الفصل الثاني
في متحف الإلكترونيات الحديث كان جيمس و حبيبته زوي التي ترتدي بذلة جلدية باللون الوردي يتجوّلان بين المعروضات.
المتحف كان يحتوي على النماذج الأولية للروبوتات، الحواسيب، و جميع الأجهزة الإلكترونية مُحاطة بزجاج مضاد للرصاص منعًا لسرقتها.
:" حسنًا، إليك ما استنتجتُه: أولًا البروفيسور تمكن بالحظ من النجاة أو رُبما غادر مسرح الجريمة قبل انفجاره بخمس عشرة دقيقة مثلًا
أو -و هو أكثر الإحتمالات ترجيحًا من ناحيتي- البروفيسور ليس الضحية إنما الجاني و هو من فجّر المعمل و بالخطأ أوقع بطاقة دخوله فظنّ الحاسوب أنّه مات." قالت زوي بينما تتجوّل متقدّمةً عن رفيقها
ابتسم جيمس لها و أردف:" أأخبرتُكِ قبلًا كم تبدين فاتنة و أنتِ تُحلّلين الأشياء المجهولة؟"
خجلت الأخرى و تذمّرت:" جيمي! ساعدني هنا."
اقترب منها بابتسامة و أحاطها بذراعيه قائلًا:" هيّا، لا تتظاهري و كأنّك لم تُحبّي غزلي لكِ."
ضحكة فرّت من بين شفتيها و قالت:"حسنًا لن أكذب أحبه، و أحبك..."
قاطع مغازلتهما اللطيفة رن هاتفها فابتعدت عنه لتجيب بينما الآخر وقف يتأمل جهاز الروبوت الأوليّ محاطٌ بقفصٍ زجاجي أمامه، ذو رأسٍ مكعّب و لون رمادي يزن ثلاثة عشر كيلوغرامًا و بطول مائةٍ و خمسين سنتيمترًا. قرأ تلك التفاصيل في البطاقة التي كانت مُلصقة على الزجاج قبل أن يسمع صوت زوي الحاد يقول و قد طغى الغضب عليه:" ماذا تعني بأنّك لن تكون متوافرًا؟ لا، لا أريد اعذارًا منك لقد اكتفيت!"
ثمّ أغلقت الخط و من الواضح أنّها أغلقته في وجه من كان يحدّثها.
وضع ابتسامة مصطنعة و هو يسألها:"دعيني أخمن، والدك سيغيب مجددًا؟" كان وجهها عابسًا و هي تتمتم غير ناظرةٍ له:" لا يهم إن كنت سأموت حتى، عمله أهم مني."
تغيّرت تعابيره لأخرى قلقة و هو يسأل:"ماذا أخبركِ الطبيب." وقتها نظرت إليه و ردت:" قال ترهات الأطباء التي يقولونها حين لا يكون هناك أمل."
قالتها بتعابير ساخرة غير عابئة لكنّه يعلم أنها على العكس من كل ذلك، الخوف و القلق سيطرا عليه مثلها، غمرها هامسًا:" و هل السيد بران يعلم؟"
ترقرقت عينيها و قالت:"ماذا سأخبره؟ مرحبًا أبي أنا أحتضر؟ لم أقوَ على ذلك." اختنق صوتها في نهاية الحديث و تدحرجت دمعتيها فشدّ الآخر على عناقها و تمتم:"أنا معك، و سنجد طبيبًا آخر و سيقول لنا أن هناك أملًا و ستشفين و سنكون بخير."
:"لكن هذا الطبيب الثالث الذي يقول لنا ذلك؟" خرج صوتها الباكي فرد الآخر :"سنبحث عن طبيب رابع، أو خامس، لن نيأس و سنجد حلًا أتسمعينني؟ لن أسمح لشيء بأخذك منّي."
متناسيًا الناس من حولهما عانقها و كأنّه ينازع القدر ليظفر هو بها، و كأنه حبل نجاتها من مصيرها الذي أجمع ثلاثة أطباء على حتميته قريبًا.
بينما في مكانٍ آخر كان البروفيسور آدم برفقة كايتي صامت ينظر إلى القنبلة الضخمة من الزجاج الشفاف الذي يفصلهما عنها و قال بعد بُرهة:" و قد صدق آينشتاين؛ فلا تجد كائنًا يصنع ما يهدّد بفنائه غيرنا، و للمفارقة العجيبة أنّنا الكائنات التي مُيّزت بالقدر الأكبر من العبقرية وسط كائنات هذا الكوكب."
كايتي الحائرة لم تعرف ما الذي دهاه فجأة، قالت:"آدم، أأنت بخير؟"
التفت إليها و ابتسم بتوتر قائلًا:" أجل، الأمر فقط متوتر قليلًا." ابتسمت في المقابل لتخفف توتره و أردفت:" حسنًا، لا داعي لهذا، أنت أحد أذكى ثلاثة أشخاص أعرفهم؛ ستكون بخير."
عقد حاجبيه و سأل:"و من هما الشخصان الآخران؟"
أجابت:" حسنًا إنهما أنا و ستيفن."
:"العالِم ستيفن هوكينج؟" سأل مرة أخرى فأتاه جوابها:" لا، أخي ستيف." ضحكة قصيرة أخرجها تعقيبًا على جوابها بينما الأخرى تابعت متظاهرةً بالجدّية:"و لا بأس بالعالم ستيفن هوكينج أيضًا."
قاطع مزاحهما أحد العاملين الذي دخل و قال:" بروفيسور آدم، أحدهم يريدك."
تبادلا النظرات بحيرة قبل أن يقول آدم:"أخبره سآتي بعد قليل." فيسمع صوت شخصٍ رابع قادم من خلف العامل:" لا داعي لهذا؛ فأنا هنا."
تنحى العامل عن طريقه و يرى آدم صاحب الصوت رجلًا في منتصف الثلاثينات يرتدي بذلة رسمية رمادية و أخرج بطاقة بلاستيكية و هو يردف:" المحقق جون سيتر - الإستخبارات المركزية و أنت يا سيدي رهن الإعتقال بتهمة قتل البروفيسور سام."
اتسعت عينا كايتي و آدم و هما يتبادلان النظرات المذعورة في نفس الوقت بينما المحقق يتابع و هو يدفع بجسده إلى الداخل سامحًا بعددٍ من الطائرات الآلية الصغيرة بالدخول و إحاطة آدم الذي ابتعدت عنه كايتي و هي خائفة لا تعلم ما يحدث، و لا فكرة لها.
بينما آدم المحاط بثلاث طائراتٍ آلية صغيرة صرخ:" ماذا يحدث بحق الجحيم؟! أنا لم أقتل أحدًا!"
بيننا يتابع جون سيتر:" من حقك التزام الصمت، و ألا تتحدث إلا بحضور محامٍ، و إن لم يكن لديك واحد ستتكفل الإستخبارات المركزية بتوكيل واحدًا لك، كلّ ما تقوله قد يستخدم ضدّك في المحكمة، أتفهم حقوقك التي تلوتها عليك، بروفيسور؟"
اقتربت الطائرات من آدم المذعور و فجأة خرج منها ست أسلاكٍ كهربائية منتهية بمجسات إلكترونية، انقضت على صدر آدم و رأسه و ذراعيه و صعقته فصاح ألمًا و صرخت كايتي في وجه جون الذي كان ينظر للقنبلة ببرود:" هل فقدت عقلك؟! ألا تعلم من هو؟!"
التفت إليها جون ناظرًا بحدّة إلى عينيها:" آدم بينيت آدم و لا أهتم بما قدمه من إنجازاتٍ علمية للبلد بقدر ما أهتم بأنّه متهم في جريمة قتل،
و إن لم تلتزمي الصمت، سيّدتي فأخشى أنّه لن يكون لدي خيار سوى اعتقالك بتهمة عرقلة مجرى العدالة
أتفهمين؟!"
انعدمت المسافة بينهما لدرجة أنّها استطاعت اشتمام أنفاسه، و على الرغم من أن نظراته لها و نبرته كانتا مخيفتين إلا أنّها ظلّت ثابتة و ردّت بهدوء بنظراتٍ حانقة من بين أسنانها:" آنسة، و لستُ سيّدة."
كان آدم قد أُغشي عليه بالفعل...
بينما في مكتبة الجامعة الهالية تقريبًا كانت تحلّ واجباتها ، منهمكة على جهازها اللوحي من حولها الرجال الآليين
قبل أن ترن ساعتها معلنة أن أحدهم أرسل إليها رسالة.
فتحتها بسرعة و أعين أمينة المكتبة الغاضبة عليها بسبب الصوت العالي للرسالة
كانت رسالة غريبة، مجهولة، و محتواها أغرب.
كانت تقول 《 أوكسفورد 2003》
أهو كود لشيء ما؟
ماذا يكون يا ترى؟
برنامج التعرف على هوية المرسل فشل في تحديد هوية صاحب الرسالة الغريبة.
و عندما لم تجد تفسيرًا منطقيًا لمحتوى الرسالة، ببساطة تجاهلتها و ركزت في جهازها اللوحي تحاول إكمال واجباتها في سلام قبل أن تسمع همسًا من خلفها:"جونز...جونز...جونز."
التفتت و رأته، باركر، بقميصه الأزرق المخطط و شعره البني المُهمل ينظر إليها بعسليتيه و يقول بصوت خافت كي لا تطرده أمينة المكتبة:" أحتاج مساعدتك."
توقعت ما سيقوله لها، لقد رسب في مادة البروفيسور آدم و سيجعلها واسطته كي يغير البروفيسور رأيه.
تنهدت و ظلّت تفكر، إن قبلت مساعدته سيحل عن سمائها، و إن لم تفعل، فباركر لحوح للغاية
:"ماذا تريد؟" قالت بهدوء
و رد باركر الرد الذي توقعته:"اسمعي، الجميع يعلم أنّك المفضلة لدى البروفيسور آدم، أيمكنك فقط أن تخبريه أنني آسف و أنني نادم و أشياء مثل تلك حتى يحيد عن قراره بجعلي أرسب؟"
سحب مقعدًا جالسًا بجوارها و هو يسمع صوتها الخفيض:" و لماذا لا تذهب أنت و تخبره بنفسك؟"
:"أنتِ المفضلة، أنا لست المفضل لديه، هيا جونز أرجوكِ." رد و هو يحاول أن يرسم بوجهه تعابير الحزن كي ترضى التي أمامه
ردّت:" أولًا: أدعى ماريسا، توقف عن مناداتي جونز و كأنني رفيقك في فريق الكرة، و ثانيًا هل ستدعني
و شأني إن وافقت و ساعدتك؟"
رفع الآخر كتفيه بلامبالاة مردفًا:"أجل سأتركك وشأنك؛ فلا شيء يجمعني بكِ سوى محاضرته على أي حال." رمقته الأخرى بشيء من الضيق حين قال ما قاله، بشيء من الإحتقار قبل أن ترد:"حسنًا لك هذا، المحاضرة القادمة سأخبره عنك و سأرجوه كي يسامحك، لكن عليك أن تعرف تتوقف عن السخرية في المحاضرات، الأمر مزعج." قلب الآخر عينيه ما إن بدأت بالنصح و قد لاحظت الأخرى ذلك فتنهدت بياس و صمتت بدورها
:"حسنًا، سأترككِ الآن جونز." ألقى باركر كلماته و غادر من وجه ماريسا الساخط من مناداته لها ب'جونز' كما ينادي زملاءه غير آبهٍ لكونها تبغض ذلك.
:"أنا لم أقتل أحدًا! مؤكدٌ أنّكم قد أخطأتم بيني و بين شخصٍ آخر." صاح البروفيسور آدم المُقيّد بالكرسي المعدني في غرفة بيضاوية حوائطها الزجاج المضاض للرصاص و أمامه المحقق جون يقول:" لن يفيدك الإنكار، آدم، الدلائل كلّها ضدك."
:"صدّقني أيها المحقق لستُ الفاعِل." بصوتٍ أبح و عينين غلبهما الشجن ردّ المتهم بينما المحقق فلا يبدو عليه أنّه تأثر حيث قال متقدّمًا ناحيته:"و بطاقتك التي وُجدت في مسرح الجريمة؟ ماذا تقول حول ذلك؟"
مدّ يده ممسكًا بشعر الآخر المبعثر جاذبًا رأسه نحوه و أكمل مهسهسًا:" و البطاقة ليست كلّ شيء، البروفيسور سام كان من أشد المعارضين لمشروع المحاكاة الذي تعمل أنت و حفنة أخرى من العلماء عليه، و الذي اكتشفنا أنّ الجهة التي تموّله مجهولة الهوية.
كيف ترد على كلّ هذا آدم؟ لن تستطيع؛ لأنك لا تملك ردًّا، لأنك من فجر المعمل و قتل البروفيسور سام.
إنّه أنت، و لن تفلت من بين مخالب العدالة، خذها منّي كلمة." أنهى كلامه باصقًا ما تجمّع في فمه من لعاب على وجه المقيّد بالمقعد ثم ابتعد إلى المكان الذي كان واقفًا فيه سابقًا و هو يقول بنبرة أقلّ عدائية:" انظر حولك آدم، لا يوجد سوانا، يمكنني تعذيبك بطرق لا تتخيلها، فقط اعترف و اجعل الأمر أسهل على كلانا."
عاد جيمس و زوي إلى شقته، فتح الباب و دخلت زوي التي تعبت من السير متسائلة:"و كيف حال أفضل سيدة في الكون؟" تنهد الآخر قبل أن يرد أثناء غلقه للباب:" أمي في حال جيدة، بعثت لي رسالة قبل أيام من منزل خالتي في الشمال، ستمكث عندها بضع أيام، فقط آمل ألّا تقنعها خالتي بقتل أبي."
:"صعبٌ ألّا تفعل، أي إنسان سيودّ لو يقتل والدك." جاء صوتها و هي تبحث عن شيء ما على الأريكة إلى جيمس الذي ابتسم متذمّرًا:" قد يكون رجلًا فظيعًا و لكنّه أبي قبل كلّ شيء، لولاه ما كنت وُجدت." استلقى بجوار زوي التي تأملت وجهه متوقفةً عن البحث عمّا كانت ترجو إيجاده و لم تفعل
و تمتمت:" كان إنجابك هو أعظم عملٍ فعله؛ لذا يغفر له الكثير."
ابتسم لها و طبع قبلة رقيقة على خدّها قبل أن يردف:" أنا فقط لا أكون ما أكون بدونك."
ثم استقام قائلًا:" سأحضر لنا طعامًا ريثما ترتاحين."
ابتسمت له هامسة:" أحبك" و ترسل له قبلة في الهواء و يمثل الآخر أنّه التقطها و يتجه نحو المطبخ
وجدت زوي ما كانت تبحث عنه خلف أحد الوسائد على الأريكة، أشبه بلوحٍ زجاجي صغير، نقرت عليه فأنار كاشفًا عن ما يشبه الأزرار المضيئة بانوار فسفورية مختلفة، نقرة أخرى فوق زر منقوشٌ عليه نقش التلفاز.
ففُتحت الشاشة الضخمة أمامها على إحدى قنوات الأخبار.
بينما صديقها فقد كان في المطبخ ينتظر الطعام كي ينضج أمام الفرن الكهربائي حين سمع صوت الأخبار الصادرة من شاشة التلفاز
:(مازالت التحقيقات حول انفجار المعمل في المقاطعة الثالثة تستمرّ، أعلنت الحكومة أنّه مجرّد حادث رغم وجود شهود أكّدوا اعتقال العالم آدم، منذ بضع ساعات من قِبل الإستخبارات المركزية.
الجديرُ بالذكر أنّ العالِم المذكور قد شوهد قبل انفجار المعمل بدقائق يدخله، و ما يجعل الأمر مُحيّرًا هو وجود نفس العالم في مؤتمر القمة الذي عُقد في نفس وقت الإنفجار كما التقطت الكاميرات.
و أعتقد أنّ السؤال الواجِب طرحه ليس ماذا فعل آدم بينيت آدم، بل مَن هو آدم بينيت آدم؟ )
اتسعت حدقتا جيمس الذي ترك الطعام و هرع إلى الخارج ينظر إلى تسجيلات الكاميرات التي عرضتها شبكة الأخبار لمكانين مختلفين في نفس التوقيت
و البروفيسور آدم موجودٌ في كِلا التسجيلين
تمتمت زوي:" المسافة بين مؤتمر القمة و المعمل لا تقل عن ثلاثين كيلومترًا تقريبًا، كيف يُعقل أن يكون هناك شخص في مكانين مختلفين في نفس الزمن؟"
رد عليها جيمس:"حسنًا، هذا مستحيل علميًا، و لكن أعتقد حقًا أنّ بروفيسور آدم يستطيع تحقيق المستحيل." نظرته كانت فاضحة أنّه اكتشف شيئًا عن أستاذه، شيئًا لا يعرفه الجميع.
_____________________________
Stop right here:-
تقييم للشابتر؟
توقعاتكم: هل آدم هو المسئول عن تفجير المعمل؟
اللي عنده surgebook أنا بنزل عليه بنفس اليوزر و نفس الصورة بس بنزل بعد واتباد.
أي أسئلة؟
آراء؟
بتنجان؟
انا نشيطة اليومين دول ادعولي بس نشاطي يستمر لحد م اخلصها😂
Love you all, bye🖤❄
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro