٠٢
.........
AFTER THE BREAKDOWN
—2—
........
كانت تئن..تتوجع.. تتلوى من الألم كما لو أن كل
جزء من عظامها يتآكل بداخلها.
جسدها ثابت فوق مكان خشن، صدغها ينبض
بقوة وظلام دامس يُحيط بها.. مع ذلك لم تخفت
الأصوات العالية من حولها.. نبرات مُختلفة
صرخات قوية.. مشاحنات.. وبكاء من مكان بعيد..
صوت نبضات قلب عالية.. قطرات صغيرة..
أنفاس ضحله ورطوبة مريعة أحرقت جلدها..
شعرت بكل ذلك لثوان وحسب قبل أن يبهت كل
شيء وتعود مجدداً إلى فجوة الظلام التي سحبتها بعنف.
حينما أستيقظت مرة آخرى كانت بين عالمين
خاويين تماماً، مُحيطها يتلون بين رمادي وأسود،
أحدهما تشعر به حد النخاح والآخر يهوي بها
حتى القاع..
مع ذلك كانت لا تزال غير مُدركة للأمر..للواقع..
لا تعلم أين تضع قدميها.. أين تسير وإلى من..
تهادت صور كثيرة في فضاء عقلها الشاسع..
ذكريات كانت بها مبتسمة.. تضحك ملء فمها
بسعادة.. بإشراق.. بعينان يتراقص بهما الوله
والولع..
مقتطفات ماتت فيها الكلمات وتبرعمت بها
الأفعال حيث تلك اللحظة الرتيبة الممله من
وقت ما بعد الظهر عندما تبدأ الشمس بإرسال
دفء حلو وتقلص من سطو أشعتها الحارقة
لتتلاعب النسمات الخافتة ببطء تُحرك أطراف
الستارة الشفافة وتستقر على جسديهما حيث
تتكأ ذراعهُ فوق خصرها فيما تداعب أصابعهُ برقة جلدها الناعم وترتطم أنفاسهُ الحلوة ضد جبينها الغض.. هذا عدا عن تشابك أرجلهما بعد صراع
طويل أسفل الغطاء والذي تجعدت أطرافه..
كانت سعيدة.. خفيفة.. بقلب يقرع طبول
العشق تستلقي برضا تام وراحة بين ذراعيه..
تستنشق ذرات عطرهُ الندي.. تلك الرائحة الحلوة الممزوجه بعبير ما بعد الحلاقة.. رائحة عبقة تتفتح بها زهور روحها وتنعش رئتيها..
تلك اللحظات القصيرة التي لم تكن تعطيها
الأهمية الكبيرة من وقتها لأنها تدرك تماماً
بأن العمر بحاله لا يزال ينتظرهما معاً... مثل
تلك اللحظات التي كان يُجاهد حتى يجمعهما
السرير لتحتضنها ذراعيه وتهمس شفتيه بالكلمات التي لم تخطئ يوماً في تفجير نبضات قلبها..
كلماتهُ المعسولة التي تجعلها تطير دون قيود..
دون خوف.. دون تردد لتغرق بعدها في المزيد
والمزيد من الحبّ الذي لم يتوقف للحظة عن
بثه ليتسلل روحها ويحكم قبضته عليها بتملك سافر.. بقوة ما عادت تدرك بعدها معنى أن تُحب شخص آخر..
على حين غره منها تشوشت الرؤية لديها..
أسرعت تمد أصابع مرتجفة تداري بها الألم
الذي يقطر شفاف اللون.. ولكن تلكأت يدها في
الفراغ حينما أتضحت لها الصورة أخيراً.. حيث
أنها لم تكن تبكي..
لم يتغير شيء.. لا تزال تقبع بين ذراعيه..
تُحدق به كما لو أن نجوم الكون أستقرت في
عيناها.. كانا يتحدثان بحلاوة.. بهمسات غريبة
عن سمعها.. بإبتسامات حقيقية هزت عالمها
قبل أن تُلقي بها بكل قسوة خارج تلك الفقاعة الوردية لتكتشف بعد صدمة أنها تُحدق بفراغ
في سقف الغرفة التي ترقد بها.. تُحدق بشرود
في حاضرها المرّ بعد أن رفضت نفسها مُغادرة
ماضٍ حلو من الذكريات..
ماضٍ كانت تتباها به.. ماضٍ كانت سعيدة به
كما لم تكن يوماً في حياتها..
طافت عيناها بجمود تكتشف المكان.. غرفة
صغيرة كئيبة بروائح مُختلفة وعلى سطح سرير
قاسٍ بجسد يتقرح ألماً نابضاً ناضجاً..ليعود شريط ذكرياتها إلى الوراء مجدداً وتبزغ أمام عينيها
اللحظة التي أوقعت نفسها من على الدراجة..
اللحظة التي غابت بها عن الوعي بعد أن أنشق
رأسها بألم مريع وألتوى ظهرها بضربة قوية
كانت تتمنى بها أن تستشعر قيمة الحياة..
أن تختبر لهفتها ورغبتها في العيش.. أن تُجرب
حظها لعل وعسى تنسى وتغامر للخوض في
عتوّ الأيام الوعرة مرة آخرى..
ولكن الأن.. بعد أن أستيقظت على طيف
جمال وجههُ وعبير أنفاسه التي لا زالت تحتفظ
بها في جوفها تمنتّ لو أنها لم تفتح عيناها..
تمنتّ لو تدحرجت رغبتها في المضي قدما كما
فعل جسدها على الأرض.. تمنتّ لو أنها لم
تستيقظ..
تغلب شوقها على ألمها فأهتز جسدها صارخاً
ينتفض بعنف بفعل الشهقات الغادرة الحارقة
التي غادرت صدرها متلهفة للتحرر.. نحيب مرّ كالعلقم أستوطن حلقها دفعها للإختناق.. قبل
أن تغمر وجهها المُبتل ضد راحة يديها المرتعشين
لا تدري علاَم تبكي.. أتبكي ألمها الجسدي الذي
رغبت به أم العاطفي الذي غدرها به في أهم لحظاتهما معاً.
من على بعدّ وخلف النافذة الزجاجية المتوسطة وقف صامتاً يُراقب الطريقة التي تبكي بها حالها..
إلى أهتزاز جسدها العنيف وأرتجاج شهقاتها بين
زوايا الغرفة الصغيرة.. إلى الألم الذي يزحف
كالسم يقلص حلاوة ملامحها ويهدر شبابها..
كانت ثائرة هائجة نزقة الردود حينما جذبها
من على الجسر بإعتقاده أنها تُريد الموت..
كانت تتقمص الوجوم وتزين صوتها الناعم بحدة
لا تُناسبه مطلقاً.. كانت رقيقة بإبتسامتها الوحيدة المُباغتة لهُ قبل أن تلقي بنفسها إلى الهاوية
وتحشر أنفاسه في صدره وهو يشعر بها تطير
من خلفه وتفترش الأرض بدماءها الغزيرة.
تنهد بحرارة وهو يبتعد عن النافذة ليلقي
بنفسه على المقعد الصغير في الممر الفارغ..
لا يدري أي بلاء هذا الذي دفعهُ إليها لتدخله في مشاكل لا نهاية لها..
كلا.. هو يعلم بأن هذا البلاء لم ينتج سوى عن
حسنّ نيته الساذجة.. عن تلك الومضة الخافتة
حينما تشربت عيناه ملامحها.. عن المراعاه ورغبة
رد الجميل.. ولكنهُ كان أحمق.. ليس الجميع كماه..
ليس الجميع مثله هو كما في ذلك الوقت من العام عندما خانتهُ قوته..وغدرت به رغبته.. عندما
بقي يتخبط داخل دائرة مظلمة من الفراغ.. عندما
أحكمت الوحده مخالبها عليه وعاثت فساداً بالأمل
القليل المتبقي له ليتخد أسوأ قرار في حياته
كلها..
تنهد يغلق من عينيه وهو يستند برأسه على
الحائط خلفه يحجب سيلّ ذكرياتهُ الحارقة
ويتذكر اللحظة التي حملها بها إلى المشفى يصيح بصوت مذهول مرتجف لإنقاذها..
لا يعلم متى وماذا وكيف حينما وجدّ نفسه يُجيب بشرود على التساؤلات الصادرة من الفم المزموم
بعدم تصديق لشرطيّ المشفى الذي جلبها إليه..
لقد كان يوجه لهُ التهمّ بعينيه الفاتره دون
أن يُبالي بتبريرهُ الذي سبق وشرحهُ مراراً وتكراراً.. لمرات عديدة نفىّ و زفر بيأس من تعاملهُ المترفع قبل أن يصرخ به بعد طوله بال وغضب حارق
سبب لهُ فتح محضر آخر.
هبّ ناهضاً بحنق وهو يمسح على وجهه بخشونة
قبل أن يسير بخطوات عريضة لا مُباليه ويقتحم الغرفة بملامح واجمه قاسيه.
لقد أوصلته رحمته سابقاً إلى قاع الأرض بالفعل وسحبت منه رخصة قيادته وتعلم درس حياتهُ
تماماً.. لا مزيد من المراعاه والخوض في أمور
بات يعلم بأنهُ خاسراً بها لا محاله.
حينما دخل الغرفة عليها كان قد خففّ من
وجوم ملامحه الحانقة قبل أن يصدر حمحمه
عالية ليجذب أنتباه من على عكس الدقائق
الفائتة التي رأها مُنهارة حد الشفقة عليها كانت تستند على الوسائد العديدة خلفها بعينان فارغة.. خالية من التعبير وتقاطيع وجهها الشاحب أمتقع بجمود أشعرهُ بالذهول.
حباً بالله كانت تبكي روحها قبل قليل وحسب.
(أرى بأنك ما زلت هنا!) بادرت قولها وهي ترفع
من ذقنها الصغير في الهواء لتُحدق به بثبات
صافٍ دون أن يرف لها جفن.
(بالطبع سأكون هنا طالما أنا الوحيد المُتهم
بوقوعك الأخرق والذي ياللمصادفه يكون من على دراجتيّ!) بإزدراء بادلها التحديق دون أن يخفف من نبرة الأتهام في صوته.
(حسناً.. يجب عليك الإعتراف بأنهُ ذنبك) أجابتهُ ببرود وهي تدير عيناها عنه لتنظر إلى خلفه
لبرهه قبل أن تواصل بهمس ساخر (لو لم تظهر جانبك الرجولي وغريزة الحماية الساذجة تلك
لمَ قررت أتخاد خطوة كتلك—)
(هل يشعركِ هذا بالتحسن؟) قاطعها بسؤال
مُباغت من نظراتها التي غاصت بين عينيه
بعقدة خفيفة فوق جبينها حينما تابع (أن تلقي
لوم نفسكِ الضعيفة الراغبة في الإندثار عليّ
عوضاً عن الإعتراف بأنكِ منذ البداية كنتِ مقرره بالفعل للإقدام على هذه الخطوة؟)
(أياً يكن..) هسهست بلا مُباله وهي تلوح بكفها
في الهواء دون أن تبدي أي تفاعل لحديثه (يكفي
أن تضع لي فاتورة المشفى وتحضر ذلك المتحذلق الذي يقف خارجاً حتى ينتهي كل شيء وأغرب عن طريقك!)
ضيق عينيه بعدم تصديق لتصرفها حينما
أستدارت بكل جسدها تعطيه ظهرها الذي يختفي أسفل ملابس المشفى المزعجة والغير مريحه
فيما تناثرت خصلات شعرها المشعته على الوسائد
وأعلى كتفيها.
نفسّ عن غضبهُ بأن ملأ رئتيه بتنهيدة طويلة
يسحب خلالها الهواء حوله بشراهه قبل أن يوشك
على التحديق خلفه و رؤية من وصفتهُ بالمتحذلق..
إلا أن الطرق العابرة على الباب ومن ثم دخول
الشرطي البغيظ بطولهُ الفارع جعلهُ يزمّ شفتيه بضجر قبل أن يتنحى جانباً.. بل بعيداً عنهما
حينما بدء يطرح أسئلتهُ دون توقف.
لقد كانت خمس دقائق وحسب التي أستغرقها
الإثنان في النقاش حيث كانت هيّ تُجيب على
أسئلتهُ بإقتضاب وإختصار يثير الحنق في حين
أن الآخر كان يقف على مقربه من جسدها الذي
لا يزال متوارياً عن أنظارهما..يطل عليها بضخامته حتى خيلّ لهُ بأنهُ يكاد يبتلعها..
لا، لا يتخيل.. إذ أن الشرطي بالفعل يكاد يبتلعها بنظراته القاتمة والتي لاحظ بأنها تنحصر في المسافة الفارغة من لباس المشفى الواسع حيث أربطته والتي كانت تظهر بوضوح بشرتها العارية أسفله.
جدياً؟
(أعتقد بأن أستجوابك ينتهي هنا!) قال من فوره
وهو يتقدم ليحتل المساحة الصغيرة بجسدهُ
العضلي وذراعيه التي شكلت تقاطعاً فوق صدره..
وعيناه الضيقة بنفور واضح في وجه الشرطي
والذي بادلهُ التحديق دون محاولة منه في إخفاء
ما يلتمع بداخلهما.
(وكما سمعت..لم يكن ليّ أي دور في محاولة
أنتحارها الفاشل فأظن بأنهُ يُمكنني أستعادة
دراجتي!)
(بالطبع.. يُمكنك إستلام مفاتيح دراجتك صباح
الغد—)
(بل حالاً!) قاطعهُ بجمود (طالما وأنني لم
أرتكب شيئاً يمنعني من العودة إلى المنزل بوحشي الجميل، الأ تظن ذلك؟) نطق أخر جملتهُ بسخرية وهو يرفع زوايا شفتيه فيما يشبه الإبتسامة في
وجه الآخر والذي كز على أسنانه بصمت قبل أن
يلقي نظره سريعة على الآخيرة التي ما تزال
تتجاهل وجودهما وصراعهما الخفي ثم ما لبث
حتى تمتم بشيء عن الإجراءات النهائية من
التوقيع حتى ينهي المحضر تماماً.
..............
(يُمكنك الخروج اليوم بالطبع.. لكنني لا أضمن
لكِ أستقرار وضعكِ—)
(إذن لا يُمكنها المغادرة!!) بإستنكار قاطعهُ
وهو ينظر بين عينيّ الطبيب الشاب والذي لوهله
شعر بالشفقة عليه من تأثير الآخرى الطاغي
بنظراتها القاتلة.
(هذا ما أقصدهُ بالضبط.. بقاءك ليوم واحد لن
يضركِ بشيء عدا عن التأكد من سلامتكِ
بشكل تام!) قال الطبيب بتردد طفيف وهو
يحيد بنظرهُ إلى الجانب الآخر حيث يقف..
قبل أن يثبتها فوق من آمالت من ذقنها ببطء
لترفعهُ بتغطرس وهي تُحدق به بطريقة
تبدو أقرب إلى.. الجنون.
(أعتقد بأنك لا تفهم.. أو أنني لم أوضح لك بشكل
كافي..) هتفت بنبرة حادة وهي تلوح بأصبعها
في الهواء (أريد مغادرة هذا الجحر خلال دقائق..
لا أهتم لسوء الوضع أو جديتهُ لأنني لن أبقى
لحظة آخرى في هذا المكان!)
(قال بأنكِ لا تستطيعين!) غمغم بحنق وهو
يقترب منها، إلا أن جوابها وصلهُ ساخراً بسؤالها المُستهتر وهي تقول (و؟ هل يجب على قوله
منعي من المغادرة!)
كز على أسنانه بغضب وهو ينقل نظرهُ إلى
الطبيب والذي بدأ لا حيله لهُ أكثر في إيقافها
حينما قال (على الأقل بعد ساعتين—)
(نصف ساعة لا غير!) قاطعتهُ بجمود وعينان
تشع تحدي بأن يعترض عليها قبل أن تستدير
بظهرها عندما لم يقلّ شيئاً لتتصنع النوم كما
فعلت سابقاً.
(هل ستفيّ النصف ساعة بأي غرض؟) سأل
يلحق الطبيب والذي كان يتنفس براحة مطلقة
ما أن خطت قدميه خارج غرفتها.
(بالطبع لا، من المُفترض أن يكون بقاءها ليوم
أخر أفضل حتى نُراقب معدلاتها الحيوية.. كما
وأن الضربة التي تلقتها على رأسها قد تكون
خطيرة.. وكأقصى حد يجب عليها أن تبقى تحت المُراقبة في حال أن أصابها دوار أو غثيان!)
(لأي سبب بالتحديد قد يُصيبها ذلك؟) بحذر
سأل وهو يلقي نظرة عابرة من فوق كتفه إلى
الآخرى والتي لازالت تُدير ظهرها إليهم.
(كما أخبرتك الضربة على رأسها كانت قوية..
لقد أضطررنا لعمل تسع غرزات لعمقها.. لذا
هناك قلق طفيف من كونها قد تتعرض لنزيف—)
(حباً بالله مع كل هذا، هل ستسمح لها بالمغادرة؟)
(لا أستطيع إبقاءها أجبارياً.. إذ أنني وكما أظن
فهي ليست من النوع الذي قد يستمع إليك!)
(أغلق عليها الباب إذن.. أو حقنة منومة أو أي
شيء من هذا القبيل..)
(مع الأسف.. لا أقدر على تجاوز القوانين في
المشفى.. كما أنني لا أريد تحمل مسؤولية شخص مثلها.. حياتي المهنية أهم بكثير—)
(هذا ما أنا أخشاه) هتف بإحباط يقاطعهُ
للمرة الألف (لا أريد أن أكون أنا من يتحمل مسؤوليتها!)
لوح بذاعيه بعصبيه في الهواء ليكتفي الطبيب بمراقبهُ أنهيارهُ اللحظي قبل أن يستدير ببطء وينسحب عن المكان تاركاً الآخر يجوب الممر
بضيق وأنفاس لاهثه.
...............
(إلى متى ستبقى تسير خلفي بكلبك الأسود
هذا؟) هتفت بغيظ وهي تتوقف عن مواصله
السير لتنظر نحو من جمدّ في أرضه لثانية قبل
أن يرفع حاجب وهو يقول ( لماذا قد أتبعكِ؟ أنا
أسير في شارع عام كما ترين من حولك!)
(أذن سرّ في الإتجاه الآخر لا خلفي كمن ينتظر وقوعي في أي لحظة!)
(لستُ وكأنني أهتم!)
(بالطبع لمَ قد تهتم وأنت تقريباً نمتّ لثمان
ساعات في بهو المشفى ثم دفعت المال والأن
تُلاحقني كمن أضاع ولدهُ..) قالت بسخرية
تعمدت بها أستفزازه لينظر إليها لثانية قبل
أن يهدر بحنق (أنا لا أهتم بكِ شخصياً وأنما..
كأنسانه وحسب.. لا يمُكنني ترككِ وأذهب وأنا
أعلم بأن هناك خطر كنزيف دماغي أو شيء من
هذا القبيل!)
(لا تكن أحمق لو أن نزيف ما قد يُصيبني
لمَ شعرتُ بهذه الطريقة وسرتّ على قدماي!)
(إذن.. ألا تشعرين بالغثيان أو الصداع؟) أقترب
بعد سؤاله أكثر حتى بات كتفهُ يلامس كتفها
لينظر ملياً إلى جانب وجهها حينما ردتّ (بلى!)
(ماذا؟)
(تتبعك ليّ وتصنعك الأهتمام يُصيبني
بالغثيان..) غمغمت تقلب عينيها وهي تلتف
بجسدها للمغادرة إلا أنهُ قطع طريقها بإصرار
قائلاً (ألا تعتقدين بأنكِ تتصرفين بطفولة بحته؟)
(طفولة بحته!) كررت بسخرية وهي تنظر
ملياً في وجهه (ألا تعتقد بأنك تتصرف بغرابة؟ ولكأنك مهووس أكثر بالإبقاء على حياتي!)
(ألا تعتقدين بأنكِ سبب ذلك مثلاً!)
(سبب ماذا؟ لا تخبرني بأنك تشعر بالمسؤولية
من سقوطي.. آوه يا إلهي.. أنت تفعل حقاً!) أشارت مندهشة قبل أن تفلت منها ضحكة صغيرة وهي
تزيح خصلات شعرها التي تطايرت على الرغم من العقدة المشددة الذي جمعته به سابقاً.
(حسناً... لا أكذب عليكِ.. أنا أشعر بالضغط من
هذا.. لاسيما حينما أضاف الطبيب فكرة أنكِ قد تكونين مصابة بنزيف ما —)
(فقط ألحق بي..) قاطعتهُ تتنهد قبل أن تشير
إلى دراجته بصدد المتابعة إلا أنهُ أستوقفها بنبرة حازمة (لن تركبي عليها!)
(هون عليك.. لا أريد قتل نفسي مجدداًً!)
(لا أثق بك.. سأضعها هنا ريثما أعود لاحقاً) قال
بحزم وهو يعود إلى الخلف لركنها بعد أن وقف
يتبادل بضع كلمات مع الشرطي الذي كان يقف
جانباً..
حينما عاد كان يتمتم بأشياء غير مفهومه
لأذنيها كما يبدو منزعجاً بوضوح إلا أنها لم تهتم لسؤاله بل سارت تتقدمهُ وهي تشد من أطراف
معطفها حولها.. لكنهُ بدأ كمن أكتسب عادة قطع طريقها عندما أمسك بمعصمها يوقفها بمكانها
يقول على مضض (سيارة الآجرة أفضل من سيركِ)
اؤمات بصمت دون أن تُجادله.. إذ أن آثار العلاج
بدأت تنخفض من جسدها كما وأن البُرودة لم
تكن لطيفة البته حيث أخذت الرياح تهب من
حولها بقوة دفعتها للفّ ذراعيها أقوى حول نفسها
قبل أن تركب في المقعد الخلفي حينما أوقف
الآخر السيارة ثم ركب بجانبها..
وهكذا كان طريق العودة.. بصمت وهدوء
لا يتم كسره إلا عندما كانت ترشد السائق لموقع شقتها.
كان الأمر مريب.. غريب.. غير عادي تماماً وهي
تجلس بهذا البرود برفقة رجل لم يمضي على معرفتهما عدة ساعات.. والأغرب أنها جعلتهُ
ببساطه يرافقها إلى منزلها.. شقتها الجديدة..
التي لا يعرف أحداً بشأنها حتى هذه اللحظة..
على الأقل ليس بعد أن تعرضت لكل ذلك الألم..
ليس بعد الخذلان والشعور الموحش بالوحدة الذي غلف قلبها.. ليس بعد أن تم تحطيمها بتلك الطريقة.. بعد السعادة الزائلة والأمان الزائف الذي ظنت بأنها تمتلكهُ بالفعل..
ولكنها أكتشفت متأخراً بأنها لم تفعل قط.. لم
تكن تملك أي شيء سوى جسد تايهيونغ وإبتسامته
والتي هي الآخرى لم تكن صادقة.. كمشاعره
نحوها بالضبط..
(وصلنا..)
الصوت الخافت بجانبها أخرجها عن بؤس
أفكارها لتنظر إليه لبرهه قبل أن تسقط عيناها
على الحيّ الذي وصلاّ إليه لتؤما وهي تفتح الباب
في حين أن الآخر كان قد خرج بالفعل و دار
حول السيارة ليصبح بجانبها يدفع الباب أكثر
حتى تخرج..
في اللحظة التي أندفعت بها مغادرة مقعدها
حتى هاجمها دوار مفاجئ جعلها تتعثر في
وقفتها إلا أنهُ كان يجاورها بيديه التي
قبضت بقوة على خصرها ليثبتها مكانها فيما
مالت بجسدها لا إرادياً أقرب إليه..
(هل رأيتِ ماذا أقصد!) قال بنبرة لوم حينما
دفعتهُ مستعيده توازنها قبل أن تنظر إليه
بعينان حاده وهي تُردف بنزق (أياً يكن.. لقد
وصلت يُمكنك الذهاب الأن..)
(ليس بعد..) ببساطه قال وهو يدفع النقود
إلى السائق والذي كان ينتظر بصبر قبل أن
ينطلق مبتعداً عنهما في حين أن راقبتهُ مذهوله
وهي تراه يتقدم إلى المبنى الوحيد المرتكز
أمامهما.
(أنت لن تروي ليّ حكاية ما قبل النوم صحيح!) بسخرية أشارت وهي تلحقهُ بخطوات بطيئة.. متعبة.. لقد أستهلكت طاقتها تماماً لهذا اليوم
كما فعل جسدها سابقاً وهو يستسلم للألم الشديد الذي ينبض بعنف في كل جزء من عظامها.
(على الأقل أدخلكِ للمنزل لأطمئن!) بهدوء
أجاب وهو يتوقف حتى وصلت إليه ثم أخذ
بمرفقها بلطف وجذبها قربه ليساعدها في تسلق الدرجات والتي على الرغم من أنها كانت صغيرة ومسطحة إلا أن الجهد الذي أخذت تبذلهُ بين كل درجة وآخرى كان متعباً للحد الذي كانت تستوقفه لترخي من ضغطها على ساقيها.
(أنا أشعر وكأنك تُهادن طفلة!) بحنق هدرت
وهي تنظر إليه.. إلا أنه تجاهلها بسؤال آخر
عن باب شقتها.. لتشير بغيظ إلى الباب المطليّ
بلون نُحاسي فيما دستّ يدها الآخرى في جيب
معطفها تبحث عن المفتاح.. ولوهله وحسب
أرتسم الذعر على ملامحها وهي تطير بعيناها
لتُحدق بمن راقبها بحاجب مرفوع تتخبط بحشر يديها في جيوبها بحثاً عن الشيء المعدني الوحيد القادر على جعلها ترقد فوق فراشها بسلام وتتخلص من الرجل بجانبها..
(آوه لحظة.. أنهُ معي..) قال فجأة وهو يخرج
سلسلة مفاتيحهُ أمام عينيها (أعتذر.. لقد وقع
منكِ مسبقاً ونسيت—)
(فقط أحشرهُ بالمدخل) هسهست بتذمر
وهي توشك على خنقه لغباءه في حين أنها كادت
تموت خوفاً من أن تكون قد أضاعتهُ.. وأضاعت
فرصتها الثمينة في الإختلاء بنفسها مجدداًً
بعيداً عن العالم ومن فيه.
(على الرحب والسعه) غمغم ساخراً وهو
يفتح الباب بخشونة ثم دفعهُ إلى الداخل مشيراً برأسه لتتقدمه.. وما أن فعلت حتى أستدارت تواجهه وتنزع المفتاح من على المقبض المعدني قبل أن تبتسم بتهكم وتباغتهُ وهي تغلق الباب في وجهه
الذي تخللتهُ الصدمة.
.................
To Be Continued..💕
.....
- برأيكم هل الحبّ العميق يشفع للخيانة؟
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro