بقلم نهال عبد الواحد
سكتت راحيل بعد سماعها لكلمات زبيدة ولم تعقب فاستأذنت منها ودلفت إلى حجرتها وهي غاضبة؛ فلم يروق لها كلمات تلك المرأة وظلت متوترة تجول الحجرة ذهابًا وإيابًا وتضرب كفيها ببعض بغضب ثم تجلس هنيهة على فراشها تفكر، كيف لها تتودد لرجلٍ لا تعرفه؟!
ترى كيف توددت يوكابد لعمارة حتى يعشقها ويتيّم بها إلى تلك الدرجة؟!
وكم أخذا من الوقت؟
أم كلها أشياء لا تعني؛ فكل الأزواج يتعايشون ويتوددون.
لكنها لا تقوى على فعل ذلك، لم تعتاد يومًا على كيفية التعامل مع الرّجال إلا بخشونة حينما كان يمر عليهم ضيف في البادية.
ثم تنهض مجددًا وتتجول في الحجرة ذهابًا وإيابًا فتقع عيناها على ذلك الصنم جانب الحائط فتتأفف وتنظر نحوه وتتمتم: كيف لي أن أعيش في هذا البيت المشرك؛ أنا موّحدة ولا يمكن أن أرتد أبدًا لا إله إلا الله محمد رسول الله!
ثم استمرت في تحركاتها المتوترة وهي تتمتم: كيف لي حتى أن أشرح لهم وأفسّر لهم أني لستُ على دينهم؟!
ثم ألقت نفسها بتأفف على الفراش وأمسكت بشعرها الذي كان لا يزال منسدلًا على ظهرها فأمالته للأمام من ناحية أحد كتفيها وأخذت تجدّل فيه في توتر وعصبية، فتذكرت أمر الندبات في ظهرها فنهضت واقفة وفتحت صندوق ملابسها، فتّشت فيه قليلًا ثم أخرجت مرآتها فأمالتها للخلف لترى ظهرها حيث كان ثوبها مفتوح من الظهر قليلًا لكنه كشف بعض من تلك الندبات الواضحة فتأففت وألقت بالمرأة داخل الصّندوق وأغلقت الصّندوق بقوة وهي تتمتم غاضبة: اللعنة عليك! ويقال لي كان ينبغي أن أذهب إليهم لأستقبل العزاء!
ثم اتجهت نحو فراشها وألقت بجسدها عليه مستلقية، شردت قليلًا متذكرة أمها وعمارة وحياتهما معًا وذلك العشق العفيف الذي لم يخفياه يومًا، فهو دائم التّدليل والحنان لها وهي دائمة التّودد إليه، فتساءلت في نفسها متنهدة: هل ستشبهه في معاملته أم تنتظرني معاناة أخرى مدى الحياة؟!
ثم تمتمت بيأس: في جميع الأحوال لن تكون عيشة هنية؛ فلن أترك ديني ولا يمكن أن يقترب مني وهو ليس على ديني، تراه شيئًا محرّمًا أم له دينه وليَّ ديني؟!
ظلت تتحدث مع نفسها لفترة تارة غاضبة وتارة متحيّرة حتى سقطت في نومٍ عميق.
وفي الليل عاد عبادة وأوس فوجدا زبيدة جالسة في الرّدهة المتسعة تنسج النول كعادتها، فدلفا ثم جلسا وكانت عينا أوس تبحث عن راحيل وقد لاحظته أمه فأهدرت توجه حديثها لزوجها: أتمنى أن يكون هو اليوم الأخير لاصطحاب ابنك معك لبيت أخيك.
فنظر إليها بعدم رضا وأجابها بحدة: وما شأنك يا امرأة؟! كأني طلبت منك أن تأتي معنا!
- يبدو أنك قد نسيت أن ابنك قد تزوّج ولم يبني بزوجته بعد، أريد أن أرى أبناءه.
فصاح فيها عبادة: كأني من منعته أن يقرب زوجته!
فتنحنح أوس ثم أجاب: معذرةً، لكن الأمر يخصني وحدي.
فالتفت إليه والده ورفع سبابته بتهديد: لم يعد لديك اختيار يا أوس، لقد صارت زوجتك شئت أم أبيت.
فأغمض عينيه وقضم شفتيه بضيق ثم زفر أنفاسه وقال محاولًا الهدوء: أرى لهجتك قد تغيرت كثيرًا معي أبتي في الآونة الأخيرة! قد صرتُ رجلًا ولن أقبل أسلوب التهديد مجددًا.
فأجابه أبوه بحدة: وأنا أباك أيها الرّجل ويحق لي أن آمرك وأنهيك وعليك التّنفيذ.
- وأنا لم أعصاك أبدًا، فقط لا أقبل هذه الطّريقة.
ثم نظر بينهما واتجه نحو حجرته ودلف وأغلق الباب خلفه، فالتفتت زبيدة نحو زوجها رافعة إحدى حاجبيها المعقوفان بعدم رضا ثم قالت: ماذا جرى لك؟ كيف تتحدث إليه بهذه الطّريقة؟ لقد صار له امرأة فكيف سيحكمها وهي ترى زوجها يُعامل بتلك الطّريقة المخزية؟ ثم أنه قد نفّذ ما طلبت وتزوج من ابنة عمه!
- وماذا يعيبها يا ترى؟ هل كان سيجد فتاة في نصف جمالها حتى؟!
فتنهدت قائلة: هي حقًا جميلة بل رائعة الجمال وطباعها لينة، وما ألحظه أنها قد نالت إعجابه وبشكل ملاحظ، فماذا ينتظر؟!
لذلك اتركه يمكث مع عروسه؛ يذوق عسيلتها.
- وهل ينبغي عليه أن يترك كل شيء ويتفرّغ لها؟! بل يخرج ويقضي أموره ثم يعود إليها، وهيا انهضي ولا تكثري من أحاديثك هذه.
فتركها متجهًا لحجرته فنهضت واقفة وتبعته على مضض.
أما أوس فدلف إلى الحجرة، خلع عمامته وعباءته وحزامه المعلّق فيه سيفه وعلّق كل شيء بغيظ ثم ألقى بجسده على فراشه جوار راحيل النّائمة ولا زال يزفر كلما تذكر حديث أبيه ولغته الآمرة، وبعد فترة قد تملّكه سلطان النّوم.
وفي صباح اليوم التّالي تململ في فراشه قليلًا ثم فتح عينيه فالتفت جانبه فلمحها نائمة توالي له ظهرها واقعًا إحدى كميها فزاد من تكشّف ظهرها مع إحدى كتفيها، فظهرت ندبات جروحها بصورةٍ واضحة، فتقلّص وجهه بضيق وتمتم داخله: لو لم تُقتل يا زهير لكنتُ قتلتك بيديّ جزاء ما فعلته بها!
وبعد قليل تحركت متقلبة إلى النّاحية الأخرى فصار وجهها ناحيته وتكشّف كتفها أكثر فأظهر بياض بشرتها وجمال مفاتن ذراعها وصدرها، وارتفع ثوبها من أسفل وأظهر جمال ساقيها المصبوبتَين بروعة.
إتكأ قليلًا على ساعده وعيناه تتفحصاها من رأسها لأخمص قدميها وبدأت يعتلي ثغره ابتسامة هادئة وتنهيدات متيّمة، حملق في وجهها الصافي خاصةً وهي مغمضة عينيها، مد يده يرفع خصلات شعرها المتبعثرة على وجهها وأعادها بهدوء خلف أذنها.
أخذ نفسًا عميقًا ثم همس: أقسمتُ بكل قسمٍ إني لأكتم بأحشائي حبًا ووجدًا لو ظهر إليها لأظلّها.
ففتحت عينيها فجأة لتجد وجهه أمامها مباشرةً، فاتسعت حدقيتها ونهضت جالسة فعدّلت ملابسها، فمدّت ثوبها تستر ساقيها ورفعت كمها تغطي كتفها في نفس اللحظة ثم رفعت خصلات شعرها تعيدها خلف أذنيها في ارتباك ملحوظ وكانت بؤبؤتا عينيها تتحركان بسرعة بتوتر، قضمت شفتها السّفلية وهي تنظر بجانبية خلسة، وكان لا يزال متكئًا محملقًا لها.
كانت تفكر بسرعة ماذا تفعل وماذا ينوي أن يفعل؟! لكن قطع ذلك التوتر وهو يعتدل جالسًا: كيف أصبحتِ؟
فأجابت بتثاقل: بخير.
فرفع تلك الخصلة التي تتمرد على جانب وجنتها من حينٍ لآخر ووضعها خلف أذنها ثم تلمّس وجنتها بطرف أنامله فانكمشت وانزوت تبتعد عنه بانزعاجٍ واضح.
فبادرها: كأنكِ منزعجة مني!
فصاحت بحدة: ماذا تريد؟
فرفع حاجبيه بدهشة قائلًا: ماذا؟!
فتلعثمت بتوتر ثم قالت: أقصد صباح الخير.
قالتها على مضض وهي تنظر أمامها فأدار وجهها بطرف أنامله بملامسته لحافة ذقنها، فاستدارت بوجهها إليه مضطرة ونظرت إليه بفيروزيتيها فحملق فيها وأهدر: ما أجمل عينَيكِ!
بينما هي قد أطالت النّظر إليه يُخيّل إليها كأنما رأته قبل ذلك فزمت حاجبيها وقبل أن تسأله تابع مبتسمًا: يبدو أنك تذكرتِ الثّأر القديم!
فأشارت إليه بسبابتها وقالت: إذن كأنك هو!
ثم قضمت شفتيها بغضب وقالت باندفاع: إذن كنتَ تسترق إليّ النّظر وأنت من أخبرته، بعد أن عرفتَ طريقنا ذهبتَ لابن عمك توشي له عنا فجاء وقتل أمي وأخذني، ثم تقدّمت خاطبًا لي بمنتهى البساطة!
اتسعت حدقتاه بصدمة من تحليلها هذا، ثم اعتدل في جلسته بجدية متسائلًا: بماذا تخترفي؟ هل جُننتِ؟!
- بل فهمتُ.
فأومأ برأسه مستنكرًا بحدة وقال: لا لم يحدث...
ثم زفر أنفاسه بهدوء وقال: أقسم لك ما فعلتُها أبدًا! أنا لا أعرفك من الأساس ولم أكن أعلم أنك لا زلتِ على قيد الحياة.
- والمفترض أن أصدقك!
- ينبغي عليكِ ذلك؛ فأنا زوجك.
قالها بصرامة ثم هدأ قليلًا وقال: كما أني لم أجرّب الكذب ولا الخيانة، كانت العلاقات منقطعة قديمًا بين أبي وعمي، لم يرى أحد منا شكل يوكابد أمك، فقط سمعنا عنها وعن جمالها، كما سمعنا أنها فارقت الحياة أثناء مخاضها فدُفنت معها ابنتها لأنها أنثى، وعندما كنتُ في العاشرة من عمري تزوج الزُّهير من ابنة خاله وسمعت أنها أنجبت أنثى فبالطّبع دفنها الزُّهير أيضًا، وبعدها بفترة سمعنا أنه قد قتل مُليكة زوجته ثم ترك الدّيار لأنه اكتشف أن يوكابد أمك قد هربت بكِ ولم تموت، ومنذ يومها ولم نسمع عنه ولم يعود إلا عندما عاد بك، لم أكن أعلم كل هذا، أنا بالفعل قد استرقت النّظر لأرى وجهك وعندما عدتُ إلى العين مرة أخرى تفاجأت بما حدث لكِ ولأمك ثم مات عمارة ودفنته جوار أمك وجئتُ بعُمير إلى هنا، وقتئذ علمتُ من أبي بعودة الزُّهير وأنه أحضرك وأنكِ ابنة عمي وقد خطبها لي.
لم يلهمني عقلي أن ألاحظ تشابه الحكايتَين وأتوقع أن تكوني أنتِ هي ابنة عمي، ثم تفاجأت بكِ ليلة عرسنا.
فأطالت النّظر إليه ثم قالت: إذن قد أُجبرت على هذه الزيجة!
فأسرع مجيبًا: لكني لم أكن أعرف أنكِ هي الفارسة الفاتنة.
فرفعت حاجبيها بتهكم واستدارت تنظر أمامها، فاقترب منها فأسند أحد ذراعيه فوق كتفها وبطرف أنامل يده الأخرى يتلمس ذراعها برقة لأعلى وأسفل فارتجف جسدها فجأة ولا زالت تنظر أمامها لكن قد بدا عليها التّوتر والإرتباك بشكل ملحوظ فأمسك كتفيها وقرب رأسه من أذنها فصارت تشعر بأنفاسه الدّافئة في عنقها فازداد توترها واضطربت أنفاسها فظهرت في حركة صدرها لأعلى وأسفل، ثم همس في أذنها: لديّ ثأر عندك وأريد أن آخذه.
فأبعدت نفسها عنه فجأة ثم التفتت إليه وتابعت بتهكم: ثأر!
فأومأ برأسه واستطرد: أجل هناك ثأر ولن أتركه...
ثم أكمل بمكر مقالتها سابقًا: أم الأفضل أن أتركه بدلًا أن أترك الحياة بأكملها!
فشبّكت ذراعيها أمام صدرها واهتزت بغير رضا، فابتسم وأكمل بنفس مَكْرِه: ما رأيك؟!
فنهضت من جواره بسرعة ووقفت فقهقه بشدة فرفعت سبابتها أمامه وقالت بحدة: ماذا تريد بالضّبط؟!
فأكمل قهقهته بينما هي قضمت شفتيها بغيظ فنهض واقفًا هو الآخر وتحرّك حتى وقف أمامها مباشرةً، وكلما اقترب خطوة منها ازدادت توترًا بينما هو تابع ضحكه بتسلية ثم قال: ماذا بكِ جميلتي؟! أين تلك الفارسة الشّرسة التي لا تهاب شيء؟ تلك الفارسة التي أسرت قلبي بجرأتها قبل أن أرى جمالها.
كان يتحدث ويتقدم نحوها مقتربًا وكلما اقترب خطوة تراجعت للخلف مثلها حتى اصطدمت بالحائط خلفها فحاصرها بين ذراعيه وأكمل: ما رأيك في مبارزة جديدة أيتها الفارسة الحسناء بعد سباقٍ بجوادَينا؟! قد أحضرتُ ترياقك وسيفك... إنظري ماذا ترِي؟!
فهدأت ملامحها وبدأت تنبسط تدريجيًا وكأن شبح ابتسامة سيطل من ثغرها ثم همست بسعادة: حقًا!
فأومأ برأسه مؤيدًا وهمس أمام وجهها مباشرةً: حقًا!
فاتسعت ابتسامتها فاستنار وجهها كأنه مترقرقًا وتخضّبت وجنتيها فأزهرتا، فاحتضنها بعينيه ولا زال يحاصرها بين ذراعيه ثم همس من وسط أنفاسه: القمر إن رأى وجهك المنير استحى، فترككِ تنيري مكانه، ونور الشمس خجل من نورك وانزوى لتنيري الكون أنتِ.
فطالت حملقتهما وتعلّق عينيهما ثم انحنى وقبّل جبهتها بعمق فارتجفت ومدت يديها تنوي دفع جسده عنها لكنها أسندتهما على صدره باستراحة...
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro