Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

Trappted| 01

الفَصل 1: مُحاصَرة

「كوريا الجَنوبيَّة؛ سول.
25 يونيو؛ 2017.」

كثيرًا ما تُنشِب الظُّروف القاهِرة بيننا وبينَ أنفُسنا حروبًا أهليّة أخدودًا لا تخمد. حتَّى وإن شفَعت لنا سعادةٌ لحظيَّة، وأقعَدتنا عَلى طاوِلة المُفاوَضات، ورغب أحدُ الأطرافِ في توثيقِ الهُدنَة بشرطِ التَّغيير، يأبَى الآخر الانصِياعَ لها. وحيثُما دفنَّا ذِكرياتِنا الأليمَة تنقِّب عَنها أغوارَ الماضِي، وتلقِّم بِها مِدفع السُّهادِ في كلِّ ليلةٍ لتَضرِب استِقرارنا.

تتألَّب ضدَّنا نزعاتٌ مُلتويَة، وبينَ قُضبانِ صُدورِنا تزجُّنا لنتعفَّن هُناك إلى أجلٍ غيرِ مُسمَّى، رغمَ أنَّنا القاضِي، نجهلُ عُمرَه. تتناسَل فينا النُّدوب، حتَّى ولوما كانَ لها قرين، نكبةٌ وحيدَة من شأنِها أن تولِّد عشرًا أخر، ويَستشري فينا الخَراب، خرابٌ ألحقه بنا الكَبت. مهما حاوَلنا تنظيفَ الفَوضى فينا، تهبُّ رياحُ الغَضب وتبعثِرها كأوراقِ الخَريف عَلى الرَّصيف.

لقد كسَرني الماضِي وأردانِي مُقعدةً عَلى كُرسيِّ الاضطِراب، ما وُفِّقت في تحديدِ الخطبِ معي، ولا في ابتِكار ترياقٍ يُداوِي سقَمي المَجهول، صنَع منِّي نسخةً موبوءَة تفتك بنفسِها رويدا رويدا. بداخِلي ظلامٌ وابِل، أعِي أنَّه لن يسمَح لي بالتَّحليق في سماءِ التألُّق، ولا بالاستِلقاء في عرض الهَناء، كلُّ ما أردته شخصًا يُشارِكني الغَرق!

شخصيَّتي مُتناقضة كأنِّي أعانِي مِن الانفِصام، وما عادَ صَدري يسعُ تضارُباتِي؛ كانَ يضيقُ بي ويخنقني. أنا عاطِفيَّة وبليدَة، مُشرقةٌ ومدلهمَّة، خالصةٌ وخبيثَة في الآن ذاتِه. قد ينفجِر مِن عينيَّ سيلٌ جارفٌ بسببِ لقطةٍ حزينَة في فِلم، أو رُؤية حيوانٍ جَريح، لكنِّي عديمَة الإنسانيَّة، مشاكِل البَشر لا تؤثِّر بي، بل وتُسلِّيني؛ لا أكترِث إلَّا لنَفسي وأناسِي. أحيانًا أتمنَّى لو نتعرَّض للغزو ليتغيَّر روتيني المملّ، وعندما أتخيَّل سقوطَ قذيفةً ما عَلى سقفِ بيتي أغيِّر رأيي.

لطالَما كُنت عالقةً في الوسَط، أتأرجَح بينَ القمَّة والقاع، فلا أنا الأولَى ولا أنا الأخيرة، علاماتي حَسنة ولكنَّها لا تَرقى بِي الصَّدارة، آخذ دروسًا في التزلُّج عَلى الجَليد، ولكنِّي لستُ الأمهَر بين أقراني، كذلِك أبرعُ في الرَّسم، وعِندما أرَى لوحاتِ الفنَّانين يُراوِدني الاعتِزال عَن قلمي. ملابِسي ذكوريَّة أحيانًا، وأحيانًا أنثويَّة، وفقًا لمِزاجِي ومَدى ثِقتي بنَفسي الَّتي تحطِّمها المِرآة في طرفةِ عين. ولا أدرِي أيَّهما أسوأ، أن تَكون دميمًا أم غريبًا؟

أنا جلَّاد نَفسي الأوَّل مِن بعدِ صَدمات الماضِي، كما لو أنَّها أورَثني سياطًا مفتولَة، تُبقيني مروَّضة عَلى نهجِ الاكتِئاب. لا يروقُني قَوامي، أجِده غيرَ مُتناسق، ولا طبيعَة شَعري المجعَّدة، كأنِّي خُلِقت مِن قشورِ غيري حينَما برتهم المِثاليَّة!

حلبةُ التزلُّج المتجمِّدة مكتظَّة، الفَتيات يرتدين أزياءً مُزخرفةً مِن قطعةٍ واحِدَة، تكشِف سيقانهنَّ الرَّشيقَة للعَيان، كأنَّها مُسابقَة أجساد، والفتيان يرتَدون أزياءً ضيِّقةً مِن قطعتين، كلَّما انحَدرت حَدقتاي إلى أجزائِهم السُفليَّة بعفويَّة ولَّت مُشمئزَّة وشفَتي العُليا مشمَّرة. كُنت مُرتاحَة في خضمِّ سِروالٍ مطَّاطيّ ودثارٍ أسوَد طَويل مَشدود عِند الخَصر، تُطوِّقه طَرحةٌ رفيعة تصلُ إلى رُكبتيّ، تجعلُه أشبَه بفُستان صيفيّ. افتَرشت كرسيًّا خشبيًّا عريضًا مستقرًّا على حافَّة الحلبة، وانتَعلتُ حِذاء التزلُّج الأبيضَ المُرتكِز عَلى شفرةٍ حَديديَّة مَشحوذَة الحافَّة، أتمنَّى لو أنَّ لي الجرأة عَلى نحرِ إحداهنَّ بها.

شخَّصت نَفسي بالانِطوائيَّة، ووصفتُ لي عقَّارًا رجوتُ أن يُساعِدني على الاندِماج بالمُجتَمع قليلًا، مُنذ عامَين سجَّلت في نادِي التزلُّج؛ رياضَتي المُفضَّلة، لكنِّي جَنيتُ عليَّ المَزيد مِن الإرهاق والضَّغائِن. بيننا تِلك الفَتاة المُتغطرِسَة الَّتي تستقطِب انتِباه الجَميع بمجرَّد ولوجِها؛ سوهي.

المشكِلة أنَّها الأمهَر بيننا، ربَّما لم أكُن أكرهُها بقدرِ ما أحسُدها. هِي تُحاوِل كسبَ الجميعِ لصفِّها ولستُ استثناء، لا يسعُني المُجاهَرة بنفورِي مِنها أمامَها، أضطرُّ دائما لكبتِ مشاعِري السَّلبيَّة بداخِلي كالأسرارِ الَّتي تراكَمت في صَدري.

«ألم يرَ أحدُكم حِذاء التزلُّج الخاصِّ بي؟»

اندَفعت سوهِي خارِج غُرفَة التَّغيير هلِعَة، عوَّجت شدَّة حُضورِها الأعناق بلا عَناء. تبرَّع الذُّكور بوقتِهم لنيلِ رِضاها، وربَّما رقعةً صغيرةً مِن قلبِها أيضًا. واصَلت عَقد أربِطة حِذائي بلامُبالاة، إلى أن مرَّت بجوارِي قائلة:

«أرلين، انضمِّي إلينا رجاءً، جميعُ الأيادِي المَوجودَة قيِّمة، كلَّما زادَ عدُدنا ثقُلت كفَّة إيجادَنا للحِذاء سريعًا».

رفعتُ رأسِي عَلى مضضَ. لقد ألقيتُ حِذاءَها في حاوِية القُمامَة بالأمس، وراقَبت الموظَّف وهو يكبُّ ما بجوفِها في الشَّاحنَة بنَشوة. طمَستُ سأمِي تحتَ ابتِسامة زائفة، ثمَّ وقَفت عَلى قدميّ.

«لقد ارتَديت حِذائي بالفِعل، سألقِي نظرةً عَلى حُدودِ الحَلبة بينما أتزلَّج».

صادَقت عَلى اقتِراحي بإيماءةٍ قنوعَة، ثمَّ انضمَّت إلى أتباعِها. ما كِدتُ أتناءَى عَن رُقعَتي، حتَّى داهَمتني صديقَتي مينجونغ، هِي زميلَتي في الثَّانويَّة أيضًا، أكبرُ منِّي بسنَة. كانَت غائرةً في ثوبٍ أرجوانيٍّ قصيرٍ مبتورِ الكمَّين، شعرُها ذَهبيٌّ طَويل قامَت بصبغِه الشَّهر المنصرِم، وعيناها بنيَّتان مِثل عينيّ.

«هل فقَدت الشَّمطاء حِذاء الحظِّ الَّذي تنتعِله خلال كلِّ تقييم؟»

لوَت أحدَ شدَقيها مُستمتعةً بعَذاب محبوبَة الجماهير سوهي، نحنُ نشترِك في نبذِنا لأولئِك الَّذين يتصرَّفونَ بغرور، كَما لو أنَّهُم الأفضَل. لاحَقت منارَتيَّ مِحورَ حديثِنا المُنغمِسة في البحثِ عَن حِذائها الثَّمين تحتَ كلِّ كرسيٍّ تُصادِفه.

«أظنُّ أنَّها نسيت خِزانتها مَفتوحَة الحصَّة الماضيَّة، حتَّى شخصيَّات منمَّقة مِثلها يلدغُها الكُره مِن حيثُ لا تحتسِب».

هي تتركُ خزانَتها مفتوحةً دائمًا، أعلَم لأنَّ فكرةَ التخلُّص مِن حِذائِها تحومُ في خُلدِي مُنذ أمَد، لكنَّ الشَّجاعَة لم تُحالِفني حتَّى البارِحة. خلَعت مينجونغ القبَّعة الّتي ظلَّلت ناصيَتها مِن أشعَّة الشَّمس، وانجَلى التقزُّز عَلى ثغرِها.

«مِن المقزِّز أن يقوِّم أحدُهم حقيقتَه لتنطبِق عَلى معايير الجَميع. مهما كانت انسيابيَّة فلَن تنَجح في الصُّمود في قلبٍ مَثقوب».

للغيرةِ ذريعَتين، إمَّا الوَجد أو الحَسد، ولستُ مولعةً بها قطعًا. مِن الصَّعبِ تَكميم ثغورِ النّقص حينَما تنطِق، كُنت أردِمها بإيذاءِ غيري!

ستبتهِج مينجونغ لو أخبرتُها أنِّي الجانِية، هِي صديقَتي الوحيدَة وأنا أثِق بِها، لكنِّي لا أثِق بمزاجِ الزَّمن؛ اليَوم نحنُ مؤتلِفون وغدًا مُفترِقون، ماذا لو زرَعت الحَياة في حُقولِنا مُشكلةً مزَّقت علاقَتنا، واستغلَّت سِرِّي الصَّغير لتَدمير سُمعَتي؟

لطالَما حجَبت جانِبي المُظلِم، إذ اكتشفتُ خِلال سَنواتي السَّبعة عشر أنِّي فاشلةٌ في الحِفاظ عَلى الأواصِر؛ كلَّما كبُرَ أحدُهم بداخِلي باتَت أبسَط هفواتِه جُرعاتٍ قاتِلة لروحي، ينتَهي بي المَطاف دائمًا بالانسِحاب.

وطأتُ الحَلبة فُرادَى، وتزحلَقت مِن جانبٍ إلى آخر، متظاهرةً بالتَّفتيش عَن نعلِها. آلت حملةُ البَحث إلى خَيبة كما توقَّعت. حينَما فرغت مينجونغ مِن تغيير ملابسِها إلى زيٍّ سماويٍّ فاضِح، تبِعتني إلى ميدان التزلُّج، نقشنا عَلى صقيعِه مساراتٍ عَشوائيَّة، واستعرضنا بعضَ الحَركاتِ الَّتي تلقنَّاها، حتَّى صفَّنا حُضور المدرِّبة في خطٍّ مُستقيم؛ هِي امرأةٌ حَسناء في العقدِ الثَّالث مِن العُمر، قوامُها نَحيلٌ كأيِّ أنثَى رِياضيَّة.

«لاشكَّ وأنَّكم سمِعتم عَن حادِث الحافِلة الَّتي انقَلبت في مُنحدرٍ وعر مُنذ يومين، لم يكُن عَلى متنِها أحدٌ مِن عائِلاتكم، أليسَ كذلِك؟»

عجَّت نبرة المدرِّبة يونها بالحَسرة، ونزفَت الإناثُ أنينًا مُبالغًا فيه، كما لو أنَّ الضَّحايا مِن أفرادِ عائِلاتهم. تدفَّقت عبارات الأسف مِن كلِّ ثَغر، حتَّى مينجونغ.

«كانَت فاجعَة، لم ينجُ مِنها أحَد».

لم يرفَّ لي جَفن، كانَت القنوات التِّلفزيونيَّة ومواقِع التَّواصُل الاجتِماعيِّ مُفعمةً بالحَياة يومَها، كما يُغذِّي الموتُ البَعض، يغذِّي حماسِي غالبًا، إن لم يقتحِم جُدرانِي طبعًا.

بعدَ مجالٍ مِن الدَّردَشة الَّتي صُمت عَن المُشارَكة فيها، شرَعنا في إحماء أوصالِنا استِعدادًا للتَّقييم الشَّهريّ، استَغرقت ساقاي المتصلِّبتان للانفِراج في زاويةٍ مُستقيمة وقتًا طويلًا، جسَدي الآن أكثَر مرونةً مِن السَّابق. كافأتني المُعلِّمة الَّتي لاحَظت مَدى تطوُّري بإطراءٍ خالِص. كُنت سعيدةً لأنَّ مُستوى سوهي قد تدنَّى، إذ ربَطت نَجاحها بحِذاء مَشلول، وما اختَلفت مينجونغ عنِّي. في نِهاية الحصَّة، وبينَما نحنُ نغيِّر ثيابَنا كلٌّ أمامَ خِزانته، واسيناها ببراءَة.

«تدنِّي مرتبِك لمرَّة لا يَعني أنَّها النِّهاية، تشجَّعي».

افتَتحت مينجونغ مسرحيَّة التملُّق، وحالَما تحرَّرتُ مِن سِروالي الضيِّق احتَذيتُ بِها.

«مهارتُك لَن تتلاشَى لأنَّك فقدتِ حِذاءَك».

ربَّما عليَّ أن أترشَّح للأوسكار!

في مهلةٍ وجيزَة كانَت سرابيلُ الشَّارِع تحتلُّ جسَدي، حيثُ تغمَّدني بنطلونٌ مِن الجينز، وقميصٌ أبيض خانِق، أرفقته ببلوزةٍ سَماويَّة فضفاضَة، تركتُ جميعَ أزرارِها مَفكوكة، باسمِ الموضَة، وحِذاء رياضيّ ثلجيّ.

«فلنَذهب لتناوُل المثلَّجات يا فتيات».

ظننتُ أنَّ حِداد سوهِي سيدومُ لأسبوعٍ عَلى الأقلّ، شعرت بخيبةِ الأمَل، كأنَّ جميعَ جُهودِي لإحباطِها ذَهبت سُدًى.

«أنا مُتعبةً لا يُمكِنني المَجيء».

ما استَغرب أحدٌ رَفضي، يعلَمون أنِّي مُغرمةٌ بالعُزلَة، كذلِك مينجونغ تنصَّلت.

«وأنا أيضًا، لديَّ موعدٌ هامّ».

عِندما غادَرت النَّادي، لسَعت الحَرارة أديمي، كأنِّي واقفةٌ عَلى عتَبة الجَحيم، رغم أنَّها طفَّت مُقارنةً بالظَّهيرَة؛ ثانِي ما أمقته بعد حَياتِي المُضجِرة فصلُ الصَّيف، مَهما فتَّشت أدراجِي عَن صفةٍ حميدَة أتملَّقه بِها، لا أجِد إلَّا الخَواء.

كانَت السَّماء زرقاء خالصَة، لا تتخلَّلها أيَّة سحابَة، والشَّمسُ متشبِّثة بأكمامِها بينَما يدفعُها الوَقتُ نحوَ الأفق، والطَّريق مُزدحِمة. إنَّه ثالثُ يومٍ مِن الإجازَة المَدرسيَّة، لاشكَّ وأنَّ الجَميع وفَّروا قسطًا مِنها لزيارةِ الشَّاطِئ معَ أهلهم، لكنِّي سأقضيها مَع المُسلسلات الرُّومانسيَّة، والعَرق.

في موقِف الحافلات انفصَلت عَن مينجونغ، بِما أنَّنا نقطُن جانِبين مُختلِفين مِن المَدينة. عقِب رحيلِها ثبّتُّ السمَّاعاتِ بأذنيّ، وانتَقيت مقعدًا عشوائيًّا في الحافِلة، وترقَّبت وُصولي إلى محطَّتي بينَ هواجِس وتخيُّلات. في غُضون ربعِ ساعةٍ ترجَّلت، وانسَقت نحوَ منزِلي المندسِّ في شارعٍ فقير، بحاجةٍ إلى التَّرميم.

بينَما أمرُّ بجوارِ دُكَّان مشمَّع، أكَل الدَّهر عليهِ وشرِب، انسَكبت في وديان فِكري ذِكرياتٌ آسنَة؛ كانَ يُديرُه رجلٌ كَهل لطالَما تربَّص بي في طُفولَتي، احتالَ عَلى عَقلي النيِّئ ببضعةِ دُمًى، لينالَ منِّي ما يُرضِي سَقمه!

هُناك نَوعان مِن ردودِ الأفعالِ الدِّفاعيَّة ضدَّ مِثل هذَا النَّوع مِن الصَّدمات؛ التحرُّش. إمَّا الخوفُ المُطلَق مِن الجِنس الآخر، وإمَّا الانحِراف، وكالعادَة وِجداني عالقةٌ بينَهما. ما اختَبرته أرغَم عقلِي عَلى النُّضج، وولَّد لديَّ مشاكل في التَّواصُل مَع الذّكور، رغمَ أنَّ نفسي تتوقُ للحمايَة مِن شخصٍ مَكين، ربَّما لأنَّ غيابَ والِدي هو ما جَعلني فريسةً سائِغة.

نفضتُ الماضِي الموبوءَ عَن ذِهني أمام منزِلي المُصطبِغ بلونٍ عاجِيّ، ووارَبت بابَه الحديديّ المُطلِّ عَلى باحةٍ ضيِّقة.

«ماما، لقد عُدت».

عادةً ما ألمحُ خالَتي عبرَ نافذَة المَطبخ المُقابلة للمَدخل، لكنَّها لم تستجِب لي. لقد كفَلتني بَعد وفاةِ والديّ، سلَبتها الحياةُ حقَّ الإنجاب، فتخلَّى عَنها زوجُها في صِباها، كُنَّا مُقدَّرتين.

نزَعتُ حِذائي عَلى العتبَة المُترفِّعة عَن الثَّرى بشبر، ثمَّ اتَّجهتُ إلى غُرفتِها. وجَدتها طريحَة فِراشها الأرضيّ، وقدمُها اليُمنَى مُحاطَة بالجبيرة حتَّى رُكبتِها. عصَف بي الهَلع صوبَ مرتعِها، حيثُ انَطويتُ بجوارِها، موشكةً عَلى البُكاء.

«ما الَّذي جرى؟ كيفَ أصِبت؟»

كانَت خصلاتُها الحالِكة شأنَ مُقلتيها مقيَّدة بربطة عَلى قفا عُنقها، وملامِحها الَّتي شقَّقها الإجهادُ رغمَ أنَّها ما تزالُ أربعينيَّة مُتهالِكة. ربَتت عَلى كفِّي الجاثِي فوقَ مُلاءَتها، وبفتورٍ ابتَسمت.

«تعرَّضتُ لحادث عَمل؛ نسيت إحداهنَّ الأرضيَّة مبلولَة فتزحلقت بينَما أنظِّف الأرفُف، وكسَرت قَدمي، عَلى الأقلّ ما يزالُ ظهري سليمًا».

كيفَ يُمكِنها إلقاء النِّكات في موقِف مأساويٍّ كهَذا؟ مَنظرُها المَهزوم أدمَى قَلبي فاستَرسلت الدُّموعُ في مآقيّ وبكبرياءٍ كبَحتُه.

«هل الإصابَة خطيرة؟»

«أخبَرني الطَّبيب أنِّي لَن أنزِع الجبيرة لمدَّة شهرٍ كامل».

سُرعان ما انطفأت قناديلُ فمِها، وأفرَجت عَن زفرةٍ مهمومَة. رمَقتني بتردُّد، كأنَّ في جُعبتها كلامٌ تهابُ الإفصاحَ عَنه، نابَ عنه الرَّجاء لاحقًا.

«لقد حَصلت عَلى الوظيفَة بشقِّ الأنفس، أخشَى أن تخلُّفي سيكلِّفني خَسارتها رغمَ أنَّه مبرَّر، أريدُك أن تستلِمي محلِّي مُؤقَّتا».

تقلقلت شَفتاي، قبلَ أن أهتف بصَدمة.

«ماذا؟ تُريدين أن أذهَب للعمَل في السِّجن؟»

ما كانَت بيدي حيلة سِوى الانصِياع لمصيري؛ نحنُ لا نمتلِك مصدرًا آخر للدَّخل، بالكادِ يُغطِّي راتِبها مصاريفَ معيشتِنا وتعليمي. لم أطلِع أحدًا أنَّ أمِّي منظِّفة في سجنِ دايجو، حتَّى صديقَتي المقرَّبة. الوظيفَة شريفَة لكنَّها ليسَت مدعاةً للفَخر، وفُؤادي الفتيّ مُحرج مِن البَوح، جميعُنا نتمنَّى لو نَحظى بحياةٍ فاخِرة، يُمكِن لألسِنتنا التَّباهي بها!

الغوصُ في وَكر المُجرِمين مشوِّق وموجلٌ، يضخُّ الأدرينالين في شراييني مِن جهَة، إذ أميلُ إلى الشَّخصيَّات الشرِّيرة دائمًا، ربَّما لأنَّها أصدَق مِن الشخصيَّات الخيِّرة وأقربَ إلى الواقِع؛ ففي رحم كلٍّ منَّا جنينُ ظلام. ويستغلُّ ماضيَّ ليُخيفَني مِن جهةٍ أخرَى.

غداةَ اليومِ المُوالي؛ الاثنين، تفتَّح جَفناي عَلى نغماتِ المنبِّه الصَّاخِبة، تمامَ السَّاعة السَّادِسة، المسافَة بين سول ودايجو قصيَّة، يجبُ أن أبلغَ المُعتَقل قبلَ الثَّامِنة. اكتَسيت قميصًا فضفاضًا أسود، واكتَفيت بفنجانٍ مِن القهوَة السَّوداء. حملتُ حقيبَتي الَّتي شحنتها أمِّي بصندوقِ طعامٍ غان، ثمَّ قصَدتُ المَحطَّة، والوَسن معشِّش على أهدابِي.

وصَلتُ في الوقتِ المحدَّد، كانَ المَبنى أشبَه بحصنٍ مَنيع تُحيق بِه أسوارٌ ذاتُ حوافٍ شائِكة. سَلكت البابَ الخاصّ بالموظَّفين، بعدَ أن أبلَغت الحارِس عَن التَّغييرِ الَّذي طرأ، سمَح لي بالمُرور مُباشرةً، كان يتوقَّع حُضورِي نيابةً عَن أمِّي.

اقتَفيتُ الخَريطَة الَّتي رسَمتها كلِماتُ أمِّي في ذاكِرتي البارِحَة، وقطَعتُ رِواقين مديدين، قبلَ أن أتناهَى إلى حجرةِ عامِلات النَّظافة، حيثُ يودِعن أمتِعتهنَّ طوال فترةِ الدَّوام. نقرتُ البابَ بخفَّة ثمَّ دلفت مُترعةً بالقلق، استَقطبت أربعَة أزواجٍ مِن الأعينِ المُستغربَة. المرأة الَّتي يُفترَض أن تُرشِدني أثناء يومِي الأوَّل تعرَّفت عليّ

«أنتِ ابنة هايون؟»

ملامِحها قاسية تليقُ بالوَسط، كمَا وصَفتها أمِّي تمامًا. انحَنيت باحتِرام.

«يو أرلين».

«لقد اتَّصلت هايون بالأمسِ وأخبَرتني أنَّ ابنَتها ستحلُّ مكانَها ريثما تتعافَى».

أزالَت السيِّدَة كانغ اللُّبسَ عَن وجوهِ الخادِمات الثَّلاث فانصَرفن إلى شُؤونهنَّ، إلَّا امرأةً وحيدَة انكسَر جَفناها شفقةً عَلى حالِي.

«المكان خطير عَلى صبيَّة يافعةٍ مِثلك، توخَّي الحَذر ولا تختلِطي بالسُّجناء حتَّى وإن تعرَّضت للمُضايَقات، أخلاقُ البَعض في الحَضيض».

ابتَسمتُ بامتِنان، رغمَ أنَّ تحذيرَها أربَكني، لاشكَّ وأنَّها سويونغ أقربهنَّ إلى الخالَة. منَحتني السيِّدة كانغ اللِّباس الموحَّد الَّذي يشمُل قميصًا داكِن الزُّرقَة وسِروالًا أسوَد، ثمَّ أعارت سمعَها لعاملةٍ ذات عينين عَسليَّتين، كنَّ يمضغن سيرةَ سجينٍ ما نقِل حديثًا بتلذُّذ كالعِلكة، الثَّرثرة الجانِبية هي ما يهوِّن عَلى الكواهِل أثقالَ الإرهاق، أعترِف أنَّ الغيبَة هوايةٌ ممتعَة.

«سمِعت أنَّه مجرمٌ دوليّ خَطير، كوريُّ الأصل ولكنَّه قضَى حياتَه في روسيا كرجُل مافيا، لا أدرِي لماذا استَباحت دولتُنا استعادته الآن!»

جميعهنَّ تجاهَلن وجودِي، دونَ أن يُطلِعنني عَلى هويَّاتهنّ. لحُسنِ الحظِّ كشَفت لي أمِّي ما يميِّز كلًّا منهنّ، فالمتسلِّطة هِي السيِّدة كانغ، النمَّامَة السيِّدة مين، اللَّطيفة سويونغ، والمائِعة جييون.

«هُو فائِق الوسامَة، رأيتُه البارِحة في السَّاحة».

نطَقت جييون أشدهنَّ فُتوَّة، وتلقَّت ضربةً موجعةً عَلى كتِفها مِن قبل السيِّدة كانغ.

«ما مِقدار ثَروته ليحتكِر الحمَّام لنفسِه رغمَ القوانين الصَّارمة؟ لم يسبِق وأن شهِدت انتهاكًا مشابهًا طوال سنوات عَملي العشر هُنا!»

حديثهنَّ أثارَ اهتِمامي، تمنَّيتُ لو يُمكنِني سُؤالهنَّ عَن هويَّته، لسوءِ الحظِّ أعانِي مِن مشكلةٍ في الانخِراط مَع مَن هم أكبَر منِّي سنًّا. ارتَديت الزيَّ، ثمَّ جدلتُ شَعري عَلى جانِب عُنقي الأيسَر لئلَّا يُزعِجني.

حينَما تأهَّبت السيِّدات للشُّروع في العمل، تبِعتُ الخادِمة كانغ إلى غُرفَة المعدَّات. لمحتُ الحُرَّاس يرمُقونَني بشيءٍ مِن الفُضول، وشُهب الشَّبق تمخر عيونَهم، لولا أنَّنا ما نزالُ على قيدِ السَّير لاخترَق ارتجافِي أبصارَ الجَميع. حصلتُ على دلوٍ خاو، ممسحَة مطَّاطيَّة وقطعَة قماش.

بعدَ أن نسَجت سلسلَة مهامِي على مسامِعي، رحتُ أنظِّف أحَد الأروِقة المِندرجَة ضمنَ نِطاقي بتفانٍ. عندَ موعِد الغَداء، أخذنَا قسطًا من الرَّاحة لترميمِ طاقاتِنا، من ثمَّ استأنَفنا الكَدح. حالَما لمَحت السُّجناءَ يُساقونَ نحوَ زنزاناتِهم عائِدين مِن الحمَّام، نقلت مُعدَّاتي إليه، يُفترض أنَّه آخر محطَّاتي، وعليَّ الانتِهاء مِن تجفيفِه بسرعةٍ لو أردتُ إدراكَ الحافِلة قبلَ الغُروب.

اغتَنمتُ فُرصَة اختِلائي بنَفسي بينَ جُدرانه النديَّة، ودسستُ السمَّاعاتين في أذنيّ، عسَى أن أضفِي رذاذ المُتعَة على هذه اللَّحظات الفارِغة، صُحبَة الموسيقى تؤنِسني خِلال التَّنظيف. حدَث وأن دشَّنت القائمَة أغنيَة مؤدَّبة لنيكي ميناج، Anaconda. دندنتُ بينما أتمايَل برويَّة.

-This dude named Michael used to ride motorcycles, Dick bigger than a tower.

وأدتُ بينَ شفتيَّ ضحكَة. جرفني حماسي إلى جُرفِ الغفلَة، وتزامنًا واحتِدام الإيقاع، انتفَضت مؤخِّرتي بجُنون، كانَت إحدَى يديَّ متشبِّثة بوتدِ الممسحَة، والأخرَى مثنيَّة في الفراغ بعشوائيَّة. أحيانًا أرقص التويرك في المَنزل.

-By the way, what he say? He can tell I ain't missing no meals...

المقطعُ الرَّئيسيُّ للأغنيَة يستعمِر ذاكِرتي، وعندمَا اندلعَ للمرَّة الثَّانية، عبرت كلِماته ثَغري بصخَب.

-My anaconda don't, my anaconda don't want none unless you got buns hun.

في الخِتام وثبت ورفعتُ ساقِي بمُرونَة حتَّى فاقت رأسي. حينَما ارتَطمت نَظراتي بالمِرآة فجأة، وتعثَّرت بانعكاس رجل شبه عارٍ، التَهم الفَزع تَركيزي، فالتَوت قدمي، وكَبوتُ عَلى الأرض. فارَقت السمَّاعات أذنيّ، ولشدَّة السَّقطة تطايَر غطاءُ إحداها بعيدًا. ظننتُ لوهلةٍ أنَّه سراب، أحيانًا أتصوَّر أنَّ أحدَهم يختلِس النَّظر إليَّ وأنا أمتَطي النَّغمات، فينبهِر برقصِي المُعاق، وأعيشُ الدَّور كأنِّي في رِواية رومانسيَّة!

لم يكُن خيالًا، إذ تحلَّى بَصري بخلقةٍ وسيمَة، وتخلَّى قَلبي عَن نبضاتٍ مرتبِكة، وانجَلى الخَجل في خديّ، لقد قُبِض عليَّ متلبِّسة بالاستِهتار والاختِبال. ما يزالُ راسخًا عَلى عتبةِ المَدخل المُؤدِّي إلى بقعَة الاغتِسال، ساعِداه مَبرومان، شأنَ حاجِبيه المُشذَّبين، خصلاتُه السَّوداء الَّتي أثقَلها الماء مُنداحةٌ عَلى جبينِه، وحولَ خصرِه مِنشفة بيضاء. رصَدتُ بينَما أتصفَّحه وشمًا لسيفٍ تُعانقه أشواكٌ مَختومةٌ بوَردة، يحتلُّ عُنقَه، يشبِه قلادَتي الفضيَّة إلى حدٍّ بعيد. وآخر لكتابةٍ عموديَّة فوقَ خصرِه، ما خوَّلتني معرِفتي عَلى فكِّها.

«مَن تكون أنت؟ مُنذ مَتى وأنتَ هُنا؟»

تأتأت عقبَ صمتٍ بليغ، لاشكَّ وأنَّه رأَى الحَركات الغريبَة الَّتي أديتُها مُنذ قليل. خسِئت نَظراتي إلى الأرضِ بإحراجٍ وانفلَت منِّي نحيبٌ مَلحون.

«ولماذا أنتَ نصف عارٍ؟»

نظَمت شَفتاه تمتمةً مُبهَمة على وزنِ السُّكون، ما استطعت استيعابَها، فوطأت نَظراتي ترائِبه المعضَّلة. ارتدَّت ذاكِرتي بساعاتٍ إلى الوَراء، وتساءلت ما إذا كانَ ذاته الرُّوسيَّ الخَطير، لكنَّه يبدو كوريًّا!

«أنا مَن عليه أن يطرَح الأسئِلة هُنا، لقد أوصَيتهم بوضوحٍ ألَّا يسمَحوا لأحدٍ بإزعاجِي».

تسلَّلت يدِي نحوَ هاتِفي الغارِق في قعرِ جيبِي، وقبلَ أن تطالَه أنامِلي، جثا الرَّجل بجوارِي وكبَّل معصَمي بخُشونَة، خيَّم عليَّ كليلٍ مَهيب، ومِن جَفنيه الكَليلين، كأنَّهما مُكتحِلين بالوَسن انبثَقت نوايا عليلَة، خَطفت أنفاسِي وألقتها في فَجوة الوَجل.

الآن وقَد أعدَم الفاصِل بينَنا، انقَشع الضَّبابُ عَن معالِمه، وجهه مدينةٌ كلُّ شوارِعها مُخمليَّة مُتقنَة التَّصميم، فارغَة الصّميم. حدقتُه اليُمنَى عسليَّة، والأخرَى فيروزيَّة، وحولَ محجَريهما المَنقوشَين كريشَة خلاخيل رفيعَة. على جانبٍ من ناصِيته تستلقي حزمةُ شعرٍ بيضاء باهِتة، ليسَت شيبًا بل طفرَة. كانَ نموذجًا ربَّانيًّا بلا عُيوب يحفُّه الغُموضُ كالأدَب، ومثلَ الموتِ مهيب!

أعتقني الشُّرود وأسَرني الإحراج، إذ أدركتُ أنِّي أسهبتُ في استِطلاعه.

«لا أنوِي التقاطَ صورٍ لك، هل تظنُّ أنِّي مُنحرفة؟ سأستعين بترجَمة غوغل لأفهم اللُّغة الفضائيَّة الَّتي تتحدَّث بِها

أخرجتُ الهاتِف واختَرت اللُّغَة الرُّوسيَّة في تَطبيق التَّرجمة، بما أنَّ الأجنبيَّ الوحيد الَّذي سمعتُ عنه هنا روسيّ. كانَ عليَّ أن أكتشِف حينَما أمالَ رأسَه ببرودٍ، وانتَظرني لأنفِّذ فِكرتي الفذَّة أنَّه فهِمني، لَما تملَّكني الذُّعر عندَما أزاحَ الصَّوتُ الآليّ اللُّبس عَن كلماتِه الثَّخينَة.

«ماذا لو كلَّفك الفَهم حياتَك؟»



Guess who's here 😎

يوكشي الكتابة بالوسط تفوز 😳🚶 راحة نفسية.

القصة مش كئيبة باي ذواي 😂😂 كانت المقدِّمة سودا نوعا ما بس الأحداث حمرا مع رشَّة كوميديا، ما اقدر أستغنى عن تفاهتي

اعترف أني أرقص على أناكوندا ولما أوصل للمقطع يلي ضحكت فيه أضحك 😂🏃

اي ثينك أول رواية ليا أحداثها تكون بفصل الصيف البقية كلهم إما بالخريف أو الشتاء لأنهم حميميين أكثر شي 🚶🌚

البنت شخصيتها واقعية، تعاني صراع داخلي، مو لازم تكون البطلة مثالية والأحسن فمجالها دائما، أكيد الأغلبية هون عانو حتَّى قدرو يكتشفوا مواطن قوّتهم والبعض لسا يكافحو، والبعض عندهم هوس يكونو الأفضل أو الوحيدين وما يقدرو 💔

تشبهني آرلين بموضوع الكبت، لايك مستحيل فكر شارك حدا أفكاري المظلمة جرَّبت مرّة وكانت النتيجة سيِّئة 😂 بيكهيون شخصيَّة البطلة ترتاح لها لأنو أسوأ منها، ما رح يحكم عليها

شو رأيكم بالفصل!

السّرد مفهوم!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

بيكهيون!

آرلين!

مينجونغ!

كيف تكون ردة فعلها!

كيف ممكن ينتهي لقاءهم!

توقعاتكم للفصل الجاي!

هيك شعر بيكهيون تقريبا، بغض النظر عن الشيب هنا وهناك دي تحديدا طفرة بتكون مع الشخص من لما يولد 😳😍

دمتم في رعاية الله وحِفظه ☀

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro