Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

(29)

بقلم نهال عبد الواحد

كانت راحيل نائمة وتشعر بأصابع تعبث في شعرها برقة وصوت أمها يصدع مغنيًا:

راحيل طفلتي ما أجملها! ضحكتك العذبة محلاها! صوتــك تغريــد كسرابــا، كأن رمل الصحراء قد صار أعشابا! لكِ ملامح ملاك لم يُنجب مثلها! فإن ضاق الزمان يومًا وتعذّرَ! يلهمك الإله الصّبر الأرحبَ!

فتابعت إحساسها بأنامل أمها ثم أكملت: أريد منك الصّمود وأن تعتني بأخويكِ مثلي تمام.

فتساءلت راحيل: حسنًا سأعتني بهم جميعًا، أبي وأخويّ.

انفلتت صوت ضحكة أمها بخفة وتابعت: يكفيكِ أخويكِ وأحبابك، أما عمارة فاتركيه لي، وعودي معهم وعمّري موطننا...

فتحت راحيل عينيها ولا زال صوت أمها يصدع في أذنيها كما لا زالت تشعر بعبث أناملها في خصلات شعرها، فتمتمت بخفوت: ليتني أعود موطني، ليتني أعود أمّاه...

سكتت قليلًا تحاول أن تتكئ على ساعديها لتنهض، كانت نائمة أرضًا بعد أن دفعها عبد العُزّى، لكنها لا تقوى على الحركة؛ جسدها يؤلمها بشدة خاصةً تلك الجروح الغائرة جرّاء الجَلد والتّعذيب، كما تشعر برائحتها النّتنة فمنذ أن خُطفت ولم تغتسل أو حتى تُبدّل ملابسها المتسخة والممزقة منذ أسابيع، فتقلّست ملامحها مشمئزة، ثم فجأة انتبهت وقالت: لماذا أترك لكِ عمارة؟ ألهذا الحدّ تغارين أم... ؟

فبترت جملتها ووضعت يدها على قلبها تشعر بغصّة وفكرة بعينها تراودها، ألا وهي أن عمارة قد رحل عن دنيانا ولحق بها.

فأعادت رأسها للخلف أرضًا وزفرت أنفاسًا حارة بقهرٍ شديد وصارت دموعها تتساقط على جانبي وجهها ثم أرضًا، ليتها تنتهي من هذا الهمّ المقيم.

جاهد أوس حتى استطاع أن يخفف عن عُمير ويكفكف دمعه، ثم أقنعه أن يجئ معه؛ فلا ينبغي أن يمكث منفردًا في هذا المكان.

لم يستغرق أوس وقتًا طويلًا في إقناعه؛ فهو طفل ولن يتحمل الوحدة، لكنه أخذ الوعد من أوس أن يساعده في البحث عن أخوته ثم يعيدهم جميعًا إلى هنا.

اضطر أوس للموافقة رغم أنه لم يكن متأكدًا في الوفاء بذلك الوعد، لكنه يصر بالفعل أن يجد تلك التي سكنت بين أضلعه واختفت فتركته خواء.

بدأ يجمع متاعهم لكن ترك الخيمة دون أن يخلعها بناءً على رغبة عُمير؛ فهو على يقين من عودتهم مجددًا، ثم ساق الأغنام وفرسَين، ركب عُمير على أحدهما ووضع الأمتعة على الآخر ثم تحركوا جميعًا غير مسرعَين.

كان عُمير يتلفت من الحين للآخر يودّع موطنه الوحيد ومسقط رأسه، محل أجمل ذكريات عمره، أما أوس فتعلّقه بالمكان لأنه مكانها.

كانوا يسيرون بتباطؤ طوال الطّريق فطالت سفرتهما، وكان الصّمت ملازمًا لهما، فعُمير حزين ومشغول بما سيلاقيه وكأن ليس أمامه إلا أن يثق في أوس، فينظر إليه كأنما يجدد الوعد بينهما في إيجاد أخوته وعودته لموطنه، فيضطر أوس لمجاراته دون أن يجزم إن كان يستطيع أم لا، وفي نفس الوقت يريد أن يفتش الأرض حتى يجد تلك المحبوبة.

وبعد طول السّفرة عاد أوس بمن معه إلى دياره، وبمجرد أن وصل إلى البيت أمر الخادم أن يسوق الأغنام والفرسَين نحو الحظيرة الملحقة، وأخذ عُمير ودلف إلى داخل البيت.

كان عُمير قلقًا وخائفًا من ذلك المجهول، سلّم أوس على والديه كعادته ثم نادى عُمير أن يسلّم عليهما، فتبادل الوالدان النّظرات في تساؤل ودهشة، فبدأت أمه: من هذا يا بني؟ أهو مولىً لك؟!

فارتجف عُمير خائفًا فربّت عليه أوس مطمئنًا وتابع نافيًا: لا يا أماه ليس مولىً، بل طفل يتيم مات والديه واختُطفت أخته وأصبح وحيدًا في هذه الحياة فجأة، فأحضرته معي حتى يجدها ثم يعود معها إلى موطنهم.

قال الأخيرة بشرود وحزن يطل من وسط حروفه لم يغفل عنه والديه، فتأكد حِدس أمه في كون فتاة ما قد عشقها.

تبادل الوالدان النّظرات فتابع أوس بتأكيد: سيظل عُمير هنا تحت رعايتي معززًا حرًّا حتى يأتي الفرج.

فربت على كتفيه وأشار نحو أحد الحجرات وقال له: يمكنك أن تمكث في هذه الحجرة عُمير، كن مطمئنًا ولا تخف أخي!

فأومأ عُمير موافقًا بقلة حيلة، ثم دلف إلى الحجرة بتثاقل وخلفه أوس، كان يوجد فراش فذهب إليه عُمير واستلقى ثم احتضن نفسه ضامًّا ساقيه إلى صدره وأغمض عينيه بقوة كأنما يصد دموعه قبل أن تهطل، أطال أوس النظر إليه وابتلع ريقه بمرارة وقهر وشعر بقلة الحيلة فانسحب خارجًا من الحجرة ليقابل والديه فألقى بنفسه جالسًا بتعب.

كان يبحث عن أي كلام يقوله لكن فجأة لم تجئ أمامه إلا صورة تلك الجميلة التي حُفرت ملامحها في ذاكرته، ثم انتبه فجأة عائدًا من شروده، ثم بدأ يتحدث مع أبيه عن أمور التّجارة وما أحدثه من جرّاء تقابلاته مع بعض التّجار.

لكن مثلما كان الأبوان يران شيئًا غريبًا في ابنهما هو كذلك لمح في عينيهما، كأنما يخفيان عنه شيئًا.

كان عبادة يحاول أن يؤجل مفاتحة أوس فيما فعله لحين استراحته، لكن يبدو أن لا سبيل إلا للمكاشفة.

تساءلت الأم تنتوي المماطلة: ومن أين لك معرفة ذلك الصبي؟!

فأجاب أوس: كنتُ أمر عليهم في طريق سفرتي يجاورهم عين أشرب منها وأملأ سقائي.

فزمّ عبادة شفتيه مؤيدًا ثم تساءل: إذن هم من البادية!

فأومأ أوس برأسه أن نعم وأجاب: أجل أبتي من البادية، وقد سُقت أغنامه وفرسين لأبيه، كن مطمئنًا أهله أهل خير وحسن خُلق.

فأومأ الأب موافقًا فأطال أوس النظر إليه ثم تساءل: لا أدري لماذا يراودني شعور بخطبٍ ما؟

فتلعثمت زبيدة ثم حاولت إخفاء ربكتها فاتجهت وجلست أمام نولها وبدأت تنسج فيه هربًا من الحديث، فتأكدت شكوك أوس بأن هناك أمرًا جلل، فأعاد التساؤل: ما الأمر أبتاه؟

ابتسم عبادة واتجه نحو قدر الماء فكشف غطاءه وملأ كوبًا كان فوق الغطاء وبدأ يشرب بتوتر ظاهر.

فاتجه إليه فأعطاه الأب كوب الماء قائلًا: إروي ظمأك بُني...

ثم التفت نحو زوجته محاولًا الهروب مرة أخرى وصاح: هيا يا زبيدة مُريهم يعدوا طستان من الماء الدافئ ليغتسل أوس والصبي ثم مُريهم ليعدوا الطّعام؛ مؤكد أنهما جائعَين متعبَين...

كان يتحدث وهو مستديرًا بوجهه عن ابنه الذي بالفعل وقف يشرب بضعة أكواب من الماء، ثم زفر بهدوء وجلس جوار أمه فصار مقابلًا لأبيه الذي جلس هو الآخر، وبعد فترة من الصّمت المتوتر وعينا أوس تذهب وتجئ بينهما صاح: لن أبرح مكاني حتى أعلم حقيقة الأمر، وأيم الله إنه لأمر جلل!

أومأ عبادة مضطرًا ثم قال: أجل بني، قد صدق حِدسك، إن هناك لأمر جلل، لكني اضطررت إليه.

شعر أوس بريبة من داخله ثم أومأ لأبيه برأسه أن يكمل حديثه، فأكمل عبادة: قد كان لعمك ابنة هربت بها أمها منذ زمن حتى لا يقتلها عمك كما عهد ذلك، وقد وجدها الزُّهير وأحضرها...

فتساءل أوس بفجأة: هل عاد الزُّهير أخيرًا؟!

فتنهد عبادة قائلًا: أجل بني، وليته ما عاد.

- لماذا؟

- منذ أن أحضر تلك المسكينة ولا زال يبرحها ضربًا وتعذيبًا.

- لماذا أحضرها إذن؟ وأين سلطة عمي في ذلك الوضع أليس أباها؟

- عمك هو أُسّ البلاء؛ لم يقبل الإناث أبدًا، لذلك لم ينهَى ابنه يومًا عن أفعاله فهي توافق هواه.

فتنهد أوس بعدم فهم لكنه تابع: ثم ماذا؟

سكت الأب قليلًا ثم قال: قد اضطررت لأمر.

فأومأ أوس لأبيه ينتظره يكمل، فبداخله ريبة أن الصّاعقة ستسقط من فَي أبيه الآن خاصةً مع نظرات التّرقب من أمه، أكمل عبادة بتوتر: قد ذهبتُ لعمك وخطبتها إليك.

فاتسعت حدقتا أوس بصدمة ثم صاح: وما شأني بكل هذا؟ أتورّطني أبتي؟!

اقترب منه أبيه يهدئ روعه وربت على كتفه في رفق بينما زبيدة تربت على فخذيها بتوتر، فقال عبادة: لم  أجبرك يومًا على فعل أي شيء خاصةً زواجك، رغم كونك قد كبر عمرك دون أن تتزوج أو حتى تقرب امرأة، لكني لم أجد حلًا إلا هذا الحل!

فأهدر أوس بغضب: ما شأني أنا بحلولك أبتي؟!

- بل هو شأنك، وهي ابنة عمك وأنت أولى بها...

قالها عبادة باندفاع ثم أهدأ من روعه وأكمل: قد أشفقتُ على حالها ولم أجد إلا هذا الحل لإنقاذها من براثنهما، قد وعدته أن تُزف إليك بمجرد عودتك من سفرتك، ثم بعدها لك ماشئت، لك أن تتزوج كما تشاء لن أمنعك ولن أجبرك، فقط احتفظ بابنة عمك.

- وما ذنبي أنا، أنت تعلم جيدًا أني لا رغبة لي في العبث واللهو، ووقت أنتوي الزّواج كنت سأتزوج من فتاة أريدها وليس لأحضر بعدها المزيد من الزّوجات.

- كأنك ستخالف عادات قومك؛ هذا ما عهدنا عليه آباءنا، طالما كنت سيد فلك الحق أن يكون لك بدل الزّوجة عشرة وبدل الجارية عشرات، لكن لا أدري لماذا تزهد وأنت في مقتبل عمرك! أباك لم يزهد إلا منذ بضعة أعوام فقط.

فتأفف أوس وضم ساعديه أمام صدره وقال: لا شأن لي بكل هذا، ما كان ينبغي أن تفعل هذه الفعلة في ابنك، ابنك الذي لم يعصيك يومًا...

فقاطعه عبادة: وها أنت تعصيني.

- أعتذر منك أبي، لكني لن أفعل.

- بل ستفعل.

فسكت أوس ولم يعقب ثم هَمَّ أن يدخل حجرته، فصاح فيه أبيه: إن لم تنفذ طلبي فسأصبح بذلك الصبي أبيعه في سوق الرّقيق...

فالتفت إليه أوس مسرعًا وقال: لا يمكن؛ هو أمانة استأمنها أبوه قبيل وفاته.

- لا شأن لي، قرارك سيحدد مصيره.

- لكن...

- قد قلتُ ما عندي وأنتظر إجابتك.

- ها أنت تجبرني أبتي!

- فقط أريد الإجابة.

التفت أوس نحو الحجرة التي بداخلها عُمير وكان بابها مفتوحًا، فتأكد أنه قد سمع تهديد أبيه وتصور هيئته المرتعبة وشرد في وصية عمارة «اعتني بابني هذا حتى يعود أخوته؛ لا أملك عمري وأخشى أن أتركه وحده، ولم يشتد عوده بعد ولا أدري كيف سيعيش من بعدي!»

ثم تذكر أنه قد وعده بدل المرة مرارًا أن يساعده ليجد أخوته ويعود إلى موطنه...

أخذ أوس نفسًا عميقًا ثم زفره بتباطؤ وأهدر وهو يجاهد عيناه لألا تنهمر دموعه: افعل ما تشاء أبتي...

وتركه ودلف نحو الحجرة التي بها عُمير...

Noonazad     💕❤💕

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro