(17)
بقلم نهال عبد الواحد
- هيا أدلي بقولك!
هكذا صاحت أمامة في أسماء بحدة وهي تجذبها من تلابيبها.
التقطت أسماء أنفاسها وقالت تتصنع الخوف: لقد اكتشفت أمرًا مريبًا سيدتي ولا أدري ماذا أفعل!
فزمت أمامة حاجبيها بدهشة ثم تساءلت: وماذا اكتشفتِ؟ هيا انطقي!
ولا زالت أسماء تتصنع الخوف وتتلفت حولها لتتمم إقناع أمامة، ثم همست: لقد اكتشفت أن سيدتي مُليكة لها عشيق، إنها تخادن ابن خالتها سعد.
فحدقت أمامة بعينَيها بصدمة وفرغت فاها وبعد قليل تساءلت: وكيف عرفتِ؟
- إنها تخرج للقائه، وذلك كان منذ زمن، حتى قبل أن تضع حملها.
ففركت أمامة ذقنها ثم تابعت: إذن ربما تكون تلك الأنثى ليست بابنة ابني!
فرفعت أسماء كتفيها أن لا تدري، فزاغت عينا أمامة بغضب ثم قالت وهي تومئ برأسها: بالطبع ليست ابنة ابني، فابني فتى لا مثيل له ولا يمكن أن ينجب أنثى!
قالت الأخيرة باحتقار، ثم أكملت بشرٍّ: على أية حال، قد تخلصنا منها وأحرقنا قلبها، لكن ماذا عن الشرف؟! ستجلب لنا العار تلك اللعينة...
قالت الأخيرة وقد سارت بضع خطوات وتخطت أسماء فأومأت برأسها مع ابتسامة انتصار قد ارتسمتها على شفتيها؛ فكل شيء يسير وفقًا لما خططت له.
أما مُليكة فقد خرجت ركضًا بزعر بعد فعلتها الشّنيعة، وقفت تلتقط أنفاسها ثم جلست على جانب الطريق؛ تحاول أن تستعيد رباطة جأشها، لكنها بعد قليل بدأت تضحك ربما تضحك لانتقامها من عمتها أو ربما لأنها بدأت تفقد عقلها!
نهضت مُليكة قائمة وتابعت سيرها بهدوء حتى وصلت بيت أبيها، فدلفت داخله وظلت تجوب البيت ذهابًا وإيابًا حتى استيقظ أباها فتعجب من تواجدها فتساءل بفجأة: مُليكة! ما الذي جاء بك إلى هنا؟ هل أخيرًا استفقتِ من صدمتك؟!
فأطالت النظر إلى أبيها، ثم قالت بقهر: إذن فلهم الحق أن يزيدون من إذلالي!
فاقترب صخر من ابنته وربت على كتفيها ثم قال بحنو: لا يا ابنتي لست أنا من يسمح بأن يذلّك أحد، كل ما هنالك أن أمر تقبل الإناث من أصعب الأمور، وأنا لم أحتفظ بكِ على قيد الحياة إلا بعد أن مات جميع أبنائي.
فسحبت نفسها من بين ذراعي أبيها قبل أن يضمها إليه ثم جلست على وسادة أرضًا وحدقت في الفراغ.
فتحرك صخر وجلس جوارها وأمسك بيدها وربت عليها، فرفعت عينيها إليه بعتاب وتساءلت: لماذا فعلت بي هكذا؟ كنت تتأكد أني لا أرغب بالزُّهير ورغم ذلك أجبرتني عليه، مثلما هو قد أُجبر عليّ...
قالت الأخيرة بتنهيدة حزينة ثم صاحت بقوة قائلة: كل هذا من أجل المصالح والمال، ترى حتى أين هذا المال الذي جنيته؟!
قالتها متهكمة، فتابع صخر وهو يقربها إليه ليضمها: سامحيني يا مُليكة، ظننت أن هذه الزيجة ستؤتي ثمارها.
سكتت مُليكة ولم تعقب، وبعد مرور بعض الوقت قال صخر بتساءل: جاءني بالأمس خبر ولادة عمتك، مبارك عليها الذّكر! ترى ماذا أسمته؟
فرفعت كتفيها أن لا تدري، ثم أبعدت نفسها عنه وتابعت بتوتر: بل لدي نبأ هام يخص عمتي، أختك!
قالت الأخيرة بنبرة بها من التّشفّي، فعكّر صخر حاجبَيه وتساءل: قولي يا ابنتي ما الخطب؟
فزفرت بتوتر ثم ابتلعت ريقها وقالت: لقد علمتُ سرًّا خطيرًا يخص عمتي وحملها وابنها هذا.
فنظر إليها مطولًا ثم أومأ لها لتكمل قائلة: لقد حملت به من السّيد مسعود الذي خادنته واتخذته عشيقًا.
فانتفض واقفًا ثم التفت إليها وصاح: من أين أتيتِ بهذه الثّرثرة؟
- لقد دفع عمي عبد العُزّى بعمتي لتستبضع منه لمدة شهر حتى تحمل ولما حملت لم تقطع علاقتها به بعد واتخذته عشيقًا.
فقبض صخر على يديه حتى ابيضت أطراف أنامله من شدة الغضب وهو يتمتم: كيف تجرؤين على تلك الفعلة ياابنة أبي؟! ماذا تركتِ للبغايا يا سليلة الأشراف وابنة علية القوم؟!
ظل يتحرك ذهابًا وإيابًا بغضبٍ شديد ويكرر تساؤلاته ثم يتمتم يسبها ويلعنها بأفظع الألفاظ والكلمات.
ظلت مُليكة تتابع أبيها وغضبه ثم نهضت واقفة وعدّلت وضعية وشاحها على رأسها قائلة: سأذهب يا أبتي فقد تأخرتُ عن موعدي.
فلم يلحظها صخر ولم يكترث إليها بل تابع تمتماته وسبابه فتنهدت بضيق وقهر وجرّت أذيالها خارجة من دار أبيها دون أن يكترث إليها.
سارت مُليكة في الطرقات دون هدف ولا انتباه للطّرقات، يزداد ضيق صدرها وتنهمر دموعها بقهرٍ شديد فتسرع بكفكفتها بطرف أكمامها.
وفجأة اعترضها ابن خالتها سعد فتوقفت وأنفاسها تتلاحق بقوة، تلاقت نظراتهما دون أن تعقب مُليكة.
فبدأ سعد قائلًا بإشفاق: وماذا بعد؟ لقد ذبلتِ وطلّ ألمك من عينيكِ.
- لماذا تذكرتني الآن؟! لقد كنت أمامك طوال أعوام!
- افتقدتُكِ وشعرتُ بقدرك في قلبي بعد... بعد... أن تزوجتِ.
- لقد انتهيتُ يا سعد، لم يعد لديّ ما أعطيه ولا لديّ أي طاقة ولا تحمّل.
- لكني لا زالتُ أريدك مُليكة، لا زلتُ أحبك...
ثم أمسك بيديها وقربها إليه دون أن يأبه لكونهما على جانب الطّريق حتى ولو كان فارغًا وأكمل: سأرحل الآن لقبيلة قريبة في لقاء مع أحد التّجار، أريد عندما أعود أجدك قد تركتِ الزُّهير لنعيش معًا ونعوض ما فاتنا، هيا قولي ماذا ترِي؟
أطالت النّظر إليه ولم تعقب، فابتسم وربّت على كفها برفق ثم قال مبتسمًا: سأغيب بضعة أسابيع، أتمنى أن أعود وأجدك قد اتخذتِ قرارك وتركتيه...
ثم أكمل بشوق: سأشتاق إليكِ مُليكتي، أتركك في حفظ الآلهة.
ثم تركها ورحل دونما ينتبها لمن يراهما معًا وعيناه تطلقان الحمم.
إنه الزُّهير الذي استيقظ وخرج من حجرته فسمع أمه تتمتم مع نفسها ذاهبة وآيبة في غضب: اللعنة عليكِ يا مُليكة! ستلحقي العار بنا! أتخادنين هذا السعد سرًّا! بل وتنجبين منه تلك الأنثى! أي لعنة هذه بحق الآلهة! وحق هُبل الأكبر لأُريكِ! لكن ماذا أفعل معكِ؟ كيف أعاقبك؟!
ثم سكتت هُنيهة كأنّما تذكرت نفسها للحظات، ثم صرفت تلك الأفكار من رأسها بسرعة؛ فهي لم تخطئ لقد دفعها زوجها أي بإذنه ومشورته، أي لا شيء في ذلك...
ثم تابعت تمتمتها وسبابها لمُليكة دون أن تنتبه أن ابنها قد سمع كلماتها فغضب لكرامته التي أهدرتها زوجته وألقتها في عرض الحائط، فحمل نفسه وأسرع خارج البيت.
ولسوء حظها تقابلت مُليكة بابن خالتها مصادفةً في إحدى الطّرقات المهمّشة فظن أنها خرجت لتواعده خاصةً مع تلك النّظرات، إذن هي بالفعل تخادنه سرًّا وتتخذه عشيقًا وقد غفل عنها طوال تلك الفترة.
سارت مُليكة عائدة إلى البيت تسوقها قدماها تكاد لا ترى أمامها حتى وطأت بقدمها البيت فاتجهت نحو حجرتها قبل أن تعاود جلوسها جوار باب البيت.
لكنها تفاجأت بمن يجذبها من شعرها بقوة فصرخت متفاجئة بوجوده وفعلته، وصاحت: ماذا هناك؟ ما الخطب؟! هل جننت؟
فنبس من بين أسنانه ولفح وجهها بأنفاسه الكريهة: بل عقلت أيّتها العاهرة!
فصاحت فيه: بل العاهرة هي أمك، تراها تقذف فعلتها إليّ!
فلطمها بقوة فكادت تسقط أرضًا من شدة اللطمة لكنّها تماسكت، فأمسك الزُّهير بعنقها وضغط عليها ولا زال يهدر: لقد خنتيني مع ابن خالتك، وقد رأيتكما بأم عيني، أم ستنكرين ما رأيته؟!
فتابعت بصوتٍ مختنق وتسعل من حينٍ لآخر جراء ضغطته على عنقها: أنا لم أخنك أبدًا... قد قابلته مصادفةً... رغم أني لا أريدك... إتركني أذهب لبيت أبي بلا رجعة... أنا لا أريدك مثلما لا تريدني...
فقاطعها: وتتزوجي منه!
- ليس من شأنك بمن سأتزوج بعدك، إتركني لحال سبيلي.
- سأتركك، لكن إلى قضاءك ومثواكِ الأخير.
وزاد ضغطته على عنقه فأخذت تفتح وتغلق فمها تحاول إلتقاط أنفاسها وتخدشه من وجهه ليدعها، لكن بدأت عيناها تزيغان وتفقد سيطرتها على جسدها حتى خارت قواها كليًا وفارقت الحياة.
وهنا أسرعت أسماء تدلف إليه وهي تقول بحزنٍ مصطنع...
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro