"
"أضطررت—"
"آوه أرجوكِ" قاطعها ساخراً
"لا شيء يضطركِ لفعل آمر ما—"
توقف لحظة كمن تذكر شيء ليردف بعجل
"هل كان يونغي؟هل ذهبتِ للقاءه"
"أجل.." غمغمت بنبرة منخفضة وهي
تحيد ببصرها عن ملامحه التي أمتعضت
من فورها.. لقد كان الوحيد من بين أصدقاء
جيمين الذي ينجح في أستفزازها
وشعورها.. بالذنب.
"هل يُمكنك أن تسدي لي معروفاً ؟" هسهس
بصوت محايد وهو يُحدق بها بقوة شعرت
معها بالعجز لتهز رأسها بإيجاب.
"جيد، أبقي بعيدة عن جيمين قدر الأمكان..
لا تدعيه يراكِ مطلقاً وأن حدث عن طريق
الصدفة تصرفي كما لو أنكِ لا تعرفينه!"
هدر بنبرة خشنة حازمة ولكأنهُ ينتظر منها
الرفض أو الأعتراض.. وكيف لها أن تفعل
بينما كل ما تراه منه هو الكره والحقد..
"تايهيونغ أنا.." بدأت بهمس ولكنهُ
تجاهلها برفع كف يده في الهواء مردفاً
"لا أعذار إيرلا، أنا لن أقف مكتوف اليدين أشاهد
عذاب صديقي.. لن أسمح لكِ بفعل المزيد..
ولا أعتقد بأنهُ قد يُريد ذلك أيضاً.. اليوم
كان كافياً تماماً حتى يُدرك عدم مبالاتكِ
في كل ما يقوم بفعله لأجلكِ" أضاف قبل
أن يدير ظهرهُ مغادراً "أركضِ خلف أختياراتكِ
ودعي جيمين لي!"
.......
"لقد عدت" صرخت بإرهاق بعد أن خلعت
حذائها ثم أسرعت بالصعود نحو غرفتها
حتى لا يتم أستجوابها من قِبل والديها.
"رأيتِ" أشار والد إيرلا بعينان ضيقة
نحو جسد أبنته التي أختفت "هي هكذا
منذ وقت طويل!"
"لمَ أنت قلق بشدة؟" سألتهُ زوجته بحيره
"تذكر بأنها لم تعد طفلة وهذه المرحلة
خصوصاً تعتبر الأصعب في من هم بعمرها
لذا توقف عن مراقبة تصرفاتها"
"أحياناً أشعر وكأن هُناك شيء
خاطئ في تركيبنا" نبس بفم ملتوٍ
والأخرى حدقت به بتساؤل ليسخر بقوله
"أقلق على أبنتنا أكثر مما تفعلين، أراقب
تصرفاتها بدقة أكثر مما تفعلين، لهذا
أبدو وكأني والدتها هنا—"
"هل تشك بواجباتي كوالدة الأن؟"
قاطعتهُ بتكشيرة وهي تضرب
جانبة بقوة.
"لا أفعل،" صاح بألم يبتعد عنها
"لكن جدياً أنتِ لا ترين ما أصبحت عليه
منذ عودتنا إلى كوريا، هي بالفعل توقفت
عن التحدث بمرح كعادتها أهملت وجبات
الطعام وكذلك دراستها!"
حسناً، صحيح بأني لاحظت بعض
الأشياء الغريبة بها ولكن لم أتعمق
بهذا الشكل" غمغمت بفم مقوس وهي
تكتف ذراعيها "في النهاية تعلم بأنها فترة
مراهقة سوف تتجاوزها بسرعة"
"مراهقة؟ أنظري إلي، يجب أن تتحدثِ
معها بهذا الشأن.. لست مرتاح بوضعها
المريب هذا" أردف وهو يسير خارج المطبخ
"أنتِ والدتها وقد تحصلين على بعض المعلومات
أكثر مما قد أفعل!"
"هلاّ توقفت عن التصرف بتعجرف
لمجرد ملاحظتك لعدة أشياء؟" هسهست
وهي تلحقه "أنا أيضاً يهمني أمرها" واصلت
سيرها خلفه وهي تتذمر.
فيما بالأعلى حيث غرفة إيرلا
والتي كانت ترقد على بطنها وهي تعبث
بهاتفها.. لا تعلم ماذا تفعل.
هناك أشياء لا حدود لها تعكر صفو حياتها
التي كانت هادئة جداً، كل شيء حولها
الأن بات مزعجاً بشدة.. بدءٍ من حبها
ليونغي حتى أعتراف جيمين ثم طلب
الأول موعد لهما وأخيراً حوارها المليء
بالكره والإتهام برفقه تايهيونغ.
سرعان ما أفرجت عن تنهيدة كبيرة
وهي تُِغلق هاتفها ملقيه إياه على الجانب
الأخر ثم قلبت جسدها لتستلقي
على ظهرها.
قابلت عيناها سقف الغرفة الرمادي
برسومات عديدة تبدو كالأشكال
التي كانت على جدران منزل جدها.
رفعت أصابعها معاً إلى الأعلى لتركز
ببصرها عليهم لبرهه قبل أن تغلق
الأربع الأصابع لكلتا يديها فيما أبقت
السبابة اليمنى واليسرى بجانب بعض.
أحدهما جيمين والآخر يونغي.
هذا ما فكرت به بصمت، كلاهما قريبان
ويفهمان بعضهما جيداً لكن في الأيام
الأخيرة هي بدأت تشعر بالتوتر الذي
غلف صداقتهما التي يتحدث عنها
الجميع بغيره شديدة.. وتقريباً هي
كرهت نفسها لذلك..
كرهت حقيقة أنها سبب كل ما يحدث
خصوصاً بعد تصريح جيمين السابق
المُباغت لها.. كرهت أنها قد تُسبب
مشاكل عديدة بينهما.. وكرهت أن تايهيونغ
مُدرك لكل هذا ويمقتها بشدة لأجله لكنها
لا تستطيع فعل شيء.. الأمر بالفعل
خارج عن سيطرتها..
أخفضت يديها لتغطي بهما وجهها
المرهق مع شعورها بسوء فضيع بشأن
جيمين والذي مد يد العون إليها كثيراً
وشد على ظهرها حتى لا يسمح لها
بالوقوع خلال كل تلك الأوقات التي لم
يكن بيدها سوى أن تقع وتقع..
جيمين والذي عاشت معهُ يوم تقريباً
مثالي ومليء بتصرفاته المضحكة والحمقاء..
جيمين الذي تركتهُ في آخر محطة بينهما
دون أن تهتم بشكره أو الأعتذار منه..
جيمين والذي أظهر نقطة ضعفة إليها..
ولكنها تجاوزته بصمت.
"يا إلهي سئمت" صاحت بقوة عندما
غمرها شعور شديد بالذنب ثم أخذت
تتقلب دون توقف على جانبيها وهي
تُغلق عيناها وتفتحهما بملامح ممتعضة
بتذمر شديد.
وفيما كانت قي خضم جنونها تتقلب
كالسمكه فتح الباب فجأة ليظهر والدها
بعينان متسعه بإستغراب فيما وقفت
والدتها خلفه تحمل كعكة مزينة كبيرة
بين يديها.
"أعتقد.. بأنهُ لا داعي للإحتفال" تمتم
والدها وهو يتحمحم قبل أن ينظر إلى
جانبه مضيفاً "ميلاد سعيد أبنتي" ثم
تجاوز والدتها و هرول مبتعداً.
"أمي" نادت بتذمر وهي تنظر ناحية
من دخلت مغلقة الباب خلفها قبل
أن تضع الكعكة أمامها قائلة "لنطفأ الشموع
أولاً وبعدها خذي نفساً عميقاً وتحدثيّ!"
قوست شفاهها بعبوس وهي تُعدل من
جلستها قبل أن تنفخ بسرعة وتأخد
الكعكة من والدتها لتضعها جانباً لتهدر
"أنا ضائعة.. لقد فقدت نفسي وما عدتُ
قادرة على التفريق بين الصواب والخطأ!
سوف أفقد عقلي"
أبتسمت والدتها بخفه وهي ترفع يديها
تبعثر خصلات شعرها "ولمَ قد يحدث
هذا لطفلتي؟"
"أشعر بأني أغوص عميقاً أمي"
همست بضيق.
"أن علمت السبب قد أساعدكِ!" تحدثت
والدتها بقلق طفيف وهي تضمها إليها
"تبدين بشكل مروع منذ عودتنا.. حتى والدكِ
بدأ يقلق"
"أنتِ تعلمين بأنني لا أخفي عليكِ أي
شيء البته" أشارت بتردد وهي تخفض
من بصرها لتُحدق بنقطة وهميه في يديها.
"أعلم بالفعل، لذا أخرجِ ما في قلبكِ
صغيرتي أنا أستمع جيداً"
"لم أكن أقصد فعل هذا أو حتى التفكير به
لم أكن أعلم حتى بأنهُ شيء بي.. كل ما أردتهُ
هو أن أعيش، أردت أن أحظى بحياة هادئه لكن..
دون أن أدرك أرتكبت العديد من الأخطاء"
وضحت بضيق وهي تتحرك بعدم أستقرار.
"إيرلا!" غمغمت والدتها بنفاذ صبر لتهدر
الآخرى من فورها " أنا خالفت جميع نصائحكِ
وأبقيت الأمر سراً، لقد تصرفت بتهور في
مواقف عدة دون أن أهتم لكونها خاطئه،
لطالما أخبرتني بأن لا أثق بشخص إلا بعد
أن اتأكد من حقيقته ولكني فعلت عكس ذلك.."
"مثل—.."
"ليس هذا وحسب" قاطعتها وهي
تقف بتوتر "أمي.. أنا وقعت بحب شخص لم
يعلم بهذا في بادئ الأمر"
"والأن؟ " سألت بعدم فهم من كمية
القلق والتوتر الذي لاحظتهُ بإرتجاف
صوتها.
"يعلم.. ولكن بعد أن كلفهُ الكثير!"
"ماذا يعني هذا؟"
"انا أشعر بالسوء، أشعر كما لو أنني
سبب في جميع المصائب التي تحدث
بينهُ وبين صديقه، أشعر بضيق شديد
في صدري، لم تعد لي رغبة في أي شيء"
"هل أفهم من حديثكِ بأن الأثنان..
معجبان بكِ؟"
"شيء.. من هذا القبيل!" ترددت إيرلا
بقولها لأنها لا تعلم.. لا تدري خصوصاً
من ناحية يونغي، لا تدري ماهيه
مشاعره نحوها.
"إذن.. تمسكِ بحبكِ أن كنتِ واثقة من أنهُ
هو الشخص المناسب لكِ.. ولا تدعِ العواطف
تسيطر على أفكاركِ حينها ستضعفين تماماً،
وتذكري دوماً بأن حب مُتبادل من طرفين
أفضل بكثير من طرف واحد" قالت
والدتها بعد فترة من الصمت وهي تدرس
ملامح إيرلا بدقة.
"بهذا أنتِ تخبرينني بأنهُ لابأس في
التخلي عن الآخر؟" أردفت بعدم فهم
"لكن ماذا أن تألم؟ ماذا سأفعل حينها..
كيف سأستطيع العيش جيداً في حين
أنني تركت قلب مكسور خلفي!"
"لكنهُ ليس ذنبكِ بأنهُ أحبكِ صحيح؟
أعني أن كان يعلم منذ البداية بأنكِ
واقعة لشخص آخر بمعنى آخر كان
يُدرك بأن لا سبيل للمحاولة معكِ"
أوضحت برقة "الحب شيء خارج عن
سيطرتنا عزيزتي، لن نستطيع التحكم
بأنفسنا في حين أن لعواطفنا قدرة أكبر
من أن نتحملها!"
"لكني لن أستطيع.. لن أقدر على فعل هذا..
خصوصاً به.. هو.. لقد.. أنهما أصدقاء!"
هسهست بصوت مهموم وهي تغمر
وجهها بين يديها.
لا شيء يُساعدها مطلقاً..
حتى حديثها مع والدتها لا يساعد..
هي بالفعل بائسة..حزينة.. الجميع يذهب
إلى الأستنتاجات العادية للمواقف
المماثلة لهذا، ولكنها شخص يهتم للمشاعر
قبل أي شيء آخر، لن تجرؤ قط على صنع
سعادتها والعيش دون قلق وشخص آخر يقف
دوماً بالخلف ينظر إليها بسببها.. شخص
أحتوى حزنها ودموعها لن تقدر على تركه
مسكور خلفها.
"إيرلا.." نطقت والدتها بهدوء "أنتِ تعلمين
بأنكِ قادرة على التخلي عن الموضوع بأكمله
لن تستطيعين العيش وشخص آخر يشغل
بالكِ ومهم إلى هذا الحد لكِ.. تأنيب الضمير
سيبقى يأكل داخلكِ حتى النهاية لذا أما أن
تختاري بشكل مباشر أو تنسحبِ بصمت
دون أحداث ضجه لأي منهما!"
ربتت على كتفها لآخر مرة قبل أن تنهض
مضيفة "أما من تُحب أو من قد تُحب مع الوقت..
الخيار بين يديكِ"
"هل.. تطلبين مني الرحيل؟"
"تماماً.. الحياة ما تزال طويلة أمامكِ صغيرتي
وقلبكِ لن يتوقف بتركهما، دعي نفسك
دوماً في المقام الأول ثم فكري بهما، أنتِ قوية
بالفعل وسوف تتخطين هذا الأمر كسابقه..
أنا أثق بكِ!"
تنهدت إيرلا بضيق وهي تقضم طرف شفاهها
في حين أن دنت منها لتمسح على حنايا
وجهها بلطف قبل أن تستدير مغادرة
بقلب مثقل بالهموم مما سمعتهُ لتوها من
الحب الذي وقعت به أبنتها الوحيدة.
"كنت أعلم بأن النهاية ستكون هكذا..
و ربما هذا هو الحل الوحيد، أليس كذلك أمي؟"
سألت فجأة مصوبه عيناها إلى حيث تقف..
و والدتها بغريزتها أدركت ما تحاول الوصول
إليه بذلك، لكن أن تندم لقرار أخذتهُ
بإرادتها أفضل من السير خلف نصيحة منها
قد تؤذيها مستقبلاً.
"تمسكِ باللحظات التي تمتلكينها
لا بما أخبرتكِ به، أنا متأكدة تماماً بأن هُناك
الكثير من الذكريات بين الإثنان.. وذلك الوقت
الذي أمضيتيه برفقتهما دعيه يرشدكِ
إلى الصواب، مهما حاولتِ تحكيم عقلكِ
ضد مشاعركِ يبقى القلب سيد الموقف والخيار
لذا.. لا تظلمِ نفسكِ بقرارات قاسية وكوني متأنية!" ردت والدتها بصوت منخفض
"لكن أمي، قلتِ لتوك أن الأنسحاب
أفضل من—"
أشارت بتنهيدة عميقة وهي تقبض على
الباب بقوة "التناقض مفيد أحياناً إيرلا..
لذا ناقضي نفسكِ حتى تجدي طريقكِ،
لكن إياكِ والهرب دون مواجهة حتى لا يبتلعكِ
الندم بعدها"
في تلك الليلة أزدادت تقلُبات إيرلا وضاقت
ذرعاً من الأرق الذي هاجمها طوال الساعات
الماضية..
لقد تجاوز الوقت منتصف الليل ومع ذلك
هي بقيت تتقلب مع آهاتها والحسرة التي
حُشرت بقلبها.. لا تعلم كم ذكرة هاجمتها
وكم ضحكة غادرت شفتيها ولكنها كانت متأكدة
من شيء واحد وهو أن جيمين سببها..
جيمين والذي أمضى وقتهُ في حنايا
آلمها محاولاً التخفيف عنها، جيمين الذي
معهُ عاشت الكثير من الأمور وخاضت تجارب
لا حصر لها.. جيمين من ربت على يديها
وكفكف دمعها.. جيمين والذي أوقفها على
أعلى تلة لتُشاهد شروق الشمس البديع—،
"آوه يا إلهي.." شهقت فجأة وهي تقفز
عن السرير عندما خطر في بالها أن اليوم
كان ميلادها.
"أرجو أن لا يكون حقيقياً.. يا إلهي
لا تدعني أغرق أكثر" دمدمت بقلب صاخب
وهي تتعثر حول الأغطية قبل أن تصل
إلى الحقيبة الصغيرة التي سبق وأحضرتها
معها من منزل جيمين.
تقرفصت على الأرض لتخرج دفترها
الصغير الذي كانت تكتب عليه يومياتها
منذ الأزل.. أسرعت في تقليب صفحاته
حتى ظهر لها التاريخ الآخير لعيد ميلادها
الماضي.. حدقت بعينان ثاقبة في الحروف
التي كتبتها لبرهه قبل أن تشرع بقرأتها
لنبرة منخفضة
“في الثامن عشر من تشرين الأول وُلدت الغبية
إيرلا والتي هي أنا.. هل هُناك من يسمع هذا؟
لا أعتقد بأن هُناك من يسمع سواكِ عزيزتي
المفكرة الني لا تهتم بأحد غيري..
لقد أوشكت اليوم على قتل إحدى زميلاتي
في الفصل حينما لم تتوقف عن وصف
مدى روعة حبيبها في فعل المفاجأت لها
وخصوصاً الأخيرة والتي أعترف لها بحبه
أمام حشد غفير من البشر المغفلين..
وفوق كل هذا غادر والداي في الصباح الباكر
للذهاب إلى العمل وكالعادة ينسيان هذا اليوم
وحينما يتذكران هما فقط يرسلان إلي بضع
قبلات.. لقد أعتقدت بأن شيء سيتغير أو
ربما أقع على شخص وسيم وأخبرهُ بأنني
على عجله من أمر لحضور حفلة ميلادي
ولم أنتبه إلى وجوده لعله يظهر بعض
من الرجولة ويأخذ بيدي ويذهب بي إلى
اللامكان أو لمشاهدة الشروق بشكل رومنسي
أو حتى التسوق ولكن تفرقعت تلك الأحلام
الوردية ما أن رن هاتفي لتخبرني والدتي
بصوت عجل أن أجمع أغراضي وأنتظرهم
في الأسفل حتى نعود إلى كوريا..
موطن والدي!!“
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تجعد
الورقة بين أصابعها لبرهه قبل أن تنهض
مسرعه و تدور حول السرير لآخذ هاتفها
المُلقى جانباً.
ألصقت الهاتف ضد أذنها بعد طلب
رقمه تنتظر إجابته.. ولكن لمرة وأثنان
و أربع واصل الرنين حتى قُطع الخط
فجأة لتكرر العملية مجدداًً ولكن هذه المرة
أستقبل مسامعها صوت الإنذار بأن الهاتف
مُغلق ثم صافرة تسجيل الرسائل.
زفرت بيأس لتُلقي الهاتف على الأريكة
الجانبية من حيث تقف وهي تشعر بالمرض..
تشعر بالسوء.. ألم غريب جثم على صدرها
و ذكرى لحظات بداية هذا اليوم والطريقة
التي أنهتهُ بأنانية مطلقة لم تُغادر ذهنها أبداً.
..........
الحُزن مضمر بشدة داخلي..
الليلة قاتمة على الرغم من اللمعان
الساطع في السماء.. و ذكرى حقيقة
أنني أفصحت عن ما حاربتُ جاهداً إخفاءه
في لحظة ضعف تقتلني..
كُنت جيداً في الإحتفاظ بها إلى جانبيّ..
كُنت أبلي حسناً بوجودها قربي على
الرغم من المُشاحنات التي لا تنتهي بيننا
إلا أنني على الأقل كُنت بقربها.. معها..
اراها معظم الوقت.. أما الأن فأنا أتخبط
كالغريق بين الحزن والندم.
من أكثر الأمور إيلاماً هو أن تشعر كما
لو أنك قنبلة موقوته.. أن ترغب في
فعل شيء ولكنك لا تستطيع، أن تحاول
الإبتسام مطولاً والعيش دون قلق ولكنك
لا تقدر.. لا تعلم حتى متى قد تأتيك
مختلف نوباتك لتُسيطر على حياتك
ومن ثم تنفجر في مكان ما حيث لن
يستطيع أي شيء إيقافك..
أن تنتظر على حافة الألم على أمل أن يأتي
اليوم الذي تعيش فيه دون إهتمام
لأي شيء آخر، دون أن تشعر بالحساسية
المُفرطة من نظرات الآخرين والشعور
بشفقتهم تخنُقك..
أن تتوقف عن هدر حياتك في مشاهدة
سعادة الغير لأنك ببساطة لست بقادر على
الشعور بها، أن تلتفت إلى مساراتك
وتخطو خطوتك الأولى.. ولكن كل شيء
ما يزال على حاله ينكمش بقوة داخلك
ليمنعك من المحاولة.. من التقدم..
من تحقيق غايتك.. من بلوغ ما تتحرق شوقاً
للوصول إليه.
متعب؟ لا تكفي حتى لوصف ما أشعر به
وكا آل الوضع إليه..
محطم! أجل، أنا كذلك، لا شيء يُجبرني
على الأبتسام أو حتى التصنع بأنني على
ما يُرام بعد هذه اللحظة.
بائس.. ضعيف.. منكسر.. متهور.. أحمق..
نعم أنهُ أنا..لا أعلم ما أصابني، لا أعلم حتى
لماذا حدث كل هذا؟
ذلك اليوم من المُفترض أن يكون يوماً عادياً..
من المُفترض أن نحتفل معاً ليبقى هذا اليوم
ذكرى خالدة.. على الأقل بالنسبة لي..
في حين أنهُ لها سيكون مُجرد حلم أنتظرتهُ
طويلاً..
لكن هجوم يونغي المُباغت بإتصاله
في المطعم ثم هرولتها دون أن تُبالي
بما قلتهُ حينما هاتفها مجدداً طالباً
رؤيتها جعلني أشك بأمر واحد وحسب
لاسيما وأنها حاولت الكذب.. وهو أن يونغي
يُبادلها المشاعر.. يونغي بدأ يتودد لها..
وهذا أكثر الأمور التي أخشاها، وقوع الطرفين
أعمق لبعض.
سابقاً.. كُنت أظن بأن ما أشعر به ناحية
إيرلا ليس سوى حماس كونها الغريبة
الوحيدة التي أستمرت في رفضي وتجاهلي..
لكن الأمر إزداد غرابة وجدية عندما
وجدتني أنقاد خلفها بسهولة.. أوافق على
كل ما تُشير إليه، أتحمل كل جنونها ومزاجها
المُظلم.. دون أن أهتم أو أشعر بالسئم والملل..
أنا بالفعل خشيت بأن أصبح مهووساً بها..
وها أنا ذا كذلك، خشيت من أن أنهار أن
فقدتها وبالفعل أنا تحطمت، خشيت بأن
أصاب بجنون الحب في هذا الوقت المبكر
وما حدث قد حدث.. وحتى الأن كل ما
خشيت منه ودفنته بداخلي غادر مكانهُ بألم
مبرح وحقيقة مرة.
أكاد أفقد عقلي الذي لم يتوقف عن أرسال
الأشارات إلي والعديد من الأفكار التي أنحذرت
إلى تلك الليلة التي ألتقت بها بيونغي..
أتساءل ياترى ما الذي فعلته في الأمس؟
هل فكرت به طويلاً؟ هل كانت مبتسمة
بقلب خافق؟ هل شعرت بالسعادة للقاءه؟
هل سار كل شيء بينهما على نحو جيد؟
هل حصلت على أعتراف منه؟
والأهم من هذا كله هل خطرت
على بالها للحظة؟ هل تتذكر أعترافي
الأحمق لها؟ هل شعرت بالصدق في عينيّ
أم لم تفعل؟
"هل ستبقى تختبئ هنا طويلاً؟"
قاطع خلوتيّ صوت تايهيونغ الحاد وهو
يقترب نحوي بخطوات سريعة "هل تعتقد
بأنك ستصبح على ما يُرام بهذا الشكل؟"
"تاي—"
"لا تجادلني وأغلق فمك!" وبخني من فوره
بنبرة قوية لأرفع عينيّ أبحلق به.
"لا تنظر إلي هكذا.. أنا أريد مصلحتك..
لقد مرّ أسبوع لأجل الله، أسبوع ولم تغادر
هذا المكان الأحمق أو حتى تفتح هاتفك.."
أستهل تايهيونغ بالحديث مجدداً "الجميع
يسأل عنك.. وجونغكوك يكاد يفقدني
صوابي بتعقبيّ طوال اليوم وإصراره التام
بمعرفة مكانك.. أعني لا ألومه حقيقة فما
تفعلهُ بإختفاءك السخيف هذا مُجرد غباء!"
"تايهيونغ.. أنا مُتعب وحسب.. لولا معرفتك
لهذا المكان صدقني لمَ عثرت عليّ مثلهم
تماماً.. لذا أرجوك، أتركني مع ألمي.. أتركني
حتى يفهم قلبي ما الذي أقحمت نفسي به—"
"سخف.. هراء" قاطعني مرة آخرى
وهو يتقرفص جالساً أمامي " سأكون ملعوناً
أن تركتُك بمُفردك.. أنظر، نامجون أخبرني
بأن هُناك رحلة صغيرة في الجبال.. أعني
تخييم في الطبيعة وأنت تُحب ذلك" قبض
على يداي بقوة وبعينان لامعه بأمل تابع
"أرجوك.. لنذهب معاً، لننسى ما حدث ونصنع
ذكرى جديدة جميلة، لنجعل قلبك يفهم
السوء الذي ألحقهُ بك وأنت في الطبيعة..
حتى تُدرك ما الذي يفوتك من الحياة وأنت
تحبس نفسك وحيداً كمن أرتكب ذنباً عظيماً..
ما رأيك؟"
"أنا.. لا أعلم" غمغمت بعد وهله من الصمت
"لا أدري تايهيونغ، لا طاقة لي في الأبتسام
والتصنع .. لا توجد لدي روح للمُغامرة!"
"لأجلي جيمين.. سيكون يوماً رائعاً،
ثق بيّ أرجوك!" هدر متوسلاً وهو يشد من
قبضته حولي أصابعي وينظر إلي بطريقة
ما عدتُ قادراً بعدها على الرفض..
اؤمات على مضض لأحصل منه على أبتسامة
عملاقة قبل أن يسحبنيّ عن مقعدي وينطلق
مدمدماً بما يجب علينا أخذه للرحلة
بحماس حسدتهُ عليه.
.
......
صباح اليوم التالي كان غائماً بسحب
سوداء تخفي قرص الشمس الذهبي،
الرياح خفيفة بنسمات باردة منعشه
عكس الأمس.
اليوم مختلف جداً.. هذا ما فكر به جيمين
وهو يغادر منزله برفقه تايهيونغ الذي
أنضم إليه صباحاً..
لا مدرسة ولا مصاعب تقف ضد حريتهم،
اليوم لهم وحسب برفقة أصدقاءه في
رحلة إلى الطبيعة الساحرة، لعلهُ يغير
قليلاً من الوضع الذي أصبح عليه، على
الرغم من إدراكه بأن الخلوة مع الطبيعة
تعني مضاعفة المشاعر والأفكار.
عندما توقف تايهيونغ بسيارته عند نقطة
الإلتقاء آنذاك ظهر جميع أصدقاءه
بإبتسامات عريضة كما أعتاد عليهم..
الجميع يبدو عليه السعادة بدءٍ من جين
الذي كان يلقي بنكاته الغريبة حتى
يونغي والذي بطريقة ما كان يبتسم
أقوى وبعينان صغيرة تكاد تختفي
مع ذراعة التي أخذت تسحب حقيبة من
الشخص الذي غادر السيارة لتوه..
إيرلا.
"لـ-لم يكن متفق عليه" همس تايهيونغ
بقلب خافق عندما أستدار جيمين بكامل
جسده نحوه.
"صدقني لم يخبرني أحداً بأنهُ سيرافقنا"
أضاف سريعاً وهو يقبض على رسغ جيمين
والذي بأنفاس ثقيلة أسنان مصطكة آمال
من جسده نحوه يستند عليه.
"جيمي—"
"أنا بخير.." نبس بهدوء "لنذهب!"
"آوه وصلَ" صاح هوسوك بمرح وهو يقطع
المسافة بينهما ليضرب كتف تايهيونغ
الذي وقف بجانبه بملامح مبتسمة بتكلف
بينما حاول جيمين بكل ما يمتلك من جهد
أن يضع ولو ربع إبتسامة تجنبه أي تساؤل
قد يجعله ينهار.
"جيمين.." أرتفع صوت إيرلا فجأة عندما
لمحتهُ يقف بجانب هوسوك وتايهيونغ والذي
من فوره رمقها بنظرة قاسية أرعبتها..
مع ذلك هي تقدمت، تركت مل ما تفعلهُ
بجانب يونغي وهرولت صوبه.. لقد مضى
أسبوع كامل دون رؤيته.. أسبوع كامل دون
أن يُجيب على مكالماتها.. أسبوع كامل من
المحاولات الفاشلة في البحث عنه أو إيجاد
جواب من أصدقاءه.. حتى يونغي لم يكن
يعلم مكانه.
"هل.. أنت بخير؟" كان سؤالها الأول..
وجيمين ود لو يصرخ ملىء رئتيه بأنهُ
ليس كذلك بأنها سبب كل ما يُعاني منه
لكن إجابته أقتصرت على هزة من رأسه
مع إبتسامة شحيحة.
"آه.. جيد.. أنا.. كُنت قلقة بعض الشيء"
أضافت بتردد بعد وقت من التحديق به
"كذلك.. في ذلك اليوم لم أستطع شكرك..
أنا حقاً ممتنة لك جيمين!"
"أنتظري" أوقفها جيمين بنبرة هادئة
".. ملابسكِ في منزلي" أشار إلى تايهيونغ
"خذي المفتاح منه، تعلمين طالما وأن
عائلتك أستقرت هنا.. يُمكنكِ المغادرة الأن!"
"آوه.. بالطبع سأتي قريباً جداً" أؤمات
بعجله وهي تستدير بسرعة أكبر للعودة..
الإحباط جثم على كتفيها ومراراته
تشكلت بجوفها..
لم تتوقع أبداً أن يوقفها جيمين لأجل ذلك..
ليس بعد غياب طويل على الأقل.. أعني
سابقاً أظهر لها كم أنه لن يمانع مطلقاً أن
شاطرتهُ منزله لكن الأن هو ببساطه قد
يكون جهز الحقيبة أيضاً.
.........
التخييم كانت فكرة نامجون والذي
رأى بأن هذه فرصة جميلة لإجتماعهم
مع جيمين لاسيما ب غيابه المُفاجئ
في حين أن يونغي كان من أقترح وجود
إيرلا حتى يتعرف الجميع عليها بشكل أكبر.
الجميع كان سعيداً مرحاً.. عدا عن تايهيونغ
والذي شعر بالعبأ من حقيقة أنهُ أخرج
جيمين من قوقعته ليُلقي به هنا أمام
الثنائي الذي بات لا يطيق رؤيتهم.
مع ذلك هو لم يتركه ولو للحظة بمفرده،
بقي جالساً معهُ تارة يتحدث وتارة يعتذر
عن عدم معرفته بالأمر وتارة يشتم يونغي
وإيرلا حتى أوقفه جيمين عن جنونه بكونه
يتفهم ذلك.
بعدها بدأ كل ثنائي بالعمل على كل خيمة
عدا عن جيمين والذي تطوع تايهيونغ بالعمل
عوضاً عنه والمثل ليونغي الذي دفع إيرلا
بعيداً عن موقعهم مشيراً إليها بأنهُ سيتكفل
بذلك.
بعد وقت قصير من التجول في الطبيعة
المظلمة وجدت إيرلا نفسها تقف أمام
النهر الذي يجلس عليه جيمين.
جيمين والذي بدأ هادئاً على غير العادة،
عيناه غائره وفارغة، وجهه أصفر باهت
و وجنتيه شاحبة كلون السماء المظلم،
غير مزعج كما أعتادت عليه أن تكون.
إيرلا شعرت بالذنب ينهش أحشاءها..
قد لا تكون متأكدة من السبب الذي يجعلهُ
يبدو ساكناً وخائر القوى لكن يُمكنها الجزم
بأنها سبب ذلك لاسيما وأنهُ أختفى بعد ليلة
ميلادها تماماً.
"لا أبدو سيء إلى ذلك الحد" قال
جيمين يقطع شرودها لتقفز بتفاجأ من
معرفته في وقوفها خلفه.
"أنا لا أريد إزعاجك وحسب" أشارت بإحراج
طفيف وهي تتقدم ببطء حيث يجلس
على صخرة كبيرة بعض الشيء.
"أنها الطبيعة، لا مكان خاص بي" نبس بهدوء
وهو يعود بجسده إلى اليمين يخلق بعض
المساحة للآخرى والتي بحذر أستقرت بجانبه.
"أراكِ برفقة يونغي" دمدم جيمين بعد
برهه بعد وقت من الصمت "هل بطريقة ما..
أعترف لكِ؟"
صوتهُ بدأ غريب لأذناي إيرلا والتي سألت
تنظر إليه بحذر "وإن فعل.. هل ذلك
خاطئ؟"
سكتت لبرهه ولكأنها تحاول أن تشرح شيء
ما وحديث والدتها بدأ يدق أجراسه في
رأسها قبل أن تغمغم بحاجبين معقودين
"لقد أخبرتني بأن هذه طريقة جيدة
للتقدم!"
وجيمين أدرك بأن حديثهُ معها ذلك اليوم
سوف يكسره عاجلاً أم أجلاً، لكن لم
يتوقع بهذه السرعة المخيفة.
"لم أقل خاطئ.."
"لكن صوتك قلق!"
"لست كذلك!"
صمتَ الإثنان بعدها، كلٌ منهما يُحدق بالآخر..
شرارات كهربائية بدت ولكأنها تلسع الهواء
من حولهما، كل شيء يبدو مريباً بدءٍ
من صمتهم حتى تلك النظرات التي لم
تستطع إيرلا سبر أغوارها.
"لقد ألتقيت به بالمصادفة قبل يومان..
عندما ذهبت لزيارة جدي.. بطريقة
ما هو سوف يصبح شريك العائلة" فسرت أخيراً
تقطع الصمت وهي تتحرك بعدم راحة..
"ثم.. طلب منيّ.. أعني.. أن نخرج كلانا
في مواعيد.." أضافت مع أحمرار طفيف
جداً حتى يُرى لكن عينان جيمين المُحب
رأت ذلك وهناك في مكان ما في جوفة
حيث تلك المنطقة التي تنبض بإستمرار تقاتل
حتى تعيش.. آلمته، أحرقته، أعتصرته
بقوة جعلت تأوة مخنوق ينزلق من بين شفتيه.
وإيرلا لاحظت ذلك.. بندم شديد لاحظت
كيف أن حديثها لا يجلب لهُ النفع
أكثر من ضره.. لاحظت كيف أن ردة فعله
لم تكون كما توقعتها.. لم يُهاجمها..
لم يصرخ بها.. لم يفعل أي شيء عدا
عن التحديق بالفراغ بهدوء وصمت جعلها
تقضم على شفتيها بقوة تمنع نفسها عن
التدخل بأموره وتوضيح ما قالته والدتها.
"جيد لكِ!" نبس جيمين ناهضاً بتراخي
"ربما الحياة تبتسم لكِ عوضاً من أن يعيش
بداخلكِ بصمت.. لنذهب" أستطرد قبل
أن يهرول مبتعداً عنها دون أن يمنحها
فرصة للإجابة..
وإيرلا بدورها اؤمات على مضض
وتبعته بخطوات صغيرة وشعور ثقيل
يستولي عليها وهي تتأمل ظهره.
جيمين أصبح غريب جداً عن المُشرق
الذي لم يتوقف قط عن اللمعان في
الأرجاء والضحك هنا وهناك وإثارة حنق
وغضب كل من يقترب منه.
وهي.. حاولت الإيمان بما أشارت إليه
والدتها عن كونها ليست المذنبة في
رفض شخص يعلم بالفعل أنها تُحب آخر..
لاسيما وأنها الأن حصلت على ردة فعل منه..
يونغي والذي أمضى نصف الأسبوع الماضي
تقريباً برفقتها.. وهي للحظة صدقت بأنها
على صواب، بأنهُ من تميل إليه حتى على
الرغم من الألم الذي سبق و وصلها منه..
لكن الأن، وبعد أن ألتقت عيناها بعينيّ جيمين
حتى أنتفض قلبها بعنف ولم يستقر
حتى هذه اللحظة.
عندما أوشك الأثنان على الوصول إلى
حيث يُخيم الجميع أرتفع صوت عالٍ يصرخ
وجيمين ضيق عينيه وهو يقترب أسرع
كون ذلك الصراخ العميق لم يكن سوى
لتايهيونغ والذي بالفعل كان يقف بملامح
ملتوية بعنف وهو يدفع صدر شخص
ما غريب عنهم.
"ماذا يحدث؟" سأل من فوره وتايهيونغ
أستدار نحوه مزمجراً "هذا القذر رأيتهُ
بعينيّ يُفتش حقيبتك ولكنهُ ينكر ذلك!"
"حقيبتي؟" كرر خلفه وهو ينظر إلى
الذي يقف بطريقة لامباليه أكثر من
كونه في موضع اللص أمامهم.
"ماذا يعني بتفتيش؟ هل سُرق شيء ما!"
أشار وهو يلتقط حقيبته من تايهيونغ
والذي دمدم "لم أجد شيء مسروق لكن
لا أعلم ربما أضفت شيء أخر بعد مغادرتي!"
"الساعة!" هسهس جيمين بخشونة
بعد أن بعثر أغراضه أرضاً دون الأهتمام
للقذارة أسفله "أين الساعة.. وضعتها هنا متأكد"
أضاف وهو يرفع عينيه يُحدق بمن أظهر
يده أمامه ببرود يُشير إلى عدم إمتلاكه لها.
"هل متأكد بأنك أحضرت ساعة؟" سأل
هوسوك وهو ينظر إلى الخيمة حيث
كانت أغراض جيمين.
"فعلت" زمجر جيمين وهو يقترب من الفتى
"أين هي آوه؟ أنظر يُمكنك مواصلة سرقتك
لكن تلك الساعة تهمني كثيراً لذا دون مشاكل"
بسط كفه نحوه "أعدها إلي!"
"أرضاً، هناك" أشار بضيق "لا أعرف لمَ أنتهى
الأمر بي هنا لكن صدقني ذلك الشيء
الغبي لن ينفعني!" أردف يُقلب عينيه
وتايهيونغ حاول التقدم نحوه إلا أن يونغي
شد من ذراعه يمنعه.
"جيمين، تتحدث عن هذه؟" سأل هوسوك
وهو يظهر ساعة ذهبية تبدو قديمة،
والمشار إليه أفرج عن تنهيدة طويلة
وهو يسرع نحوه ويأخدها بين أصابعه يقلبها
بقلق إن كانت قد كُسرت أو شيء من هذا القبيل.
"..مُبالغ به" هسهس الفتى بخفوت وهو
يدفع نامجون الذي كان يقف جانبه منذ
وقت بغرض المغادرة ولكن قبل أن يستدير
حتى وجد نفسهُ أرضاً مع عدة لكمات على
سائر وجهه.
"جيمين ماذا تفعل" صاح جين وهو
يسرع كالبقية حيث يجلس المعني
على بطن الفتى يضربة بوحشية لم
تظهر منه قط.
"جيمين توقف" تايهيونغ حاول هذه
المرة ولكن المعني لم يستمع مطلقاً بل
أخد يضربة بشدة أكبر مع أنفاس ضحلة
وعينان تشع بغضب عنيف.
"أذهب إلى الجحيم أيها اللعين" هسهس
بزمجره عالية عندما تم سحبه
بقوة من قبل أصدقاءه أخيراً عن من
يرقد أسفله بملامح مشوهه مملوءه بالدماء.
"أتركني" صاح بيونغي الذي يمسك به
ليدفعهُ عنه بقوة "قُلت لك أتركني" أضاف
بعنف ثم بخطوات ثائره غادر المكان وإيرلا
بالصدمة التي كانت بها لم تشعر بنفسها
عندما ألقت نظرة أخيرة على المطروح
أرضاً ثم أسرعت مهرولة خلفه.
الأمر يزداد سوءٍ وحسب.
..........
جيمين.." نادت بعينان قلقة
تُراقب أنقباض كف يد المعني الملطخة
بالدماء.
"أتركيني بمفردي إيرلا، أريد البقاء
وحيداً" أردف جيمين بصوت مرتجف من
الأنفعال وهو يأخد خطوات كبيرة نحو الأمام
حتى يبتعد عنها.
"جيمين لنعد أرجوك" كررت بتوسل
طفيف هذه المرة عندما لمحت السماء
متوشحه بغيوم سوداء كثيفة.
"وحيداً" ضغط جيمين على أسنانه بقوة
"أريد البقاء خالياً منكِ" أضاف دون أهتمام
من قسوة أحرفه.
"ماذا؟" همس إيرلا بدهشة "جيمين هل..
أنت منزعج من وجودي؟"
"جيمين؟" نادت مجدداً مع أقترابها
"لا تصمت.. هل يزعجك وجودي حقاً؟
وجيمين بقي صامتاً.. ساكناً في موقعه..
لا يرغب بفتح فمه.. فما أن يفعل حتى
يعلم بأن كل الأسوار الغير مرئية حولهما
سوف تتمزق.. ستنفجر وتخلف الكثير من
المشاكل والمزيد من الآلآم.
"أنا أتحدث معك" أستطردت بنفاذ صبر
وهي تشده من ذراعهُ بقوة جعلتهُ
يستدير إليها.
"لمَ تتصرف بغرابة؟ هل وجودي بين
أصدقائك يزعجك.. هل أنا سبب عقدة
حاجبيك وصمتك؟"
أصرت إيرلا وهي تهزه حتى ينظر إليها
وجيمين الذي لم يعد يستطع إحتمال
أي ضغط منها أستدار بكامل جسده نحوها
يُحدق بها بعمق.
أنقبض قلب إيرلا وشعرت بالتوتر لتلك
النظرات إلا أنها لم تلبث حتى أفرجت
عن شهقة حادة عندما قطع جيمين المسافة
بينهما بخطوة كبيرة قبل أن يلف ذراع حولها
يجذبهُا أقرب إليه ثم ببطء هبط بفمه
على شفتيها يُقبلها.
حاصر جيمين وجهها بين كفيه ليستهل
مغلق العينين في تعميق القُبله وبقلب
مرتجف.. في حين أن إيرلا تجمدت تماماً بين
ذراعيه دون أن تجرؤ على الأتيان بخطوة
أو حتى دفعه عنه.
"يُزعجني بأني أحبكِ" همس بعد أن فصل
شفتيهما بفك مرتجف وأنفاس
متعثره "لكن يونغي.. يملك قلبكِ بالفعل"
بعدها أستدار ببطء مغادراً إيرلا
والتي سمحت لساقيها بالهبوط أرضاً مع
أصابعها التي غطت كامل فمها الرطب.
......
▶❤❤◀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro