Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل الثاني.

مذكرات بيون يوجيني© :

{كنا عقابا لبعضنا البعض..
أحب النظر بعينيك وأن أرى الندم بهما..
حينها تشعرني بأنك تستحق ما جرى.}

~~~~

ضحكة جيسونغ الخبيثة قد تسربت بنغمة بطيئة بينما تصنمّ قلب بيكهيون خاضعًا لصدمته. كان الآخر مستمتعا بفعلته وذلك لم يكن ضمن توقعات حفيد آل بيون الجديد. اِنفصل عنه جيسونغ جونيور ثم وقف قبالته ليغزل مزيدًا بصوف الصعقة اللآتي عانقنّ محيا إبن عمه. ظلّ الفتى الصغير شاردًا بحافة الدرج للحظات قبل أن يرفع نظراته الحانقة صوب إليه.

رسم جيسونغ اِبتسامة حادة ماكرة، ثم قال:

«لا تفزع..، سأحفظ سركما بصدري.»

كان تهكما منه، لكنّ بيكهيون لم يبدي ردة فعل؛ فمد جيسونغ يده لتطأ كتفه، إنكفأ عنها اِبن ريوجين ثم تمتم ببرود:

«أتراني غرًا يسهل اللعب به؟»

اِنغمس جيسونغ به واِنتظر إجابته؛ فشق بيكهيون فكه وأضاف بنبرة متلاعبة:

«يا لك من وغد مدلل..، لوهة جعلتني أصدق ذلك!..، وأنسى أنك تلعن العالم إذا اقتربت من لعنة تخصك..، تلك المرة..، ألقيت القيامة عليّ فقط لأنني كنت أوشك أن ألمس سيارتك..، ووبخت مدبرة الجناح الأول لأنها رتبت ثيابنا معا..، والآن تقول أنك قدمت لي فتاتك الطاهرة كي أستعملها قبلك؟»

تواجها؛ فتبادلا النظرة السامة ذاتها. همهم جيسونغ حينها واِنحنى إلى مستواه ليهمس برنة ساخرة:

«من المثير للإهتمام حقا..، أنك قد بدأت تتعلم كيف تكون بيون..»

قبض بيكهيون على ياقته مقاطعا حديثه وصرّ من بين أنيابه بحدة:

«تجاهلي لأفعالك الماضية لا تعتبره ذريعة..، فمازالت أعمى عن حقيقتي..»

أخرس لسانه حينما أبصرّ جزءً من وشم طبع فوق كتفه؛ فأعلى ببطء بصيرته إلى مقلتيّ جيسونغ الذي أمسك رصغ اِبن عمه ليزيح ياقته كاملة، حينئذ اِستطاع رؤية رسم عنكبوته الأسود.

«أنت..»

نطق بيكهيون بتقطع واِتسعت اِبتسامة جيسونغ بشراستها قبل أن يتشدق:

«يبدو أنني بذاكرتك أيها الجرو

إنه لقاء لا ينتسى، عشر سنوات اِندثرت ولم تمحي تلك الأيام ذلك الحدث..

كانت هناك عصابة تنشط باِختطاف أطفال الشوارع لتبيع أعضائهم النيئة بالسوق السوداء. بيكهيون ورفاق طفولته المشردة بين الطرقات قد كانوا ضمن آخر طلبية تم الإعداد لتسليمها بذلك الحين.

ما يفوق عشرون جسد صغير قد أقفل عليهم بصندوق حديدي أحمر كان سينقل إلى سفينة مجهزة لتبحر بصناديق أخرى ممتلئة بمصابيح منزلية باِتجاه اليابان.

اِرتجف بيكهيون حينما تذكر تلك اللحظات المريرة، فتح أعينه المتعبة بالظلام الحالك. حاول التحرك؛ فاِرتطمت قدمه بوجه طفل آخر تأوه متألما. كانت أجسادهم ملتصقة في بينها كعلب السمك.

خسرت أنفاسهم الهواء وبدأ السعال يتراكم بينهم ومنهم من فقد وعيه. ظن أن تلك النهاية، لكن اِحتكاك مفتاح سجنه أيقظ اِنتباهه. ظهر ذلك الضوء أخيرًا وهوى الأطفال كدمى صلبة أمام ذلك الخيال الذي أشهر مصباحًا يدويا صوبهم واِنشغل في البحث عن أحدهم. الإنارة اِستقرت بوجه بيكهيون؛ فأغلق جفنيه منزعجًا. الأمر لم ينتهي هكذا؛ فقد أحاط ذلك المظلم ذراعه حوله ورفعه ليستقر فوق كتفه.

أدبر ليغادر به؛ فتخبط بيكهيون كي يحرر نفسه وصرخ بكل ما بمقدرته:

«دعني أيها اللعين!»

أقره ذلك الرجل الطويل الملثم إزائه وهمس بنبرة حادة:

«اِهدئ..، أو سأقتلع حلقك أيها الجرو

نظر بيكهيون بمقلتيها السوداء بهدوء ثم قال بثبات:

«أنزلني..، لست بكيس بصل

أسقطه؛ فصاح بيكهيون فزعًا لكن الملثم اِلتقطه مجددًا وقرب وجهه منه ليصرّ من بين أسنانه:

«ولست مستعدا لأتآكلا ندما لأنني أنقذتك

اِزدرد بيكهيون ريقه ونظر نحو الصندوق عندما سمع أنين صديقه بابلو مناديا باِسمه.

فأرجع عينيه إلى الملثم ثم فاه بتردد:

«ساعد أصدقائي..، رجاءً

صدى طلقات نارية بدت قريبة من الضفة اليمنى، جعلت ذلك الرجل يتأفف ثم أرقده أرضًا بلطف، خلع سترته الجلدية السوداء ولفّ دفئها حول بيكهيون بخفة ليحشر رأسه الصغير بقلنسوته.

قبض على ياقتها وتحدث إليه بحزم مشيرًا إلى الجهة اليسرى:

«ستركض بكل ما أتيت..، لا تنزعها عنك مهما حدث..، ولا تنظر خلفك..، إنني أعدك..، سأحرص على سلامتهم.»

أثناء ذلك قد لمح وشم العنكبوت الذي اِكتسح كتفه وذراعه العاري. لم يجد سبيلا سوى أن يطيعه؛ فقد اِشتد صوت تبادل الرصاص. استدار بيكهيون إليه لمرة أخيرة؛ كان عندئذ يجهز مسدسه واِلتفت إليه أيضا ثم أشار له بيده لكي يرحل.

أدار بيكهيون جذعه ثم زاد سرعته رغم أن السترة قد أعاقت سيره، لكنه تتبع أوامره.

زفر بيكهيون غصته واِسترجع وعيه بحاضره؛ فرأى تعابير جيسونغ الساخرة قبل أن ينطلق مغادرًا، لحق به ليكبح مسيره قائلًا.

«لم تجب.»

دحرج جيسونغ مقلتيه بتبرم ثم نبس بطنز وهو يعيد بؤبؤيه إليه:

«سأقدم نصيحة ثمينة لك..»

زمّ بيكيون شفته بينما جيسونغ أكمل قوله بإزدراء:

«لا تستدر لحقيقة لن تجني من خفلها سوى الهلاك..، بيون بيكهيون.»

غاص اِبن ريوجين بعينيّ صاحب وشم العنكبوت وتلفظ بتهكم:
«إذًا، كنت تعرف من أكون؟..، لما قمت باِنقاذي وأنت تكرهني إلى هذا الحد؟»

أخرج جيسونغ ضحكة مستهزئة ولوى ثغره، كان سيهمّ برحيله لكن بيكهيون أحكم سيطرته على ياقته؛ فقلب جيسونغ الأدوار ولفّ ذراعه ودحره حتى اِلتصق جسده بزجاج النافذة الخلفية التي أظهرت اِنعكاسهما.

سحب جيسونغ بيكهيون مجددًا حتى يبصر ذلك مردفًا:

«تفاصيل وجهك ترعبني حقا!»

رمش بيكهيون ببطء غير مستوعب ما يعنيه وحرك رأسه لينظر إليه؛ فكبل جيسونغ ذقنه وأداره ليقابل زجاج النافذة.

«عليك بالاختباء..، فالشياطين كشفت وجودك أيضا..، لا أظن أن بتوقعاتهم ستكون بهذه الدقة..»

أبعد يده بينما تصلب بيكهيون ببقعته؛ فصنع جيسونغ تنهيدة وربت على كتفه متممًا بسخرية:

«حتما أن ذلك قد أيقظ حماسه الٱن..، ستعوض مكان ريوجين..، لتلعب دور الوحش وتخلف عرشه.»

أدبر بعد ذلك تاركًا اِبن عمه صنمًا بأعين واسعة. لهث بيكهيون بتنفسه الثقيل، وشهق عندما تفاجأ بخيال والدة جيسونغ نارَا خلفه.

تبسمت برقة ثم أتممت صعودها إلى الطابق الثالث متلفظة بخفة:

«ليلة سعيدة أيها الصغير الوسيم!»

لم تكن كذلك، لقد قضى ساعاتها الطويلة جالسًا بعتبة ذلك الدرج، أشعة شمس الصباح أضاءت ظهره بينما بصيرته مازالت عالقة بتتمة الدرجات الخمس المتبقية كي يصل إلى الطابق الثاني حيث غرفته.

إلى من قد رمي جيسونغ قصده بحديثه ذاك؟

جوعه لمعرفة ما يختزنونه توغل إليه سلطان الشك وحلّ التردد ليبسط جذوره بدواخله. جيسونغ جونيور كان الملثم، هم لم يجهلوا مكانه!

شعر حينها أنه قد اِبتلعت الطعم!

أما يوجيني؛ فقد أمضت دجاها مختبئة بالحمام، بعدما اِستيقظت، كانت منهارة وطالبت والدها بالمغادرة. اِضطر أن يمنحها وقتًا لنفسها، أرادت والدتها أن تكسر وحدانيتها أيضا لكنّها رفضت ذلك، وقامت بطردها بعنف.

حاولت مرارًا اِغراق نفسها بالحوض، وما أن توشك أن تخسر أنفاسها تتخبط لتسترجعها. اِنكمشت بنهاية الأمر داخل خزانة الثياب الخشبية المهيعة. ضربت جبهتها بالجدار عسى أن تمحي تلك الذكريات المسمومة من أعماقها.

نوبة الهلع فقط من قذفتها خارجا، لم تستطع حدها؛ فأرغمتها على الفرار بحثًا عن الهواء.

بتلك الثانية توقف بيكهيون بنهاية درجات الطابق الأول حينما أبصر جانغ كانغهو قادمًا من المدخل الخارجي وبيده ملف أصفر. تبادلا نظرات هادئة؛ ذلك الرجل تفحص شكله باِرتياب وحرك شفتيه وكأنه يلعن شيء ما.

هل إلى هذه الدرجة، يشبه جده؟

فجأة! دوت صرخة يوجيني؛ فاِستدار وتجمد بموطن قدميه، نزلت برعونة وبصيرتها مغطاة بضباب دموعها. تعثرت حينئذ وتجهزت لتهوي لكن والدها دحر ما كان بين أصابعه واِندفع ليلتقطعها بين ذراعيه.

ما فتئ بيكهيون متجمدًا باِنغمار الفتاة بصدر أبيها، لقد تمسكت به واِنهارت بكاءً. لم يكن أمرًا مختلفًا عن ما يبصره عادة؛ فكم كانت الشوراع تعج بلحظات كهذه، لكنّ الأمر بات مختلفًا بينما تقبل أن ينتمي إلى أحدهم.

لو أن لريوجين وجود بهذه الحياة، هل كان ليحتضنه هكذا؟ فكرّ أنه ليس بحاجة لحضن تافه! إنه رجل الآن!

يريد أجوبة تخرجه من هذه المتاهة التي أردم بين جدرانها ضائعا وهو السبب.

رفع كانغهو اِبنته وساقها إلى أريكة البهو ليجلسها بنعومتها ثم كورّ وجنتيها بكفيه ليجفف دموعها. كانت يائسة، تحتضر من الوجع. ذلك مزق فؤاده وليس من مصلحته أن يظهر ألمه لها؛ فإنه يتوجب أن يكون صلبًا ليسندها حتى تتعافى من هذه المصيبة.

«أبي..، إنني..»

تأتأت وقبضت أصابعها على حواف سترته.

«اِغفر لي.»

فاهت بتقطع؛ فأراح رأسها فوق كتفه وتخلل خصلاتها بحنو. نظراته الحمراء الساخطة دحرجهما؛ فوقعا صوب بيكهيون الذي لم ينزل نظره عنهما.

اِستشعر رفض ذلك الرجل حضوره بينهما؛ فكان مراعيا واِنسحب إلى الأعلى مجددًا. لم يكن بخلده جهد ليدس به اِقتراحات أخرى. دلف حمامه الفاره وضغط زرّ الحوض ليحرر صنبور المياه الدافئة. اِنغمس باِتساعه وثيابه التي تكاسل عن نزعها ثم أرسى رقبته الخلفية على حافته.

التعب قد بسط تحكمه وأوصد جفنيه ثم تحدث إلى روحه معاتبا. رأى أن ما يعيشه كابوس عليه أن يستيقظ منه؛ فلا جدوى من الحفر خلف ما لا يدرك نهايته.

فقد حواسه وغفى، لم يستشعر ذاته حتى حلت لحظات عودته. اِلتقطت أذناه طرقًا لخطوات مغادرة؛ فرفرف برموشه المثقلة وأبصر خيال رجل يستتر بمعطف أسود طويل.

فتح بيكهيون بصيرته وقد شارف ذلك اِندثار ضيفه. حينئذ مرر بؤبؤيه إلى كلا جانبيه؛ فاِستوعب أنه مازال ممددًا بالحوض، لكنّه قد أفرغ من مياهه وقام أحدهم بتغطيته بملائتين رماديتين دافئتين. حرك أضلاعه المتشنجة وأبعدهما ليستقيم؛ فوقعت عدستاه بصورته المنعكسة بالمرآة.

طقمه الملتصق بجسده قد أنعش ذكريات مؤلمة أخرى، جثته الصغيرة المرتعشة المركونة بقارعة الطريق بعدما تلقى ركلات جانحة من رجل قد اِشتبه به واِعتقد أنه سارق محفظته.

لقد هطل مطر غزير يومها واِغتسلت جراحه؛ فاِمتزت دمائها بملوحة مياهه. كان بالسادسة من عمره، لكنه لم يلفظ دمعة واحدة حتى. لم يسبق له أن بكى بيوم من الأيام. إن فعل؛ فإن ذلك ليس مما قد خزن بوعيه. إنه يتعجب من ذلك أيضا، لكنه لا ينكر برود مشاعره، قال مبرراً أنه قد اِعتاد قلبه الألم؛ فبات ذلك ما يلازمه دائما.

دحرج عدستيه بتبرم ثم ساق ذاته إلى خزانة المناشف؛ فقابل مصدمته!
والدة جيسونغ نارَا منكمشة بظهر الطرف السفلي وتكبل ساقيها بين ذراعيها. لثانية ظن أنه مازال تحت غيهب النوم، لكن صورتها المرتجفة لم تتزحزح.

انحنى بركبته وحمحم، لكنها لم تبدي تحركًا؛ فنطق:

«سيدتي.»

رفعت رأسها بتردد؛ فأبصر عيونها المنتفخة بالبكاء، ملامحها كانت متعبة حقا وشفتاها تقفقفاتا حينما حاولت التكلم.

«هل أنتِ بخير؟»

تناسى أنها تختبئ بخزانة حمامه ووضع وضعها تحت اِهتمامه؛ فكان ردها مفزعا له. لقد ارتمت إلى صدره، عانقته بلوثة وكأنه قارب نجاة!

منحها اِذنه ببقائها بينما اِنهارت على كتفه وبسطت جبهتها فوقه لتنتحب. كانت تئن وتهمس بالإسم الأول لوالده بين شهقاتها.

تنهد وهمس بلطف:

«سيدتي..، اِهدئي.»

اِنتفضت مفزوعة عندما تلفظت أنفاس إدراكها، إزدرمت ريقها وهي تحملق بوجهه بتعابير قد صبغت بالذعر. لقد أوقعت ذاتها بخندق من أسئلة لن تستطيع الانفلات منها.

اِستشعرت هدوئه، ولقد تبسم محاولًا أن يخفف من اِرتياعها الجامح. ما أخافها لم يكن بتلك السهولة، إنها تخشى الخروج الآن من جناحه، لقد اِختبأت هنا كما كانت تفعل بالماضي وكأنّ ريوجين قد عاد إلى الحياة مجددًا.

لم يعد حينها مجال لاِختلاق قصص؛ فلن تتمكن من حمايته بمفردها.

«بيك..»

تعتعت، لكنه صنع تنهيدة واِرتفع عن الأرض ليجلس بحافة الحوض قائلًا ببرود:

«إنني مستمع جيد.»

حركت يديها وهي تقاوم كي تشرح ما تعنيه:

«هل تمتنع أن نبقى هنا..، لا أرغب بالمغادرة

رمقها باِرتياب؛ فحمحمت وأردفت بمشقة:

«لا تسيء ظنوني..، فقط دعنا لا نخرج حتى يعود جيسونغ.»

همهم ثم رد باِبتسامة ساخرة:

«أحتاج أسبابا

اِبتلعت ما صك حنجرتها ثم نبست بنبرة مترددة:

«الذي..، جئت برفقته..، ليس جدك.»

رفع بيكهيون حاجبيه وتيبس من الصدمة، اِنسكبت دموعها حينئذ وتنهدت براحة بليغة ثم أتممت:

«ذلك كان توأمه بيون جي سانغ..، جدك قبل سنوات وضع شرط إعادتك..، كبطاقة ذهبية لتقاعده عن خدمته

أصدر بيكهيون تصفيرة ولوى فكه ثم وجه عدستيه الحادتين صوبها؛ فأزاحت بصيرتها عنه وتلفظت بقلة حيلة:

«كنا نخفيك عنه..، ليتقبل ولادتك ميتا..، لكن جي سانغ بالنهاية أنهى ذلك بخيانتنا واِستسلم..، وجودك بيننا يعني أنه..، قد سلمك للشيطان.»

بلل شفته السفلى ثم فاه:

«اِبنك قد لمح لقدوم الشيطان..، أيهما يقصد؟»

فصلت حديثه محركة رأسها بالايجاب.

«أنتما من نسل بيون جي سونغ..، وهو نجاسة من الجحيم حقا..، أما جي سانغ مجرد عبد مطيع له

ركع بيكهيون بركبته إزائها مجددًا وسألها بفضول:

«من الشيطان؟»

اِهتزتا شفاتاها بينما كبحت أنينها بصعوبة:

«بيون..، هيونغجين

ضيق جفنيه ليستوعب قولها، اِعتقد أنه قد قابله سابقا؛ ألم يكن ذلك الرجل الذي اِصطدم به؟

«زوجك؟..، هناك سوابق بيننا..، فر هاربا.»

نطق؛ فسددت تركيزها إليه.

«كلا..، ذلك كان ووهيونغ..، توأمه..»

رسم بسمة متهكمة وسخر:

«أهناك نسخ أخرى أيضا؟»

أرغمها على التبسم بينما مرر لسانه فوق شفته السفلى ثم دعك رقبته. ذلك ذكرها بوالدته، فيبدو أن كلاهما لا يستطيعان إخفاء توترهما. هزّ رأسه لكي تتمم؛ فجاهدت لتبوح ما بجعبتها وقالت:

«ووهيونغ..، ضحية أخرى بيننا..، لا أحد قد عانى بقدره..، التوحد جعل منه منبوذا وكان يعاقب فقط لكونه ولد مختلفا.»

مسح بيكهيون وجهه بكفيه وأصدر زفرة، تخبطت الأفكار بخلده، كان تائهً ولم يتوقع خيرً مما تلقفه منها.

تزعزع صوتها وأضافت:

«اِحذر..»

كاد ينهض لكنها قيدت كتفيه بيديها المرتعشتين وتوسلت له بمقلتيها المنتفختين.

«حبًا بالإله..، لا تدع جهودنا تذهب سدًا..»

«أي نوع من الشياطين يكون هيونغجين؟»

أغلقت على حدقتيها وترددت في تسريب ذلك؛ فاِستقام ومضى ليغادر حمامه، لكنّ باللحظة التي كاد فيها أن يبلغ عتبته نبست بقهر.

«قتل ريو!»

تراجع وحدق بها بينما الصدمة قد غلفت كيانه؛ فتجاوزت ذلك مبعدة عنه عيونها البنية. لم يكن هناك داعيا لبقائه. تقدم مغادرًا واِرتفعت لتمنعه عن ذلك، لكنه أحدث ذهولا بها؛ فقد توجه إلى خزانة ثيابه وأخرج مما سيستتر به.

تيبست ببقعتها في حين تلفظ بتبرم:

«أتمنى ألا أكون فظا، لكنني بحاجة للإنفراد بالحمام.»

سعلت اِحراجها وأفرغت المجال لخصوصيته؛ فانشغلت بإغلاق باب جناحه بالمفتاح الذي قد أخفته بصندوق كان بخزانته. جلست بطرف فراشه منتظرة، لم يدوم ذلك طويلا حتى عاد مرتديا الثياب التي جاء بها إلى هذا القصر.

قميصه الأبيض البسيط بلا أكمام وسرواله من الجينز، تفحصت هيئته وقد فهمت أنه يستعد للذهاب إلى مكان ما.

لم تستنطقه، أوصدت فاهها في حين لبس حذائه الرياضي الأفحم. عندما أدار مقبض الباب ولم يستجيب له، استدار إليها؛ فأدارت بصرها إلى الطرف الآخر كرفض.

«هل تم احتجازي؟»

اِستنكر بنبرة هادئة ولم يكن بفمها عذر، إن تلك حدودها؛ فإبنها قد سافر برحلة عمل إلى فرنسا صباحا ولم يحدد موعد عودته، حتى أنه لا يرد على اِتصالاتها. كانغهو أعاد اِبنته وزوجته إلى منزله أيضا، ولن يكون من الحكمة توريطهما بمجيء هيونغجين.

«سيدة نارَا.»

نظرت صوبه؛ فأعلى حاجبه الأيمن، لم يكن بوسعها سوى أن تسلك ذلك الدرب:

«كنتما بجيجو

تجمد بيكهيون بموطن قدميه؛ فحمحمت واِعتذرت منه بجوف أعماقها.

«أقصد يوجيني

استطاعت سماع اِشتعال أنفاسه، لكنه فضل السكون ليرى إلى أين تريد الوصول؛ فكم كان جليا أنها ستبدأ بتهديده.

«هناك جزء مازال سرًا..، ذلك كان قبل شهرين..، وقبل أسبوع من حادثة اختطافها.»

«أي لعبة تحيكينها وإبنك؟»

صرّ من بين أسنانه؛ فنفت ذلك محركة رأسها وتكلمت:

«لا علاقة له بذلك..، إن الأمر يخصك ويوجيني

تأتأت وأخرجت تأوهً صغيرًا.

«يوجيني جاءت لي متوسلة لأساعدها..، لقد خٓشِيٓتْ غضب والدها ولم يكن بمقدوري التخلي عنها تحت ذلك الظرف وحيدة..، رغم أنها تكتمت عن هوية والد جنينها..»

كان كمن قد تلقى صفعة فجأة، لكنها أتمت حديثها بآسف:

«أرادت أن أجد لها سبيلا لتجهضه وأن تحرق تلك الصفحة وكأنها لم تكن..، قمت بتجهيز كل شيء..، بيوم العملية قام أحدهم باِختطافها..»

لم يقل شيء؛ فأفصحت عن جزء آخر ببطء:

«ما تزال حاملًا..»

«ناوليني المفتاح.»

فصل كلماتها ببرود؛ فأطلقت تنهيدة وترجته بآسى:

«الفتاة لن تلقي بروحها من الأعالي عبثًا!..، عليك تصديقي

لم يخضع لمقصدها، تعامى عن وجودها وجلب من خزانته سكينته المفضلة. وقفت عقبة أمام بوابته؛ فأثوى سلاحه الصغير داخل غمده مستهزئا:

«ليس بي مزاج جيد لأغوص بخيالك الخصب.»

ضحكتها الرقيقة سبقت ردها:

«لا يصدق أن من بين كل عيوب والدتك اِحتفظت بعنادها

لمحت العتمة بنظراته الجافة، تدرك أنه يمضي بطريق السكون؛ فإنه يخوض الآن بشيء لا يروقه..كأي بيون آخر قد عرفته بحياتها.

مدد اِبتسامته وتشدق بإزدراء:

«لم أخذ بنصيحة جيسونغ..، كان عليّ الحذر حقًا

تأففت ثم عاتبته بسخط:

«لست ألهو!..، ما عليك بالفعل هو أن تستمع إلى ما أقوله!»

دحرج مقلتيه بملل ثم أعادهما إليها وهدر:

«إنني لا أكترث

بنهاية كلامه رنّ هاتفها الذي تركته بخزانة حمامه، لم يكن بسعتها الذهاب إليه؛ فحتما لن تجده فور عودتها. عندما لم يتلقى جيسونغ ردها، دحرج جهة الاتصال إلى بيكهيون.

أعلى شاشته الصغيرة أمام ناظريه، الرقم لم يكن مسجلًا، لكنها حثته على الرد متلفظة برنة مترجية:

«إنه جيسونغ

ما إن وضع الهاتف على أذنه، تقدم اِبنها بالحديث دون تحية.

«اِصطحب أمي إلى منزل كانغهو..، اِنتظراني هناك.»

زمّ بيكهيون شفتيه ثم فحّ:

«أهناك أوامر أخرى أيها الزعيم؟»

لعنّ جيسونغ بصوت خافت ثم أجابه:

«سأضع تشويشا على كاميرات المراقبة لعشر دقائق..، إنّها أمانة لديك.»

فصل الخط بوجهه؛ فقطع بذلك صوت بيكهيون وعلق بحنجرته متقطعا.

تحركت عدستاه إليها وأبصر بسمتها المستفزة، لقد فكر بأن يتجاهل كل شيء ويغادر هذا الجحيم إلى الأبد بمفرده. لكنه لم يتمكن من تجاهل اِرتجافها. لن يخطط جيسونغ لإبعادها عن هذا القصر اللعين مادام آمنًا.

مازال مدينا له؛ فلم ينسى ما قاله بابلو عن الملثم الذي أصيب لأجل إنقاذهم.

لم تستنزف وقتها عندئذ، أزالت المزهرية البيضاء الفارغة التي بطرف الجدار؛ فاِنشق لنصفين وتكون لهما مدخل بدرجات توهجت أنوارها وبدا الأمر كممر سري سفلي.

«لنذهب.»

فاهت وتقدمت؛ فوقف مصدوما لثوان!

رغم اِنزعاجه تتبع مسيرها، كان بنهايته قبو لسيارات فارهة، أسقط ذلك فكه. لم يدوم شروده بهنّ طويلا؛ فقد قذفت إلى حضنه مفاتيح اَخر إصدار لمرسيدس.

أرجعهن إليها وكأنهن صخرة منصهرة وتهكم:

«لن يكونوا ذا نفع..، إن كان ما تقصدونه بهذه المسرحية..، الهروب.»

وضع حدقتيه السوداء نحو الدراجة النارية، وما كان هناك متسع وقت لتعترض. أرشدته إلى الرواق الذي يناسبهما، فأوصلته خاتمته إلى مخرج آخر يفتتح الجهة الشرقية من الحي الذي يسكنونه.

قاد طريقهما وكأنه بحالة مطاردة، أحاطت خصره ولم يذعن لطلبها في أن يخفف من سرعته. تجاوز السيارات وكاد أن يصطدم بإحداهن لكنه اِنعطف بمرونة وشق دربه من الشارع الآخر حتى يختصر مسيره إلى الحي الذي ذكرته.

كان كانغهو إزاء بوابته منتظرا ولم يخفي قلقه، لقد قرأ رسالة جيسونغ عن عودة الشيطان، اعتقد أنه سيجلب نارَا إليه؛ ففوجئ بوقوف بيكهيون برفقتها.

«لقد..»

تلعثمت؛ فمسح كانغهو على كتفها ونظر تجاه الضيف الجديد قائلا:

«يمكنك المغادرة.»

لقد نوى الرحيل لكنّ نارَا تمسكت به:

«إنه معي.»

الآنزعاج كان ظاهرًا بمحيا كانغهو، لم يرغب أن يدلف هذا الغريب حدود بيته؛ فلقد غادر القصر بسببه!

بلية حفل إعلان خطوبة إبنته، لم ينزل عينيه عنها. بدا حانقا حينما أخذها جيسونغ إلى حلبة الرقص وقد كان أول المغادرين. أخبره جيسونغ عن كونه أحد أقرابه من أعمامه المنتشرون حول العالم. بالنظر إلى وجهه فقط، يمكنه التيقن من ذلك؛ فلو لم يكن بيون جي سونغ مجرد عاجز بالثمانينات، لا يستطيع التحكم بالساقه اليسرى جيدًا؛ لأقسم أن هذا الفتى اِبنه.

إصرار نارَا لم يدع لهما فرصة للرفض، لقد تفهمت تردد كانغهو، ما حدث مع اِبنته كان شنيعا، لكنها عاتبته، بيكهيون قام بإنقاذها ولم يقم بشكره، بل حتى يريد أن يطرده من أمام منزله.

إن شكوك كانغهو لم تكن فارغة، شمل ذلك يوجيني أيضا. أمسك بها تحادث نفسها أن عليها أن تخبر أحدهم بشيء ما، كانت منفعلة وتمشي ذهابا وإيابا بين كفيّ الغرفة التي كانت بها في قصر بيون. اِختبأ بالرواق عندما ركضت بٱتجاه غايتها، لم يظن أنّها ستتوقف إزاء جناح حفيد جي سونغ الجديد.

تفحصت الأرجاء حولها ثم أغارت حجرته ولم تقفل بابها؛ فتمكن كانغهو من اِلقاء نظرة بحذر.

نقبت عنه بينما نطقت اِسمه ببطء، حينما لم تجد مجيبا، تقدمت بآحتراس إلى منبع الضوء بحمامه. لم تمتلك جرأة لإيقاظه، رغم مجيئها لكنها لم تستعد لمواجهته.

كان يهذي ويرتجف بردًا؛ فأزالت المياه من الحوض وألقت الغطائين فوقه بلطف. سكنت تحملق به لوهلة ثم فكرت في اِحتمال أن يمتنع عن مساعدتها.

لا حق بحوزتها الآن للومه، الخطيئة على عاتقها وقد حاولت قتل طفله دون أن يعلم بوجوده، لكن ذلك لن يكون بفظاعة أنها ستعاقب بمفردها الآن، وأن ذلك الوحش الذي اِعتدى عليها يظن أن الجنين منه.

كانت تجهل أنها مراقبة، رغم أن والدها قد علم بحملها، لكنها اِمتنعت عن الإفصاح وجعلت من منبع الطفل لغزا ثم قررت أن التخلص منه مرارًا. أوشكت أن تبلغ مرادها وإذا به جاء بيون بيكهيون وأفسد ذلك؛ فما كان عليه إنقاذها.

لم تمتلك جرأة لتحادثه، ما كان بتكهناتها أن سيحاول التلاعب أو أن يستغل ما حدث بينهما.

لكنه قد تجنبها!

فاقت شحناء كانغهو حدودها، كان غاضبا لكنه تقمص الصمت ثم أجبرها ووالدتها على العودة إلى منزلهم. لم يكن بمصلحته أن يضعها تحت العقاب؛ فمنحها صدره الأبوي لتبكي بحضنه. إنها فتاته الصغيرة، رغم أن فعلتها قد قهرت قلبه وفي خضم هذه المصائب اللآتي تراكمنّ على روحه دفعة واحدة، عليه أن يجد الحل بنفسه.

قاطع بيكهيون نارَا معترضًا عن بقائه:

«لكنني أرغب بالرحيل.»

لم يكن الأمر بيده أيضا؛ فقد قبضت على ياقته وهسهست بحزم:

«إن فعلت..، فعلم أنني سأصير عدوتك

رمقها بسخط، لكنها تبسمت بخفة.

جلس مطيعا مجددًا قبالة مائدة العشاء، اِنشغل بتقليب الحساء بصحنه؛ فلقد تخلت عنه واِنسحبت بميون فور عودتها من لقائها بمدير أعمالها.

«أيهم والدك؟»

هل هناك مزيد؟ تهكم وأدرك أن ما يقوم به هذا الرجل الثري يعد إستنطاقا. كان ذلك في حسبانه؛ فقد أوصته نارٓا بأن لا يدع له سبيلا لينقب بخصوصه، اِستغرب ذلك لكنه أجاب بماهية شعوره حقا.

«لأكون صادقا..، لا أعلم.»

قطب كانغهو ما بين حاجبيه ثم نبس بحذر:

«أين كنت؟»

شق بيكهيون ثغره، كان يود أن يبتر حوارهما ويمتنع عن الرد، لكنه تراجع عن ذلك قائلا:

«ترعرعت بالشوارع الخلفية لهذه المدينة.»

غرس كانغهو لسانه بجوف خذه لوهلة قبل أن ينطق ويدس قطعة من الستيك بفمه.

«تذكرني بأحدهم

تشدق بيكهيون:

«جدي.»

أحس كانغهو بسخريته وأن ذلك لم ينال إعجابه؛ فوجه كانغهو حدقتيه صوبه وتفحصه، لكنه نفى ذلك وأضاف إجابة أخرى:

«قليلا..، لكنّك تمتلك شبهً بشخص آخر.»

حينما ساد الصمت، رفع بيكهيون كوب ماء ليبلل حلقه؛ فتمتم كانغهو بنغمة هادئة ليسترق ردة فعل منه، لكنه قد قابل ذلك بآبتسامة مستهزئة.

«أخبرتني يوجيني عنك.»

ذلك كان كافيا ليؤكد ظنونه، لكن بيكهيون أظهر إستغرابه:

«عجبًا

عانق أصابعه في ما بينهم ليضيف بطنز:

«إن كنت تبتغي أن تقتلع الحقيقة التي تروق لك بهذه الطريقة المبتدئة..، أعتذر..، فلن تنجح معي.»

مسح كانغهو هيئته بنظراته الباردة، رغم أن نيران أعصابه تأججت لهيبًا، لكن بيكهيون قد تمسك بصدقه قائلا:

«إنني لا أنتمي لحياة إبنتك

همهم كانغهو ثم أخذ آخر قضمة من قطعة اللحم خاصته. الأجواء المتوترة بينهما لم تخف حتى بعد مجيء نارَا وميون التي لم تبعد عينيها عن حفيد بيون الجديد. لم يكن هناك حديث بينهم، أسدلوا غطاء السكون وجاء جيسونغ ليزعزعه.

آستقام بيكهيون ممتعضا من تأخره:

«سحقا..، لم يتم إغتيالك؟»

أجابه جيسونغ بسخرية:

«هل اِشتقت إلي؟»

دحرج بيكهيون بؤبؤيه بإزدراء؛ فجعد الآخر فكه ببسمة ثم دنا ليطبع قبلة على جبين والدته. صافح كانغهو فقط؛ فميون تجاهلت وجوده أيضا، وأدبرت إلى الطابق العلوي حيث كانت.

«ألن نغادر؟»

تذمر بيكهيون؛ فمدد جيسونغ ثغره ورد بخفة:

«إنه منتصف الليل أيها القاصر.»

أخرج بيكهيون ضحكة ساخرة ثم قال:

«هناك مشكلة علينا حلها كعائلة

لم ينتظره، بل مضى إلى الحديقة وآتى جيسونغ خلفه. مد له سيجارة؛ فأشعل بيكهيون توهجها بحداقته، أخذ الآخر أخرى وحلت بين شفتيه في حين همس متلفظًا بآنغماس.

«أحسنت التصرف.»

نفث بيكهيون دخانه ليزمجر من بين أسنانه بنبرة خافتة:

«هل هناك ما أجهله ولم ينكشف بعد؟»

هزّ جيسونغ رأسه محيبًا.

«كن مطمئنا..، إنني هنا لحمايتك

«حماية؟..، تهزؤ بنا بيون جيسونغ؟»

سخر بيكهيون ثم اِستنكر:

«لم تخبرني أن الجنون عادة منتشرة بين هذه العائلة..، حتى والدتك.»

سكن جيسونغ مستغربا، تكهن بيكهيون أنها خطط مشتركة بينه وأمه؛ فكتب رسالة له عوض أن يتحدث. رنّ هاتفه؛ فرفع جيسونغ شاشة جهازه. حينما جحظتا مقلتاه، استوعب بيكهيون أنه قد تلقى هذا الخبر الآن.

«لا تدعي البراءة..، أعلم أنكما تريدان إلصاق التهمة بي.»

زفر جيسونغ حينئذ ثم سحب ذراع إبن عمه متمتما ببشاشة وكأن لا شيء قد حدث:

«يبدو أننا بحاجة لكأس حقا!»

«لكنني تحت السن القانوني.»

سخر بيكهيون وصعد بجواره في سيارته بوغاتي؛ فاِنطلق بهما جيسونغ إلى أن تجاوزا منزل كانغهو بشارعين ثم ركن قائلا:

«ليس هناك شيء بيني وبينها.»

رمقه بيكهيون بإستياء:

«حقا؟..، الفتاة ثملت لأجلك وظنت أنني أنت!..، ما أجمل الصدف!»

تأفف جيسونغ ليطرد كمده ثم تلفظ:

«لقد اِعْتَقَدَتْ أن هوسها بي حبا..، فحاولت صدها بلطف لكنها لم تستجب..، أعطيتها أملا..، كسرته متعمدًا عسى أن تسترجع صوابها..، بتلك الليلة جعلتها تمسك بي وفتاة بالملهى

لم يقتنع بيكهيون بتبريراته، إنه لا يضع إبن عمه ضمن خانة ثقته؛ فما كان لجيسونغ سوى أن آتصل بها.

لم ترد حتى بلغ المرة الثالثة، توارت بحمامها ثم أجابت بنغمة متعبة:

«جيس.»

شغل جيسونغ مكبر الصوت وهزأ بها:

«خطة جديدة يوجينآه؟..، قصة حملك؟»

ارتعش كفها وقاومت الغصة التي اقتحمت حلقها بمشقة، كان بإمكانهما سماع أنينها ثم إزدرمت دموعها. علمت أن نارَا قد أفشت سرها؛ فمن غيرها؛ لا أحد من والديها قد تقبل العار الذي ألحقته بهم، لن يشاركا الخبر مع أي فرد من العائلة ولن يكون جيسونغ اِستثناءً.

خيار الإجهاض لم يعد متاحا الآن، لقد بلغ شهره الرابع وإن وضعها الصحي لا يسعفهم ليتخذوا ذلك السبيل؛ فقد تخسر قدرتها على الإنجاب مرة أخرى.

«ما شأنك بذلك؟»

تمتمت؛ فرفع حاجبيه واِنغمس بمقلتيّ إبن عمه الباردتين مجيبا بسخرية:

«لإنني والده.»

جف الدم بوجه بيكهيون وكان منتظرًا ما ستقحمه به.

«لست بوضع لتقبل مزاحك الثقيل جيس.»

حنقت بنبرة منخفضة، أضحكت جيسونغ بينما اِستمتع بالصدمة التي أصابت بيكهيون بالشلل. يوجيني كانت تدرك أنهما بمكان ما معا، ولم يكن ضمن تكهناتها أن يسرب ذلك لوالد طفلها، ما توقعته منه سوى أن يلعب ويبتزها.

«بدلت قصار جهدي..، حاولت إجهاضه وقد كنا سنذهب سوية..، إنني..»

اِنهارت باكية ونبست بقلة حيلة:

«ليس لأنني أريد إنجابه يا جيس..، وتوريط اِبن عمك به..، ما عدت أستطيع التخلص منه..، لقد فرض عليّ هذا المصير..، لكنني لن أفشي سره..، سأتحمل المسؤولية بمفردي.»

إنقطعت نغمتها المتوجعة عندما فصل بيكهيون الخط، سلّ هاتفه من كفه وكاد يكسره بقبضته. اِسترجعه جيسونغ ولم يقدم تعليقاته لاذعة؛ فتلك كانت كفايته، شعر بيكهيون بنوبة من الغثيان، ودّ لو أنه يتبخر ويتلاشى بعيدا، لكنّ قداماه لم تسعفاه.

لم يتقبل هذه المهزلة كما قد لقبها في لبّ أعماقه، اِعتبر ذلك مكيدة تحاك ضده، ولن ينساق ورائها.

«يمكنك التيقن الآن..، أن لا أحد سيجبرك على تولي منصب المسؤولية عزيزي..»

نبس جيسونغ؛ فوجه بيكهيون حدقتيه إليه وأكمل كلامه:

«لكن حقيقة أنك والده..»

«صه

نطق بيكهيون بنبرة خالية من الروح؛ فجعد جيسونغ شفتيه ثم قال:

«لن أتزوجها حقا؛ فلم يفقد كانغهو صوابه بعد ليمنحني اِبنته الغالية وإنه الأشد علما بأنني وغد عابث

أراح جيسونغ كتفيه على كرسيه ثم غمغم بالمزيد:

«تلك الخطوبة..، ما هي إلا فخ لذلك السافل الذي قام بالاعتداء عليها..، فكما يبدو أن القضية لم تنتهي بل وقد اِتخذها هدفا..، لم تملأ فعلته ماجنة ظمأه..، رغم أنه أبقى عليها محتجزة لأسابيع..، كان يبتغي أن تحمل منه..، وحينما خاضعت للاختبار وكان إيجابيا..، حررها

اِحتضن بيكهيون شروده متأسفا لحالها ثم عاد إلى رشده مذكرا نفسه أن لا شأن له بذلك.

«كانت مكبلة بسلاسل معدنية وأنظارها قد غمرت تحت شريطة أبعدت الضوء عنها..، ما كانت تسمع منه سوى صوته المغير بجهاز إلكتروني..، وقد جنّ جنونه حينما وجد أن هناك من استعملها قبله..، فهددها بقتل والدها إن لم تبوح بإسم الفاعل.»

قهقه جيسونغ بخفة ثم تهكم من بين أسنانه:

«أعطتني شرف ذلك..، كانت خطوة ذكية منها..، من صدى صيحاته وهيجانه..، تمكنت من التأكد أن ذلك الوغد معرفة مشتركة بيننا وذلك مكننا من تقليص لائحة المتهمين.»

زفر بيكهيون أنفاسه المرتجفة ببطء، تمالك اِرتعاشه ثم قال:

«أتقصد أنه يظن أن الطفل له؟»

مدد جيسونغ فمه بإبتسامة ملتوية:

«مضحك..، عليها شكرك الآن..، فلولا ما حدث لكانت غايته محققة..»

«يكفي!»

صرخ بيكهيون؛ فقد فجر ذلك غليانه، إنهم يتحدثون عن روح بريئة قادمة، في حين أن الآخر يرى موضوعه مأذوبة للسخرية.

«ماذا عن الطفل؟..، هل ستلده حقا؟..، أستتخلى عنه؟»

«هل سيهمك ذلك؟»

تهكم جيسونغ وأشار بسبابته إليه قائلا:

«أعي أنك لست بمصدق..، أو ستستقبل انتمائه إليك!..، ولا أخطط للتدخل..، حتى أن كانغهو لن يسمح بذلك..، وإن ولد..، فسيكون لقيطا

ذلك السكون القاتل قد اِسترجع بريقه، لم يكن بوسعه تلفظ برد له؛ فقد تصلبت ملامح بيكهيون.

أخرس جيسونغ لسانه حينما أدرك فعلته، ثم اِهتز فمه فور ما أدار بيكهيون وجهه إلى الأمام.

لطالما طعن بتلك الكلمة، اِبن من المجون أو أنّه لخطيئة ألقيت إلى اليتم مخافة الفضيخة. عاش ورفاقه تحت جسر الظلم والمهانة، لكنهم قد تعلموا بمرور الوقت الاندماج بذلك الظلام عسى أن يجدوا بيوم ما نورًا.

شغل جيسونغ المحرك واِنطلق بسيارته، لم يكسر هذا الحاجز الذي بناه بيكهيون.

تركه لأفكاره لدقائق ثم حمحم؛ ففاه بيكهيون بنغمة جافة:

«سأنزل

خفض جيسونغ سرعته وصفّ سيارته بطرف الطريق الفارغة، لفّ بيكهيون المقبض لكنّ جيسونغ لم يأذن له بالخروج وتأسف:

«أعتذر.»

لم ينظر بيكهيون صوبه، تجاهله رغم أنه تعجب من لطفه المفاجئ. مد الآخر كفه ليمسح على فروة اِبن عمه؛ فأزاح بيكهيون رأسه واِستشاط غيظا:

«اِبتعد

اِسترجع جيسونغ يده ثم عقد ذراعين عند صدره قائلا:

«لست كذلك..، لقد أنجبت من زواج حقيقي..، والداك قد أحبا بعضهما.»

شخر بيكهيون مستهزئا ثم هدر بحنق:

«لما تخليا عني إذا؟»

تنهيدة جيسونغ أخرج بها وجع قلة حيلته، أراد أن يكون صريحا لكن التوقيت ليس مناسبا.

«والدك لم يعلم بوجودك..، بالأحرى تلاشى قبل أن تدرك والدتك أنها حامل.»

«بحق الإله!..، لما الجميع يتفادونّ الحديث عنها؟..، من تكون؟»

استرسل بمرارة؛ فأصدر جيسونغ تأوها ثم تلفظ:

«كان من المحال أن تحتفظ بك!..»

«ما تزال بعالمنا..، أليس كذلك؟»

تهكم بيكهيون لعتمة قدره؛ إنّ به ظن يغرس سم أنيابه بجراحه، ألا تريده؟ لذلك تختبئ؟

ذلك الآلم بوجدانه قد نزف لكنّ مقلتاه كانتا صحراء مظلمة، اِستشعر جهله في التعبير عن حسرته؛ رغم معاناته، مازال بجوفه رغبة لملاقاتها، تلك المرأة التي منحته حياةً لم تبتغي أن تكون بها.

لكم جيسونغ المقود ثم زفر شجاه.

«سأخبرك..، شرط أن تدعي عدم المعرفة..، فلا أبتغي عرض حياتها للخطر.»

رمقه بيكهيون بحذر، وقد آعتصر الذعر جوارحه. اِدعى أنه بقادر على الصمود مادام قد بلغ كل هذه المسافة؛ فلم يقبل بعرض ذلك الرجل الذي أوهمه بأنه جده سوى لأجل أن يعلم شيء عنهما.

أحس جيسونغ بالتردد يكتسحه، لا يريد أن يسبب له مخاضا آخر، لكنه فضل في النهاية أن يواجهه بالحقيقة؛ فلن يدع لهم سبيلا ليستغلوا نقطة ضعفها الوحيدة حتى تذعن لهم.

«يوجيني ليست إبنة ميون

أخرج بيكهيون قهقهة ساخرة.

«وما شأني بذلك؟»

إزدرم جيسونغ ريقه ليحيبه بنبرة متقطعة.

«كي لا تظن..، أنها أختك.»

رد جيسونغ صنمّ اِبن ريوجين بينما كان كلكمة ضخت جوارحه.

«جي ميون..، تكون والدتك.»

شعوره بالغثيان تفاقم؛ فتعتع محاولا كبح ما بجوفه، وعى جيسونغ بذلك؛ فتمكن بيكهيون من النزول جاثيا على ركبتيه قبالة السيارة وأفرغ كل ما بلب أمعائه. ربت جيسونغ على ظهره؛ فبدل بيكهيون كل جهوده حتى ينهض، أراد الابتعاد، وما قد أسعفته قواه.

اِمتعض من ضعفه؛ فقد وقع قبالة جيسونغ، وتفتت صلابته تحت أعينه. لم يكن ذلك هيّنا، لقد اِنشطر عماد صبره المتين وما بفؤاده إلا رماد حروق النقص الماضية.

أخبر نفسه أن ما قاله اِختلاق وخدعة أخرى، وقد جلس جيسونغ بذلك الحين قربه.

«أتمنى أن تستمع إليّ..، وأن تربط الثقة بيننا.»

لم يكن بمقدوره التحرك، سكن بيكهيون ببقعته بينما حدق بما قد قذفه من معدته متجمدا.

«هناك ما عليك معرفته.»

هسهس بيكهيون برنة مجروحة.

«يكفي.»


اِمتثل جيسونغ لرغبته وخاط ثغره؛ فكدّ بيكهيون ليستقيم. كان ضائعا، لم يعرف إلى أي درب قد يلجأ إليه. نوى فقط السير دون وجهة؛ فأغلق جيسونغ سيارته ومضى خلفه، لم يريد أن يتخلى عنه وإنه بأمس الحاجة لم يسنده.

ذلك أزمّ حنق بيكهيون واِستدار إليه بنبرة متأججة:

«واللعنة

وقف جيسونغ أمامه بإبتسامة واسعة ثم قال بخفة:

«ما السيء في أن تكون أمك من بين أجمل نساء العالم؟»

«أتسخر الآن؟»

صرّ بيكهيون بحدة وكان سيكمل طريقه لكن جسد جيسونغ صار حاجزًا.

«كلا..»

رنّ هاتف آبن عمه؛ ففصل ذلك حديثه. أعلى الشاشة إلى بصيرته وقد كانت جي ميون المتصل.

لجم ذلك اِبتسامته ووجه الجهاز إلى بيكهيون قائلا بنبرة قلقة.

«ميون

رد دون أن يكترث لتراجعه بخطوتين عنه.

«أنتِ بخير؟»

«عليك أن تبعده عن الساحة قليلا.»

سكن بيكهيون فصوتها المرتعش رج ميزان وجدانه، لم يستطع أن يتماسك واِبتغى أن تبتلعه الأرض السابعة.

«ماذا هناك؟»

فاه جيسونغ بنبرة تعبق بالشك، لم تراوغ، أجابت برنة منخفضة:

«كانغهو علم هوية والد الطفل.»

تبادل وبيكهيون نظرات الصدمة ونبس بفضول:

«ماذا!»

«لا أدري..، جلب أوراق تحليل مخبرية..، قال أن بيكهيون له..، إن نتائجهما متطابقة.»

أصدر جيسونغ تصفيرة؛ فسألته:

«كيف حدث ذلك؟»

رمش بيكهيون ببطء وجاهد ليسترد أنفاسه. حينما أوصد جيسونغ فمه، أردفت:

«بيون جيسونغ..، إنني أحادثك..، فكن صادقا.. حتما لديك يد في هذه الكارثة!»

نبس جيسونغ بضحكة ساخرة وطنز:

«وكأنّ ما بجوفها لي..، حتى أن الحرب العالمية الثانية كانت من تدبيري

«الفتاة بالآمس..، كانت تتمزق عشقا لك أيها الوغد.»

دحرج جيسونغ بؤبؤيه؛ فهذه القصة أصبحت تصيبه بالصداع.

«وأنت تعلمين من أحب!»

تغاضت عن ما صرح به وقالت:

«هناك حل وحيد.»

زمّ لسانه داخل فكه وتبث مقلتيّه صوب بيكهيون الذي شيد بسمة جانبية. كان هادئا رغم العاصفة التي أمامه، واعٍ بكل تلك الانعطافات اللآتي عرج إليهن قدره.

فتسأل بخلده عن مصيره إن كان محتوما، ألا يمكنه أن يتجنب كل ذلك؟ أن يعيد أيامه إلى الحضيض حيث كانت. إن بحافة سيؤول كان يتعايش بقطعه الناقصة، رغم ندوبها وبدون عائلة..

«لا أريد أن يصطدم وكانغهو..، ذلك سيحدث حربّا حقا..»

لم يظل بيكهيون لتتمم كلماتها، ولم يجد جيسونغ سبيلا لمنعه عن المضيّ. إنه أسفل جناح مراقبته أينما اِرتحل؛ فرجال بيون جيسونغ بكل أطراف البلاد.

سار اِبن ريوجين بتلك العتمة بينما قد اِستهلك مهجته. إنه فارغ وتمنى لو أن ردة فعله كانت بحجم شجاه. ليس بقدرته ذلك، ما قد التمس أن يشرق يوم الغد ويستعيد الرداء الذي كان عليه.

*يتبع...

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro