الفصل التاسع والثمانون
مر يومين على ذلك الحوار بيني وبين اريان.. يومان لم انم خلالهما لحظة.. يومان لم يخرجني من تلك الحجرة حتى ظننت للحظة انه قد نسي وجودي.. لم ادر كم اعتدت تتبعه حيثما ذهب إلا عندما قام بحبسي هنا دون السماح بخروجي.. فبعد محاولتي للهرب لم يعد يثق بي بالقدر الكافي لإخراجي من الحجرة وليس هناك ما يكفي من الحرس في هذا المكان وهم في حالة استنفار..
لكن خوفي من الأحلام جعلني لا انام.. وهذا جعلني على الحافة.. اطوف الغرفة طوال اليوم في توتر وعصبية حتى شعرت اني على وشك الجنون.. حتى فُتح باب الغرفة في صباح اليوم الثالث ليدخل ارايان الفا في كامل عظمته مرتديا درعه ممسكا بخوذته الحديدية في يده وقد انسدل شعره على كتفيه ثائرا.. وقف مهيبا عظيما.. تبعه رجلين احدهما كان كريستوفر دومينو..
نظرت له بدهشة في البداية ثم بخوف قلق بإرتجافة قلت:
-لـ..ـماذا ترتدي درعك..؟
سألت في رعب.. رغم يقيني بالإجابة سألت.. املة ان اكون مخطأه.. ان اكون واهمة.. لكنه قال بصوت قوي ونبرات واضحة جعلت من المستحيل التشكيك فيما يقول:
-لقد سقطت إفيين
شعرت بقلبي يهوي لكنه تابع:
-اراكان وحدها تقف، وعلى حالها تُهزم.. إن النهاية قد أتت ايتها الحاملة..
حدقت فيه جاحظة العينين بينما هو يتابع:
-لكن هذه الحرب لا تنتهي إلا على جثة شداد وهذا احققه بنفسي
ليس هناك ما اقوله لأمنعه ولا املك ما يمكنني به ايقافه حدقت فيه عاجزة عن النطق وقد ادرك هذا بسهولة.. ادرك انه رغم ان ايا ما كنت سأقوله لم يكن ليوقفه بأي حال إلا اني في الحقيقة لا اجد ما ادافع به عن قضيتي لا املك إلا.. حين رفعت بصري اليه مرة اخرى وجدته يستدير راحلا فاستوقفته قائلة:
-لا زال بإمكاني الشعور بالألم بالكره بالحقد بالمرارة.. بالغضب الشديد.. لازال بإمكاني الشعور بقلبك يا اريان .. انت لم تمت في تلك الليلة.. لم يتمكن شداد من محو قلبك، لكن ما ستفعلة سيقتل ما تبقى قتلا حتى تصبح خاويا.. لازلت اقول.. انت لن تربح حتى لو انتصرت في هذه الحرب
صمت فترة وهو يرمقني ببرود ثم قال بقسوة:
-إن كان هذا هو الثمن فليكن إذن.
ثم تقدم الى الباب حتى خرج منه وقبل ان يُغلق قال:
-لقد تساءت من قبل لماذا، لكني لم اعد ابالي
ثم مد يده مشيرا الى الحارس ان يغلق الباب وهو يقول:
-حتى اللقاء ايتها الحاملة
واُغلق الباب مخلفا الصمت المطلق.. تهاويت على الكرسي الوحيد في الغرفة وحدقت في الباب في صمت.. ظللت على حالي هذا لساعات لا ادري عددها لكن في لحظة ما انهرت.. انهرت على ذلك المقعد من شدة الإرهاق وقلة النوم..
مر اليوم التالي بطيئا ثقيلا رغم عدم ادراكي لأي شيء سوى المحادثة الخيرة بيني وبين ارايان.. لقد انتهى كل شيء اشعر بهذا.. اشعر بعظم الأمر وما يعنيه لي رغم اني لا اتذكر.. ما اتذكره هو الأسرى والنسوة في السجون، هذا لن انسى.. وهذا ما يجب ايقافه.. لكن كيف؟.. كيف وانا مقيدة الى هذا المكان.. وحتى لو لم اكن هل سيكون بإستطاعتي ايقاف جيوش دول الإتحاد؟ او حتى ايقاف ارايان؟..
توقفت عن التفكير فجأة لشعوري بالتوتر والحذر.. هذه المشاعر ليست لي.. لكن ارايان ليس هنا فلمن هي؟.. هل.. هل يعني ذلك وجود.. وقبل ان اكملها فُتح باب الغرفة بهدوء ثم دلف الى الحجرة رجل يرتدي الأسود وقد اُغلق الباب خلفه على الفور وحين التفت الى ورأيت وجهه عرفت على الفور انه هو.. الرجل الذي دعاه ايفري بكمال.. عندما وقع بصري على وجهه خفق قلبي في عنف.. للمرة الثالثة اقف امام هذا الرجل احدق فيه كالبلهاء.. لكن شيئا ما به يجذبني وليس كونه ما اظن بل شيء اخر.. شيء لا استطيع وضع يدي عليه .. امر استشعرته في اول لحظة رأيته قيها امام بيت ايفردين وليام.. لذا سألت:
-انت؟!
تنهد ثم تحدث لكن ليس بالأبيسية او حتى بالرودوسية بل بلغة اخرى فهمتها على الفور كأنها جزء مني.. لقد تحدث بلغة اورال قائلا:
-انت لا تعرفين من انا؟
عقدت حاجباي وقلت بذات اللغة:
-لما هذه اللغة؟
قال مشيرا الى الكاميرات:
-انها لغتك الأم.. ولأنه لا يوجد من يفهمها هنا..
لم اعد احتمل اكثر.. كل هذا التوتر.. كل ذلك الحذر:
-انت احدهم اليس كذلك؟ احد الفرسان؟
رفع احد حاجبيه في صمت فقلت:
-ارايان قال انه يمكنني الشعور بهم.. وانا متأكدة انني اشعر بالتوتر والحذر..وهذا ليس ملكي بل مشاعرك انت.. اليس.. كذلك؟
ببطء قال:
-اذن ايفري كان محقا ارايان سيفعل اي شيء ليستخدم قواكي حتى لو كان هذا يعني تدريبك من جديد
قلت بحدة:
-انا لن اساعده، إن كان هذا هو الشيء الوحيد الذي استطيع فعله لكي يحصل على ما يريد فلن اساعده
ثم نظرت اليه وفي ثبات قلت:
-من انت؟ وماذا تريد؟
اقترب خطوة فلم اتراجع لسبب ما انا على ثقة من انه لن يؤذيني.. بدوء قال:
-انا هنا لإخراجك من هنا.. انت لا يجب ان تكوني هنا الأن.. بل كان يجب ان تكوني على الصفوف الأمامية لأراكان في ابيس
نظرت له متسعة العينين وشعور غريب يغزوني.. من هذا الرجل؟..:
-ماذا؟.. تخرجني؟
ثم نظرت الى الكاميرا في ركن الحجرة فقال:
-ان غرفة المراقبة ليس فيها احد الأن لقد تدبرت امرهم لكن يجب علينا ان نسرع
هنا تراجعت للوراء في حدة هاتفة:
-من انت وماذا تريد؟ اجبني يا هذا؟ كيف لي ان اثق بك وبما تقول؟
لا ادري من اين اتى ذلك الحزم في صوتي او لماذا شعرت بالألم وانا اهتف بوجهه.. انا اعرف هذا الرجل حق او كنت اعرفه..
نظر لي فأدرك اني لن اتراجع فقال:
-لقد كنت صديقا لك..
كنت.. تلك التي الامتني حتى كدت اشعر بالدموع في عيني.. هذا الرجل صادق وانا ادري هذا وعلى يقين منه ورغم ذلك وجدت نفسي اسأل:
-ولم انتظرت كل هذا؟ لم الأن؟
-لإن ارايان ليس هنا..
هززت رأسي نافية وقلت:
-ليس هذا ما سألت عنه بل لم الأن يا كمال وقد فعلتها من قبل؟
نظر لي في ذهول ودهشة فقلت:
-لقد كان انت.. انت من دفع الرجل حتى اصطدم في الحائط في البنارا وليس انا.. انا لم اكن لأستطيع.. ربما لم يلحظوا هم لكني علمت على الفور انه كان انت.. لماذا فعلت ذلك؟ ولماذا تفعل هذا الأن؟
-لأني اخطأت.. ولأجل صديق قديم.. لم اتصور اني سأبالي لكني افعل..
صمت لحظة ثم قال وهو يقترب ممسكا يدي:
-ارجوكي يا كيسارا دعيني اخرجك من هنا ربما لازال هناك امل..
سألت مع يقيني بصدق كل حرف قال:
-كيف اثق بك؟
تنهد ثم اغمض عينه للحثة قبل ان يضغط على يدي قائلا:
-انا لا املك الحق لتثقي بي، لقد خنتك من قبل ويمكن ان افعل من جديد
شعرت بالدموع تكاد تسقط من عيني لكني لم اسمح لها بل قلت بحزم:
-اذن اخبرني، هل لو كنت اتذكر من انت أكنت سأتبعك؟
التقت عينانا وهو يقول بثقة:
-لم تكوني لتترددي لحظة
هتفت في عنف:
-ما الذي يمكن ان افعله اذن اذا خرجت من هنا؟ انا لا يمكنني ايقاف هذه الحرب.. لا يمكنني فعل شيء انا عاجزة..
هز رأسه نافيا وهو يضغط على يدي:
-لا انت لست عاجزة بل انت وحدك يمكنك ايقافها، لقد ساعدتني يوما من قبل حتى وجدت الطريق والأن ارد الدين
اخذت نفسا عميقا وقلت بصوت مبحوح:
-متى تخرجني من هنا؟
-الأن
عندها لاحظت المسدس الذي في يده، شعرت بيده تجذبني خلفه ثم طرق الباب ففتحه احد الحراس وعلى الفور وجدت الرجل يسقط ارضا قبل ان استوعب ان كمال قد ضربه بعقب المسدس بسرعة لم اكد اراها.. وانطلقت صفارات الإنذار في كل صوب..
ما حدث بعد ذلك كان سريع دمويا جعلني اشعر اني في حلم او كابوس والصيحات والهتاف الفوضى في كل مكان... بالكاد ادركت ما كان يحدث فكمال كان سريعا جدا، قويا وماهرا بدرجة جعلتني اشعر بالخوف فلو قرر قتلي الأن لفعل ذلك دون مقاومة تذكر ودون ان يطرف له جفن.. كان يتخطى الجندي تلو الأخر في سلاسة وسهولة منهم من يسقط صريعا ومنهم من يهوي مصابا وكل هذا وهو يحميني خلفه، اردت المساعدة لكنه لم يحتجها على اية حال..
تبعته في دهشة وحيرة حتى كدنا نصل الى البوابة.. كان هناك من يقف امامها منتظرا وعندما اقتربنا اكثر امكنني رؤية من.. ايفري وحين اقتربنا بالقدر الكافي سمعته يقول:
-لقد كنت متأكدا انك ستخوننا لا محالة.. ثلاث سنوات هي مدة طويلة لأي مهمة.
رفع كمال مسدسه متجاهلا ما قاله ايفري قائلا بجمود:
-انا لا اخطئ
عقد ايفري حاجبيه في تحدي كأنه يعلم جيدا انه لا يملك فرصة امام مسدس كمال ثم قال:
-ربما ان كان يحوي اي طلقات يا كمال لكنه فارغ
ثم القى البندقية ارضا واستل سيفه مشيرا الى كمال، ضيق كمال عينيه ولم يتحرك لبرهة لكنه اخيرا القى مسدسه عند قدمي ثم رفع سيفه نحو ايفري وفي ثوان كانا قد التحما..
((تعالى صليل السيوف.. وصطدام الحديد بالحديد لكن كمال يدرك انه لو استمر فهي هزيمته هو.. ايفري امهر منه بكثير.. بينما هو تخصصه الأسلحة الثقيلة ولو كان يملك طلقة واحدة لكان ايفري على الأرض جثة هامدة الأن .. هو يعلم ذلك .. ايفري يعلم ذلك.. لكن يجب ان يحميها يجب ان يخرجها من هنا.. حتى لو كان السبيل هو الموت.. فهذا ثمن بخس لما قد فعل.. لكن بموته الأن سيكون من المستحيل ان تخرج من رودوس.. عليه ان يحاول كما لم يفعل من قبل..
ابتسم ايفري وهو يجثم بسيفه على كمال:
-لا مجال لك للفوز
ثم رمق كيسارا وتابع:
-وهي لن تخرج من هنا حية
لم يجبه كمال ولم يتفوه بحرف بينما اشتدت المعركة.. وهو يتمنى لو ان بمقدورة استخدام قواه الأن..
انهال ايفري بسيفه فتراجع كمال ومن خلفه تراجعت كيسارا في خوف او هكذا ظن ثم فجأه ودون سابق انذار اخرج ايفري خنجرا من بين طيات ملابسه وفي لمح البصر طعنه بيه بسرعة لم تمهل كمال الوقت ليندهش او حتى ليتفادى الطعنة وقد سمع شهقة كيسارا قبل ان شعر بالألم اسفل معدته لكنه لم يتزحزح.. لم يتأوه بل لم يُبد انه قد طعن وبثبات قبضت يده عى يد ايفري الممسكة بالخنجر تغرزه في معدته اكثر معتصرا يده حتى افلت الخنجر وتراجع كمال على الفور الى الخلف وهو يتنفس بصعوبة تقدم ايفري نحوه فهتف كمال:
-كيسارا اهربي.. اهربي الأن.. هناك مركبة على وشك ان تُقل المزيد من الأسلحة الى البنارا على بعد خمسين مترا شرقا خلف هذا المبنى لو تمكنت من ركوبها الأن فستخرجين من هنا.. انها فرصتك الوحيدة.. اسرعي..
ضحك ايفري قائلا:
-تلك هي خطتك اذن!.. كنت اتسائل كيف ستتخطى الحدود بها ان نجحت في تهريبك لها..
استمر كمال متجاهلا ايفري:
-اسرعي ليس هناك من الجنود ما يكفي لإيقافك
ختفت الإبتسامة من وجه ايفري وهو ينظر الى كيسارا صائحا:
-اياكي ان تتحركي يا امرأة
ثم تقدم مسرعا نحوهما وهو يصيح لن يحدث هذا وانا هنا وكمال يصرخ في كيسارا ان تهرب قبل ان يفوت الاوان.. لكنه بالفعل كان متأخرا هذه محاولة فاشلة كمال لن يستطيع تصديه او حتى منعه انها النهاية.. لقد كانت هو فرصتها الوحيدة.. الأن ادرك كم اخطأ بإختياره لقد اخبره جراد بهذا لكنه حقا لم يظن انه سيندم وها هو يفعل.. لقد قتل الكثير ابرياء ومذنبين لم يهتم يوما ولم يمثلوا له اكثر من ارقام لكن ها هو يندم ها هو يدفع الثمن.. على كل خطوة اتخذها في الطريق الخطأ..
رأى ايفري يهوي بسيفه على صدره ثم.. انطلقت الرصاصة تصم الأذان لتستقر في صدر ايفري لتتسع عيناه في ذهول وعدم تصديق فالتفت كمال ليرى كيسارا مصوبة بندقية ايفري وتقول بقوة وثبات:
-انا لا امتثل لأوامرك يا هذا..
....................................................................................
اعتذر بشدة عن التأخير... لكن امتحاناتي قد انتهت اخيرا وبإذن الله اعود الى التحديث المعتاد.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro