زلَّة قلب| ٠٤
على شَدوِ طُيورِ المَساء، ونفَح السَّماء كأنَّها تشهقُ برَخاءٍ مِثل إنسان، وشَذى الوُرودِ الَّذي عبِّق كامِل الأرجاء، مهما بعُدت عن مرابِض شُجيراتِه، كانت يوكِي جالِسةً قُبالَة بيكهيون ضِمن حُدود السَّقيفَة الضيِّقَة الَّتي تتوسَّطُ الحَديقة، أعلاها قُبَّعة حجريَّة، أمَّا عوارِضُها فعاريةُ مِن الأبواب، يكسوها وِشاحٌ نباتِيّ يانِع، يُضفي على تصميمِها لمحةً أسطوريَّة، كأنَّها مُشتقَّة مِن حِقبةِ المُلوك.
الهاتِف ذو الطِّراز الحديثِ راقدٌ على كفِّ الصبيَّة، بينَما سبَّابتُها تتجوَّل على ما تراءَى لمُقلتيها مِن ثيابٍ على المَوقِع، بصدد انتِقاء فُستانٍ مِن أجلِ حفلةِ عيدِ ميلادِها بعدَ يومين. تعمَّدت طلبَ مُساعدة بيكهيون، رغمَ شكِّها في امتِلاكِه الخبرة حِيال سرابيلِ النِّساء، أرادَت قضاءَ المزيدِ مِن الوقت معَه. حينَ وقعَ بصرُها على قِطعةٍ راقَت لها، مدَّت الهاتِف صوبَه، هُو المُنشغِل بالاطِّلاعِ على أخبارِ الرِّياضَة.
«ما رأيُك بهذا الفُستان؟»
عاينَه بتركيزٍ مُطلق، كأنَّه قضيَّة حياةٍ أو موت، قبَل أن يشتبِك حاجِباه بعدمِ رضًا.
«فاضِح للغايَة، فتِّشي عن غيرِه.»
نفَخت يوكِي وجنتيها بتذمُّر، ثمَّ سحبت يدها مُجدَّدًا، لقد راقَ لها بحقِّ وتمنَّت لو يُطارِحها ذاتَ الرَّأي، لكنَّها استَسلمت عنه، وتابَعت التوغُّل وسَط البِضاعَة المَعروضَة عمودِيًّا، إلى أن تعثَّرت بفُستانٍ أسوَد قصير، وعارِيَ الظَّهر، وسألت:
«ماذا عن هذا؟»
«ضيِّق، وفاضِح أكثَر مِن سابِقه، غيره...»
سئِمت شكواهُ بخصوص الهيئَة الفاضِحَة للفساتين، فحتَّى شقيقُها تشانيول لا يُقحِم نفسَه في ما ترتَديه، مهما بلَغ مِن العُري.
«بالطَّبع سيكونُ فاضِحًا، إنَّها حفلةُ عيد ميلادي يا رجُل، وعليَّ أن أمنَح المدعوِّين إليها أفضَل منظرٍ لساقيّ!»
عقَد ساعديه إلى صدرِه، وصبَّ كامِل انتِباهِه على مُحيَّاها البَريء، رغمَ أنَّ خُبثَ الكونِ مُندسٌّ خلفَه.
«مظهرُك لطيف، لن تليقَ بِك الفَساتين المُثيرة، أتخيَّلُك بثوبٍ منفوش كثِيابِ الأميرات، اختاري شيئًا مِن هذا الصّنف.»
غاصَ في هاتِفه مرَّة أُخرى، وبدَا متجهِّمًا، إذ وقعَ على خبرٍ يسرد تفاصيلَ انفِصاله عن حبيبتِه عارضَة الأزياء لوسيل، وما خفِي عن يوكي التغيُّر المُباغِت لِمزاجِه، وما اقتَدرت أن تكبح فُضولَها لأكثَر مِن ذلِك.
«أهُو خبرٌ يتحدَّث عنك؟»
ابتَسم بتكلّف، يُوارِي استِياءَه مِمَّا قرأَه للتوّ.
«للصَّحفيِّين خيالٌ واسِع.»
حبَّذت لحدَ الموضوعِ في مهدِه، خِشيَة أن تجرَحه، فرغمَ وقاحتِها هِي تهتمُّ لأمرِه، بيكهيون شخصٌ مميَّز احتَفظَت بِه ذاكِرتُها، رغمَ أنَّ السِّنينَ داستها، إخلاصُ شقيقها لصداقتهما، وعدَم تفريطِه في أيِّ مُباراةٍ له ولَّد الفُضولَ بجوفِها، فكانت تنضمُّ إليه على الدَّوام، بسبِبه ثارَ اهتِمامُها بالتِّنس، إعجابُها بِه لم يتخطَّى حُدودَ الواقِع إلى أن لمحته أمامَ ناظِريها مِثل الوَهم، العمُّ اللَّطيف مِن طُفولتِها، واللَّاعِب الوسيم الَّذي غزى أحلامَ مُراهقتِها يقضي إجازَته في منزِلها.
أشاحَت بوجهها بعيدًا عنه، حينَما اتَّهمتها نظراتُه بالإسرافِ في التَّحديق، وبارتِباكٍ واصَلت تصفُّح الموقِع لعلَّها تعثُر على غايتِها.
قاطَعها بيكهيون بغتَة.
«الجوّ يُصبِح بارِدًا، فلنَدخل.»
وافقته الرَّأي، وعقِب ثوانٍ استقام كلاهما، وسارا جنبًا إلى جنبٍ صوبَ المَدخل.
«بالمُناسبة، ما الَّذي تريدينَه كهديَّة لعيد ميلادك؟ توقيع من شارابوفا!»
أحاطَت بحدودِ وجهه بأحداقٍ خاليةٍ من التَّعابير؛ إزعاجُها هوايته، بوسعه أن يدفع كلَّ ما بحوزتِه لرؤيتها في حالةِ غضَب.
«لستَ مُضحِكًا.»
ما اكتَرث لاحتِقان الصُّغرى، وواصَل حملة استِفزازه لها انتِقامًا منها؛ لقد أهانته منذ شهرٍ تقريبًا حينما اتَّهمته بأنَّه أقصّر من الرُّوسيَّة، لولا الكَعب لأدركت أنَّه مُتفوِّق عليها!
«أتوقُ لرؤيةِ الفُستانِ عليك، رأسَ الطَّماطِم خاصّتي.»
عقَفت شفتيها في عُبوس.
«لا تُناديني رأسَ الطَّماطِم.»
«حسنًا يا أميرَة.»
«لا تُناديني يا أميرَة أيضًا.»
«princess.»
ركَلت الأرضيَّة بسأمٍ في حين كانت هيئتُها الغاضِبة تُسلِّيه، وتحضُّه على استِفزازِها.
«أميرَتي.»
مساءَ يومِ السَّبت، وحيثُ احتَضن القصرُ حفلةً باذِخةً على شرفِ خُروجِ لؤلؤتِه مِن محارةِ الحياةِ في مِثل هذا التَّاريخ منذ تسعة عشر سنة، كانَت الأركان تعجّ بالحُضور، لاسيما المَسبح، مِن ضِمنهم أصدقاءِ العائِلة المُتملِّقين، والكثيرَ مِن معارِف يوكي الأثرياء اللَّذين يملئونَ قائِمتَها، لم تظهَر الأميرَة بعد، إذ لا تزالُ في غُرفتِها المَلكيَّة، ذات الطَّابِع الورديّ، تُلقِي نظراتٍ مُسهبةٍ على شكلِها في المِرآة، كانت قد ارتَدت ثوبًا زهرِيًا منفوشًا يُشبِه ذوقِ بيكهيون.
طبطبَت على نفسِها بصمت، فهِي أُنثى لا تُمانِع مُفارقَة الحذر، واختِبار كُلِّ ما هُو جديد عليها، الأمرُ ذاته ينطبِق على المَلابِس. نزَلت الدَّرج بخطوات عنهجيَّة، مُستقطِبةً أنظارَ جميعِ المدعوِّين، علاوةَ على ذُكورِ الطَّبقَة الرَّاقِية اللَّذين قَدموا بغرضِ استِمالتِها، وإيقاعِها في زواجِ مصلحَة، وذلِك ما لن تقبَله مهما أصرَّت والِدتُها.
اصطَدمت ببعضِ الرِّفاق، فامتصوُّا من وقتِها الكثير، وقتٌ يُفتَرض أن تقضِيَه في البَحث عن بيكهيون بينَ الأرجاءِ المُكتظَّة، الَّتي تضيعُ فيها الوجوه بيُسر، ودَّت الحُصول على رأيِه بها سريعًا. قبلَ أن تهمَّ بالانسِحاب، أبلَجت مييون في القَاعَة، مِثل فجرٍ وهَّاج، إذ وجَدت السيِّدَة بارك نفسَها مُضطرَّة لاستِغلالِها مِن أجلِ إنقاذِ ابنِها مِن براثِن الخطيَئة، والعائِلة مِن ألسِنَة الملأ.
هرولَت نحوَها وعلى ثغرِها ابتِسامةٌ مُغتبِطَة، كأنَّها بُشِّرت للتوِّ بالجَنة، رغمَ أنَّ مرآها كانَ يجعلُها تكشِّر سلفًا، أمسَكت بكلتيّ يديها وقالت:
«سعيدةٌ لأنَّك لبَّيتِ دعوتِي، سيتفاجأ تشانيول برؤيتِك.»
تضارَبت الكلِمات في ذهنِ مييون، وكُلُّ ما نَتَج عنها هِي إيماءةٌ طفيفَة. وجَدت نفسَها تُجرُّ مِن قِبل السيِّدَة بارك، نحوَ تكتُّلٍ مِن رِجالِ الأعمال يتصدَّرهم فلَذة كبِدها. نقَرت على كتِفه بخفَّة، وما إن التَفت، حتَّى كادَ فكُّه يسقُط دهشة.
«مييون؟»
«لقد دعوتُها خصِّيصًا مِن أجلِك، علِمتُ أنَّك مُشتاقٌ إليها، أليسَ كذلِك بُنيَّتي؟»
تبادَل كِلاهُما نظراتٍ مشدوهَة، لم يتوقَّع تشانيول أنَّ خطَّته قد تُؤتِي كُلَّ ثِمارِ النَّفع هذِه، حينَما شرع في تنفيذِها. لحظَتها ما اكتَرثَ لحقيقتِه المُهدَّدة بالكشفِ وانهالَ عليها في حُضنٍ عريق، حُلوٌ كأنَّه عُتِّق لحقبٍ مِن الزَّمن، أمَّا بيكهيون، فابتَسم بنصرٍ خِلسة، ثمَّ فرَّ مِن المَوقف، مؤدِّيًا دورِ الرَّجُل الَّذي تعرَّض للخِيانَة، في الجانِب الآخر، هناك يوكي، كانت ترمُقهما بغُرور، فلولاها لما تكلَّلت اللُّعبة بالفَلاح.
تسنَّت لها رؤيةُ بيكهيون وهو يتَّجه نحو البار، حيثُ تُقدَّم المشروبات، ما استَطاعت التشبُّث بأرضِها حينَما حلَّى بصرَها، وصفَّدَ حُسنُه حواسَها، لِذا قتَفته، كأنَّها غائبةٌ عن الوَعي. صبَته وهُو في طورِ ارتِشافِ قدحِه الثَّالث مِن التكيلا، فاختَطفته مِن يدِه، ثمَّ احتَسته، مُتسبِّبةً في اتِّساعِ جفنيه، كادَ ينسى أنَّها الآن في سنٍّ يُخوّلُها الشُّرب كالبالِغين، لأنَّها مِنهم.
«مَن سمَح لكِ بالشُّرب يا صغيرة؟»
بثِقةٍ ردَّت:
«أنا في التَّاسِعة عشر يا رجُل، انتَظرتُ أن أفتَح هذا الباب مِن عُمري فقط لأحتَسيَ الشَّراب علانيَة، فكما تعلَم الأسرارُ مهدَّدة بالكشفِ غالِبًا.»
أصدَر زفرةً مَذهولةً لِما تختزِنُه هذِه الصبيَّة مِن رعونَة، إذ كانت هادئةً في صغرِها، تغيَّرت كثيرًا.
«ما الَّذي يكفَل لكِ أنِّي قد أتستَّر عنك؟»
جلسَت بجِوارِه، وسكَبت السَّائِل في فمِها دُفعةً واحِدَة بطريقةٍ تنمُّ أنَّها خبيرة ثُمَّ قالَت:
«يُفتَرض أنَّ قلبَك مكسور، وأشخاصٌ مِثلك لا يشون بغيرِهم، أليسَ كذلِك عمِّي؟»
طالبَ النَّادل بتعويضٍ عمَّا سلبته مِنه، ثُمَّ التَفتَ إليها وعاينَ هيئَتها الحسناء الَّتي استرقت جميع الأضواء وعلى ثغرِه أمارات الخُبث.
«أرى أنَّك انصَعت لذوقِي في الأخير، ألهذَا الحدِّ يهمُّك يا أميرَة؟»
مالَ نحوَها هامِسًا بنغمةٍ خافِتة، خدَّرت فُؤادَها.
«تبدينَ قابلةً للأكل.»
«هل أنتَ ثمِل؟»
حينَما حطَّت بصرَها على مُقلتيه، أدرَكت أنَّها اقتَرفت خطأً جسيمًا ستندمُ عليه، ما أمهلها بيكهيون فُرصةً لمُراجَعة نفسِها، إذ اختَلس مِن شفتيها قُبلة كإنذارٍ على كارثةٍ وشيكَة، ثُمَّ غزاهُما جِهارًا.
-
هلاوز خفافيشي 🎊
أخيرا فصل من الپرينسس 🙆🙆
شو رأيكم بالفصل!
بيكهيون!
يوكي!
توقعاتكم للجاي!
الجاي هو الأخير وبنودع هالقصة اللطيفة 😭
دمتم في رعاية الله وحِفظه 🙆
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro