Dating| 03
صُليَ صَدري بَهرًا لصهدِ ما غشيَ جَفنيه، هُو الَّذي لطالَما أمطَرني بوابلٍ مِن الوَيل، ما عهِدتُه سخيَّا بالغَزل هكَذا ولوما جَلجل.
اختَنقتُ بأنفاسي، وما تطوَّع ليُعرِّي المَوقِف مِن اللُّبس، ويسعِفني قبلَ أن يُرديني التَّصديق، خشيتُ أن أستَجيبَ له سواءٌ بالرَّفض أو القُبول، فأُفاجَأ بأنَّه محضُ مقلبٍ مِنه، ليسَ رجلًا قد يذرُّ كلِماتِهُ عبثًا، لكنَّ اللُّبسَ المُحيطَ بِه يُلغِي كُلَّ ما عرفته عَنه طوالَ العامَين المُنصرِمين، ما تفوَّه بِه غيرُ متوقَّع مِثله.
أدنتُه بالافتِراء لوهلة، وحفَرت نَظراتِي مُقلتيه بحثًا عَن اليَقين. ظلَّ شامِخًا كالجُلمود صابِرًا عَلى عواصِف الانتِظار بِلا أن يرِفَّ له هَدب ضيق. صمتُ ملامِحه أضنَى مِن صمتِ شَفتيه، لطالَما رسَم الخُبثَ كُلَّما عبثَ مَعي، ولو دلَّ ذلِك عَلى شيءٍ فهُو جِديَّتُه في عرضِه، قرَّرتُ الإيمان بِما سمِعتُه، حيثُ مسَحتُ الغَباءَ عَن مُحيَّاي، وشَرعتُ في التَّفاوُض مَعه بواقِعيَّة، العَلاقات أشبَه بصفقَات، فيها الرِّبح وفيها الخَسارة.
-هل سأحصُل عَلى هدايا باهظة في اليوم 100 لمواعَدتنا، وعيد الحبّ، كذَا عيد ميلادي؟
تضعضعَ سُكونُ وَجهه وتصدَّع جبينُه استِغرابًا، هُو يعلَم أنِّي لا أحبُّ سلوكَه الوَقح في مُعامَلتي، ونهشِه مِن علاماتِي، لو وافَقتُ عَلى مواعدتِه دونَ اكتِساء المُبرِّرات، سأبدو مُنافقَة. اختَلست النَّظر إلى المِروحيَّة الفاخِرة ثُمَّ قُلت:
-سيَّارة تَفي بالغَرض، لن أمانِع لو ابتَعت لي شقَّة فأنا أهوى التَّرف.
ربَّما بالغتُ قليلًا في شرحِ موقِفي، لكنَّ وجهة نظري قَد صبته دونَ تحريف. ارتَقى نصفُ هلالٍ حافَّة فمه، وعلى هيكلِ المِروحيَّة استَند.
-استأجرَت العديدُ مِن النِّساء حجراتٍ مِن وَقتي طمعًا في جاهِي، لكن لَم يسبِق لإحداهنَّ وأن جاهَرت بحَقيقة ما دفعَها إلى مُواعَدتي.
-أنت لَم تقَع في حبِّ جمالِي الدَّاخِليّ طبعًا، ما غُصتَ في شَخصي سلفًا، لولا وَجهي وقَوامِي لما نظَرت إليّ، ولا يسعُني رفضُك لأنَّ المَظاهِر صادِقة مهما كذَبت.
طرَح يدَه عَلى ظهرِها في العَدم مُستفهِمًا.
-إذًا، هل نَذهب في جولةٍ سَماويَّة؟
حدَّقتُ بأديمِه في ارتِياب، لَم يسبِق وأن خُضتُ أيَّ صنفٍ مِن العَلاقاتِ الغَراميَّة، لستُ النَّوعَ الليِّن مِن النِّساء، والَّذي قَد يجذِب انتِباه الجِنس الآخر لاسيما الأثرِياء، عادةً ما يُفضِّلون النِّساء المُنحلَّات أخلاقيًّا، ما تلقَّيتُ الثَّناء يومًا، بَل محضَ مُضايقاتٍ جِنسيَّة عابرة في الشَّارع أو في الحافِلة، اكتَشفتُ اليَوم أنِّي أخجَل كبقيَّة البَشر، وهذا صادِم.
سرعانَ ما تشبَّثت بأنامِله، حريصةً على التمسُّك برباطةِ جأشي الَّتي ارتَخت على إثرِ لمسَة. صعدتُ المروحيَّة بمساعَدة درجٍ حديديّ صَغير، صفَّه سُفلى مدخلِها الشَّاهق، التَحق بي عقِب ثوانٍ، وأحاطَ رأسِي بسمَّاعَات سَوداء، يمتدُّ مِن جسرِها الأيمَن مكبِّر صوتٍ معقوف، ارتَدى مثيلًا لها وراحَ يتلاعب بلوحةِ التحكُّم المُفعَمة بالأزرار ببراعَة، أيقَنت أنَّه من سيقودُ الرِّحلة، لاشكَّ وأنًّه طيَّار جيِّد وإلَّا لما خاطَر باقتِحام السَّماء عن جهل. في لحظةِ غفلةٍ تمتمت.
-أراهِن أنَّك متأثِّر بخمسين ظلّ للرَّمادِيّ.
خلت أنَّه ما سمِعني لكنِّي أخطأتُ، إذ ردَّ بتهكُّم.
-لستُ سادِيًّا لحُسن حظِّك.
كانَ يُفترض بي لحدُ المَوضوع في مهدِه مذ أنَّه غير لائِق، بيدَ أنَّ لساني المحبَّ للسِّجال اعترضَ على قرارِي، وأفرزَ ما في جيبِه بلا حساب.
-بالطَّبع سادِيَّتُك تَظهر حينَما تغتصِب علاماتِي فقَط.
-لِم صيغةٌ الجَمع وقد تربَّصتُ بعلامةٍ واحِدة؟
عندَما شممتُ رائحَة الهزيمَة تفوح في الأفق تنهَّدت.
-هل مِن الطَّبيعيّ أن نتحدَّث عَن مِثل هذِه الأمور في أوَّل موعدٍ لنا؟
خطتُ شفتيَّ اللَّتين أصرَّتا على التفوُّه بالهُراء، ورفرفنا في الجوِّ كالطُّيور، كانت أوَّل مرَّة أسبَح فيها جنبًا إلى جنبٍ مَع المُزن، نسيت بالكامِل الرَّجل الَّذي أتشارَك وإيَّاه هذا الحيِّز حينَما مرَّت بجوارِنا حمامَة وهتفت بصخب.
-حمامَة.
نظَر إليَّ وابتسَم بخفًّة، شعرت بقليلٍ من الإحراج لأنَّ هيبَتي تداعَت أمامَه، وهُو آخر شخصٍ أودُّ أن أبدُوَ أنثويَّة في حضرتِه، ربَّما أنا أبالِغ في التعصُّبِ عَلى سطوَتي، لأنَّه تقنيًّا حبيبي، لا ضيرَ مِن التأنُّث.
في نِهايةِ الأمسيَة حطَّت المِروحيَّة بذاتِ مُنطلقِها، تطوَّع ليوصِلني إلى مَنزِلي رغمَ رفضِي. إلى الرَّصيف ركَنت السيَّارة، وعَلى المَقعدِ كبَّلني التوتُّر، لم أعلَم ما إذا كانَ عليَّ الترجُّل كالطَّيفِ بلا صدًى، أم عليَّ إلقاءُ خطابِ وداع موقَّعًا بقُبلة كالأفلام، وفي دوَّامة أفكارِي العقيمَة تسرَّبت حُفنة كلِماتٍ مِن ثغري.
-هل انتَهى المَوعد؟
التَوى أحدُ شَدقيه بسُخريَة.
-لا أصدِّق أنِّي عثَرت عَلى عيبٍ في الآنسَة المِثاليَّة سونغ.
-العَبث ليسَ مِن شِيمي سيِّد بارك.
-نادِني عزيزي.
تظاهرتُ بأنَّ ما قالَه أصابَني بالغَثيان، قبلَ أن أهرعَ خارِجَ السيَّارَة، خِشيَة أن يُجبِرني عَلى لفظِها قسرًا، أنا بحاجةٍ إلى ندوةٍ معَ نَفسي، حتَّى أستوعِب ما المأزِق الَّذي أوقَعتُني فيه اليَوم، وكيفَ انقَدتُ خَلف وساوِس بَصري وقبلت بمُواعَدته.
ما إن عتَبتُ بابَ مَنزِلي، حتَّى وثَب أخِي ريتشارد في وَجهي، واعتَرضَ سَبيلي، ضيَّق جَفنيه بشكّ، ما نبَس ببنتِ شفةٍ وما أذِن لِي بتخطِّيه، أملتُ رأسِي ذاتَ اليَمين أخاطِبه بلهجَة الفَضائيِّين الَّتي يستَخدِمها ضدِّي كُلَّما اقتَرفتُ هفوةً مَا، ما لبِثَ وأن نفَّس غَمامُه عَن ودقِه.
-مَن ذلِك الَّذي أوصَلك إلى المَنزل، هل أنتِ تُواعدين مليونيرا؟
همَّشتُه بيدِي جانِبًا، ولحُسنِ حظِّه أنِّي أجهَضتُ فكِرة تهشيمِه عَلى تدخُّلِه في شُؤونِي، وطرَحتُ أولَى خُطواتِي مِن بعدِ إعاقتِه لي.
-ومُنذ متَى نحنُ نتشارَك مواضيعَنا الشَّخصيَّة؟
-أريدُ أن أعلَم عَن العِلل الَّتي يُعانِي مِنها ليميلَ إلى شخصٍ مِثلك!
نفَث سمومَه في مَسامِعي، بينَما أنا مُنكبَّةٌ عَلى الأرضِ بصدِد خَلع حِذائِي، توقَّع أنِّي سأقذِفُه بأوَّل فردةٍ أخلِّصُها مِن قَدمي، حيثُ تنحَّى عَن مرماها ونجَا مِن كيدي بسَلام.
-أغرب عَن وجهِي ريتشارد.
تجاهلتُ حماقاتِه الصِّبيانيَّة رغمَ أنَّه رجلٌ ناضج، وتهادَيت بغُرورٍ إلى غُرفَتي، راغبةً في الاختِلاءِ بعَقلي الَّذي تجرَّع الغَباء فجأة. أوصَدتُ الباب ورائِي بإحكام، وارتَميتُ عَلى سَريري أتفرَّج عَلى شريطِ هذَا اليَوم، بدايةً مِن فشَلي في مُعاقبَة الجانِي، إلى مُوافقَتي عَلى مُواعَدته لحجَّة غبيَّة مُقنعَة، ألا وهِي ثروتُه، لا يُعقَل أنَّ إعجابِي بِه قَد ارتَوى عقب عرضِه مِن جَديد.
ألمَّت الخِيانَة بفُؤادِي إذ ما حظيتُ بأيِّ اتِّصالٍ مِن صديقيّ، رغمَ أنِّي اختُطِفتُ مِن نِطاقِهما جورًا، أدركتُ أنِّي قد ظلمتُهما فهاتِفي هُو الَّذي كانَ صامِتًا، لا عواطِفهما تجاهِي. عثَرتُ عَلى الكثيرِ مِن المُكالمات الفائِتَة والرَّسائِل مِن كليهما، اتَّخذتُ مِن مجموعةِ مُحادثتِنا عَلى الإنستغرام وجهةً لأُنمُلَتي، وبعقلٍ غائبٍ عَن الوَعي صارحتهما.
-أنا أواعِد بارك تشانيول.
وكأنَّ كِلاهُما زرَع انتِباهَه عَلى شاشةِ هاتِفه ترقُّبًا لعَودتِي آمنة، انهالَت عَليَّ أسئِلتُهما في وقتٍ واحد، وكُلُّ جُملةٍ تستَحوذُ عَلى رِسالةٍ كامِلة، دلالةً عَن اللَّهفةِ المُتمخِّضة فيهما.
-إيلويز، لماذا زجَّك العاهِر في سيَّارتِه؟ ما الَّذي جَرى بينَكُما؟ هل انتقَم مِنك بطريقةٍ شنيعَة؟
خيالُ زُوي خصبٌ للغايَة، راوَدتها ذاتُ الأفكارِ الَّتي راوَدتنِي بينَما أنا حبيسةُ سيَّارتِه، أما لوكاس فقد احتَذى نهجَ المَنطِق.
-اللَّعنة يا فتاة، أينَ كُنت؟ لقد قلقنا عليكِ كثيرًا، رأيناهُ يختطفكِ دونَ سابِق إنذار، ولم تردِّي عَلى اتِّصالاتِنا، كِدتُ أقدِّم بلاغًا في قِسم الشُّرطَة.
تجاهَل كِلاهُما رِسالَتي الأولَى والَّتي انضَوت عَلى شِفاء لكلِّ علاماتِ الاستِفهامِ في خُلديهما، إلى أن عاضدَ الانتِباه صديقَتي.
-مهلًا، مَن يُواعِد مَن؟
أبهَرني لوكاس بدقَّة ملاحظتِه رغمَ أنَّه عادةً بليد.
-نتواعَد؟ ذلكَ يعني أنَّك وافقتِ؟
-أتتحدَّثين بجديَّة؟ مِن أيِّ أفقٍ انبثَق الودادُ بينَكما!
كان سؤالُ زوي وجيهًا، فقلبي جافٌّ من ناحيتِه غالبًا، اقتَلعت مشاعِر المُراهقَة الَّتي نبتت في صَدري خلال سنَتي الثَّانية منذُ أمَد، وربَّما ردمتُها بترابِ التَّجاهل، ظنًّا أنَّها ستفنَى لو ما سقَتها شمسُ الولَع، لأنَّه خليَّةٌ مكتظَّة بالاهتِمام، من أنا ليَراني!
بكبرياءٍ أجبت:
-وافَقت على مُواعدتِه حتَّى يصحٌّح علامتيّ.
اختَرقت مرآيَ رسالةٌ طرقَت رقميَ الخاصّ، لا مواقِع التَّواصل الاجتِماعيّ، تملَّصت من وابلِ الفضولِ الَّذي صبَّه عليَّ صديقيّ، وبحاجِبين مقطَّبين قرأتُها.
-فلتَكوني جاهزةً مساء الغدّ، سنَذهب في موعِد.
علِمت في الحالِ أنَّه أستاذي السَّابق تشانيول، والعَجيب أنِّي ما حبرتُ له رقَمي من قبل.
-من أينَ أتيتَ برقمي؟
-
هلاوز خفافيشي الحلوين هاو ار يو 😍
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
تشانيول!
إيلويز!
توقعاتكم للجاي!
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro