(2)
بقلم نهال عبد الواحد
ما أن خرج عبد العزى من الحجرة حتى وجد أمامه امرأة حنطية اللون ممتلئة الجسد قليلًا، لها شعر أسود مجدّلًا في ضفيرة للخلف، وجهها شبه مستدير مكتحلة العينين فزاد من هيئة جحوظها، مرتدية جلبابًا ذات أكمام ومزينة بالكثير من الحلي الذهبية في ذراعيها وعلى صدرها، تبدو أنها ثلاثينية العمر.
تفاجأ بها خاصةً وهي تحملق له وتحملق فيه بعينَيها مما جعل لها هيئة مريبة بعض الشيء.
صاح فيها بصوته الأجش: ماذا بكِ يا امرأة؟ لماذا تقفين هكذا؟!
فتغنّجت بجسدها ثم قالت بتهكم: كي أُودعك يا زوجي العزيز...
ثم أكملت بنبرة حقودة: كان الأَولَى بك أن تبيت معي تلك الليلة، أنا أمامة العامرية سليلة الأشراف، الحُرة وابنة عمك وأم ابنك الوحيد.
فتابع بسخرية: ابني الوحيد! هو فقط محسوب على الرجال اسمًا لكن لا علاقة له بهم، هيا قولي ما وظيفته في هذه الحياة؟! سهر، خمر ولهو بين أحضان البغايا ليلًا ثم نوم طيلة النّهار!
- يليق به؛ فهو سيد وابن سيد، إن لم يلهو ويعبث في شبابه تراه متى يفعل يا أبا زهير؟!
- اللهو لا ينبغي أن يكون طوال الوقت، تراه متى يتعلم أصول التّجارة ويشاركني أعمالي؟!
- كل شيء سيكون في وقته، ثم إنه لم يفعل بالشّيء البعيد عنك!
قالت الأخيرة بسخرية، فتابع بهجوم: ماذا تقصدين يا امرأة؟!
- تلك الجارية اللعينة التي سلبتك عقلك وأفقدتك رجاحتك وجعلتك تترك زوجتك أم ابنك وتظل معها طوال الوقت!
- لا شأن لكِ بها؛ هي أم ابني وسأعلنها زوجتي عندما أعود.
- وماذا لو وضعت أنثى؟!
- لن تضع أنثى أبدًا؛ فقد قدّمتُ القرابين طوال الفترة الماضية، ولن تخذلني الآلهة أبدًا.
- وإن خذلتك ووضعتْ الأنثى هل ستسرّحها مثل غيرها السابقات؟!
- قلت لا شأن لك يا امرأة!
- إذن قد فعلتها تلك اللعينة وسحرتك لتظل متيّمًا بها إلى الأبد.
- إن كان كذلك فما أجمل هذا السحر!
فصاحت بقوة: وماذا عني أنا؟
- لا تذكريها يا أمامة بلسانك هذا، إياك أن تتحدثي بسوءٍ عن يوكابد! أُحذّرك! ثم لا وجه مقارنة بينكما من الأساس.
ثم صاح فيها: لماذا استوقفتيني إذن، كي تعطليني عن الرّكب!
- أرجو ألا تجلب معك مصيبة أخرى من بلاد الشّام هذه المرة أيضًا!
فأمسك بذراعها بقوة وصاح فيها: ليس من شأنكِ أي شيء! فأنا وحدي من أحدد وأقرر ولن آخذ منكِ المشورة، هيا اغربي عن وجهي أيتها الشّمطاء! قبّحت وجهكِ الآلهة!
فدفعها جانبًا ثم تابع سيره حتى خرج من الدّار بأكملها ولحق برجاله وتحركت القافلة، وكانت عينا أمامة تتابعاه بغلٍ شديد ثم تمتمت بحقد: وحق هُبل الأكبر لأُريك يا عبد العُزّى! وستعلم كيد من الأعلى.
وبعد فترة كانت يوكابد لا تزال في مخدعها كعادتها؛ فهي قليلًا ما تخرج منه، فاستأذنت عليها أسماء فأذنت لها ثم جلست جوارها، وكانت يوكابد مستلقيةً في الفراش وممددةً ساقيها أمامها.
فتساءلت أسماء: كيف حالك اليوم؟ هل أنتِ متعبة؟
فأومأت بعينيها قائلة: ليس كثيرًا.
- أراكِ دائمًا مهمومة، رغم كونك في بلادنا قرابة العام، المفترض أن تكوني اعتدتِ على صعوبة جوها وعيشتها.
- ليس هذا كل شيء...
ثم أكملت يوكابد: أشعر بضيقٍ واختناقٍ شديد، الجو مشحون بكرهٍ وحقد دائم...
ثم همست: كأنه قد كُتب عليّ ألا أعيش وأتنفس إلا هكذا.
ضيّقت أسماء عينيها وتساءلت بدهشة: هل تقولي شيء؟ لم أسمعك جيدًا.
فأومأت يوكابد برأسها نافية فتابعت أسماء: إن كان على الحقد والكره، فمن هن جوارك؟! ألا ترين جمالك الفتّان؟! ألا تشعرين بمدى عشق سيدي عبد العُزّى لكِ؟!
ثم قالت: دائمًا أدعو الآلهة أن تنجبي له ذكرًا لتصبحي أنتِ السّيدة ثم بعدها تتابعين مزيدًا من الذّكور، يا يوكابد لقد أحببتك كثيرًا؛ فأنتِ طيبة وحسنة الخلق وستكوني أفضل من تلك المسماة أمامة.
قالت الأخيرة بصوتٍ هامس، ثم أكملت بنفس همسها: كم أكرهها تلك المرأة! إنها فظّة التّعامل وغليظة الحديث، تبخ سُمها دائمًا كالحيات، حفظتك الآلهة من شرها! تقرّبي منهم كثيرًا يا يوكابد لتصلِي إلى النّجاة.
فرمقتها يوكابد وصاحت فيها بغضب: أي آلهة أيتها الحمقاء؟! إنها مجرد حجارة صنعها بشر مثلي ومثلك، لا ترى ولا تسمع، لا تنفع ولا تضر ولا تغني عن نفسها أي شيء، حتى لو قمت وحطمتها الآن فلن تمنعني ولن تدافع عن نفسها.
فشهقت أسماء ونهضت مسرعة تتجه نحو الباب ففتحته وتلفتت حتى اطمأنت أنه لا يوجد أي شخص يتسمّع كلامهما ثم زفرت براحة وعادت تجلس جوار يوكابد ثم قالت: ماذا دهاكِ يا يوكابد؟ أرى أن الحمل قد أثّر على عقلك فصرتِ تهذي بأي تخاريف!
- بل التّخاريف ما تقولون وما تعتقدون، أقسم لكِ أني أستطيع تحطيمهم جميعًا...
ثم همست بلغتها العبرانية: قد فعلها رجلٌ مباركٌ منذ زمنٍ بعيد ولم تدافع تلك الحجارة عن نفسها أبدًا وتهكّم منهم أن هذا كبيرهم فاسألوه إن كانوا ينطقون.
- ماذا تقولين يا يوكابد؟! لا أفهمك أبدًا، ثم إنه ما عهدنا عليه آباءنا وأجدادنا ولا يمكن تغييره أبدًا، الأفضل أن تكفي عن هذا الهراء حتى لا تسمعكِ الآلهة أو تسمعكِ تلك اللعينة فتوشي بِك عند الآلهة فينتقموا منك، وأبسط شيء يجعلونك تلدين أنثى.
فابتسمت يوكابد بسخرية وهي تومئ برأسها ثم قالت بلغة عربية متتعتعة: كم أود لو أفهم لماذا تتخوفون من الأنثى هكذا؟!
- سيدي عبد العُزّى لا يحب الإناث أبدًا، وكلما استولد امرأة وأنجبت له أنثى أخذ بها ودفنها حية ووطأ تراب الأرض بقدميه ليضمن موتها ثم يسرّح أمها أو يبيع الجارية التي أنجبتها؛ فبطنها بمثابة بطن شؤم، إلا ما كان من السّيدة أمامة فلم يسرّحها أبدًا لأنها أم ابنه الوحيد بالإضافة كونها ابنة عمه.
شهقت يوكابد بزعر ووضعت يدها على قلبها الذي ارتعد بفزعٍ شديد ثم تساءلت بقلق: ولِم تلك القسوة؟
-لأن الأنثى لن تحمل اسم أبيها أبدًا كما أنها يمكن أن تجلب العار لعائلتها، فلا داعي لوجودها من الأساس.
أمسكت يوكابد برأسها تدلكه وتلتقط أنفاسها بسرعة ثم نهضت بتثاقل فأسندتها أسماء متسائلة بدهشة: ماذا تريدين؟!
فأجابت يوكابد وهي تتجه نحو صندوق الملابس: أريد الخروج إلى الخلاء خلف الجبل، هيا وصّليني فلا زلتُ أضل الطّريق.
- تريدين قضاء حاجاتك!
فأمسكت يوكابد بجلبابٍ أسودٍ ذات أكمام و ارتدته وصاحت بها: هيا انهضي وكفاكِ أسئلة، هيا لنذهب ونعود قبل أن يعسعس الليل.
فأخذت أسماء وشاحًا لها ووضعته فوق رأسها لكن لم تخفي كل شعرها بل لا زالت ضفيرتيها واضحتَين، كما أن عنقها ومقدمة صدرها تركتها عارية، بينما أخذت يوكابد تجدل شعرها الناعم وتربطه جيدًا بوشاحٍ صغير وفوقه آخر أكبر، دثرت رأسها وعنقها ولثّمت وجهها ثم خرجتا...
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro