الفصل الأول
مرحبا قرائي الغاليين
من كان في انتظار هذا العمل هاهو قد أصبح في المتناول بعد أن اكتمل نشر " خلودٌ / تمانا " و التي فاجأني حقا نجاحها
ممتنة لكم قرائي و سعيدة للغاية
*
استمتعوا
مرت العصور المظلمة و انتعش العلم ، الفن و الأدب ليأتي بعصر فتح أبواب المستقبل أمام أوروبا ، في سنة 1651م في ايطاليا و بروما تحديدا كانت الحياة العلمية ، الفنية و الأدبية مزدهرة للغاية ، و لكن من جهة أخرى ، كانت هناك ظاهرة غريبة جدا
موت الكثير من الرجال ، فتكاد روما تدفن كل أسبوع خمس أو ستة رجال ، المشكلة ليست في الموت المشكلة أن هؤلاء الرجال لا يعانون من أية أمراض أو أعراض غريبة و لكن في ظرف أسبوع كأقصى تقدير تتدهور الحالة و عند فحص جثث الموتى من الرجال لا يوجد شيء غير طبيعي
بالنسبة للناس البسطاء و ذوي التفكير الذي سيطرت عليه الخزعبلات و الخرافات و حتى رجال الدين سوف يؤولون الأمر لسبب ديني و روحي ، كأن يكون هؤلاء الرجال قد ارتكبوا خطايا في الخفاء أو لم يقدموا القرابين و العطايا الكافية للكنيسة
رغم سيطرة الجانب الديني على تفكير الجميع إلا أن هناك رجل أبدا هذا الكلام لا يستطيع اقناعه منذ تم تعيينه كمستشار لدوق روما و أصبح أحد الممثلين للسلطات البابوية
الدوق ليس سوى رجل دين و هو كغيره مقتنع بما تصل اليه استنتاجاته فتضطر أرملة الرجل الميت إلى دفع بعض الهبات كتكفير عن ذنب الميت ، الغريب أن الأرامل كن يقدمنّ المال بدون اعتراض ...... فهل جميع النساء أحببن أزواجهن لهذه الدرجة ؟
الماركيز تشانيول دي باردي ، أحد مستشاري الدوقية و قائد القوات الكنسية يملك كما و سبق الذكر نظرة مختلفة ، تفكير مختلف و هذا التفكير يدفعه للتخمين أن ما يحدث ليس موتا عاديا أو لعنة ..... لا يمكن اقناعه بتلك الهواجس لذا هو لن يترك الأمر للحظ
العائلة النبيلة " دي باردي " لها جذور ملكية في المدينة و لكن هم يتميزون بأنهم رجال قانون لا رجال دين ، و رجل الدين هو من يتقلد لقب الدوق و بالتالي حكم المدينة ، و الماركيز ليس مستعدا أن يكون مهرجا يلبس ثياب البابا من أجل منصب لا يمكنه من خلاله فعل شيئا مما يريده .....
إنه رجل ذو فطنة كبيرة و محنك ، شارك في كثير من الحروب و ليس مستعدا للظهور بمظهر الرجل التقي ..... ببساطة هو ليس تقي و ليس مستعدا لتصديق خزعبلات الكنيسة التي عادت لتفرض سيطرتها حتى بعد أن ارتبطت مؤخرا بالفن و الأدب فأصبح يشاع أنها أصبحت أكثر تفتحا
صباح هذا اليوم و بينما كان المركيز يزاول عمله في مكتبه الواقع بكتدرائية صغيرة - مقارنة بكنيسة بطرس ، الكتدرائية التي تعتبر مكتبا قضائيا و الواقعة بقلب روما - طرق باب مكتبه الخشبي العتيق فوضع الريشة التي كان قد غمسها قبل برهة بالحبر في مكانها المخصص و رفع رأسه ليرمق الباب بنظرات حادة و تحدث
" تفضل "
فتح الباب ليدخل عبره مساعده " سانتو دي فيغو " الذي كان على ما يبدو يركض في ممرات الكتدرائية وصولا لمكتبه ، يرتدي بنطال أسود مع حذاء طويل العنق ، قميص فضفاض و سترة بدون أكمام سوداء ، قبعة سوداء من قماش مخملي مع بعض الريش الخفيف و التي أبعدها من على رأسه ثم انحنى بشكل طفيف
" احترامي لك سيدي الماركيز "
شابك هو أنامله مع بعضها و أسند نفسه على مقعده ليتحدث بهدوء
" ما الذي يجري سانتو ؟ "
تنفس سانتو جيدا ثم نبس
" البارون بوناروتي توفي صباح اليوم "
استقام هو بسرعة بينما عينيه توسعتا ليسند كفيه على طاولة مكتبه
" ما الذي تقوله ؟ كيف حدث هذا ؟ منذ أسبوع قابلته و لم يكن يعاني من أي شيء ؟ "
" سيدي منذ أربعة أيام لازم بيته لأنه كان مريضا و اليوم صباحا توفيّ "
شدّ على كفه ثم أخذ قبعته السوداء ذات القماش المخملي أيضا ، وضعها على رأسه بينما كان يرتدي بنطالا أسود و معه حذاء ذو عنق طويل جلدي ، قميص أسود حريري واسع الأكمام و فوقه سترة من قماش مخملي أسود قصيرة الأكام و أخرى طويلة للركبة فوقها ، حزام جلدي على خصره مع شعر طويل نوعا ما لا يتجاوز تحت رقبته يربط بشريط أسود من الحرير في الأسفل ، و هذا هو مظهر النبلاء الشائع
خرج من مكتبه ليسير في الممر و سانتو تبعه ليتحدث هو بينما يلبس قفزاته الجلدية
" سوف نذهب لبيت البارون "
" سيدي لقد طلبت البارونة اجراء تشريح لجثته "
" دعنا نصل أولا و بعدها أقرر ...... "
سارا معا و هو لا يمكن أن يقتنع بهذا الكلام المتكرر ، لما في كل مرة يحدث أمرا كهذا الأرملة هي من تطلب تشريحا لجثة زوجها ؟
كان حصانه الأسود متوقفا في حظيرة الكتدرائية و بسرعة تم تجهيزه ليكون بقرب الباب ، خرج لينزل الدرج ثم امتطى حصانه ليمتطي سانتو حصانه أيضا ، أمسك لجام الحصان و تحدث بصوت مرتفع
" لننطلق الآن "
ركل حصانه بجانبية و سحب اللجام فانطلق بركض و من خلفه سانتو و بعض من رجاله، من يمثلون القانون في المدينة ، إنها روما المدينة التي أصبحت مركز النهضة بعد أن أخذت من جاراتها كل مقومات هذه النهضة ، أدب ، فن ، عمارة و كل شيء صب في تطور هذه الأمة
*
في منزل عائلة " أورديلافي " الغنية كانت ابنتهم آميا بغرفتها كعادتها تطالع أحد الكتب التي اشترتها مؤخرا ، بعد أن استيقظت و تناولت فطورها و بعد أن ساعدتها خادمتها الخاصة " ماريا " في ارتداء ثيابها ، و التي كانت عبارة عن ثوب ضيق من فوق و فضفاض طويل من الأسفل
لقد كانت تجلس على مقعدها بجانب النافذة التي تفتحها حتى تستنشق القليل من الهواء مع الحروف التي تكاد تسرقها من الكتاب لشدة اعجابها بما تقرأ ، و بقربها الطاولة التي تجلس اليها
و بينما هي مستمتعة سمعت حركة غير طبيعية أمام مدخل بيتهم فاستقامت لتضع الكتاب على جانب الطاولة و ألقت نظرة حذرة فرأت عربة والدها تتوقف ، ابتسمت عندما فتح بابها و نزل منها والدها لكنها عكرت حاجبيها عندما رأت شخصا آخر ينزل معه ، كان رجلا طويلا ، يملك شاربا رفيعا بالاضافة لثيابه الراقية و قبعته الكبيرة
بدى لها مظهره مريبا نوعا ما و هذا ما جعلها تنسحب قبل أن يرفع عينيه و يراها ، جلست مرة أخرى بمقعدها و سحبت كتابها لتقرأ ، مر بعض الوقت فتسمع الصوت هذه المرة من جهة الباب و بعدها طرق و فتح من طرف خادمتها ماريا التي تحدثت
" آنستي والدك السيد أورديلافي يريدك في الأسفل "
امتعضت ملامحها لتضع كتابها و سألتها
" ألم يخبرك لما يريدني ؟ "
" لا آنستي و لكن يوجد معه ضيف "
أومأت ثم استقامت و قبل أن تخرج أشارت لماريا
" اجلبي لي اشاري الأسود "
تعجبت ماريا و لكنها أخرجته لتسلمه لها ، أخذته هي و وضعته على رأسها حيث سيغطي خصلاتها الطويلة التي تفضل تركها حرة بدل صنع تلك التسريحات الغريبة ، سارت نحو المرآة و ألقت نظرة على نفسها لتبتسم ثم خرجت تسير نحو الدرج ، نزلت و ماريا خلفها
وصلت لغرفة الجلوس التي تزينها اللوحات التي جادت بها أبرع أنامل الفنانين الموجودين بروما ، بعض التماثيل المنحوتة و هذا هو حال أي بيت من بيوت النبلاء و الأغنياء ، وقفت عند المدخل ثم رفعت ثوبها بكفيها لتنحني قليلا
" أبي .... "
حدق فيها مبتسما و أشار لها
" تفضلي ابنتي .... "
دخلت هي بينما تبتسم و ذلك الرجل استقام و والدها تحدث يقدمها له
" سيد برونولوسكي هذه ابنتي آميا "
ابتسم ذلك الرجل و قرب كفه من كفها و عندما وضعتها بكفه رفعها ليقبلها بينما يرمقها بنظرات الاعجاب و هي ابتسمت رغم انزعاجها من نظرته بل تتمنى لو يمكنها الصراخ بوجهه ، أصدرت قبلته لكفها صوتا ثم التفت لوالدها و تحدث
" جميلة أكثر مما وصفتها سيد أورديلافي "
أعاد نظراته لها بينما لا يزال ممسكا بكفها فهمست
" شكرا لك سيدي "
سحبت كفها و أمسكت بشالها الأسود و هو عكر حاجبيه بينما يحدق به و قد انتبه له أخيرا
" اشار أسود ؟ "
و عاد يلتفت لوالدها الذي رمقها بنظرات نوعا ما مهددة ، لكنها تجاهلته عندما عادت تنظر له و تحدثت لتلفت نظر السيد برونولوسكي
" أحاول تجربة شعور الراهبات و هن يلبسن زيهن التقي طوال اليوم "
" لماذا آنسة آميا ؟ "
قالها ذلك الرجل مستغربا و هي ابتسمت و الآن والدها يكاد ينفجر عليها لأنها تخرب له مخططاته
" لدي توجه ديني في حياتي و أود أن أكون راهبة "
ابتسم ذلك الرجل بريبة و التفت لوالدها الذي رغما عنه ابتسم له بتوسع ثم اقترب منها و دفعها حتى خرجت من الغرفة و تحدث
" ابنتي عودي لغرفتك و سنتحدث لاحقا "
دفعها بقوة ما إن أصبحا جانب الباب و همس بصوت لو صرخ به كان البيت تشققت جدرانه ، رفع سبابته بوجهها بينما وجهه أحمر و تحدث بطريقة لا تسمعه سوى هي
" عودي لغرفتك و لا تغادريها سوف نتحدث جديا هذه المرة "
دخل و أقفل دفتي الباب بقوة و ماريا التي كانت تراقبها من بعيد اقتربت منها و تحدثت
" آنستي هل أنت بخير ؟ "
ابتسمت هي و التفتت لها
" أنا بأحسن حالاتي ماريا ...... سوف أعود لغرفتي فعودي لعملك "
" حسنا آنستي "
و بابتسامة انتصار هي عادت لغرفتها ، عندما دخلت أبعدت الاشار عن رأسها و وضعته على سريرها ثم عادت لتجلس على مقعدها و تناولت كتابها من جديد ، مر الوقت و ما إن سمعت صوت العربة و الخيول في الأسفل حتى أغمضت عينيها و بدأت بالعد تنازليا
" عشرة ، تسعة ثمانية ، "
و مع كل كلمة تخرجها تحمل صفة رقم والدها كان يصعد درجة حتى وصل و فتح الباب عندما فتحت عينيها و نبست
" واحد ... "
دفع الباب بقوة و تقدم ليدخل و هي استقامت بسرعة
" ما الذي فعلته في الأسفل يا آنسة ؟ "
و بكل براءة أجابته
" ما الذي فعلته أبي ؟ لما أنت غاضب لهذا الحد ؟ "
عندها اقترب منها ليمسك ذراعها و حركها بعنف
" منذ متى لديك ميول رهبنة ؟ ..... ألم تنتقدي الكنيسة أكثر من مرة أمامي ؟ "
بضيق و ألم أجابته بينما تحاول تحرير ذراعها
" الآن أصبحت أمجدها أبي "
عندها تركها ليدفعها حتى جلست بمكانها ثم تلفت حوله ليصرخ من جديد
" أين والدتك ؟ "
أجابته بينما علامات الألم و الانزعاج لا تزال على وجهها
" لا أعلم .... ربما في حفلة شاي عند احدى صديقاتها "
" اسمعي أنت ممنوعة من الخروج .... و إن وصلني خبر هذه المرة أنك تسللتي لأحد مسارح الشوارع سوف تلقين العقاب المناسب لك "
عكرت حاجبيها برفض فهذا أكثر أمر يسعدها بحياتها الرتيبة ، خرج ليقفل الباب بقوة و هي تنهدت لتحمل كتابها و ضمته لصدرها ، أمالت رأسها و التفتت تحدق بالسماء عبر النافذة فتنهدت
" أنا أحسد جميع المخلوقات إلا البشر .... "
أما الوالدها الذي خرج فهو في حالة قلق عارمة ، لقد خاطر بكامل ثروته و ما يمتلكه عندما اشترى بعض البضائع من الشرق كالتوابل و الحرير و الآن يفترض بالسفينة أن تصل و لكن حد اللحظة لم يظهر أي شيء يبشر بوصولها ...... عليه أن ينقذ نفسه قبل أن تتأكد شكوكه و آميا هي من ستنقذه من شبح الافلاس عندما تتزوج من رجل غني ، و لو كان بمرتبة اجتماعية أعلى منهم هذا سيكون أفضل بكثير حتى ينقذ أملاكه الثابتة على الأقل من خلال المهر الذي سيدفع لها
*
في منزل البارون بوناروتي كان الماركيز و رجاله قد وصلوا عندما توقفت أحصنتهم عند المدخل ، نزل من على الحصان و تقدم نحو الباب بينما ينزع قفزاته الجلدية السوداء ، وقف خلفه سانتو و هو رفع كفه ليطرق الباب
مرت دقائق قصيرة و فتح الباب من طرف الخادمة التي كانت عينيها حمراء و يبدو أنها كانت تبكي
" نعم سيدي "
تساءلت عمن يكون و هو تحدث يجيبها
" أخبري البارونة أن الماركيز دي باردي ممثل السلطة البابوية هنا "
توسعت عينيها فمن لم يسمع به ، تنحت عن الباب بسرعة و تحدثت
" تفضل سيدي أرجوك .... البارونة كانت في انتظار سيادتكم "
ابتسم بجانبية و تقدم ليدخل من بعده سانتو الذي أبعد قبعته ، أقفل الباب من طرف الخادمة و قادتهم نحو غرفة الجلوس ليبعد هو الآخر قبعته
" اجلس سيدي ليتما تحضر البارونة "
جلس سانتو أما تشانيول فقد اقترب من النافذة الزجاجية التي تطل على الحديقة الداخلية ليقف و سانتو سأله
" سيدي لما لا تجلس ؟ "
لم يجبه بينما لفت انتباهه تلك السيدة الشابة التي ترتدي ثوبا أسود ، تحمل منديلا أسود كذلك ، كانت تبكي و تربت على التربة التي تحت شجرة كبيرة و ما هي سوى ثواني حتى رأى نفس الخادمة التي فتحت لهم الباب تقف بقربها و تتحدث معها ، رفعت هي نظراتها لتحدق نحو الغرفة فرأته يقف هناك عندها أمسكت بثوبها و انحنت قليلا ليومئ هو ثم جففت عينيها و سارت مع الخادمة فالتفت
" قف حالا ... "
وقف سانتو و هو وضع كفيه خلف ظهره حتى فتح الباب الذي بالممر و الذي دخلا هما منه و دخلت تلك السيدة الشابة ، مرة أخرى جففت دموعها و اقتربت لتمسك ثوبها و تنحني قليلا
" احترامي أيها الماركيز "
أومأ لها ثم أشار لها بالجلوس فواضح أنها أرملة البارون بوناروتي ، جلست و جلس هو ليتحدث
" ما الذي حدث ؟ "
وضعت كفها على صدرها و دموعها بسرعة تتابعت على وجنتيها
" زوجي البارون بوناروتي مات اليوم ...... لقد كان بصحة جيدة و كل ما أصابه هو نزلة برد و عندما اعتقدت أنه تماثل للشفاء فاجأني بموته "
عندها تحدث بينما يستخدم نبرة شك
" تعلمين أننا هنا من أجل التحقيق ؟ "
" بالـتأكيد سيدي الماركيز .... أنا أطالب بتشريح جثة زوجي حتى نكتشف إن كانت جريمة قتل فكما تعلم بسبب مكانته لديه الكثير من الأعداء "
أومأ و لكنه فاجأها عندما رد
" صحيح أن له الكثير من الأعداء و لكنهم لن يتجرؤوا على قتله لذا فلنقم له طقوس الدفن و العزاء و أنت أيتها البارونة قدمي بعض العطايا للفقراء كتكفير عن أي ذنب ارتكبه "
مسحت وجنتيها من الدموع بمنديلها و أجابته
" لقد أرسلتها للكنيسة فعلا "
عندها ابتسم بسخرية و جانبية
" أنت سريعة بالفعل ..... أي حب هذا الذي كان بينكما ؟ "
" لقد أحببت زوجي كثيرا .... صحيح أن فرق العمر بيننا واضح و لكن هو كان كل شيء بحياتي "
قالتها و عادت تبكي و هو استقام و سار نحو الباب ليتبعه سانتو ثم تحدث بعد أن توقف
" أعيدي توزيع العطايا مرة أخرى و لكن هذه المرة على الفقراء ..... الكنيسة تمتلك ما يكفيها بالفعل "
خرج و سانتو تبعه ليتحدث
" سيدي ألن نجري تشريحا للجثة ؟ "
" حتى لو أجرينا لن نحصل على شيء لذا فلندفنه الآن و نحصل على الاجابة لاحقا "
تعجب سانتو فهو لا يفهم ما الذي يرمي له سيده ، خرجا من منزل البارون و عندما امتطى حصانه تحدث
" ما الذي حدث عن تعقبكم للمسارح المقامة في الشوارع ؟ "
حدق به سانتو قبل أن يمتطي حصانه و أجابه
" نخطط لمداهمة واحد الليلة سيدي المركيز "
" جيد ..... لا أريد من ترهاتهم أن تزيد من تحريض الناس على الكنيسة و على الدوق "
ضرب حصانه بخفة مستخدما قدمه ثم شد اللجام و غادر و لكن ليس نحو الكتدرائية بل نحو بيته حتى يتجهز للذهاب لمنزل عائلته فعمته " الليدي جوفانا دي باردي " تريد رؤيته منذ عدة أيام و لا يجب أن يتجاهل الأمر أكثر فهذا ليس جيدا بحقها
*
مساء ذلك اليوم تناولت أمايا عشاءها مع والديها ، على الطاولة كانت تلتزم الصمت بينما والدها يبدو غاضبا بشدة أما والدتها فقد كانت تتحدث عن الأثواب و الفناجين الخزفية التي رأتهم في بيت صديقتها و فجأة وضعت كفها على كف زوجها و تحدثت
" يجب أن نحصل على فناجين مثلها عزيزي فليس جيدا بحقنا أن تقول صديقاتي أن بيت السيدة أورديلافي خالي من الأواني الثمينة "
سحب كفه ثم استقام و خرج بدون أن يرد عليها و هي توسعت عينيها و حدقت بأميا
" ما الذي جرى له ؟ "
" لا أدري أمي "
قالتها هي الأخرى و انسحبت لتتركها وحدها مستغربة ، صعدت لغرفتها و أقفلت الباب ثم بسرعة توجهت نحو صندوق الثياب لتفتحه ، أخرجت منه ثوبا عادي جدا بقميص أبيض مقفول العنق أخذته من ملابس ماريا
ارتدته بسرعة ثم أخرجت برنسا بني اللون ، وضعته على كتفيها و أخذت القناع الأبيض بكفها
اقتربت من سريرها و أبعدت عنه الغطاء و في تلك اللحظة طرق باب غرفتها فسمعت صوت ماريا من خلفه
" آنستي هذه أنا ماريا "
" تفضلي ماريا "
فتحت ماريا الباب و دخلت عندها اقتربت منها آميا و سحبتها تسير بها نحو السرير
" هيا نامي "
" آنستي "
" ماريا نامي و غطي رأسك ، لا تلتفتي ولا تستجيبي لأي أحد ..... هما دائما يفعلان هذا و عندما لا ألتفت لهما يغادران "
" أنا خائفة آنستي "
" لا تخافي ليس عليك سوى أن تتمسكِ بالغطاء "
تمددت ماريا و وضعت الغطاء عليها و آميا تأكدت أنها تتدثر بغطائها مثلما تفعل هي عادة ثم اقتربت من الشمعة ، أطفأتها عندما نفخت عليها ثم أقفلت النافذة و راقبت الوضع حتى تحسست الهدوء في المنزل و خرجت ، بسرعة نزلت الدرج و سارت نحو الممر المؤدي لغرف الخدم
عندما وصلت للباب الخلفي وضعت القناع على وجهها ثم رفعت قلنسوة البرنس و فتحته لتخرج ، عادة ما يغادر الخدم من هذا الباب فلم يهتم لها أي أحد ، كانت تسير بسرعة حتى لا تتأخر عن المسرحية و في كل حين و الثاني تتلفت حولها حتى وصلت
ابتسمت بسعادة و تقدمت تسير بين الحشود حتى أصبحت تقف أمام المنصة ، بعد وقت أخرجت بعض القطع النقدية و سلمتها للمسؤول عن الدفع الذي كان يحمل قبعته و يقدمها للمتفرجين ، ابتسم لها و ابتعد و هي رفعت رأسها لتتابع باهتمام كبير فهاهم يدينون الكنيسة و يجعلون الدوق في ثوب الأحمق و الماركيز جلاد المدينة الذي لا يرحم
تعالت الصيحات و الهتاف للممثلين و الكاتب و هي رفعت كفيها تصفق عندها شعرت بشخص بجانبها يصفق ، التفت له و كان هو الآخر يرتدي قناعا أسود يخفي ملامح وجهه مع ملابس سوداء و برنس طويل كذلك ، ابتسم لها لتبتسم و تحني رأسها قليلا ثم التفتت للمسرح
" هل أنتِ هنا لوحدكِ آنستي ؟ "
قالها عندما اقترب منها و هي التفتت تحدق به و عكرت حاجبيه من تحت القناع ثم تراجعت خطوتين لتنفي
" لا .... أنا مع "
و قبل أن تنهي كلامها تعالت الأصوات و صاح أحدهم
" تفرقوا و أهربوا جميعا رجال الماركيز في طريقهم الينا "
الجميع تحرك بهلع و فزع ليهربوا أما هي حدقت بذلك الغريب الذي أمسك كفها ، شعرت بالخوف لتسحب كفها من كفه بعنف ثم التفتت حتى تركض و لكنها تعثرت بثوبها لتقع أرضا ، ضمت نفسها و شعرت بالضعف في تلك اللحظة بينما الجميع من حولها يتحرك بقوة
الجميع كان يحاول الهرب و صوت أحصنة رجال الماركيز أصبحت أوضح من ذي قبل و لكن فجأة سمعت صوتا
" هيا اصعدي معي "
أبعدت كفيها ثم رفعت رأسها لترى نفس الرجل يمتطي حصانه و يمد كفه لها ، ترددت فهو للتو كان يحاول التودد لها و لا يجب أن تسمح له باستغلال الأمر و لكن بالمقابل إن لم تهرب بسرعة ستكون بمشكلة كبيرة
" هيا بسرعة "
قالها مرة أخرى باصرار و هي التفتت لترى رجال الماركيز قد اقتربوا فعلا فاستقامت و أمسكت بكفه ليرفعها هو بسرعة ، جعلها تمطي حصانه بجانبية و تجلس أمامه لا خلفه ، شد على لجام الحصان و قبل أن يتمكنوا منه رجال الماركيز هو انطلق بسرعة كبيرة فشعرت أن قلبها يحلق مع السرعة الهائلة و الهواء الذي يعبث بخصلاتها الطويلة عندما وقعت منها قلنسوة البرنس
نهاية الفصل الأول من
" أكوا توفانا "
أتمنى أنكم أحببتموه و نقلكم إلى ايطاليا في القرن الـ 17 م
إلى أن نلتقي مع الفصل التالي كونوا بخير أعزائي ولا تتجاهلوا التصويت
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro