3| Fear..less
|-القائد جانغ ري.
••••
لم تتوقع حدوث ذلك، ظنت أنه يهزأ بها؛ فالصمت كان إجابتها وظلّت متجمدة قبالته. عندما أراد الاِقتراب انكفأت إلى الخلف بخطوتين. رمقها بسخط مقهور، إنه اِعتبر ذلك رفضًا له بينما حملقت نحوه ببرود اِستبدلته بتحديقاتها الساخرة.
«أنت..لا تعلم شيء.»
أثوى رقبته إلى يمينه وحدق بعينيها بتهكم أيضا.
«بالتأكيد.»
زفرت غضبها ثم قلصت المسافة بينهما لكنه أبان عنها قائلًا.
«لا مكان لكِ بهذا العالم سوى هنا! معي!»
شيدت قبضتين وتقمصت الهدوء مجددًا، أبعدت عن جبينها غرتها الشقراء مردفة بهزؤ.
«لن تستطيع مواجهة هذه الحقيقة إزاء عائلتكَ.»
لوى فمه ثم جعده، تجاوزها وقصد خزانته ليغير هيئته بقميص أسود ذو أكمام وياقة طويلة.
«أنتَ مجرد طفل ثري ولد بملعقة من الألماس!..، لن تفهم واقعي!»
جذب ذراعها لترافقه إلى الطابق السفلي؛ فأرست كفها فوق معصمه لتحده.
«أفقدت صوابك؟»
حينما لم يذعن أُرغمت على لف ذراعه وألصقت بطنه بالجدار، الصدمة كبلت تحركه في حين زمجرت بحدة.
«إنني لا أريدك.»
أصبح هادئا بعد جملتها تلك، وقعها على قلبه كان جحيما، لم يرد؛ فحمحمت ثم تلفظت لتحاول إقناعه.
«الخطيئة لا يحبذ المضي بها..، دعني أنهي هذه المهزلة..، إن كنت تحبني حقًا كما تقول..، لا تحملني همّا لن أقوى على مواجهته..»
عندما اِكتسحها الغثيان اِبتعدت عنه وجاهدت على الوقوف، اِرتعشتا ساقاها ونزيف جرح كتفها أخذ يتسرب إلى أن بلل كفها. تمسكت بحافة الجدار لتسترد أنفاسها، ثم كابرت لتخفي ضعفها لكنها قد خسرت قدرتها على الصمود.
هوت مجددًا فأسندها رغم جحودها ضده، خشيّ أن يصيبهما مكروه لذا أسرع بها حيث كانا والداه يتبادلان أطراف الحديث ثم داهمها بتلك الصاعقة.
نهضا من مجلسهما واهتزت لهجته بينما خاطب أمه بنبرة يائسة.
«أنقذيها..، إنها..، حامل.»
يدَا اِبنهما الملخطة بالدماء أفزعتهما، لكن والدته لملمت صدمتها وقالت.
«هيا!»
ركض بيكهيون بحياته وهما خلفه، أقرّها بأريكة سيارته الخلفية ثم صعد إلى مقعد السائق منطلقًا بجنونية إلى عيادة والدته. كانت أمه مشتتة الذهن، اِتخذت مكانها قرب زوجها بالمقاعد الخلفية وفصل مينهيوك تدبرها مردفًا.
«يونغ أي.»
نظرت صوبه؛ فتبسم بلطف.
«إنها ذات الفتاة..، من رأيتِها تتسلق الأسوار.»
همهمت ثم فاهت بتردد.
«ماذا..، إن كانت حاملًا حقًا؟»
أوصدت فمها؛ فنبس برنة هادئة.
«حينها سنجد حلًا لذلك.»
زفرت أعصابها وخلدها سبح إلى اِبنها، أوصل فتاته إلى مدخل العيادة وساقها إلى قاعدة الإستقبال مناديا مساعدة والدته.
«بووا!»
جاءت مسرعة بنقالتها ورفيقتها فقد بعثت إليهما الطبيبة بيون رسالة لتستعدا لمجيئها، بسطها بحذر شديد وجعلته بووَا يتوقف عن ملاحقتهما عند باب قاعة العمليات. سكن يراقبها تختفي بدواخلها، شهقاته غرست سكاكين بحلقه، لم يتمكن من كبحها.
تجاوزته والدته ببدلتها الخضراء وتركته لأبيه الذي جذبه بعناق دافء، تمسك بيكهيون بسترة طقمه الأفحم ليخفي نحيبه بها؛ فتخلل مينهيوك فروته بتحنن ثم خافت بنبرة ناعمة عسى أن يهدئه.
«كل شيء سيكون بخير بني..، إنك تحرق قلبي هكذا.»
لم يستطع بيكهيون النظر بوجه والده خجلًا، أحس أنه قد خيب ظنه، لكنّه لم يحاول توبيخه بل لم يزحه بعيدّا عن عطفه.
تأتأ عندئذ ثم إزدرم غصته ليردف بتقطع.
«أعلم..، إنني ارتكبت غلطة فادحة..، آسف.»
لوى مينهيوك فمه ولم يكتم ضحكته، قهقه بخفة فاِستغرب ذلك إلى أن أفصح والده عن مقصده.
«الاِعتذار لن يلغي هذه المعضلة.»
أسكت بيكهيون تنفسه بالحين الذي غمغم والده ثم أتمم ما بلسانه بخفوت.
«عليكَ تحمل نتائجها.»
حينئذ، لم يظل بلبّ يونغ أي أي شك، ترنمت بنبضات قلب ذلك الجنين وحددت جنسه. لم تصدق ذلك في البداية، لكنّ هذه المشكلة أصبحت واقعا عليهم إيجاد له مخرج لن يدمر مستقبل اِبنهما.
غفت مريضتها بعد هذه الليلة المتعبة، أعادت تضميد جروح علمت أنّ منبعها رصاصات مسدس. ما أيقظ الجزع بوجدانها كان الوشم الذي زينّ كتفها، زخرفة فراشة ملونة بالأرجواني، قضمت لسانها وأومأت نافية، أدركت بهذا الحين أنّ هذه الفتاة فرد ضمن مجموعة الإبادة بالفرقة الخاصة.
«يا إلهي..»
اِنقلعت من سهوها بأنين أيري، هتفت بإسم محبوبها وقاومت رغبتها بالنوم لتشرق برموشها وتبصر خيال أمه، توضحت الصورة أمامها فجحظتا مقلتاها واِنتفضت من فراشها.
حينما لم تبدي يونغ أي بردة فعل سوى نظرة باردة، حدقت أيري حولها ثم تمتمت بسخط.
«أين أنا!»
صنعت الطبيبة بيون تنهيدة ثم قدمت ردًا أصابها بالذعر.
«عيادتي.»
بللت أيري شفتها السفلى ثم جاهدت لتستقيم؛ فاستأثرت يونغ أي ذراعيها بلطف، اِسترجعتهما أيري بخشونة ثم تلفظت ببرود.
«لا تلمسيني.»
شقت الطبيبة بيون فكها بطنز وأشارت بحاجبيها إلى السرير قائلة.
«وضعكِ يستوجب البقاء، أيتها الآنسة.»
«أبتغي الذهاب..»
هسهست من بين أنيابها؛ فبترت يونغ أي حديثها بتهكم ممزوج بالتجهم.
«لكنك تحت مسؤوليتي الآن.»
رسمت أيري تعابير السخرية بفروهتها وأردفت ضحكة مستهزئة.
«لا أريد!»
قلبت يونغ أي بؤبؤيها بتبرم ثم حركت رأسها بالإيجاب.
«لم نجد بطاقة هوية بحوزتك..، أحتاج توقيع واليّ أمرك حتى يتسنى لي إخراجكِ..»
«لا أنتظر أوامرك!»
استنكرت ذلك لكن يونغ أي تجاهلت ما قالت وأعلمتها بما توصلت إليه بعد فحصها.
«لقد كسرتما قاعدة آل بيون..، لم يكتب في تاريخهم أن أنجب أحدهم إبنة.»
توسعت بصيرتها وكأنها تلقت طلقة بصدرها، رمشت ببطء ثم تلعثم فمها ونطقت.
«إبنة؟»
«إن ظلت برحمكِ إلى توقيت ولادتك..، أجل.»
عندما اِرتعش ثغرها غرزت أسنانها به، لم تبتغي إظهار جانبها الهش إزاء هذه الغريبة.
«ليست منه.»
هدرت يونغ أي مجيبة.
«يمكننا التأكد من ذلك.»
رمقتها أيري بكمد؛ فزمّت الطبيبة بيون شفتيها واِنتظرت ردها؛ فزفرت تلك الشقراء غلها ولم تبرر، أرجعت غرتها المبللة بالعرق بعيدًا عن جبهتها ثم تحدثت بجفاء.
«دعينا نعقد صفقة جيدة سيدة بيون.»
ضيقت يونغ أي جفنيها وهمزت.
«حقًا؟»
اِعتصرت أيري مهجتها لتقول مدعية السكينة.
«بيكهيون شاب كالجائزة الذهبية..، لكنني لا أنوي الحصول عليها..، إنه يتمسك بهفوة ربما ما كان عليّ الإستمرار بها..، ساعديني..، وأعدكِ لن أقف بطريقه مجددًا.»
عقدت يونغ أي ذراعيها وحدقت بمنغمسة بعسليتيّها، كان ساهلًا أن تلمح الألم بنظراتها وإن مثلت اللامبالاة.
همهمت الطبيبة بيون ثم تشدقت برنة متلاعبة.
«قد نعقد اِتفاقًا..، كالتنازل عنها.»
«لا أخطط لإنجابها!»
اِندفعت بعصبية متناسية أنها لازلت مرهقة.
«كان خطأ ملعونًا!..، وسأصلح ما خربته..، عليه أن يزيحني جانبًا..، لأنني لن أستطيع أن أكون له..، لكن إن أنجبتها..، فهي لي فقط!»
مدت يونغ إبر أصابعها لترتب خصلاتها الشقراء بحنو.
«إن كانت ستنتمي إلى مضجع ما..، سيكون حضن والدها كافيا.»
نفثت أيري ثقل أعماقها ولم تتماثل لأوامرها، تعامت عن كلماتها، بخطوات ثملة تحركت وتتبعتها يونغ أي وكأنّ شيء لم يكن. بلغت حيث كان يقف وحيدًا واللهفة بعينه، هرول إليها ليضمها؛ فتصدت له بكفها، اِنكساره أظلم حدقتيه لكنها جابهته أيري بقساوتها.
«وداعًا.»
حركت شفاهها واِبتسامة خبيثة؛ فتبسم بدماثة، سكنت عدستيها بعينيه حينما لم يردف عناده مجددًا، فقط نزع حاجزه من أمامها قائلا:
«تفضلي.»
رمقته باِرتياب لكنه قد أفسح لها مجال المرور ثم فاه عندما سكن بموطن قدميه.
«إنها فرصتك الأخيرة..، إما البقاء أو أن تتلاشي إلى الأبد.»
مددت يونغ أي ثغرها؛ فأصدرتْ أيري بذلك الحين ضحكة متهكمة.
«ماذا تظن أنك بحياتي أيها المدلل؟»
«لا أعلم..، لكنني أيضا لم أضع لكِ إسمًا بعد..»
لجمت ثغرها بينما تقمص هدوءه القاتل، نظرة التبرم تلك بمقلتيه لم تهتز.
«إن كنتِ تبتغين حقا إنهاء هذه الرحلة..، اِحرصِي جيدًا أن تبتعدي أمتارّا عن طريقي.»
تشدقت بتلاعب:
«إن لم أفعل؟»
لم يقدم ردًا، تجاوزها وتوجه صوب والدته التي هتفت بسعادة.
«الإله أهدانا حفيدة!»
اِختلج وجدانه بشعور لم يكن بسوابقه، بهجة متوترة اِستدار بها إلى من اِمتلكته؛ فكانت تتسلل ومغادرتها. لم تلتفت خشية التردد، لكنه لم يحدها عن ذلك، تركها وكان به يقين من عودتها.
«أين والدك؟»
تمتمت يونغ أي وسحبت تفكيره إليها، كان مينهيوك حينئذ مستندًا بجدار العيادة الزجاجي، هاتفه فوق أذنه ويرد بنغمة شديدة.
«ركز بعملك بني.»
تنهد كيهيون وضج بإنزعاجه.
«تلك شيطان قاتل أبي..، لن تسعد بيكهيون أبدًا!»
تأفف مينهيوك ثم أجابه بحزم.
«بيون كيهيون لقد أخبرتك كلمتي الأخيرة.»
«حملها لا يعني شيء..، إن من الممكن أن تنسحب ونحصل على وصياته..»
قاطعه والده بنبرة غاضبة.
«لا تحشر ذاتك بينهما، أحذرك كيهيون..»
لجم مينهيوك ثغره عندما أبصرها تعرج باِحتراس، أضحى جدارًا ضخما قبالتها، قناعها البارد جعله يلوي ثغره مبتسمًا، رفعت حاجبًا ثم تمتمت بإزدراء.
«ستعيق طريقي أيضًا؟»
«أعتقد ذلك.»
لم تستوعب ما جاء به؛ فانحنى إلى مستواها متلفظًا بمكر.
«أيتها الفراشة.»
علمه بحقيقتها جمد نبضاتها، لم يفصح عن نيته، ضحك ثم أدار صنارة الحديث إلى التكتم.
«ليم أيري.»
سددت صوبه نظرات سامة؛ فقد وعت أنها لا تتعامل ورجل أعمال عادي، غاصت بخلدها لتجد حلًا لكنه قطع حبالها قائلًا بتهكم.
«سأهتم بتوصيلكِ إلى ذلك الجحيم.»
أوشكا بؤبؤاها أن يقفزا من جحريهما، لكنه لم ينفي ما اِستنتجته، اِنعطف وهتف بخفة.
«لنذهب..»
وجدت أن لا ضير من اِتباعه مادام سيشبع ظمأ فضولها، فتح لها باب سيارته ثم اِنتقل إلى جوارها بمقطورة القيادة، لم يكن هناك سائق؛ فأين سيرحلها بمفرده؟ لقد فتشت بماضيه جيدًا وما كان به سوى حياة عملية. إنه أحد رجال عائلة بيون المنتشرين حول العالم، لكنه الحفيد الوحيد المتبقي في كوريا، إنّ جلهم يعيشون بأوروبا.
باشر بالقيادة ومسيره ظلّ بالضباب إلى أن اِتخذ اِتجاهات تدري وجهتها، دحرجت عدستيها جانبًا إليه فلمحت اِبتسامته، عندما لم يتبقى بسعتها صبرًا، تنهدت ثم نطقت بشكوكها.
«من أنت؟»
«كأنكِ لا تعلمين.»
سخر وأدركت أنها كشفت كليا إزائه، فأفرجت عن عصبيتها وزمجرت.
«إذًا، ماذا تريد؟»
«سأطلب يدكِ للزواج من إبني.»
اِعتلى التعجب ملامحها وتسربت السخرية من فاهها كقهقهة متقطعة ثم همزت.
«تهزأ بي؟»
أطفأ محرك سيارته ببقعة تزلزت وأنزلتهما إلى جوف القاعدة الفولاذي، المنفذ السري الذي سبح به لم يكن بعلمها، كانت ستستنطقه وخاطت فمها حينما شغل جهاز الإتصال المعلق أذنه.
«إنني هنا وفراشتك.»
فور بلوغهما المدخل الرئيسي، ترجلت دون أن تنتظره، كان مينغيو عند البوابة والقلق به قد تأزم بعد قدومها. فعلتها اِنتشرت بينهما كالصاعقة فالطبيب ليو أفرج عن سرهما ليتجنب العقاب.
لم يستغرب مجيء الرجل الذي خلفها، ذلك ما تكهنته أيري فقد نفذ مينغيو التحية العسكرية وكأنه جزء من حصنهم، أرجحت بصيرتها بينهما؛ فأثوى عندئذ مينهيوك رقبته وتمتم مخاطبًا زميلها بدماثة.
«يبدو الأمر ممتعًا..، لكن هذه الأجواء لا تناسبني يا جانغ.»
سعل مينغيو ثم أردف بارتباك.
«احترامًا لك سيدي.»
رفع مينهيوك حاجبيه وأومأ.
«ذلك لطف منكَ.»
خمدت أيري إلى أن مضى بمفرده، بحلقها كانت أسئلة بزغت حالما تلاشى بين الأروقة؛ فجذبت ذراع رفيقها قائلة.
«ماذا له أن يفعل هنا؟»
اِستعمر معصمها وقادها إلى جهة غرفهم، دلف بها إلى جناحه ثم أغلق على خلوتهما، شعرت أن هناك ما قد صنع أثناء غيابها فقد اِتكأ على بوابته ثم صات بحنقه.
«ماذا بك!»
صرخت فأجابها بغليان.
«لما قذفتي نصيحتي هباء؟..، لقد حسم أمرك بالموت!»
لم تتأثر لذلك، لم تخشى النيطل قبلًا، فهمهمت ببرود.
«أمر بسيط، أليس كذلك؟..، حينما توسلت للعفو عنك..، تم الحكم عليّ بأن أتكلف بقتلك قبلهم!»
«لا تتذمر كالأطفال!»
شق خذه وبسمة متهكمة ثم صرّ بحدة.
«ممتاز..، هل لي بقتلكِ الآن!»
دحرجت بؤبؤيها بتبرم ثم سخرت.
«المسدس بخصرك.»
تأفف ثم بعثر خصلاته بعنف.
«لو أنني تأخرت..، لو أنني لم أعترف بهوية والد الجنين..، كنا سنقع بورطة لا مخرج منها!»
«ما علاقة ذاك بذلك؟»
قطبت جبينها متلفظة فرد بنبرة متعبة.
«بفضله إنّك إستثناء الآن.»
اِستغربت قائلة بغير تصديق.
«لن أعاقب؟»
«ربما.»
إن بحته المتوترة تسترت عن جزء مدفون، لم تمرر ما قاله، أقفلت فكها للحظات ونظراتها باتجاهه أخرسته.
«ماذا؟»
فاه؛ فأرست يديها بخصرها ثم اِسترسلت.
«بيون مينهيوك هذا..، ما مدى سلطته؟»
«إنه عم القائد واين.»
بذلك الحين أغار مينهيوك حصن الزعيم جانغ ري، كان قابعًا بسطح مكتبه ونهض حالما تقابلا مجددًا، أصدر مينهيوك تصفيرته المعتادة ثم همزّ.
«ألم تشتاق إلي يا فتى؟»
«عليك اللعنة.»
«جئت لأبارك لقب الجد وأنت لم تبلغ سنّ الرشد بعد.»
لم يخفي ري اِمتعاضه؛ فعدل مينهيوك ياقة طقمه بهدوء ثم تلفظ بخفة.
«ما فتئت لا تحسن اِستضافة ضيوفك.»
اِعتصر ري قبضته واِستجمع وغره بداخله ثم اِنفجر به عندما آستفزه مينهيوك بخبث.
«اِبنتك تشبهك.»
اِنقض ري بلوثته عليه؛ فتفادى مينهيوك لكمته وأحكم سيطرته على ذراعه قائلًا.
«تلك الطفلة كانت أمامك طوال الوقت..، لكنها لا تعلم بشاعة والدها العزيز.»
«أيها الوغد!»
إستشاط به ري وسدد لكمات أخرى كبلها مينهيوك بكفيه ثم أرجع إحداهنّ إليه؛ فتستوطن قرب خذه دون أن تلمسه.
«أليس من الحقارة أن ترمي صغيرتك إلى النار؟..، إياك أن تنكر أنك لم تكن تعرف!..، أخبرني سونغهيو أنك من أتيت بها إلى هذه اللعنة..، كنت مدربها حتى تكون قاتلته!»
«إنها اِبنته وتلك!»
ركد مينهيوك وضيق جفنيه متحدثا باستنكار.
«أعليّ تصديقك؟..، إنني لا أقدم اِتهامات دون دلائل أيها السافل!»
نفث ري شحناء هاويته ثم جلجل.
«آبنتي قتلت ودفنت!..، بسببه!..، لذا جئت بتلك..»
قيد صوته عندما قاطعه مينهيوك بصخب.
«لتدفع ثمن ذنوبه؟»
دور ري حدقتيه متجنبًا اِشمئزاز ملقتيّ مينهيوك لفعلته؛ فبرر ذلك ببرود.
«علم أنها اِبنته لكنه لم يحرك ساكنًا.»
«لقد خدعك أيها الأحمق!..، اِبنته وكوزيت لم تولد حية!»
لم يكن بمقدرته تصديقه، أن يكون ذلك واقعًا سيقذفه إلى اللظى، طوى طفولتها وأحدث بها قاتلة لا ترحم، نفى هذا بقلبه وكذب ذلك مردفًا بحنق.
«كلا!..، ليست كذلك!»
غرس مينهيوك لسانه بوجنته ثم غمغم بقلة حيلة.
«إنني أريدها..، هي تحمل حفيدتي.»
اِكفهرت تقاسيم ري؛ فجابهه مينهيوك وبسمة ساخرة أخرى.
«سفاحتك تتملك ذوقًا رفيعًا بالرجال.»
لم يعر ري اِهتماما لما قاله؛ فالصدمة ربطت أوصاله، أصبح صنمًا يقاوم الألم، أما مينهيوك فقد ربت على كتفه.
«كيف ستتصرف الآن؟»
لف ري ظهره إليه ثم ضغط زرّ جهاز الإتصال المعلق بأذنه، تكلم حالما أجابه مينغيو.
«أيها الزعيم.»
«أحضرها.»
«أخي..، رجاءً.»
اِسترد ري أنفاسه ثم تمتم بنبرة غليظة.
«لا أكرر أوامري.»
خشي مينغيو زوالها بشدة، نائمة بأريكته السوداء وقلبه أبى أن يسلمها إليه في حين إنها بقضبانه. تنهد بقلة حيلة واِذعن لحكم أخيه؛ فزعزع كتفها بلطف ليتفتح بصرها.
«القائد..»
نبس؛ فكسرت كلمته بخمول.
«ليكن لموتي معنى..، اِقتلني أنت.»
تمددت لتعانق الوسادة؛ فمسح على فروتها وأردف يأسه.
«لن أستطيع.»
أفرشت فمها ثم أزاحت جذعها لتحط برأسها فوق ركبته وضمته بين ذراعيها قائلة برقة.
«سأكون سعيدة حينئذ.»
«أبدًا..، لن أسمح بذلك!»
إحتد؛ فاِنزاحت عنه لتستقيم، مضت لتمشي فومق رسغها بيده وترجى أن لا ترتكب جنونًا.
«حبًا بالرب.»
قهقهت وطبطبت على ذراعه اليسرى ثم قالت.
«ليس بذلك السوء..، ولا أنوي الهرب كجرذ وضيع..، إنني هنا ليس لأنني لا أخاف الممات..، لقد ترعرعت بين هذه الجدران..، وسأكون وفية لها.»
حينما تقدمت لاحق خطواتها، لم يكن بوجدانها خوف وما به سوى اِرتياع يمقت خسارة من قد اِعتبرها أخته الصغيرة في حين كان شقيق والدها منذ البداية دون أن يدرك ذلك. فؤاده تصلب حينما دلفت مكتب أخيه، كان بمفرده وتوقع أن يجد بيون مينهيوك، لكن الفراغ كان حاضرًا عوضا عنه.
قدمت تحيتها واِلتزمت ببقعتها بينما كان بمقعده يحملق بها، يعي جيدًا أنها ليست بخائفة من العقاب؛ فقد آتت طواعية إلى النهاية.
تجهز مينغيو بجوارها ثم تلفظ بهدوء.
«سيدي.»
«اِنصرف.»
تمتم ري ببرود؛ فكان سيعصي أمره، لكن أيري تدخلت وطلب أن يتركهما وجها لوجه.
«أود أن أحادث القائد بمفردي.»
«غادر!»
فحّ ري من بين أسنانه، لكنّ أيري تبسمت لعمها كي تطمئنه.
«كل شيء سيكون كما ينبغي.»
دعس مينغيو رغبته في البقاء ثم اٌنحدر بنصفه وولى برحيله إلى الخارج، تمهلت إلى أن حظيت بوحدانيتها وهذا الرجل الذي كان زعيمًا لما ارتكبته بسنواتها الميتة. اقتربت من مكتبه لتنقر بسبابتها طاولته، تحسست خشبها وسارت بسبابتها إلى الحافة لتنتزع حلقة مصغرة للتنصت.
أشهرتها إزاء أنظاره ثم اقتلعت الآخرى المتبثة بدخل أذنها لتلقي بهما إلى الجدار، ما لفظ بهذه القاعة قبل خروج مينهيوك كان برأسها. تظاهرت بالنوم أمام مينغيو، تخميناتها لم تشمل ما تفاجأت به، لقد نُقلت إلى هذا الكون القاتل منذ أن بلغت السادسة بعدما ترعرعت بالميتم فقط لينتقم من ذلك الرجل جانغ سونغهيو الذي يكون أخاه غير الشقيق.
لم تدشن حوارًا، فقد كانت البداية منه.
«التعليمات كانت بخط من الدماء.»
«ما معنى الحب؟»
اِرتفع من جلوسه وسل مسدسه ليبسط فوهته بجبينها، انتظرت رصاصته لكن أصابعه ارتعشت رافضة الرضوخ.
«قال أنه يحبني بجنون..، ماذا يعني ذلك؟»
نظر إلى قطرات تسربت من عسليتيها لأول مرة، قناعه حافظ على جموده وكأنها لا تعنيه؛ فجففت غيثها بكم قميص بيكهيون وتمتعت بأريج عطره لآخر مرة.
تفاقم نحيبها وتأوهت للوعتها مهسهسةً.
«ماذا يعني ذلك؟..، أن أحتاج إلى عناقه بشدة.»
صنعت زفرة مخنوقة ثم كنست حطامها وكأنها تستعد للختام.
«جاهزة يا سيدي!»
أغلقت جفنيها لقدرها ولم يكن بجنانها رغبة لتتأكد من أبويته لها، لطالما اِعتبرته مثلها الأعلى، رغم كرهه لها تعلقت به، لعبت دور دمية القتل جيدًا لتحظى باِعترافه، عاشت لتكون مثله، أن يفخر بما صنع.
الصراع به كان قائمًا أيضًا وأنكر اِحتمال أن تكون طفلته؛ فلن يغفر لنفسه إن كان مينهيوك صادقًا. عندما قرر أن لا يخطئ بالمزيد، أبعد سلاحه متمتمًا:
«لكِ إجازة محددة..، الطفل لهم وأنتِ لعملكِ.»
«إنها فتاة!»
هتفت وأوصدت عروقه بغصة حارقة.
«إنها ملكي..، إن لم يكن باِستطاعتي الحصول عليه..، أريد جزءً منه.»
«لستِ بمضجع للاختيار..، أوامري تنفذ فحسب وإياكِ المراوغة.»
اِتسع فمها وابتسامة مرحة، إنها لا تهاب ما سيلعن به، الأسوأ قد حلّ وبفضله حتى.
«لا تتحدى حماقتي أيها القائد جانغ..، سأتحمس وأقبل عرضه بالزواج.»
الغضب لون ملامحه وتلذذت بذلك، كانت تتكبد ما بمقدرتها وأرادت أن تعاتبه، لم تجد كلمات بمخزونها، لم تتعلم منه سوى سفك الأرواح.
«سأرتدي ثوب العروس..، سبق ورأيت واحدًا..»
أخذت تتسكع بحجرته ثم استدارت إليه وقالت.
«صورة حبيبتك، من كانت زوجتك..، بزفافها وأخيك.»
حفرت بجراحه الماضية، لم تحسن جلب سيرة من مقتها لأيام طويلة، أنعشت الوحش الذي بكيانه فصوب طلقة كادت أن تصيب وجهها لو أنها لم تتعثر.
اِختل توازنها وأردفت ضحكة برعونة:
«لم تستطع إنقاذها..، تذكر؟..، قتلها بينما كانت حاملًا بجنينكما.»
داهم رقبتها بقبضته لكنه لم يقوى على أذيتها بالمزيد، ما فعله بها طوال تلك السنين نفخ رماد روحه، لم يجد الهناء في ما تلقته، سقاها الشر ليحقق عدالته؛ فإرتد عنها وكافأته بعناق، طوقته بذراعيها وأراحت وجنتها فوق صدره.
بذلك الحين جحظتا مقتاه وهمد مشلولًا إزاء ما أقدمت عليه، دست أنفاسها لتلثم رائحته الجميلة، لم يأذن لها بالاقتراب قبلًا، كانت منبوذة بعهدته؛ فاستغلت سكونه لتفوز بهذه اللحظة النادرة.
زحف كفها وأخذ مسدسًا كان بجيبه الخلفي، أبانت عنه بخفة؛ فيلمح ما صار بحوزتها، جهزته بمهارة ثم وجهت منطلقه إلى صدغها.
اِزدرد ما صك حلقه وإحتدمت نبرته لينهاها عن ما صممت عليه.
«إياكِ.»
ابتسمت بينما داعبت بإبهامها الزناد وأردفت.
«سأحقق أمنيتك أيها الزعيم.»
أومأ نافيا كي يردعها فلا تذنب بذلك.
«يكفي!»
حدقت تجاهه لتحفظ تفاصيله للمرة الأخيرة، كان جليا أنها لن تتراجع؛ فصوب سلاحه إلى رأسه أيضًا. الذعر اجتاح أطرافها واستشعر ذلك، إنها تهتم لأجله، يعرف كم أنّها لن تتنازل عن فطرتها، درعه الحامي الذي دربه وكان كخياله طوال الوقت.
آوت يدها إلى الأسفل ولم يبرح بصرها مهابة ذهابه عوضًا عنها، فكرة أنه قد يؤذي نفسه بسببها لم تكن تسلية، بالرغم من شناعة ندوبه لم تلمه، بل لم تفكر في لومه، ما تمنته أن لا يحمل حقدًا نحوها، أن تكون شخصًا ما وليس أداة تصفية كما يلقبها.
حينما ألغى إعدامه تنفست الصعداء واِسترجعت تقاسيمها البهية الحياة، حشر المسدس بحزامه وقلص المسافة بينهما، فرتقت ستاريّ نظرها لتخضع لإرادته.
«لكِ حريتك.»
فاه واِنسحب مسرعًا، كان مينغيو بالرواق يتغلغل وخروج أخيه من هناك لم يكن كافيا، أدبر ولم يدع له فرصة ليملأ ظنونه؛ فذهب إلى من أضحت وحيدة هناك، كجثة تائهة، عصب مينغيو كتفيها وأدارها إليه، وهي كانت كالجدار.
«أيري.~»
خافت بحنو؛ فاِسترجعت أنفاسها مجيبة.
«لقد..، تخلى عني.»
●●●
-يتبع..
القصة في بدايتها.. إنها فصول تعرفية تقريبًا..، لكن المثير قادم وسيكون قفزة نوعية.
دمت في صحة وسعادة ❤.
رمضان كريم 💞🔮
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro