01
❁❁❁❁❁❁❁❁❁❁❁
Song: Arthur James-Naked.
❁❁❁❁❁❁❁❁❁❁❁
قبل أن أطأ بساط نيويورك المهيع، لم أكن أمتلك حياةً كباقي البشر. لقد غادرت جوف التعاسة التي ترعرعت بين حافة أنيابها فـارغة الجحر. رحلـة بحـثي تلك كـانت عن مسكـن لوحدتي، هكذا! أجـل! ذلك الصمت القـاتـل الذي زينـته قطـرة صنبـور شقتـي البـاردة!
أريـده..مجـددًا...
لقد تنفست الصعداء بكل حين أقفلت فيه بوابتها الصغيرة، يقين أنّ لا شرّا منهم سيبتر هذا الهدوء الذي فررت لأجله كان لذيذًا حقـًا. لم أخطط لمؤنس لها، أتيت منفردة من لا شيء ودون تذكرة للعودة. إنني أوصدت بحافلة رحيلي كتاب سيؤول بينما قد اِحترقت صفحاته بين كفيّ بدموع تلك السنوات البائسة.
أجـل! فليلتي الأولى بحي مورنينغ سايد هايتس كانت نقطة الصفر، أتـذكر نبضـاتي وأقسمت تحت عتمتها أنني سأعيش ولن أستنزف الفرصة التي منحت لي كي لا أنعطف إلى تلك اللظى مجددًا. درست بجـد، وهبتني للنجاح خادمـًا ذليـلا ولم أتنازل عمّ قدمت لتحقيقه.
لا صندوق به أمنيات زهرية الخزف، ولم أعلق أمالًا مزينة باِبتسامات مخدرة قد تشغل عني وانغ مينـا الجديدة. إنني أنجبت من رحم الواقع وهدفي كان اِستقلالية مثالية مستقرة. ما كنت لأسمح بنزولي إلى اِحتياج أحدهـم، تلقفت هواء هذا العالم الذي اِستقبلني لأنني كافية لنفسي، أدرك أنني سأكتفي بي وبعزلتي حتى أصنع لمستقبلي كرسيا بمكتب تتراكم فيه ملفات قضايا مستعصية ووانغ مينا قادرة على فك عقدها.
كنت أعتقد أنني محصنة بالمعاناة؛ فبصيرتي لم تكن تأبه للملاهي المغرية، التعب الذي ألقيتني ببؤرته قد أطفأ شوقي ومتنّ جناني بحصن منيع من فولاذ.
لكنني..لم أضع فـي حسبـانـي تلك الأعين!
كانتا باِنتظاري حـتى أرى باِنعكاسهمـا هشاشتي. تحدثتـا إلي قبل أن يفتتح شفتيـه مستغربـًا غياب محاميه الأستاذ مارتن.
«هـل جـون سيتـأخـر؟»
تفحصت هيئته المحشورة بزيّ السجن البرتقالي مثلما أخذت مقلتاه تعبثان بصورتي المتجمدة إزائه. شـعرت حينئذ أنّني مكـشوفة بداخلهما، هندامي المحتشم ذاك قد غلف جسدي كاملا لكنّ قلبي كان عاريا بمحضره.
«أكـون تلميـذته..، مينـا وانـغ.»
اِشتدت قبضتاي حول تقارير قضيته ثم أجبته بصوت قد اِنفلت من فمي ببحة مجروحة كصرخة ديك غاضب، اِنفجرت حنجرتي بعدها بسعال حاد وقد تفاقم وطعنة الاِحراج التي باغتتني.
أضحكته مهزلتي بنغمة موسيقية جعلت جسدي يكتم أنفاسه. لقد اِستتر بكفه وهو يهتز بقهقهاته؛ فتدفق الغيظ إلى أعماقي كطوفان فلوريدَا. قررت بتلك الثانية كرهه والاِمتناع عن مساعدة السيد مارتن لحل معضته المأساوية.
ليـذهب إلى الجحيم، ما شأنـي!
حينما صفعت الطاولة بملفه حمحم ثم هتف بلين لم أكن بحاجته.
«عـذرًا آنستـي.»
الاِنهاك كان باديا على محياه، رغم ذلك لم يتوانى عن التبسم صوبي كلما نظرت إليه. لقد خسر حريته بتهم لم يذنب في صنعها، ووجهه به خدوش عرفت أنّ منبعها شجار بينه وأحد المعتقلين بزنزانته، لكنني لم أقدم لأحدث تعارفـًا شخصيـا.
لقد مد كفه لمصافحتي لكنني تجنبتها وفتحت أوراق عملي كي أناقش التفاصيل التي أوصلتني إلى قبول زيارته.
«سأستلم موعدكمـا لهذا اليـوم..، لقد أعـاق طـارئ تنفيـذ جـدوله..، لكننـي جـاهزة للمـساعدة.»
اِسترجع يده ولم يبدي باِستياء أو رد غليظ، ظلّ متعاونـًا؛ فاِنسحبت أيضا بمخيلتي لأكتب النقط التي أضافها. إنه يأبى أن يشير بشكوكه نحو معارفه؛ فلا يود أن يسقط الظلم على بريء كالذي قد اِستطعم سمه.
رفضه كان عقبة مختبئة خلف ستار أن يكون الغدر من قريب، أحسست حينها أنني قد علقت بأصفاده العنيدة؛ فلم يكن من السهل إقناعه أنّ عليه التفكير بعقله لينجو..
«سيـد بيـون..، إننـي أستـوعب تعـاطفـك..، لكـن القـانون لـن يـلقـي بـالا لظـنونـك الطيبـة..، هنـاك أحكـام..، وسنـوات سجنـية..، إن لـم نصـل إلى تبـرئتك..، سنلـجـأ لظـروف التخـفيـف.»
لهجتي كـانت قاسية بردودي حتى يرى أي القبور التي يحفـرها بغبـائه. إنـه رجـل مغـفل متـهور بشكل فـاق تصـديقي، أبقيـتني عند عتبـة الحـياد، فقط لأنني لـم أنتـظر الكـثير من شخـص يمتـهن السبـاقات الخطـيرة.
«بـصـدق..، لا أعـرف..، كـيف يمكـنني مـساعدتكمـا؟»
تنهـد ثم نبس بطريقة متـرددة قد أسكنتني أمامه؛ فدفعت الملف صوبه ببرود كي يطلع على الدلائل التي وجدت بسيارته.
«هـل أستطـيع؟»
حينما اِستأذن بهدوء لطيف أرجحت رأسي بالإيجاب. زمّ ثغره وأزحت ناظراي باِرتباك لم يكن بتكهناتي. أمهلته وقته إلى أن أخذ فسحته في تأمل صورة تلك العلبة البلاستيكية لواقي فساد لم يتم اِستعماله..
ملامحه قد تيبست وهو يقرأ التقرير الذي أرفق بها!
«اللعـنة.»
همس مرتديا رداء الصدمة، ثم أرسى كفيه حول وجهه لينفث تنفسه المشتعل.
أشار بسبابته إليه بعدها ثم طالبني بالاِنكـار!
«سيـارتـي؟»
«بالتحديـد كان بـيـن تلك الأكيـاس.»
كنت سأختتم اِجتماعنا فقد اِحتقنت مقلتاه ورجّ رأسه غير مصدق ما جلبته. إنه لا يدرك كم سهـرت كي يقبل طلبنا في وضع تلك العلبة والأكياس تحت الاِختبار حتى نتمسك بنوعية العطر الذي كان فوق غلافها كدليل. إنه شـانيل رقم خمسة، كالذي قد اِستنشقته حول حبيبته عندما اِصطدمت بي برواق المحكمة الأسبوع الماضي.
«لا يمـكن!»
«مـن الجـلي أنـها كـانت بالمكـان الذي أتـت منـه تلـك العلبـة قبـل أن تنتقـل إلـى سيـارتك..، هنـاك بصـمـات أيضـًا..، وليست لك..، لـم يتـم وضـع الآنسـة يـانغ ضـمن الشبـهـة لأنهـا كـانت بعـيدة عـن الحـدث..، لكـننـا..»
بتـر كلمـاتي بزفـرة ثقيلة ثم اِستنكـر أننـي لعـنت فتـاته بالـجرم.
«آنسـتـي..، أنـتِ تتحـدثيـن عـن إيـستـر.»
أدرت الصفحة الموالية ليبصر جزءً عن خيط أخضـر اللون عثـرت عليه الشرطـة عالقـًا فوق تـلك الأكـيـاس. حدق بي وكـأنني قد صـوبت نحو الترهـات؛ فقلـبت بؤبؤاي بتبـرم وأشـبعت ظمـأ معـرفتـه.
«لـنكـن أكـثـر دقـة..، بـدايـة بتحـركاتك..، ليلـة السبـت صعـدت سيـارتهـا ثم ذهـبتمـا إلى ذلك الملهـى..، سـهـرتمـا إلـى الفجـر..، واِتصـلت بأوبـر ليعيدكـمـا إلى شقتـك..، تـم التحـقق من هـذا الظـرف..، تواصلـت مع السـائق..، كاميـرات المـراقبة بتلك الحـانة اِلتقطت مـوعدكمـا..، كمـا أنّ صديقتهـا جيك قد شـاركت بحـسابهـا على الأنستاغـرام صـورة لكم..»
أخرجت هاتفي ووجهت شاشته إزاء نظره، كان محتضنـًا ذات الفستان الأخضر الصينية يانغ بذراعه الأيسر بينما الأمريكية السمراء جانيت جيك قد تمسكت بالآخر.
إزدرم ريقه، بريق حزين ممتلئ بالأسى غزا حدقتيه، كـان بلسانه أسئلة عن التتمة، لكنني قد خيبت توقعاته الوردية؛ فحبيبته متورطة بالفعل.
«قـلت أنك..، قد قضيتمـا الليلة معـا..، ثـم تركتـهـا هنـاك نـائمـة بمفـردهـا كـي تحـضر سيـارتك من المغسلـة..، كـانت نظـيفـة حـسب أقـوالك..، وقد تفحـصتهـا بنفسك أمـام عمـال ذلك المـركـز..، لقد أكـدوا صحـة هـذا الظـرف أيضـًا..، ثم عـدت بهـا إلى مـرآب منـزلك..، أيـن كـانت الآنسـة حينـها؟»
تـأتـأ ثم أجـب ببطـء.
«بالسـريـر.»
«بعـدهـا.»
أشـهرت يداي قائلـةً بفراغ صـبر؛ فدعـك رقبتـه ثم تمـتم مرغمـًا..يبدو أن اِستنتاجاتي لم تـرضي قلبـه.
«حـضرت الاِفطـار..، وأيقظتـها..، لكـن لـم يكـن بسـعتهـا البقـاء..، اِغتسلت بالحمـام ثـم غـادرت بسيـارة أجـرة..، لقد كـانت متوجـهة إلى منـزل زوج أمـهـا..، لذا رفـضت أن أقـوم بتوصيلـهـا.»
عانقت أصابعي مع بعضها البعض وسألته.
«مـاذا كـانت ترتـدي؟»
اِنكبح الصوت بحنجرته؛ فإنه بالتأكيد قد اِستوعب ما أود الوصول إليه.
«الفستـان الذي جـاءت به..، وحقيبـتهـا.»
قال ثم اِعترض عندما اِلتوى ثغري لسخرية تعابيره.
«يـا آنسـة..، ذلك لا يعنـي أي شـيء..، إنـها لم تقتـرب من سيـارتـي..، رحـلت دون أن تلمـسهـا حـتـى!»
«واثـق للغـاية سيـد بيـون.»
الشك سيف ذو حدين أيها المـوكل!
لم ينطق بقول آخر؛ فتحليلاتي كانت منطقية وكممت لسانه خلف أسنانه مستسلمـًا. تنهيدتي بذلك الحين قد عبرت عن الجهد الذي بدلته لاِنقاذه ولم أفتعلها لاِستفـزازه، لكنه قد أظهر اِنزعاجـا طفيفـًا بحاجبيه. لم يتجـاوز الحدود معـي، أبقى على الرسمية بيننا وإلى آخر فيمتو ثانية من اِجتماعنا كان شخصية تتحلى بآداب التعامل على نقيض الجيل الذي ولدنـا فيه.
«من أيـن قد اِنصـرفت الآنسـة يـانغ؟»
أدار عدستيه وهو يحاول تذكر تصميم منزله.
«حينما تلقت رسالـة الأوبـر الذي طلبت خدمتـه..، مـرت مـن غـرفة المعيشة كي تنزل الدرج إلى الطابـق الأرضي..، علـى يمينك يكـون البـاب الخـارجي..، ثم الحديقـة..، أمامها سياج نحاسي به بوابة صغيرة للخـروج.»
«هـل رأيتهـا؟»
«بقيـت بالمطبـخ كـي أستمتـع بقـهوتـي.» نفـى ذلك قائلا.
تساءلت بأعماقي عمّ إن كان قناع الأرنب الذي يتعنت به قد توارى به فـخ ثعـلب شـرس يبتغـي خـداعي؛ فمن المحـال أن يكـون بهـذا القـرن الفـظيع رجـل بـقلة فطـنة كهذه.
«إن اِحتجـت المـرور نحو المرآب..، علـيك أن تنعـطف إلى الجهة الخلفية للدرج..، هناك مدخـل..، لكن لا معنـى لـذهـابك من ذلك الاِتجـاه مادام أنّـك لن تستعمـل سيـارتك والمخـرج إزائك..، أليـس كذلك؟»
هزّ رأسه موافقا وإنني كنت أزدرد اِستعدادي حتى أخبره بطوق الاِنعتاق الذي اِكتشفته البارحة.
«أنـت تعـرف السيـدة واتـرسون.»
«بالتـأكيد..، لـيلـي تكـون جـارتـي!..، هـل هـي بخـيـر؟»
هـتف ببهجة صادقة أفصحت عن محبته لتلك المرأة العجوز التي تقطن بالمبنى المقابل لملكيته. الأمر كان متبادلًا فقد بكت لأجله وتمنت له الخلاص كي يعود إلى عائلته وأصدقائه، حتى كلبها جوو أبصرته يقف أمام سياجه وكأنه ينتظر ظهوره باِحباط.
قالت أنه قد اِعتاد اِطعامه واللعب معه..
همهمت باِنغماس ثم دلفت مقصدي.
«بـوابة منـزلهـا بها كاميـرَا كما تعـلم..، لقد كـانت سعيـدة بأن تـأذن لـنـا كـي نشـاهد ما اِلتقطتـه خـلال تلك الفتـرة..، فـالآنسـة يـانغ قد خـرجت من بـوابة المرآب..، وليس المخـرج كـما كنت تـظن.»
إجـابته كـانت سكـونـًا، اِنحـدر بـرقبته واِستمع بأذن مصغيـة؛ فلملمت الوثائق التي بطاولته وقلت.
«ربمـا سنلتـقي بالمـرافعـة القـادمة..، أرجـو أن تكـون النتيجـة بـراءة مستحـقة.»
عندما نقرت قطرة منه سطحها أجبرتني على الاِسراع للمضي أميالا عن هذا الجو المريب، لكن نبرته المنخفضة تلك أوقفتني عند عتبة غـرفة الزيارة.
«إن تبـث ذلك..، مـاذا سيحـل بـها؟»
الشجن لا عيب فيه، لكنه قد بكـى لأجـلهـا ولم يكـن بمقـدرتـي نسيـان ذلك إلى الآن. تهـكمت حينها باِهتمـامه لأمـر من تسببت في سجـنه عـدوانـًا؛ فقد كـان من السـاخر ومثيـرًا للاِستغـراب في الآن ذاته، لكـنه لن يكـون بقـدري حينما أضحيت أتمنـى لـو أن تلك الدمـوع كـانت لـي وبسببـي.
مصـيره قد أستنيـر باِختياره للأستاذ مـارتن؛ فهو محـامٍ عبـقري، ولـم يكـون شـحيحـًا في مشـاطرة طلابـه خبـرته. بعدما اِسترجـع بمحـاكمته حـريته، مـوكلنا بيون قد رفـض متابعة تلك الصينيـة وصديقـهما مارك تيوان الذي كان مصدر الكوكاين الوردي وأكياسه. لقد ترك القانون ليقتـص منهما دون أن يقـدم طلبـًا للتعـويض عن الأضـرار.
اِعترافها بالمنسوب إليها لم يكن إلا تحت ضغط كبير من الشرطة، لقد لجأت إلى كل الحلول المقترحة من محاميها حتى تنفلت من التهم، وعندما لم تسر اللعبة حسب مخططها أدركت أنها ستتلقف العقاب بمفردها..
ففضحت المكتوم وقصة صديقهما طواعية!
أذنبت بخيانة حبيبها معه بلا حياء، وذلك الندل بالطبع قد اِنتهـز فرصة تصوير حفلتهما لاِرغامها على مساعدته في التخلص من منافسه في المضمـار؛ فإنه كان مقـرًا باِنعدام قدرته على اِستلام مشـعل الفـوز إلا بغيـابه..
ياليتك قـد نجحت في حـثه على الاُعتـزال، مـا كنت لأمسك يده وأدفن أنفاسي براحتها بينما أتـوسل للخـالق أن لا أفقـده. إنها الليلة الرابعة عشر بعد تلك العمليـة، لازال تحت الغيبوبة الطبية، إصابات جسده بدأت في الاِلتئام، ساقه مازالت عند الأفق لكن طبيبه قد أكد تحسـن وضعه. الفحص الأخير قد أخرج بنتيجة إيجابية لذا من المتوقع أن يستيقظ بشكل تدريجي حتى ينتلقوا إلى المرحلة الأخرى من العلاج.
لم يعد للدموع معنـى، درفـها لن يعيد الزمن إلى الوراء وإنني كنت عليمة أن مثل هذه الحوادث قد تصفعه بيوم ما. لقد كان دائما يتلقف صدمات مميتة وينزلق من براتن النيطل بأعجوبة ورحمة من الخالق بنا لم تكن تقعده بفراش الخطورة.
ما حتم علينا عيشه بهذه المدة الموجعة جمد حياتي، تركيزي بعملي تدهور واِضطررت لأخذ إجازة لا أقتحم فيها منزلنا إلا لأستحم وأغير ثيابي. لقد قضيت الأسابيع الماضية برفقته وأرملة أخيه هيرَا التي اِستندت بكتفها كثيرَا كي لا أنهار. ربما اِستطاعت أن تشعر بحـرقتي؛ فقد طعنت بسهام الخسارة أيضا، لم تكن مفاجئة كطامتي، زوجها قد اِنغمس بالمرض لسنتين قبل أن تتوفاه المنية وإنهما كانا حديثا الزواج.
«مينـا.»
اِرتفعت إلى نداء وونيونغ لوهلة فحسب؛ فربتت على كتفي حينما أنزلت جبهتي على ظهر كفه مجددًا. ليس بسعتي تركه الآن وإنها لن تتنازل إلا بمغادرتي كي أرتاح.
«حـبـا بالـرب..، لأجـله..، لـن أتـزحزح من هـذا المقعـد..، أعـد بذلك.»
عندما لم تتلقى قبولا، اِندثرت وظننت أنها من اِذعنت لرفضي لكنها تماثله العناد. جلبت علب طعام منزلي من جوف حقيبتها المدرسية واِبتسمت لي بدماثة.
«لـم أنـسى أنك لا تحبيـن الأطعمة المعلبـة والسريعة..، لقد حضرت أفخـاد الدجاج المتبـلة بعنـاية..، أرسيتـها برفق فوق الخضر الشهية على مقلاة أمـي المفضـلة!..، كمـا يبـدو أننـي سـأعـاقـب بالتـأكيـد..، فـقد تخـليت عن المطبـخ وهو في حـالة قد تبكـي الأرواح السفلى..، لذا اِجـعلي الأمـر يستحـق.»
رأيت وجهه السعيد بها، ولم أستغرب ذلك. من الجلي أن بجيناتهما أسلوب تفاوض مرن لا يلعبان به إلا علي. جففت وجنتاي بظهر كفي ثم لففت خصلاتي إلى الخلف كي تتشبث بدبوسها الأسود مجددًا. اِنسحبت بعدها دون أن أبصر سعادتها بخضوعي؛ فتوجهت إلى الحمام لأغسل وجهي ويداي المرتعشتان.
اِنعكاسي بالمرآة قد سرب مرارة الإجهاد الذي غلفته بصمودي، لم أنـم الليلة الماضية إلا على كوابيس ذلك الحادث الذي اِلتهم دواخلي بشراهة.
صدى المياه المنسكبة من الصنبور اِصطحبتني إلى ذكريات أخرى. لقـاء قد اِنكتب بقدري وغير كل شيء..
اِعتمـادية، أجـل.. أصبحت أعتمد على حـبه.. في كـل شيء.
السابعة مسـاء وعشر دقـائق، كان يومـًا ماطـرًا، تدريبي قد أفرغني إلى الشارع إزاء لوحة اِنتظار حافة متأخرة بلا معطف أو حتى مظلة.
اِحتميت بحقيبتي وكنت بصدد التلويح إلى سيارة أجرة لتنتشلني إلى شقتي. توقفت أخرى رياضية حمراء فاخرة قبالتي، لم ألقي بالًا لصاحبها ولم أتوقع أن ينبثق فتى السباقات من مقعدها. اِنفتحت نافذته ثم أنزل نظراته الشمسية البرتقالية قليلا عن أنفه ليجري مسحًا لمظهري المبتل بنظره.
«𝐻𝑒𝑙𝑙𝑜, 𝐷𝑒𝑡𝑒𝑐𝑡𝑖𝑣𝑒.»
دحرجت مقلتاي حينما نبس بنبرة متلاعبة؛ فتعاميت عن وجوده عسى أن يستدرك أنني لست من النساء اللواتي قد يرحبنّ بمفاجأته. لقد ترجل بجرأة وخلع معطفه الأسود معتقدًا أنني سأقبل نبله! سحـقا!
اِنتفضت بعيون حازمة لكنه لم يكترث، أشهر كفه بطريقة مبتدلة نحو سيارته.
«أرجـو من سـموك الصـعود.»
تجاهلته في حين بحثت عيناي عن سيارة للأجرة. بعد هدوء طويل أرقد المعطف فوق كرسيه ثم أقفل البوابة واِتكأ بمحاذاتي على الجدار البلاستيكي الذي أختبئ فيه.
كنت سأختنق من شدة البرد لكنني لم أنبطح، وعلى غفلة مني اِقتلع حقيبتي وقذفها بخفة من النافذة إلى أريكة سيارته الخلفية.
رمقته بحدة وإنه قد مدد ثغره.. لقد اِرتكب جنحة!
«أعـدهـا.»
هسهست بجفاء؛ فقد أخذت كفايتي ولم أكن بمزاج جيدٍ لأبتلع تصرفات أمثاله.
«حقيبتـك تـريد الـذهـاب!»
تلفظ مدعيا البراءة لكنني زفرت حنقي بهدوء.
«هـل تشتهـي القـفز من جنحـة السـرقة إلى الاِختطـاف بعد المخـدرات؟»
قطب جبينه وتأرجح محياه بالاِعتراض.
«كـلا.»
«نـاولنـي حـقيبتـي إذًا..، وسأغضّ الطـرف.»
رن صوتي بالاِرتجاف، نظراته العميقة تلك كانت مختلفة؛ فوعيت حينها أنني قد جرحته.
«لست بـالسـوء الذي تخـالينه آنـستـي المحـاميـة..، مـا أوده هو المساعـدة.»
«لا تقـدم مـا لـم يطـلب منـك تـوفيـره..، أيـهـا السيـد.»
كنت صارمة..لا أنكر ذلك؛ فقد تيبس ببقعته إلى أن ركن أوبـر قربنا. اِهتز هاتفه بجيب سرواله ثم لوح بأصابعه لسائقه كرد قبل أن يرجع حقيبتي إلى حضن ذراعاي مردفـًا.
«أعتـذر عن اِزعـاجـك آنسـتـي.»
«ميـنـا!»
شهقت وفزعي! لقد أغارت وونيونغ خلوتي باكية! فلوهلة تجهزت لأستقبل خبـرًا مـؤلما عنه، لكنّها فاهت بما قد أحيا الروح بفؤادي.
«اِستيـقـظ!..، لقد اِستيقـظ!»
هـرعت متجاوزة كل تلك الأروقة حتى أرتطم بتلك العيون التـي تحبني..
فمرت بـي وكأنني لا أُرَى، اِقتربت منه بخطوات مترنحة وإنه كان وطبيبه السيد كريث. اِنضممت إلى الغرابة التي تحيط به بقلب يتراقص خوفا؛ فلم ينطق بأي حرف صوبي وكأنني شبـح شفـاف بينهما.
«ردة فعـله طبيعية..، يمكننا القول أنك قد تجـاوز مرحلة الخطـر سيد بيـون.»
علق الطبيب كريث؛ فتسأل وهو يتحسس ضماداة جبهته.
«هـل تعـرضتُ لحـادث؟»
«وكنت محظـوظـًا أيضـًا..، اِبنـي أحد معـجبيـك!..، سيسعـد كثيـرًا بعـودتك!»
أجابه في حين اِنطلقت وونيونغ من العدم واِرتمت إلى أحضانه. تأوه بينما تداعت بنحيبها وإن التعجب قد نسج خيوطًا بملامحه؛ فلم أطمـئن لها..
«يـا إلـهي..، كـم اِفتقـدتـك بيكـآه!»
اِنفصلت عنه لتكبل وجهه وأخذ في تأمـل شكلها مستغربـًا.
«وونـي؟»
«كـان الأمـر بشـعـًا بيكـا!»
قبل تلك المباراة اِسترسل بوعوده في الإقلاع عن سباقاته المجنونة مرغمـًا، كان ذلك الشرط الوحيد الذي وضعته بعلاقتنا حينما أبدى برغبته في الحصول على طفل يجمعنا. تتبع نصحي واِستثمر ثروته في سلسلة مطاعم ممتازة، الدخل الذي يجنيه منها وحده يضعه برتبة الأغنياء وذلك كان لإرضائي فقط؛ فإنه لا يتخيل نفسه إلا بالمضمار وسط تلك السيارات القاتلة.
أسرته من الطبقة المخملية كذلك ولم يكن يوما بحاجة لتلك السيارة كي يعثر على لقمة عيشه، إنه مهووس بها، يعشق السرعة والتهافت على الموت؛ فقد تضرع لي متوسلا رغم معرفته أنني أهـاب الحياة بدونه.
إنني أساند ما يحب، أسعد لسعادته وأريد أن أكون أما لاِبنتنا المستقبلية..أريد ذلك..، بل منذ اللحظة التي قلت فيها نعم أمام القس عند المذبح.
أردت أن نكون سعداء..وأنت بخيـر..بجـانبي!
قال أنها ستكون مرته الأخيرة وفؤادي ظل ممتنعا رغم اِستسلامي لتودده..
«أخـبرتـك..، إن تحـذيـراتـي دائمـا مـا تكـون صـائبـة..، لكنـك فقط تـستـدفـئ بنيـران عنـادك.»
قاطعت مسرحيتها لأعاتبه؛ فسحبتُ أنظاره إليّ بهـدوء، كان هناك فراغ مخيف بهما لم يرق لمهجتي، تعاميت عنه وكنت سأزف بالمزيد لكنه نـحر وريدي برده المتردد.
«مـعـذرة..، مـن أنـتِ؟»
همهمت مطالبة أن يكرر ما جاء به، إنه لا يعبث؛ فهو يخشى أذيتي..أيفـعل؟
«عمـي!..، إنـه ليس وقت مـزاحك السخيف!»
حينما اِحتضنتني وونيونغ بذراعها قائلة باِنزعاج أدار بؤبؤيه بيننا ثم إلى الطبيب كريث الذي قد تحدث وأشـار إلى اِبنة أخيه الوحيدة.
«أعتقد أنك تعـرف الآنسـة الصغـيرة»
«أجـل..، إننـي أتـذكـر..، إنـها وونيـونغ..، لكنني لا أعـرف الأخـرى.»
نبس بتوتر لا يفوق ما أحس به، إنني بحافة المخاض! مضيت باِنسحاب خشـن من قيدها وأدبرت إلى أي مكان قد أستعيد به أنفاسي. أغلقت أذناي عن ندائها؛ فلا أرغب أن أهوي قبالتهم، الضباب قد غطى سماء بصري بالفعل..
اِلتصقت بجدار مـا..فقط.
❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀
يتـبع..
Racer Byun.
X
Wife Byun.
❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀❀
-مـا رأيكم بالبـداية؟
-أتمنـى أنو تلقـى إعجـابكم وتكـون مختـلفة عن يالي قرأتوه من قبـل..
كنت بأكتب وأحاول أكبح الآنسة توكيسك يالي فيني 😂 بقول كفاية عذاب لبيكهيون بس نشوف مع الأحداث!! 🙂😂💓
الأنماط باختارها مش بعشوائية ولكن ما أختار نمط إلا وعندي أصدقاء بنفس النمط 😂
وأنا ENTP-T
إنتو؟
حتى ميني من دا ليدي بس هي مش أوفر الصراحة..
لا أوفر أنا كـذابة 😂😂😂😂
لذا
أرحب بجميع الأراء 💓
شو يالي ما عجبكم 💓😂 ترا عندي عادي بموت في النقذ!!
أرجو لكم أسبوعا جميلا ❤️🎈
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro