5| Past Pit II
•••
•••
دفعت أيري الصنارة واِلتزمت الحيطة والصمت، إنها خنقت أعصابهما بالظن، ذلك كان ممتعا والفضول قد أنعش الإغراء بالتوغل والتمادي في اِعتصار شكوكهما؛ فمن المحال أن تتجاوز القيادة عن خطيئة كتلك إلا إن كان المتسبب من طبقة السلطة، هذه الضفة كانت شديدة الخطورة.
ليس لدمية التصفية حق في أن تصنع لنفسها حياةً، وجودها رهين بالقتل إلى أن تُقتل. ما فعلته أيري كان من الحدود المميتة، ليس من الهين أن تتورط بعلاقة وأحدهم هكذا دون أن تعاقب بالإعدام، ذلك ما تعرفه غايون أيضًا؛ فقد كانت فراشةً ضمن الفريق القديم، لكنها حالتها اِستثناءً أيضا.
مررت أيري بصرها بينهما ثم أجابت.
«إنني بالشهر الرابع.»
الفزع الذي ذبح غايون كان صلبًا كبرود إيميلي؛ فحاولت تكهن هويته. إن كان عميلًا عاديا لعوقب بالموت بجوارها، ذلك خفف الضيق على توقعاتهما، لكن جميعهم لا ينتمون لصفة الشباب وغالبيتهم ليسوا بعمرها.
ما اِكتفت غايون بفعله، فقط قامت بلعنهم جميعًا في خلدها وأقفلت فمها.
قناع إيميلي الذي تجمد بوجهها لم يتقفقف وختمته بضحكة مزيفة، إنها تعتقد أن أيري تسرد مزحة سخيفة لن يتقبلها عاقل.
«حقًا؟..، من اِستحق ذلك الشرف؟»
عندئذ تمددت بسمة أيري؛ فالثقة بعينيّ تلك الأجنبية أشعرتها برغبة في الضحك، لم تخفيها، أضافت ضحكة صغيرة ثم تلفظت بهزؤ.
«أيبدو لكما أنني بحاجة للكوميديا الآن؟»
فصلت إيميلي مسير حروفها عندما أزالت الفاصل بينهما وأرست راحة كفها على بطنها، لم ترتد، سكنت؛ فنظرة إيميلي القلقة تحولت لذعر حانق.
«كيف ذلك؟»
زفرت غايون تنفسها وعلقت مخاطبة إيميلي.
«اهدئي.»
لم تبالي إيميلي بما تلفظته غايون، صرخت باِتجاه أيري بغليان.
«من!»
هسهست أيري من بين أسنانها بسخط.
«أي حق تمتلكينه سيرغمني على الإجابة؟»
«لأنها والدتكِ.»
صرحت غايون ببساطة؛ فرمقتها إيميلي بسخط. النظرة بعيني أيري كانت مستخفة، لم تلحظ تأثرًا بها بينما أردفت مخاطبة إيميلي.
«إذًا..، حقًا كانت هناك طفلة بينكما..، أنت والقائد؟»
اِرتجفتا شفتا إيميلي ولم ترد، تجنبتها وأخفت عدستيها جانبًا؛ فتكظم عنها رؤية أوجاعها، حمحمت غايون لتلفت بصر أيري وتحدثت إليها بحنو.
«رجاءً..، اِمنحيها فرصة ولو لبضع دقائق..، حسنًا؟»
سبحت أيري وتفكيرها إلى صحراء ضاعت بها؛ فلم يعد اِحتمال أن تكون هذه الشقراء والدتها مستبعدًا، ما قاله بيون مينهيوك لم يستطع أن يغادر دواخلها والَان، أستصدق ما قالته؟
سألتهما عنه.
«بيون مينهيوك..، له ماض بينكم؟»
قطبت غايون حاجبيها ونطقت مستغربة.
«هيوك؟»
«تعرفينه؟»
هزت غايون رأسها ثم تمتمت.
«إنه زوج عمتي.»
«الطبيبة عمتك؟»
تعتعت أيري بذهول؛ فنبست غايون باِحتراس:
«أجل..، أهناك مشكلة بذلك؟»
غرست أيري أصابعها بشعرها ودلكت فروته لتحاول أن تستوعب ما يحصل حولها؛ فيبدو أن هناك المزيد لتدركه. قررت أن تخبرهما يسربا المخفي من الحقيقة كاملة والليلة!
«لقد تشاجر والقائد..، فأخبره أن ذلك الرجل سونغهيو اِستبدل الطفلتين.»
«إنه صادق.»
حينما اِنفلت ذلك من فم إيميلي طفرت أيري بحالة من الرعاش وتخبط قلبها. جففت غايون وجهها بكفيها ثم استجمعت رشدها، ركعت إلى الطفلين وأخذت الأصغر بذراعها الأيسر ثم استأثرت كف الآخر لتصطحبهما برفقتها ثم أودعتهم بجناح الألعاب.
حررت يدها عندما وطأت تلك الغرفة وأشعلت الأضواء لتتفحص المكان، تبسمت لهدوئه المريح؛ فجدرانه الخشبية كالأرضية التي مازالت كما تركتها، لوحات لرسومات طفولية قديمة، ألعاب مبعثرة على السجادة البيضاء، ذكرها ذلك بطفولتها.
تنهدت ثم أشارت إلى طفلها الأول كي يتخذ مقعدًا فوق الأريكة الزهرية.
«يوهان..، اِجلس هناك.»
اِذعن وجاءت بإبن عمه ليستقر قربه، مسحت على وجنتيهما ثم تلفظت باللغة الإنجليزية.
«أمهلاني القليل يا صغيراي..، وأحسنا التصرف..، لا تغادرا هذه الحجرة..، حسنًا؟»
أومأ معا ومنحاها بسمتين أنعشتا روحها؛ فهوت ونقرت قبلتين على جبينيهما ثم أسرعت إلى صديقتها؛ فقد انتظرت بلهفة أيضًا لتعرف ما ستبوح به، عندما بلغت بوابة المطبخ مجددًا داهمت أيري إيميلي بذلك الحين وتداعت بشحنائها.
«ماذا سأستفيد من رجوعكِ؟»
قاومت إيميلي غيث مقلتيها، لكنها لم تتمكن من التحدث، تأتأت؛ فاستعمرت أيري ذراعيها بين قبضتيها وزمجرت بغل.
«اِختلف الأمر؟..، لأنني قد أكون اِبنتكما؟..، حينما لم أكن؟..، لو تبين أنني حقًا لا أكون!»
اِزدردت ثم أتممت قولها بآسى.
«أين كنتِ؟»
«مشلولة.»
نزفت دموع آيميلي ثم أقفلت جفنيها ودرفت حممها، توسعتا مقلتا أيري وتراخت أطرافها بينما أكملت تلك النرويجية برنة متمزقة.
«كنت فوق السرير..، لسنوات..، اِسترجعت مقدرتي كاملة قبل شهرين.»
أزاحت غايون سودوتيها وتقدمت صوبهما عندما خبت أيري بموطئ قدميها، شهقة خنقت حلق إيميلي قذفتها كأنين، ثم استنشقت صبرًا وقيدت كتف اِبنتها بين يديها.
«هناك مفاجأة.»
قالت وتوجهت بها إلى صندوق المؤن الضخم الذي تحت النافذة، لحقت بهما غايون لتبصر ما لم يخيل بفكرها حتى صدفة، وسيم مكبل بسلاسل فولاذية داخله، رمشت أيري بهدوء وأجرت مسحًا له، قميص أفحم وسرواله الجلدي ذهبي، كرجل لا يستهان به، طويل للغاية ومفتول القوام.
«سونغهيو؟»
فاهت غايون بذهول وأوصدت على حنجرتها عندما حرك حاجبيه منزعجًا، أشرق بنظراته المشوشة واهتز؛ فقد اتضح مصيره برؤيتهن. تبسمت له إيميلي باِتساع ثم اِنحدرت إليه فور ما ثوى ببنيتيه عند ساقيه.
«تأخرت..، لأنني كنت بحاجة إليه كي أتفاوض به.»
أردفت؛ فسدد عينيه تجاهها، إحمرارهما اِنسكب ولم ينطق، فأدلت بالمزيد.
«سأسلمه إلى ري مقابل أن أحصل عليكِ.»
التفاجؤ حنط أيري حتى تدخل هذا المقيد قائلًا.
«كل شيء فعلته كان لأجلكن!..، ولست نادمًا!»
مددت إيميلي شفتها السفلى ثم سخرت.
«حقًا؟..، أنسى أحيانا أنك رجل رائع..، أليس كذلكَ سونغآه؟»
قضم ثغره بينما صرّت من بين أسنانها.
«أخبرتني أن اِبنتي ولدت ميتة ولم تكترث لحالتي المزرية..، جعلت ري يعتقد أنها طفلتك..، أتمتعت بمشاهدته يعذبها؟..، ثم ماذا قمت بدفنه ببقبري!..، عشت تنظر بعيناي دون خجل..، هل أتممت حماقاتك!..، كلا!..، فحالما نجحت عمليتي الأخيرة وعدت إلى سابق عهدي..، تركت اعتذارًا تافهًا برسالة هاتفية لعينة ثم اختفيت!»
«لم أخطط لذلك!..، لقد أخذت طفلتكِ معي لكنه جاء واستعادها!..، ظننت في البداية أنه علم الحقيقة!..، إلا أنه أودعها بهذا الميتم وعلمت ذلك مؤخرًا!»
ضج بيأس فغمغمت، أزاح بؤبؤيه فيقابل أيري لأول مرة، شخر ثم تمتم في حين أرجح حدقتيه إلى كلتيّ جهتيه.
«ستدافعين عنه كعادتك.»
أحكمت إيميلي ذقنه وأرغمته على النظر إليها، نقلت حينئذ أصابعها إلى وجنتيه ثم اعتصرت فكه.
«لما يعتقد أنك من حاول قتلي؟..، لما لم تخبره أن كوزيت من دفعتني؟»
حدقت به أيري بينما شق خذه ببسمة متهكمة.
«لينحر وريدها؟..، أهذا ما تبتغينه؟»
بدى كالقط الوديع، لكن تلك النظرة بعينه لبست رداءً من خيوط الطنز توارى بها مخاض عميق، تجاهلت ذلك أيري حينما أغارت جينَا حلبتهم من جوف النزل.
«لقد أتيت!»
اكفهر وجه أيري، فلا مزاج بها الآن حتى تتقبل تدخلات هذه المتسلقة جينَا، تبادلت وإياها نظرات سامة في حين حشرت حمراء الشعر ذاتها بينهن وجلست على ركبتيها قرب رقبة سونغهيو، رمقتها إيميلي بجفاء كي تنهض.
«جينا.»
عاندت وتذمرت:
«لن ألتهمه..، أريد النظر إليه أيضا.»
«ولا مانع لدي.»
فاه؛ فكادت إيميلي أن لا تتمالك أعصابها وتغرس أظفارها بوجهه، اِسترجعت يدها مستهزئة.
«استمتع بوقتك جيدًا..، سأنفخ رمادك قريبًا!»
عيون جينا الزمرديتين انغمستا بتفاصيله الجميلة وتسللت بأناملها لتلمس حافة فكه، لم تدرك غايتها؛ فقد لفت إيميلي رسغها وألقتها أرضًا.
تأففت غايون وعاتبتهما:
«يكفي!»
«عنيفة!»
اِمتعضت جينا فجعدت إيميلي ثغرها وكانت ستداهمها بلكمة، قاطعهما سونغهيو بقهقهة عميقة جعلت من إيميلي ترفع حاجبها باِستهزاء ثم زمجرت بحدة.
«أعجبك ذلك؟»
أكد ذلك محركًا رأسه ثم غمز بجفنه الأيمن قائلًا.
«ما من رجل سيرفض حماية خاصة.»
أصدرت إيميلي ضحكة متقززة لجمها برنة ساخرة.
«راق لكِ أن تستغلي حبي حتى تستدرجِيني إلى شباككِ؟»
ضيقت نظراتها العسلية تلك وأجابته.
«خداعكَ كان احترافيا أمام لعبتي يا جانغ سونغهيو.»
اِستقامت جينا قائلة بإزدراء.
«أتخططين أن يقتل الأخوة بعضهم البعض؟»
«وما شأنكِ؟»
حنقت إيميلي؛ فاندفعت جينا بإستشاطتها.
«أنت أفعى حقًا!»
صرت غايون بينهما قائلة بانزعاج.
«سحقا!»
فنطقت جينا بحدة.
«أنظري جيدًا!..، إن صديقتكِ جهنم!..، تدري أن الخلاف ليس لأجل الطفلة!..، إنها العلة!..، لأنهما يحبانها!»
سددت أيري عسليتيها إلى سونغهيو وقبضت عليه متلبسًا يحملق فيها واِبتسامته اللطيفة، رمقته حينئذ بسخرية بفضلها لوى فمه وتهكم.
«إنكِ تشببهينه حقا!»
استدرنّ إليه في حين رغت أيري بنغمة هادئة.
«يبدو أن هذه العائلة مليئة بالحمقى..، وأستثني مينغيو.»
«إنه أبله أيضا!»
اِندفعت أيري وكان بنيتها نهش لسان جينا كي لا تكرر ذلك، لكنّ غايون سحبتها خلفها وساقتها إلى الرواق بعيدًا عنهم. كانت حمراء الشعر ستنفلت من قبضتيها؛ فأحكمت غايون السيطرة على ذراعها وأدخلتها الغرفة المجاورة ثم أقفلت عليهما.
«واللعنة!»
زمجرت جينا حانقة؛ فبسطت غايون ذراعيها بحضنها قائلة.
«لما تريدين صنع شجار هناك؟»
ضحكت جينا ثم اِشتدت نبرتها من الإحتدام.
«ألم تريهما؟..، إنهما يحبان بعضهما وتشعر بالغيرة عليه..، ذلك لا يهم مادام لن يعلم القائد ري بوجودها!»
«تخشين أن يعود إليها؟»
نبست غايون لتخرسها، أضحت جينا تدحرج بؤبؤيها فقط؛ فأدرفت حينئذ غايون قهقهة صغيرة لتسرب ما وعدت بأن لا تخلفه.
«أعرف أنكِ تفكرين في حزن خالتكِ..، ذاتًا يونهي تعي جيدًا أن ري لا يتخذها سوى صديقة.»
«صديقتكما الأوروبية أخذت منعطفًا سيسفك الدماء.»
تشدقت جينا فأرجعت غايون غرتها الفحماء إلى الخلف وأتممت.
«يكفي توهمًا جينَا..، تلك القصة كتاب بالرف القديم.»
زفرت جينَا غضبها ثم زمجرت.
«المسألة ليست هنا..، حكايتكما مختلفة!..، أنتِ لا تدركين شيءً..، ربما القائد واين اِستمر بحياته..، لكن القائد ري لم ينتهي منها!..، ما إنفك عن جنونه بحبها وأقسم لكِ..، تلك المرة عندما أصيب وكان تحت نيران الحمى بمنزل خالتي..، لقد قضى الليل يهذي بإسمها.»
رمشت غايون ببطء ما من ردها حرك دواخلها سوى سيرة واين، جينَا تكلمت بثقة كاملة أنه متجاوز لذكرياته السابقة، لم تفلح بأن تخبئ ذلك بحنجرتها؛ فسربته.
«ماذا تعنين؟..، ما الذي جعلكِ تنطقين بهذا اليقين..، أنني وواين قصة انطفأت؟»
غمغمت جينَا لتستحوذ على تركيزها، ثم أردفت.
«القائد واين سيصبح أبًا.»
تطبع التلبك بوجه غايون لكنها تكهنت مقصد جينَا، بالرغم من أنها تعجبت من معرفتها بحملها.
«لا أعتقد أنه على علاقة بإمرأة.»
أصدرت جينَا تصفيرة ثم هتفت بنبرة ساخرة:
«إنه مشهور بين النساء بالعازب العابث.»
همهمت غايون بنغمة متقطعة؛ فدنت جينًا إلى أذنها وهمست.
«هناك من تحتفظ بطفله الوحيد.»
قطبت غايون جبينها بينما مددت جينَا بسمتها وتراجعت إلى الخلف قائلة:
«كانت هناك إشاعة كبيرة تأكدت لي قبل قليل.»
نطقت غايون متلفظة برنة مرتبكة.
«مثل ماذا؟»
هزت جينا حاجبيها ثم أجابتها بحذر.
«حمل الشقراء الغبية منه.»
«ماذا!»
انشطر فؤادها بسيف كلماتها، لم تدرك كيف صرخت بها منفعلة؛ فاندفعت جينَا مبررة.
«لقد اِعترف أنه من صلبه!»
«أفقدتِ صوابكِ؟»
استنكرت ذلك؛ فما كان لجينَا إلا أن تسرب التتمة لها.
«لقد سلمت نفسها للموت لكن مجلس الحكم أقفلوا ذلك الملف تماما!..، بل أيضًا سيعاقب كل من سيجلب سيرته أو سيتدخل بهذه الشؤون..، لقد قاموا بتحريرها وكأن شيء لم يكن حتى!..، ذلك ليس لأنها إبنة القائد ري..، لا أحد يعلم ذلك..، لكن الزعيم واين..، توعدهم بالجحيم إن تأذت.»
تفاقم الغضب بحنجرة غايون وانطلق عندما لم يعد للصبر مسلك.
«حتمًا أصابتكِ الصاعقة!»
زفرت جينَا تبرمها وقلبت حدقتيها لترد بإزدراء.
«أدرك أن القائد واين كان زوجكِ..، لكنكِ هجرته..»
«صمتًا!..، كيف تجرأتِ على هذا؟..، أنتِ تتحدثين بما ليس لكِ به علم!»
«اِسبحي بمخيلتك وأخبريني بتوقعاتك، كيف تمكنت من أن تقابل رجلًا بحجم بيون مينهيوك حتى يتوسط لمساعدتها بشكل شخصي؟..، هذا لأن تلك الدمية تحتفظ بحفيدهم!»
مقلتا غايون الحمراء أخرستها؛ فأردفت جينَا قهقهة ثم سخرت.
«نسيت أنكِ من جهة الدفاع بهذه المحكمة.»
ربتت جينَا على كتف غايون ثم أضافت بتلاعب:
«أخبرتكِ..، إنها مجرد فراشة خسيسة يا عزيزتي.»
حينئذ كانت لإيميلي خلوة خاصة بطفلتها، القدر منحها تلك الفرصة، فرصة كبيرة لا تتمنى زوالها حتى تبوح بقلة حيلتها، وكم كان الوجع قاسيا، تألمت بينما تحكي ما قد مرت به..
«ذلك لم يكن برغبتي..، تزوجت ري مرغمة..، كان أنانيا ومتملكًا، فزت بحريتي بالرغم من أنني كنت حاملًا آنذاك..، المسألة ازدادت صعوبة عندما علم بأمرك..، أراد إرغامي على العودة إليه..، لكن سونغهيو قام بتضحية كبيرة وأفشل ذلك بزواجي به.»
«لكنكِ مازلتِ تحبين ذلك المتغطرف يا حلوتي.»
تلفظ سونغهيو وأرجح حاجبيه، كورت إيميلي لكمة وتغاضت عن ذلك؛ فصمت للحظات ثم أردف.
«إيمي..، لو أنه قد علم أن كوزيت من قامت بدحركِ..، ما كان ليتراجع..، حتمًا لن يبالي أنها كانت حاملًا أيضا..، لقد تجرعت ما بكفايتها..، خسرت ابنتها كذلك وإلى الأبد..، كان ذلك قاسيا..، أنتِ..»
«صه!»
صاتت إيميلي بلوثة فرد مدافعا.
«سأتكلم!..، سأصرخ بذلك!..، كان همي الوحيد أن أنقذ المتبقي!..، لم يكن هناك أمل لرجوع حركتكِ!..، لم أجد غير أن يبكي لموتكِ مرة واحدة وينسى عوض أن يموت كل يوم برؤيتك كجثة مثلي!»
اِستعمرت إيميلي ياقته بأصابعها المرتجفة، هوت قطرة لتحط رحالها بخذه بينما غمغم وبلع غصته.
«إيمي..، آسف..، فقط أردت..، إنني سعيد..، بوقوفك أمامي مجددًا.»
بذلك الوقت اِسقامت ذات الجسد الصغير من فراشها، التفتت إلى القابعة بجوارها ثم رتبت خصلاتها البنية الحريرية، كانت تحملق حولها لتنقب عن دميتها الدب بير المفضلة، تذكرت أنها نسيتها بغرفة الألعاب، فأدبرت لتطوف بين تلك الأروق وتهمدت قبالة مدخل المطبخ لثوان، فور ما أبصرت إيميلي أسرعت ومضت إلى وجهتها.
قفزت لتصل إلى المقبض ثم أدارته لتتفاجأ بطفليّ غايون هناك، كان الصغير يلهو بدميتها وشقيقه الكبير نظر تجاهها ببرود، أنزلت قدميها ثم مررت جوهرتيها العسليتين بينهما، لم يبدي يوهان حركة فاقتربت منهما ومدت كفها نحوه.
«أدعى ليو كريستال..، عمري ست سنوات وأدرس بالصف الأول..، ماذا عنكما؟»
أدار وجهه عنها؛ فجذبت يدها محرجة، لكن قريبه التقطها بخفة، حمحمت فقد تبسم ثم أجاب عوضًا عنه.
«جين ألفريد رين..، هذا إبن عمي يوهان..، إننا بالعمر ذاته لكنه يكبرنا بثلاث سنوات!»
عصم لعبتها بين أضلاعه؛ فارتمت بقربه على السجادة وسألته.
«أعجبتك؟»
«إنها دافئة..، ذلك الرجل يكره الألعاب..، لا أستطيع الحصول على واحدة.»
استلطفته بشدة؛ فلم يكن وقحًا كإبن عمه، فتشت بتلك اللحظة عن حقيبة ألعابها، لمحتها مستندة على الجدار ووثبت إليها عندئذ لتجذبها بكلتيّ يديها ثم قذفتها إزائه.
فتحت مصرعيها قبالة ناظريه وأخرجت كل ما فيها حتى دمى الفتيات، دفعت إليه كل ممتلكاتها ومسحت العرق عن جبينها بظهر كفها.
«كلها لك!»
عينا رين تلألأت فرحة، فوجهت يدها لتربت على وجنته كما تفعل والدتها، تصدى لها حينئذ يوهان معتصرًا معصمها، دشنت أنينًا وباشرت بالبكاء لكنه لم يأبه، رمقه رين بعيون جاحظة، فكه تقفقف ولم يلفظ سوى كلمة متقطعة.
«كلا..»
صدى ألمها تلقفه سونغهيو أولًا فاستدار إلى جهة الباب قائلًا بقلق.
«كريستا؟»
ما إن سمعت إيميلي ذلك انصرفت وظلّ يصيح وفزعه.
«ما بها؟..، لماذا تبكي!»
انغمست أيري تتفرج بسكينة، اهتمامه بها حقيقي، إنه يرتعش ويتخبط محاولًا فك سلاسله، انكمش رين حينها حول جسده وانطلق بصراخه أيضًا، ذكريات من خياله الضخم فاجعته فجلب ذلك مجيء إيميلي وخلفها غايون وجينا، يوهان أبى أن يحرر كريستال إلى أن أبصر أمه، ما إن أفرج عنها حتى هربت لتختبئ خلف ساقيّ إيميلي، احتضنت غايون الصغير ولفت بصيرتها بينهم ثم سألت يوهان بصوت حازم.
«ماذا حدث؟»
نظرة حادة بلغته من إيميلي، لكنه اِلتزم الصمت واِبتسم ببراءة.
التقطت إيميلي حينئذ يد تلك الصغيرة وأبعدتها عنهم، ساقتها خارجًا لتعيدها إلى الجناح الآخر؛ فانتفضت نسخة مطابقة لها بشعر ذهبي قصير من سريرها.
«أين كنتما؟»
اِرتمت كريستال إلى حضنها ودشنت شهقات أصابتها بارتياع قدمت إيميلي عذره.
«إبن جين ليون ذاك..، قام باعتصار رسغها.»
رفعت كوزيت يد الطفلة وكان بها احمرارًا قاتمًا، كانت سترتفع لتحدث جلبة لكن إيميلي أعاقتها وأخمدت غضبها بهمس.
«سأتكلف بذلك..، اِعتني بها.»
نقرت كوزيت قبلًا على معصم صغيرتها ثم نبست من بين أسنانها.
«سأسحقه.»
صنعت إيميلي تنهيدة ثم أجابت بتبرم.
«يبدو أننا سنقابل ذلك الوحش مجددًا.»
«أردت..، أن ألعب وأخيه..، فقط.»
غمغمت كريستال بحرقة فتحننت كوزيت على خذيها بإبهميها وأزالت بللهما، قبلت جفنيها ثم خافتت بمحبة.
«لم تخطئي..، لذا لا تبكي..، إنه لا يستحق دموعك.»
مسحت كريستال قطراتها بكم قميصها وأومأت، فطبعت كوزيت قبلة أخرى على جبينها، بقيت إيميلي شاردة بهما، شعرت أنها أضاعت وقتًا ولن تستدركه، لم تحس بالحياة حتى نهضت كريستال واِرتمت لتلف ساقيها بعناق آخر.
كان يضج سونغهيو حينها بشحنائه ولم يهدأ حتى انحنت أيري وأفرغت من جيب سترتها شفرة حادة، أخذت القفل الذي عند خصره ثم غرزت حافتها لتفك أوحاله. أبعد القيود عنه ثم قفز، بقلب جزوع تاه ليفتش عنها.
ذهبت أيري ورائه بينما دوى بإسم تلك الطفلة التي ما إن سمعت صوته أفرجت عن خالتها وركضت إلى منبع ندائه.
لم تأبه كريستال لأي صوت آخر، هرعت إلى سونغهيو وهتفت.
«أبي!»
تنفس الراحة عندما استطان خصرها وزج بها داخل سجن صدره، لثم أريجها ثم أمطرها بقبل توزعت على كتفيها ووجهها، تعلقت برقبته وبسطت خذها فوق خذه، كان يلهث خوفًا عليها وسكنت أنفاسه عندما أبصر كوزيت بنهاية الممر.
لوحت له وأعدمت المسافة بينهما، خيمّ السكون من جهته؛ فتلفظت ببرود.
«كيف كانت رحلتكِ؟»
تمعن بحالتها المتعبة، خصلاتها المبعثرة والإرهاق بملامحها كان ظاهرًا، الندم حشر صخرة بصدره ولم يستطع إزاحتها.
«كيف حالكما؟»
نبس وأفرشت ثغرها ببسمة متهكمة ثم ربتت على كتفه، لكن تعابيرها تيبسنّ برؤية أيري التي حدقت بها وكأنها رأت شبحًا.
«إبنتي..، يينيس.»
تعتعت كوزيت وأزالت الحاجز الذي بينهما، نظراتها كوزيت كنّ أشدّ رقة من الأخرى؛ فاِنزلق من فم أيري
حروف مبعثرة ختمتهم كوزيت بضمها إلى صدرها. لكنّ أيري قامت بصدها واِنطلقت عائدة إلى أهوال ظلمات الخارج، فبخطوتها الأولى إزاء تلك البوابة أحست بالدور وتأرجحت مشيتها.
حينما تزلزلت الأرض تحت قدميها أجهشت بكاءً، خبت ومقدرتها الواهية لتنهار مقعدة على ذلك العشب المبتل بالرطوبة، سجدت وتأوهاتها تستغيث من تجشمها، لم يلتقط وعيها وصوله، هوت بين إلى ذراعيه بينما لم يكن هناك ما تستند به، وطأ ذقنها فوق كتفه ليربت على ظهرها برقة، تعالت شهقاتها عندما أدركت أريج عطره؛ فتمسكت أصابعها المرتجفة بكتفيه للحظات ثم غفت بحضنه.
غمغم ولجم صوته عندما وقعت بصيرته إزاء سونغهيو الذي وقف وهدوئه، صعدت خلفه إيميلي بقلب هلوع فقد نبضاته ما إن قابلت رجلًا تعرفت عليه فور ما تبسم لها ثم هتف بخفة.
«مرّ وقت طويل أيتها الصفراء الجميلة!»
«بيون بيك..هيون.»
اِزدردت ريقها فقد تيقنت من تعرفه عليها، مازال بهيئته الجذابة إلا أنه احتفظ بلحيته السوداء هذه المرة، غير تسريحته وصارت غرته موزعة بفوضوية على جبينه، الظلام أخفى ملامحه الوسيمة عدا بسمته اللامعة تلك.
أردف تأوهً معترضًا عن تلقيبه بإسمه الميت ذاك، ثم اِمتنع بلطف.
«كلا! إنني غولدن واين الآن..، ذلك الإسم أصبح لشخص آخر.»
نهض وبين ذراعيه أرقد أيري فشد حصارها عندما تقدم سونغهيو بنيو اِستردادها؛ فحده مردفًا.
«لا تتعب نفسك..، أجيد تحمل مسؤولياتي.»
تشدق سونغهيو بضحكة مستهزئة ثم طنز به.
«أجننت يا هذا؟»
تقدم مجيبًا برنة متلاعبة.
«لا تختلقا أسطورة سخيفة..، أعلم أنها هنا.»
أضحت إيميلي حاجزًا أمامه وأخذت مقلتيها تتفحصان ابنتها فنبس بلين.
«إنها بخير..، لا تقلقي.»
رفعت بصرها إليه ثم هسهست بحدة:
«من تجرأ على لمسها من بينكم؟..، كيف سمحتما بذلك؟»
شق فمه ثم أجاب متجاوزًا إياها:
«لكن اِبنتك أحسنت الإختيار حقًا!»
فضولها جعلها تحلق به مسرعة وسونغهيو خلفهما، أنزل أيري إلى القبو ولم يستغرب وجود غايون بمقدمة درجات المدخل.
جوفه تقلب وكبح نزيف جراحه، بتلك العتمة تعرف عليها رغم أنّ لا شيء بها يرى، كان ذلك في مصلحتها، إنها قد التهمت شفتيها كي لا تصدر أنينًا لبكائها، أفرغت له مجالًا ليمر فسار دون أن يتلفظ حرفًا.
جففت وجنتيها بظهر يديها ثم تتبعته، تجمدت جينَا بذلك الحين عند دخوله وإن تلك الدمية كما تنعثها تستريح بأحضانه، ذلك ألقى فوقها المزيد من الصدمات، لكنه هزّ رأسه وقام بتحيتها.
«كيف حالك جينَاه!»
تأتأت بينما لوى فمه ثم علق قائلًا بسخرية.
«ما هذا!..، ستموتين من شدة سرورك لرؤيتي!»
كتمت أنفاسها حتى مضى إلى الرواق فيصطدم بكوزيت، توسعتا حدقتاها وافترقتا شفتاها من التفاجؤ في حين تفحصته وكأنها ترى كائنًا فضائيا.
«كوزيت.»
تبسم بإتساع عندما حمحمت وفرت منه، اندس بعد ذلك بداخل الغرفة التي قرب حجرة الألعاب، بسطها بفراش سريرها البني ثم حشرها بداخل ملاءتها الدافئة، حينما تقلبت وعانقت ذاتها سكن ليحملق فيها.
شعور أنه لم يعد بمفرده جعله يستدير فيلتقي غايون، تجاهلها ووضع مقلتيه بمنتصف وجه الشقراء الأجنبية التي كانت بجوارها ثم تمتم بتهكم:
«أهذا حفل مبيت للهاربين والخائنات؟..، لما لم تتم دعوتي؟»
دحرج حدقتيه إلى غايون؛ فأبعدت خاصتيها عنه، أيقظ ذلك في حلقه قهقهات عميقة، فبدأت عندئذ إيميلي الاستنطاق من جهتها.
«من فعل ذلك بإبنتي؟»
«الحب.»
قال بنغمة شجية اِستفزتها فحنقت به.
«لا تمازحني الآن!..، بحق السماء من يكون؟»
«إنها.. منه.»
فاهت غايون ليتزلزل صدر إيميلي، همهمت وكأنها لم تسمع جيدًا ما قالته صديقتها؛ فكررت ذلك بقهر غلفته ببرود بحتها المجروحة.
«إنها تحتفظ بطفلته..»
قبل أن يقع وقع قولها على قلب إيميلي كذب ذلك بهدوء:
«وهل أبدو كخنزير منبوذ حتى أترك نساء العالم وأغوي فتاة قد أنجب من هي بعمرها؟»
«هذا ما حاولت فهمه أيضًا أيها الخنزير!..، لكنك اعترفت بلسانك الفاسد أنه لك!»
قلب عينيه ثم أخرج ضحكة رقيقة ختمها بنبرة متهكمة.
«قلت أنه من صلبي..، لا يعني بالتحديد أنني والده.»
رمشت إيميلي ببطء وكانت تقاوم حتى لا تهوي على ركبتيها، صلت بدواخلها كي لا يكون المذنب وتوسلت إليه.
«لست أنت..، أخبرني رجاءً.»
صنع تنهيدة ليزيح ملله ثم رد بما ألصقهما في بقعتيهما.
«إنها طفلة إبني..، بيكهيون.»
•••
بيون بيكهيون/ واين غولدن - 43 سنة.
•••
جانغ سونغهيو - 44 سنة.
•••
ليو كوزيت - 37 سنة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro