رعشَة البِداية| ٠٧
كانَ المَسبحُ ضالَّتِي، غزَوتُه حينَما ضاقَ بِي طوقُ المَلل فِي جَناحِي، والسيِّد جيون ليسَ مِن النَّوع الَّذي ينذرُ وقتَه لغيرِه، بَل يحبِّذُ الاختِلاءَ بنفسِه، والربُّ أوعَى بِما يشدُّه إلى الوِحدة، وكيفَ يستَطيعُ أن يتفاوَض مَع البُرودِ المُنبعِث مِنها.
بينَما أمرحُ بمُفرَدي انضمَّ إليَّ كلبُه بريت، وكَم أبهَرنِي حينَما غطَس فِي لجَّة المَاء، خِلتُ في البِدايَة أنَّه وَقع عَن الحافَّة المَبلولَة، بسببِ قفزاتِي الهَوجاء، وشرَعتُ في الاقتِراب مِنه، لكنَّه راحَ يجدِّف بقوائِمه ببراعَة، هُنا انفَلقت صداقةٌ مِن بذرةِ العَداء، ورُحنا نلعَبُ معًا، مُتناسِيان المَاضِي الأسوَد، وخِلافاتِنا.
لَم يمضِ وقتٌ طَويل حتَّى داهَمني جونغكوك، شكَرت المسافَة الَّتِي حافَظ عَليها بينَنا، لأنَّها أخفَت خَجلِي عَن عينيه، لستُ مِن النَّوعِ الَّذِي يمثُل عاريًا أمامَ رجل، دونَ أن يرِفَّ له جَفن. لَا أرتَدي سِوى ملابِسي الدَّاخِليَّة الكاشِفَة، ولَولا تكتُّم المَاء لرأَى جميعَ أسرارِي الأنثويَّة، فجأةً راوَدنِي سُؤالٌ مُرعِب، مَاذا لَو أغراهُ استِمتاعِي بالسِّباحَة وقرَّر الدُّخولَ مَعِي؟
ازدَردتُ ريقي، وبتهوُّرٍ غُصت فِي أعماقِ الحَوض غيرَ مُكترثةٍ لحوارنا الَّذِي قاطعتُه فِي المنتَصف، شحُب النُّورُ السَّاطِع الَّذِي يُضيءُ أركانَه، وقاوَمنِي التيَّارُ الرَّاكِد حتَّى صبوتُ الرَّصيفَ أخيرًا، وأخرجتُ رأسِي إلَى الهَواء أنهلُه بتعطُّش، وَجدتُ جونغكوك فِي مكانِه يحدِّق بي، بينَنا مسطَّحٌ مائيٌّ عَريض، لَم يمنَع نظراتِه مِن التَّطاوُل عليّ.
أغمَضتُ عينيَّ بإحراج، وتوسَّلت أن يلوذَ بالرَّحيل، ليتيسَّر لِي الوُصول إلَى المِنشَفة، أراهَا خَلاصِي، لَا يفصلُني عَنها سِوى مِترٌ وَحيد، بيدَ أنَّ الجُرأة أبَت أن تُحالِفني لتَجاوزِه بِلا دُروع.
«سيّد جيون».
التَفتُّ إليه أنادِيه عِندَما تبادَر عَلى ذِهني أمرٌ خَطير غفِلتُ عَنه، ولازَم الصَّمت بانتِظار أن أبوحَ لَه عَن سرِّ زِيارتي المُباغتَة لَه، بعدَما هربتُ مِنه. طأطأتُ رأسِي وقضَمتُ شَفتي السُّفلَى بتوتُّر، قبلَ أن ينسابَ الكلِم مِن ثَغرِي دفعةً واحِدة.
«أنا بحاجةٍ إلى ملابِس داخليَّة، أقرِضني بعضَها رجاءً فمَلابِسي مَبلولَة، كَما أنِّي لا أمتلِك غيرِها وستتَّسِخ عاجلًا أم آجلًا».
الإحراجُ يقرُص شِغافي، مَا هذِه الورطَة يا إلـهي؟
لمَحت السُّخريَة تخيِّمُ عَلى شَفتيه بفضلِ رُؤيتِي الثَّاقِبة، وكأنَّ عارَ طلبِ ملابِس داخليَّة تنتَمِي إلَى رجلٍ غيرُ كافٍ، جاءَتنِي نبرتُه ساخِرة.
«يُؤسِفني إخبارُك أنِّي لا أرتَدي حمَّالات صَدر».
«هل سيُرهِقك تفقُّد خِزانتك؟ لربَّما أغفَلت زوجتُكَ السَّابِقة حُفنةَ ملابس!»
هتَفتُ بصوتٍ مُرتفِع، عَسَى أن يُوارِي احتِراقي الدَّاخليّ. لاشكَّ وأنَّ زوجَته السَّابِقَة رافقَته إلَى هَذا المَنزِل مِن قبل، فجَناحي الورديّ بصَمةٌ لأنثَى.
هزَّ رأسَه بنَفيٍ تخلَّله المَكر، ثمَّ انسَحب مِن مدَى بَصري، وترَكنِي عالقةً بينَ أشواك الخَفر، لا مفرّ مِن ارتِداء سرَاويله التحتيَّة، وعقَلي عاجزٌ عَن التَّفكيرِ بشكلٍ سَويّ. اكتنَفتُ وَجنتيَّ المُلتهِبتين وسَط كفيّ، وأطلقتُ صيحةً مَكتومَة مِن بابِ النَّحيب، أخشَى أن ينتهزَ الفُرصَة لإذلالِي، بل واثقةٌ أنَّه سيَفعل!
خرَجتُ مِن حُضنِ المَسبح بتذمُّر، وأفلتُّ حبلَ الحَذرِ مُتناسِيةً الوَضعيَّة المُزريَة للبَلاط، فتزحلَقت قَدمي مُستسلمةً عَن جسَدِي للجَاذبيَّة الَّتِي جرفَته نحوَ الأرضيَّة الصَّلبة، صرَختُ بجزعٍ قُبيل ثوانٍ مِن الارتِطام، وكأنَّ الدُّموع مُعتكفةٌ عَلى أعتابِ جَفنيّ ثارَت عَلى خَديّ بتِعدادٍ مَهول.
«بابا، لِماذا تحدُث مَعي كلُّ هذِه المَصائِب، ليسَ وكأنِّي آذيتُ أحدَهُم لتنتقِم مِنِّي الحَياة».
وجَب عليَّ مُواصَلة طَريقِي نحوَ غايَتِي بدل العَويل، إذ استَقطب صُراخِي جونكغوك، وحينَما لاحَظت قدومَه، كانَ الأوانُ قَد فاتَ عَلى الاحتِجاب مِنه.
تقلقلَت ملامِحهُ قيدَ أنمُلةٍ لوهلَة، ثمَّ استقرَّت عَلى كلبِه الَّذِي غادَر الماءَ بأمانٍ وراحَ ينفِضُ فروه مِن قَطراتِه بفوضَويَّة، وتنهَّد.
«ظننتُ أنَّ مكروهًا مَا أصابَ بريت».
ما كالَ لِي ولو مِثقالَ ذرَّة من التَّعاطُف، وذلِك حقَن الغيظَ فِي شَراييني. حاولتُ أن أكبِت اعتِراضِي، ولكنَّه تدفَّق بصَخب.
«عُذرًا؟ هُناك آدميٌّ عَلى الأرضِ يتوجَّع!»
صفَّ جُمودَه عَلى الهامِش، واقترَب مِن مَسقطِي عُنوَة، هطَلت نُدفه البارِدَة عَلى ثَرى وَجهِي النّديّ الَّذي اختَلط فيهِ المَاءُ مَع الدَّمع.
«هل يُمكنكِ الوُقوف؟»
حطَّ الحَياءُ بثِقله عَلى رأسِي، فَما اقتَدرتُ أن أرفعه، ورفَض جسَدِي الانصِياع للأوامِر الَّتِي أمليتُها عليهِ بُغيَة التنصُّل مِن نظَراتِه الحادَّة. ما لبِث وأن شخَّص عِلَّتِي، حيثُ استلَّ المِنشَفة مِن الكُرسيّ، ورَمَاها عَلى صَدرِي متلافيًا الانحِناء.
لففتُها حولَ كتِفيّ ثمَّ حاوَلتُ الوُقوفَ لكنَّ الألَم فِي كاحِلي مَنعنِي، اضطَجعتُ عَلى الأرضِ مِن جَديد، وبخُفوتٍ ناجَيته.
«أظنُّ أنِّي لوَيتُ قدَمي».
اعتَصمَ بجبروتِه عِندما انخَفضَ إلَى مُستواي، كأنَّه يخوضُ هاويةً سحيقة.
«هل أخبركِ أحدُهم مِن قبلُ أنَّك كارثةُ بشَريَّة؟»
لَا تهجُرني اللّغةُ غالبًا مَهما قسَت المَواقف، لطالَما صنَعتُ مِنها قارَب نجاةٍ مِن الهَزائِم، ولكنِّي مجرَّد عالةٍ عَليه، وما أزالُ أدَّخر رصيدًا من الاحتِرام، لستُ ناكرةً للجَميل كَي أجادِله فِي شؤونٍ مَحسومَة.
زلَّت أنفاسِي بالدَّهشةِ حينَما نشَبتُ فِي شبَكتينِ حاكَهُما لِي من ذِراعيه، تلقَّفنِي بسُهولَة، فتشبَّثت بعنقِه، ورمَقني كأنَّه يُحصِي أفضالَه عليّ. ما تخيَّلتُ يومًا أنِّي سأرضَى بالخُلودِ بينَ ذِراعيّ رجلٍ بطلعةٍ مَشبوهَة، خشيتُ أَن تُحرِّضه شياطِينُه عَليّ، لكنَّه غضَّ طرفَه عنِّي بشهامَة.
مشَى عَلى مَهل، ومَا اهتزَّت صلابَة مَلامِحه، فِي حينِ سهَوتُ إلَى الحُسنِ المُتشعِّب فِي تقاسيمِه، مَهما دنَّس الاستِنكارُ مَشاعِري نَحوه، لَا يُمكنِني أن أنكِر وسامتِه. كُلَّما قبَض عليَّ متلبِّسةً بالتّحديقِ، حَكم الخَجل عَلى بَصرِي بالنَّفي. عقِب رحلةٍ خيَّل لِي التوتُّر أنَّها دامَت لعُقودٍ أدركنَا غرفتِي أخيرًا، حيثُ وضَعنِي عَلى السَّرير، وقَد كانَ يستَطيعُ أن يهجرَني عِندَ العتبَة.
ضمَمتُ المِنشَفة إلَى صَدرِي مُحتميةً مِن سِهامِه الَّتِي اختَرقت ملامِحي، وهتَكت لمساتُه عَلى خدِّي بزفيرِي، كانَ يمسحُ الدُّموعَ الَّتي تشوبُه غافلًا عَن رعشةٍ أشعَل فتيلَها بداخِلي فانفَجرت دقَّاتِي.
«الفَتيات الباكِيات مُزعجاتٌ حقًّا».
ما كِدت أتفوَّه بكلمةٍ حتَّى انصَرف، وعادَ بعدَ لحظاتٍ ممسكًا بحزمَة ثيابٍ فِي يده اليُمنَى، أنزلَها فِي حجرِي.
«ليسَ بحوزَتِي حتَّى أبسطُ الإمكانيَّات لأصمِّم لك حمَّالات صَدر، لا خُيوط ولا إِبر».
دعكتُ شفتيّ ببعضِهما البَعض مُحبطَة مِن وضعِي الحاليّ، لا غِنًى عَن حمَّالات الصَّدر، مِن غير المُريح التجوُّل بنَهدين مُتأرجِحين لَا يكِنَّان!
سقطَ من غُصنه الأيسرِ عَلى فخذِي شيءٌ ما، رفرفَ جناحَاي نحوَه فأدركتُ أنَّه بكرةُ ضمادات. صوَّبت عدَستيّ نحوَه باستغرابٍ لم يتَوان فِي مُداواته.
«يُمكِنك استِخدامُ هذِه الضِّمادات إن شعرتِ بعدمِ الارتِياح».
اعتلَت البسمةُ فمِي الَّذي بجَّله.
«أنتَ عبقريّ».
انقضَى الأسبوعُ الأوَّل بسَلام، بدأتُ أتأقلمُ بالعَيش مَع جونغكوك وبريت، لكنَّ الافتِراق عَن والِدي مَا يزالُ كالغصَّة في صَدرِي، تحرِمُني مِن هضمِ الهَناء، أخافُ عَليه كثيرًا من تبِعات القَلق، فهُو لا يدرِي أنِّي بخَير، وكلَّما زارَ فِكري ودَّعتُه بدمعةٍ وأنين. كانَ حَديثي مَع الرَّجلِ القُطبيّ مُقتضبًا، يحرِصُ أن يلحَده قبلَ أن يبلغَ فِي الودِّ أشُدَّه، لذلك أهدرتُ مُعظَم وَقتي عَلى مُشاهدةِ الأفلام، هُو يمتلِك العَديد مِن الأشرِطَة فِي مكتبةٍ يُفترضُ أَن تضمَّ رفوفُها الكُتب!
إنَّه يوم الاثنين، بدايةُ أسبوعٍ حافلٍ للبَعض، ولكنَّه يشبِه أيَّامِي المُنصرِمَة، والمَلل هُو القَاسِم المُشتَركُ بينَها. عقربُ السَّاعةِ يوشكُ أن يلسَع مُنتصَف اللَّيل، وما استَطعتُ إخضاعَ النَّوم لي، تقلَّبت وتقلَّبت، ثمَّ قرَّرتُ النُّزولَ إلى غُرفَة الجلوس.
عَلى الأريكَة تربَّع جونعكوك فِي سَرابيلَ بسيطَة، أضفَى عَليها مَظهرُه العَريقُ مسحةً مِن الأناقَة، بنطلونٌ قطنيٌّ أسود وقمصٌ رماديّ، بَدا مُتناسقًا مَع كلبِه الغافِي عِندَ قَدميه، ليسَ بحاجةٍ إلَى المُبالَغةِ ليبرُز، كانَت فُرصَتي للاستِئناسِ بوجودِه.
انسَقت نحوَه كفراشةٍ حَمقاء تُحلِّق نحوَ النَّار، ولَن تبرحَنا عَلى ذاتِ الهيئَة، فإنَّ ألسِنة السِّنة الَّتي يرسِلها عليَّ تنالُ مِن عقلِي أحيانًا، ويتناثرُ رفاتِي فِي مُحيطَيه، لا أدرِي متَى أو كيفَ كسبَ ثقتِي لأستبيحَ الاستِفرادَ به، دونَ أن أخافَ عَلى نفسِي ممَّا يُمكن له أن يفعلَه بي، قَد يقتلُني ولَن يعلمَ أحدٌ أنَّ المنزلَ كانَ مسرحَ جريمَة.
نفضتُ تلكَ الأفكارَ السَّوداء من رأسِي وجلَستُ بجانِبه مشيرةً إلَى قنِّينَة النَّبيذ الخاوِية على المنضدَة.
«القنينةُ فارغة، إنَّها إشارةٌ لَنا مِن القَدير حتَّى نلعبَ الحقيقَة والجُرأة».
انفَجرت السُّخريَة بينَ شفَتيه القَانيتين، كأنَّهما اقتبسَتا لونَ الشَّراب قبلَ نفيِه إلى حلقِه.
«وهل أمامِي خيارٌ آخر؟ لَو رفضتُ فسوفَ تستخدِمين دموعَك لتهديدِي، أولَيس؟»
رمشتُ بِبراءَة، فما قالَه صَحيح.
كانَت المدفأةُ الحجريَّة الَّتي أُعدِم فيهَا الحَطبُ حرقًا تمدُّ الغُرفة بالحَرارة كذَا الإنارَة، لَم يشغِّل المصباحَ الكَهربائيّ، ولَم أعترِض عَلى الأجواء، إذ نهبَت إعجابِي. تهلَّلت أساريرِي وعقدتُ أناملِي معًا سعيدةً بمُوافقتِه.
«حسنًا، أظنُّ أنَّك مطَّلعٌ عَلى القوانين، لَا يحقُّ لكَ اختيارُ الحَقيقة أو الجُرأة لثلاثِ أدوارٍ مُتواليَة، مرَّتين كأقصَى حدّ».
أومَأ دلالةً عَلى العِلم، ثمَّ سحبَ جيوشَه من مَيدانِي بتخاذُل، كانت سيوفُ جَفنيه تُحاربُ الوَسن الَّذي يكادُ يوقعُ به، ندوبُه جليَّةٌ عَلى محيَّاه، تزيدُه رونقًا.
حمحمتُ بارتِباكٍ لأنِّي أسرفتُ في معاقَرته مِن دونِ سبَب، وأضَفت بجديَّة.
«أمَّا العقاب، فكلَّما رفضت الامتِثال ستَطبخ لي وجبتِي المُفضَّلة ليَوم».
«وإن رفَضتِ الامتِثال فسوفَ تنامينَ بِلا عشاءٍ لليلَة».
أتَى هجومُه المضادُّ سريعًا، وألجَم لِساني الَّذي لم يذُق الغلبَة في مُصارعَة الكلمَات. أي أنِّي سأستَغني عَن وجبةِ العشاء كلَّما رفَضتُ لَه سُؤالًا!
نظرتُ جانبًا وتمتَمت.
«اللَّعنة، ما كانَ عليَّ العبثُ فِي موضوعِ الطَّعام».
تدارَكتُ تحفُّظاتِي، وملتُ نحوَ المائدَة ثمَّ أدرتُ القنِّينَة الرَّفيعَة، بعدَ بضعةِ لفَّاتٍ رسَت وفوهتُها تشيرُ إليه، فنضَح السُّرور بينَ كُثباني.
«حقيقَة أم جُرأة؟»
تمنَّيت لَو ينتَخب الحقيقَة، فالسُّؤال الَّذي أريدُ معرفَة جوابِه جاهزٌ منذُ أمَد، قبلَ أن أقترِح اللُّعبَة حتَّى، أعتقِد أنَّه استَطاع تخمينَه لذلِك راوَغ.
«جرأة».
التوَى شدقُه بانتِصار، في حينِ أطلقتُ ضِحكةً شرِّيرةً أبادَت جميعَ آماله، أكرهُ أن أكونَ قاتلةً للمُتعَة ولكنَّه أرغَمني.
«قبِّل أصابِع قدمِك».
زمَّ شفتيه بغَيظ، وانحازَ إلى صفِّ هيبتَه عَلى حسابِ إذلالِي، وهَا قَد ربِحتُ يومًا مليئًا بوَجباتِي المُفضَّلة. لففتُ القارورَة من جَديد وهذهِ المرَّة سلَّطت البَلاء عليّ.
«حقيقَة».
اختَنقتُ بدخانِ الحَماسِ قبلَ أن تلسَعني الأفعَى الَّتِي تقطُن جُحرَه، ظننتُ أنَّه سَيطرحُ عليَّ سؤالًا خطيرًا، صُدمت.
«اسمُك».
ما هِي إلَّا ثوانٍ مِن الصَّمت، حتَّى قهقهتُ بصوتٍ عالٍ، نسيتُ أن أعرِّفه عَن نفسِي، ذلِك يحدث معِي كثيرًا، أعقِد صَداقاتٍ مَع الأشخاص دونَ تبادُلِ الأسماء، إلَى أن تُجبِرنا الظُّروف.
«لاريسا، تشرَّفت بمعرِفتك».
بسطتُ ذِراعي نحوَه قصدَ مُصافحتِه، غيرَ أنَّ مقلتَاه قذفَتاني بالاستِهجان، وبخَل عليَّ بيدِه. لَستُ المرأًة الَّتي تتخلَّى عَن رغباتِها، مَهما استفحَلت المَخاطِر، لذلِك انتشلتُها مِن موضعِها عَلى حِجره، وهزَزتُها.
حينَما قابلَ مصيرَه ثانيةً رضخَ لرجائِي الَّذي ظلَّ سجينًا فِي خُلدي، وبتململٍ قال:
«حقيقَة».
فرَكتُ كفيَّ كساحِرةٍ شَمطاء واستَفهمت:
«مَن طلَّق مَن؟ أنتَ أم زوجتُك؟ سأموتُ إن لم أعلَم!»
التَحفت حدقتاهُ وِشاحيهِما، قبلَ أن يُجيبَ مدَّعيًا اللَّامُبالاة.
«هِي مَن طلبَت الطَّلاق أوَّلًا».
صرفتُ انتباهِي عَنه مؤقَّتًا، وأفسَدت استِقرار القنِّينَة، الَّتي بدَت كالدوَّامة وسطَ الطَّاولة. خانَ الحظُّ السيِّد مُجدَّدًا، ولا أصدِّق أنَّه حالفَني رغمَ أنِّي ما كُنت يومًا جارِيته المُفضَّلة.
«لمَاذا؟»
نتَأت دُملة الغَضب بينَ حاجِبيه لأنِّي واصَلت نبشَ ماضِيه، وستَكون الخسارةُ مُهينةً بحقِّه، ليسَ من السَّهل عَلى طاغيةٍ مِثله أن يخدِم شخصًا تربَّص بجبَروتِه. سُرعانَ ما هسهَس.
«لأنَّ إدمانِي عَلى العَمل جعَلني أهمل علاقتَنا حتَّى بَليَت».
أدركتُ متأخِّرةً أنِّي نكأتُ جرحًا قديمًا ما تماثَل للشِّفاء بَعد، وقد انتَقم منِّي القدرُ إذ خضتُ دورَين متواليينِ كعقابٍ في الأوَّل اخترتُ الحقيقَة.
«أتظنِّينَ أنِّي شخصٌ لَا يُطاق؟»
«لا تيأس، فأنتَ شخصٌ مُحترَم».
وفي الثَّاني اصطَفيتُ الجُرأة، مُذعنةً للقَاعدَة الَّتي تنصُّ عَلى كسرِ السِّلسِلة فِي الدَّور الثَّالث، حيثُ سنَا المكرُ فِي عينيّ جونغكوك.
«قبِّليني».
سقطَ فكِّي السُّفليّ لهولِ الدَّهشة، وفشلت عضلةُ لِساني فِي قهرِها.
«أسحبُ ما قلتُه، لستَ مُحترمًا».
رفعَ حاجبَه يسألُني ما إذا كُنت متأكِّدة، وقلَّدته ظنًّا أنَّه يثأرُ منِّي مزَحتِي السَّالِفة، إِذ مَنحته طلبًا سخيفًا فِي البِداية، حينَما استَعاذ مِن تطفُّلي بالجُرأَة.
مَا وَعيتُ أنِّي قَد خُضت تحدِّيًا لَا أكتنزُ أدنَى فرصةٍ لكسبِه، حتَّى انتهَك مساحَتي الشَّخصيَّة ببَطشٍ، أنَا العَزلاءُ فِي وغًى اندلَع مِن شرارةٍ كُنت مَن أطلقتُها. غازَل بَنانُه ثَغري، قبلَ أن يدنُو نصلَه مِنِّي، وفِي مهبِّ الوَجل مكَثتُ بلا حَولٍ ولا قوَّة أُناجِي الرَّأفَة فِي مَغارَتيه اللَّتين انطَفأت جميعُ قنَاديلهما.
ما الَّذي يَرمي إليهِ يا تُرى؟
هلاوز خفافيشي كامي ما تأخّر 😍
أحس هذا أحلى فصل بالرواية موضوع الحقيقة والجرأة كان ممتع اللّعبة دي ما تنملّ 😂😂 الله يدوّم حماسي وحماسكم 😭😭
القدير 😂😂😂 البنت فيها عرق هندي 😹😹 يلا كويس ما صار في برق ورعد 😹🔥
جونغكوك لطيف بطريقة باردة وقاسية وحقيرة ونذلة مدري كيف أوصفوا 🙈
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
جونغكوك!
لاريسا!
توقّعاتكم للجاي!
دمتم في رعايَة اللّه وحفظِه ❄
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro