
5| Rᥱᑯ Eყᥱ
𝘕𝘍: 𝘊𝘢𝘯 𝘺𝘰𝘶 𝘏𝘰𝘭𝘥 𝘔𝘦?
•••
حينما أعاد الإله النور إليّ ما كنت بمصدق، ظننتني قد اِبتلعت بحلم سأستيقظ منه بلحظة ما. رؤيتي لاِبنتي سورام جعلتني أدرك جحيم الزمن الذي تجمد به. لم أستشعر تلك السنوات التي دفنت بهنّ تحت الدجى وحيدًا.
سعادتي اللحظية كانت هشة ثم اِرتعشت بعد ذلك جزعا. هناك من كان ينتظرني خلف الظلام؛ فستاري عن الألم هوى وإنني الآن لن أستطيع المرور دون ملاقاته.
فقط..أوصدت مقلتايّ كي لا ألمح جدران غرفة المستشفى.. سحقًا.
إنني أحترق خجلا من نفسي الضعيفة، خائف من مواجهة مصير كنت أتحرق شوقا إليه. لقد كان بعيد المنال، ما خلت أنّ هناك لقاء بيني وبصيرتي بينما لن أكون كما كنت. إنني مازلت مقعدًا وسأرى الشفقة التي طوى الظلام طعناتها. لقد أضحيت عاريّا عنها، سأقدم كطبق تحلية لنظراتهم الحزينة الساخرة تلك، جائعة لقتلي بإعتذارتهم وكم أنّ وضعي المأساوي يزرع في نفوسهم الآسى.
عندما أبصرت إنعاكسي بزجاج قاعة الفحص فجأة، تمزقت مهجتي! تمنيت الزوال ولم يكن بي صبر لتحمل وطأتي حينها؛ فعدت أدراجي لأختبئ بحجرتي، وأراجع صفحات كنت أحاول نسيانها.
لن أنكر غباء قلبي وخيبة أملي منه، ما إن اِسترجع رشده حتى طالب بها. ظننتني قد نسيتها، اِعتقدتني قد عشت فقط لأغذي كرهي نحوها. تلك الخائنة جيون جوي غزلت حبكتها الملتوية بأفضل توقيت، كنت مجروحا وبأمس الحاجة لوجودها بقربي.
ثم هكذا؛ لقد تخلت عني! لأنني سأكون عالة على الجميع. كم كنت أعمى، كنت أعمى حقا حينما اِتخذتها حبًا لحياتي.
لست صادقا مع ذاتي حتى، لما خشيت تلك الحقيقة؟ واقع أنها لم تبادلني مشاعري قط؛ فما حدث كان بمصلحتها، لقد تخلصت مني دون عناء.
كنت أطارد أفكاري، يائسا وأتحسر على ما قد حكمت على روحي به حينما اِنفتحت بوابة جناحي. توقعت أنها الممرضة يوجين. هذا موعدها المعتاد الذي تأتي به كي تزيل علبة المغذي الفارغة.
تلك الخطوات رجت ميزان أنفاسي، توسعت مقلتايّ فور وقوف ناشا إزائي. كاد يتغلبني الشك وقلت إنني أقابل غريبا عني، لكنني لن أشتبه برنة حذائها أو سأخطئ برائحة عطرها.
كانت الإنارة منخفضة، ومن حسن حظي لم تبصر فزعي. ألقت محفظتها الذهبية اللامعة أرضًا ثم لاعبت أصابعها وكأنها تنتظر دورها.
عندما لم أصدر صوتًا منحت الإذن للسانها بالتكلم.
«إنني هنا.»
زفرتي المتشبعة بالهموم تسللت من ثغري ببطء وقد كان فرارها سقمًا. لم أجد ردًا؛ فهل أصبحت أخرسًا أيضًا الآن؟ تفحصت هيئتها لأول مرة بعدما أنزلت قناع وجهها الأفحم، أردت الاحتفاظ بصورة لها بذاكرتي كما كنت أود في ما مضى. إنني لا أحمل أحقادًا ضدها، لم تجني بخطيئة لأفعل ذلك.
إنني غاضب من أنانيتي، وحزين لأجلها؛ فكيف قد لويت ذراعها بما كانت بحاجته لتستقر؟ لقد تخلت عن أيامها الماضية وبقيت مع أعمى مقعد مثلي.
كنت قد اِعتدت الآمان الذي خلقته بشقتنا، وأن هناك من هو باِنتظاري. لكن بمرور الوقت قد بت أتناسى أنّ لكل شيء نهاية وأنّها ستتلاشى لتشق حياتها التي وهبتني جزءً منها كي أتعافى من وحدانيتي.
سمعت تأتأتها، كأنها تقاوم لتضيف مزيدّا؛ فبترت ذلك، لا أبتغي تحميلها إصرًا لا تستحقه.
«كيف حالك ناشا؟..، سعدت بزيارتك.»
اِقتربت بخطوتين، وقد صار جسدها أمامي؛ فاِبتسمتْ، كانت تمسحني بنظرها وأستطيع أن أقرأ ما بخلدها.
«إنني أرى.»
ضغطت الزر الذي بجواري لتشتغل الأضواء، في حين قد لونت الصدمة ملامحها الجميلة، وأدركت أنني فزت بأجمل لحظاتي.
لوهلة ظننت ذلك؛ فقد تراجعت وكادت تنزلق إلى الخلف، مددت يدي اليمنى إليها وتجنبتها ثم تمسكت بالسرير! إنها ترتعش وكأنها دون وعيّها.
رائحة الكحول بدأت تتضح لي..لقد ثملت مجددًا.
«سأكون مصغيا.»
لم تنظر نحوي، لكنّ بؤبؤاها اِنهارا بكاءً، ذلك أعتصر فؤادي؛ فصمت واِنتظرتها أن تختارني لتبوح بما يؤلمها، عسى أن أفعل ما أخفف به من ديني. لكنها تحركت وساقت قدميها إلى محفظتها، أخرجت من جوفها ملفًا وقلمًا.
أرقدتهما بحضني؛ فمررت عدستيّ بينهما لكنها خاطت شفتيها المخمليتين.
فتشت بجوف تلك الأوراق التي قد تكهنت عنوانهن. لم ألمح توقيعها لكنني على يقين أنها هنا لتأخذ توقيعي.
ليس بأعماقي الآن سوى الشجن؛ لقد أثقلت كاهلها..
نفذت رغبتها وقد اِستشعرت البرود بتعابيرها بغتة. نظرت صوبي، بل تمكنت من الغوص بعينيها البنيتين؛ فرسمت إبتسامة لأطمئنها.
«لن أنسى معروفك آنسة يونترارك.»
وجهت الملف إليها وقد اِستلمته باِحتراس ثم اِنعطفت لتلتقط محفظتها. لم أطالب ببقائها، رغم أنني لم أكتفي منها، لكن كأسها قد اِمتلأ وحتما قد مللت رؤيتي في حين كنت قبالتها طوال الوقت.
لجمت رغبتي بداخلي بينما اِندثرت خلف الباب. إن بي شعور أن هذا لقائنا الأخير، يستحسن ذلك، خير لكلينا؛ فلا أزيد بذلك من حزني على وحدتي القاسية.
عليّ أن أكون قويا وأصمد في وجه ما سأجابهه، وإلا سيستحيل علي الإعتناء بسورام بمفردي.
لقد تركتها تحت رعاية العم غونبو خاضعا؛ فالطبيب بارك قيدني على هذا السرير لأسبوع آخر وقد كان ذلك شاقا. ما فتئت أتعايش وآلامي من تلك السقطة، متبثا للعنق ثم الذراع! لقد أعاقا حركتي وشعرت أن عجزي تضاعف.
أردت المغادرة، كي لا أستهلك مما قد اِكتنزته لإبنتي، لكن الجراح بارك كان صارمًا وقد دفع التكاليف الإضافية دون أن يستشيرني حتى. كنت ممتنا ولم أشاء أن أكسر فرحته بعودة بصري، واليوم الموعود قد آتى ليعلن عن تاريخ حريتي.
لم يأتي هذه المرة بمفرده أو رفقة طاقمه، جلب ضيفًا أشقر برداء طبي أزرق شفاف ليكون غلافا لملابس المستشفى خاصته.
«سيد بيون..، أقدم لك الأستاذ غارسيا.»
صافحته وقمت بتحيته باللغة الإسبانية بعدما تكهنت جنسيته.
«Un placer conocerte, Señor.»
-سعدت بلقائك، سيدي.-
بدا ودودا حتى نطق بما زلزل به جراحي. إنهما هنا لمناقشة عمليتي القادمة. لم نخطط لذلك من الأساس؛ فما تلقفته من رأي الطبيب بارك بخصوصها قبل سنوات لم يكن مشجعا رغم أنه قد رجح لنجاحها، لكنني أثويت رقبتي أسفل بساط اليأس وكنت منتظرًا أجلي فحسب.
أشهرت رفضي مجددّا؛ فلن أقامر، كنت لأفعل لو أنّني سأراهن بحياتي، بل قد سألجأ للموت الرحيم حتى!
وضعيتي تشمل سورام الآن، خسرت والدتها مؤخرًا، بقائي بجوارها ولو على هذا الكرسي مقعدًا أهون من أن أقرر الذهاب إلى عملية خطيرة بينما إنها بحاجتي. اِمتنعت وأججت القيامة، أعي أن ليس بإستطاعتهما دحري إلى قاعة العمليات بلا موافقتي، لكنّ الطبيب بارك صرخ بوجهي وقد أحسست أنّ هناك ما أجهله.
«عليّنا أن نراهن!..، الأمر لا يتعلق بك!..، بل لأجل إبنتك!..، كيف ستعيلها وأنت لا تقوى على الإعتناء بنفسك!»
لقد غرس سكين لسانه السامة بحرجي المتعفن، كنت جاهزًا لأرتد بحنق، أردت البوح بما يقهر فؤادي وأصيح بإسم الجاني الذي أذنب في حقي وسورام. لكنه بريء من ذنوبها ولن أعتصر قلبه كي أشبع شهوة إنتقامي، لقد رأيت إرهاقه وسهره الليالي سبيلا لمساعدتي، كما أبصرت أيضا حبه الشديد لإبنته.
لجمت ثغري لينصرفا، اِعتقدت أنني سأنجو فور اِندثارهما. ذلك لم يكن كافيا؛ فالطبيب بارك أنعش عناده واِستفرد بي بعدما أنهى مناوبته. جلب لنفسه كرسيا وجلس مقابلا سريري.
أدرت حينئذ رأسي للاتجاه الآخر، وتجاهلته عسى أن يتفهم وضعي؛ فإن لا مزاج بي يسمح للنقاش، خاصة في ذلك الموضوع.
«لا تستغل سورام لأنك خائف من فشل العملية.»
قضمت لساني ولم أشاء أن أبدو وقحا، لكنني سأفعل.
«من المسيء أن تخاطب أحد مرضاك هكذا..، إن اِستمر الأمر بهذا الأسلوب..، لن أظل لأكمل فترة العلاج هنا.»
إنه لم يبدي اِنزعاجا، تمسك بتعابيره المتهكمة، أردت أن أنافسه قوة وألتصق برأيي. لكن، لطالما كانت ردوده تجذب ذراع قلة حيلتي وأصير أمامها خاضعا.
«مسؤوليتي كطبيب أن أوجهك..، لكنني سأخاطب أبوتك الآن..، سورام بحاجتك.»
زفرتي غادرت فمي متهزة، ليس بوسعي إخفاء اِرتباكي، رغم ذلك تشبث بقولي وقاومت أساليب إقناعه.
«أتراني أتجهز للتخلي عنها؟»
نفى ظنوني محركًا رأسه ثم تنهد وأسند ظهره إلى كرسيه. اِنتظرت إجابته، وقد أظهرت ملامحه حزنه لأجلي..الشفقة مجددًا!
«بل إنني مرغم على ألا أتدخل في مسألتك بينما ترتكب خطيئة..، لقد قرر كبريائك لحياتها مستقبلا بائسا يمكنك أن تتجنبه.»
«من أذن لك بهذا؟»
آستنكرت بشحنائي؛ فاِستقام صارخًا!
«إبنتك!»
خدشت أظافري ملاءة السريري، ولم أكن جاهزًا لما سينحرني به.
«هل تعلم..، أي طلب قد قدمته حينما قمت بزيارتها قبل مغادرتها المستشفى؟»
وددت لو بمقدرتي إغلاق فكه، ليس الآن أيها الطبيب، إنني فقط أكافح لأظل كيانا يتنفس وإنك تحاول قتلي عنوة.
ضغط أسنانه مزمجرًا ولم يكترث لحالتي، لا أستطيع تكهن شكلي، لست تحت الصدمة.. إنني أتوجع، بل بي وصب يفتك بمهجتي.
«لقد..، تمنت أن أساعدك على المشي..، أن تستعيد صحتك.»
تلاشى وقد أحيا فتيلا سيحرق وجداني كاملا الليلة. الأمر ليس بيدي؛ فهل هناك كائن ما سيرفض أن يخسر ساقيه إلى الأبد؟ العجز مرارة لا يدركها إلا من تلقف ذات المصير!
لا يعرف ما بي، ما تجرعه إبتداء من تلك اللحظة التي اِستيقظت بها بعد تلك الحادثة، بدون مينسوك، أعمى ومقعد. لم يعد بي ثقة لأراهن وأرجو أن أنال رغبتي..إنني مؤمن رغم ذلك!
لكنني أشعر بي أسفل جناح عقاب لمأثم اِرتكبته في الماضي وقد نسيته. من المحال أن يكون ذلك سوء حظ فقط، ربما هناك قطعة ناقصة أعيش بسببها في هذا الضباب.
عدت إلى شقتي والعم غونبو الذي تكلف بدفع كرسيي، الساعة تجاوزت العاشرة مساءً، ذلك حتى لا أقابل أحدًا من الجيران. إنني بحاجة للاِختلاء بنفسي، أن أحاور أوجاعي ونستمع لبعضنا البعض.
ساعدني على التمدد براحة سريري، ثم سكب لي صحن حساء للخضار ثم جلبه إليّ. كنت أتفحص التفاصيل التي كنت غافلا عنهن حينئذ.
جلس بقربي ليوجه الملعقة إلى وجهي قائلا.
«ما رأيك بالانتقال للعيش معنا؟..، سنكون عائلة جيدة.»
لأنني أهتم لأمره ولن أتحمل كسر قلبه، بقيت صامتا. لم أبتغي أذيته برد كان بين أسناني غاضبا. إزدرمت ما أحضره بصعوبة؛ فقد اِكتسحت غصة حلقي وكنت أخشى أن أهوي باكيا أمامه.
طلبت أن يصطحبني إلى دورة المياه، ثم جعلته يغادر. كنت عند حافة الانهيار!
أفرغت جعبتي، الدموع التي سكبتها كانت لسنوات. مخاض جمجمتي جحيم لكنني ما عدت أتحكم بغيث مقلتاي، كلما أحاول تجفيفها تزداد غزارة.
اِستسلمت لإعصارها، ولم أكظم شهقاتي. أعلم أن العم غونبو قد سمع بكائي لكنه لم يفسد خلوتي. كنت بحاجة لذلك، أن أخفف من الخزائن التي راكمتها بدواخلي المكلومة.
لم أدرك متى فقدت وعيي، ذلك كان متوقعا فقد أرهقت أعصابي. اخترقت أشعة الشمس الأرجاء لتعلن صباحا جديدًا كان من المحرمات.
أيقظت بصيرتي وقد كنت منبسطا بحضن فراشي. الطاولة الخشبية الصغيرة التي قرب سريري بها كوب ماء، وقد ترك العم غونبو بجواره ورقة بها رسالة ليعلمني أنه سيشتري الكعك الذي أحبه ثم سيعود.
سعدت أنه قد أعطاني فجوتي؛ فلست طفلًا سيتم وضعه تحت المراقبة ولن ألومه، فقد كانت حالتي أشد سوءً بالأمس. إنني أرى الآن وسأتعايش مع ذلك.
اِستهلكت الكأس دفعة واحدة ولم أدحر عيناي عن الكرسي. لقد أزاحه بعيدًا بمسافة من المحال أن أتجاوزها. ربما أقره هناك كي يجد مكان للطاولة. أو ربما، تخوف من أن أمضي إلى مكان ما بمفردي. إنني أشتهي ذلك بالفعل؛ فكل ما أحتاجه أن أزور مينسوك وسرانغ، لأحادثهما عن ما آلت إليه ظروفي الآن.
كدحت لأدنو إلى بوابة الخزانة، هناك قد خبأت حاسوبي؛ فلن أبقى ساكنا بينما أطارح الهدوء حديثا أخرسًا. أشعلته، ثم نقبت عن تلك الشرائط والصور التي قمت بتخزينها.
إنه فارغ! من اليقين أنها كانت بداخله. بحث عنها بجوف تلك الملفات، كل ما كان بهن قد حذف تماما!
«يستحيل ذلك.»
دعكت ذقني محاولا تذكر إن فعلت ذلك سهوًا، لكن هذا ليس ضمن الاحتمالات، حتى أن سورام والعم غونبو لا يعلمان بمكانه.
«ناشا؟»
تسرب اِسمها من ثغري حينما خمنت ذلك، إنني لا أستطيع أن أنفي تكهني. لم أستشعر بيوم ما دخولها غرفتي بينما لا أكون برفقتها، ولا أعلم ما تقوم به سواء كنت أو غائبا.
«هاتف مينسوك!»
كان هنا أيضا، ولا آثر له! أمن الممكن أنها اِستعملتهما؟ لقد أخطأت بذلك، ما كان لها حق أن تلمسهما دون إذني، إنّ بهما ذكريات كنت أود الاحتفاظ بها. ربما الهاتف مازال بالغرفة بالأخرى، لن أتمكن من النهوض بمفردي الآن حتى أتأكد.
زفرت قلة حيلتي ونقرت لوحة المفاتيح لأبحث عن ما فاتني، ما حصدت من اِسمي سوى أخبار عن الحادث. تشنجت رقبتي حينما أبصرت صورة حطام السيارة المحترقة.
يبدو أنني لم أتجاوز صدمتي بعد، أيمكنني ذلك؟
«جوي.»
إنها بشريط لبرنامج قام بإستضافها، ومن السخرية أن تكون تلك الصحفية بارك مقدمة له. ليس عجيبا مادام أنهما متشابهتان!
أزلت خاصية الصوت؛ فلن أتحمل سماع أي شيء منهما، ثم اِنهيت الأمر بالخروج من تلك الصفحة كاملة.
يعيشون بسعادة وكأنهم لم يدمروا أحدًا. كم خسرت من سنوات تحت الظلام، وكم بقيت عاجزًا في حين تسابقوا على نسياني؟ أكنت موجودًا بحياتهم؟ بت أشك في ذلك، لقد غمرني الشك حقا! إن كنت جزءً منهم، فلماذا نشروا خبر وفاتي وإنني ما إنفكيت حيا أصارع الأمرين.
«بيكهيون.»
اِنتفضت مفزوعا وإذا به كان العم غونبو!
«بما كنت شاردًا بني؟»
أغلقت الحاسوب وابتسمت له قائلا.
«هل أحضرت الكعك؟»
أومأ رغم أنني قد لمحت تعابير القلق على محياه، ليس الكذب من سوابقي؛ فلم أشاء أن أنكر ذلك، لقد أردت رؤيتها بشدة.
ساعدني على الجلوس بالكرسي وقمت بسياقته إلى المرحاض كي أغسل وجهي. اِنعكاسي المتعب على المرآة أقفل شهيتي؛ فلملمت فتات اِنكساراتي وجففتها بحذر كي لا أقرب جرح جبيني الملفوف بالضمادة.
حجزت مقعدي أمام مائدة البهو وإنه قبالتي يضع القليل من زبدة على شريحة الخبز المحمصة.
ناولني إياها؛ فتمدد ثغري وتذمرت.
«ليس إلى هذه الدرجة.»
أشار إلى متبث الكتف خاصتي!
«عليك شكري!»
اِجتاحني الحزن وقد أدرك ذلك، فقد تأسف واِعتذر بصدق!
«كنت أمازحك..، لم أقصد ذلك..، اِعذرني بني!»
نفيت ظنه وتلفظت:
«إنني ممتن لوجودك.»
دفع كأس عصير البرتقال إليّ وعاتبني:
«سأغضب إن أعدت ذلك.»
ربما الشمس لم تكن بالسوء الذي اِعتقدته، أخرجني القدر إلى نورها مجددًا إلا لسبب سأعرفه. لم تسعني قدرتي زيارة قبر مينسوك لأنه بحدود الأراضي المملوكة لعائلته، لكنني تمكنت من وضع الزهور فوق قبر سرانغ.
الأجواء في الحي لم تختلف، لم يخفوا بهجتهم لرؤيتي أبادلهم البصر. الشجى كان جامحا وبعناق طفلتي شفيت وأصبحت بخير. قضيت اليوم هناك بالمطعم حتى بلغني العياء؛ فاِصطحبت اِبنتي إلى شقتنا بينما العم غونبو قد كرر تحذيراته، ألا أنسى موعد أدويتي، أو أغفل عن إغلاق البوابة الخارجية، لكن سورام قالت أنها ستحرص على ذلك.
صغيرتي ستبلغ التاسعة خلال الشهر القادم، معرفة هذا تجعلني أعد كم أهدرت. إنني بالخامسة والثلاثين، وقد كنت بالسادسة والعشرين يوم ولادتها. مرّ وقت طويل بيون بيكهيون، ستستنزف المزيد إن لم تتقدم.
لا مجال للندم؛ فلا شيء سيتغير، لم تعد كما كنت، وإنّ العالم لن يكون لطيفًا على جراحك.
كنت سأجهز كوب حليب دافئ لكلينا، لكنّها سبقتني وأحضرت لي علبة دوائي المسائية.
«أبي.»
رفعت بصيرتي إليها؛ فوجهت صوبي مذكرة جلدية خضراء.
«أمي..، أوصتني..، حينما أكبر أن أقرأ ما فيها لك..، لكنّ إن اِسترجعت بصرك..، ستخبرني ما كتبته لأجلي.»
تفحصت تفاصيلها وسألتها:
«متى؟»
إجابتها المرتجفة جعلتني ألعنني، لم أشاء أن أدعس ألمها.
«العام الماضي..، لكنني حافظت على وعدي..، لم أحاول فتحها قط.»
سحبتها إلى حضني وقبلت وجنتي؛ فسمحت لها بنوم بين ذراعايّ وغنيت لها تهويدتها المفضلة. لم أستطعم الصباح حتى تحننت أصابعها الصغيرة بخذي وهمست برقة:
«أبي..، حان موعد دوائك.»
تتآبت وغمغمت معلنًا اِستيقاظي، لقد جذبت الكرسي إليّ وكانت تنوي مساعدتي على الجلوس.
«صغيرتي..، أمتلك خبرة بهذا.»
مازحتها ومسحت على فروتها. لم أخيب أملها بي وقاومت حتى أضحيت بمقعدي.
حينئذ أشهرت سبابتها وأردفت ببشاشة:
«لقد حضرت الفطور!..، هناك الشاي والقهوة التي تحبها!..، أيضا الفطائر..»
«فطائر؟»
صدمتي أصابتها بالتوتر؛ فتأتأت بينما لعبت بساقيها.
«لقد أحضرها لي صديقي هيونجين..، أنت تعرف والدته..، لديها محل للفطائر بجوار المقهى.»
إزدرمت قلقي كي لا أحزنها، لكنني لن أتعامى عن فتحها للباب من دون حضوري.
«حلوتي..، من الحسن أن أكون برفقتك..، إبتداء من الآن..، إن اِستيقظتِي قبلي..، أيقظيني أيضا.»
«حسنًا.»
لقد حظيت بصباحية مثالية بفضلها، اِستدارت أمامي بزي المدرسة الزهري بعدما صنعت لها ظفيرة بخصلاتها العسلية الجميلة ثم عقدت نهايتها بشريطة صفراء.
إنها نسخة عن والدتها، يبدو أنها لم تأخذ من مينسوك شيءً..
ما رغبت بتحريرها لتذهب، حينما جاءت خالتي سونَا لتأخذها وحفيدتها دارا لم يكن بسعتي الرفض.
عليّ أن أعتاد الوحدة بغيابها أيضا!
سرت إلى غرفتي وأخرجت المذكرة من الخزانة. سأستمتع بقهوتي وأطالع ما تركته سرانغ بداخلها.
«أهذه يومياتها؟»
-الصفحة الأولى-
*نحن مجرد أصدقاء.. بالحي الذي كنت تقطن به، كنت تخبرني دائما أنني الأقرب إليك..لذا أحببتك..
أغرمت بك..، كنت الرجل الذي أريده..*
«ما الذي..»
طويت الصفحة لأقرأ تتمتها.
*بيك..، قبل أن تنفر مما سأبوح به بين هذه السطور..، أتمنى أن تتفهم ما حدث..، كنت أخطط لمصارحتك بالفعل..، لكن الحادث قد بتر جميع المنافذ إليك.*
*لا شيء سيبدل حقيقة أن سورام اِبنتنا..، إنني لا أرى أبًا يستحقها سواك.*
*لقد أذنبت بإخفاء ذلك عنك..*
أدرت الصفحة..
*مينسوك ليس والد سورام..، بل إنه مين يونغي.*
جحظتا مقلتاي وقد أصابني الصداع فجأة! تكبدت مشقة الأنفس كي أخفف آلامه. أفرغت لنفسي كأس ماء واِحتسيته ببطء في حين تمتمت بلعنات قذفتها دون أن أحس بذلك.
«بحق الإله..، ما الذي تقولينه يا سرانغ!»
*ليلة الميلاد..، بتلك الحفلة اللعينة..، وافقت على حضورها لأجلك فقط..، اِبتغيت رؤية أول نزول للثلج وأن أتمنى وجودك معي وبحياتي دائما..، لكنك كنت منشغلا بتلك الساقطة وتراقصها بينما أجالس منظركما المؤلم..، غادرت إلى الحديقة كي أسترد الهواء لكنني اِصطدمت بذلك السافل..، كنت أتغلغل غضبًا وقد أفرغته بوجهه..، لم أتوقع ردة فعل كتلك.. إنه أراد سبيلا ليقهرك.*
ليس هذا ما رغبت رؤيته! ليس لأجل هذا المخاض اِسترجعت بصري!
*لقد كنت ضحية اِعتداء..، قام بتعنيفي وآغتصابي..، توسلت إليه..
لكنه تسلى بذلك!*
أحطت جمجمتي بكفايّ، الوجع اِزداد بها لكنّ ما يفوقه قد نبض بوجداني الذي اِنشطر.
*حينها كان مينسوك يشاهد ولم يساعدني..، بل اِستغل المجال وقام بتصوير جريمة إبن عمه لكي يهدده.*
«سرانغ!..، بحق السماء!»
*يمكنك أن تعلم الآن كيف اِستطاع أن يحرم ذلك الوغد من منصب رئيس مجلس الإدارة..، رغم أنه الوريث الأول.
بتلك الليلة فقدت إدراكي بما حولي وحينما اِسترجعت وعيي..، كنت بشقته..، أمرني مينسوك بالصمت؛ فلن أستطيع مواجهتهم وإنني مجرد يتيمة لقيطة..، إن حاولت إخبارك..، لن يكترث إن أنت وذلك الوغد قد قتلتما بعضكما.*
لم أستشعر متى باغتتني دمعتي الحارقة. إنّ ما أخرجته جنونيّ فكأنها حكاية خيالية أخرى! مينسوك أخي لم يكن بهذا الخبث! أعرفه منذ عقد ونصف!
اِستقبلني واِعتبرني فردًا من تلك العائلة، رغم أنّ جميعهم أبقوا تلك الحدود إلى الآن..
لكنه منحني فرصة ثمينة وبفضله غادرت البلاد معه للدراسة! كنت متفانيا في عملي بجواره في الشركة كي أرد ديوني التي على عاتقي. عملت على مشاريع ضخمة ووهبت راحتي كي أحرز تقدمًا سيؤهله ليكون رئيسا وقد كان ذلك اِستحقاقًا، مينسوك وصل لذلك المقعد بسبب جهد كلينا!
*عندما اِكتشفت حملي..، أردت طمس ذلك إلى الأبد كي لا يصيب طفلتي مكروه..، كنت سأنتقل إلى بوسان لكنّ الأمر لم يدوم..، فقد اِكتشفت ذلك بعدما جئت لزيارتي فجأة..، كنت بالشهر السابع..*
*أنت لا تخفي عنه شيء!*
*هو جاء لمحادثتي..، بالأحرى كانت تهديداته واضحة!..، إن أدرك السافل وجودها سيقتلعها من جوفي وسنهلك معا.*
*يمكنك تخمين المفاجأة! لقد كذب بشأن أبويته لطفلتي وأننا على علاقة..سحقًا..، إنني أمقته!*
أصدرت زفرة لتريح أعماقي، لم يكن بحلقي رد آخر. سرانغ ليست هنا لتبرر ما تتهم به مينسوك، وإنها لم تكذب أبدًا بحياتها أيها الخالق! سرانغ لن تبحث عن سبيل لتمزق قلبي، لكن ما كتبته لا يتقبله عاقل!
أريد ملاذًا واحدًا قد يبطل هذا، إنه خط يدها، وقد أودعته عند سورام! كان من الممكن أن تلقي نظرة في لحظة فضول لم تكبحه، ماذا كان ليحدث؟
«حبًا للرب..، سرَانغ.»
*بدأ يتلاعب بك..، حينما شعر بالخطر وولادة طفلتي..، لذا أخرج مسرحية صدقتها..، عائلته التي سترفض اِبنتي وحبنا الملعون..، طلب أن تتكتم عنا ريثما يتمكن من إقناعهم..، لكن ذلك اِنتهى كما توقعت.. سجل اِبنتي دون لقبه..، فقط آهن سورام..، لقد منحها اِسم والدتك لتتعاطف مع قصته.*
*ربما وصول هذه المذكرة إليك سيكون بعد رحيلي..*
*إنني أطلب مغفرتك بيك؛ فسأثقل كاهلك مجددًا..، لكنك ملجئي الوحيد..، اِعتني بإبنتنا..، إنها عاشت وهي تعرفك فقط..، لا تسمح لأي منهم أن يدلف مستقبلها بأي صفة كانت..، سأكون مرتاحة البال إن كنت ترعاها..، حينئذ لن أفكر في شيء..*
*ربما سأنام آخيرًا.*
أهذه شريحة ذاكرة؟
اِقتلعتها بحذر وقدت كرسيّي برعونة، كدت أرتطم بالطاولة مرتين.
«اِهدأ بيكهيون.»
خاطبتني وشققت مسلكي إلى غرفة ناشا، كما توقعت، كان بخزانتها!
أصابعي المرتعشة أبت أن تطيعني لكنني نجحت في إدخالها، أشعلته ثم اِنتظرت أن يستجيب لي. فور ما أضاء شاشته، بحث بعمقها وما كان بها سوى تسجيل صوتيّ.
«أتعتقدين أنه سيصدقكِ؟..»
إنه مينسوك!
«يا مغفلتي الفاتنة..، ذلك الأحمق يثق بي..، لأنني من صنعته..، جعلت منه إنسانًا في حين إن ظل بحيكم المتسخ..، كان ليكون أي لعنة كما أنتِ الآن!»
اِنزلق الجهاز من كفي، ولو كنت مرتفعا لوقعت. أشعر أن روحي تهاجر جسدي.
«معاقة!..، ولقيطة كإبنتك تلك..، ماذا؟..، أتبكين؟..، هيا! أصرخي!..، منذ زمن لم أسمع صوتك الجميل.»
«يكفي!»
جاهدت كي أحطمه بعجلات الكرسي لكنني كنت لا أصيبه!
«خطتي العبقرية تمت..، لقد وقع على تنازله عن حصة والدته لي دون أن يعلم حتى..، ذلك الغبي..»
«توقف!»
صحت به وإنني بدأت أخسر صوابي، سأجن، لن أتعافى منذ ذلك مطلقا!
«عمتي الحمقاء كتبت كل أملاكها له..، كان ليشكل عقبة كي أتولى المنصب الذي ولدت لأجله!..، وبتلك الأسهم صرت أحجز النسبة التي ستخول لي التحكم بكل شيء..، كل هذا بفضلك عزيزتي سرانغ..، لو لم تغوي يونغي ما كان لهذا أن يكون لصالحي..»
لقد إغتربت عن بيتي وسلكت أزقة طفولتي، ما قاله لم يبرح أذناي، تكرر ذلك برأسي وإنني بمرحلة الانفجار!
الأرض تدور حولي، إلى أين أتجه؟
لقد قدمت لهم زهرتي مجانا، لقد أقحمتها بطريقهم!
«إنني..السبب..، إنني السبب!»
-
-
-
Nf_Can You Hold Me?
It feels like a tear in my heart..
Like a part of me missing..
And I just can't feel it..
I've tried and I've tried..
And I've tried..
Tears on my face I can't take it..
If lonely is a taste then it's all that I'm tasting..
Do you hear my cry?..
I cry, oh..
Can you hold me?
Can you hold me?
Can you hold me in your arms?
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro