الفصل الثامن
مرحبا بالغاليين
استمتعوا بالفصل
*
في الحديقة الخلفية لمنزل عائلة أوردولافي حيث كانت تتفتح الورود الحمراء و أخرى رقيقة بهيجة المنظر و الطلة ، وقفت آميا تحدق بظهر ذلك الغاضب الذي سحبها بقوة من بين الجميع و انفرد بها في هذا المكان ، من بين الجميع اختارها هي ليفرغ بها غضبه و كأنها المسؤولة عن ما حدث
" سيدي الماركيز "
و على اثر صوتها التفت لها ، رمقها بسخط ليقترب منها ثم أمسك ذراعيها فجأة
" ما الذي كنت تحاولين اثباته قبل قليل ؟ "
حدقت بعينيه و لم تتهرب منه ، هي ليست خائفة منه و لن تخاف ، و هذا ما جعلها تبتسم لتجيب
" كنت أحاول اثبات أن لي كرامة لن أسمح لأي كان أن يدوسها ...... سيدي الماركيز "
" و من حاولت اهانتها هل نسيت مكانتها ؟ "
قالها بتهكم و سخرية غاضبة لترد بقوة و اصرار أكثر من السابق
" لست أنا من نسيت ..... هي من فعلت عندما تفننت باهانتنا سابقا و أنا لن أترك حقا لي يذهب سدى "
" بالنظر لكل ما حدث الليدي لم تخطئ أبدا ..... كان شيء طبيعي أن تعرضكِ للفحص بعد أن هربت من الحفل و بعد أن قابل والدك هروبكِ بما فعل "
تنفست بغضب بينما ترمق عينيه بكره ، تحركت بقوة و حاولت التفلت من بين كفيه و لكنه فقط ترك ذراعيها و ضم خصرها ليقربها منه ، وضع كفه على وجنتها ليحدق بعينيها الرمادية و التي زادهم ثوبها جمالا و بريقا خاطفا للأنفاس عندما انعكس لونه عليهما و هو لا يجب أن تُسرق منه أنفاسه بحضرتها
" أتركني "
قالتها بغضب و ثبات ، حتى أنفاسها لم تتوتر بسبب قربه منها بهذا القدر و لكنه ابتسم بطريقة لئيمة
" آخر القطع الذهبية التي تبقت من ثمنك أخذتها منذ قليل لذا كل ما عليك فعله هو الخضوع آميا .... فقط اخضعي أيتها المتمردة "
فأجابته بقوة و ثبات و نبرة غاضبة
" توقف عن قول أنك اشتريتني ...... أنا فتاة حرة و لست عبدة لتقول أنك اشتريتني "
" و لأنك حرة كان ثمنك باهضا جدا "
امتلأت عينيها بالدموع و لكنها شدت أعصابها ، حبست دموعها و أخفت قهرها عميقا بقلبها
" هل تؤلمك الحقيقة لهذه الدرجة ؟ "
و هاهي ابتسمت بتهكم رغم الدموع التي تملأ عينيها و كم تمنى أن تتحرر ليمسحها بقوة عن وجنتها
" ما يؤملني ليس الحقيقة ...... ما يؤلمني أنني خسرت أحلامي و قلبي ، خسرت حياة انتظرتها كثيرا ليتبين أنها لسيت سوى وهم دون بساذجة على الكتب "
" كان عليكِ أن تستيقظِ من أحلامك الباهتة في وقت أبكر "
" لا عليك فكفك القاسي الذي صفع قلبي أيقظني ولا أعتقد أنني سأعود يوما لما كنت عليه "
قالتها لتتسع ابتسامتها في نهاية كلامها أكثر و تحكمت أكثر بدموعها و هذا ما استفزه فضغط على وجنتها بقسوة أكبر و نبس بغيظ منها
" ابكي دموعكِ "
" لن أبكيها "
و بغضب نبس
" قلت أبكيها أميا ..... أنت يجب أن تبكي حتى تكوني مثل جميع النساء "
عندها وضعت كفيها معا على صدره و دفعته بكل قوة و جهد امتلكتهما فتركها تتحرر من حبسه بين ذراعه و أشارت له بسبابتها متجاهلة كونه الماركيز و السلطة الوحيدة التي أخضعتها رغما عن أنفها
" أنا لست مثل جميع النساء و لن أكون مثلهن و دمعتي لن أسمح لك برؤيتها ...... أنت لن ترفع رايات نصرك مكان راياتي ، لن تتلذذ بدموعي و لن أظهر لك ضعفي مهما فعلت أيها الماركيز "
التفتت حتى تدخل بغضب و لكنها ما إن وصلت بقرب الباب حتى صرخ بسخط
" توقفِ مكانكِ "
مرغمة توقفت و مرغم هو خبأ فرحه بقلب معشوقته الصغيرة ، المتمردة صاحبة القلب الثائر ، سار ليتجاوزها ثم فتح الباب ليتحدث أخيرا بعد أن تركها خلفه
" اتبعيني فاللقاء لم ينتهي بعد "
أغمضت عينيها و رغما عنها تدحرجت دموعها فقد حبستهم كثيرا وعينيها الجميلتين لم تتمكن من الاحتفاظ بهم طويلا بالرغم من أنها أنكرت على نفسها البكاء ....... و لن تعترف به مستقبلا خاصة في حضرته هو
دخل من الحديقة للمنزل و سار نحو غرفة الجلوس أين كانت عمته لا تزال جالسة أو مرغمة على الجلوس في انتظاره ، ماريا التي شدد على بقائها و والديها أما السيدة جوليا فقد غادرت بعد أن أخذت العشر قطع من الذهب ........ إنها أكثر شخص رابح فيما حدث
وصل إلى هناك ليدخل و من خلفه دخلت هي ليقف وسط الغرفة و بجانبه وقفت فحدق بعمته الليدي جوفانا و تحدث
" هيا عمتي ...... نفذي ما قدمنا من أجله "
رمقته بكره و حقد لتستقيم ، اقتربت ببطء و مرة أخرى وجدت أميا نفسها بمواجهة معها ، هي حدّ اللحظة لا تدري ما الذي ستقوم به الليدي و لكن ما فاجأها هو انحناءها بخفة لها بينما تمسك بثوبها لتتحدث مرغمة
" كونك خطيبة للماركيز فهذا يعني أنك أصبحت الأعلى مكانة من بين جميع الحاضرين ...... و كوني أخطأت بحقك سابقا و أنت بجدارة أثبتِ براءتكِ سوف أعتذر لك أمام الجميع ، أنا آسفة أيتها الليدي آميا "
كانت تقف و تترك ذراعيها على جانبيها تحاول ألا تمسك بثوبها حتى لا تظهر بمظهر الفتاة الصغيرة ، لقد رمقت الليدي بنظرات قوية و صلبة لا يمكن أن تلين ، هي حتى أخفت تفاجؤها من الموقف و تلذذت شعور الانتصار و الذي لم تبحث عنه يوما ، اعتدلت الليدي جوفانا و ابتسمت بخفوت و عينيها قدحت شرارا
" أسفك مقبول ليدي جوفانا "
قالتها آميا و أمسكت بثوبها لتنحني بخفة هي الأخرى لها و بالنسبة لوالدها ، والدتها و ما ريا ، الجميع كان مذهولا بما يرونه أمامهم ، متى كبرت هذه الطفلة و أصبحت بهذه القوة ؟ هل يعقل أن الاساءة الأخيرة التي تعرضت لها جعلتها بكل هذه القوة و الرصانة و هي لم تبلغ من العمر ما يخولها أن تكسب كل تلك الخبرة من الحياة ؟
الليدي جوفانا و التي شعرت بالبؤس و القهر لأن فتاة بل طفلة تطاولت عليها حدقت بالماركيز الذي كانت ملامحه جامدة ، لا يمكن معرفة إن كان سعيدا أو منزعجا بسبب ما يحدث حولهم ، تحدثت
" هل يمكننا المغادرة الآن أيها المركيز ؟ "
" بالتأكيد ليدي جوفانا "
" اذا هيا "
حملت حقيبتها ، علقتها بكفها لتسير نحو الباب عندها تحدث هو بينما يحدق هذه المرة بوالدي آميا
" غدا الجميع مدعوا على العشاء بمنزلي .... سوف نحدد موعد الزفاف و لن يكون بوقت طويل فيفترض أنكم بالفترة الماضية كنتم تتجهزون للأمر "
و والدتها تحدثت بسرعة و بهجة
" أجل ابنتي جاهزة "
" لست جاهزة بعد "
قالتها لتحدق به و هو ابتسم و اقترب ليحط كفه على ذراعها مربتا عليها بينما يرمقها بنظرة ساخطة
" أنت تنفذين فقط آميا .... حسنا أيتها الليدي الصغيرة ؟ "
و من على ذراعها رفع كفه لوجنتها و حرك ابهامه
" سكوتك علامة على رضاك "
" و هل لي حق الرفض ؟ لقد تم بيعي و أنت اشترتني "
*
توقفت عربة الماركيز أمام بيت الليدي جوفانا ، فتح الباب و بدون أن تتحدث هي كانت تهم بالنزول حتى أوقفها عندما تحدث
" غدا عليك أن تجهزي للعشاء ببيتي "
عندها شعرت بالسخط فسحبت باب العربة ليقفل و التفتت له
" ما الذي تحسب نفسك فاعله ؟ لأنني صمت تستمر أنت بتطاولك عليّ ؟ "
" أنا لست أتطول عليكِ عمتي ... أنت آخر فرد متبقي من عائلتي و هذا دورك و واجبكِ "
" لا ليس دوري و ليس واجبي ....... اتقي شري يا ابن أخي و لا تجعلني أكرهك "
" هل يمكنك أن تكرهيني ؟ "
" يمكنني فعل ما لا قد تتصوره في ذهنك "
فابتسم بجانبية غير مكترث
" لا أشك في قدراتكِ ...... ثم لا تعتقدي أن آميا الآن تحتفل بالانتصار ، لكل مقامٍ ، مقام و أنا وضعت كل واحدة منكما في مكانها ، بينت لها خطأها "
" واضح جدا أنك وضعتها بمكانها ..... "
نبستها بسخرية غاضبة ثم اقتربت منه لتحدق في عينه بقوة
" و واضح جدا أن الصغيرة سحرتك و لن يطول الأمر حتى يذيع صيتك بين الجميع أيها الماركيز فتذكر ..... هذه الفتاة هي من ستطيح بك و بغرورك "
ابتعدت لتتسع ابتسامتها ثم فتحت الباب و قبل أن تنزل نبست
" أمرك أيها الماركيز .... سوف أهتم أنا بالعشاء "
نزلت و أقفلت الباب خلفها و هو شد على كفه ، ما قالته في النهاية لا يناسبه ، هل فعلا عمته لمست ضعف روحه أمام هذه الصغيرة ؟ هل افتعل خطأ بدل أن يصلحه عندما جعل الليدي جوفانا تعتذر لآميا ؟
شعر بالضغط و العربة تحركت لتقله هذه المرة لمكتبه في الكتدرائية و طوال الطريق كان يفكر ، ما سيخدم أهدافه هو القسوة و الحدة مع آميا ، لن يتساهل معها بعد الآن و لن يسمح لها أن تتطاول عليه حتى يصل بها الحد لتكون نسخة من عمته الليدي جوفانا و التي واضح جدا أن من وراءها الكثير من الأسرار
توقفت العربة عندما وصلت و سانتو فتح له الباب لينزل ، وضع قبعته السوداء و سار ليسير خلفه سانتو و تحدث
" سيدي الماركيز "
" ما الذي تم تبليغك به ؟ "
" أعتقد أن الاجتماع الذي كان مقرارا صباح اليوم مع الكونت ديلفيوري "
توقف ليرسم شبح ابتسامة على وجهه و نبس
" مابه ؟ "
" قد ألغي ..... وردني أن الكونت متعب و لم يستطع مغادرة منزله "
أومأ ثم واصل سيره نحو مكتبه
" اذا علينا الانتهاء من أشغالنا و زيارته ...... في النهاية هو أحد رجال الكنيسة المهمين و المخلصين "
*
في منزل عائلة أوردولافي كانت آميا تجلس بغرفتها ، تحمل كتابا بين كفيها بينما تجلس على مقعدها القريب من النافذة و الطاولة ، تنهدت من جديد و حدقت بأسطر ترتبت عليها كلمات كثيرة و وجدت نفسها لا تستطيع اكمال حتى واحدة عندها طرق باب غرفتها
لم ترد على الطرق حتى تغادر ماريا لأنها تريد أن تكون وحدها و لكن الباب فتح و هي التفت لتتحدث بغضب و نهر و لكنها سرعان ما تركت الكتاب و استقامت عندما رأت والدها يدخل ، أقفل الباب ثم ترك المقبض و شعر أنه عاجز عن الالتفات و التحديق بعينيها
أما هي فقد وقفت و لم تهرب بنظراتها بعيدا ، هي لم تفعل شيئا سوى أنها حاولت أن تتخلص من لعبتهم و لكن محاولتها تلك كانت فشلا ذريعا تسبب لها في مزيد من المحن ، هل هناك محنة أكثر شدة و ألما من محنتها التي أصابتها عندما أتهمت بشرفها و الجميع التزم الصمت ؟ ...... صمتهم يعني أنهم يوافقون الليدي في شكوكها
تنهد بعمق و التفت لها ، ضمت كفيها معا و قاومت حزنها و دموعها فهي وعدت نفسها أنها ستكون قوية ، مهما بلغ ألمها ستقاومه و لن تستسلم لأي أحد بعد الآن ، وقف مقابلا لها بعد ما سار اليها و عندما قرب كفه من كفيها هي فكتهما لتبعدهما
" ما الذي تريده مني سيد أوردولافي ؟ "
" سيد أوردولافي ؟ "
قالها باستنكار و غصة ملأت صوته بينما توسعت عينيه محدقا بها
" ما الذي تنتظره مني بعد كل ما حدث ؟ ..... الأب لا يفعل ما فعلته أنت بي "
" آميا لقد جعلتني مضطرا لمثل ذلك الفعل "
" و هل تعتقد أن سوطك هو ما يؤلمني ؟ ..... أنت مخطئ لأن ما يؤلمني هو كيس الذهب الذي ضممته بحضنك "
شعر بالقهر لأن كلامها فيه من الاهانة الكثير بالرغم من أنه من سعى لها عندما باعها ، هي لا تحاول اهانته هي فقط تذكره بتصرفاته المشينة
" كنت مضطرا فلا تلوميني و تنسي كل تلك السنين "
" سألومك ..... أتعلم لما ؟ "
قالتها و نبرة الألم سيطرت على صوتها و على ملامحها الفاتنة ، الفتية و القوية
" لأنك تقاضيت ثمنها ..... لقد نسفت كل المحبة التي كانت بيننا ، ألقيت بحبر أسود على صورة رسمتها لك سنين طويلة في خيالي و طمست معالمك منها ..... يا أبي "
اقترب أكثر و وضع كفيه على ذراعيها و هي حاولت أن تتراجع
" ما الذي يمكنني فعله لتسامحيني آميا ؟ "
ابتسمت و امتلأت عينيها بالدموع لتجيبه
" هل لك أن تعيد لي حريتي ، تقف و تلقي بكيس الذهب بوجه الماركيز و الليدي ؟ "
تهاوت آماله و أصاب الوهن كفيه ليترك ذراعها ، تراجع خطوتين للخلف و نفى
" لقد خسرت كل ما أملك "
" و بعتني حتى تستعد كل ما ملكته أو أكثر ..... لهذا لا تطلب مني أن أسامحك سيد أوردولافي "
التفتت توليه ظهرها و وقفت تحدق خارج نافذتها و هو شعر أن حجمه تضاءل أمام ابنته الصغيرة ، هل هناك كلام أقسى من الكلام الذي جعلته يسمعه بدون أن يستطيع المعارضة ؟ لا ، لأنها محقة في كل كلمة قالتها
جرّ خطواته و فقد قيمة شعوره بكل ما وصل له من مجد ، ذلك المجد الذي كان سيهدم فلم يجد سوى ابنته التي باعها و صنع من ثمنها أساسا جديدا و قويّا له ، و مهما كان زائفا فهو رجل لن يستطيع التخلي عنه ..... في النهاية هو انسان أناني مهما شعر بالألم و مهما أدان نفسه
*
طرق باب مكتب الماركيز من طرف سانتو فاستقام و تحدث
" تفضل "
فتح الباب و تقدم سانتو ليتحدث
" حصانك جاهز سيدي الماركيز "
" اذا سوف ننطلق الآن إلى منزل الكونت ديلفيوري "
" حسنا سيدي "
حمل قبعته من على طاولة مكتبه ، وضعها على رأسه ثم قفازاته الجلدية و بعدها خرج ليتبعه سانتو ، امتطى حصانه و سانتو فعل كذلك ، شد لجام حصانه ثم بخفة كعادته ضرب حصانه بقدمه لينطلق به و سانتو خلفه و الوجهة هي منزل الكونت المريض
بعد مدة وصلا للمنزل فتوقف بحصانه الذي ظلّ يتحرك بخفة و هو حدق بالمنزل ليبتسم و سانتو توقف خلفه
" هل سندخل سيدي ؟ "
" لما أتينا سانتو ؟ "
قالها لينزل من على حصانه فاقترب أحد الحراس الذين يقفون على مدخل منزل الكونت ، فعل سانتو نفس الشيء و سارا معا نحو الداخل ، تم استقبالهما من طرف خادمة و التي قادتهم لغرفة الجلوس و تحدثت بينما تنحني قليلا له باحترام
" سوف أدعو السيدة .... لحظات فقط "
غادرت الخادمة و سانتو أشار للمقعد
" هل يمكنني الجلوس سيدي ؟ "
" ألا تستطيع البقاء واقفا سانتو ؟ "
فابتسم بحمق و أجاب
" ربما قدمي يؤلمانني ؟ "
" أنت حتى لا تعلم اذا كان يؤلمانك أو لا ...... رجل غبي يجب استبدالك في أسرع وقت "
عندها مرغما شد كفيه معا و صلب طوله جيدا
" لا بأس سيدي الماركيز يمكنني الوقوف أكثر .... لا تهتم لألمي "
" اجلس "
" لا "
" قلت اجلس "
صرخ بوجهه بها و الآخر ترك نفسه ليجلس في تلك اللحظة فتح الباب و دخلت زوجة الكونت ديلفيوري ، امرأة جميلة جدا ، واضح جدا أنها في بداية العشرينيات من عمرها و الكونت ليس سوى رجل عجوز متعدد الزيجات من قبلها ذو بطن منتفخ و طباع سيئة للغاية
ابتسمت بينما تقترب ثم أمسكت بثوبها و انحنت بخفة تقدم احترامها للماركيز
" مرحبا بك في منزلنا المتواضع أيها الماركيز "
أومأ بخفة و نبس بثبات
" شكرا لك سيدة ديلفيوري "
" أرجوك اجلس "
قالتها و هي تشير على المقعد فكان سانتو أول من جلس و هو حدق فيه بنظرات حارقة ليقف مرة أخرى ثم التفت لها و تحدث بدون أن يجلس
" أنا لست هنا للجلوس معكِ سيدة ديلفيوري ..... أريد رؤية الكونت اذا سمحتِ "
فابتسمت بحرج و أجابت
" بالتأكيد سيدي الماركيز .... رجاء من هنا "
قالتها بينما تشير ناحية الباب و هو أشار لسانتو حتى يتبعه فسارت هي قبلهما ، كان الرواق طويلا و مظلما بعض الشيء كون لا نوافذ كثيرة على جدرانه ، وصلوا أخيرا أمام باب الغرفة فطرقت الباب و فتحته
" يمكنك الدخول "
تقدم و رأى عدة خدم يهتمون به ، كانت شفتيه تبدو جافة للغاية ، متعرق بشدة و لونه شاحب ، سار ليدخل و سانتو من ورائه و الجميع اعتدلوا بوقوفهم ليقدموا له احترامهم حتى وقف بجانب سرير الكونت الذي فتح عينيه و نبس بصوت متعب
" سيدي الماركيز...... أعتقد أن الرب غاضب عليّ "
ابتسم هو بخفة ليضع كفيه خلف ظهره و فجأة التفت ناحية وقوف زوجته التي كانت لا تزال واقفة بقرب الباب ليجيبه
" لا بد أنك لم تقدم الهبة المطلوبة للكنسية أيها الكونت ديلفيوري ...... أم تراك ارتكبت خطيئة عظيمة "
و مع آخر كلمة التفت له و الآخر رفع فقط كفه و لوح بها ثم أغمض عينيه و ما كاد يفعل حتى شرع بالتقيؤ و الماركيز تراجع عدة خطوات للخلف بينما الخدم ساروا له للاهتمام به ، شعر بشخص خلفه و لم تكن سوى زوجة الكونت التي اقتربت و تحدثت
" قلبي يؤلمني من أجله ..... اعتقدنا أنها نزلة برد ستزول و أمس كان بخير ، لقد اعتقدت انه تماثل للشفاء "
رفع نظراته و وقعت على طاولة الزينة المليئة بالقنينات و مستحضرات التجميل التي باتت النساء تقتنيها بقوة مؤخرا ، ابتسم لتعاود جملتها الأخيرة الدوران برأسه " اعتقدت أنه تماثل للشفاء ، و نزلة البرد "
التفت لها و ابتسم يظهر بعض الأسف على ملامحه
" سوف يشفى لا تقلقي و إن لم يفعل احرصي على تقديم الهبات لمن يستحقها حتى ..... تهدأ روحه و ترقد بسلام "
كلامه الأخير اقترب بعد أن دنى و همس به بجانب أذنها حتى لا يسمعه الكونت ، ابتعد ليحدق بعينيها فرفعت كفها الذي يمسك بالمنديل و بسرعة تتابعت دموعها ، نفس المسرحية تتكرر و لكن بمكان مختلف و شخصيات أخرى
عاد يلتفت للكونت و دنى ليضع كفه على كتفه بعد أن مددوه الخدم في مكانه
" أرجو أن تشفى بسرعة أيها الكونت "
ربت على كتفه ثم اعتدل و أشار لسانتو حتى يغادرا ، و بينما هما يسيران في الرواق مرت بقربها خادمة تحمل صحنا به حساء فتوقف الماركيز بعد أن تجاوزته عندما قدمت له احترامها ، توقف سانتو و ما كاد يقول شيئا حتى التفت الماركيز و هتف
" توقفي "
توقفت الخادمة و التفتت له بسرعة ، لاحظ توترها و تحرك كفيها ليتحرك الحساء داخل الصحن فاقترب منها ببطء بدون أن يفلت أي حركة منها حتى وقف أمامها و هي نبست بصوت خافت للغاية
" نعم سيدي الماركيز "
" ما هذا الذي تحملينه ؟ "
ابتسمت بدون داعي لعلها تخبئ قليل من خوفها لتجيبه
" حساء طلبته السيدة حتى تطعم الكونت لأنه جائع "
" جائع و للو تقيأ ..... ؟؟ "
" الكونت لا يحب أن تبقى بطنه فارغة كما يحب أن يتناول طعامه من يدي السيدة "
فلاحت ابتسامة ساخرة على وجهه ثم أجابها
" حسنا لا تتأخري عليه لعلها آخر وجبة يتناولها "
انحنت بخفة و التفتت لتواصل سيرها عندها نبس بهمس
" اذا تستحق ما ستلقاه على يدي السيدة أيها الكونت "
" ما الذي قلته سيدي ؟ "
التفت له ثم تجاهله ليواصل في طريقه نحو الباب ، سانتو يبدو غبيا جدا فما يراه هو فقط ومضات لا يستطيع فهمها ، امتطى الماركيز حصانه و سانتو كذلك فعل و بدأ يسير هذه المرة بهدوء ليسمع صوت طرق حذاء الحصان على أرضية الشارع و عندما ابتعدا بقدر كاف هو توقف من جديد و عاد يلتفت بينما يحدق بمنزل الكونت و سانتو تحدث
" هل نسيت شيئا سيدي الماركيز ؟ "
" عندما يصلك خبر موت الكونت لا تنسى اخباري "
توسعت نظرات سانتو و الآخر فقط عاد ينظر أمامه و حرض حصانه على الانطلاق بسرعة هذه المرة
نهاية الفصل الثامن من
" أكوا توفانا "
أتمنى أنكم استمتعتم بالفصل أعزائي
إلى أن نلتقي مع فصل جديد كونوا بخير ولا تتجاهلوا التصويت
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro