(33)
بقلم نهال عبد الواحد
أغلق الخط وشرد قليلًا ثم التفت إلى زوجته الجالسة جواره بنفس علامات التعجب المرسومة على وجهه...
فتساءلت: مين؟
-مروان.
- قصدك كابتن مروان بتاع هات وخد!
فأومأ برأسه فتابعت: وعايز إيه؟
- هو جاي كمان شوية، عايزني ضروري، تفتكري هيكون عايز إيه؟!
- بصراحة القصة دي كل مرة بيغلب فيها حماري وبتنقلب كل حاجة عكس توقعاتي، إستنى وشوف، يا خبر دلوقتي بفلوس كمان شوية يبقى بلاش!
فنظر إليها وربت على بطنها المنتفخة برفق ثم قال: حاسة بحاجة غريبة ولا حاجة؟
فأومأت أن لا وهي تقول: ممغصة على خفيف هاخد الدوا زي الدكتورة ما قالت لي وأشوف.
فهمّ واقفًا وهو يقول: هجيبهولك أنا.
ثم انصرف للداخل.
أما مروان فجلس على المائدة يتناول وجبته بشرودٍ وتباطؤ وأمه تتابع ملامحه بتعجب دون تعليق، أما هو فقد شرد قليلًا...
خرج من النادي لتوه يحمل حقيبته الرياضية على ظهره ويشرب بعض الماء ثم يمسك بهاتفه ويتصل بها...
- إيه يا حبيبي! وحشتيني!
- وإنت كمان، خلصت؟
- آه، لسه حالًا، هركب وآجي على طول.
- طب خلي بالك وإنت سايق؛ بفضل قلقانة عليك.
فقهقه بملء صوته قائلًا: حاضر يا قلبي، أول ما تقومي بالسلامة إن شاء الله هاخد شقة في القاهرة هنا ونستقر، نظام رايح جاي كل يوم والتاني ده هدة حيل.
- إن شاء الله.
- إنتِ كويسة!
- آه يا حبيبي، هنام شوية لحد ما توصل عشان ما أحسش بالوقت.
- أحسن برضو، بدل كل شوية تليفون، إنت فين! وصلت لحد فين!
- تصدق أنا غلطانة إني بطمن عليك.
- خلاص يا ستي أنا اللي غلطان، وهجيبلك كمان حاجة حلوة.
- ماشي! بحبك أوي على فكرة.
- وأنا كمان يا قلبي، مش كنتِ سمعتِ كلامي وجبتِ واحدة تساعدك وتخدمك!
-نو طبعًا، ما أحبش أي مؤنثة تدخل بيتي.
-بأه أي مؤنثة! هنشوف الموضوع ده لما آجي.
-طب بحبك.
-تاني!
وضحك بخفة ثم أكمل: وأنا يا عمري بحبك أوي!
ثم أغلق الخط وركب سيارته وانطلق بها، بينما أمنية كانت جالسة منتفخة الوجه والبطن وقد بدأت تشعر ببعض التعب فاستلقت على عدة وسادات لتغفو قليلًا وتنسى ذلك التعب!
وبعد حوالي ثلاث ساعات وصل مروان للبيت حاملًا لفة من الحلوى ثم وضعها على الطاولة وأخذ يتفقد البيت بحثًا عن زوجته التي اشتاق إليها وهو ينادي: أمنية، أمنية!
بحث عنها في حجرة المعيشة ثم في حجرة الأطفال التي كثيرًا ما تجلس فيها وتعيد ترتيب ملابس ولعب الطفل، وأخيرًا دلف لحجرة النوم فلم يجدها فانتابه القلق!
أخرج هاتفه يتصل عليها وهو ذاهبًا وآيبًا فانتبه لصوت رنينه المكتوم، أخذ يتصنّت عليه حتى شعر أن مصدر الصوت يأتي من أسفل ذلك الغطاء الموضوع على السرير.
رفع الغطاء ليجد هاتفها يرن، لكن أكثر ما صدمه هو بقعة من الدم فوق فراش السرير فجن جنونه وتذكر أنه لم يبحث عنها داخل الحمام.
اتجه مسرعًا نحو الحمام الخاص بحجرة نومهما ففتحه فوجدها جالسة أرضًا تمسك بيديها في مغطس الاستحمام من خلفها متصببة عرقًا تلفظ أنفاسها مع خروج صوت ضعيف مبحوح؛ يبدو أنها كانت تبكي أو تصرخ منذ وقتٍ طويل، وجهها شديد الذبول، وأرضية الحمام مبتلة بالماء، والذي في الغالب هو ماء الجنين خاصةً وهو مختلط بالدماء.
لم يعرف مروان كيف يتصرف وشُل عقله للحظات، ثم سحب فستانًا كان معلقًا خلف باب الحجرة كانت قد أعددته مسبقًا، ثم اتجه نحوها وألبسه لها فوق ملابسها وحملها وسار بصعوبة بسبب وزنها ثم سحب حقيبة الملابس التي كانت قد أعددتها من أجل الولادة وفيها مستلزماتها ومستلزمات الوليد.
اتجه مروان مسرعًا نحو المشفى وقد غاب عقله، لايدري كيف ذهب ولا كونه قد أغلق باب البيت أم تركه مفتوحًا!
كان كل همه وقتئذ أن يلحق زوجته ويسعفها.
ظل مروان أمام غرفة العمليات ذاهبًا آيبًا في قلقٍ شديد يشعر أن الوقت لا يمر أو ربما قد تأخروا كثيرًا، كانت تراوده الكثير من الأفكار السيئة، بالطبع كان يدفعها مسرعًا!
لكن قد مر وقت طويل بالفعل، كانت قد نفذت كل طاقته على التحمل والصبر، وفجأة يخرج الطبيب بخطواتٍ متباطئة منكّس الرأس.
يسرع إليه مروان شبه راكضًا يتساءل بلهفة وخوف شديد ينتابه: طمني يا دكتور!
فأجاب بأسى: البقاء لله! المدام...
فقاطعه مروان صارخًا بقوة محاولًا الانقضاض عليه لولا تدخل العاملين: لا! إنت كداب!
ثم بدأ يهدر بطريقة هيستيرية: لا لا، هي كانت مستنياني وأنا جبتلها الحاجة الحلوة اللي بتحبها، قول لها بس وهي هتقوم، هي نومها تقيل خصوصًا في الحمل، إنت بس ماخدتش بالك، طب طب أدخل معاك، دخلّني دخلّني عندها أرجوك...
لكن قاطعه خروج تلك النقّالة المتحركة ومغطى فوقها جسد ما، فاندفع نحوها ونزع الغطاء من فوق وجهها الشاحب وقد انعدمت منه أي مظهر من مظاهر الحيوية.
لكنه كان يهز جسدها بقوة ويصيح فيها: قومي يا أمنية، قومي أنا جيت وجبتلك معايا الحاجة اللي بتحبيها، جبتلك مشبّك، شوفتِ الدكتور بيهلوس، أنا عارف إن نومك تقيل، قومي قولي له، إنتِ قولتِ هنام شوية لحد ما أوصل ما قولتيش إنك هتسيبني! أمنية أمنية!
ويفيق من شروده بفجأة ومرسوم على ملامحه الفزع والانزعاج، ثم يزفر بشدة و يمسك جبهته ثم يتناول كوب الماء ويرتشف بضع رشفات، ثم يتنهد بهدوء يومئ برأسه أن لا وهو يتمتم: خلاص خلاص.
كانت أمه تتابعه وتتابع تقلّص ملامحه وتشنّجها وتتأكد من داخلها لأين ذهب بشروده؛ فقد اعتادت على تلك الملامح منذ سنوات، لكنه بدأ يهدأ تدريجيًا كأنما يهدّئ نفسه، فظلت متابعة له دون أن تعقب.
نهض مروان وأبدل ملابسه ببنطال وقميص أنيق ثم قبّل رأس أمه وانصرف، بينما هي تمتمت داعية له بأن ينال مراده ويتمم الله عليه أمره.
اتجه مروان لبيت عمرو حسب العنوان الذي أرسله إليه، وصل إليه فأحسن عمرو استقباله وجلسا الشابان يتجاذبان أطراف الحديث ثم عمّ الصمت لبعض الوقت.
كان يبدو مروان متوترًا وعمرو مندهشًا وشديد الفضول يود لو يسأله عن السبب الحقيقي لطلب مقابلته لكنه استحيى!
وأخيرًا قال مروان بتوتر: بصراحة يا عمرو، أنا جاي إنهاردة عشان حاجة معينة، قصدي موضوع معين.
فأومأ له عمرو أن استمِر في حديثك، فتابع: بصراحة يعني، أنا كنت طمعان في طلب كده...
ابتلع ريقه قليلًا ثم أكمل: كنت... كنت... كنت عايز أتقدم أخطب أختك أستاذة كارما، و... و...
تنحنح قليلًا ومسح وجهه، ثم تابع: يعني، أنا جاي أعرض عليك الأمر، و... وإنت تقول لي أتصرف إزاي!
أومأ عمرو برأسه ثم قال: كارما تعرف بالطلب ده؟!
فتنحنح قليلًا ثم قال: هي بتيجي لكريم في مواعيد أنا مش موجود فيها بالاتفاق مع والدتي.
فأومأ عمرو مجيبًا: أيوة عارف، أنا بسأل هي عارفة برغبتك دي؟
- إنهاردة بالصدفة رجعت بدري وقابلتها وهي مروحة، و... و....
- قولت لها!
فأومأ مروان برأسه فتابع عمرو: وهي قالت لك موافقة!
- هو أنا قولت لها إني عايز أتقدم يعني و...
كان مروان يتحدث بتوتر شديد، فقال عمرو: يعني تقصد إنك بلغتها بالخطوة دي!
فأومأ مروان برأسه وهو يزفر براحة، فسكت عمرو قليلًا ثم قال: بس إنت عارف موضوع زي ده ما ينفعش فيه الرد فورًا، ولا الرد في إيدي لوحدي من الأساس.
- مفهوم طبعًا، أنا جاي أفتح معاك الموضوع كصديق لما إتأكدت إني فعلًا عايزها و... و... وحسيت يعني إنها مش رافضة، و إنت دلّني أعمل إيه!
- عمومًا هبلغ والدي ونتشاور ونرد عليك بالمفيد.
- على أقل من مهلكم.
قالها براحة مع اتساع لابتسامته.
- لكن لحد ده ما يحصل، مفيش مقابلات ولا رسايل ولا اتصالات، تمام!
فأومأ مروان برأسه وهو يؤكد: وعد مش هتصل بيها ولا أكلمها، عمومًا إحنا ما اتكلمناش ولا اتقابلنا من زمن.
- وأنا بثق في أختي وعارف إنها بتيجي عندكم عشان شغلها وبس!
فأومأ مروان برأسه وقبل أن ينطق جاء صوت صراخ سمر من الداخل فأفزعهما، فانتفض عمرو تاركًا مروان وأسرع للداخل بينما مروان كان متوترًا ومرتبكًا.
بعد لحظات خرج عمرو بلهث ويمسك بهاتفه يتصل برقم الطبيبة ويهدر بفزع: أيوة يا دكتور، أنا زوج مدام سمر، أيوة أيوة، هي تعبانة أوي، طيب طيب، على طول، ألف شكر!
ثم التفت نحو مروان الذي هب واقفًا بفزع وهو يقول: معلش يا مروان سمر بتولد نبقى نشوف الموضوع ده بعدين.
- تمام تمام، يلا بسرعة وأوصلكم عل مستشفى!
- أشكرك جدًا، معايا عربيتي.
- إسمع الكلام كفاية عليك قلقك، يلا هات الشنطة وساعدها إنت.
- متشكر جدًا.
كانت كارما جالسة تتناول وجبتها بشهية مفتوحة لم تعهدها أمها فكادت تسألها لكنها تراجعت، وبعد قليل قالت بتعجب: سبحان الله!
- في حاجة يا ماما!
- أصل ما شاء الله، شوية وتاكليني!
- يعني آكل ما يعجبش، ما أكلش ما يعجبش برضو! حيرتيني معاكِ يا مامتي!
فصدح صوت هاتفها فاتجهت الأم تجيب: آلو، أيوة حبيبي، إيه بتولد! روحتو المستشفى! يا بني دي بكرية والبكرية بتطوّل، طيب خلاص خلاص جايالك، كلمت مامتها، طيب مسافة السكة.
فجاءت كارما جوار أمها وتساءلت: سمر بتولد ولا إيه!
- أيوة، وأول ما قالت آي وداها عل مستشفى!
- أمال يعمل إيه يعني!
- تقوم تتمشى تخلي الطلق يشد، أهو هيلطعوها هناك شوفي أد إيه! إبعتِ رسالة لأبوكِ عبال ما اجهز علبة البلح واليانسون والحلبة، يمكن أمها تنسى ولا حاجة، يلا إتحركي!
هكذا صاحت فيها هدى، ففعلت كارما ما طلبته أمها ثم بدلت ملابسها، وبعد أن أعدت هدى ما ستأخذه بدلت ملابسها هي الأخرى وذهبتا إلى هناك.
عندما وصلت كارما وأمها إلى المشفى وجدتا عمرو ومروان يقفان في الطرقة خارج الغرفة، فتورد وجه كارما وارتسمت ابتسامة على ثغرها لا تناسب الجو الحالي على الإطلاق فبادلها مروان الابتسامة وقد انتبه لهما عمرو بينما رمقته هدى وسحبت ابنتها من يدها وأشارت لعمرو فاقترب فهمست له: جاي ليه ده؟!
فهمس لها: كان معايا ساعة ما سمر تعبت واتكرم ووصلنا كتر خيره.
فزمت شفتيها بتأفف وعدم رضا ثم قالت: وفين مراتك؟
- جوة مع مامتها معلقينلها محلول.
- قولت أنا لسه بدري دي بكرية!
- يا ماما هنا ءأمن هم يتابعوها ويشوفوا شغلهم أفضل.
فزمت شفتيها مجددًا وسحبت ابنتها من يدها ودلفت بها لداخل الغرفة.
كان مروان يتابع تحركات هدى وكيفية جذبها لابنتها بتلك الصورة، هاجمته الكثير من الأفكار والوساوس لكنه آثر الاستئذان، فاستأذن وانصرف...
................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro