الفصل السادس و العشرون ( الأخير )
https://youtu.be/70mxWkIX704
الخيبة عندما تقترب تنذرنا
ترسل بعض مشاعر الأحزان، تجعلنا نجلس و ننظر منتظرين
نحن لا نعلم و لكن هناك شيء يجعل الحزن يدق الباب
استيقظت لتجد نفسها وحدها في السرير، حاولت الاعتدال بينما تمسك بالغطاء على صدرها و اقتربت تأخذ هاتفها و عندما تفقدت الساعة كانت تشير للثالثة صباحا
شعرت أن هناك شيء غير مريح فأنارت النور الجانبي الذي بقربها و هاهي تنزل أقدامها للأرض، سحبت ثوبها الأسود عن الأرض و ارتدته تستقيم
أخذت رداءه العلوي من على الأريكة ثم خرجت حافية تقترب من باب مكتبه، طرقت الباب بهدوء ثم فتحته و لم يكن هناك، ساورها شعور سيء فجأة فتراجعت تقفل الباب ثم بحثت عنه في أرجاء المنزل و عندما لم تجده هي جلست على الدرج تنتظر قدومه
أسندت ذراعها على قدمها لتسند وجنتها على كفها مفكرة بضيق، لا تدري هي حتى لما تشعر بالضيق فجأة، تنهدت ثم وضعت كفها الثانية على بطنها و هاهي رغما عنها ترسم بسمة هادئة و لكن في تلك اللحظة لمحت ضوء السيارة ثم سمعت صوتها فأبعدت كفها و حتى لم تعد تسند وجنتها
دقائق قصيرة جدا هي التي مرت حتى فتح الباب و دخل يتقدم، التفت يقفله و ما إن عاود الالتفات و سار قليلا حتى رآها تستقيم حينها سكن مكانه محدقا فيها
كأن القلوب هي التي تكلمت في تلك اللحظة، كأن هناك شيء أخبرها أنه غريب عنها جدا في هذه اللحظة
" لما أنت مستيقظة أون ؟ "
سألها هو و هي ردت بتساؤل آخر
" أين كنت ؟ "
اقترب خطوات قصيرة فقط ليتوقف بعيدا عنها مجيبا
" أنت تدرين أنني أعاني أحيانا من الأرق فخرجت للركض "
عندها قالت بعتاب
" لما لم توقظني ؟ ... كنت سوف أجلس معك و نتكلم، كنت ساعدتك في النوم عندما أعيرك حضني "
ابتسم و هاهو يرفع كفه و يبعد القلنسوة عنه و اقترب منها، وقف أمامها ليضع كفه خلف رأسها و قربها يقبل جبينها ثم همس بقربها
" سوف آخذ حمامي ... عودي للنوم "
تركها و بسرعة غادر، كأنها يهرب و هي التفتت تحدق به كيف يصعد الدرج بسرعة مبتعدا حينها عكرت حاجبيها، مرة أخرى تشم فيه رائحة المطهرات و لكن هذه المرة ... هذه المرة شمت معها رائحة تشبه رائحة الدماء
وقفت هناك عدة ثواني مستغربة ثم تنهدت لتعاود الصعود مفكرة أنه ربما ذهب للمشرحة، اقتربت من الغرفة و عندما دفعت الباب الذي كان مفتوحا لم يكن هناك هو، كان في الحمام فأبعدت رداء الثوب و اقتربت من مكانها، دخلت هناك لكنها لم تتمدد بل ضلت جالسة تضم ساقيها حتى خرج هو
كان يرتدي بنطالا رياضي رمادي اللون و المنشفة على رأسه يجفف شعره، استغرب جلوسها هناك بتلك الطريقة ليبعد المنشفة متسائلا
" أون ... هل تعانين من شيء ؟ "
حينها نفت تبتسم و هو وضع المنشفة على الأريكة القريبة ثم اقترب من مكانه، صعد على السرير و قربها منه ليتممدا معا، قبّل جانب جبينها و تساءل من جديد
" لما تبدين حزينة فجأة ؟ ... هل حدث شيء لم تخبريني به ؟ "
" لم يحدث شيء ... ثم لا أدري، انزعجت عندما استيقظت و لم أجدك هذا كل ما في الأمر "
و هاهو يتنهد بعمق ليرد
" آسف ... سامحيني سوف تكون الأخيرة "
فضمت خصره و هاهي تدس أنفاسها برقبته لتقول
" أنا أحبك ... أشعر بالخوف من خسارتك فجأة "
داس كلامها على جرحه ليرد قائلا
" لن تخسريني ... فقط تمسكي بي وحدي و عيشي في عالمي "
" أنا بالفعل أعيش في عالمك ... أشعر أن الناس من حولي باتوا يستغربونني لكن لا يهمني ذلك، هم لا يعلمون أنك كل حياتي و عمري، و اذا لم تكن بحياتي فلما سوف تكون ؟ ... وقتها سوف أفضل الموت "
" لا تذكري الموت ولا تفكري به ... لا يوجد شيء يستطيع ابعادي عنكِ فكوني مطمئنة "
" أتمنى أن نحصل طفل "
و هذه المرة ابتعدت قليلا تحدق به هو الذي نزلت نظراته لها، ضمت كفه وجنتها ثم أسند جبينه على جبينها و رسم بسمة مجيبا
" سوف نحصل عليه بالتأكيد حبيبتي ... سوف تكونين أجمل و أروع أم لكن وقتها سيتعين عليك ترك العمل "
و هذا ما لم تستسغه فأبعدت كفه تعتدل في مكانها و هو الآخر فعل عندما أسند ذراعه على وسادته محدقا بها
" لما سأترك العمل ؟ "
" حتى تهتمي به ... عملك صعب حبيبتي و أنت تدرين و لا يتناسب أبدا مع تربية طفل "
" مستحيل أن أترك عملي ... ثم "
و قبل أن تنتهي هو عاد يتمدد و جعلها تعود مكانها قائلا
" الأمر لم يحدث بعد ثم لا تنسي الاجراءات التي تتخذها الحكومة في وضع كهذا ... سوف يتحول عملك كله لعمل مكتبي يبدأ صباحا و ينتهي مساء "
" في وضع كهذا أنا لن أحتمل "
" لهذا أخبرك أن تتركي العمل ... "
" أتعلم ... لنتوقف عن الحديث في هذا الأمر فالحمل لم يحدث بعد "
" قد يحدث قريبا "
قالها محدقا بعينيها و هي حاولت السيطرة على نفسها بعد أن فهمت قصده و قالت
" أريد أن أنام "
لكنه فقط سحب الغطاء عليهما قائلا
" هل تمزحين معي ... "
و هاهي تقهقه بصخب من تحت الغطاء ثم صرخت
" يا قليل الحياء توقف "
*
مرّت ثلاثة أيام على تلك الليلة و تشانيول كان مشغولا بين العمل في المركز كطبيب شرعي و بين محاولاته لتصفية جميع أعمال أبيه و بيع الأسهم ... يفكر حقا بانشاء مستشفى كما اقترح عليه والده سابقا
يفكر كذلك بعد العودة من شهر العسل مع أون أن يشتري منزلا كبيرا و هناك سيعيش الجميع، حتى والده و عائلتها، ليكون الجميع قريبا منها و تنشغل بهم عن كل شيء ولا تفكر في ذلك العمل الخطير
خرجت من المنزل بينما تضع الهاتف على أذنها تتحدث مع أونجو
" اجلسي أنت معها و اطلعي على البطاقات و أنا سوف أصل بعد نصف ساعة "
حينها قالت أونجو من الجانب الآخر
" أختي توقفي عن تهوركِ ... الدكتور بارك سيغضب اذا علم أنكِ تقودين السيارة بسرعة كبيرة، نحن يمكننا الانتظار "
" حسنا أونجو الواعظة ... "
" أحبكِ أختي "
ابتسمت أون التي اقتربت من السيارة لتفتحها، منذ ثلاثة أيام، تماما بعد تلك الليلة وصلتها هديته، سيارة رياضية بيضاء اللون، شيء يناسب ذوقها أخيرا و هي سعيدة بها و ترفض أن يقلها هو ...
صعدت لتقفل الباب ثم شغلت المحرك لتضع حزام الأمان و غادرت، كانت تغني مع أغنية و هي تبدو غاية في السعادة، الزفاف اقترب و هي الآن تعيش حياة مثالية مختلفة تماما عن تلك الحياة التي كانت تحضى بها من قبل
تبين أنها انتظرت سنين طويلة حتى تكون أنثى حقيقية بين ذراعيه هو وحده
توقفت بجانب صيدلية و نزلت، دخلت فرحبت بها العاملة و هي قالت ببهجة ملأت صوتها
" لو سمحت ... أريد اختبار حمل "
" بالتأكيد "
جاءت العاملة باختبار الحمل لتضعه في كيس صغير و سلمته لها و هي سلمتها النقود ثم غادرت و هاهو الحماس يدب بقلبها
منذ يومين هي بدأت كل صباح تعاني من غثيان صباحي، نهديها الذين كانت تريد أن تشفط الدهون منهما زاد حجمهما أكثر و هي بدأت تلاحظ كذلك زيادة وزنها بالرغم من أنها تتبع حمية فهي في يومين بدل أن تخسر خمس مئة غرام هي اكتسبت ثلاث مئة غرام
استقلت السيارة من جديد في طريقها لمكتب متعهدة الحفلات و تأنت، تأنت لأنها سعيدة و ما ينقصها فقط هو أن تتأكد
هي تريد أن تحصل على طفل منه، مستعدة أن تتخلى عن كثير من الأمور في حياتها ... مستعدة أن تستبدل حلم بسعادة أن تكون أم
وصلت أخيرا لتوقف السيارة بجانب المكتب الذي كان يقع في حي هادئ، هو عبارة عن منزل أرضي و تحيط به حديقة، نزلت من السيارة ثم أخذت اختبار الحمل مع الهاتف و وضعتهما في جيب سترتها
اليوم هي ترتدي ثوبا أسود اللون حتى لا يظهر وزنها الذي زاد، تقدمت نحو المكان و عندما دخلت استقامت مساعدة المنظمة لتقول ببسمة
" إنهما في المكتب في انتظارك "
لكن أون اقتربت و تساءلت
" من فضلك أين أجد الحمام ؟ "
" خلفك على اليمين مباشرة سيدتي "
" شكرا ... لا تخبريهما أنني وصلت "
" حسنا "
توجهت أون مباشرة للحمام و هناك هي استخدمت اختبار الحمل ثم وقفت تنتظر بينما تضعه أمامها، تنفست بقوة و السعادة تحلق حولها
إنها تشعر بالفعل أنها حامل لكن تريد أن تتأكد حتى تخبره، حتى يسعدا معا و يخططان لحياتهم ثلاثتهم معا
و هاهو الخط الثاني يظهر و هي همست لنفسها بسعادة
" يا الهي كنت أعلم ... أنا سعيدة جدا، حبيبي كنت محق أنا حامل بالفعل "
أخذت الاختبار لتضعه بجيب معطفها ثم أخرجت هاتفها، بحثت عن رقمه و لكن قبل أن تتصل هي نفت تتراجع
" لا ... ليس هكذا يجب أن أخبره "
تررجعت ثم خرجت من الحمام بينما تضع كفها على ثغرها و ترسم ابتسامة واسعة سعيدة، تجعل الجميع يدرون أنها سوف تحلق سعادة بمجرد أن يحدقوا فيها ... اقتربت من المساعدة التي استقامت مرة أخرى و رسمت ابتسامة و أون تساءلت
" هل يمكنني الدخول ؟ "
" بالتأكيد سيدتي ... "
و لكن أون قبل أن تدخل اقتربت تمسك كفي المساعدة لتقول دون سيطرة على نفسها
" يا الهي أنا سعيدة جدا "
" هذا واضح من ملامحك سيدتي ... أرجو لك حياة سعيدة و هانئة "
" شكرا لك ... آسفة على تصرفي "
" لا بأس "
تركت أون كفي المساعدة ثم دخلت للمكتب و بمجردأن رأوها أونجو و المنظمة حتى استقامتا و أون اقتربت بسرعة من أونجو تضمها بقوة لها فتساءلت هذه الأخيرة ببعض الخوف
" أختي ... هل أنت بخير ؟ "
فردت بصوتها المبتهج
" أنا أعيش أسعد أيام حياتي أونجو "
ابتعدت عنها و هاهي تضم وجنتي أونجو و همست
" أنا حامل أونجو ... "
تفاجأت أونجو قليلا لكنها ابتست بسرعة تظهر السعادة
" أوه ... هل أنت متأكدة أختي ؟ "
" أجل ... للتو أجريت الاختبار و تأكدت "
عاودت أونجو ضم أون بقوة و قالت
" هنيئا لك أختي ... صدقيني أنا سعيدة من أجلك "
ابتعدت عنها و هاهي منظمة الحفلات تبتسم و تقول
" هنيئا لك سيدة بارك ... إنه خبر سعيد بالفعل في وقت كهذا "
فالتفتت أون تجيبها
" شكرا لك ... أعتقد أنني لن أتمكن من انهاء المقابلة فهل يمكنك تأجيلها ليوم الغد ؟ "
" بالتأكيد ... لم يتبقى الكثير لذا لدينا وقت طويل "
" أنا شاكرة لك "
أومأت و أون أمسكت بكف أونجو و غادرتا المكتب و بقرب السيارة هما وقفتا و أونجو تساءلت
" هل تريدين أن أبلغ جدتي أو ستفعلين ذلك بنفسك ؟ "
" أبلغيها أنت ... أنا سوف أذهب و أحضر نفسي حتى أبلغ تشانيول ، يالهي سوف يكون سعيدا للغاية "
" كيف لا و هو يحبك جدا أختي "
ابتسمت ثم قالت مرة أخرى عندما عبست
" لكنه مشغول هذه الأيام ... يكاد لا يعود للمنزل "
حينها تنهد أونجو قائلة
" لابد أنه بسبب الجريمة الأخيرة للقاتل ذو الأصابع "
حينها أون حدقت نحوها باستغراب معكرة حاجبيها
" ما الذي تقصدينه ؟ "
" ألم تسمعي ؟ "
" ما الذي أسمعه ... "
" كنت أعتقد ان دكتور بارك أخبرك ... خصوصا أنه ظهر في الأخبار و تحدث عن الأمر "
و زاد استغراب أون و عدم استلطافها للأمر
" ماذا ؟ ... ظهر في الأخبار ؟ "
حينها شعرت أونجو أن هناك شيء حدث و هي لم يكن ينبغي عليها قول شيء
" أعتقد أنه علي اقفال فمي "
لكن أون تغيرت ملامحها و اقتربت تقول بجدية و صوت صارم
" أونجو تحدثِ ... ما الذي يحدث دون علمي ؟ "
" ربما فقط الدكتور بارك لم يرد لك أن تنشغلي في أمور لا تستحق "
" أونجو "
قالتها هذه المرة دون صبر لتقول الأخرى
" السيدة بارك والدة جون ... كانت هي صاحبة الجثة التي وجدت قبل ثلاثة أيام و هي جريمة تنتمي للقاتل ذو الأصابع لكن بصورة أبشع عما كانت عليه بقية الجرائم "
حينها ابتسمت بسخرية غاضبة نافية
" ما الذي تقولينه ؟ ... يا الهي "
قالتها نافية ثم تركت أونجو و اقتربت لتصعد للسيارة حينها تبعتها بسرعة و عندما حاولت اقفال الباب أمسكته أونجو
" إلي أين أختي ؟ "
" أتركي الباب أونجو "
" اسمعي ... الدكتور بارك واضح أنه لم يكن يريد أن يعكر سعادتك "
" أونجو قلت أتركي الباب "
رمقتها هذه المرة بغضب ففعلت أونجو لتقفله بقوة ثم شغلت المحرك و انطلقت بسرعة، كانت تقود و تشعر أن هناك شيء لا ترتاح له، كانت تتهافت داخل رأسها كلمات و ذكريات و أمور بدأت ترتبط ببعضها رغما عنها ... هي لا تدري لما تذكرت الليلة التي غادر فيها ثم شعورها المريب، تذكرت أن نفس الأمر حدث في بداية علاقتهما
لا تريد أن تستعجل في تفكيرها ... بالتأكيد هناك شيء و هناك مصادفة ما، وصلت بعد مدة للمركز و عندما نزلت في الموقف لم تكن سيارته موجودة، اقتربت من المصعد لتستقله و عندما فتح أبوابه صادفها هي كيونغ الذي توسعت عينيه عندما رآها أمامه هامسا
" محققة ايم ... كيف أتيت هنا ؟ "
خرجت هي من المصعد و هو حدق بها كلها و لاحظ كم هي متغيرة ليقول ببسمة
" أعتقد الآن بتُ أعلم سبب استقالتكِ ... "
و هذه كانت صفعة أخرى أكثر قوة عندما أمالت رأسها معكرة حاجبيها متسائلة
" ماذا ؟ ... ما الذي قلته هي كيونغ ؟ "
بدأت البسمة تختفي عن وجهه ليرد قائلا
" ما قلته واضح "
" هل قلت أنني قدمت استقالتي ؟ "
فرد محركا كتفيه هو
" أجل ... الدكتور بارك قال أنك قررت الاستقالة و حتى عندما حاولنا الوصول اليك و التحدث معك لكي نقنعك بالعدول عن قرارك هو قال أنك لا تريدين رؤية أحد "
شدت على كفها ثم ضمت شفتها السفلة تضغط عليها بأسنانها و هاهي الدموع تتجمع بعينيها و هو واصل قائلا
" أردنا اللجوء لكِ عندما وجدنا المجرم اللذي هرب بعد أن احتجزك في ثلاجة الموتى مقتولا من طرف القاتل ذو الأصابع "
و هاهي نظراتها ترتفع نحو نظراته و همست
" ماذا ؟ "
" القاتل ذو الأصابع قتله و وضعه في المكان المعتاد ... لقد هدم كل فرضياتنا القديمة ولا ندري حتى على أي أساس هو يرتكب جرائمه "
و هاهي تغمض عينيها لتنفي و دموعها تتابعت و هي كيونغ استغرب ثم شعر بالخوف عندما رأى رد فعلها
" محققة ايم هل أنت بخير ؟ "
و عندما فتحت عينيها نفت لتهمس بكسرة و خيبة كبيرة ...
" لست بخير و لن أكون كذلك "
عادت هي للمصعد بعد أن فتحته و بعد أن أقفل أبوابه تنهد هي كيونغ ليتساءل بغربة
" ما الذي قلته و ضايقها ؟ "
أما داخل المصعد فهي ضمت وجهها بكفيها معا لا تريد أن تصدق ما صول إليه تفكيرها، لا تريد أن تصدق ذلك الهاجس و لكن كل شيء يشير أن ذلك هاجس و ذلك الشعور حقيقي ... كل شيء حولها حقيقي و هي وحدها من وجدت نفسها تعيش فجأة داخل كذبة كبيرة مزينة، الضباب فجأة انقشع من على عينيها و تمكنت أخيرا من الوصول للقاسم المشترك بين معضم الضحايا ...
تنهدت بقوة و لحظتها وصلتها رسالة في هاتفها فأخرجته من جيب سترها لتجد أنها رسالة منه
" حبيبتي ثوبك وصل و أنا أنتظرك في البيت ... "
في تلك اللحظة فتح المصعد فخرجت و هي لا تستطيع السيطرة على دموعها، استقلت سيارتها ثم انطلقت تغادر و هي تنفي كلما تكرر الأمر داخل رأسها كأنه كابوس ... تخبر نفسها أنه خدعها بكل سهولة و ذكاءها خانها، لكنها لا تريد التصديق، لا تريد تركه ولا تريد حتى أن تراه وراء القضبان، قد يكون في الأمر إلتباس، تهديده لزوجة أبيه بالتأكيد كان فقط كلام في لحظة غضب
تتمنى أنها عندما تصل يخبرها أن كل شيء كذب ... تتمنى لو يخبرها أن الجميع يكذب و هو فقط من يكون صادق معها لكن كل شيء واضح ... الجميع من حولها صادقين و هو وحده من يكذب عليها، هو وحده من يكذب و قد عصب قلبها بالحب
صمّ آذانها بكلمات الغزل و أنفاسه و هي كانت مجرد امرأة وقعت في الحب، مجرد امرأة سلمت عمرها للرجل الذي سلم هو الآخر عمره لها لكن الرجل كان له عمرين ... هو كان شخصين في رجل أحبته بكل ما أوتيت من مشاعر ولا تريد أن تكرهه
عذاب هو الذي شعرت به طوال الطريق حتى وصلت أخيرا و عندما توقفت في الموقف شعرت أنها لا تستطيع النزول، شعرت أنها تريد أن تموت في هذه اللحظة
أخرجت من جيبها اختبار الحمل و هاهي شهقاتها تخرج بقوة و هي بكت ... بكت بصوت يخبر كل من يسمعها أنها تتألم، أنها كسرت و سمعت قلبها و هو يتحطم
رفعت كفها تحاول مسح دموعها حينها رأته يقف بقرب النافذة و على وجهه رسمت البسمة فرمقته بخيبة لتنفي هامسة
" إلا أنت ... إلا أنت من لم أنتظر كل هذا منك أرجوك "
فتحت الباب و نزلت لتقفله و هو الذي كان ينتظر بينما يضع كفيه بجيب بنطاله الكلاسيكي ابتسم عندما رآها، يريد أن يراها و هي ترتدي الثوب، إنه مستعجل أكثر منها
ابتعد عن النافذة و سار ناحية الباب و عندما فتحه هي كانت تقف هناك، كانت الدموع تملأ وجنتيها و الأسى بادٍ على ملامحها و هو بخوف و قلق ترك الباب و اقترب يضم وجنتيها يمسح الدموع من عليهما
" حبيبتي ... أون هل بك شيء ؟ "
لم تجب و ظلت تنظر لعينيه، هي كانت تحاول تكذيب كل ما قيل و كل ما فكرت به لكن كل شيء حقيقي حينها رفعت كفها و أبعدت احدى كفيه ثم سارت تدخل قبله و هو أقفل الباب و تبعها مستغربا دموعها، تصرفها و حتى صمتها ... لا تبدو أبدا كأون التي يعرفها
وصلت هي لغرفة المعيشة فوقفت بجانب الأريكة التي عليها علبة الثوب الكبيرة ... الثوب الذي كان قد أزاح غطاء العلبة من عليه و عندما رأته زادت دموعها و هو اقترب و ضمها من الخلف فأبعدته بسرعة عنها في تلك اللحظة ملتفتة لتصرخ أخيرا برفض
" لا تقترب مني ... لا تلمسني "
حينها تغيرت النظرة بعينيه، حينها ظهر غضبه الذي حاول أن يسيطر عليه جراء تصرفها الغير مفهوم
" أون ما الذي يجري ؟ "
فنفت ترد
" أنت أخبرني ... أخبرني كم كنت غبية ؟ أخبرني كم من الوقت احتجته حتى تزيحني عن طريقك "
" ما الذي تقصدينه أون .... ؟ "
فشدت على كفها تريد تكذيب نفسها و تصديقه هو وحده لكنها تدري أنه لن يغير من الأمر شيئا
" أنا عرفت كل شيء"
" عرفتِ كل شيء ؟ "
و هاهي ترسم بسمة ألم مجيبة بينما الدموع لا تتوقف ... كسرة لا يمكن تخطيها أبدا
" لقد وجدت القاسم المشترك بين الضاحايا، ضحاياك ... أيها القاتل ذو الأصابع "
كفه التي كانت مشدودة بقوة تركها و شعر أن قلبه سيتوقف من بعد آخر كلماتها
" أون ... "
لكنها نفت و الكسرة وضحت أكثر بعينيها هاهي تخرج عبر صوتها الهامس
" أصمت ... لا تقل شيء أرجوك، لا تقل و أتركني أسمع تحطم قلبي و حياتي "
" لا تقولي هذا أون ... "
قالها و اقترب منها رغما عنها يضم وجنتيها معا و هي تركت الاختبار يقع من كفها عندما حاولت بكفيها معا ابعاد كفيه صارخة
" لا تلمسني أخبرتك ... ابتعد عني "
تشعر أنه اذا ضمها سيغرقها به من جديد، سيقول أي شيء و ستصدقه، ولكن هاهي تقاوم نفسها و تقاومه، تبعده لتقول بينما ترفع خصلاتها عن وجهها و جبينها
" أنا أكرهك ... "
لا يمكن لها أن تكرهه ... تدري أنها لن تفعل و هذا أكثر ما يحرق قلبها و يلوعه
" لا أون ... لا تقولي هذا "
قالها بينما ينفي لترد هي بتساؤل
" أتدري ما الذي أشعر به الآن ؟ "
فنفى لا يريد أن يسمع ... هاهو يصرخ بوجهها حتى لا تقول
" لا تقولي شيء اخرسي أون "
لكنها صرخت هي الأخرى بينما تضرب قلبها بكفها
" أريد أن أموت في هذه اللحظة ... أتمنى لو يمكنني الموت و ترك هذا الجحيم الذي اشتعل و بقوة فجأة "
لقد قالت ما كره أن يسمعه ... قالت ما خاف سماعه منها فتغيرت النظرة بعينيه، اختفى ذلك الرجل الذي يحبها و ظهر ذلك القاتل الذي تجرد من كل مشاعر انسانية
حاولت المرور من جانبه و المغادرة مبتعدة لتختلي بنفسها و تسمع صوت ألمها بعيدا عن الجميع لكنه و في تلك اللحظة هو أمسك بذراعها ثم سحبها له يدفعها بقوة إلى الجدار، أمسك رقبتها بقوة و شد عليها بكفيه معا لتتوسع عينيها و دموعها نزلت أكثر، صحيح أنه ذلك القاتل و لكن دموعها كسرت قسوته و صلابته و هاهي دموعه تتجمع بعينيه بينما يضغط على أنفاسها بقوة ليهمس
" أنا لا يمكنني أن أخسركِ ... أنتِ الوحيدة التي كانت لي و التي استحال أن تكرهني، لم يكن عليك أن تقولي أنكِ تكرهينني ... ماكان عليك أن تقولي أنك تريدين الموت أون "
كفيها التي رفعتهما تحاول مقاومته بهما تركتهما لا تريد المقاومة، حتى لو قاومته فما الذي سيتغير؟ ... هي للتو تمنت الموت و هو مقتنع أن أون ليست للجحيم، أنه لا يمكن أن يخسرها سوى للجنة، و هي لا تستطيع أن تبدأ حياة جديدة، لقد توقف كل شيء بالنسبة لها
" أنا سأمنحكِ الجنة أون ... أنتِ حبيبتي و أنا لا يمكنني أن أدعكِ ترحلين، أنت سوف تحصلين على الحب في الجنة و أنا سوف أتعذب في الجحيم "
وجهها كان قد تحول للأحمر و بدأت الزرقة تسيطر عليه و هاهي كفها على بطنها
" أنا لم و لن أحب أحد بقدرك حبيبتي ... فلا تسامحيني "
أغمضت عينيها و هو أغمض عينيه يشد على رقبتها أكثر ليصرخ بقوة و جنون فلم يسمع همسها الأخير بأنها " تحبه " و عندما شعر بارتخائها فتح عينيه ثم حدق بعينيها المقفلة ، فاجأته الصحوة في تلك اللحظة غير مصدق ما حدث توا و ما فعله بتهور و جنون
نفى بسرعة ليترك رقبتها و تلقتها ذراعيه قبل أن تصل الأرض ثم اقترب من الأريكة و وضعها هناك بقرب صندوق ثوب الزفاف ... الثوب الأبيض الذي تحول لكفن لها
ضم وجنتيها المليئة بدموعها نافيا و هامسا باسمها
" أون ... حبيبتي افتحي عينيك أنا آسف "
لكن ذراعها تدلى بقربه و عندما وضع كفه على جانب رقبتها تأكد أنه قتلها ... هو قتل حبيبته و الشخص الوحيد الذي جعله يفتح له حياته و قلبه عن طيب خاطر
أمسك كفها بسرعة نفيا معتذرا كطفل صغير فعل ما تم تحذيره منه
" أون ... أرجوك أنا آسف فقط كنت غاضب و لا أريد خسارتكِ "
لكن الأوان فات و حبه كان قاتلا ... هو خسرها للجنة و كان متيقن من الذي يفعله و لكن لما الآن يشعر بالندم، ألم يكن يقول أنه شعور لن يصل له يوما ؟ لما الآن فقط آمن أنه يوجد ذلك الشعور و أنه وصل لبداية طريقه بالفعل
قبل كفها ساندا ركبيته على الأرض مترجيها، قبلها بقوة و هاهي نظراته تقع على اختبار الحمل الذي وقع منها قبل دقائق فترك كفها، تركه و شعر أنه لا يستطيع أن يتحرك فجأة ... لا يريد أن يقترب و يكتشف أنه قتل روحين تسكانه و ليست فقط روحا زرعت به الورود ... زرعت الأمل بقلبه القاحل
رغما عنه دفع نفسه و أخذه و عندما رفعه كان هناك خطين فوقع من كفيه و التفت لها ثم اقترب يحركها بجنون صارخا باسمها
" أون ... أون "
ذلك البيت الذي زارته الحياة منذ زارته هي أول مرة ... البيت الذي اكتسى الألوان و الزهو هاهي شمس هذا اليوم تغيب عليه و زهرته قطفت بيد من صانها، من شذبها و أخرج أجمل ما فيها
يوم كان من أجمل أيام حياتها، قبل ساعات قصيرة فقط هي كانت تحلق سعادة و الآن هي مجرد جسد بارد سرقت منه الحياة على يد من أحبها و أمدها بحياته ... على يد من قتل كل من حاول أذيتها و لو بنظرة
*
عندما سقطت القضايا التي ارتكبها القاتل ذو الأصابع بالتقادم و الذي بقيت هويته مجهولة حتى نُشرت مذكرات بعنوان "أصابع " كانت الصدمة التي ملأت الجميع و كل من كان يسمع عن تلك الجرائم التي حدثت ... و حتى التي لم يسمعوا عنها كموت مين و أون
كان يجلس في مقعده الكبير و على مكتبه يوجد اطار صورة قديمة، صورة ألتقطت يوم تزوجا و كانت ترمقه بنظرات الحب، كان النور الذي يتسلل عبر النافذة من خلف الستار الداكن قليل جدا بحيث لا ينير سوى جانب من وجهه هو الذي يسند كفيه معا على المقعد و من خلفه يجلس ذلك الرجل الذي قال بتساؤل
" كيف هي الحياة ؟ "
فصمت قليلا ثم ها هو يقول بعد تنهد عميق
" العيش دون أون جحيم "
" اذا لما لا تزال حيّا ؟ "
" لأنني أستحق الجحيم "
" أون كانت تحبك أليس كذلك ؟ "
" أجل ... أحبتني أنا فقط "
" اذا ألم تستحق أن تعيش و اياك ؟ "
" إنها تستحق الجنة حتى لو لم أكن أنا معها فيها "
" لا أستطيع فهمك "
" و لن تفهمني ... أنا بعد أون عشت سنين طويلة لوحدي بعيدا عن الجميع، عشت مع ذكرياتها و طيفها في هذا المنزل "
" لما قتلتها ؟ ... اذا كنت سوف تفعل ما فعلت و تنعزل عن الكل لما فعلت و أنت تحبها ؟ "
" لأنه لا يمكنها أن تكرهني ... لا يمكن أن تنظر لي بعينين لا تحملان لي مشاعر الحب، لا يمكنها أن ترمقني بخيبة كالتي رمقتني بها عندما فتحت لها الباب ذلك اليوم "
" هي علمت الحقيقة في ذلك الوقت ... حتى لو كنت تعتقد أنك قتلتها حتى لا تكرهك فهي تكرهك الآن "
لكنه فقط رسم بسمة مجيبا
" إنها في الجنة الآن ... حيث لا مكان للكره "
*
من قال لا يبكي الرجال؟
اللهُ يشهدُ يا وفيه
كم ضاقت الدُنيا عليً.. لمًا أضعتُك من يديً
أخطأتُ باسم الكبرياء.. فجرحتُ سيدةَ الوفاء
يا ويلنا نحنُ الرجال.. من نحنُ من غير النساء؟
عودي.. إعذريني.. سامحيني.. سيذوبُ قلبي من حنيني..
عودي.. يَعُد لي العيد يا بنت الحلال.. من قال لا يبكي الرجال؟
سُحُبُ الشتاء تجمعت في مقلتي قبلَ الشتاء
يا ويلنا نحنُ الرجال..من نحنُ لولا المخلصاتُ من النساء؟
إني أمامَ الناس أعلنُها جنيتُ
لا أستحي لو بينَ كفيَكِ ارتميتث
فإلى متى أجني ثمارَ خطيئتي؟
هذا أوانُ الصُلًح يا محبوبتي
عودي.. لعلً الارض تحملني وتحميني السماء
يا ويلنا نحن الرجال.. هل نستطيع ُالعيش من دون النساء؟
قصيدة للشاعر الكبير كريم العراقي
...
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro