الفصل عشرون ( الأخير )
مساء الخير مرة أخيرة في هذا العمل
الصورة فوق هي لجوليا بينما تبيع السم و لنكون منصفين لسن النساء فقط من ابتعنه منها حتى الرجال ، كل من أراد جريمة كاملة ، و الجريمة لن تكون كاملة أبدا
استمتعوا بآخر فصل أعزائي و لا تبخلوا بردودكم و آرائكم البناءة لي
*
تتعلق الحياة بحبل واهن ، حبل شديد الضعف قد تتقطع أوصاله في أي لحظة إلا أنه يغتال الأنفس و الحياة ، فيثبت الوقت قوته و الثواني قيمتها الكبيرة ، في هذه اللحظات لن تهتم ، سعيدا أو حزينا إنها النهاية و سوف تسطر بكل ما تحمله من حروف و حركات ، مرفوعة أو مكسورة ما كسر القلب
اشتدّ الحبل حول رقبتها و ضاقت أنفاسها ، تحرك جسدها ليقاوم و قدميها سبحت في الهواء تتحرك في مشهد بائس للغاية ،إلا أنها فتحت عينيها لتتنفس بعد شهيق طويل و كأنها أحتجزت تحت الماء لوقت طويل بينما يد تمسك رقبتها من الخلف و ترغمها على البقاء داخله
امتلأت عينيها بالدموع ثم حدقت حولها لتجد أنها في غرفة بسيطة جدا ، جدرانها خالية من اللوحات أو الألوان و هي كانت ممددة على سرير متوسط الحجم ، اعتدلت لتحدق بكفيها اللتين رفعتهما بينما ترتجفان بخوف ، كانت الخدوش تملأهما و لكنهما تبدوان نظيفتان عكس ما تتذكره و هي تعلق على حبل المشنقة بعد أن تعرضت للعذاب و المعاملة السيئة
فجأة توسعت عينيها و حدقت بنفسها أكثر ، ثوبها الأبيض نظيف و حتى شعرها ، كل شيء حولها متغير فهل ماتت فعلا ؟ رفعت رأسها و أخيرا علمت مصدر الظلمة في الغرفة ، فشخص يتوشح السواد كان يقف بقرب النافذة و يحجب ضوء الشمس المتسلل ....... شخص تعرف هالته جيدا و لكنها مشتتة الذهن و المشاعر في هذه اللحظة
تدافعت الدموع بعينيها و خرجت شهقاتها لتهمس ببؤس
" هل متُ ؟ "
التفت لها المقنع الأسود و هي توسعت عينيها لتنفي ما تراه أمامها ، اقترب منها بهدوء و بطء تتابعه عينيها ليجلس على طرف السرير ثم أمسك بكفها المرتجفة و قربها له ليقبل باطنها برقة ، رفع نظراته تجاهها و قرب كفه ليضم بها وجنتها فأجابها أخيرا
" أنتِ لم تموتِ ...... أنتِ حية آميا ، حية ترزقين "
نفت بعدم تصديق ثم أبعدت كفه عنها ، أبعدت الغطاء و استقامت بسرعة لتسارع نحو النافذة التي تراها أمامها ، وقفت بقربها لتبعد ستارها ثم فتحتها و لفحها الهواء ليتسرب و يتعمق بدواخلها ، حدقت حولها فرأت أراضي واسعة خضراء ، أشجارا مثمرة و حصان أسود و آخر أبيض في الفناء الموجود به بئر بني بآجور أحمر و لكن ما جعلها تتوقف
هو رؤيتها لماريا و سانتو يعملان معا و يضحكان و حتى فيردي كان يمتطي عصاه و يركض بصخب ليصرخ أنه المقنع الأسود هذه المرة ، توترت أنفاسها المسروقة فرفعت كفها لتضعها على قلبها الذي صرخ بدقاته ، لم تتمكن من ايقاف دموعها ثم نبست دون أن تلتفت له
" من أنتَ ؟ "
استقام هو و وقف خلفها ليقرب كفه منها ، وضعها على كتفها عندها التفتت و رمقته بنظرات خائبة ، تعيسة للغاية لتنبس
" أرجوك ...... أرجوك "
قالتها بهمس بينما تقرب كفها نحو صدره و وضعتها فوق الجرح الذي كان هناك من قبل بسببها و الذي افتعله أيضا بسببها مرة أخرى ، ضغطت عليه فلمست الخشونة عندها خرجت منها شهقاتها و نفت لكنه اقترب و ضمها له ، شد عليها بحضنه و هي حاولت ابعاده لتصرخ بألم
" لما لم تتركني للموت ؟ لما جعلتني أعلم الحقيقة الآن فقط ؟ "
" آميا "
تحركت في حضنه بقوة ثم حاولت دفعه ليمسك بذراعيها و شد عليها ليصرخ هو كذلك
" اهدئي ..... اهدئي و اسمعيني "
حدق بعينيها بينما يمسك ذراعيها بشدة و هي أجابته بألم و قهر ، بخيبة أمل كبيرة ضربت عمقها
" لا أريد أن أسمع ...... لا أريد أن أتأكد أنني كنت مجرد طعم رميته في محيط مخيف لكي تحصل على صيدك "
عندها تركها و أبعد القناع عن وجهه ، رأت ملامحه و تأكدت أنها كانت مجرد غبية عندما كرهت الماركيز و أحبت انعكاسه المناقض له ، وهنت ركبتيها فتركت نفسها للأرض عندما أسندتهما عليها و هو جلس القرفصاء أمامها ، أسندت كفيها كذلك على الأرضية الخشبية لتبكي دموعها و آلامها بصوت عالي و هو لم يجد نفسه سوى مقتربا منها و ضمها له من جديد ، من الطبيعي أن تقابله بالرفض و عدم التصديق ، من الطبيعي أن تلومه
" أنا آسف آميا ...... آسف جدا و نادم على كل الألم الذي تسببت لكِ به "
وضعت كفها على ذراعه فوجدت نفسها تتمسك بقميصه بشدة لتهمس
" لقد جعلتني خائنة و قاتلة و رأيتَ بشاعتي بنفسك ...... لم تترك لي أي مكان جميل بقلبك و عينيك "
" من أخبرك أنك لن تجدي بعد الآن مكانا بقلبي ؟ "
" لأنني سيئة و لا أستحق قلبك ...... لأنني خنتك "
" أنت لم تخونيني ..... أنت فقط سايرت قلبكِ و أحببتني بشخصية حلمت بها عكس ما كنت أظهره لك "
" لكنني لا أزال مذنبة "
" أنا لا أراك كذلك آميا ....... "
أبعدها عنه و حدق بعينيها الرماديتين ، أول شيء فتنه بها ثم وضع كفه على وجنتها و ابتسم بينما يمسح بابهامه دمعتها المتسللة
" هنا نحن سوف نبدأ من جديد ...... "
عكرت حاجبيها و توا انتبهت لكل ما حدث فنبست بينما نبرة البكاء لا تزال عالقة بصوتها و دموعها متوسدة وجنتيها
" هل ..... هل تركت كل شيء من أجلي أنا ؟ "
ابتسم ليومئ ثم اقترب أكثر يسند جبينه على جبينها بينما كفه نزل لرقبتها ليحتضنها
" لقد أصبحنا كلنا ملاحقون من طرف السلطات البابوية في روما "
توسعت عينيها و نبست
" أين نحن الآن ؟ "
" في فلورنسا ........ حياتنا الجديدة و السعيدة ستكون في فلورنسا آميا دي بورتو "
" كيف أنقذتني من الموت في آخر لحظة ؟ "
و لكنه تجاهل سؤالها و غرق بين ألحان شفتيها العذبة عندما كان بكل ذلك القرب منها ، إنها أول قبلة بينهما ، القبلة الفعلية بدون خداع ولا أسرار فمكان منها هي الأنثى الرقيقة سوى أن تبادله و تضع كفها على وجنته لتلمس أخيرا الرجل العميق الموجود بقلبه ، الرجل الذي أحبها منذ أول مرة وقعت نظراته عليها
ابتعد عنها و هي أغمضت عينيها لتتنفس بقوة عندما سرقت أنفاسها من طرف الحب و ليس الموت ، ابتسم و همس بقرب شفتيها
" هل تقبلين الزواج بي آميا ؟ "
فتحت عينيها التي تموجت بدموعها تعطيها منظرا ساحرا أسر قلبه أكثر ، عبست و هي لا تدري أين تصنف شعورها ليواصل هو
" أنا أحببتك منذ رأيتك يا آميا و لكن الرجل القوي الذي كنت عليه لم يسمح لي أن أظهر ضعفي لكِ يا صغيرة ....... كنت أنت كل حياتي فحاولت الحصول عليك بالقوة و قررت استغلال سذاجتكِ حتى أكتشف سر موت الرجال و كنت متأكدا من حمايتكِ و لكن ثقتي خانتني و حاولوا سرقتكِ مني لذا تركت ذلك الرجل القاسي و منصبه هناك و سرقتك من بين براثينهم لأنجو بك و معكِ "
مشاعرها متضاربة في هذه اللحظة ولا يسعها سوى تصديق كل كمة يقولها الآن
" هل سنبدأ حياة جديدة ؟ "
" أجل ..... ستكون حياة بسيطة لا يوجد بها كل البذخ الذي تعودتِ عليه فهل تستطيعين عيشها معي ؟ "
أبعدت كفه عنها و اقتربت لتضمه بشدة ، تمسكت به بقوة لأنه حبل نجاتها و بابتسامة من بين دموعها أجابته
" لا أريد شيئا من الماضي ..... أريد مستقبلا نرسم خطوطه معا "
ابتسم ليضع كفيه على ظهرها و شدها له
" اذا أنت تقبلين الزواج بي ؟ "
" أنا زوجتك "
" أريد زواجا حقيقيا و عن حب آميا "
عندها ابتعدت عنه و حدقت بعينيه و أومأت
" أجل .... أنا أقبل الزواج بك "
*
مرّت عدة أيام كانت التحضيرات للزواج قائمة ، عندما أنقذوا آميا و هربوا هم سلكوا الطريق إلى فلورنسا ، أين كان تشانيول سابقا يمتلك مزرعة صغيرة لا يعلم بوجودها أحد ، صحيح أن المنزل ليس باذخا و لا فخما مثل منزله القديم و لكنه دافئ عكس القديم ، كما أنه استطاع نقل قدرا لا بأس به من ثورته المنقولة كالذهب و المجوهرات
كان سانتو يسحب دلو الماء من البئر عندما اقتربت منه ماريا من الخلف و وقفت تنادي اسمه
" سانتو "
عندها ترك الدلو بسرعة و في آخر لحظة شد الحبل حتى لا يقع وسطه مثل الدلاء الأخرى ، ابتسمت هي على حمقه و غبائه ثم التفت لها
" ماريا حبيبتي "
" أنا لست حبيبتك يا هذا "
قالتها بدلال و هو ربط الحبل مع الأعمدة الخشبية المصنوعة على البئر و اقترب منها ليضرب ذراعها بذراعه
" بل حبيبتي و لكن الماركيز أناني و سيتزوج للمرة الثانية قبلي "
عكرت حاجبيها برفض و حدقت به لتنفي
" إن سمعك تدعوه بالماركيز مرة أخرى سوف يعاقبك ..... هل تريد من أمرنا أن يفتضح ؟ "
فابتسم و نفى ليمد شفتيه و يقترب منها محاولا تقبيلها و لكنها رفعت كفها و ضربت شفتيه لتنهره
" كم مرة أخبرتك ألا تفتعل هذه الحركة ؟ "
فتح عينيه و عبس عندها سمع صوت ضحك صاخب و عندما التفتا لم يكن سوى فيردي المجنون و الذي كان ينظر بعيدا عنهما و سانتو نفى و بضيق تحدث
" لما تضحك يا أحول ؟ "
توقف فيردي و مسحت ابتسامته و أشار له
" سوف أخبر السيد بما تحاول فعله ..... "
قالها ليترك عصاه تقع و ركض بعيدا عندها سانتو تبعه بركض أيضا و صرخ يتوعده
" عد إلى هنا يا مجنون ...... سوف أجعل عينيك تنظر للاتجاه الصحيح تعالى "
و هي تنهدت بضيق فقد أشغلها عن الأمر الذي أتت حتى تخبره به ، فالماركيز أو السيد دي بورتو كما أصبح يلقب ذهب ليعقد صفقة مع تاجر ليبيعه محصول المزرعة من الزيتون و أخبرها أن تكلف سانتو حتى يذهب للبلدة القريبة و يحضر ثوب الزفاف من متجر الخياطة
عادت ماريا للداخل و بعد أن دخلت وجدت آميا تجلس و تحدق بعيدا بشرود ، هي منذ انقاذهم لها و استقرارهم بهذا المكان تشرد كثيرا و لا تتحدث مع أحد ، و إن تحدثت تتحدث مع تشانيول و هما يتناقشان بأمور الزفاف ، ما مرت به ليس سهلا أبدا
تنهدت ماريا و اقتربت لتجلس بقربها ثم وضعت كفها على مسند المقعد الذي تجلس عليه و ربتت على كفها
" آنستي "
نبست بها بخفوت و آميا التفتت لها و عينيها كانت مليئة بالدموع
" لما أنت حزينة ؟ "
وقعت دمعتها لتسير على وجنتها و أجابتها بضعف
" لا أستطيع تجاوز تلك اللحظة التي تعلق بها جسدي و اشتد الحبل حول رقبتي "
اقتربت منها ماريا و ضمتها لتتمسك بها آميا و هي تحدثت
" مع أنني أخبرت الحقير سانتو أن لا يشد الحبل كثيرا "
عندها أبعدتها و تحدثت بينما تحدق بعينيها
" كيف حدث الأمر و تمكنتم من اخراجي من هناك ؟ "
تنهدت ماريا و شدت على كفها
" أمام الماركيز لم يبقى حل سوى المواجهة لذا خططنا للأمر قبل وقت من تنفيذ الحكم ، في الاعدامات السابقة كنا نراقب الوضع و التفاصيل و نزوده بها و هو وضع الخطة "
شدت بأسنانها على شفتها تحاول منع دموعها و أمام عظمة حبه لها هي وقفت عاجزة لتواصل ماريا سرد ما وقع
" جهز رجلين على حصانين واحد أبيض و الثاني أسود للتمويه و أنا امتطيت الحصان الأسود الخاص بالماركيز و كنت أنتظر الاشارة للاقتراب ، سانتو تسلل بين رجال الدوق و ارتدى ثياب الجلاد و غطى وجهه ليكون قريبا و عندما ظهر المقنع الأسود على حصانه الأبيض بعد أن أثار فيردي الجلبة كعادته و الانتباه ، قفز المقنع بحصانه على المنصة ليحملك و سانتو قطع الحبل "
" متى علمت أن الماركيز هو المقنع ؟ "
" بعد أن صدر حكم الاعدام بحقك هو و سانتو أخبراني لكي نجهز خطة انقاذك "
تنهدت لتومئ و ماريا واصلت
" المقنع ابتعد بك لتتوجه جميع الأنظار نحوه و أنا ظهرت بعدها فقفز سانتو على الحصان الأسود خلفي و هربنا و سط الحشود الذين وجدوا الأمر بطولي فساندونا و أعاقوا حركة رجال الدوق لأنهم تأكدوا أن من على الحصان الأبيض ليس سوى الماركيز "
" و لكن رجال الدوق ألم يتبعوكم من بعدها ؟ "
" بلى و لكن الرجلين الجاهزين على الأحصنة قاما بالتمويه و لأن القدر كان واقفا معنا فقد تبعوا الرجلين و نحن توارينا بعيدا حيث كانت عربتين للخضر تنتضرنا ، تم تخبئتك تحتها و الماركيز عاد لحصانه و سبقنا و سانتو كان خلفنا و لأن روما و فلورنسا بينهما عداء فقد استطعنا الفرار بسرعة و بدون خطر أن يتبعونا رجال الدوق إلى هنا ..... كوني مطمئنة أنت و نحن في أمان الآن "
عندها تنهدت و شعرت أن البكاء يخنق صدرها لتنفي
" لا أصدق أنه تخلى على كل شيء من أجلي "
" حتى تصدقي كلامي مرة أخرى آنستي ..... لقد أخبرتك كثيرا أنه رجل جيد و لكنك تعنتِ "
حدقت بعينيها ثم ابتسمت بخفوت و ألم لتجيبها
" أنت محقة .... أشعر أنني من لا تستحقه "
" لا تفكري هكذا "
" أنا سيئة جدا ، أحببت رجلا آخر و حاولت قتله "
" إنه نفسه آنستي فلا تلومي نفسكِ "
" و لكن وقتلها لم أكن أعلم أنه هو نفسه و هذا يعتبر خيانة لا يمكن أن أسامح نفسي عليها "
" أنا أيضا خنتكِ آميا "
عندها التفتتا لمصدر الصوت و كان تشانيول من دون أي ألقاب يقف بقرب الباب الذي دخل عبره دون أن تنتبها له ، اقترب و كانا حاجبيه معكرين فجلس بقربها ليسحب كفها و يمسكها و ماريا حاولت الانسحاب بعد أن استقامت فتحدث
" انتظري ماريا يجب أن تشهدي على ما سأقول "
توقفت ماريا لتحدق بهما و هو أعاد نظراته لنظرات حبيبته المليئة بالذنب ناحيته
" كل منا أخطأ و أنا من سحبتك نحو الخطأ يا آميا ، استدرجتك حتى أنفذ خطتي ...... لقد تحدثنا بهذا كثيرا و لكنك متعلقة بالذنب و تصدقينه لأن قلبكِ نقي و ضميرك حي ، لقد أخطأنا معا و ربما خطئي أكبر و أعظم من خطأك حتى كاد يودي بحياتك و هاهو يسبب لكِ الحزن و الألم لذا دعينا ننسى الماضي كليا ، ليكن فعلا لا كلام فقط "
شدت على شفتيها و عينيها امتلأت بالدموع من جديد لتتنهد بقوة ثم أومأت و هو حدق بماريا
" كوني شاهدة ماريا هي لن تذكر هذا الأمر مجددا ....... ما كان بروما انتهى و لن يعود و نحن بدأنا بداية جديدة هنا "
" أنا شاهدة على هذا سيدي "
ابتسم لها فانسحبت و عاد يحدق بحبيبته ثم اقترب ليقبل جبينها و نبس
" هل وصلك الثوب ؟ "
و هي نفت
" لا .... لم يصلني بعد "
" سوف أعاقب سانتو لأنه متهاون ولا يقوم بعمله "
ابتسمت و هو تركها و خرج ليهتم بأمر سانتو ، مرّ الوقت بعدها و ماريا جهزت العشاء و بعد عودة سانتو و احضاره للثوب اجتمع الجميع على العشاء ، حتى فيردي و كان تشانيول يجلس على رأس الطاولة ، على يمينه آميا و على يساره سانتو ، بجانبه ماريا و مقبالا لها بجانب آميا فيردي الذي تحدث ليجذب له الأنظار
" أنا سأكون الاشبين "
قالها بينما يرمق سانتو أو ما خلفه بتحدي و الآخر برزت ملامحه الغاضبة و تحدث
" كيف لأحمق مثلك أن يكون اشبين الماركيز "
كان صوته متهكم غاضب ثم اِلتفت لتشانيول الذي رمقه بنظرات قاتلة
" لا يوجد هنا أحمق غيرك سانتو ...... أنا موافق فيردي ستكون أنت الاشبين "
صفق فيردي بسعادة و آميا ابتسمت بينما تحدق به بجانبها و سانتو عبس و بدأ يأكل بغضب و ماريا ضربت ذراعه
" لا يمكنك أن تبدأ قبل أن يبدأ السيد "
إلا أن تشانيول اعترض على كلامها
" ماريا أتركيه على راحته ..... هنا نحن عائلة ، الجميع لديهم نفس المرتبة و الحقوق "
أومأت هي ثم حدقت بآميا التي لا تزال لا تتحدث كثيرا أما هو فقد قرب كفه من آميا و تحدث
" ماريا ستكون اشبينتك أليس كذلك ؟ "
" بلى ..... أنا لا يوجد لي عائلة غيرها "
و في آخر كلامها حدقت نحوها بابتسامة ، ربت على كفها فقد شعر أن هناك أكثر من لحظات الاعدام تلك تؤثر عليها و لكن كل شيء سوف يمر مع الوقت و السنين ، تناولوا عشاءهم وسط مشادات سانتو و فيردي التي لا تنتهي و عندما ضاق تشانيول منهما ذرعا عاقبهما معا ، سانتو ينام بالحضيرة و فيردي بالغرفة ، كل يحرمه مما يحب و يجبره على البقاء في المكان الذي يكره
صباح اليوم التالي و الموافق ليوم الزفاف الذي خططا له ، تجهزت آميا بمساعدة ماريا و قد حاولت أن تكون مبتهجة رغم الألم و الكوابيس التي لا تنفك تطاردها كلما نامت ، الجميع أصبح جاهزا و أتت عربة استأجرها تشانيول من البلدة لتقلهم للكتدرائية ، الزفاف سوف يقتصر عليهم هم فقط فلا أحد لهم في هذا المكان الغريب عنهم لكنه آمن للغاية
صعدت آميا و ماريا معها ليكون معهما سانتو أما تشانيول فقد صعد خلفه فيردي على حصانه الأبيض و نطلقوا جميعا نحو الكتدرائية أين كان القس بانتظارهم لتجديد العهود التي سوف تبنى على الحب ، المودة و الاحترام بينهما هذه المرة ، إنها البداية الصحيحة عكس البداية القديمة التي كانت مليئة بالشوائب و الأسرار السامة
بعد وقت توقف الحصان و توقفت العربة ، نزل فيردي ثم تشانيول ليترك حصانه مع الرجل صاحبة العربة و دخل للكتدرائية قبل العروس ، تقدم و فيردي كان خلفه بينما يرتديان ثيابا راقية و غالية و فيردي لا يصدق أنه يرتدي من ثياب الماركيز و لكنه لا يتجرأ على الصراخ بلقبه السابق حتى لا يؤذيه ، مجنون و لكنه يعرف مصلحته جيدا
استقبله الكاهن ثم وقف و بقربه فيردي بانتظار دخول آميا ، هذه المرة رافقها سانتو و ماريا كانت تسير خلفهما ، كانت تحمل باقة الورود و طرحتها على وجهها ، شعرت أن دقات قلبها تطرق سعادة و فرحا مع أنها ليست أول مرة و ليس رجلا مختلفا ، فقط هذه المرة تمكنت من لمس روحه الحقيقية و شخصه هو لا الشخص الذي تفنن في رسمه و وضعه أمامها لتكرهه
ابتسمت و هو بادلها إلى أن وصلت و سلمه سانتو كفها ثم حاول التحدث بتحاذق عندما ربت على كتف تشانيول
" اعتني بها ابني "
رمقه تشانيول بنظرات مهددة لذا ابتسم بحمق ثم تراجع و ماريا اتخذت مكانها ، التفتا للقس الذي ابتسم لهما و تحدث
" مرة أخرى يجتمع هاذين المحبين لتجديد عهود و وعود الحب "
الجميع أصابتهم البهجة و القس بدأ يتلو عليهما المواعض و التي استمعا لها بكل تركيز و ايمان كبير منهما ، لأنه سيكون زواج من أجل الزواج و الحب ، من أجل العائلة و ليس هناك أية مطامع خفية
تبادلا الخاتمين البسيطين و القس تحدث
" ..... أعلنكما زوجا و زوجة من جديد يمكنك تقبيل العروس "
حدق بها هو بملامحها السعيدة من تحت طرحتها البيضاء التي تعكس نقائها و عفتها ثم اقترب ليبعدها لها ، احتضن وجنتيها بكفيه معا و قربها له ليقبل جبينها ، أغمض عينيه و شعر بعظمة تلك اللحظة ......... لقد شكر الرب أنه مكنه من انقاذها و اعادتها لحياته ، تعهد هذه اللحظة بينه و بين نفسه للرب أنهما لن يتهاونا عن فعل أي شيء يصب في مفهوم الأعمال الخيرية باسمه هو لا جهات تتخذ الدين ذريعة لسلب الناس أملاكهم و أفكارهم و حتى حرياتهم ، سوف يكون تقيا بطريقته الخاصة و بعيدا عن كل التدنيس الذي كان يشهده في الأماكن ذات السلطة و التي جعلته ينفر من الدين
ابتعد عنها ليفتح عينيه محدقا بعينيها التي امتلأتا بالدموع و لكنها رسمت ابتسامة أبهجت قلبه
" أحبكِ آميا "
*
ليس كفيلا بمعالجة الجروح و الآلام سوى السنين ، و هاهي السنين تمر عليهما منذ أسسا حياتهما الجديدة ، كانت السعادة تتسلل رويدا ، رويدا لهما و اكتملت عندما رزقا بطفلتهما الأولى فيرلا ،آميا تناست أنها كانت تمتلك عائلة لأنهما تناسيا وجودها و لم يظهرا في أسوأ أيامها و كل ما تفعله تكريس حياتها لابنتها البالغة الآن من عمرها سبع سنوات و ستفعل مع الطفل القادم كذلك
" أمي "
قالتها فيرلا بتساؤل بينما آميا تقف خلفها تسرح لها شعرها فرفعت آميا نظراتها لتخص بها طفلتها من خلال المرآة لتجيبها
" نعم حبيبتي "
" متى سيعود أبي ؟ اشتقت له "
ابتسمت هي لتعود و تواصل تمشيط شعر طفلتها الناعم و أجابتها
" أنا أيضا اشتقت له "
" اذا متى سيعود ؟ "
" لا أدري ربما قريبا و ربما سيطول الأمر لأسبوع اضافي أيضا "
عبست فيرلا لتحرك قدميها المرتفعة عن الأرض بسبب قصر قامتها بينما تجلس على مقعد طاولة الزينة
" أنا أكره الزيتون "
قالتها بدلال و آميا دنت لتقبل رأسها
" إنه كل ثروتنا يا فيرلا ..... والدك ذهب للعمل حتى يتمكن من شراء الكثير من الأشياء التي تحبينها "
" و لكنه يتأخر و أنا أشتاق له "
" لنصبر قليلا من الوقت "
و في تلك اللحظة سمعت آميا ركضا عبر الممر ذو الأرضية الخشبية ثم ضحكات طفل شقي ليُفتح الباب و يقترب مرتميا بحضن فيرلا و لم يكن سوى تينو ، ابن ماريا و سانتو ذو الأربع سنوات
تبعته ماريا و تحدثت بتهديد بقرب الباب
" سوف ترى ما الذي سأفعله بك أيها الشقي "
اقتربت منه و هو قهقه بمتعة و تمسك بفيرلا ثم حاول الوصول لآميا التي تنقذه دائما
" ماريا أتركي الفتى يلعب ما الذي فعله ؟ "
حدقت فيها ماريا بقهر و أشارت نحوه لتجيبها
" لقد رمى دلوا آخر في البئر ...... ألا يكفيني والده الأحمق "
ابتسمت آميا ثم اقترب لترتب على كتفها
" إنه الحب ماريا أم نسيتي ؟ "
" كان حُمقا ....... أنا نادمة على شبابي الذي أهدرته مع مغفل مثله "
قالتها بغضب ثم غادرت و تينو نزل من حضن فيرلا التي نزلت من مقعدها هي كذلك ثم أمسكت بكفه و تحدثت
" هيا لنذهب للحضيرة ليحكي لنا فيردي عن المقنع الأسود و الماركيز الطيب "
لوحت لهما آميا ليغادرا و هي خرجت كذلك من غرفة ابنتها ثم سارت بينما تضع كفها على بطنها ، انها في شهرها الخامس من حملها الثاني و هاهي تعيش حياة لم تعتقد أنها سوف تتمكن من عيشها ، آميا من البداية بحثت عن الحياة البسيطة و هاهي الأحلام تتحقق و أصبحت الحياة جميلة
نزلت الدرج و سارت نحو المطبخ أين كانت ماريا تحضر وجبة الغذاء و وقفت لتساعدها ، حدقت بها فرأتها غاضبة فعلا لتسألها
" ماريا يبدو أن هناك شيئا عظيما "
توقفت ماريا لتلتفت و بضيق أجابتها
" سانتو الأحمق يريد الرحيل من هنا "
" لمدينة أخرى ؟ "
قالتها آميا بتعجب و خوف بذات الوقت و ماريا نفت
" لا ..... و لكنه اشترى منزلا بالبلدة و قال يجب أن ننتقل و نستقر هناك "
عبست آميا و لكن البلدة قريبة و هما من حقهما أن يستقرا في منزلهما الخاص فوضعت كفها على ذراعها و تحدثت
" إنه حقه يا ماريا فلا يجب أن تغضبِ "
" و لكن آنستي أنا لم أفترق عنك منذ سنوات طويلة "
عندها آميا انفجرت ضاحكة و ربتت على بطنها
" ماريا أنا أم و طفلي الثاني ببطني فتوقفي عن قول آنستي "
" انها عادة لا يمكنني التخلص منها "
آميا تعتبر ماريا هي عائلتها الوحيدة و التي أحبتها مثل أختها فاقتربت و ضمتها لتتحدث بينما تمرر كفها على ظهرها
" لا تقلقي سوف نزوركم و تزوروننا كثيرا "
" أريد أن أبقى هنا "
فابتعدت عنها آميا و بعبوس تحدثت
" هيا لننتهي من الغداء فالأطفال سوف يشعرون بالجوع بعد وقت قصير "
تنهدت ماريا و عادتا للعمل ، مر الوقت فسمعت آميا صوت الضحكات في الباحة و عندما أطلت رأت فيردي يركض خلف فيرلا و تينو فابتسمت و التفتت لتذهب و ترتب الأطباق على الطاولة عندها سمعت صوت الحصان الذي لا يمكن أن تخطئه ثم صوت صراخ فيرلا السعيد و عندما اقتربت من النافذة من جديد رأت زوجها ينزل من على حصانه و يفتح ذراعيه لطفلته فابتسمت و شعرت بالسعادة تغمرها لتضع كفها على بطنها و ماريا التي وقفت من خلفها لتتحدث
" إنه أفضل زوج و أب "
تنهدت آميا و أومأت لتجيبها
" سوف أذهب لاستقباله "
تركتها في المطبخ و اقتربت من الباب و عندما فتحته وجدته يقف هناك بينما يحمل فيرلا و يهم بفتح الباب ، بانت الفرحة على ملامحه و توسع صدره بهجة عندما رآها أمامه فاقترب منها ليضمها و هي تمسكت به ليقبل جبينها فهمست له
" اشتقت لك حبيبي "
" و أنا أكثر "
دخلا للمنزل و أقفلا الباب خلفهما و هاهي الحياة تجازيهما بهدوئها و عدم اغارتها عليهما ، فالراوي الآن لا يمكنه سوى الوقوف خارج منزلهما و مشاهدتهم عبر النوافذ يمارسون حياتهم باعتيادية و بتعاقب الفصول و مرور السنوات عليهم
كانت جريمة كبيرة جعلت من أساطير اللعنات تحيا من جديد و تُصدق حتى أتى هو و حررهم من تلك الفكرة التي سيطرت عليهم و أودت بحياة كثير من الرجال ......... " الموت للرجال و الخلود للنساء " ، كان شعار ترفعه نساء روما و ايطاليا لليتخلصن من ظلم أزواجهن فهن كذلك كنّ ضحايا لمجتمع ذكوري لم يقدر دور المرأة به و كانت مجرد وسيلة
تنجب ، تنفذ رغباته و يبيعها لرجل آخر ذو سلطة كبيرة و يقبض ثمنها ، لا شيء سيء ينبع من فراغ بل نحن من نحفر له و نجعل من الحفرة عميقة للغاية و عندما تبتلعنا لا يمكننا الخروج فنعلق هناك للأبد
انتهت يوم 20/05/2020
كما يقول الكاتب الكبير " أدهم الشرقاوي " في كتابه
" و اذا الصحف نشرت "
الكيد ، تهمة الرجال للنساء
أنا لن أقتبس كل المقال و انما ما يخدم عملي منه
فقد قال هذا الرائع :
" خلق الله المرأة أرق من الرجل في المشاعر ، و أضعف منه البنية الجسدية ، و وضع الكيد فيها سلاحا تداري فيه رقتها ، و تعوّض به فارق القوة بينها و بين الرجل ، و كل من يحمل سلاحا ليس بالضرورة أن يستخدمه
الكيد ليس اختيارا أنثويا تُذم عليه النساء ، ليس مستحضر تجميل يضعنه بملء رغبتهنّ ، هو فطرة الله التي فطر الناس عليها و الله لا يُذم بشيء من خلقه ، لأنه سبحانه لا يخلق إلا لحكمة ، و يبقى خلقه حكمة و لو عجزنا عن ادراكها
نحن نستخرج أجمل ما في النساء ، و نحن نطلق أسوأ ما فيهنّ ، فتخيروا ما أنتم فاعلون "
الرواية تحدثت عن حادثة حقيقية و أنا عندما بحثت عن القصة حاولت ترتيب أفكاري و وضع شخصياتي بحيث لا أغير الكثير من الحقائق ، لقد عملت عليها بشغف كبير و في فترة ما فكرت بنشرها قبل " خلودٌ / تمانا " و لكن كنت قد قطعت لقرائي وعد بالنشر فيها لهذا التزمت بوعدي و هاهي تنتهي " أكوا توفانا " كذلك
لقد اسمتعت كثيرا معكم قرائي ، سعدت و ابتهجت لردودكم و تفاعلكم مع الأحداث و الشخصيات
لم يبقى لي سوى أن أقول دمتم في رعاية الله و حفضنا و حفظم
ترقبوا نشر المقابلة في " خلودٌ / تمانا " قريبا
و إلى أن نلتقي في عمل جديد باذن الله كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro