الفصل| 5
-
مَضى على غيبوبةِ سيريم الفُجائيَّة قُرابة السَّاعتين، حيثُ أمرَ الملِك الأحمر بنقلِها إلى غُرفتِها، رغم أنَّ آخر ما تلفَّظت بِه قبل أن تلفِظ وعيَها ظلَّ ينخرُ بدِماغِه طويلًا.
بعدَما انتَهى مِن النَّظرِ في شُؤونِ مملكتِه الَّتي أقامَها مِن العدَم، واستَقبل بجوفِها كُلَّ من لا مأوى لهُ في هذا الكونِ بكُلِّ حفاوة، اتَّجه إلى غُرفتِه على أهبةٍ لأخذِ قسط مِن الرَّاحَة.
غيَّر ثِيابَه الملكيَّة الثَّقييلةَ والتَحفََ قميصًا أبيضَ رفيع خاصّ بالنَّوم، وما كادَ يُطبِق ظهرَه على السَّرير حتَّى اقتُحِمت غُرفتُه بهمجيَّة، جعلته يُقسِم مُنذ الوهلةِ الأولى أنَّه لن يرحَم مُفتعِلها مهمَا بلَغ الأمرُ بجُعبتِه مِن أهميَّة، وما كانت سِوى سيريم.
هرعَت إليهِ بقلقٍ شديدٍ ثُمَّ قبَضت على ذِراعِه وأقامته مِن السَّرير الَّذي كانَ يجلِسُ عليه مُتجهِّمًا، التَّجاعيدُ بمُحيَّاه تفاقَمت، إذ حفَر فيه الغضَب مجارِيَ لن يملأها سِوى الدِّماء.
" ما الَّذي تظنِّينَ أنَّك فاعِلته أيَّتُها الخادِمة؟ "
" الوقتُ ليسَ مُناسِبًا لمُعاتَبتي، ثمَة ما ينبغِي عليَّ أن أتحقَّق مِنه، فلتعذُرني. "
أعتقت ذِراعَه غافِلةً عن الحِمم الَّتي استَعرت فيه، وأزاحَت اللِّحاف المُزخرَف عن السَّرير كُلِّه، حتّى تبيَّنت لها مُلاءَته الحَريريَّة، وعليها لمحَ كِلاهُما أفعَى خبيثةً تزحفُ بتلكُّؤ، مُتَّجهة إلى الوِسادَة الَّتي كادَ بيكهيون سيضعُ رأسَه عليها مُنذ لحظات.
تلعَثم لهولِ ما يراه.
" من الَّذي تجرَّأ؟ "
ما لبِث وأن أمسَك كتفيّ سيريم وأدارَها نحوَه جاعِلًا مِنها حاويةً لحِنقه.
" كيفَ علمتِ عن تواجُدها بعُقرِ سريري وكيفَ أتيتِ بالوقتِ المُناسِب؟ أتُحاوِلينَ اختِلاقَ مشهدًا ما هُنا؟ "
سطَا الارتِباكُ على دواخِلها وارتَعشت أطرافُ أنامِلها، لكنَّها استطاعت أن تتمالَك نفسَها، وتبوحَ لهُ بالحقيقة حتَّى وإن كانت ضربًا مِن الجُنون.
" لقد راودتني رُؤيا قبل أن يُغمى عليّ، وأتيتُ لأتحقَّق مِن صحَّتها، خاطَرتُ بنفسي رغمَ عِلمي أنَّ دخولي عليكَ بمِثل هذِه الوقاحَة قد يُكلِّفني حياتِي، لو أنَّ نِيَّتي سيِّئة أو كُنت مبعوثةً كما تظنُّ الآن لتركتُكَ تموتَ، فما الفائِدة مِن كسبِ ثقتِك ووحده قتلُك مَن سيشفي غليلَ أعدائِك؟ "
رمَش مرتين، قبل أن يُغمض عينيه محاولا استعياب ما تتفوه به. رفع سبابته بهدوء، في حين كانت تلاحق يده بتوتر.
" هل تظنين أنَّني سأصدِّق ما تتفوهين بِه؟ أنتِ آخر شخصٍ كان هُنا بغُرفتي قبل أن أمركِ بتنظيف المكتبة! "
انتقلت يدهُ لتلتفّ حول رقبتِها، تقهقرت بخطوةٍ إلى الخلف بسبب دفعه لها، قبل أن يُمسكها.
هو نظر لها بحقدٍ ثمَّ همس.
" لا يُمكِنك خداعي. "
نبض قلبها بسرعة كبيرة، بينما تحاول إبعاد يدِه قدر الإمكان.
"ما سبب رغبتي في قتلِك إن قُمت بإنقاذِك للتو؟ ما الذي سأربحُه وما الذي سأخسرهُ إن قُمت بقتلِك... أخبرتُك من قبل أنَّني لستُ من هذا العالمِ حتى، أنا مجرد كاتبة غفت لتجد نفسها بين أسوارِ قلعة حاكَها خيالي..."
أكملت كلامها بصعوبة بالغة، و ما لبثت تنهيه، حتى تركها لتقعَ أرضا وتبدأ بالسُعال.
شعر بالدوار، وهو يفكِّر في ما يحصل، كيف وجدها بغُرفتِه أول مرة، ثم غيابها عن الوعي وإخبارها له أن أحدهم يسعى للفتكَ بِه.
خلل أصابع يدِه بشعره.
" أخرجي..."
رفعت نظرها بتوتر ، حائرة ما إذا صدّقها أم أنه رفض ما تقوله وسيِعاقِبها لاحِقا.
" لقد قُلت أخرجي! "
صرخ هذه المرة، فوقفت بسرعة متجهة نحو الباب، كانت على وشكِ فتحه، لكنها توقَّفت، ثمَّ استدارت إليه قائلة:
"سواء قُمتَ بتصديقي أم لا، أنا حاولتُ المُساعدة وإنقاذكَ فحسب."
لم تتلقى منه رداً فغادرت الغُرفة بهدوء.
في مملكةِ فيرموزوس ذاتِ الجمالِ الباهِر كما يدلُّ معناها، والَّتي يحكُمها ملِكٌ مُنصف، ذلِك الملِك المُنصِف ليسَ سِوى أسيرًا لهوى امرأة، يجعلُه يقومُ بِما لا يُشبِهه غالِبًا.
لم يدرِ أنَّ خليلتَه ليسَت ودودَة، ولا وردةً بيضاءَ نقيَّة كما توحي بِه بشرتُها النَّاصِعة، وملامِحها الفاتِنة، حتَّى أنَّه يُكنِّيها بالزَّنبقَة، بل هِي سامَّة،كزنبقةِ الوادي، وهُو ما يليقُ بِها كلقب، لكِن مَن ذا الَّذي قد يُفارِق أسطُحَها المُغرية ويتعمَّق فيها؟
قد دهَن اللَّيلُ السَّماء بسوادِه مُنذ أمد، كُلُّ مَن في القصرِ العريقِ نِيامٌ عدَا الحَرس المُكلَّفين بحِفظِ أمانِ الحاشيَة، وشيهيون الَّتي تحمِل في يدِها قِنديلًا يُنيرُ دربَها، وتعبُر الممرَّات بحذر، نحوَ غايةٍ لا يعلَم عنها سِواها، ما تزالُ ترتَدي فُستانًا ثقيلًا، يضجُّ بالمُجوهَرات، ليسهُل عليها اختِلاقُ الأعذار إذا ما تمَّ الإمساكُ بِها.
ابتَعدت عن حُدودِ القصرِ، وتوغَّلت في الحديقةِ الَّتي تسكُنها أنواعٌ مُختلفةٌ مِن الزُّهور، وُصولًا إلى إصطبل الأحصِنة، هُناكَ حيثُ قابَلت شخصًا كامِل معالمِه مُتواريةٌ تحتَ عباءةٍ سوداء، ما إن ظهَرت في مجالِه حتَّى أخفضَها، وانحنَى لها احتِرامًا؛ كانَ رجُلًا أشقَر الشَّعر، حادَّ الملامِح، كأنَّها منقوشةٌ بوضوحٍٍ على مُحيَّاه.
سألت على عجل، بصوتٍ هامِس.
" هل فعَلت ما أمرتُك بِه؟ "
هوَى جفناهُ لوهلةٍ قبل أن يُواجِهَها قائِلًا:
" لقد استَطعتُ التَّسلُّل ووضعَ الحيَّة بفرشِه بمعونَة إحدى جاسوساتِنا. "
كادَت الابِتسامةُ تغمُر ثغرَها لولا أنَّه شفَطها ببضعةِ كلِماتٍ أُخر.
" بقيتُ في القصرِ مِثَلما طلبت حتَّى أتأكّد مِن مَدى نجاحِ الخُطَّة، لكنِّي دريتُ أنَّه نجَى بطريقةٍ عجيبة أجهلُها، وسخَّر العَديد مِن جُندِه للبحثِ خلفَ مصدرِها... "
صفعته بقوَّة.
" ومَتى قُمت بعملِك على أكملِ وجهٍ، ونقَلت إليَّ بُشرى سارَّة؟ "
" أعتذِر. "
صمَت قليلًا ثُمَّ سأل:
" أمِن أوامِر أُخرى؟ "
" اختفِ حتَّى آتِيَ بحثًا عنك. "
-
بعد انتصافِ اليوم، توقفت الأحصنة خارِج القصر مع الخدم، فالملِك بيكهيون قرر الخروج للصيد!
الجميع يعلمُ أن خروجه هكذا دون سابقِ إنذار يعني شيئاً واحدا، ألا وهو غضبُه الشديد، فالصيد ما يمنحه حرية الترفيه عن نفسِه بقتلِ الخنازير البرية الضخمة التي تعيشُ داخِل الغابة.
خرج من بوابة القصر بوجهٍ مُتجهِّم، ونظر مُباشرة ناحية حِصانه، مدّ له أحد أعوانه بُنذقيته، فحملها على كتِفه، ثمَّ امتطاه ببراعة، وقاد الطَّريق، يتبعُه الباقون على الأقدام.
كانت سيريم بين الخدم بالطبع، مُجبرة على الذهاب، تسترق السمعَ إليهم، حول الإشاعات التي انتشرت في القصر بسُرعة كبيرة.
كانت إحدى الخادِمات تهمِس لرفيقاتها.
"هل سمعتُم ما حصل؟ تِلك المجنونة دخلت لغُرفة جلالته ولم يفعل شيئا! "
تابعت أخرى.
"غريب، هذا لم يحدث من قبل، لم يتجرَّأ أحد على القيام بأمرٍ كهذا، حتى أنه لم يُعاقِبها، ولم نسمع صوت صُراخِه حتى."
" لقد رأيتُ مُختصَّ الحيوانات يخرج من غُرفة جلالته وبيدِه صندوق أسود، هل يُعقل أنهم وضعوا شيئا بهدف الخيانة؟ "
تدخَّلت أخرى تُشاركهن الحديث، لكن سيريم التزمت الصَّمت، رُغم سماعها لكُل كلِمة نبست بها أفواههن، تعلمُ جيداً أن الإلتزام بالصمت هو الخيار الأمثلُ لاجتِناب فضول البعض.
فالأخبار تنتشر كالنار، إن علِموا بقُدرتها على الكشف عن المُستقبل، ستسود الأخبار في المملكة، والشعبُ لن يرحمها باعتبارها ساحِرة.
هي من كتبت القصة، لذلك تحفظُ أفعالهُم، وردودَ أفعالِهم جميعها...
وسَط الغابة، كان الملِك هو الوحيد الَّذي يمتطي حِصانًا، بقيَّة رجالِه وحاشيتِه من النِّساء واقفون على أقدامهم، وإذا ما أردى أحد الخنازير البريَّة ركَض الجنودُ خلفَ حصانِه الجامِح إلى بُقعةِ سقوطِه.
تعلَم سيريم خطَر المُكوث في العراء خلال رِحلة صيد الخنازير البريَّة، شاهدت هيجانَها في بعضِ المسلسلات الأجنبيَّة، وقد كانت تُخطِّط للكِتابة عن واقعةٍ مُشابِهة قبل ولوجِها الرِّوايه.
كانت أفكارُها حينئذٍ غيرَ منظَّمة والأحداث غير مرتَّبة، لذلِك تجهل بأيِّ رحلةٍ صيدٍ خطَّطت لإدراجِها، ليس في رحلةِ الصَّيد هذه بالتَّأكيد، أو ذلِك ما كانت
ترجوه، لأنَّ أحدهم سيموت.
لم تسمَح للخوفِ بأن يتفشَّى في محيَّاها، ولكنَّها ظلَّت تتلفَّت ذات اليمين تارة، وذات الشّمال تارةً أخرى، تجسُّ النَّبض من حولِها.
انتابَها حدسٌ سيِّئ، رغمَ علمها أنَّه وإن مات أحدهم فسيكون رجُلًا، إن جرّت الأمور وِفق ما رسمته في رأسِها، لأنَّ الأحداث تتوالى رغمَ صِيامها عن الكِتابة مُنذ أن حطَّت ها هُنا.
" هل مِن خطبٍ آنستي؟ "
تخلَّل صوتٌ ذكوريٌّ مسامِعي، فجفلت.
" لا شيء، أخشى أن يقفز علينا خنزيرٌ من حيثُ لا ندري. "
لم تشعُر على نفسِها حينما أطلقت العنان لكلِماتها.
" ذلِك الرَّجل المتحجِّر كيف تسوِّل له نفسه امتطاء حصان، وجعل الجميع يلحَقون به على الأقدام، رغم أنَّ الرحلة محفوفةٌ بالمَخاطر! "
عجِز الحارِس عن الردِّ، فهي تنتقِد ملكه الَّذي يجتنب الجَميع المُرور بسيرتِه من جسر السُّوء، خشية أن يفتضحوا أمامَه، حتَّى هي ما انتَظرت منه ردًّا، وتمتمت كأنَّها منذ البداية تُخاطِب نفسها.
" نسيتُ أنِّي الَّتي خلقت له شخصيةً نذلة كهذه، لأفرغ غضبي الدُّنيويّ على الخلق، على مخلوقاتي المسكينة. "
" ماذا قُلتِ؟ "
" لا شيء، كنت أخاطِب نفسي. "
قطَّب حاجبيه مُقسِمًا أنَّ هذه المرأة مجنونَة، ثُمَّ أقبلَ إلى المقدِّمة حيثُ يقفُ الجُنود بسيوفِهم، بانتِظار الملِك ليسقطَ غنيمةً أخرى، كذلك يحرسونَ البشَر الَّذين لا حول لهم ولا قوَّة خلفهم، من الحكيم، أعوانُه، والخادِمات.
فجأةً اندفَع نحوَ جمعهم الحيَوانُ الَّذي أخفق بيكهيون في تصويبِه، كان أسودَ اللَّون، قبيح الخلقة، مُثيرًا للذُّعر. دبَّت الحركة في أقدامِهم تقتادُهم إلى الخلاص، بعضهم تصادم ببعضٍ لفرطِ الوجَل، في حين أنَّ سيريم المُقتنعة بأنَّ موتها قد يُعيدها إلى عالمِها وإلَّا فإنَّها ستُبعث من جديدٍ تماما كما تلاشَت الجُروح من جسدها، ظلَّت ساكنة، حتَّى لمحَت الوحش على وشكِ أن يصبُوَ الحارس الَّذي حدَّثها منذ قليل، والمسلَّح بسيفٍ لن يصدَّ عنه الأذى.
ركضّت إليه بسُرعةٍ وبكفَّيها أبعدته عن طريقه، غيرَ راغبةٍ بأن يموتَ لمجرَّد أنَّهما حظيا بحوارٍ صغيرٍ سويًّا، مثل جميعِ الرِّوايات والأعمال التّلفزيونيَّة، كلُّ مَن يحتكُّ بالبطلة يصيبُه الشؤم، نسيت أنَّها ليست البطلة في هذِه القصَّة!
ليسَ بعد...
وضعَت نفسَها في وجهِ المِدفع دونَ أن تُحسّ، وما إن التفَتت أمامَها حتَّى رأته على وشكِ نسفِها، لحظةَ وقوعِ عينيها على وجهِه البشع، انفصَلت عن الواقع، كأنَّها حطَّت بأرضٍ أخرى، لكنَّها ما تزال بقلبِ الغابة، حولَها الأشجار الكثيفة، وخلفَها جبلٌ شاهقٌ، انعطَفت فإذا ببيكهيون يمرُّ بمُحاذاتِه، رغِبت في المضيِّ نحوَه لكنَّ قدماها لم تطاوِعاها على الحراك. سُرعانَ ما لمحَت صخرةً كبيرةً تهوي عليه. قبل أن تسحقَه سويًّا وجوادَه، دوى طلقٌ ناريّ استَفاقت من غيبوبتِها اللَّحظيَّة على إثرة، ورأت الخِنزير ممدَّدًا عند قدميها، والملِك ما يزالُ موجِّهًا بندقيَّته.
" لم لا تكفِّين عن افتعالِ المشاكِل؟"
ثقلَ لِسانُها وهو يحمِل إليه تحذيرًا لم يكتَب له الوصول، إذ أُغمِيَ عليها.
اقترب منها ونظر إليها ببرود، وقد قبّلت التُربة المُبللة بعد سقوطِها فاقدة للوعي. تخطاها بلا اهتمام، ورفع بُندقيَّتهُ يبحث عن غنيمة أُخرى بين الأشجار إلى أن إختفى على حصانه...
مينا كانت تبحثُ هنا وهناك عن سيريم التي اختفت منذ فترة ليست بقليلة، فبعد سماعِها لصوتِ إطلاق النار لم تظهر مُجددًا...
"هل رأى أحدُكم سيريم؟"
قاطعت الخدم الذين كانوا يتبادلون أطراف الحديث بهمسٍ فسمعهم بيكهيون القابِع فوق جذع الشجرة يُصوِّب بتركيزٍ هدفهُ القريب.
"هي هناك، فلتُحضروها لقد أغميَ عليها مُجددا، وعند استيقاظِها أخبروها أن لا تعود إلى العمل، لا أحتاجُ المزيد من الضُعفاء حولي."
قفز من على الشجرة وراح يُلاحِق الخنزير...
صُدمت مينا من كلامِه ظنّا منها أنه تسرَّع، وقام بإيذائِها، لذلك تمسكت بيد الحكيم، وعلى وجهها ملامح الرَّجاء، ولأنه طيِّب القلب وافق على مُرافقتها، رغم رفض سيريم لمُعالجتها المرة الماضية.
وصلا حيث كانت لا تزال تنامُ وكأنها أخدت حُقنة مُخدر، إذ قطعا في الرَّكض بعيدا عن الخطر سويًّا وبقيَّة الخَدم مسافةً كبيرة.
رفعتها ميناه من كتفيها، تزيح وجهها الذي يلامس الأرض عنها.
"سيريم، استيقظي يا فتاة، ما خطبُك مجددا؟ تتصرفين بغرابة على غير العادة؟"
ساعدها الحكيم في جعلها تستلقي على ظهرهَا، ثمَّ اقترب منها حتى يستمع لدقاتِ قلبها... هي لا تزالُ على قيد الحياة.
ضربت مينا وجنتيها بخفة، ففتحت الأخرى عينيها تدريجيا تتداركُ ما يحصلُ. سُرعان ما اتَّسعت عيناها بشدة وصرخت باسمه.
"بيكهيون، أين هو بيكيهون؟"
هزت كتفا مينا التي رمقتها بصدمة، وما أجابتها، بسبب ندائها لملِكهم بتلك الطريقة الخالية مِن الرَّسميَّات ومن الاحترام.
حين لم تتلقَّ أي رد، وقفت رغم شعورِها بالدُوار وألمِ في النصف الأيمن من رأسِها. أسقطت فردة من حذائها بينما تركُض، لكِنها استمرت، داعية أن لا يكون الأوان قد فات.
كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة وهي تُبعد أغصان الأشجار عن طريقها، فتعثَّرت وسقطت، نزعت فردة الحِذاء المُتبقية، وأكملت طريقها حيث يوجد، إلى أن وصلت أخيرا.
صرخَت بعد أن توقَّفت وهي تلهث.
"بيكهيون!"
نظر لها عاقدا حاجبيه وفقد تركيزه على هدفه... سرعان ما بدأت الصخور التي تعلوا الجبل بالاهتزاز، قبل أن تسقط أضخمُها. ارتمت عليه سيريم ودفعته بعيدا لكنَّها تهاوت فوقه.
صرخت بنبرة باكية، مُتمسكة بتلابيب قميصه بقوة، إذ انحشرت إحدى قدميها بين الصخور.
"قدمي!"
وضعت جبينها على صدرِه، فاستشعرت دقات قلبِه التي تدل على ارتعابِه من هذا الحدث الغير مُتوقع!
بعدَ أن تدارَك صدمتَه حرَّر قدمها مِن بينِ الصُّخور، ثُمَّ أمسَك بكتِفها مُتجاهِلًا ما أصابَها بسبِبه، الأصحُّ أنَّ تساؤُلاتِه أعمته عمَّا أصابَها، حتَّى أنَّه لم يُفكِّر سِوى بنفسِه..
" إنَّها المرَّة الثّانِية الَّتي تركضينَ إليَّ فيها كأنَّك تعلَمين ما سيحلُّ بِي ولهذا تفسيران لا ثالِث لهُما، إمَّا أنَّك سمِعت عن المكيدَة، أو أنَّك ترينَ المُستَقبل. "
قاوَمت حُروفُها الالمُ لتتراصَّ في سطرٍ واحِد، بينَما تُناظِره بشيءٍ مِن الرَّجاء.
" لا علاقَة لي بِما حدَث، لستُ طرفًا في المكيدَة الَّتي تُحاكُ مِن وراءِ ظهرِك، كما أنِّي تأذَّيتُ في النِّهايةِ بينَما أسعى لإنقاذِك، وما كُنت لأشترِكَ في مكيدةٍ تضرُّني. "
مالَ أحدُ طرفيَّ ثغرِه يرفَعانِ ابتِسامةً ذات مغزًى يظنُّ أنَّها تجهلُه.
" أليسَ إنقاذُكِ لي، وتظاهُرك بالتَّعرُّض للأذى حيلةً لتكسبي وِدّي؟ "
ضاقَت سيريم ذرعًا مِن شُكوكِه المُستمرَّة حِيالَها، والَّتي لا حيلةَ لها حتَّى تدحَضها، سِوى المُجاهَرة بالحقيقة.
" أنا جو سيريم، لستُ مِيا. "
لقد أعدَم بيكهيون كُلُّ مَن كانت لهُ علاقة بمِيا، وكُلّ مَن يعرِفها، المرأة الَّتي سرَقت قلبَه مُنذ عشرِ سنوات، ثُمَّ مزَّقته إربًا إربا، ورمته في وجهِه.
تِلك المرأةُ الخائِنة الَّتي نحرَها بسيفِه، سويًّا وحاشيَته، لئلَّا يحمِل أحدٌ في ذاكِرتِه انكِسارَه المُذلّ، لم يُلقِّب بالملِك الأحمَر هباءً، فيومَها ذاقَ كُلُّ مَن بالقصرِ جلداتٍ مِن سيفِه، حيثُ صارَت الدِّماء تُعبِّد البلاطَ مِثل السجَّاد.
بثقةٍ أضافَت:
" أنا أعلَم ماضيك، حاضِرك ومستقبلك. "
استلَّ سيفَه ينوي إزهاقَ روحِها، ولكنَّ كلِماتها أعاقَته.
" لا تغترَّ بسُموِّك وسُلطتِه لأنَّك ستتخبَّط في الحضيض، لقد رسَمت لكَ الحياةُ نِهايةً بشِعة لا يُمكِنك تصوُّرها، رغِبتُ بشدَّة في تغييرِها، أنا أعرِف ما تجهلُه، وقَتلي خسارةٌ لَك. "
للمرَّة الثَّانِية رأى أحدَ جُروحِها وهُو يختَفي أمامَ عينيه، فما كان أمامَه سِوى تصديقِها، رغمَ رفضِه لذلِك في البِدايَة، أرادَت ذِراعاهُ مواصَلة سبيلِهما إلى عُنقِها، ولكنَّهما شُلَّتا.
وصَل رِجالُه الَّذين كانوا يُرافِقونَه للتوِّ بعدَ أن ذهبوا لإحضارِ الخِنزير البريّ، علَت الدَّهشةُ وجوهَهم وهُم يرونَ الخادِمة على الأرضِ والملِكُ مُحتقِنًا بالغضب، يُهدِّد بقتلِها.
أعادَ بيكهيون السَّيفَ إلى غِمدِه قائِلًا:
" لا تظنِّي أنَّ استِجوابَك قد انتَهى هُنا. "
حينَما أعطاها بظهرهِ على أهبةٍ للتوجُّه نحوَ حِصانِه، وقفت على قدميها وارتأت العبثَ معَ الشخصيَّة الَّتي خلَقتها، مُستندةً إلى ما تعرِفُه عنه.
" ما تزالُ مدينًا لي جلالتك، لقد أنقذتُك مرَّتين وأنقذتني مرَّة، ألست رجُلًا يُسدِّد دُيونَه؟ "
" ما الَّذي تُريدينه؟ "
" قدَمي ما تزالُ تؤلِمني، سيكون لُطفًا مِنك أن تُعيرَني حِصانَك. "
إحدى يديه عصَرت غِمدَ السَّيف، فيمَا التفَّت أصابِعُ الأُخرى مُنتصَفها مُعربةً عن الغَضب الَّذي أوقدته فيه.
وتحتَ أنظارِ الملأ المتعجِّبة مَضى قُدمًا ولحِقت بِه سيريم؛ بعدَ أن اعتَبرت صمتَه مُوافقة. سكَنت خلفَه على مقربةٍ مِن الحِصانِ بانتِظارِ أن يمتَطيه، أو يمنَحها الأسبقيَّة لذلِك، وبالفِعل تنحَّى حتَّى يسعها الصُّعود، ثمَّ تلاها.
" سأخصِم لكَ عُشُر الدَّين. "
توقفت الحاشية أمام القصر وجميعُ الأنظارِ عليها، لأنها تركَبُ والملك على ظهر حِصان واحد، فقد عادت معه بعد ركضِها الهستيريّ في الغابة بحثًا عنه، ثمَّ ظهرت وهي تركبُ معه، و لا أحد صدّق ما حصل فهي تبدو سليمة تماما.
كانت ذِراعا بيكهيون حولها، لأنه يُمسك اللِّجام بينما هي تجلس أمامه. إنها المرة الأولى في حياتِها التي تسمحُ لأحدهم بالتقرب منها إلى هذا الحد، ومن يكون؟ بيون بيكهيون، الملِكُ الأحمر والشخصية التي خلَقتها بنفسِها... لا تُنكر أنها شعرت ببعض السعادة المخفية بين طياتِ قلبِها!
فأن تكون محط الأنظار في عالمِها شيء بعيد، لكَّنها هنا الآن المُتحكمة بالأمور، وهذا ما جعلها تكتسِبُ بعض القوة والثقة بالنَّفس.
"انزلي ما الذي تنتظرينه؟"
أيقظها صوتهُ من شرودِها، حيثُ كانت تبتسم ببلاهَة. فنظرت له، الجميع دخل بالفعل وظلت هي وبيكهيون فحسب.
استدارت بغية أن تنزل من على ظهرِ الحصان، وتلفَّتت بين الجهتين بحيرة لعلوِّه عن الأرض، حتَّى زفر الهواء بحِنق ومد يده ليسحبها.
هو ظن أنَّها ستحطّ بأمان، لكنها سقطت فاستدار إليها مُقطبا حاجبيه.
"ستُشفين بسرعة على أيِّ حال!"
غادر وتركها تنفضُ الغبار عن ملابسها بينما تُحدق بظهرهِ وشعره المُتطاير بفِعل الرياح القوية التي تُنذر بقدومِ عاصفة وأمطار رعدية.
"لديهِ قلبٌ مُتحجر."
لحَقت به، ثمَّ اتَّجهت نحو غُرفتها، غير مستعدة لتلقي الأسئلة من الخادمات حول سبب ركوبِها مع الملِك على حِصانه.
رغم البُعد بين المملكتين، وصلت الأخبار إلى مسامع شيهيون، وبينما هي تأخدُ حماما ساخنًا، مسترخية تُفكر في مكيدة أُخرى، أشعلَ نبأ نجاتِه من الموت مجدَّدًا صدرها.
ضربت بيدِها المياه وصرخت بعصبية، لفشلِ خُطتها التي ظنّتها مُتقنة!
"راقِبوها جيدا، لا أُريدُها أن تغيب عن أعيُنكم ولو للحظة واحدة، أريدُ أن يصلني كُل ما تتفوهُ به مهما بلغت تفاهتُه!"
أرغمت سيريم على الاختِلاط بالخدم حينَما اجتمعوا على وجبة العشاء في المطبخ، حيثُ دخلت إحدى الخادمات قادمةً من عِنده.
"سيريم، أعطيني قنينة النبيذ تِلك."
توقفت الأخرى عن الأكل، ثمَّ ترجَّلت عن مقعدها وسحبتها من أجلها.
"جميعا، جهزوا أنفسكُم للتوبيخ الغير مُبرر من قبل الملك الليلة، فهو يشرب دون توقف والآن أمرني بإحضار قنينة أخرى."
شرعوا في التذمُّر، بمجرَّد ما هرعت الخادمة إلى غُرفته، أمَّا سيريم فعادت لتلتَهم طعامها بشراهة، إذ كانت جائعة جدا.
لم تستطع مينا تمالُك فضولها لذلِك أطلقت العنان له.
"ألن تُخبرينا عمَّ حصل معكِ أنتِ وجلالته؟ أم أنه أمرك بعدم التحدث؟"
أضاف إحداهُن.
"احذري جيدا، قد تكونين لُعبته الجديدة، رغم مرور العديد من السنواتِ على..."
"سيريم!"
عادت الخادمة التي ذهبت بقنينة النبيذ، فرفعت المعنيَّة رأسها عن الطَّبق بفزع.
"الملكُ يريدكِ بغُرفتِه، والآن."
ابتلعت طعامها بصعوبة، حتَّى قاطعها السُّعال، إذ علِقت قطعة من التفاحِ بحلقها. ارتشف الكثير من المياه، جفَّفت شفتيها بالمنديل ثم وقفت وخرجت من المطبخ، حينئذٍ بدأن بالثرثرة.
"لا تتوقف عن إقترافِ المشاكِل."
"بالتأكيد بينهُما شيء، كيف يستدعيها بهذا الوقتِ من الليل لِغُرفتِه!"
"أخشى أن يقتُلها أو شيء من هذا القبيل."
أجابت مينا بقلق...
مشَت سيريم بارتِباكٍ خائِفةً مِمَّا قد يفعلُه بِها، لقد أطلعته طواعيةً بخصوص أنَّها ترَى المُستقبل، ورجُلٌ مُرتاب مِثله سيضلُّ عن الحقيقة ويظنُّ أنَّها ساحرة، تتربَّص بِه سوءً.
طرقت عليهِ البابَ حتَّى أذِن لها بالدُّخول، ورأته جالِسًا بمُحاذاةِ السَّرير، إحِدى ذِراعاهُ غافيةٌ على سطحِه، في حينِ أنَّ الأخرى مشغولةٌ بحملِ زُجاجة نبيذ فاخِر، تقلَّص منسوبُها إلى النِّصف، وحولَه أربعُ زُجاجتٍ أُخرى، ما يعنِي أنَّه شِبه غائِبٍ عن الوعي.
بعد أن فرغَت مِن تفحُّصِه نطَقت بتوتُّر.
" لقد طلَبتني، جَلالتك. "
وثَب على قدميه، وعارك الجاذِبيَّة حتَّى أدركَ الثَّبات، وهُو يبتسِم بشرّ.
" السَّاحِرة هُنا. "
لفرطِ الخوفِ الَّذي بثَّته فيها نظراتُه بينَما يدنو إليها قذَفت ما بجُعبتِها دُفعةً واحِدةً، دونَ أيَّة استِراحَة.
" أنا على استِعدادٍ لأشرَح لكَ كُلَّ شيءٍ مِن الألفِ إلى الياء، وبالطَّبع ستتوصَّلُ إلى أنِّي حليفٌ لا عدوّ، وأنِّي سأكونُ ذاتَ عونٍ لك. "
تلقَّفت يدُه الطَّليقَة ذَقنها.
" كَم أنتِ محظوظَة لاحتِفاظِك بحياتِك، رغم أنِّي راغبٌ في استعمال رأسكِ لتزيينِ مدخل القصر. "
" أنتَ ثمِل. "
وحينَما يثمَل، لابدّ أن يقتُل.
" لِماذا تستمِرّين في إنقاذِي وجعلي مدينًا لكِ؟ "
" أنا هُنا مِن أجلِك. "
" إذًا عليَّ مُكافَأتُك. "
خشيت أنَّها إحدَى حيلِه لزرعِ الطَّمأنينَة في نفسِها، قبلَ أن يقمَع نفسَها إلى الأبد، فتَلجلجت شَفتاه.
" كيف؟ "
لعلَّ خوفَها هُو ما شتَّتها عن نظراتِه الَّتي راحَت تُحدِق بشفتيها، ولعلَّه ما عصَب بصرَها فما رأت خُشونَته تنبري حتَّى تعرَّى مِن شخصيَّة الملِك، ومثَل أمامَها كرجُل.
أوصَدت جفنيها حينَما أعدَم المَسافَة بينَهُما ظنًّا أنَّه قد يُؤذيها بإحدَى أساليبِه الوحشيَّة، لكنَّّها وعوضًا عن الشُّعورِ بالألَم شعرت بنقرةٍ رقيقةٍ على شفتيها، تليها نقراتٌ مُشابِهةٌ أُخر، أذِنت للنُّور بفضحِ الخَبايا عمَّا يجري خارِجَ محارمِها، فإذا بِه يُقبِّلُها ليسَ كرجلٍ لا يسكُنه سِوى حِقدٌ يتيم، وخيبة، بل كرجلٍ مُتيَّم.
جحظت عيناها، وتلاشَت شهقتُها المدهوشَة في غورِه، إذ شدَّد حِصارَه عليها، كما اختَزنتها ذِراعُه بصدرِه...
لا تُصدِّق أنَّها الآن بينَ ذِراعيه كامرأة، ذلِك ما لم يُراوِد ذِهنها البتَّة مُنذ أن ولَجت هذا المكان الغريب، لكنَّه موقفٌ لن تتمنَّى مُبارَحته، وها هِي ذا تُذعِن لنِدائِه الصَّامِت، رغمَ أنَّه يعيثُ بعواطِفها فسادًا!
-
هاااييي يا حلويني عيد مباارك عليكم و كل عامم و انتو بخيرر ينعااد عليكم بالصحة و السلامة و تحقيق جميع أمنياتكم ياا رب😍❤️
اما بعدو😂إيه رأيكم بالفصل؟ شنو تتوقعون راح يصير🌚🌶 احم كامي أخلي لك الكلمة🖤
عيدكم مبارك فراشاتي كل عام وانتم بخير 😍 اتمنى تقضو اوقات حلوة 👌🎊
فصل طويل عريض عشانكم 😎 شكرا على صبركم على تأخرنا 😖
الحمد لله لحقت عايدكم بشي 😍😭 لسا باقي يومين وان شاء الله بنزل بارت للبالغين اذا قدرت زمان عنها 💔
نجي للاسئلة 😂
شو رايكم بالفصل!
اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
ما الذي فعلته المدعوة مِيا!
لماذا تخطط شيهيون لقتل بيكهيون!
هل ستكشف حقيقة سيريم ام لا!
كيف ستكون ردة فعل بيكهيون بعد فعلته وهو ثمل
ايه توقعاتكم للجاي 😎
اراكم بعد سنة ضوئية 😂😂
لا سوري بنحاول ما نتأخر هالمرة 😭💔
نراكم بالفصل القادم 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro