05: طَريقُ العَودةُ
❞ عليك أن تُعلمَ نَفسك بِأن الشعور بِالفراغِ في بعضِ الأحيان لا بأس مِنه، عليكَ فقط أن تُعيد ملئ نَفسك شغفا لِلحياةِ، سواء بِـ الفنِ، الحُبِ، أو تصرفاتُ عشوائيةٌ تَعكسُ صفو قلبك؛
رُبما هذا ما يجعلُ فكرة الأمتلاءُ مُجددا مُحمسة. ❝
----؛ * ؛----
في عالمٍ تضعُ الفتياتُ الكُتبَ أعلى رؤسهم لِيتعلموا مَشية عارضي الأزياء، كانتَ أليرا تُسيرُ بِالكتابِ بَين أيديها، وصولا لِلمقهى الذي وضعت أعينها عليه عِندما وَصلت لِلأستراحةِ بِالطريقِ بَين لهاسا وَ شيجاتسو.
جَلست بِإحدى الطاولات تستظل أسفل شجرةٍ شاهقةِ الأرتفاع، تمطُ شفتيها لِلأمامِ فيما تُخرجُ مِن جيبِ غُلاف الكتاب ورقة ثنتها قبلًا.
خريطةً كانت، رسمتها بِتعرجاتِ لَكنها رُغم ذَلك أبرزت حدود تبت.
لِأنه في بعضِ الأيام، عِندما يُنقعُ العالم بِالتساؤلات دون إجابات وَ عِندما تَنضمُ لِركبِ الحياةِ.. تحركها رغبةُ دفينةُ بِالقيامِ بِما تفعله عادةً، بِما يذكرها بِجميعِ الأشلاءِ التي فقدتها عِندما كانت تبحثُ عَن نفسها..
هُناك حيثُ تَقبع ذكرى تواجدها،
بين صفحاتِ كتاب أحلامها.
كما لو أن الذكريات تتدفق بِعقلِها لِتعمل بِشريطِ فيلمٍ يضمُ كُل ما كونها يوما، تمررُ أصابعَها فوق كُل خط خطته على الورق لِتظهر قطعة أحجية تجمعها وصولا لِأخر صفحة تَحتضنُ جبل الأحلام..
هُناك، حيثُ تُركب قطع الأحجية..
حيثُ تَجمع نفسها كاملةً.
هَذا هو الهدف مِن كُل ذَلك..
أن تعرفَ مَن أنتَ وَ تميزها بين الأوجه العدة،
حَتى وَ إن مَحت صفوَها عبراتُ الحياة.
وَ قبل أن تفعل،
عادت لِصفحةِ البدايةِ، تخرجُ قلما مِن ذاتِ الجيب لِتكتُب تاريخًا داخل نطاق حدود العاصمة.
وَ يالصدفة!
كان تاريخ إكمال رحلتها،
تاريخ سفرها مِن لهاسا على درجاتها الهوائية.
أبتسمت بِرضى عِندما أتضح لها أن رحلتها لَن تأخذ وقتاً طويلا، فلم يتبقى لها سِوى ثلاثة مُدن وَ هي بِمُنتصف الطريق لِأحداهم.
أرادت أن تلوحَ التحية لِمألوفٍ بِذاكرِتها..
أن تخبره بِأنها أعادت التفكير بِه حَتى ظنت بِأنها صارت عادةً لَديها.
لَيس لِشئ! سِوى أن ذَلك الأحساس الغريب بِالفراغِ يُلازمها وَ يأبى الرحيل.. لَكنها مُتأكدة بِأنه سيمرُ! كما مَر الشتاء سريعا.
أغلقت الكتاب تُسهب النظر بِالطريقِ أمامها،
هو ليس طويلًا..
على الأقل هذا ما أعتقدته..
فقلبها لزال يخيلُ لها أنه الشتاء وَ وقع قطرات الندى فيما تتساقط بِتناغمٍ على الطرقات - لزال يطربُ أذنيها.. وَ حينها أشتدت رغبتها بِالسيرِ تَحت الغيث، أرادت بِأن يهطلَ المطر رُغم أن هذا ما يفعله بِأرضِ تبت..
أرادته لِيسقيها مِن حُزنِ السماءِ فتتقاسم الأحزان وَ تصغرُ..
أرادت بِشدة أن تلتقطَ صوته بين قطرات المطرِ، وَ أرادته بِصوتِه أن يبعثَ السكينة بِقلبِها..
لَكن لا شئ مِن هذا تحقق.. على الأقل لِلأن.
يمكنك رؤيته..
طيف الأبتسامة على ثغرها عِندما تسللت صورته مِن بين الذكرياتِ، تَسللت لِتنساب بِسلاسةٍ مُصاحبة العبراتَ على خديها..
؛لِأن السماء رفضت مُشاركتها أحدى الحكايات.
----؛ * ؛----
- لَقد أتخذ مِني الوضع عشرون سنة مِن حياتي حَتى أتخلص مِن جميع الأفكار السلبيةَ وَ الأنطباعات الخاطئة.. عشرون سنة أجلس بِالغُرفةِ وحيدا مَقتنعا بِأني لا أستحق الخروج لِهذا العالم الكبير..
مُقرفصاً كان، يحركُ غُصن الشجرة المُتجمد كحالِه- بِعشوائيةٍ، يحاولُ جعل الوقت يمضي سريعا حتى تسخنُ النار التي أوقدها الأخر.
تَرك الغُصن فجأة لِيثبت عدستيه نحو صورة المُنغمس بِطهو الطعامَ قائلًا:- أحتجت عشرون سنة قبل أن أتمكن مِن السيرِ على هذا الكوكب كما ينبغي علي!
- لِما لا ينضج ذِلك الشئ!؟
نظر يونغي إليه نظرة سخط مِن أسفل عينيه، هو أدرك توا أن مرافقَه معتوه لِذا لَم يتردد بِإخباره قائلا: -رُبما لِأنه رأى وجهك القبيح.
-أتعرف؟ أنا على وشك دفعك مِن هُنا، لَكن ما يؤرقني أنك لَن تموت مِن هذه المسافة.
أنبأ المُدرب لِيقلب يونغي عينيه بِتمللٍ، هو قال ذَلك لِلمرةِ الخامسة حَتى الآن لَكنه لَم ينفذُ تَهديده.
و لِوعيه بِأنه هُنا لَن يُسمع صوته، حَتى الأصم بِجوارِه مهما كان قريبًا مِنه هو لَن يسمعه..
هو قرر القيام عَن وضعيته وَ النظر لِلأسفلِ، يدفئُ يديه بِجيوب مَعطفه وَ يشاهدُ حبات الثلج التي نثرها بِقدمِه فيما تتساقط بِمنظرٍ خيالي أمام أعينه، لَكنها تلاشت أسفل ضبابٍ أبيض يغشي بصره وَ يحول رؤيته لِلأرضِ التي تجاوزها.
- لا تنظر لِلأسفلِ حَتى لا تقع!
نبهه المُدرب مِن بقعتِه لَكنه قرر تجاهله كما يفعل.
هو يعرفُ بِأنه أحساس أخاذ عِندما تكون على قمةِ العالم.. هو أدرك ذَلك بِمُجرد أن رسم الدائرةَ بين المدينتين؛ تبت وَ نيبال.
وَ هو أكتشف بِأن قمة أيفرست تَحملُ بِقمتِها حكايا لَن تستطيع البوح بها إلا لِمن يَسمع.
وَ لِأجل حُلمة المُعلق بِالسماءِ، هو لَن يتجاوز الأرض سيرًا للأمامِ.. بَل سيحلقُ كالطيرِ للأعلى.
- أحيانًا مِن الجيدِ النظر لِلأسفلِ..
همس مُنبهًا نفسه، عينيه مُثبتتان على الضبابِ أسفل قدميِه. ثُم أسترد قائلًا: -لِتعرف إلى أي نَقطة وصلت.
فجأةً.. هو شعر بِأن جُزءًا مِن ذاتِه مُزق لِيكون حيًا، لِيمرُ الضوء مِن خلالِه وَ تُنير خيوطه أفق الذكريات.. لِتنساب مِن عينيه بِسلاسةٍ في شكلِ العبرات.
- لطالما أنسبت بِهدوءٍ مِن التجمعاتِ وَ إلى الأماكنِ الهادئةِ أحاول سد مجاري تدفقُ الذكريات.. لطالما شعرت بِأني لا أستحق الحُب.. لطالما حاولت غلق الفراغ الذي يسببه لي. لطالما تَركتُ ما أحتجت خلفي بِأميالِ..
تمتم يركلُ الهواء بِنوعٍ مِن القسوةِ، يؤنب جُزءا مِنه لِلتصديق بِأنه لَيس جيدًا كفاية وَ غير صالح لِلعلاقاتِ..
وَ لكنه هدأ فجأة بِغصةٍ؟
يحدقُ بِالفراغِ أمامه وَ لَيس بِما تَحت أقدامه.
هو ألتقط مفهوم الحياة..
فهي الألم، هي المُعاناةُ، وَ هي الرعبُ!
لَكنه الآن على قيد الحياة، وَ هذا أغناه عَن كُل شئ.
لِأنه هو ذاته، مصنوع كاملًا مِن عيوبٍ ألتحمت سويا مَع النوايا الحسنة.
وَ هو أخيرا سمح لِنفسه بِالنمو خِلال ظروف الحياة. بِمُغادرةِ جميع الطُرقات وَ الفصول التي أعاد قراءتها عوضا عَن المرة ألف.
هو غادرها بِنوعٍ لَطيفٍ مِن القسوةِ. نوعُ لا يخدش تِلك المَحطات بِذاكرتِه وَ لا يداوي الجروح بِجسدِه.. نوعُ يسمحُ لِسرسوبِ الضوءِ- المرور مِن خلالِه.
فهذا الصباح حَتى وَ إن لَم يكُن يشبهه-
هو هادئ تماما كما لو أنه كان عاصفة بُذلت داخل نفسها.. كما لو كان طفلا تكور حول أحزانه حَتى ضغطها بِنُقطةٍ مِن حياتِه.
كما لو كان قد ولد مِن جديد.
لِأن لا شتاء يدوم..
وَ لا فصل يبقى لِأبدِ الدهر،
فالشمس ستسطع مُجددا.
وَ كذلك هو.
.
010518
----؛ * ؛----
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro