Boundaries| 06
الفَصل 06: حُدود.
كانَ ثَرى أيَّامي مبطَّنًا بالمَطبَّات، تنتَأ عَلى بُعدِ اطمِئنان مِنِّي، فلا أنتبِه إلى وجودِها حتَّى تقذِف عَجلاتِي في الهَواء، ولا يُمكِنني أن أزيغَ عَنها، لأنَّ الأوانَ قَد فات عَلى احتِرازها، وحال الهُبوط تسقطُ مِن عربتي شهقات زمعٍ حسيرَة.
صرتُ أخشَى التوغُّل في غاباتِ العُمرِ الَّتي تعجُّ بوحوشِ المُفاجآت، وبوحشةِ الغُربَة لشخصٍ اجتبَى التِّرحال مُنفردًا مثلي. اكتَشف أنَّ النَّاس لا يدومون، بل محضُ إدمان، ستأتِي اللَّحظة الَّتي يصيرُ فيها مُشكلةً أخرَى بحاجةٍ إلى عِلاج. آفاتي النَّفسيَّة كافيَة، ذلِك لأنَّ سلطاتِي عاجزةٌ عَن احتِوائها، أو زجّ جذر علَّتي خلفَ القُضبان. لو عُرِف السَّبب بطلُ العَجب، ولطالَما كانَت طبائِعي مِن إحدَى العَجائِب، وما أزالُ بالنِّسبة لنَفسي مُعضلة!
أنا الَّتي لا أقومُ مِن انكِسار إلَّا لأنكسِر ثانية. لا يسمَح لي الزّمن بترميمِ روحي إلَّا ليقوِّضَها ولا بمُداواة قَلبي إلَّا لينكأ جِراحَه، كأنَّه يستَمتِع برُؤيتي أركُض نَحو الأمَل ليتبيَّن لي في الأخير أنَّه مجرَّد سرَاب. لقَد سئِمت من الأهوالَ الَّتي تُطارِدني بينَ بُلدان الحُبور، رغمَ أنِّي انتَحلتُ هويَّة الاتِّزان، وامتَهنتُ التصنّع حتَّى صدَّقت أكاذيبي الحُلوَة، تطرُق بابي بعصبيَّة تكادُ تصير بربريَّة، وفي أزقَّة الظَّلام تعتَدي عَليَّ دونَما عطفٍ أو رأفة.
شمَت الرَّجلانِ ببنيتي المُرتجِفة وحدَقتاي العاجِزتان عن النَّظر إليهما. مِن حينٍ إلى آخر كانَ صاحِب وشمِ الأفعَى يقرِّب يدَه منِّي، وعِندما أحتضِن حقيبَتي إلى صَدري، وأنكمِش عَلى نَفسي يقهقه. أنا العاصِفة الَّتي أفسَدت محاصيلَ خطَّتهما، انعدَم مفعولِي الآن، لأنَّهما جبلان ولست بندٍّ لهما فُرادَى.
علِمت أنَّ هذِه الأمسيَة لَن تنتهِي عَلى خير، لقد حالَفني الفألُ مرَّة، ولَن يمنَّ عليَّ بمنقذ. كانَ عليَّ أن أتوخَّى الحَذر، ظننتُ أنِّي نَجحتُ يومَها في التخفِّي، وربَّما الحارِس هو الَّذي أقنَعه بأنِّي مَن بلَّغت عَنه لبيكهيون، بنيَّة ضربِ عصفورَين بحَجر.
ضحكَ كِلاهُما كالنِّساء في مجالِس النَّميمَة، فخوران بتنمُّرهما عَلى مُراهقةٍ ضعيفَة، مُستعرِضين عضلاتِ رجولتِهما النَّابيَة. كانا يطلِقان النِّكات عَلى العبراتِ المُحتشِدة في عينيَّ وأنفاسِي المتهدِّجة، يمهِّدانِ لعقابٍ أعظَم مِن السُّخريَة. صمَّ الصَّخب بداخِلي صوتيهما البَغيضَين، وشدَّدتُ في احتِضان الحَقيبة الَّتي تحمِل بَصمات بيكهيون، كأنَّها تربت عَلى قَلبي، تُشعِرني أنَّه مَعي. سُرعان ما قبضَ بارك عَلى حِزامها المَعدنيّ وجَذبني نَحوه.
«فلتَجثي عَلى ركبتيك ولتتوسَّلي أن أصفَحك عنك، حينَها سأسمَح لك بـ...»
انقَطع حِزامُ الحَقيبة، وانزَلق طرفُه الثَّاني عَن كتِفي، في حينِ ما يزالُ الآخر مقيَّدًا بكفِّ بارك. جحظت عَينايَ وشاهدتُ عَزيزتي تُبتر في مقصلَة استِهتاره. سادَ صمتٌ لحظيِّ بينَ صَدمتي العارِمة، وانشغالِه بقراءَة ملامحي الفارِغة. شيئًا فشيئا اندَثر الخوفُ في صَدري، وانفلَتت أعصابِي.
«ياه، ما الَّذي اقتَرفته؟ أتجهلُ أنَّها حقيبة غوتشي أصليَّة أيُّها اللَّعين حتَّى وإن بِعت إحدَى كليتيك فلَن تسدِّد ثمَنها؟»
أنا شخصيَّة مُسالمة، ولكنَّ نوبات غَضبي مدمِّرة، وغالبًا ما أكون ضحيَّتها الوَحيدة. آخر مرَّة عصَب بصيرتِي كِدتُ أرتكِب جريمَة. سيطَر الحنق عَلى حُكمي، وصررتُ عَلى أسنانِي.
«لقد كانَت هديَّة».
طرَق صَدغي بسبَّابته.
«أتجرُئين عَلى مُحاسَبتي؟»
ما لبثت قواطِعي وأن أنشبت عَلى حافَّة يدِه الغَليظَة بقوَّة، ما كُنت لأحرِّك ساكنَة لو آذاني شخصيًّا، ليسَ لأنِّي لا أريد بل لأنَّ الضّعف لن يأذن لي بالمُقاومَة، كذا خَوفي من زيادَة وضعي سوءً، غير أنَّ تخريبَه لأعزِّ ما أمتلِكه في الوَقت الرَّاهِن غَسل دِماغي.
تأوَّه الرَّجل بألم، واختَرقت دماؤه حَلقي، استَطعمت صدأها. المشاعِر الحالِكة الَّتي لبَّدت فِكري حَجبت عنِّي مصيري، والنَّدم الَّذي ينتَظرني في النِّهاية.
«ابتعدي عنِّي أيَّتُها المَسعورَة، هل أنتِ كلب لتلوذِي بأسنانِك؟ سأكونُ موتَك!»
نالَ الحارِس المُعتَدي ياقَة قميصِي مِن دبرٍ وأعالَه على التخلُّص منِّي، عقب ثوانٍ مَعدودَة قَذفني عَلى الأرضيَّة بهمجيَّة، وقُبالَتي تهالكَت حقيبَتي المَعطوبَة. بطرفِ عيني لمحتُ قدمَ الملقَّب بارك تستعدُّ لرَكلي، فتقوقَعت بينَ ذراعيّ وحميتُ رأسي. قبلَ أن يفجِّر قنبلَة ألمٍ بجَسدي داهمنا صوتُ أحدهم.
«اثنان عَلى طفلة، الرُّجولَة تتبرَّأ مِنكما».
أخفضتُ ذراعيّ حتَّى تتسنَّى لي الرُّؤية. استَدار بارك بتبرُّم وغمغم.
«ذيلُ الرُّوسيّ».
كانَ مينسوك واقفًا على بعدِ مسافةٍ معتبرةٍ منَّا، بزيِّ الشُّرطَة الموحَّد. أجَّل بارك مُحاسَبتي، وودَّ الاشتِباك مَع مينسوك يدويًّا، لكنَّ الأخيرَ بدا مُحنَّكا في الفُنونِ القِتاليَّة، إذ تفادَى لكماتِه ببراعَة، ثمَّ قلبَه عَلى كتِفه ونثرَه بالأرضيَّة مثلَ كيس رمالٍ لا حَول ولا قوَّة له، رغمَ أنَّه المتفوِّق مِن ناحيةِ الطُّول. الحارِس الجَبان تقهقر بخطوةٍ حينَما لمَح الطَّاغيَة مغلوبًا عَلى أمرِه، وأيقَن أنَّ هذا الرَّجل أقوى منه.
كانَ مضطرًّا للبقاء، بما أنَّه الشَّخص الَّذي أخرج بارك من زنزانَته في مثلِ هذا الوَقت. طأطأ رأسَه بينما يدنو مينسوك منه ظنًّا أنَّه التَّالي على قائِمته لكنَّه تجاوَزه إليّ، مفسحًا له المَجال لترتيبِ فوضاه. عمَّ الاستغرابُ ساحَتيّ البُنيَّتين، وتساءلت عن سبب ظهور مينسوك في الوَقت المُناسب، راوَدتني أفكارٌ غريبَة بما أنَّه ظلُّ بيكهيون لا يبتعِد عن محيطِه، أفكارٌ غبيَّة كأنَّه أوكَله بحمايَتي.
رحلَ الرَّجلان بقلبين ممتلِئين بالضَّغينَة، في تلكَ الأثناء جلس مينسوك أمامي مفسدًا خلوتي.
«هل أنتِ بخير؟»
سقَطت بتلات جَفنيَّ النديَّة على الحقيبَة الصَّريعَة في حِجري، وانتحبت.
«لست بخير، لقد مزَّق الوغد حَقيبتي، هل تراني بلا أطراف أو شعر؟ لماذا مزَّق حقيبَتي؟»
كفكفتُ دُموعِي المنهمِرة بغَزارة، وشرعتُ في النُّهوض عن الأرضيَّة حيثُ أمسكَ بكتفيّ وساعَدني دونَ الإدلاء بكلمَة.
انحنيتُ له قائلةً:
«شكرا عَلى إنقاذِي».
-
أنا رجلٌ قرير مِثل كانون، العيشُ في شَوارِع وجدانِي الفقيرَة بانتِظار لفتةٍ مِن سُلطاتِ شفقتي عَسير، بل وقطبٌ متجمِّد، لو شيَّد أحدُهم عَلى قاعي العَتيد قصورًا مِن الآمال ظنًّا أنَّ ربيع الاهتِمام سينصِفه لغرِق في أعماقِ القُنوط يومَ يذوبُ صَبري!
قلبي جَلف لَن يحيى مهما لثَّمه الكَلف، حصونُه منيعَة ما فتِحت أبوابُها أمامَ المَشاعِر النَّبيلَة قطّ، وروحِي ضَحلة، لا تُفلح جُذور الملأ في الامتِداد إلى أعماقِها أبدًا. تعلَّمتُ مُنذ نعومَة أظافِري أن أديرَ حياتِي بعَقلي، فأقصيتُ ضميري مِن حزبِ التَّفكير، تعلَّمت ألَّا أثِق بأحدٍ غيري، لأنَّ الجميعَ يتبدَّلون في نُقطةٍ ما، والحُلفاء يتحوَّلون إلى أعداءٍ أحيانًا.
يصيرُ الحبُّ بينَ يديّ أشخاصٍ حالِكين مِثلي نحبًا، وللنَّاقمين نخبًا في مأدبةِ الشَّماتَة.
لستُ رجلًا تتحكَّم فيه الغَرائِز، رغمَ أنِّي لا أرفُض دَعواتِها إلى محافِل الإناثِ الرَّغداء، طوالَ عُمري المَديد، امرأةٌ وحيدَة هِي الَّتي شقَّت طريقَها في شَرايين اهتِمامي لكنِّي قمعتُها، أمَّا غيرُها فمحضُ نزواتٍ تُغبر ما إن تُمطِر عليّ. أرلين غريبَة، ما هي بنَظري صفَقة سريريَّة مُربِحة، ولا فكرةً شاعريَّة أخطِّط لتَدوينها، ساعدتُها لأنَّها مُراهقةٌ صغيرة في السنّ، اضطرَّت للعَمل بينَ المُجرمين، هي نكرة وخطرة في الآن ذاتِه!
كلَّفتُ مينسوك بتتبُّعها عقِب شِجاري الطَّاحن مَع بارك تشانيول؛ كانَ اكتِشاف هويَّة النمَّام مسألَة وقت، بما أنَّها تحومُ حَولي باستِمرار، وليسَ مِن باب العَطف بل مِن بابِ المَسؤوليَّة، رغمَ أنَّها مَن ورَّطت نَفسها برعونة مَع شخصٍ مُظلم.
أخبَرني مُنذ قليلٍ أنَّه اعتَرض طَريقَها معَ أحد الحرَّاس، علمتُ على الفَور أنَّه المتحرِّش، كما سجَّل مقطعًا يفتضِح فعلتهُما حوَّلته إلى هاتِفي. أعرف أنَّ الفَتيات يُقدِّسن أغراضهنّ كما نقدِّس نحنُ الرّجال سيَّارتنا، لكن أن تقلق عَلى الحقيبَة أكثَر مِن قلقها عَلى نفسِها لهُو ظاهرةٌ نادِرة، ليسَ وكأنَّها مميَّزة. طلبتُ مِن مينسوك أن يبتاعَ لها حقيبَتين، مِن ماركتين مُختلِفتين كتَعويض.
الآن يسعُني استِعبادُ تشانيول، واقتِلاع شوكَة غُروره. تحيَّنتُ موعِد الفُسحَة بفارِغ الصَّبر، حالَما أزال تابِعي الأغلالَ عَن معصميَّ وتسنَّى لي التوغُّل في السَّاحَة، لقفت كرَة السَّلة الصَّلبة، وقذفتُها نَحو رأسِ تشانيول الَّذي كانَ منهمكًا في استِعراض مهاراتِه. استَدار إلى الخَلف مستعدًّا للشِّجار مَع الجانِي صارخًا.
«مَن العاهِر الَّذي تجرَّأ على إصابتي؟»
ازدادت رغبتُه في الحرب حينَما اكتَشف أنِّي هُو، وهروَل ناحِيتي بقبضَتين مَشحوذَتين. توقَّعتُ أنَّه سيسدِّد لكمةً طائشَة، ما إن يشارِف على حدودي، حيثُ أملتُ رأسِي جانبًا وتحاشيتُها.
قبلَ أن يشنَّ عليَّ غارةً أخرَى قُلت:
«مَعي تسجيلٌ لَك وأنتَ تعتَدي عَلى مُراهقة، في فترةِ الاحتِجاز».
تخثَّرت الثِّقة في وَجهه، وكم انتَشيت حينَما تجرَّعت الخوفَ المتحجِّر في محجريه. يعلم أنَّ فترة حكمه ستزيد لو كشَفت ورقتي الرَّابحة. تحلَّى شدقي بشبرِ ابتسامةٍ ماكرة، وطُفت محيطَه مضمرًا سخطي.
«لقد شوَّهت سُمعَة العِصابات الكوريَّة بنَظري، هل جميعُكم تتصرَّفونَ كمتنمِّرين في المَدرسة الثَّانويَة؟ تهديدُ طفلة لا علاقَة لها بصراعِنا خُطوة هُواة!»
استَكنت خلفَه، وبعدَما سيطَر على أعصابِه التَفت نَحوي. الآن وقد أدرك أنِّي لست فريسةً سائغة، قرَّر تملُّقي، لكنَّه أخطأ في اختِيار المَوضوع.
«لم أكُن أعرِف أنَّك بيدوفيليّ بيكهيوناه، أتحظَى بعلاقةٍ غراميَّة مَع عاملةٍ بينَ جُدراني السِّجن؟ سأسرُّ لو سمَحت لي باستِعارتها مِنك».
دمَّرت كلماتُه العابِثة عُرسَ نصري بإذعانِه لي، ربَّما اعتادَ على مُناقَشة شؤونِه اللَّيليَّة معَ أصدقائِه للمرَح، وظنَّ أنِّي مثله. كيفَ يجرُؤ على رَبطي بفتاةٍ مراهقة؟ عاهدتُ نَفسي ألَّا أثأرَ لها، مَن هِي لأردَّ له الصَّاع نيابةً عَنها، لكنَّ قبضتي ما طَاوعتني، ووجدتُني منهالًا عَلى معدتِه بالضَّرب.
ما تشبَّع غَليلي حتَّى أبصرتُ الدِّماء تنزلِق مِن أنفِه عقبَ هجمةٍ شحنت فيها كامل حِقدي. بطرفِ يده ضمَّد نزيفَه، في حين سحبتُه من منتصفِ قميصِه نَحوي وهسهست.
«هي خطٌّ أحمَر، المِسها مِن جَديد وسوفَ أقتلك».
بيدوفيليّ؟ أنا مكبٌّ لكلِّ النيَّات السَّوداء لكنِّي لا أميلُ للنيِّئات.
لم يَكن دُخول السِّجن جزءًا مِن خطَّتي بل مكيدَة مِن نسجِ كريستيان وسأحاسبه عَلى خُبثه حالَما أتحرَّر، وبِما أنِّي زججتُ فيه عَلى أيِّ حالٍ حِكتُ مِن خيوطِ الحاضِر مُستقبلًا يخدمني.
لا أستطيعُ استخلاصَ أيِّ منفعةٍ مِن التورُّط مَع مُراهقةٍ بينَ جُدرانه. يسيرٌ أن تزلَّ بخفقةٍ فتسمِّيها حبًّا، ثمَّ تواصِل إزعاجِي في الأرجاء وحصدِ الأنظارِ نحوَنا، بقاؤُها في نِطاقي مِن شأنِه أن يُؤذِي كلينا، توجّب عليَّ أن أحرصَ على ملازَمة الحدود، أنا الَّذي ما سمحتُ لأحدٍ بأن يتبرعَم فيّ، لطالَما اقتَلعتُ الأشخاصَ مِنِّي وهُم بذور!
نافِذتي مطلَّة عَلى الحديقَة المؤدِّية إلى المَخرج الثَّاني، ولأوَّل مرَّة تسنَّت لي رؤيتُها تلوذُ بالرَّحيل مساءً في سرابيلَ عاديَّة. توالَت الأيَّام وكلَّما أجهضَها الدَّوام وقفتُ أمامَ النَّافِذة لأتحقَّق مِن مُغادرتِها، حتَّى أتفادَى أيَّ لقاءٍ غيرِ مرغوبٍ بها في المَكتبة، لاحَظتُ أنَّها لا تفضِّل الفَساتين كغيرِها مِن الفَتيات في هذا الفصلِ الحارِق، ولا الملابِس الكاشِفة لساقَيها، لطالَما تغمَّدتهما بناطِيل من الجينز.
أحيانًا أرصدُها على الجانب الآخر لسياج السَّاحَة تبتهِل انتِباهي، وعندما يلوكُ اليأسُ الآمال المتعلِّقة بشَدقيها، تنصرِف عابِسَة. تقاطَع طريقَانا في الممرّ ذاتَ ظهيرَة، ابتَسمت لي ولمينسوك أيضًا، وناجَتني عيناها أن أكلِّمها عبثًا. هي تعيرُه وقتها مذ تدخَّل لنجدتِها، أتُغرَم بكلِّ رجلٍ أنقَذها؟
لم أرَها مساءً، ربَّما غادَرت باكرًا اليَوم. ذهبتُ إلى المَكتبة للمُطالَعة، وثويتُ الأريكَة المُريحَة وبينَ يديَّ ذاتُ الكِتاب الَّذي افتتحتُه سابقًا. ما انبَرى مِن لحاء الزَّمن إلَّا شذورًا قليلَة، وها قد انجَلت نُصبَ عينيّ بطلعةٍ بريئَة؛ خصلات شعرِها مصفَّفة إلى جَديلَتين طَويلتين، ويكسو قوامَها القصير رداءٌ مِن قطعةٍ واحِدة قسمُه العُلويّ يحاكِي مئزرًا يطمرُ قميصًا أبيض، والسُّفليّ سروال؛ سالوبيت. وكآخر لمسةٍ تزيَّنت بالحقيبَة الَّتي أحضرتُها لها.
«قبضتُ عَليك أجاشِّي، كيفَ لك أن تهديني حقيبَتين تقدَّران بثروَة ثمَّ تتلاشَى مِن حياتي كالسَّراب؟»
كشَّرت باستِنكار، وما تزالُ تتصرَّف أمامي براحةٍ مطلقة، كأنِّي أحد أقرانها، رغمَ كلٍّ من الفارق العُمريّ والأخلاقيّ بينَنا. ترقَّبت منِّي عذرًا، وما أنا برجلٍ يخشى عَلى قلوبِ النَّاس من الأذى. انغمستُ بينَ السُّطور وقلت ببرود:
«الهَدايا في لغةِ المافيا تَعني تصفيَة الدَّين، بصيغةٍ أخرَى لستُ راغبًا في أن تربِطني بك أيَّة علاقَة».
استضفتُ نظراتِها المحبطَة في حجرتيّ.
«لا أريد إهدارَ وقتي عَلى مُراهقة».
هاجرتها أسرابي بلامُبالاة وحطَّت على الصَّفحة. خلتُ أنَّها ستنسحِب كأيِّ امرأةٍ ثُقِبت كرامتها، نسيتُ أنَّها طفلة ومهما زَجرت الأطفالَ يعودون.
«لقد أهدرت عليَّ المال لا الوَقت، فجدولك فارِغ كما سبَق وأن أخبَرت الطَّبيبة».
ما يزال موضوع الطَّبيبة يشغل بالَها، لطيفَة.
لم تكُن نواياها مشوبةً كأيِّ أنثَى تعتكِف في مِحرابي، وعيناها صافِيتان من الرَّغبات المُلتوية، الحديث هو غايتُها الوَحيدة منِّي وهذا غَريب عليّ.
أغرَتني المُتعةُ الكامِنة في محاوَرتها، وتهاوَنتُ في تطبيقِ المَشروع الَّذي هندَستُه؛ غيرُتها الصِّبيانيَّة دغدغت حواسِي الميِّتَة. لم أعش مُراهقةً عاديَّة إذ كُنت جنديًّا في الإجرام، لذلكَ تساءَلت عَن مَدى انسيابيَّة مشاعِرها، ما الَّذي يدفعُها نَحوي؟
«أيمكِنني البقاء لبُرهَة؟ أرجوك!»
وثبَت بخفَّة مرارًا وتكرارًا مُصدرةً أنينَ ملحَّة. لسببٍ ما تعذَّر عليَّ الردّ، وولَّيت إلى كنفِ كتابي حائرًا. ما لبِثت وأن جثَت قُبالَتي وجَمعت ذِراعيها في حِجري، مِن بينِ ثغراتِ أهدابِها انبَعثت نظراتُها حزينَة، رغمَ أساريرِها الباسمّة.
تفرَّغت السُّطور الأدبيَّة مِن قيمتِها، وغَدت تعاريجُ وجهها أكثرَ جاذبيَّة مِنها. تضافَرت خيوطُنا البصريَّة مثل النَّسيج، لم أقوى على فتقِه.
«ما حصلتُ يومًا عَلى أبٍ أو شخص يوازيه رغمَ أنِّي ولِدت في كنفِ أسرَة، كان والِدي سكِّيرًا يتمرَّغ في وحلِ الوِزر، وأمِّي تبذل ما بوسعِها لرعايَتي وأخي الأكبَر. جاءت اللَّحظَة الَّتي سئِم فيها كِلاهُما مِن العَيش. أسمعتَ عن الانتِحار الجماعيِّ من قبل؟»
المَظاهر مخادعةٌ كما يقولون، لا أصدِّق أنَّ صبيَّة نضرَة مثلها تكتنِز ذبولًا مريرًا وماضيًا موبوءً، علاوةً على الإملاق الَّذي جعلَها تعملُ هنا. كانَت أوَّل من يكسرُ الجسرَ بيننا، حيثُ تهاوَت عدستاها على الكتَاب المُستَلقي بفخذيّ.
«رأيت أمِّي ترشُّ قطرات ما في كؤوسِنا، لم أكُن أحبُّ الأدويَة لذلك غيَّرته».
صمَتت وترَكت تخمين بقيَّة القصَّة لمخيِّلتي، كانَت هي النَّاجية الوحيدَة، والمرأة الَّتي ترعاها ليسَت والدتَها الحقيقيَّة. رمقتُها بشفقَة، كأنِّي أنظرُ إلى انعكاسِ نَفسي القديمَة في عَبراتها.
بعدَما خاطَت جروحَها الذَّاتيَّة، أمسكَت كمَّ قميصي الرَّماديّ وزيَّفت العبوس.
«لقد أخبرتُك أحد أسراري، أنتَ الآن ملاذي».
هلاوز خفافيش 💃✨
للتّوضيح بيكهيون لسا ما يحبها ولا يهتم لها هو جنتل مان فقط والبنت صغيرة لهيك طريقة معاملتو ليها مختلفة عن البالغين
الفصل اليوم كان مفعم بالمشاعر 😭😭 ستيل البنت عندها أسرار مثيرة للاهتمام كمان
طريقة الانتحار الجماعي دي منتشرة بكوريا بسبب الفقر مرّت عليّ بأكثر من دراما
رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
أرلين!
ردّة فعلو على كلامها!
يقبلها أو يواصل دفعها!
كيف بيكون تطوّر علاقتهم!
توقّعاتكم للجاي!
دمتم في رعاية الله وحفظه 🔥
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro