Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

التقرير الصحفي!!

هلااا مع أول وانشوت 😍
بتوقع صاحبتو عرفت حالها من العنوان وبس مو 😉😉😉😉.

صديقتنا عندها _حسب معرفتي_ حب كبير لمهنة الإعلام والصحافة وقضية فلسطين، تعليقاتها بيفتحو النفس لتكتب 100 بارت، شخصيًا بحسها بتشفي غليلي في الأشرار زي الغوريلا بتاعي 😂😂😎.

زي ما لاحظتو أخذت وقت طويل، وهاد بيفسرو شي وحيد: 10.662 كلمة!!!

نبدأ 😌😌😌😌.

|||||||||||||||||||||||||||

عندما تحس أن فخامة الأمكنة تتحدى قدرة أبرع الشعراء وأمهر الأدباء على وصفها، فاعرف أنك في الدولة التي لا تُستَعمر...
سميت هكذا لأنها عاشت تجارب حربين كَوْنِيَّتَيْن متتاليتين قلبتا العالم رأسا على عقب وغَيّترا ملامح خريطة أوروبا وتلاعبتا بموازين العالم السياسية، دون أن يتم المساس بها.

تقدمْ قليلا بين قصورها التي تشهد على حقبة العصر الفيكتوري والوسيط حيث كانت مركز تسيير إمبراطورية مترامية الأطراف لم تنفك الشمس تغرب عنها، وستشعر بنوتات أنغام جورج فريدريك هاندل تداعب كيانك مستقبلةً إياك، وتلج عن طريق أذنيك إلى عمق روحك بعنفوانية...

هي المملكة المتحدة إذن.

أما إذا أردنا أن نختار لهذه الأمة قلبا نابضا، فلن نجد أفضل من إنجلترا؛ مركز إدارتها الأساسي...

بطلتنا كانت تتقدم بين شوارع بيرمينغهام العريقة إحدى أكبر المدن البريطانية، متجاهلة معالمها التي لطالما أخذت من وقتها لحظات لمعاينتها. شعرها البني الفاتح انسدل على كتفيها تلاعبه الرياح المعتادة بهذا المكان بينما تغطي قبعة إنجليزية راقية رأسها متناسقة مع لون معطفها وسروالها الأنيق.

توقفت عند أقرب كشك إيطالي لشراء قطعة بيتزا شهية. ثم أكملت طريقها محاولة تناولها على طريقة سكان ميلانو دون إسقاط تلك الأوراق التي بحوزتها. أوراق ذات أهمية بالغة، فقد شكلت فاصلا زمنيا عميقا في حياتها، وخلفت بقلبها هوة ستمضي فترة لتستطيع تجاوزها...
أوراق بهذه الأهمية لا يجب رميها ببساطة بالنسبة لها، بل الاحتفاظ بها حتى إحراقها ببطئ وببطئ شديد!

لاعبت جبنة الموتزاريلا اللذيذة بلسانها دون الإضرار بشكل شفتيها الورديتين المحترم وهي تستعيد ذكرياتها الأليمة مع هذه الأوراق الملعونة!

__________

{الحرية والعدل والمساواة...

شعاراتٌ لعديد من الدول العظمى بهذا العالم حاليا من بينها بريطانيا، لكن، وكما ذكرت، شعارات!

شعارات نجحت بلدان كفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها، في تطبيقها وتجسيدها حرفيا بين أبنائها. لكن ماذا عن أبناء الغير؟ ماذا عن هؤلاء الذين لا يعيشون تحت رايات هذه الأمم؟ هل تسهر تلك الحكومات على منحهم حقوقهم عبر المنظمات الدولية أم أنها تتجاهلهم؟ وتنهج بدل ذلك سياسة الكيل بمكيالين في شؤونها الخارجية؟

كي نعرف إجابة هذا السؤال، علينا ببساطة أن نسأل أنفسنا كمواطنين من بيرمنغهام، هل نقبل سياسة الدولة داخل الدولة؟ هل من المعقول أن يتم تفتيشنا من قبل الأمريكيين مثلا بصغيرنا وكبيرنا لو أردنا الذهاب من إنجلترا إلى اسكتلاندا؟ أم فقط من مدينتنا إلى لندن أو مانشستر أو ليفربول؟
ستجيبون أكيد: هذا غير منطقي ولا يمكن قبوله في القرن الواحد والعشرين!
فأرد عليكم: هذا بالضبط ما يحصل في فلسطين!}

إلى الآن؛ 70 ألف مشاهدة...

{وماذا لو أخبرتكم أن إحدى مدننا، لنأخذ أوكسفورد مثالا، مقطوعة عن كل العالم الخارجي وحتى عن باقي بريطانيا! محكوم عليها بالبقاء داخل قفص بكهرباء منقطعة طوال الوقت ودون إمكانية تخفيف كثافتها السكانية؟
ستعلقون: هذا وحشي وغير ممكن!
لأقول أنا: هذه حالة غزة بفلسطين!}

150 ألف مشاهدة...

{ودعني أتابع بأن كل مواطني دولتنا الافتراضية لا ينالون حقوقهم في التعليم والسكن بشكل جيد، فهم مظطرون لأن يسكنوا مع مستعمريهم لو أرادوا ذلك!}

مليون مشاهدة...

{وإن طالب الأكثرية بحقوقهم يتم اعتقالهم وتعذيبهم في السجون على طريقة القرون الوسطى، ومحاكمتهم بشكل لا يمت للعدالة بصلة...}

5 ملايين...

{و..--}

ينقطع البث!!!

"ماذا!!" صرخت بغير تصديق تلك الجالسة فوق كنبة كبيرة تشاهد التلفاز بينما ترمي بلقمات همبرغر إلى معدتها...

"كيف يعقل بهم ألا يعرضوا تقريرك كاملا تالين؟" سألتها فتاة ذات شعر بني يميل نحو الأحمر الناري بنظارات.

"أتساءل عن سبب ذلك يا هانجي! خصوصا أن المُهم لم يأتي بعد! السبق الصحفي خاصتي لم يتم ذكره بعد! لا بد أنه كان سيحظى بمتابعة هائلة!" قالت الفتاة بينما تقطب حاجبيها بانزعاج ملحوظ، ترقب باهتمام الإعلامية الشهيرة بيترا رال، التي ظهرت بشكل مفاجئ على الشاشة تعتذر عما اعتبرته القناة خطأً تقنيا!

لتكونوا في الصورة، فبطلتنا تعمل في ثاني أشهر شركة إعلامية ببريطانيا، والتي تعتبر الخامسة على صعيد الاتحاد الأوروبي والعاشرة عالميا. مقرها مدينة بيرمينغهام الكبرى بإنجلترا. أعدت مؤخرا تقريرا وثائقيا وإخباريا ضخما عن الأوضاع بفلسطين استغرق منها 25 يوما من العمل الجاد، لكن... وكما ترون، لم يحالفها الحظ في أن تراه يحطم أرقام المشاهدات العالمية القياسية!

في اليوم التالي، اتجهت نحو مكتبها بمقر الشركة تحت أنظار غريبة وجهها زملاؤها لها.
اللعنة، لما يحدقون بي هكذا؟! تساءلت بينها وبين نفسها... حتى تقدمت نحوها فتاة أقصر منها بسنتيمترين تقريبا، بشعر أشقر مصفف في نفس الشكل الذي لا تغيره أبدا. رمقتها بنظرات كريستالية ميتة قبل النطق بصوت بارد:
"المدير العام يريدكِ في مكتبه."

"جيد آني، على كل حال كنت سوف أذهب للتحدث معه." ردت تالين بهدوء يخفي وراءه غضبا متقدا.

****

- سيد نايل دورك.

- آنسة تالين بيلين.

كان هذا كل ما قيل بدايةً، تاركا المكان لصمت غريب يخيم على الأجواء... أرادت الفتاة الشابة كسره لكن الآخر سبقها:

- جيد أنكِ أتيتِ كي تتسلمي خبر إقالتكِ في الوقت المناسب.

صمت آخر مخيف!

سرعان ما تستوعب المعنية بالأمر هذا لتتقدم بخطوات سريعة نحو المكتب الخشبي لنايل وتضرب كفيها بخشبه الثمين صارخة:

- كيف تجرؤ! جئت هنا لأفهم سبب منع عرض تقريري لأجد نفسي خارج وظيفتي؟!!

- أنسيتِ أنكِ تتحدثين مع مديركِ أيتها الفتاة؟ قليلا من الأدب ولا تندفعي بجنون كالإسبان!

- حسب كلامك فأنا مُقَالة أي أنكَ لم تعد المدير بالنسبة إليّ. لكني سأسألك من جديد، لما تم إيقاف عرض تقريري؟

- لأننا ارتكبنا خطأً تقنيا بعرضه من البداية.

ما هذا الرد بحق اللعنة!

- السيد دوت بيكسيس كان مشجعا له، كي...

- دوت بيكسيس يعيش تقاعده الآن، لم يعد المدير على حسب ما أعرف. "يقاطعها دورك"

- ليس لك الحق بطردي أتفهم؟ عندما كانت القناة بحاجة لإعلامية تشتغل بفروعها العربية والتركية والإنجليزية والعبرية دفعة واحدة ثم تقبل السفر لكل مكان مهما كانت الأوضاع مستحيلة لم...

- لستِ الوحيدة التي تتحدث أربع لغات هنا! "يقاطعها رأس الباذنجان من جديد"

- لكن هذا سيتسبب لكم بفضيحة كما تعلم!

- 3 ملايين جنيه استرليني في حسابك للتكتم. "مقاطعة جديدة من صاحب الشارب"

- أنا أهدف إلى إيصال قضيتي إلى العالم لا إلى جمع جنيهاتك. "ردت تالين بغضب حقيقي الآن"

- جيد جدا، ستختصرين علينا المصاريف.

هل عَلَّم أحد هذا الرجل أصول الأدب؟

- اللعنة عليكَ أيها الوغد الحقير! "قالت صاحبتنا مطلقة العنان لفتيل هيجانها"

- قد أُحاكِمُكِ بتهمة السّب والشتم. "قال بابتسامة ماكرة وهو يخرج بعض المستندات من درج مكتبه، ثم تابع"

- تفضلي، أوراق إقالتك.

أرادت الأخرى صفع وجهه الأخرق ذاك مئات المرات لكن كاميرات المراقبة الحاضرة في كل مكان، والتي قد تشكل حجة كافية ضدها بالمحكمة منعتها عن رغبتها، فاكتفت باستلام الأوراق اللعينة وانسحبت مخرجة غضبها بالباب الذي كاد أن يتحطم.

الآن فقط فهمت نظراتهم الغريبة... فكرت تالين بخصوص الطريقة التي حدق بها جميع زملائها نحوها عند دخولها المقر..

__________

"اللعنة على هكذا أوراق!" قالت بطلتنا بعدما تذكرت كل ما حصل لها حينها.

"لم يكن ينقصنا إلا أنتِ!" نطقت على نفس النبرة لكن متوجهة بكلامها هذه المرة للسماء التي بدأت تمطر دون سبب بدل الوثائق المشؤومة.
وطبعا لأن الحظ لم يحالفها هذا اليوم، فقد نسيت مظلتها.

راائع!

تحتاج إلى مكان للاختباء إذن، أي مكان قريب! فأمطار بريطانيا لا ترحم في شهر دجنبر الشتوي...
تجد أمامها مباشرة بابا فخمة لتدخلها دون تفكير. ما إن ولجت المكان حتى صعقت! الفساتين السوداء الضيقة الطويلة وربطات العنق الباهظة والمجوهرات المبالغ فيها ثم ساعات اليد المذهبة؛ منتشرة بكل زوايا المكان!
ابتلعت ريقها وهي تنظر أخيرا إلى اللوحة الإعلانية التي كُتِب عليها بحروف مذهبة:

Bienvenue à note restaurant 'La Rivière'
Welcome to our restaurant 'La Rivière'

يا للحظ! هذا ما يناسب وضعي! لعنت أقدارها تحت أنفاسها، فقد عرفت أخيرا أنها الآن وللأسف داخل أكثر المطاعم الفرنسية شهرة، للتو كذلك فهمت لما المكان يعبق برائحة عطر Dior!

أخذت رغم أنفها مكانا يفضح أن الموقع الذي ستتناول فيه غذاءها ذو تصنيف 5 نجوم، ثم انشغلت تقرأ لائحة الأكلات وهي تكاد تبكي حقا! فنصف راتبها الضخم دفعته بداية الشهر لاكتراء بيت دافئ بضواحي بيرمينغهام! والربع الآخر اشترت به ملابس من كل محل بريطاني، أما الربع المتبقي فيهدد بالانتهاء إذ أن آنستنا عاشقة الأكل لا تدخر مجهودا بإنفاق مبالغ محترمة لإرضاء بطنها، دون أن تدل كيلوغراماتها ال42 على ذلك! لكن ليس لدرجة الأثمان الصاروخية الموجودة هنا! لم تتجرأ في حياتها على ارتكاب هذا الذنب بحق خلصتها الشهرية!!

ظلت ترمق نادلي ونادلات المطعم يروحون ويجيئون بأطباق أكلات بحرية باريسية شهية كذاك الطفل الذي يريد شراء حلوى لا يملك ثمنها...
لو فقط قبلت عرض ذاك الأهوج واستلمت ملايينه الثلاث!! على الأقل بينما أجد وظيفة!
ناقشت الأطروحة مع نفسها قليلا قبل أن تصحح مسار أفكارها:
تالين مهلا، لقد اعتدتِ على الرفاهية وفراقها صعب! لكن قضية وطنك الأم أهم! ستجدين وظيفة فأنت أشهر إعلامية ببريطانيا ولن تنهزمي أمام بعض الإغراءات المادية التافهة!

يوقفها عن إكمال حوارها الداخلي شخص اتضح أنه نادل، ثم خاطبها بإنجليزيته الفرنسية يسألها عن رغباتها بأدب، لترد عليه أنها تريد كوكتيل الموز والفراولة، فيظهر على وجهه تعبير مصدوم قليلا: من ذا الذي سيأتي إلى مطعم فاخر كهذا حتى يطلب كوكتيل موز وفراولة!!!
لكنه يمسح تعبيره بابتسامته المؤدبة ويسجل الطلب ثم يغادر تاركا بموازاتها شوكة فضية وصحنا صغيرا يحتوي على بعض قطع الجبن الفرنسي الشهير كمقبلات مجانية.

أوووف! حتى إنجليزيتهم فرنسية!

ولتساعد نفسها على مجابهة كل هذه الأجواء الغريبة عنها، أدارت عينيها بين الحاضرين محاولة إيجاد ولو شخص من بيئتها. أثناء ذلك، تسمع وراءها صوت نفس النادل الذي سجل طلبها ينطق:
ألف وثلاثمئة وخمس وأربعون جنيها استرلينيا.

كادت هنا صراحة أن تسقط شوكتها من شدة الدهشة وتختنق بملوحة الجبن الناعمة.
هؤلاء أكثر شراهة مني! أراهن أنهم سيكونون مجموعة من ذوي الدهون الزائدة والشحوم المرتفعة!!
بالتأكيد سيكون هذا تعليقها المكتوم، فما سمعته قبل قليل يساوي تأمين سيارتها BMW الشهري!
بعد برهة رفعت رأسها صوب باب الخروج منتظرة أن ترى كومة الشحوم والدهون رغبة في السخرية منهم لكن مكان ذلك تصدم من رؤية جسدين مثاليين منحوتين!

الأول فارع الطول بشعر أشقر يكاد يكون ذهبيا، يرتدي بدلة أمريكية زرقاء داكنة من نوع Tom Ford ويظهر أنه يرفقها بربطة عنق رسمية.
لقد بدا... أمريكيا بوضوح!
كان يحرك يديه وكل جسده بحرية بينما يتحدث مع مرافقه ذو الشعر الأسود الليلي الذي ظل متصنما، محافظا على برودة حركات جسمه ومشيته. لباسه عبارة عن معطف شبه-طويل من Burberry البريطانية بمربعاتها الشهيرة وحول عنقه التف قماش بلون الكريما الملساء.
كما نسيت أن أخبركم أنه قصيير للغاية! خصوصا إذا تمت مقارنته مع الرجل بجانبه.
لباسه، تصرفاته الباردة، كل ما فيه يوحي أنه إنجليزي حتى النخاع!

ظلت صاحبتنا تراقبهما حتى خرجا واتجها نحو ما بدت لها أنها سيارة ليموزين سوداء فاخرة كتلك التي يركبها رجال الأعمال الذين لا يجدون أين ينفقون نقودهم.
منذ متى صرت منحرفة تراقب ظهور الرجال الجذابين الأغنياء؟ سألت نفسها، ثم تدخلت لتنقذ نفسها بنفسها:
فعلت ذلك فقط للاطمئنان أن أمريكيين وبريطانيين يتواجدون بالمكان ولست الوحيدة غير الفرنسية هنا!
حتى أخرجها النادل الطيب عن سياق تركيزها _من جديد_

- تفضلي، كوكتيل الموز والفراولة!

- شكرا! "ردت هي باستياء مخفي غير مصدقة أن عصير فواكهها العزيز المفضل تمت *فَرْنَسَتُه* هو الآخر بإضافة الكريم Chantilly فوقه!"

بدأت شربه ببطء وتأنٍ، حتى لاحظت أصواتا غريبة تقترب منها:

*يا عيون السمكة الألماني! انتظرني أو...*

*أو ماذا ستفعل؟ بدل ذلك أسرع. لم أكن أعرف أن الأحصنة البلجيكية بطيئة هكذا!*

*إيريييين!! احترم نفسك!*

*جاااان! أنت الأَولى بفعل ذلك!!*

تنهدت ثم استدارت لتجد شابين بزي رسمي حول طاولتها.
أحدهما بعينين زمرديتين وشعر كستنائي، بينما الآخر مزيج غريب لم تستطع تحديده!

- ءءء آنسة تالين بيلين! كككنا نننريد... "يبدأ المدعو بالحصان"

- تتتسليمك هذا! "يكمل عيون السمكة وهو يمد لها رسالة"

كيف عرفا اسمي؟ أول ما طرق أفكارها.
لأنكِ مشهورة عند البريطانيين يا حمقاء! ردت على نفسها.
لكنهما بلجيكي وألماني طبقا لحديثهما كيف...
- ووداعا!! نتمنى أن تقبلي العمل معنا! " صَرَّح الشابان بابتسامات واسعة قبل أن يغادرا، لتسمع حوارهما _عفوا شجارهما_ من جديد رغم محاولتهما التحدث بصوت منخفض"

*إنها جميلة جدا!* قال الألماني.
*ولطيفة* عزز البلجيكي.
*سترى كيف سأوقعها في أول يوم!* اقترح بتفاخر إيرين، ليرد الآخر:
*الآنسات الإنجليزيات لا يفضلن الرجال الألمانيين الغاضبين طيلة الوقت!*
*ولا البلجيكيين عديمي الجاذبية الذين يحاولون مرارا وتكرارا الحصول على اهتمام اليابانيات دون جدوى!* يحاول ييغر إغاضة زميله من جديد.
*ميكاسا ليست أية يابانية أيها الانتحاري!* يجيب جان.
*أعدهااااا يا وجه الحصان!*

تتنهدت تالين باستمتاع واضح، لكن تفصيلين اثنين سرعان ما يعلقان بذهنها ويطلبان على عجلة بقدرتها على التحليل:
^الرجلان المتخاصمان يتجهان نحو نفس الليموزين التي ركبها سابقا الأمريكي الطويل والإنجليزي القصير.
^تمنيا لها أن تقبل العمل معهما، ومن الظاهر أنهما يعملان منطقيا مع الطويل والقصير!

لكن... كيف لها أن تعرف التفاصيل؟
الرسالة! نعم الرسالة!!

أمسكتها بين كفيها الناعمين ودققت جيدا. لقد كان ورقها وحده مصنوعا بتفنن وتفرد؛ تفوح منه رائحة النباتات الاستوائية النادرة، لا بد أنها قد أُخذت على وجه السرعة من إحدى تلك المفكرات النفيسة التي يغلفونها بحراشف التماسيح الغريبة ويُذَهِّبونَها بالمعادن الغالية!

ثم هناك الحروف، واضح أن صاحبها كتبها بإحدى ريشات Montblanc التي رأت بعض الرؤساء الذين أجرت معهم مقابلات يوقعون بها على اتفاقيات تحدد مستقبل العالم، غير أنها تحمل طابع تسرع لا يظهره حتى الطالب الجامعي أثناء تسجيل محاضرة لأستاذ اعتاد أن يسابق Eminem في سرعة نطق كلماته! وكم هم كثيرون...

دون تكليف نفسها عناء قراءة المحتوى _فهي تدرك جيدا أنه عرض عمل أو شيء من هذا القبيل_ تتجه مباشرة بسبب فضولها إلى قدم الورقة لتصدم الصدمة المليون هذا اليوم، بحيث حمل الشيء بيدها توقيعا كالتالي:

President of Ackermith&Co

اللعنة اللعنة اللعنة اللعنة! هل ما أراه منطقي؟ هل تلقيت للتو عرض عمل من أشهر وكالة أنباء وبخط إحدى رئيسيها المشتركين شخصيا؟!! وكان هذان جالسان ورائي دون أن أعرف ذلك!! اللعنة!

أمسكت هاتفها ذو الشاشة العريضة وسجلت بصمتها لتفتحه ثم اتجهت بسرعة إلى محرك البحث غوغل. بمهارة أنامل خبيرة كتبت Ackermith وانتظرت ثوانٍ حتى حصلت على عناوين كانت في مجملها كالتالي:

(أكبر وأعظم وكالة أنباء وشركة إعلام في العالم الأنگلو-ساكسوني تعرف النور بالشراكة المحيرة التي عقدها رجل الاعمال الإنجليزي Levi Ackerman والأمريكي Erwin Smith.

الأمريكيون والبريطانيون ينجحون معا بتأسيس أكثر قناة متابعة في العالم.

أسهم شركة Ackermith&Co تفوق توقعات الخبراء المتابعين.)

تضغط على رابط المقالة التي تحمل العنوان الأخير لتتفاجأ بأرقام تحمل آلاف الأعداد قبل الفاصلة!

وأنا التي كنت أحاسبهما على طبق بقرابة ألف وأربعمئة جنيه استرليني! لعنت ردة فعلها كما لم تفعل في حياتها.
لو فقط استغلت برهات السخرية القليلة تلك لتحدق وراءها قليلا، وتترك لنفسها فرصة استعادة بعض الذكريات القديمة عند رؤية تلك الرموش والخصلات الداكنة كدجى ليلة أغلقت ستائرها منذ مدة...

__________

- هل يبدو شكلي مناسبا؟ "سألت تلك الفتاة القصيرة من يعد بمثابة أبيها الثاني"

- بل رائعة عزيزتي! هدئي من روعك ولا داعي للتوتر في الحفل، اخترت ابنتي العزيزة لترافقني لأنها أكثر شخص قوي شخصية أعرفه! "أجاب دوت بيكسيس"

- شكرا!

دخل الاثنان قاعة الحفلات الضخمة معا، لكن الوضع لم يدم على هذه الحال، إذ سرعان ما لاحظ العجوز مجموعة من النساء اللاهيات فاتجه نحوهن مستعرضا نفسه على أنه المدير العام لشركة Fritz للإعلام؛ الثانية ببريطانيا.
أما المسكينة تالين ففكرت:
هو كأبي، وإنسان طيب، لكني لا أفهمه عندما يتعلق الأمر بالسيدات والخمور!!

هزت كتفيها بعدم فهم ثم مررت عينيها بين الحاضرين بحثا عن أوجه مألوفة، لكن من دون فائدة، فاتجهت نحو سطح المبنى.
كان المكان صامتا على غير العادة هنا... الهدوء المخيم بشكل يبعث على الشك يوحي أن أمرا ما يُحاك...

تنهدت بتعب وهي تفكر في طريقة مناسبة لتضييع الوقت ريثما يأتي وقت الكلمة التي سيلقيها منظم الحفلة الذي لا تعرفه أساسا!
وكأنما تحقق أملها، سمعت صوت أقدام تتجه نحوها.
لم ترد الظهور بمظهر المتطفلة فتابعت مراقبة النجوم رغم رغبتها الحارقة في الاستدارة لمعرفة الشخص الآتي.
اقتربت تلك الخطوات أكثر حتى انعدم صوتها، ففهمت أن صاحبها قد استقر في مكانه.
هنا، لم تستطع منع الفضول الغبي الذي يخالجها دائما فوجهت عينيها نحوه.

بدا يراقب النجوم المستقرة في كبد السماء لتنعكس على شكل نقاط متعددة مضيئة في عيونه الرمادية ذات البصمة الزرقاء. الريح الخفيفة التي أسقطت بعض أوراق الأشجار وبتلات الزهور فوق أرضية الشرفة، كانت نفسها التي انسابت بين خصلاته تطيرها بمهارة؛ ترفع بعضها قليلا بينما تُنْزِل الأخرى على جبهته في إيقاع متناغم يماثل في تناسقه سمفونيات المؤلفين العالميين، ولوحات الفنانين الرائدين.

ظلت هكذا لبضع دقائق على عكس تخطيطها. فهي التي كانت لا تريد حتى الاستدارة لرؤية هذا الشخص، وجدت نفسها تمعن النظر في ملامحه الغامضة.

- تفكرين الاستمرار في التحديق بي إلى متى بالضبط؟ "نطق صوت بارد بطريقة تشوبها السخرية"
أحست بطلتنا باللون الأحمر يداعب وجنتيها معلنا عن خجلها الفضيع.

يخرج الشخص المجهول من جيب سترته شيئا لامعا، يتضح أنه علبة سيجار باهظة، يتلقف أحدها بمهارة، يضعه بين شفتيه ثم يشعل طرفها لينتج عن حركته هذه انتشار دفعة من الدخان في الأرجاء. ثم تتبع هذه الدفعة أخريات يتشكلن كدوائر صغيرة تختفي شيئا فشيئا كما يختفي الشفق...

- التدخين ممنوع بالمناطق العمومية. "تقول الفتاة وهي تقطب حاجبيها بانزعاج"

- و...؟ "يسأل الآخر بنفس السخرية السابقة وهو لم يفارق بعد سيجاره العزيز"

- عاداتنا الإنجليزية واضحة جدا بهذا الخصوص! ومن المفترض أن يدرك شخص راشد مثلك ذلك. "ردت بقليل من التحدي"

- هذا المكان قصر شخصي لا موقع عمومي لمعلوماتك، تشه!

- لكنه يصبح عموميا بحضور مئات الناس إليه لحفلة عمل! ولا يمكن سوى لمالكه اعتباره ملكا خصوصيا بهذه الحالة!!

صوت يشبه الضحكة المكتومة يفرض نفسه عدة ثوانٍ على مسامع الجميع، غير أن صاحبه يسترجع نفسه ويرمقها بنظرات غير مفسرة قبل التعليق:
- تشه، لقد أتحفتني! بالنسبة للذي اعتاد أن يرى الشهيرة تالين، تالين بيلين، تحاور عدة شخصيات سياسية قوية بنفس هذه الحدة فلن يتعجب، لكن ما أتعجب عنه جدية هو جهلك الكبير بالميدان الذي تتحاورين حوله، ربما لأنه ليس فلسطين أو فينزويلا أو أفغانستان وإلى ما آخره هاا؟!!

أما هي، فلم تعرف بالضبط ماذا تفعل؟ هل تتسبب في شجار حتى تستطيع لكمه والهرب؟ ترغب حقا بفعل ذلك بعدما وصفها بالجاهلة. أم تبقى صامتة حتى تتأمله على راحتها؟
لاا! هذا غير مسموح به! كان مسموحا به قبل أن يهينها بشكل غير مباشر!
- إذا لم تكن تهمك صحتك فخاصتي تهمني أفهمت أيها القزم؟

- ألا تكونين تهينين نفسك بشكل غير مباشر هنا؟ لأني أرى أن البعض أقصر مني! ثم... الشرفة واسعة، لما بالضرورة الوقوف بجانب المكان الذي أنا أدخن فيه؟

- كنت قد أخذت المكان قبلك أيها.. أيها.. أيها الوغد!!! "قالت الفتاة رغم محاولتها البقاء رسمية"
لن تخبره أنها بقيت هناك رغم رائحة السجائر التي تكرهها لأنه جذاب ويجب أن تحفظ ملامحه لأنها اكتشفت جانبها المنحرف لأول مرة!

المعني بالكلام كان قد أنهى مهمته فرمى سيجارته وكأنها لم تكن موضوع الحوار الشيق منذ قليل، أطبق عليها ضغطا برجله ثم اقترب من صاحبتنا بخطوات بطيئة، وكأنه يمنحها الفرصة لتغادر...
غير أنها لم تفعل!!! فقال هو:
- من الذي تشيرين إليه بالوغد؟

- أنت أيها الوغد! "ردت بحماس! فهاهو مخططها الشرير يقترب من الاكتمال"

- عقلكِ صغير حقا أيتها الغبية المجنونة على عكس الصورة المثالية التي تعطينها عنكِ في الإعلام.

سوف أحطم هذا الكائن! وعدت نفسها لتجتاز مسافة السلام بينهما وتحاول توجيه لكمة إلى وجهه للهرب...
لكن وكما قلت *تحاول*! فقد أمسك معصمها بكل سهولة مانعا إياها من أية حركة.
- تجاوزتِ حدودكِ كثيرا... تالين...

تغضب من جديد، لتستعمل يدها اليسار في ضربه على بطنه حتى يفلت اليمين المحتجزة لديه، لكن هذا لا يحدث للأسف.
- ضرباتك أكاديمية، واضح أنك اجتزتِ في مرحلة ما مدرسة للدفاع عن النفس، لكن هذا لا ينفع معي. "يقول ثم يحررها كليا قبل التوجه إلى الباب الخارجي"

- على أساس أنك بروس لي أو جون سينا! ما هذه التعليقات الفارغة أيها الأحمق المغرور؟ لست أستاذي! ثم لما تغادر؟ خوفا من المواجهة مرة أخرى!

عندما كانت هي تقول هذا كان هو قد وصل إلى الباب، فنطق وهو يفتح مقبضها:
- أولئك الاثنان الذين استشهدتِ بهما يمثلان لا يقاتلان بالمعنى الحرفي للكلمة.

- بالتأكيد أعرف أن... "غير أنه غادر قبل أن تكمل تاركا إياها تعوم في بحر من الأحاسيس المظطربة..."
لكن شيئا ما جذبها عنده، شيء لم تعرفه للآن!
إذا أردتم رأيي، سأقول التالي: من ذا الذي ينجذب إلى قزم عابس سليط اللسان ومغرور؟

بعد مدة من بقائها في هذا البرد القارص، تنزل إلى الأسفل حيث كانت الحركة في كل مكان! لم تفهم هي سبب كل هذه الحيوية حتى جاء بيكسيس من حيث لا نتحتسب! وأخبرها أنه موعد كلمة منظم الحفلة. واعدا إياها بتعريفها عليه ما إن ينتهي من خطابه.

تعاين هي باهتمام المنصة، قبل أن تصدم وتضع كلتي يديها فوق فمها كي لا تصدر صوتا ينبه الجميع إلى حالتها!
هو! هو! منظم الحفل! ذاك القزم الجذاب أقصد العابس! فكرت بانزعاج. فإذا كان هذا صحيحا، يكون قصر Carteshire هذا له!

' لكنه يصبح عموميا بحضور مئات الناس إليه لحفلة عمل! ولا يمكن سوى لمالكه اعتباره ملكا خصوصيا بهذه الحالة!!' تلك الجملة التي قالتها قبل مدة أثناء حوارها _عفوا أقصد نزاعها_ مع المعتوه الآخر كانت على هذا الأساس دون معنى! لو فقط كلفت نفسها عناء البحث عن معلومات حول هذا القصر الغريب العجيب الذي هي فيه الآن قبل المجيء إليه!

''تشه، لقد أتحفتني! بالنسبة للذي اعتاد أن يرى الشهيرة تالين، تالين بيلين، تحاور عدة شخصيات سياسية قوية بنفس هذه الحدة فلن يتعجب، لكن ما أتعجب عنه جدية هو جهلك الكبير بالميدان الذي تتحاورين حوله، ربما لأنه ليس فلسطين أو فينزويلا أو أفغانستان وإلى ما آخره هاا؟!!' كلامه الأخير إذن صحيح في بعض جزئياته...

على هذا... يكون هو ممتلكا الحرية المطلقة للتدخين بأي مكان يريد، خصوصا شرفة المبنى، تكليف نفسه عناء الصعود حتى ذاك المكان ليستعمل سيجاره وحده كافٍ، كان بإمكان شخص آخر أن يقوم بذلك في الأسفل أمام الحاضرين أو ربما حتى من النافذة...
أي أنها كانت مخطئة في كل هذا من أصله!

' ثم... الشرفة واسعة، لما بالضرورة الوقوف بجانب المكان الذي أنا أدخن فيه؟' كان القزم محقا في عبارته هذه، لأنه هو مالك القصر لا هي!

وطبعا لأنها مشغولة بأفكارها الداخلية لم تنصت إلى الكلمة بأي شكل من الأشكال، حتى سمعت صوت التصفيقات الحارة معلنة عن انتهاء الخطاب، بحيث كانت أقربها إليها خاصة بيكسيس...
- تعالي لأعرفك عليه كما ذكرت تالين.

- هل ترى هذا لازما؟ "سألت بإحراج كبير"

- نعم! "رد من تعده أبوها"

أمسك بيدها واتجه نحو المنصة التي بدأ الرجل القصير ينزل منها لتوه، ما إن أنهى الدرجات حتى سمع صوتا مألوفا لديه:
- سيد آكرمان!

- بيكسيس؟!

صافحه العجوز بينما بدا أن شخصا آخر يختفي وراءه، ابتسامة جانبية صغيرة اجتازت ملامحه عندما تيقن من هويته.
قام بيكسيس بوضع يديه على كتفي الأقصر منه مقدما إياها للآكرماني.
- أقدم لك الفتاة الرائعة التي سبق وحدثتك عنها ليفاي، هي بمثابة ابنتي، أحسد حقا والديها على شخص بمثل روعتها. تالين بيلين.

- سررت بلقائك. "قالت تالين بخجل وهي تمد يدها لمصافحة نفس الرجل الذي تعاركت معه قبل قليل، وكأنه فهم لعبتها، تابعها هو الآخر"

- هذا شرف لي.

- نسيت أن أقدمه لكِ هههه، آاااه الذاكرة تضعف مع السن! ليفاي آكرمان منظم هذه الحفلة صاحب شركة الإعلام الأشهر في بريطانيا، ومنافسنا الكبير، لكن هذا لا يمنع من عقد صداقة معه صحيح ليفاي؟

- لسنا أشهر قناةٍ ما دمنا لا نتملك أشهر إعلاميين برأيي يا بيكسيس.

- هاهاهاهاها!! أترككما الآن تعرفا على بعضكما "يقول العجوز ويخطو بضع خطوات قبل التوقف للاستدارة"
ولكن لا تحاول يا ليفاي سرقة أشهر إعلاميينا فهذا ضد الأعراف هاهاهاهاها!!

ثم يختفي كليا...

أب سيء!! هذا ما فكرت فيه تالين...

- يبدو أنني الوحيد الذي رأى وجهك الآخر. "يقول المدعو بليفاي وهو يحتسي كأس شايه الإنجليزي الراقي..."
- نفس الأمر بالنسبة لي... "أكدت تالين وهي مازالت تنظر تجاه بيكسيس الذي انضم إلى جماعة واسعة تضم رئيس شركته العجوز فريتز، ونائبه نايل دورك، ومدير هيئة الإعلام الوطنية زاكلي داريس مع رجل الأعمال الشهير لورد رييس.
كلهم قرعوا كؤوس خمرتهم في وقت واحد بالتوازي مع ارتفاع إيقاع الموسيقى وانغمسوا في جو شراب لذيذ غير مبالين بأي شيء خارجا"

- لما لست معهم وأنت منظم الحفل؟ "تسأل الفتاة وعيونها الزرقاء تحاول تفادي النظر إلى الوجه المثير للآخر أمامها"

- لأنهم ليسوا من نوعي. لا أحب الاختلاط بهكذا معارف... ترقصين؟ "سأل هو الآخر"

- ننننعم! طيب! "ردت هي بإحراج جديد، فلعل كونها قريبة إليه سيساعدها لتجد طريقة للاعتذار عما بدر منها!"

وضع ذراعه حول خصرها ليقربها منه بينما شدت هي بيد على قماش سترته الباهظة ببطئ وانسابت يدها الأخرى حول عنقه تداعب أناملها خصلاته بنعومة _بانحراف عفوا_ ، ثم تركت جسدها يساير جسده في خطوات بطيئة تناسب السوناتا التي يتم عزفها الآن...

مع هذا، تطلق الأوركسترا العنان لأحاسيسها بعزف إحدى المقطوعات التاريخية الشهيرة في لندن، والتي أَرَّخَت لنهاية عصر الموسيقى الباروكية وبداية العهد الكلاسيكي...
مؤلفاها ألمانيان هما Frederick Abel و Johann Christian Bach، حملا راية الموسيقى الجرمانية المتفردة آنذاك إلى أبناء جلدتهم من الإنجليز. تتلمذ الأول عند أب الثاني قبل هذه الرحلة التي أسسا فيها لشراكة ثنائية كان نتاجها أعظم مقطوعات إنجلترا التي لم تكن تنافسها تحت سمائها وفوق أرضها سوى موسيقى Handel حينئذ، حتى تحولت شراكتهما من مجرد اتفاق مخطط له إلى أساطير جابت أرجاء غرب أوروبا حينها.

انتهت السوناتا وبدأ الجزء الثاني ومعه تحولت حركات الآكرماني أوتوماتيكيا إلى أخرى أكثر سرعة ودقة تناسبا مع الأجواء المخيمة على المكان.
أما الأخرى فلم يتوقف عقلها عن التفكير في إحدى سبل الاعتذار، وعندما لم تجده فضلت استغلال اللحظة...

وجهها الناعم كان مباشرة فوق صدره القوي الذي تستطيع معرفة كمية العضلات فيه حتى مع هذا الكم من الأغطية والأردية فوق.
عضت على شفتها السفلية بخفة تطرد من رأسها تخيلاتها المشينة له بصدر عارٍ غير أنها كلما حاولت فعل ذلك تجد رائحته الغريبة حاجزا.
وقفت على أطراف أصابعها كراقصة باليه فرنسية لتصل إلى عنقه حيث استنشقت باهتمام ذرات رائحته، خزنتها بين نواحي مستقبلاتها الحسية عن طريق الجزء المنحرف منها، ثم عادت لوضعيتها السابقة، و... بدأ التحليل على طريقة مايكي زاكارياس، أستاذها الأميركي الوحيد في حقبة الكلية والذي صار فيما بعد رئيسا لجامعة ستانفورد بعد رجوعه لدولته.

لكن... هناك شيء غريب! بالنسبة لإنسان دخن منذ مدة ليست بالكثيرة، أليس عجيبا أن لا تفوح منه رائحة السجائر؟ حتى لإنسان يلاصقه حرفيا؟ هل...

وطبعا لأنها فضولية بشكل بغيض، كان لا بد للسانها أن يخونها:
- حذرك غير طبيعي بالنسبة لإنسان ذي شخصية قوية. أعني... لا بد أنك استخدمت علكة خاصة وعطرا قويا لإخفاء بصمة السجائر، وهذا يفسر كذلك لما صعدت إلى السطح، توقعت أن لن يكون هناك أحد، وعندما اتضح أن هذا غير صحيح جعلته على شكل التحدي، غير أني لست أي شخص!
إذا كنت لهذه الدرجة مدخنا منتظما فلماذا تخفي هذا؟ هل هو من يعطيك برودة دمك؟ تريد للناس أن لا تعرف أنك شخص تعاني قلقا وتوترا كالآخرين فتنهزم لأمر مضر كالتبغ؟
أي أن كل كاريزمتك هي مجرد قناع وأن شخصيتك الحقيقية بعيدة بشكل أو بآخر على ما نراه! لديك مسؤوليات كبيرة تحملك عبءًا تخشى أن لا تتحمله على أكمل وجه... وإن كان السؤال هنا هو لما بالضبط الطموح إلى المثالية في كل شيء؟ هذا بحد ذاته مرض نفسي! هل...

وقبل أن تكمل محاضرتها التي كان بإمكان Sigmund Freud النمساوي الذي غير مفاهيم علم النفس لدى الأوروبيين أن يقدمها لتلاميذه على شاكلة مثال عن تطبيق التحليل النفسي للشعور اللاواعي psychoanalysis، قاطعها هو دون وعي بصوت ضحكة مكتومة.
ظلت تحدق به لثواني غير مدركة لما يحصل حتى قال:
- يبدو أنكِ لستِ غبية لتلك الدرجة.

جذاب حد اللعنة!

- أي أنا غبية ولو لدرجة بسيطة حسب رأيك المحترم هاا؟! "سألت هي بشكل استنكاري تريد الوصول به إلى إقرار ذكائها!"

- تشه! من يدري... لعلكِ تفاجئينني من جديد خلال هذه الأمسية! "همس بذلك في حاسة سمعها جاعلا إياها ترتجف من تأثير إيقاع تنفسه المغري فوق أذنها، وكادت أن تسقط كليا لولا تلك الذراع القوية حول خصرها عندما شعرت ببعض التحركات الغريبة فوق جسدها"

لكن شيئا ما استرعى انتباه كليهما...

Shake the cloud from off your brow
fate your wishes does allow
empire growing
pleasures flowing
fortune smiles and so should you
shake the cloud from off your brow

نعم، فلقد بدأت أوبرا Henry Purcell وهما طيلة هذا الوقت يرقصان! أي أنهما أمضيا نصف ساعة لم يفعلا فيها سوى هذا..

شيء آخر إضافي...
وجدا نفسيهما في بقعة منعزلة تماما عن الآخرين، لا تصلها أنوار الثريات البرونزية العملاقة بل تكتفي فقط بإضاءة بعض الشموع المعطرة هنا وهناك...

- لقد تأخرت كثيرا، يجب علينا الرجوع و... شكرا! "قالتها تالين على استعجال وهي تحاول الإفلات من عناق رقصهما شبه الحميمي"

- ألم تنسي شيئا؟! "تساءل هو راغبا بتذكيرها باعتذارها الذي لم تقدمه للآن"

لكنها فهمت جيدا ولن تعتذر! لقد غيرت رأيها منذ مدة لسبب لا أعرفه شخصيا لأكون صريحة معكم!!

- أريد الذهاب. فقط. وداعا. "أعادت بشكل يوحي تصميمها القوي على ذلك، غير أن الطرف المغاير مصر هو الآخر على سماع اعتذاره!"

في إطار نفس الرقصة، أدارها ليستقر وراءها بينما ذراعه تلتف حول خصرها وظهرها يلاصق صدره! اقترب من أذنها من الخلف وكرر نفس نسخة عبارتها القديمة:
- لكن عاداتنا الإنجليزية واضحة جدا بهذا الخصوص صحيح؟

وهاهو ذا سحرها ينقلب عليها، لكنها لن تسمح بذلك على كل حال...

فكري! فكري! فكري! فكري! فكري! فكري! خاطبت نفسها دون جدوى، غير أن فكرة عظيمة لمعت برأسها!
أزاحت ببطئ ذراعه عن خصرها واستدارت في مكانها لتكون بمقابلته حيث دفعته إلى أقرب جدار دون وعي، هكذا، بعنف واستعجال دخيلين على إنسان مثلها، وقد عادت لها ذكرياتها القديمة في نادي الفنون القتالية!
بحركة حسبتها دفاعية، ثبثت كفيها فوق صدره _دون أن يتمكن هو من إبداء أية ردة فعل_ وظلت تحملق فيه لثوان...

القوة لن تنفع، جربت ذلك في الشرفة، مهاراته تفوقها!
ماذا ستفعل؟!!

الإجابة لم تكن هي التي حددتها، بل هرموناتها اللعينة التي لم تجد وقتا لإعادة الظهور بعد المراهقة سوى الآن!
رفع الآخر يده لينفلت من هذا الضيق الذي يمنع عنه التنفس، ليجد شفاها سكرية فوق خاصته...

كيف! ماذا؟ لما؟ ما اللعنة؟ الجحيم العاشر!
ردد السيد *المنطق الإنساني* وهو يشاهد اللقطة بفاه مفتوح إلى آخره حتى سقط الفشار منه.

يد الآخر ارتخت، في شيء يشبه الضعف قبل أن يختفي الضغط المطبق على شفتيه ويستطيع لقاء صديقه القديم: الأوكسيجين!
أما صاحبة الفعلة فغطت فمها مانعة نفسها من إصدار أية صوت ونظرت إلى حالة ليفاي الذي لم يدرك للآن ما يحصل، قبل أن تهرب مطلقة العنان لنفسها في ماراثون غير محدد التجهيزات!!

ولأن كاتبة وانشوتنا رائعة، فقد فضلت جعل المشهد يمر أمام أعين كاميرات زرقاء وخضراء... أول الاثنين ضحك بخفة قبل أن ينظر إلى زميله:
- سيد زاكارياس! آسف لكن شمك لم يعد معمولا به! أليست تلك هي طالبتك التي كنت لتوك تمتدح براءتها ولطفها؟ "لهجته كانت أمريكية وتوضح ببساطة أن صاحبها من كبار رواد الأعمال"

- سميث، تدرك أنه مضت مدة لم ألتقيها، لعل طباعها وبالتالي رائحتها تغيرت! "رد الآخر بنفس اللهجة الأمريكية التي اعتاد أصحابها أن يحذفوا من إنجليزيتهم الt أو ينطقوها كالذال في لغتنا!! غير أنه ورغم ذلك حافظ على مصطلحاته الأكاديمية كأي رئيس جامعة محترم بعيدا عن الdamn والfucking والhell التي يدخلها الأمريكيون بانتظام شديد في محادثاتهم"

- أو أنه تأثير أحدهم... "يعلق إيروين بابتسامة شريرة يتبعه مايكي فيها ثم ينطلق الأمريكيان لإغاضة صديقهما البريطاني القصير والتأكد إذا كانت أسطورة برودة دم الإنجليز في كل المواقف صحيحة أم لا... بطرقهما الخاصة!"

أما أمام مخرج القصر، فوقف العجوز ذو الشارب الأبيض الكثيف قلقا...
لقد تأخرت من يعدها ابنته كثيرا! وهي التي تكره هذه الحفلات في العادة!!
لينتبه إلى جسد قصير ورشيق يجري نحو نفس مكانه دون النظر إلى المحيط، فيعلن عن وجوده:
- أحمم! تاااالين! هنا!

- هاا! "أجابت بتفاجؤ تحاول استرجاع مظهر جيد دون فائدة،" ليفهم كبير المنحرفين مباشرة:
- يبدو أن الناس هنا حصلوا على بعض الأكشن هيهيهيهي!!

أب سيء!!! أقرت الفتاة للمرة الثانية ذاك اليوم وخدودها المتوردة طبيعيا، تصبح حمراء...

__________

نفس اللون الأحمر مازال يطلي جنبات وجهها اللطيف بعدما أنهت تمرير شريط ذكرياتها.
خصوصا عندما عادت إلى البيت تلك الليلة لتجد فستانها وقد امتلأ بعبق عطر Terre d'Hermès، عطر باريسي سمي على اسم إله البعث إلى الجحيم في الميثولوجيا الإغريقية...
لم تعرف هي دلالة هذا، كل ما عرفته أنه وبعد الحادثة عملت جيدا على تفادي كل حفلة، ندوة، مؤتمر أو حتى محاضرة يكون هو قادما إليها...

وسأعمل معه في شركته! لا مستحيل!! تصر تالين بينها وبين نفسها، غير أنها تجد ملجأ إنقاذ...
من الذي نفى أن تكون الرسالة من رئيس الفرع الأمريكي للشركة إيروين سميث؟ في النهاية لم تحدد الرسالة أيهما المعني بعرض العمل!

مررت عيونها فوقها دون قراءتها من جديد _لأنها شديدة الكسل_ لتتفاجأ ببعض المصطلحات:
(Honour, the defence of, dreamt, favour...)

اللعنة!

فالأمريكيون يكتبون honor وfavor بدل ما هو مكتوب، ويصرفون الفعل dream في الماضي بdreamed لا dreamt. أما الأفضع، فيعتبرون الدفاع عن شيء ما defense لا defence!
وكمواطنة صالحة درست كلا اللهجتين، فهمت مباشرة أن الأمريكي الأشقر سميث لن يكون كاتب الرسالة وبالتالي صاحب الدعوة، ولكن... القزم الجذاب المعتوه!!

شردت قليلا تنظر إلى الباب قبل أن تلاحظ توقف المطر لتدفع الفاتورة ثم تخرج وهي تفكر...
منذ متى اشتريت كوكتيلا بهذا الثمن! بببف!!!

يجب عليها الإسراع لإيجاد الBMW خاصتها قبل أن تمطر من جديد...

اللعنة على كل ما يمكن لعنه!!

****

كانت الأشعة الدافئة الغريبة على الأجواء الإنجليزية حاضرة ولو باحتشام في نظيرتها الويلزية (بلاد Wales) رغم أن كلا المنطقتين تابعتان لبريطانيا العظمى...
الطريق الجبلية الهادئة نحو مدينة كارديف العاصمة الإدارية للموقع تميزت اليوم بسيارة ألمانية لامعة تندفع بكل قوة وسرعة!!
صاحبتها نظرت إلى الخارج بعينيها الزرقاوتين اللامعتين بحثا عن منزل معين ضمن مجموعة البيوت المتشابهة بالمكان...

وقفت عند البيت المطلوب وضغطت على زر ولد صوتا موسيقيا سريعا لبعض الوقت، ثم ما لبث أن ينفتح الباب الخشبي ليظهر شخص سرعان ما يعانق صاحبتنا بلطف...
-تالين! اشتقت لكِ!
-نفس الشيء آرمين! "أضافت وهي ترد له عناقه الأخوي"

- لأكون صريحة، لقد ترددت بالمجيء إلى هنا، قلت أنك ستكون مشغولا مع جولي كعادتك عندما لا تشتغل ولن تستقبلني... "قالت بمجرد ما أغلق صديقها الباب وراءه، ثم تساءلت"
-بالمناسبة أين هي؟

-في باريس. تلقي محاضرة عن الرياضيات ب l'école polytechnique.
-توقف!! لا تذكر هذا أمامي! "صرخت تالين وهي تضع يديها أمام وجهها"
-لما؟ صرتِ تكرهين الرياضيات؟!
-لاا! بل فرنسا وباريس وكل ما يتعلق بهذه الجمهورية لا أريد سماعه!

يهز آرمين كتفيه بغير فهم ويترك الفتاة تجلس على الأريكة بينما يحضر هو الكولا ويتقاسمانها...

-في الحقيقة... لقد حزنت لما حصل لتقريرك! كان رائعا وكان ليحطم الأرقام القياسية كما العادة... لكني أعرف سبب منعه وإقالتك على ما يبدو... "بدأ آرليت"
-كيف تعرف عن إقالتي؟ ألم يقولوا في التلفاز أن لي ظروفا صحية؟ "سألت وهي تتجرع الكولا"
-هانجي. "جواب بسيط مختصر"
تنهد آرمين قبل أن ينهض ليحضر شيئا ويعود.

-لقد كنت أعاين الصفقات التي جرت منذ أشهر في بورصة نيويورك ووجدت هذا... "قدم لها وثيقة وأكمل الشرح"
عندما اقترب فريتز من الإفلاس وباع شركته لرجل الأعمال لورد رييس، انتظر هذا الأخير تقاعد المدير آنذاك دوت بيكسيس ليعين بدله نايل دورك الذي ليس له نفس نفوذ الآخر...
وعندها عقد هذه الصفقة التي وجدت تقريرا مكتوبا عنها، اشترك في بعض الأسهم مع شركة I.N، و... "تقطعه الأخرى"

-أليست شركة الأسلحة التي تمون عمليات الجيش الإسرائيلي ورجالهم في الكونغرس الأمريكي؟!!
-تماما تالي، وبهكذا حلفاء تتوقعين أنهم يستطيعون عرض تقرير يفضحهم تماما؟
-كيف لم أعرف من قبل!! "قالت هي بانزعاج"
-الصفقة كانت سرية... لم أكن بنفسي لأعرف لو لم أكن مبعوثا رسميا من أكبر بنك مركزي في بريطانيا إلى بورصة نيويورك Wall street.
-هكذا إذن... "وضعت الفتاة يدها على خدها" إذن ما رأيك في التالي؟

ثم حكت له ما حدث في المقهى الباريسي وقدمت له الرسالة...

-هذا رااائع صديقتي!! "صرخ الأشقر الصغير بسعادة وابتسامة واسعة"
تتلقين عرض عمل مباشرة بعد إقالتك من السابق! هذا رائع جدا! وااااو يالها من فرصة! هكذا لن يشاهدكِ فقط الملايين في هذه القناة، بل عشرات الملايين!

-لكنن... "بدأت تتذكر ما حدث خلال تلك الأمسية لكنها تطردها من رأسها"
المهم، لا أعرف في كارديف هذه سوى منزلك، عليك أن تقودني أنت...

-لا مشكل!! "بدأ يرتدي معطفه الخريفي وهو يحسب في رأسه الشوارع والأزقة التي سيجتازها ليصل إلى المكان المذكور في الرسالة"
ليس بعيدا كثيرا، أتمنى لكِ حظا هنيئا مع المقابلة، لا تتوتري فأنت الأفضل تالين! "يضيف بابتسامة ثقة"
-شكرا هيهي!!

لا يعرف لما أتوتر!!

****

-واثقة من نفسك؟ "سأل بخجل آرليت صديقته أمام مدخل الفندق الذي أوصلها إليه"
-بالتأكيد آرمين! "ولتزيد مصداقية عبارتها رفعت يدها بينما إبهامها يشكل علامة النصر، يردها لها الأشقر ثم يطلب منها استدعاءه عند الانتهاء قبل أن يغادر"

أما وحدها، فابتلعت ريقها ناظرة إلى موظفات الاستقبال الأنيقات ثم شقت طريقها نحو الجناح المعني بالأمر...
الفندق الذي هي فيه، Victorian house، تصنيف خمس نجوم، أكثر الفنادق فخامة في كارديف، سبق وجاءت إليه أثناء لقاء صحفي مع أمير بلاد ويلز _ولي العهد البريطاني_ واكتشفت أناقة غرفه وترف تجهيزاته...
كما يدل اسمه، فطرازه فيكتوري خلافا لمعظم المباني البسيطة في استكتلاندا وويلز، وهو ما يعطيه تميزه ورونقه حقيقةً...

-أووه! إنها أنتِ آنسة تالين! سعدت أنك قبلت التواجد معنا... "قال صوت لم تعرف مصدره"
تستدير هي لتجد نفس الشاب ذو العيون الخضراء الزمردية والشعر الكستنائي، والذي تذكر أن جنسيته كانت ألمانية وأن اسمه إيرين.

صافحا بعضهما قبل أن تلاحظ:
-تبدو هادئا ومهذبا عندما لا تكون مع زميلك الآخر... جان أتوقع! "يتبع الشاب كلماتها بضحكة عالية قبل أن يفسر:"
-أنا من ألمانيا، برلين بالضبط، وهو من بلجيكا وولد في بروكسل. إلا أن كلينا درسنا المرحلة الثانوية في النمسا ثم الجامعية في سويسرا حيث اهتممنا بالسياسة والصحافة، وكنا نعشق النزاعات التافهة دون أسباب، تستطيعين القول أنها طريقتنا للظهور أمام الفتيات... وبعدها افترقنا، أنا صرت سكرتيرا لرئيس شركة Ackerman&Co الإعلامية في بريطانيا وهو أصبح سكرتيرا لرئيس شركة Smith&Co الإعلامية في الولايات المتحدة، وعندما عقدت الشركتان اتفاقا وأصبحتا واحدة صرنا نلتقي من جديد طيلة الوقت وعدنا لشجاراتنا، حتى إنهم هددوا بطردنا من العمل و....

-يا لك من شخص مميز وصريح! تحكي قصتك من ولادتك لعملك لآنسة ينتظرها رئيسك بالداخل! "يقول المدعو بجان الذي جاء من اللامكان ثم يتنهد"
آنسة تالين! هذا المخادع يريد الإيقاع بكِ لقد قالها بنفسه!

-كيف؟؟!! "يبدأ الانتحاري بالصراخ لكن الحصان يتابع"
-ولربما صرت أنا سيكرتير السيد ليفاي بدله وأقوم بعمله، كاستدعائك مثلا إلى الجناح رقم 67...
-وجه الحصاااااااااااان الكاذب!!!
-انتحاااااااااااااااااري دون فائدة!!

أوي! صمت الجميع...
-شخصان اثنان لم يستطع كلاهما القيام بواجبه؟ تشه! "يصرخ صاحب الصوت ثم يسترجع بروده بسرعة غريبة، ليتابع ناظرا إلى الفتاة هناك"
تفضلي...

تتقدم هي وراءه بينما تشير بيدها للولدين الآخرين متبعة ظل ليفاي.
ما إن يصل الاثنان لوجهتهما حتى يغلق هو الباب ويتقدم إلى أريكة كبيرة تتوسط القاعة...
يجلس مكثفا قدميه وذراعيه بجاذبية.
جلست هي في الأريكة الملحقة على يمينه.

-ءءءء أهلا! "فتحت الحوار"
-فلندخل مباشرة في الموضوع، تعرفين لما أنتِ هنا، هل توافقين على العمل معنا أم لا؟ "قال بنبرة جدية"
-أوي أوي أوي أوي "كررت وهي تحرك يديها أمام وجهها بهيستيرية"
بعضا من التأني، تجيده؟ ثم... كيف عرفت أنه تمت إقالتي؟
-لنقل أن لي صديقا له صديقش له صديق آخر يعرف صديقة لكِ.

What ??!!!!

لم تفهم صاحبتنا التسلسل لكنها وعدت نفسها أن تحله باستعمال المعادلات الرياضية بمجرد ما تخرج من هنا! غير أن إحدى المجاهيل تعرفها مسبقا: هانجي!!!
طردت الأفكار من رأسها ثم عادت للنقاش:
-إذا تعرف ظروف إقالتي أيضا.
-نعم.
-لما ترغب بضمي؟ "جانبها الطفولي توقع إجابة من قبيل: للانتقام من الذي قمت به خلال تلك الليلة بطريقة ما، غير أن الجواب كان"
-لأنك وببساطة أشهر إعلامية ببريطانيا وبما أنكِ خارج وظيفتك الأولى سيكون عملك معنا فرصة جيدة لكلينا.

لما هذه الرسمية الغريبة عليه؟

-حسنا! هذا لم يكن يحتاج سؤالا أصلا بالتأكيد سأقبل... لكني سوف أسأل عن بعض ظروف عملي هنا مثل...
-راتبك مثلا؟ لسنا في أزمة كشركة فريتز، أقصد التي صارت شركة رييس، لذلك فستنالين راتبك القديم مضاعفا ثلاث مرات، يناسبك؟
-نعم! "قالت الأخرى وهي تفكر من الآن للرجوع إلى المطعم الباريسي وإنفاق أول جنيهاتها الاسترلينية المكتسبة على طبق معكرونة بالصلصة البولونية على الطريقة الفرنسية إرضاء لنفسها!"
-ثم إنني أتوقع منكِ عملا متميزا خصوصا في الأشهر الأولى، باعتبار أن المواضيع التي تطرقينها في تقاريرك حساسة وتروق للمتابعين.
-و...؟
-وطبعا دون قيود فكل شيء مسموح به هنا...

يوقفه عن سياق حديثه الشيق قول أحدهم:
-كل شيء مسموح به هنا، حتى نشر فضائح ترمب الجنسية وانتقاد ملكة إنجلترا شخصيا، إلا عدم النظافة، يجب أن تعرفي قبلا أن شريكي العزيز مهووس نظافة فضييع!

-تشه، إيروين!!! منذ متى وأنتَ هنا؟!! "ينطق ليفاي بنبرة تهديد"
-على روعك يا رجل! لقد دخلت لتوي لكن البعض هنا كانوا منغمسين في الحديث لدرجة عدم سماعهم صوت فتح الباب. "ثم يتبع عبارته بابتسامة شبه منحرفة"

-عقل وسخ dirty mind "يتمتم ليفاي ناظرا إلى صديقه الأشقر الذي صافح الفتاة الجديدة"
-إيروين سميث، رئيس الفرع الأمريكي لشركتنا.
-تالين بيلين، لتوي صرت موظفة جديدة هنا هاها!
-ألا تكونين طالبة صديقي البروفيسور زاكارياس المتميزة؟
-ماذا؟ هل تعرف السيد مايكي؟
-طبعا! هو صديقي بالحزب الديموقراطي... "يقول الطويل هذا وينظر تجاه ليفاي وهو يهز حاجبيه باستفزاز، ليفهم الآخر مباشرة أن إقحام الأمريكي الآخر في الحوار ليس إلا لتذكيره بما جرى خلال تلك الحفلة، بهدف إغاضته، غير أنه حافظ على برودة دمه بصعوبة"

-يبدو أن لدينا نقاشا مهما هنا، سأطلب منك بأدب أن تخلي المكان يا سميث. "يعلق ليفاي بهدوء حاول استجماعه"
-لا أرى سببا لمزيد من النقاش! "يضع ذراعه حول كتفي الأخرى"
هي فتاة لطيفة وكفاءتها عالية، إعلامية مناسبة، وظفها فقط! ما أراه فعلا ناقصا هو الطعام، آنسة تالين، ماذا تفضلين؟
-إممم... معكرونة على الطريقة الإيطالية بكرات اللحم.

تنهد ليفاي بغضب، مادخل الطعام في هذا بحق اللعنة؟!! أي شخص لينقذ الموقف سيكون نعمة إلهية!
وسرعان ما تأتي النعمة الإلهية على شكل حصان يدق الباب، يستأذن إيروين ثم يتجه نحوه:

-جان ماذا هناك؟ "تصدم تالين من إيقاعه الجدي فوق اللزوم، هل هو نفس الشخص الذي كان واقفا معهما قبل قليل؟"
-لديكم لقاء مع السيد كيث شاديس بعد 7 دقائق ونصف.
-حاضر، حسنا، سآتي فورا! "بطريقة شبه عسكرية قال كلماته، جعلت تالين تشك كثيرا أن هناك مشكلا كبيرا... لما كان يمازحها ويزعج ليفاي قبل قليل على عكس طبيعته التي تحدث بها مع سكرتيره؟ هل هذا يخصها؟ مهلا... أيكون له علم بما حدث ذاك اليوم؟"
-وداعا جميعا. أتمنى أن ألتقيكما في وقت قريب. "أشار لهما برسميته الجديدة ثم غادر"

-كيف تنجحان في شراكة أسطورية كهذه وأنتما متناقضان هكذا؟ "سألت تالين"
-لأنه لم يتصرف على طبيعته قبل قليل. شيء ما أصابه، تشه! "أجاب هو مخفيا نصف الحقيقة"

هنا شكوكها لم تقم سوى بالتفاقم، إذا كان الأمريكي ذو الشخصيتين نفسه متذكرا الموقف المحرج بشكل أو بآخر، فبديهي أن يتذكره أولا هذا الذي كان طرفا فيه!
احمرت وجنتاها عند وضعها لهذه الفرضية.

-إذن ما قولكِ؟ "سأل ذو الشعر الفحمي يخرجها من حوارها مع نفسها"
-موافقة طبعا.
-جيد. تستطيعين البدء في عملك بمجرد عودتي إلى لندن، ستنتقلين من سكنك في برمينغهام لكن هذا لا يطرح مشكلا، لأننا نتكلف بسكن موظفينا في العاصمة.

ممتاز! هكذا لن أظطر لدفع الكراء وسأزور ذاك المطعم يوميا حتى أنتقم من أولئك الفرنسيين وأريهم كم أنا غنية وسأطلب أغلى المأكولات حتى أجعل موادهم الفاخرة تنتهي وأضعهم في أزمة استيراد فتقرر الشركة الأم إغلاق فرعها في برمينغهام هيهيهيهي!!

حتى دون البدء بتنفيذ خطتها الشريرة كاد اللعاب أن يخرج من فمها. 'تشه' منخفضة خرجت من الآخر نظرا لحالة الفتاة العجيبة.
نهضت ثم أمسكت يده دون استئذان بكلتي يديها وهزتها للفوق والأسفل بسرعة وشغف بينما لم تختفي بعد ابتسامتها البلهاء شيئا ما، وهي تؤكد:
-صفقة مناسبة، هذا جيد!!

ثم تركت يده واتجهت نحو الخارج بعدما تركته يتساءل 'هل هذه الإنسانة بكامل قواها العقلية؟'، ما إن فتحت الباب حتى اصطدمت بشخص اتضح أنها موظفة في الفندق.
بوووم! سقط الطبقان من يدها على رأسيها هي وتالين بعدما دخلت كل منهما في الأخرى...

-ياااه!! الطعام المسكين! انتبهي أمامك يا خرقاء لو فعلت ذلك لما ضاعت هذه النعمة!!

مهلا! مهلا! مهلا! مهلا! هي تعرف هذا الصوت، لقد سبق وصادفت صاحبته أثناء الثانوية! من تكون؟!

نظرت المرأتان إلى بعضهما ثم...
-هاااااااااااااااااااااااااا تااااااااالين! ألست الفتاة التي كانت تحب التاريخ والرياضيات والعلوم الحية وكانت تذكر الأساتذة بالواجبات إن نسوها؟! وأصبحت فيما بعد إعلامية شهيرة؟
-ساااااااااااااااااااااشاااا!!! بطااااااااطتي! التلميذة الكسولة التي كانت تغيب كل الحصص مع صديقها البيضة كوووني ولا تفهم شيئا؟!

صرخت الاثنتان ثم تعانقتا بينما السباغيتي ينزل فوق وجههما وكرات اللحم تمتزج مع شعرهما.
قد ترون هذا *cute* كما أراه أنا، لكن شخصا آخر في المكان ليس من رأينا...
-ما هذا القرف؟ أنتما مقززتان تشه!! أريد جناحا آخر غير هذا واللعنة! "ثم غادر واضعا منديلا على فمه!"

-لا تتفاجئي، فقد نظفنا الموقع خمس مرات قبل مجيئه، هوسه بالنظافة مشهور لدى أصحاب الفنادق في كل أوروبا.
-هكذا...

لم يكن سميث يكذب أو يبالغ إذن!

-هل لديكم مكان أستطيع أن أستحم فيه؟
-نعم طبعا اتبعيني...

****

-إذن... كيف كانت المقابلة؟ "سأل آرمين وهو يسوق سيارته Porsche."
-رائعة ومضحكة!
-هاا! لم يكن هذا انطباعكِ مبدئيا!
-لقد مر كل شيء على ما يرام.
-هل نقف عند مطعم قريب لتناول بعض الحساء الإيرلندي قبل العودة إلى البيت؟ "يقترح الأشقر"
-لا شكرا! لقد أكلت حتى أصابتني التخمة. وبالمناسبة... التقيت بساشا، ساشا بلوز من فترة الثانوية!!
-أفهم مظهرك الآن وشبعك! "رد هو بابتسامة لطيفة"
-آرميييييين!!!!!
-حاضر حاضر حاضر هههههههههههههه.

****

طيلة مدة عملها مع هذا الطاقم الجديد، تعرفت على عدة أصدقاء مميزين، أستطيع أن أذكر منهم راينر براون، مقدم النشرات الرياضية وصديقه الذي لا ينفصل عنه، بيرثولد هوفر، المسؤول عن أنباء الطقس، نيفا المسؤولة عن أخبار البورصة والعملات والاقتصاد، الثلاثي أوليو غانتر وإيرد نظراؤها المشهورون في مناقشة الأمور السياسية الحساسة، ثم هناك إيرين ييغر سكرتير رئيس الشركة التي تعرفت يوما بعد يوم على أسباب دعوة الناس له بالانتحاري، لصيقته ميكاسا آكرمان المسؤولة عن الشؤون المالية لأسهمهم وكذا العلاقات الخارجية مع قنوات ووكالات أنباء من مختلف أنحاء العالم، والتي ظنت في البداية أنها من عائلة ليفاي بسبب اللقب المشترك بينهما ومكانتها الكبيرة بين العاملين، لكن رد اليابانية بدا واضحا:
-تشابه أسماء وحسب.

أما الآن، فكانت بطلتنا تقف أمام نفس الباب الذي اعتادت الوقوف أمامها لثلاثة أشهر قضتها في لندن مع عائلتها الجديدة التي سبق وذكرنا أبرز أعضائها...
لكن سببها اليوم مختلف، سيتطلب بعض الإقناع الخاص، ورغم كل الفترة التي مرت، لم تستطع التعرف أكثر على صاحب المكتب بالداخل، أو لنقل أنها كانت تتفاداه بقدر ما تسمح لها الفرص...

-الاسم وسبب الازعاج.. "صوته البارد أطل من الداخل، مجسدا حرفيا ملل الرجل من وجوده في هذا العالم"
-تالين. أرغب بالحديث.
-تشه! إلى الداخل.

يا لك من جنتلمان!

فتحت الباب ثم توغلت بالداخل بعد إغلاقها، مررت عينيها هنا وهناك قبل أن تأخذ مكانا بموازاته بعدما منحها إذنه، ثم.. بدأت الحديث:
-بصراحة... أتمنى لو...
ظل هو يرمقها بشبه اهتمام منتظرا أن تستظهر ما حفظته عن ظهر قلب استعدادا لإلقائه...

-أتمنى لو أعيد إنتاج ذاك التقرير الذي لم ترغب قناة رييس بعرضه...
ثم صمتت مولية إياه كامل انتباهها...
-هذا يعني أنكِ ستظطرين للسفر إلى هناك؟ " سأل بشيء يشبه... القلق؟"
-نعم! لقد أمضيت ثلاثة أشهر أغطي قضايا البريكسيت (اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وأنباء عن رغبة البرلمان في إقالة الحكومة وغيرها من الأخبار العادية. تتطلب تحليلا دقيقا ورؤية متكاملة نعم، لكني لا أشعر حقا بمهمتي سوى إن كانت في موقع نزاع وحرب. ثم إنني زرت قطاع غزة لتقريري السابق، سأعيد ذات العمل! "ردت بتركيز عالٍ"

-جيش إسرائيل سيقود عملية عسكرية في قطاع غزة بعد عدم قدرة قبتهم الحديدية التصدي للهجوم السابق الذي نفاه الجميع، حماس وحلفاؤها يستعدون برفع حالة التأهب...
ليست هذه هي الظروف السابقة نفسها، تشه! "أجاب هو بشكل سريع"
-لكن مهنتنا هي مهنة الخطر والجميع يدرك ذلك!! "كانت نبرتها كذاك الذي يقترب من الصراخ"

وسط هذا الحوار المشتعل، يتم فتح الباب بقوة لتظهر فتاة ببشرة بيضاء وشعر أحمر ناري ترتدي ملابس... فاشينيستا؟!
-ليفااااااي!! "وهكذا دون إنذار آخر ارتمت بين أحضانه في كرسيه الواسع، وبدأت تشد على سترته الباهظة وهي تصرخ:"
-ياااااه! لا تقل أنك جدي عندما تقرر بيع يختك الخاص؟!
-لكني لا أمتلك الوقت لاستخدامه إيزابيل. "رد عليها ببرود لكنه وفي ذات اللحظة داعب خصلاتها القصيرة ذات اللون الغريب"
قوست شفتيها مصطنعة الحزن وهي تؤكد:
-كيف سوف أسافر مع صديقاتي عبر منتجعات العالم البحرية هكذا؟!
-أغادر لو سمحتم. "رد صوت بطلتنا من الناحية المقابلة يحمل شيئا من انزعاج"

ظل الاثنان يرمقانها في صمت حتى خرجت بعدما علمت الباب معنى الألم.
ما إن قامت بذلك حتى تنفست محاولة إخراج الضغط بداخلها لكن هذا لا ينفع!!

من تكون تلك العاهرة؟! تفاجأت من نفسها فلم يسبق لها من قبل وصف أحد هكذا، لكن... ما العهر في أن تجلس فتاة بين أحضان حبيبها إذا كان هو قابلا؟
العهر في الحقيقة هو أن لا توليني اهتماما وكأني غير موجودة! لكن... أفعلا هذا هو ما يزعج صاحبتنا؟ في رأيي... هناك سبب أعمق بكثير!
على الأقل لم تقبله دون إرادته كما فعل البعض! أزعجها صوت ما من منطقة ما بدماغها!

ولتهدئ هذا الجحيم المستعر اتجهت بسرعة نحو المكان الذي ترجو أن تجد فيه إجابتها...

****

-إيرين.
-تالين أهلا!! "قال الانتحاري بسعادة وهو يستعد ليقص على الفتاة مغامرة عجيبة من مغامراته المملة كالعادة... لكن شيئا ما أثار استغرابه"
-ما الأمر؟ تبدين غريبة!

-هل تعرف فتاة تدعى إيزابيل بشعر أحمر فضيع وعيون خضراء؟ تعرف! النوعية الاسكتلندية النمطية بجريهن المتواصل وراء الرجال!
تستغرب من جديد، أسلوبها في تعميم هذا على شريحة واسعة من نساء بلدها دخيل عليها، وهي حقا لا تعرف ما حل بها!

-أووه! "يبتسم إيرين كثعلب يتجهز لاصطياد فريسته"
لما ركزت على فقرة *جريهن المتواصل وراء الرجال*؟ من فارس الأحلام هذا الذي تمت سرقته منك؟ "ثم يصفر بسخرية"
-إيرين أنا جادة! "ترمي على رأسه وثائق ومستندات"
لقد قاطعتني وسط حواري مع قزم النظافة دون الاعتذار حتى!
-أي نوع من الحوارات؟ "يقول إيرين مصرا على تلقي صفعة خرافية اليوم"
-إيرين! "على نبرة مهددة" من تكون؟

-ولما سؤالي أنا بالضبط؟
-لأنك... سكرتير ذاك الوغد أي أنك ستكون ملما بهذه الأمور! مثلا ستعرف مواعيدهما في المطاعم الفاخرة والليالي في الفنادق المصنفة و...
صوت ضحك أسطوري يفجر المكان!
تنظر تجاه إيرين لتجده يكاد ينفجر! الدموع تنساب من عينيه كشلالات Niagara بينما وجهه أحمر من شدة الاختناق. لم يستطع التوقف عن الضحك فتابع الفركلة بأقدامه حتى أسقط معظم رفوفه السفلية بينما لازالت قبضته تضرب على حافة مكتبه في حين تشتغل اليد الأخرى لإزالة ربطة عنقه حتى يستقبل الهواء بشكل مناسب...

ما لعنة هذا الوغد؟

-هذه أكثر نكتة مضحكة سمعتها في حياتي! غدا سوف أنشرها وأحطم بها رقم راينر القياسي بنكتته أن رئيس أمريكا ترمب يستأجر جيشا ليستطيع إيقاف شعره بذاك الشكل الغريب آااخ!!
إنها أخته بالتبني!

Holy shit!

-لكنها بدت تتحدث بطفولية وقرف وتصنع... تتعامل بشكل غير طبيعي ومبالغ فيه! كيف سأعرف أنها أخته هكذا؟! لم أرى في حياتي أختا تتصرف هكذا مع أخيها!! "حاولت إنقاذ نفسها"
-لأنها طريقة التعامل المعهودة لدى مصممات الأزياء المدللات! هي مصممة مشهورة لدى Gucci الإيطالية!
-ماذا؟!!! "علقت بصدمة!"
لو كانت حقا مشهورة لما لم أعرف اسمها! Gucci من الشركات التي أتابع إصداراتها باهتمام!
-لأنها تستعمل اسم شهرتها Gogoosha الذي تصدر به إبداعاتها وتخفي اسمها الحقيقي عن الإعلام... هذا أساسا سبب هوسها بيخت أخيها! فهو مناسب جدا في هكذا وضع على عكس الطائرة التي ستجعلها في اتصال مع الناس ما يزعجها شيئا ما!!
-ماااااااااااااااااااااااذاااااا؟ Gogoosha؟! مصممتي المفضلة؟!!! "ظلت تالين في حالة سكون تام"

صفق إيرين بسخرية قبل القول:
-على هذا اطمئني فلن تسرق حبيبك ليفاي! "ثم يتبع كلماته المنحرفة بغمزة أكثر انحرافا"
-لست معجبة به! وإياك ونشر هذه الشائعة! يجب أن تكون مقدرا لوضعي فأنت الذي يشبكونك دائما معه وتحس بانزعاج! وما يزعجك يزعج غيرك! "قالت بابتسامة مريضة"
-إذن فأنتِ تهتمين فقط لأن لا ينتشر الموضوع، لكنك لا تمانعين لو تتواعدان!
-ربما... "قالت متخذة وضعية التفكير"
-مهلا مهلا مهلا مهلا!!! لقد اعترفتِ لتوكِ بشكل غير مباشر بأنك ترغبين في مواعدة الرئيس!
-لا لم أقل ذلك! "صرخت بقوة"
-بلا قلتيه!
-إذا كان الأمر هكذا، فأنت قد أعطيت المثال بنفسك، ما يعني تقنيا أنك الآخر ترغب بشكل أو بآخر بمواعدة الرئيس!
ها قد انقلبت عليه لعبته!
-تااااااااااااااااااااااالييين!!!!!!!!

لكنها خرجت بتعابير منتصرة، تنهدت براحة لا تعرف مصدرها، ما المريح في أن يتم إخبارها أن تلك الفتاة أخت ليفاي؟ هل تغار!!!! اتجهت نحو الممرات دون أن تتوقف عن التفكير، لكنها التقت...
-أوووه! إنها أنتِ آنسة! كنت أبحث عنكِ لأعتذر عما بدر مني عندما تجاهلت وجودك بغير قصد، لقد كنت سأتحطم فعلا إن باع أنيكي ذاك اليخت المحبوب. المهم، جيد أنني وجدتك!

نظرت إلى محاورتها بعيون متفتحة! الاحتقار والحقد القديمان تركا المكان لإعجاب وشغف بعدما عرفت هويتها!
-لاااا لم أنزعج حقا!
-حقا؟؟!
-نعم.

تفكر الأخرى بضع ثوانٍ قبل القول:
-هل بإمكاني القيام بشيء لتعويضك؟
أممم.....
-ربما نعم!
-ما هو؟
-هل بإمكانك إخباري بسر حول تشكيلتك القادمة للربيع؟ هل سوف تختارين فيها الستايل الفرنسي الغبي أم ستفضلين الإسباني الخفيف، أعني الاعتماد على التنانير القصيرة الملتصقة بالجسم...
-تمامااا!!! مع ملابس علوية واسعة تظهر نصف البطن لكن تخفي نصف الذراع العلوي!
-بالتركيز على أن تكون الأقمشة ملونة بشكل كبير!
-مع إكسسوارات أنيقة قليلة!

ظلت الاثنتان ترمقان بعضهما بعد حوارهما الذي أقل ما يوصف به أنهما تقرآن أفكار بعضهما، ثم تطلقان صرخة مشتركة قصيرة!
-واااو!! عرفت أنكِ شخص رائع فقك عند رؤية حقيبتك الجلدية من تصميمي!
-على عكس هانجي المجنونة التي قالت أنك ستميلين تجاه الستايل الفرنسي بموديلاته المملة شديدة الرسمية...
-خصوصا المعاطف الجادة والSmokings.
"تعطي إيزابيل لنفسها مهلة تفكير"
لحظة... كيف عرفتِ أني Gogoosha؟

-لدي طرقي هاها "ردت الأخرى بخجل"
-رووووعة!!! سوف تكون تشكيلتي الربيعية القادمة على شرف إعلاميتنا الشهيرة تالي! "أعلنت ذات التصرفات الطفولية"
-أريد التعرف عليكِ أكثر إيزا...
لابتوب أول ثم ثانٍ يخرجان من وراء حرير الحقائب ثم يبدأ تسجيل أرقام الهواتف...
الفتيات جنس رائع وعجيب!!

****

كان بدر الليلة المكتمل يطل على معجبيه المتجولين على ضفاف نهر التيمز Thames والمجتازين لجسر Westminster الذي يقابل برج الساعة الشهير الملحق بغرفة البرلمان البريطاني. وراءه يقبع مبنى لا يختلف عن طراز هذه المباني كثيرا بما يفسد الأصالة الإنجليزية القوطية لعاصمة هذه الدولة...
أما داخله فاستعد نصف موظفي الشركة الشهيرة للرجوع إلى بيوتهم وتسليم أماكنهم لزملائهم الذين يتولون أعمالهم في الليل، أي نبأ في أي وقت وأي منطقة بالعالم يجب أن تتم تغطيته!
   اقترب الربيع والجو مازال باردا حد الجحيم! فكرت بطلتنا تنسحب مع جماعة المغادرين. لوهلة استغربت من تشبيهها عديم المعنى لكنها انتهت بقبوله على أنه إنجاز أدبي!! ماذا تتوقعون على كل حال من عاصمة الضباب؟!

سيارتها الألمانية العزيزة كانت تنتظر في الباحة الخلفية التابعة للموقع...
فتحت بابها المتألق وولجت إلى الداخل تشغل مختلف الأزرار.
   ما مشكلتك أيتها المشاكسة؟!
تحدثت لنفسها آملة بشكل أو بآخر أن تقرأ السيارة أفكارها غير أن هذا لم يحصل ولن يحصل...
   من المفترض أن تكوني سليمة كيف سأعود الآن إلى المنزل ووسائل النقل العمومية في اكتظاظ بسبب التظاهرات!!!

أغلقت الباب بغضب بعدما أدارت وجهها هنا وهناك... أصدقاؤها قد غادروا منذ مدة عندما كانت هي مشغولة في الداخل وليس هناك منهم من قد يوصلها!
   سأتدبر أموري بنفسي!
اتجهت نحو واجهة السيارة، فتحت بطنها الأمامي علها تعاني مشكلة في أمعائها الحديدية! وبينما رأسها محشور في الهيكل المعقد الصنع الذي احتاج سنوات من مجهودات المهندسين أبناء جمهورية أنغيلا ميركل، تسمع صوتا باردا وراءها يتحدث بانزعاج:
-تشه، أنتِ!! هل هناك أية مشكل؟!

أدارت رأسها لترى رئيسها في العمل مستندا على Mercedes Benz ضخمة سوداء لامعة.
-لا أعرف ما أزمة سيارتي على غير عادتها! والمشكلة أن وسائل النقل غير متوفرة بسبب المظاهرات!! "ردت بعدما أنهت معاينة المحرك دون فائدة"
-تششه!! تعالي إذن... "حمل ما قاله صيغة اقتراح لا أمر، ما شجع الفتاة على إمساك حقيبتها والركوب في المقعد الأمامي إذ تكلف صاحب السيارة بفتح الباب ليسمح لها بالدخول...
   يكون هذا الوغد جنتلمانا عندما يريد!!
بالنهاية لا يزيده هذا سوى جاذبية، رغم أنه وسيم حتى عندما يتصرف بقلة احترام!!
   فلتهدؤؤوا أيتها الغوريلات!!! " خاطبت تالين هرموناتها بلطف الدنيا"

دون أن تلحظ ذلك، كانت السيارة تتحرك بينما تراقب هي من وراء الزجاج الأسود للسيارة نفس المعالم المتكررة منذ ثلاثة أشهر لها هنا... لكنها جميلة وتتركك مدمنا عليها حتى وإن بقيت أمامها الدهر بأسره!! أليست هي المدينة التي ألهمت مجموعة من أعظم شعراء التاريخ كWilliam Wordsworth وJohn Milton وThomas Stearns Eliot وحتى Shakespeare...

-لقد قبلت فكرتك، تستطيعين الانطلاق إلى قطاع غزة من الغد... تشه! "قال هو كاسرا حاجز الصمت"
-حقاا؟!! "سألت _عفوا صرخت_ بسعادة"
-هل يبدو علي المزاح؟!
-لا!
-إذن فأنا أعني ما أقوله. "توقف لوهلة وأخذ نفسا عميقا"
انتبهي إذن على نفسك أيتها المتهورة..

كانا قد وصلا إلى حديقة بيتها الجديد القريب من المتحف الوطني...
-أعدك! "قالت بابتسامة خادعة لأنها اعتادت طوال سنوات عملها على فعل كل شيء إلا البقاء في أمكنة آمنة!"
رفع حاجبه بسخرية ثم سرعان ما ارتخت ملامحه، بدا يفكر في شيء لم تفقهه ويركز على نقطة بعيدة معينة...
   هل أحلم أم أنه يكاد يبتسم؟!
هكذا، بخفة دخيلة على القوى الإنسانية الطبيعية المحدودة، يغير وضعيته ليسند كامل ثقله على حافة مقعدها ويصير مقابلا لها، وجهاهما لا يبعدان سوى ببضع إنشات...

-أكره فعلا أن لا يكمل أحدهم ما بدأه... "قال بهدوء في أذنها مستخدما نبرته الجذابة حد اللعنة"
تيار كهربائي صاعق اجتاز عمودها الفقري جاعلا إياها تقشعر من برودة أعضائها رغم الحرارة بالداخل، عندما داعب رأسها وأعاد بعضا من خصلاتها المتمردة خلف أذنها ليرى عيونها الزرقاء كالمحيط الأطلسي في فصل الربيع بوضوح أكبر، ثم يقطع مجرى الريح بين شفتيهما ببطئ...

حركته كانت دعوة أكثر منها هجوما؛ كما فعلت هي في أول لقاء لهما... ثم سرعان ما استلمت هي الدعوة لتحرك كرزيتيها بمحاذاة شقيقتيهما الناعمتين بشوق. بينما أطبق هو ضغطا خفيفا بأسنان اللؤلؤ خاصته على شفتها السفلى طالبا منها في صمت استكشاف عالمها اللذيذ كأنهار من الآثام، فقبلت هي الأخرى في نفس الصمت المسيطر...

عانق بذراعه خصرها وترك الآخر يتمدد بين جنباتها مدغدغا باستفزاز لطيف قفاها وكل ظهرها عن طريق يده الدافئة. في حين شدت هي على خصلاته السوداء كَريش غراب غامض ناعم بشبه عنف؛ جانبها العربي المتسرع يغلب نظيره الإنجليزي المتَّزِن...
لم تصدق أن هذا الشخص البارد الطباع قد ينقل إليها هذا الكم من الدفء والحرارة في معادلة لن ينجح أذكى فيزيائي باكتشاف مجاهيلها...
لقد بدا يداعب لسانها بالداخل لا يحاربه، بحيث كان ما يحصل أشبه برقصة باليه ناعمة فوق إحدى مسارح باريس، يختلف إيقاعها من ناعم لأكثر نعومة، لا معركة جديرة بإحدى الحربين العالميتين!

تأوه مكتوم صدر عنها معلنا انقضاء الأوكسيجين المخزن بحوزتها، وكم يصير هذا اللعين مصدر إزعاج في مثل هذه اللحظات التي يتمنى المرء لو تدوم دوام صمود الروس أمام كتائب هتلر المسلحة!!

انسحب هو من هذا الجو الحميمي وفتح عيونه التي كانت مغلقة طوال هذه المدة...
نظر إلى من كان يقبلها قبل ثوانٍ ليلحظ تعبير صدمة على محياها، وكأنها لم تكن الطرف المبالغ في كلتي التجربتين السابقة والحالية!!
-لما هذا الوجه؟! "قال بذاك النوع من التساؤل الذي يمتزج بين طياته الاستغراب والسخرية وعدم الفهم دفعة واحدة في خليط يعجز النقاد الأدبيون عن فهمه"
-هاا؟! "ردت القادمة للتو من المريخ على متن مركبة أبولو الفضائية"

-ليس وكأنكِ لا ترغبين بمواعدتي... "قال بسخرية جدية من جديد"
-ماذاااااا؟!! "صرخت الأخرى بينما تزورها الفراشات قليلة الأدب دون دعوة"
-لقد سمعت جزءًا من محادثتك مع الأحمق الآخر...
-تقصد إيرين؟! "سألت تتمنى أن يجيب بالنفي"
-بالتأكيد... ومن غيره يصرخ بصوت مرتفع يجعل الصين تسمع ما يحدث بداخل مكتبه؟! 

لتبتلع ريقها وتقفز بهلع خارج السيارة وهي تقول بصوت مغنية الأوبرا:
-لقد تركت الدجاج في الفرن وسوف يحتررررق!!!

-أوه حقا!؟! تشه... "همس الآخر ينظر إليها تجري مثل كتكوتٍ بللته الأمطار"

****

تَوغلْ في صحراء سيناء المصرية القاحلة وراقب البحر الأبيض المتوسط ثم اتجه شمالا، أو ببساطة اترك الأردن وراءك وصافح سوريا لتصل إلى لبنان وتتخذ الطريق الجنوبية...
هناك ستصل إليها وستجد نفسك بين أحضانها...
فلسطين إذن، مهد الديانات والحضارات...

-لنرى من أين يجب أن نبدأ! "قالتها صاحبتنا بسعادة وهي تطأ هذا التراب المميز، لكن السعادة قصيرة قِصَر ليفاي آكرمان"

-آنسة تااااالين!! "صرخ موبلت بيرنر أحد أعضاء فريقها التقني وهو يتوجه نحوها"
أمر مباشر من القنصلية الإنجليزية في مصر لجميع مواطنيها بإخلاء أماكن الحدود فورا، يبدو أن هناك قصفا مكثفا وأن كل من يقترب من المكان تتم تصفيته. هناك تحذيرات مشابهة من جميع الدول الأوروبية وأمريكا. في رأيي علينا العودة إلى فندقنا في شرم الشيخ حتى تهدأ الأمور...

بينما كان موبلت يلقي كلماته هذه تحت ارتجاف أوصال باقي الفريق التقني، كان كل ما يدور ببال صاحبتنا، القلق على أصدقائها الفلسطينيين على الحدود، الذين وعدوها أنهم سيستقبلونها، وهم ليست لديهم أية جنسية أجنبية ليتم تحذيرهم... يا للظلم!!

-سحقااا! "انزعجت وهي تحاول الاتصال للمرة الثالثة دون جدوى، لا أحد يرد!"
لا بد أنهم قطعوا أية تغطية حتى لا يكون هناك تواصل بين الصحفيين أو المواطنين، يا لها من سياسة حثالة!!

رغم القوة التي كان يظهرها تصميمها من الخارج، إلا أن داخلها بدا عبارة عن مرجل من القلق يغلي على نيران الخوف!!
لن تتخلى عنهم مهما حصل، وهذا سبب قرارها:
-سوف نتجه إلى الحدود حالا، لا أجبركم أن تكونوا معي وتخالفوا أوامر السفارة، لكنكم لن تمنعوني عن عكس ذلك!!

نظر الجميع إليها وهي تتقدم متسائلين عما يدور برأسها، لقد كانت ببساطة لا ترغب بالبقاء ساكنة دون إجراء أية محاولة بينما حياة أصدقائها مع عشرات الأسر مهددة...

-سوف أتبعها! "قال موبلت ثم نفذ كلامه، وحيدا، تحت استغراب الجميع.."
يبدو أن الأمور لن تجري أبدا أبدا أبدا أبدا على ما يرام هنا... 

****

الألم يستعمر رأسها... الأوجاع تجوب كل إنش في جسدها...
استيقظت بصعوبة لتستيقظ معها آلامها النائمة وتعي بها كليا الآن وقد استعادت _للأسف_ سيطرتها على حواسها... 
تمكنت من تحديد بؤرة هذا الألم وكانت كتفها الأيسر، بدا وكأن آلاف الوخزات تتسابق لاحتلال تلك المنطقة، لم تعرف ما يحصل!

تسلل النور إلى عينيها شيئا فشيئا وبدأت رؤيتها تتوضح...
سقف أبيض لامع دون شائبة كان أول ما رأته...
   أين أنا؟! أول ما يطرق البال في مثل هذه اللحظات!

-استيقظتِ أخيرا، تالين... "ذاك الصوت البارد الذي بات معتادا لديها مؤخرا أيقظها من عالمها"
استدارت لتواجه صاحبه لكنها سرعان ما تطلق صرخة قصيرة، وكأن خنجرا اجتاز إحدى أضلاعها...
سمعت 'تشه' منزعجة وقلقة في ذات اللحظة قبل أن تحس بذراعين ذكوريين قويتين تمسكانها وتثبتانها لتأخذ وضعية جالسة مرتاحة، ثم ظلتا تحاوطان خصرها.

-ءءأين أنا؟ "سألت باستغراب"
-أنتِ في مستشفى Özel Sur باسطنبول "نظرت له إثر إجابته غير المفهومة طالبة مزيدا من الشرح، ليتنهد هو ثم يتابع"
كنت جالسا في مكتبي دون أية مشكلة حتى أتلقى اتصالا من فريقك التقني وهم داخل مصر عن كونك وموبلت خالفتما توجيهات السفارة، لأكون صادقا، توقعت مسبقا أنكِ ستقومين بتهور من هذا النوع، تشه!
-و..؟!
-تم إخباري كذلك أن إسرائيل قطعت كل أنواع الاتصالات والتواصلات ما جعلكِ مفصولة عنا تماما...
-ماذا عن موبلت وأصدقائي!!! "قالت بسرعة وهي تحاول النهوض، للتو تذكرتهم! ماذا حل بهم؟! لكن ذات الذراعين يشددان قبضتهما على خصرها"
-هم بخير على عكس أحدهم الذي تلقى رصاصة في كتفه الأيسر... "أجاب هو بشيء من... الحزن؟!"

-كيف وصلنا إلى تركيا؟ وإن كان هناك قصف فستغلق مصر معبر رفح! كيف وصلتم إليّ؟ و....
-كثيرة الثرثرة... "نطق الآخر وهو يمرر طرف إبهامه على وجنتها اليمنى بينما يداعب بيسراه كتفها المتضرر... للتو فقط انتبهت إلى أنها لا ترتدي سوى قميص نوم حريري رقيق بلون الكريما، احمرت لرؤية ذلك..."

   من الممرضة المنحرفة التي ألبستها هذا الشيء؟!

-لكني ورغم ذلك أحس نفسي مجبرا على تزويدك بتلك المعلومات الغبية...
نعم، لقد تم إغلاق المعبر الحدودي ولذلك اضطررت إلى استخدام طائرتي الخاصة، كانت حالتك حرجة حقا، جيد أن زملائك استطاعوا تولي الأمر حتى وصولنا، تم نقلك فورا إلى مستشفى العاصمة بالأردن بما أنها أقرب دولة إلى موقعنا حينها خصوصا أن طائرات الأوغاد الآخرين كانت لتمنع دخولنا إلى فلسطين أو حتى أراضيهم..
-ثم؟

-ثم تلقيت عناية أولية لكنكِ فقدت دما كثيرا وكنتِ قريبة من المرحلة الخطر فكان إجباريا عدم المخاطرة وتركك هناك...
-لهذا أحضرتموني إلى اسطنبول؟
-نعم. يجب عليكِ التحسن بأسرع وقت للإدلاء بشهادتكِ أمام المحكمة...
-بخصوص ماذا؟!!! "سألت بغير فهم"
-القضية التي رفعناها ضد من أطلق عليكِ النار ومن أمر بذلك...
-كل هذا حدث وأنا غائبة عن الوعي؟!
-جزئيا.
-كم بقيت على هذه الحالة؟!
-8 أيام...
   يا لي من كسولة!!

-أنهيت استجوابكِ؟ "كان دوره هو في السؤال هذه المرة"
-أجل! إني أتذكر بفضلك الآن ما حدث... جيدا!

انساق إلى تفكيرها شعور القلق والخوف الذين انتاباها عندما كان سيموت زملاؤها وستذهب فعلة من تسميهم ب"الحثالة" دون أن يراها العالم... رأت تلك العينين الحقودتين تضيقان ليتمكن صاحبهما من التصويب في المكان المناسب... أحست لأول مرة بالشعور بالخوف المبكر، كان كل شيء أسودا، لم يكن العالم ذا معنى، جسدها بارد جدا...

-لقد... كنت خائفة جدا... "أقرت وعيونها تكاد تدمع"
-لن يكون خوفكِ بمقدار خوفي، تالين... "توسعت عيناها إثر إجابته، وسرعان ما كونت التساؤل التالي"
-لما كل هذا الاهتمام؟!! 
-أليس واضحا؟!

   منذ متى كنا نجيب عن الأسئلة بالاسئلة؟!!
-

لا.
-تشه!
   أو ب'تشه'؟!!

كور وجهها الطريف بين كتفيه واقترب منها، للحظة تساءلت عما إذا كان طبيعيا أن تجد هذا القرب عاديا!
-لنقل أني كنت معجبا بأحدهم قبل أن أراه مباشرة حتى...
موهبتك كانت شيئا مميزا، كنت حقا أريدكِ معي لكني كنت أعرف أن هذا لن يحصل، على الأقل مادام بيكسيس على رأس شركة فريتز أو بالأحرى ريس حاليا، هو بمثابة والدك ولم تكوني لتعملي مع غيره. لأكون صريحا، لم أنزعج حقا من فعلتك يوم الأمسية...
   يا لك من منحرف أصيل! فكرت هي تنافس الطماطم في لونها...

بل على الأحرى تمنيت لو تستمرين فيها أكثر. لكن، ليس هذا ما حدث لسوء حظي، بل صرتِ تتفادينني على أمل أن ينسى أحدنا، لكنني لم أكن لأنسى، والواضح أنه نفس الشيء بالنسبة لكِ صحيح؟
عندما كانت أختي الشقية إيزابيل تتصرف بتلك الطريقة أيقنت من شيء، هو أنكِ تغارين...
   سحقا، يا لك من مغرور متفاخر! من جديد فكرت بانزعاج مصطنع!
وتأكد ذلك عند سماعي حديثك مع إيرين، لأول مرة صراخه ينفع بشيء...
   سأبيدك يا إيرين! مهلا لقد صرت مثله! مهلا إن فعلت ذلك فستتغذى ميكاسا على لحمي في العشاء!!

تنهد هو بعمق شديد...
   الإنجليز سيئون عندما يتعلق ذلك بالمشاعر!

-توقعت أن بإمكاني التحكم بالوضع حتى... حتى حدث ما حدث... لم أعرف ما الذي جعلني أنزعج بالضبط؟! أهو أن أحدا يقوم بواجبه الصحيح؟ أهو أنكِ وعدتني بشيء ولم تفي به؟ أم أنه طريقة لإخفاء تخوفي من خسارتك؟ رغم أن تصرفك كان في محله... كل ما عرفت أنني اضطررت لاستهلاك ثماني أكواب شاي في الساعة حتى أتناسى الوضع...

   واااو! هذا كثير حتى بالنسبة لإنجليزي! مهلا مهلا مهلا! قال تخوفا من خسارتي!!

-الحقيقة أني لا أعرف كيف يقولها الأمريكيون والفرنسيون بهذه السهولة... نحن البريطانيون عموما نفضل أن نوصل ما نريد قوله كتابة لا حديثا، لذا سيبدو هذا غريبا...
إذن... هل نتواعد؟!

كانت ملامح الصدمة تسكن وجهها شخصيا، كل ما استطاعت فعله منحه نظرات غريبة لعلها تفيد: Are you fucking serious؟
ابتسامة جذابة لعينة تربعت على محياه كما يتربع أقوى الأباطرة على عروشهم...

    لما كان عليه أن يكون مثيرا هكذا بدل الإجابة ب'نعم' بكل بساطة؟!!

نفخت خديها بطفولية تجمع ظرافة الدنيا _خلافا لشكلها الجاد المعتاد_ قبل أن تجيب:
-من قد يرغب بمواعدة شخص شديد العصبية وشديد البرودة وسليط اللسان ومهووس نظافة إلا معتوهة مثلي!

   أليست الإجابة معوقة؟! ما رأيكم؟!

- أعتبرها نعم.
- اعتبرها ما تشاء!

   الاثنان يحتاجان لسنتين يعاشران فيها الفرنسيين حتى يتعلما أصول الرومانسية!

وهكذا، باتفاق شبه ثنائي يعانقان بعضهما، ثم سرعان ما تبدأ جلسة التقبيل، أكثر عنفا و...رغبة من المرات السابقة... أن يكون بجانبك شخص كدت تفقده؛ سالما معافىً يجعلك حقا تفكر في سجنه بين أضلاعك كي لا يغادرك ثانيةً!!!

وطبعا لأن الصدف في هذا العالم كثيرة وعديدة وبها تقوم الدول والحضارات والسياسات... كان من الطبيعي أن أول جلسة تقبيل لهذا الثنائي الرائع وهما رسميا في علاقة عاطفية، يتم مقاطعتها من طرف جيش من البشر يقتحمون المكان دفعة واحدة...

نظر الفريق القادم بصدمة إلى المشهد...

الاثنان فوق سرير المستشفى المسكين، هو يضع ذراعيه حول خصرها ليقربها منه وهي تحاوط يديها حول عنقه وآثار احمرار على شفتيهما تفضحهما بوضوح...

*أووه جئنا للاطمئنان على الآنسة تالين بعد ما حدث، لكن أرى أنه لربما علي ترك بعض الخصوصية لكما، ذاهب وداعا..* قال سميث ثم أتبع كلماته بغمزة مليئة بالمعاني المنحرفة...

*على أساس أنك تكرهينه...* كان دور ميكاسا في الحديث دون أن أنسى ذكر تحريك الحواجب باستفزاز...

رفع إيرين وجان لتالين إبهامهما علامةً على النصر ثم غادرا بضحكة مريضة متبعين ظل الأشقر الضخم...

مايكي نقل خضراوتيه بين تلميذته السابقة وصديقه قبل الابتسام باتساع ليتمتم congratulations بإنجليزيته الأمريكية ويسرع إلى إيروين ليخبره أنه شم هذا حتى قبل حدوثه...

وها قد انتهى فريق ليفاي، نأتي لأصدقاء تالين!!
كان آرمين محمرا من رأسه لقدميه، همس باعتذارات متخالطة غير مفهومة قبل الانطلاق خارجا...

*إذا أردتما أستطيع إعارتكما خمس قنينات من الشامبانيا لهذه الليلة، وأمنع بطريقة ما والديك يا تالين من المجيء فطائرتهما قد اقتربت هيهيهيهي* قالها بيكسيس زعيم الانحراف...

أو مهلا... هناك من ينافسه بقوة أكبر في سباق الانحراف هذا! ما أن أخلى الجميع المكان حتى علقت هانجي:
*أعرف جيدا شوارع اسطنبول لذا سأعلمكما من الآن أن صيدلية توجد على يمين المستشفى إذا أردتما واقيا أو حبوبا حسب الرغبة...* ثم تركض بعد إغلاق الباب وهي تصرخ في الأرجاء...

لدرجة جعلت الممرضين الأتراك يتساءلون:
   هل هؤلاء الأجانب بكامل قواهم العقلية؟!

أما داخل الغرفة التي تثير كل هذه المشاكل، فكان ليفاي يرتدي سترته العلوية لأنه بقي بقميصه فقط أثناء انتظاره الفتاة، ليخرج ويصفي بعض الحسابات...
-سوف أجعلهم يندمون! أراهن أن تصرفاتهم الطفولية اللعينة ستتسبب في فضيحة تتصدر العناوين!!

غير أن تالين أمسكت يده وشابكت أصابعهما:
-أممم.... ليفاي؟! أرى أنه ليس الوقت المناسب لذلك... ما رأيك؟
-ربما معكِ حق...

وهكذا، تكون سيجارة غبية واحدة سبب قصتنا الطويلة من بدايتها...
كم أن الصدف تصنع المعجزات!!
  
|||||||||||||||||||||||||||

أهلاااا بسكويتااات 😍🍪🍪🍪.

كيفكم؟! كثيير سعيدة إني وأخيرا قدمت هاد الوانشوت الأول لصديقتي الرائعة TalenBillen712... بعتذر مسبقا عن إذا كان الوانشوت شبه الرواية مو الوانشوت لكن بتعرفوني ما بعرف شي اسمو الاختصار!!

أي خطأ؟ اكتبوه هون...

-يا ترى حبيتو طريقة الكتابة هادي أو بتاعت الرواية؟ يمكن اللي جعلني اختارها إنو القصة في الزمن الحالي مو بالماضي!

-حسيتو القصة واقعية لما دخلت أماكن حقيقية وشخصيات من العالم؟

بالمناسبة، بتمنا تكونو لاحظتو اسم المحظوظ الوحيد خارج شخصيات أتاك وتالين، اللي تم ذكرو بالأحداث، لإنو الوانشوت القادم إلو 🤩

وباي باي مسامحة عن التأخير من هلأ 😁

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro