الدَّرس الأوَّل| ١٣
ستَذبل ورودُ العُمر، مَهما ترفَّق بِها الزَّمن، وسَقاهَا مِن سَلسبيلَ لُطفِه.
ستذبُل سواءٌ اقتَطفها الشَّجنُ مِن غُصونِها، أو سمَح لَها بالحِفاظِ عَلى عِزَّتها، تَضمرُ رُويدًا رويدا بصَمتٍ طَبيعيّ، فتِلك سُنَّة الحَياة. أمَّا لَو كتبَ عليها السُّقوط، فقَد اختَزل مجالَها، وقرَّبها مِن الأجلِ بخُطوَة. الفرقُ بينَ وردةٍ لا تزالُ تُقيمُ في دارِها، وبينَ وردةٍ هُجِّرت قسرًا إلَى مِزهريَّة ما للزِّينَة، حيثُ تنزِفُ عبيرًا فوَّاحًا، أنَّ الأخيرَة تموتُ قبلَ توأمِها، حتَّى وإن وُلِدا في الآنِ ذاتِه!
كذلِك الأفئِدةُ الَّتي تقتلِعها الأهواءُ مِن منبتِها، حينَما تهبُّ مِن مشرِق الصَّبا، ثمَّ تُقيِّدها فِي مِزهريَّة الحُبّ، فتَشيبُ بتلاتُها الصَّهباءُ كالشَّغف، وتفترِش قعرَ الفَناء بهُدوء.
رُسومُ الحبِّ باهِظَة، رغمَ أنَّه لا يستحِقُّ التَّضحيَة بثانِيَة، لذلِك أضربتُ عَنه، وَلو فرِغت جيوبُ صمودِي فِي مجاعَة الأَهواء، أقسَمتُ أن لا أمُدَّ يَدِي لَه، وأتسوَّل لحظاتٍ دافِئَة، لن تلبِث وأن تُحرِقنِي حيَّة، فقَانون الكَرامَة لَا يحمِي الحَمقى. مَن اعتادَ الجَفاء، لن يَشتاقَ الرَّخاءَ يومَ ينطلِقُ في رحلةٍ مَجهولَة الأمَد، ويترُك القَلب الَّذِي ألِفه بلا مَدد، عُرضةً للوحشَة.
فقَدتُ شهيَّتِي للعِشق، إذ سمَّمني كأنَّه سقَم، وما شفانِي الوَقت رغمَ أنِّي صغيرَة عَلى السَّأم، الآثارُ الجانِبيَّة لعقَّار الصَّبر تُلازِمني كظلِّي.
أيقَنتُ أنِّي بحاجةٍ لمُساعَدة خَبير، بدَل الاكتِفاء بوَصفاتِ الكرامةِ البُدائيَّة، وتَطبيقِ حِميةٍ عاطِفيَّة صارِمَة، جعَلت ثِقتي هزيلَة، تكادُ تنكسِر. بَل ومِن الذُلِّ أن أهرُب مِن حربِ المَشاعِر لأنَّ ذلِك الوَغد جرَحني، وترَك بيادِقه بداخِلي يومَ طرَدتُه منِّي.
أريدُ أن أكونَ الآمِرة النَّاهِيَة لنَفسي، وألَّا أسمَح لأيٍّ كانَ بالتَّأثيرِ عَلى قَراراتِي، أريدُ التحرُّر مِن سِجن الماضِي، حتَّى وإن أعدَّ لِي الحاضِر كمينًا آخر، ولفَّق لِي تُهمَة الخُذلان ليأسِرني مِن جَديد. أبسطُ طريقةٍ للانتِقام هِي النِّسيان، والتعرِّي مِن جَميع الذِّكرياتِ السَّوداء لاختِتام حلقَة العَزاء.
ربَّما أسأتُ الاختِيار، فإنَّ حُدودَ هَذا الرَّجلِ تَصرخ خطرًا، تُنذرُ كلَّ مَن بلَغ قُربًا فاحِشًا مِنه أنَّ العِقابَ فيه، هُو مسارٌ مَختومٌ بالهَلاك. رنَوتُ إلَى بُحيرته الزَّرقاوَين، وإلَى الزَّنبقةِ الخَضراءِ الَّتِي تسبَح فِي إحداهُما، أخالُ حينَما أقفِزُ عَليها أنَّها ستحمِلُ وزنَ افتِتانِي، فأجِدُني أغرقُ إلَى القاع، وخُصلاتُه الَّتِي تُعانِق مُحيَّاه كما تُعانِق الرِّمالُ النَّاعمة شاطِئًا، تُشوِّق الأنامل للاستِلقاء عَليها.
الطَّقس بالخارِج عاصِف، شأنَ صَدرِي مُنذ أن بُحت لَه بطَلبي، لم يتحسَّن عَن يومِ مجيئي ولو بمِثقال ذرَّة، أكوامٌ مِن الثُّلوج مُستندةٌ عَلى الحائِط الزُّجاجيّ، تحجُب عنَّا رُؤيَة ما يقبَعُ خَلفه، إذ سلبته شفافيَّته، وفرضَت عليه بياضَها.
لم تدُم عهدَة السُّكون طويلًا، فقَد أسقطَه بسؤالٍ سويًّا ونظَراتي الَّتي انشقَّت عنِّي دونَ إذنِي، واشتَبكت مَع فُرسانِه المُلثَّمينَ باللُّبس.
«لماذا تُريدينَ التخلُّص مِن عقدتِك الآن؟»
كانَ هُوَّة عميقَة يغمُرها الظَّلام مُتستِّرًا عَن قاعِها، أو المَدى بينَه وبينَ الحافَّة الَّتِي تعثَّرتُ بِها في لحظَة غفلَة، كذلِك ما وسِعني التوصُّل إلَى رأيِه، فوضَّحت بينَما أفرِك أصابِعي.
«لم يعترِف ديميتري يومًا بعِلَّتي، رغمَ أنَّه احتَرم رَفضِي لأيِّ تماسٍّ بينَنا، وشابٌّ مَغرور مِثله مِن السَّهل توقُّع أفكارِه، كانَ يعتقِد بأنِّي ألعبُ دورَ فتاةٍ صعبَة المَنال».
لَم أُجِد قطُّ التَّوازُن عَلى حِبالِ؛ كثيرًا ما كُنت أقعُ عَلى شاشةِ التِّلفاز، فِي حينِ حدَّق بي جونغكوك بثَبات، كُلَّما سلَك بصَري إحدَى شُعبِه اختلَّت حُروفِي.
«وإن عزَلتُ نَفسِي عَن الرُّومانسيَّة، فسوفَ يقتنِع بأنَّ انفِصالَنا كسَرني، ويعتبِر حالَتي مجدًا ذكوريّا آخر، لذلِك أريد أن أعيشَ حياةً طبيعيَّة كأيِّ مُراهقَة، وأن أحظَى بعلاقةً لَا تُعيقُها نُدوبِي مِن أجلِي بالدَّرجة الأولَى، ولأجرِّده من وِسام الوَهم الَّذي قلَّده لنفسه».
أشاحَ بوجهِه عنِّي واقتَطع فاصِلًا مِن التَّفكير، لَم يُطاوِعني الصَّبرُ عَلى انتِظار خاتِمته، أرَدتُ أن أعرِف رأيَه عَلى الفَور، فصَفعت ركبتَه بكفِّي بعَفويَّة.
«كما أنَّ رصيدَ وقتِك عالٍ، فلتُسخِّره في فِعل الخَير».
نظرَ إليَّ ببرودٍ يُشبِهه، وما أنبَت وجهُه البَورُ أيَّ لمحةٍ عمَّا يجولُ فِي رأسِه.
«وما المَطلوبُ منِّي؟»
تأسَّن حماسِي عَلى إثرِ الخَجل الَّذِي اختَلط بقَلبي، إذ تذكَّرت اشتِباكَنا فِي المَسبح، وما اختلَج بجوفِي آنذاك، شعُورٌ مُنافٍ للنُّفورِ تمامًا، أوهَمنِي أنَّه قادرٌ عَلى مُعالَجتي. طأطَأت رأسي بإحراج، حينَما طفَّ بعضَ الشَّيء نطَقت:
«أن تُهوِّن عليّ الاقتِراب مِن رجل دونَ أن يلسَعني الاشمِئزاز».
«بوِسعي تحويلك إلَى مومسٍ تقتات عَلى اللَّمسات فِي غُضون يوَمين، ولكِن من يضمنُ لِي أنَّك لَن تتَّهميني بالتحرُّش لاحِقًا؟»
أجبَرتني وقاحَتُه الملقَّمةُ بالاستِهزاء عَلى النَّظر إلَيه، فأردَى الشَّجاعَة الَّتي تسلَّحت بها بُغيَة الردِّ على الجُزء المُرتبِط بالمومِس. حينَ لم أعثُر عَلى كلماتٍ تخدِم ثورَتي، قلَبت عينيَّ باستِياء.
«انسَ ما قُلته».
اعتَلى الاستِنكارُ مَنابِره، وأفشَى عَن مدَى استِيائِه مِن انسِحابِي، لكنِّي ما عبِئتُ لأمرِه، بَل فككت عقدةَ قدميَّ وطرَحتُ جسَدِي عَلى الأريكَة من جَديد، استَلقيتُ عَلى جَنبِي الأيمَن، ثمَّ اجتَررتُ الغِطاءَ إلَى مُنتصَف معِدتي، بنِيَّة استِئنافَ المُشاهَدة. أمسَكتُ بجهازِ التحكُّم، وضغَطتُ عَلى زرِّ التَّرجِيع، حتَّى أُلملِم اللَّقطاتِ الَّتي فوتُّها مِن حفلِ زفافِه.
اختَطفني الشُّرود، إذ اقتَفيتُ الابتِسامةِ الشَّاذَّة الَّتِي كانَت تُزيِّن شَفتيه عَلى الشَّاشَة، بينَما يتأمَّل شريكَة حياتِه، أمواجُ الحبِّ في عَينيه عاتِيَة، وأعجَبُ كيفَ هَمدت بمُرورِ الزَّمن، أو ربَّما كفَّت رِياحُها عَن مُغازلتِها!
شعَرتُ بِه يقِف، ولم أتكبَّد عناءَ النَّظرِ إليه بعدَ أن أحرجَنِي بتِلك الطَّريقَة المُنحرفَة، شُدِهت حينَما قبضَ عَلى ساقيّ، ثمَّ رفعهُما وجلسَ مكانَهُما يحتجِزُهما فِي حِجره. غصّ حلقي بشهقة، اندلَعت من أعماقٍ صدمَتي، قبلَ أن أنصِب ظَهري بمعونَة كفيّ اللَّتين ضغطتُهما بالأريكَة، وخرَج صوتِي مُتقهقرًا.
«ما الَّذي تفعلُه؟»
مناعتُه ضِدَّ الانفِعالات تُبهِرني، كلَّما وُضِعت في مُواجهةٍ معَه، كأنَّه ليسَ إنسانًا، بل كائنٌ منزَّه من جَميع الهفواتِ الَّتي يُحتمِل أن يُسقِط فيها تعبيرًا، فها هُو ذَا يُعانقُ ساقيّ المُتصلِّبتين بارتِياح.
«أُباشِر الدُّروسَ النَّظريَّة للفُنون السَّريريّة، أولَم تطلُبي أن أمدَّ لكِ يد العَون؟»
استفزَّني جُموده فكشَّرت بغَيظ، وحاوَلتُ أن أنتزِع جُذورِي مِن أرضِه.
«طلَبت العَون، ليسَ يدَك على جسَدي».
نزَح طرَفُ فمِه بأنمُلة عَن مُستقرِّه، مُمتثِلًا لأمرِ المَكر، وخاطَبنِي بلهجةٍ مُتهكِّمَة لَم تُراعِ أعصابِي المُتورِّمَة لفرطِ التوتُّر.
«كلُّ هذا الاستِنكار وأنا ما أزالُ فِي القَاع، ماذا لَو تمادَيت؟»
احتَجت إلَى بِضع ثوانٍ لأستَوعِب المَغزَى مِن وراءِ كلامِه، فاستَعر الخَجلُ فِي وَجنتيَّ واستَعارَ مِشعَلاي مِنه شَرارات غضَبٍ واهِية، لوَّحت بِها فِي وَجهِه.
«كُفّ عَن تدنيسِ أفكارِي البَريئَة بإيحاءاتِك القَذرة، وتحدَّث مَعِي باحتِرام».
ابتَسم بسُخريَة، وخالَف البَند الَّذِي تلَوتُه عَليه للتوّ، إذ سوَّلَ لأنامِله التنزُّه علَى ساقِي، كأنَّما يسيرُ عَلى شِغافِي وينثُر دقَّاتِي بحَوافِر سطوتِه كالغُبار. سُرعانَ ما نفَضتُ السَّهوَ عَن نَفسِي، وحارَبتُ لاستعادَة أسرايَ من قُضبانِه، حيثُ حرَّكت ساقيّ باهتِياج، لعلِّي افلح في كسرِ قُيودِه بينما ما ازال مرتكزةً على يديّ.
«دَعنِي وشأنِي، غيَّرت رأيِي، لا أريدُ أن أتعلَّم مِنك».
حينَما اشتدَّت هزَّاتي، أيقن أنَّ سياسَة التَّجاهل لن تدرَّ عليه نفعًا، فراحَ يُدغدغ قدميّ، لطالما كانَتا نُقطَة ضعفِي، لو قُصفتا انهارَ كامِل بنياني، عكسَ معدَتي أو إبِطيّ، لا تتسلل إليّ منهُما أيُّ رغبةٍ فِي الضَّحك. قهقهتُ بصوتٍ صاخِب لَم يسَعه ثغري فانفَرج، وانطبقَ جفنايَ على بعضِهما البَعض، وما لبِث ظَهري وأَن تهَاوى فوقَ الأريكَة.
رغمَ النَّوبة الَّتي سبَّبت لي الاختِناق نهَرته.
«ليس من الشَّهامة اللُّجوء إلَى الأسَاليب المُلتويَة للإِخضَاع، توقَّف».
بينَ كُثباني ضحكاتِي انبلَج صوتُه الوقور.
«اصمُتِي إذًا، وركِّزي عَلى التِّلفاز».
ظلَّ يدقُّ أوتارَ أديمِي برِقَّة، ويسرِق النَّغماتِ مِن فمِي، وقد التمستُ في ردِّه تهديدًا صريحًا، فما كانَ بيدي سِوى رفع الرَّاية البَيضاء، وضربَ الأريكَة باستِسلام.
«حسنًا لقد فُزت».
حدسِي نبَّأنِي أنِّي وقَّعتُ عقدًا مَع هَلاكِي، حينَما رضَختُ لَه، دونَ شرطٍ يَضمنُ سلامَتِي العاطِفيَّة، ما تفتَأ بصَماتُه القديمَة مَحفوظةً فِي ذاكِرتي كعِبرة، أنا الَّتِي لَم تعتبِر مِن التَّجربَة الأولَى، فأعَدتُ الكرَّة. المُشكلَة لا تَكمُن فِي عِلَّتِي، بَل فِي نفوذِ لمَساتِه عَلى جسَدِي، تجعلُه عبدًا مأمورًا لَه، يبيعُ كيانِي فِي مزادِ المَجهول.
كفَّ عَن دغدغَتي أخيرًا، ونقلَ إحدَى يدَيه فوقَ كَعبي برويَّة، قبلَ أن يُطلِق لَها العِنان لتَعبرَ جِسري، عَلى مسافةٍ نِسبيَّة من رُكبَتي كانَت ترتدُّ إلى نُقطَة البٍداية ثمَّ تعودُ من جديد بذاتِ الوتيرَة البَطيئَة.
داهَمني خُمولٌ جَليل، بينَما يُهدهِد عَلى ساقِي برِفق، لحُسنِ الحظِّ أنِّي أواجِه التِّلفاز، مُفرجةً عَن توتُّرِي للدِّثار. هطلَ عليَّ كالمَطر، احتشَد فِي سَطحِي، ورطَّب أغوارِي، إذ تسرَّب إلَى قعرِي خِلسةً كالنَّدى، كانَ وقعُه غريبًا عَليّ، أختبرُه للمرَّة الأولَى!
«أخبِريني عَن أصلِ مُشكلتِك مَع الحَفلاتِ الغَريزيَّة، وِفقًا لِما حصَدتُه مِن أحاديثِك فلا علاقَة لخليلِك بذلِك!»
خاطَبني بنبرةٍ أليفَة، كأنَّه أحسَّ بحاجَتي إلَى إلهَاء، ورغمَ رغبَتي في تَجنُّبِ المَاضِي الألِيم، خالَفني لِساني فاجتاحَ الهمُّ ملامِحي.
«حينَما كُنت صغيرَة، أبصَرتُ خِيانَة والدتِي لأبِي عَلى سريرِهما بعينيّ، الحادِثَة شوَّهت نَظرتِي للعَلاقاتِ الجِنسيَّة، وباتَت مُدنَّسة».
همهمَ بتفهُّم، ولَم ينبِش مواجِعي عن تفاصِيل أُخرَى، كُنت ممتنَّة لَه، ومُنتشِيةً بجُرعاتِه المُسكرَة، حتَّى شقَّ الخَطرُ جِبالَ المَشاعِر الَّتِي تُهت بينَها، ونبَّهني أنَّ ما يحصُل الآن غيرُ لائِق، أو عَلى الأقلِّ مِن ناحِيتي، فلمساتُه سِهامٌ لَم تتدخَّل نسَماتُ الانحِلال فِي مسارِها، ما انفكَّ يُصيبُ أهدافَه بمَهارَة، لَه تخِرُّ جَميعُ العُقدِ سُجَّدًا.
تكاثَف الضِّيقُ فِي صَدرِي، ونفَّستُ عَنه فِي تَنهيدَة ساخِنة، أوشَكت أن تشتعِل كآهَة. حينَذاكَ أدرَكتُ أنِّي بحاجةٍ إلَى وضعِ حدٍّ لغزوتِه الَّتِي تفتِك بأنفاسِي، فأغَثتُ ساقيَّ مِن بطشِه بيُسر، لأنَّه كان شارِد الذِّهن، قائِلة:
«هذا يَكفِي لليَوم».
أردَتُ أن أصفَع فمِي، إذ ترَكتُ المَجالَ مَفتوحًا لجَلسةٍ أُخرَى، ولَا يُمكِنني استِردادِ عَرضِي. التَزمتُ الصَّمت، وطالَعت الشَّاشة بإمعَان، كأنَّها تؤطِّر أندَر مَنظرٍ عَلى وجهِ الأرض، تفادِيًا لأيِّ اصطِدامٍ بصَريّ مَعه. كُنت مُنهمكةً فِي مُطاردَة الأحاسيسِ الّتِي ارتَادَت رفوفَه، بينَما يتصفَّحُ سُطورِي النَّاعِمَة، هَل وَجد فِي مَضمونِي نَشوةً عزَلت رُشدَه عَن الوَاقع ولَو لثانِيَة، كَما حَدث مَعي؟
تريَّثتُ لدَقائِق عصيبَة، قبلَ أن أستأذِن للذَّهابِ إلَى غُرفَتِي بحُجَّة النُّعاس، تحتَّم عليَّ الانتِظارُ عِندَ حُدودِه رغمَ حرارَة الذِّكرَى، كَي لا يشكَّ بأمرِي. تنفَّستُ الصُّعداء، حالَما غادَرت مدارِه قِطعةً واحِدة، وأمامَ الدَّرجِ توقَّفت وركَنتُ كفِّي إلَى صَدرِي أنظِّم الفَوضى الَّتِي شابَته.
أفزَعنِي الصَّمتُ الَّذي طغَى عَلى غُرفة الجُلوس فَجأة، أي أنَّه أطفأ التِّلفاز، ولَن يمضِي وقتٌ طَويلٌ حتَّى يُطلَّ عليّ. هرَعتُ إلَى حُجرتِي عَلى رُؤوسِ أصابِعي، حريصةً عَلى عدمِ إصدارِ أيِّ ضَوضاء. أوصَدتُ البابَ خَلفِي، واتَّكأتُ عَليه باطمِئنانٍ لبُرهَة، لا أُصدِّق أنِّي هرَبتُ مِنه!
سِرتُ بتؤدةٍ صوبَ السَّرير، ثمَّ قذَفتُ جُثمانِي عَليه فارتَطم خدِّي بالمُلاءَة، وما تزَحزَحت عَن موضِعي، ولَو بقيدِ أنمُلة. عَقلِي يتآكَل لفرطِ التَّفكيرِ فِي المنحَى الَّذي سلكناه، كُنت مُحبطةً مِن مُحاوَلاتِي الفاشِلة لفكِّ الرُّموزِ الَّتِي دوَّنَها بداخِلي، واللُّغَة الَّتِي وَشوشَ بِها لحَواسِي، فامتَثلت. بقيتُ عَلى ذلِك الحالِ حتَّى غرِقتُ فِي نومٍ عميق، وقَد خِلتُ أنَّ السُّهادَ سيُطالِب بِي اللَّيلَة!
أقبَل الصُّبح وفِي متاعِه مخاوِف أخرَى لا تمتُّ للبِشر بصِلَة، فرَزتُها بينَما أحدِّق بالسَّقف دونِي، لا أدرِي كيفَ سأواجِهه بعدَ المَهزلَة الَّتِي افتَعلتها أنفاسِي، أيُعقَل أنَّه لاحَظ ما عاثَه بِي؟
هززتُ رأسِي بنفي، ثمَّ نزَلتُ إلَى المَطبخِ فِي قَميصٍ صُوفيّ أزرَق، لاشكَّ وأنَّه لَونُه المُفضَّل، فهُو يسكنُ الكثيرَ مِن ملابِسه. وقَفتُ أمامَ البار وخَلفِي بريت، صِرتُ قادِرةً عَلى قِراءَة رغَباتِه عَلى سَمائِه كُلَّما برَك بجانِبي، ومُذ أنَّ جونغكوك ينامُ حتَّى الظُّهر، حمَلت عَلى عاتِقي مَسؤوليَّة إطعامِه. أخرَجتُ عُلبَة السَّمك المُجفَّف مِن الرفِّ الأوَّل للوِحدَة، وسكَبت البَعضَ فِي صحنِه الفِضيّ، ثمَّ التفتُّ لخِدمَة نَفسِي، وإعداد مَشروب الشُّوكولاتَة.
أثناءَ الانتِظار، تسلَّيت بالجرَّة الزُّجاجيَّة الَّتي تكتنِف النوتيلّا، تناولتُها بلَهفة كما لَو أنَّها الخَلاص، فأنا محضُ فتاةٍ تَقليديَّة، لا تختلِف اهتِماماتُها عَن غيرِها. وبينَما أغمسُ ملعقةً مُمتلئةً أخرَى فِي فمِي، انتَهك جونغكوك خلوَتي دونَ أن تفضَحه خطواتُه، ومالَ بجِذعِه عَلى ظَهري، مُثبِّتًا يديه عَلى البارِ المَطبخ.
«كيفَ حالُكِ بعدَ عاصِفَة الأمس؟ لا تُخبِريني أنَّك لم تُلملِمي شتاتَك حتَّى الآن، فلشرودِك هذا تَفسيرٌ وَحيد، صغيرَتي».
تعمَّد أن يبرِي لفظَته الأخيرَة دونَ سِواها، ولكنِّي لَم أُدقِّق في حديثِه كثيرًا، فقَد هاجَم حلقِي سُعالٌ عَنيف، صرَفني عَن قُربه لمُدَّة، في تِلك الأثناء حطَطتُ عُلبة الشُّوكولاتَة عَلى البار، خِشية أن تخذُلها يداي. كانَ ضبابًا استَوطَنني، واستَمتعَ بمُشاهَدتي أُجاهِد من أجلِ الاتِّزان، ضبابٌ ذو قالبٍ رُجوليّ طبعَ حُضورَه فيّ.
تظاهَرتُ بعدَم الاكتِراث، ولكنِّي تلَعثمت.
«أعفِني مِن توقُّعاتِك الفذَّة سيِّد جيون، وأفسِح بعضَ المَسافَة بينَنا رجاءً».
ازدادَ قُربًا منِّي، رغمَ أنَّه لَم يُبقِ عَلى رُقعةٍ بينَنا ليسفِكها منذُ البِدايَة، دفئُه يتخلَّل ملابِسي كرِياح كَانون، وحَفيف أنفاسِه ينسابُ في أذُني كسيمفونيَّة موزونَة، ورائحَته تُخدِّرني، وكأنَّ كلَّ ذلِك لا يَكفي، همسَ في أُذني.
«لقَد قبِلت بمَشروعِ مُساعدتِك، ولَن تتخلَّصِي مِنِّي قبلَ عُقدتِك، أنا رجلٌ لا يعترِف بالتَّراجُع».
التَقط أحدَ الكُؤوس، واتَّخذه ذريعةً ليُبرِّر اعتداءَه عَلى حُدودِي، ثُمَّ رمقَني بجُموده المُعتاد.
«فلتَكونِي عمليَّة، لا تسمَحي للمَشاعِر بالتَّأثيرِ عَليك، لَن ينتشِلك أحدٌ مِن تيَّار الانجِذاب لَو جرفَك».
أشَرت إلى صَدري بتهكُّم.
«أنا أنجذِب؟ وإلَى مَن؟ إليكَ أنت؟ حينَما تنجَح فِي تقبيلِ عينَك!»
الابتِسامةُ الَّتِي امتَطت فمَه أرعَبتنِي، قالَ أنَّه لا يتراجَع ولَا أريدُ أن يعتبِرني مُنافسةً عليهِ الفَوزُ بها.
هلا بالخفافيش 😻
صحا عيدكم كل عام وأنتم بخير
مين يلي حلمت بجونغكوك من يومين 😂😂😂 كان جنتل مثل شخصيتو بالرواية بس مكان الاحداث بالبحر مش أعالي الجبال وبنص عاصفة 😂😂
بلشنا الحركات الخليعة تايك ايت ايزي على قلب البنت، دي اصلا كيف مستحملة لو أنا اغتصبو 🌚
صحيح الرواية ما تتجاوز 20 فصل هي بسيطة مش معقدة سواء الحبكة أو المشاعر، أصلا بنظرة يذوبها، ما بحب التمطيط بهذا النوع تحديدا 😂 اخاف يقلب تراجيديا مثل مريض نفسي خلينا هيك أحسن
شو رأيكم بالفصل!
السّرد صعب أو تمام!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
جونغكوك!
لاريسا!
توقّعاتكم للجاي!
الفصل بعد 400 كومنت
دمتم في رعاية اللّه وحِفظه 🌺
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro